الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما اجتمع فيه من الحروف المتحركة، واشتغلوا منه بأبحاث دون تلك وزنا معتقدين أن لهم في هذا كله ثوابا عند الله وأجرا، إذ حققوا إرادته الأزلية في حفظ كلامه المبين من عبث السنين.
ويمكن تحديد
أهم النتائج التي توصلنا إليها من هذا التمهيد
كما يأتي:
1 -
القرآن الكريم: هو كتاب الله تعالى الذي أنزله على خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم لهداية البشر، وهو دستور الحق لإصلاح الخلق، وقانون السماء لهداية الأرض، أودعه ربنا تعالى كل تشريع، وضمنه كل موعظة من شأنها تحقيق السعادة للبشرية جمعاء، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} [يونس: 57 - 58]
2 -
لم تكن كتب علوم القرآن -في القرن الأول- قد انفردت واستقلّت بالتأليف؛ بل نرى بعض الموضوعات كُتِبَتْ على وجه الاستقلال في القرون الأولى؛ كعلمِ القراءاتِ، وعلمِ الرسمِ، والناسخِ والمنسوخِ، وإعجاز القرآن، وبعض الكتب جمعت أكثر من نوع من هذه الأنواع.
3 -
كان القرآن الكريم موضع اهتمام المسلمين من أول يوم تنزل فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعاه الصحابة وحفظوه، وكتبوه، وطبقوا ما فيه، وكان ما قام به أبوبكر الصديق بمشورة عمر رضي الله عنهما من جمع القرآن مما هو مكتوب أو محفوظ في عهده صلى الله عليه وسلم عملا عظيماً حُفظ به القرآن، وسار على نهجه عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما جمع الناس على مصحف واحد ومنع الاختلاف بين المسلمين، وقد نال زيد بن ثابت رضي الله عنه شرف تحمل مسؤولية جمع القرآن في عهد أبي بكر، وكتابته في عهد عثمان.
4 -
الوحي عملية مرتبطة بحوار ثنائي: بين ذات أمرة، وذات متلقية، ورأينا ظاهرة الوحي مرئية ومسموعة، ولكنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وحده، ولم يكن الوحي ظاهرة ذاتية عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقاً، بل كانت منفصلة عنه انفصالاً تاماً، ربما صاحبه من خلالها إمارات خارجية في شحوب الوجه أو تصبب الجبين عرقا، ولكنها إمارات لم تكن لتمتلك عليه وعيه نهائياً، وكان الداعي لبحث ذلك هو الرد على هجمات طائفة من المستشرقين الذين يرون الوحي نوعا من الإغماء، أو مثلاً من التشنج، والأمر ليس كذلك، بل هو استقبال لظاهرة، أعقبه هذا الوقع، استعداد للنشر والتبليغ. بعد هذا أرسينا مصطلح الوحي على قاعدة من الفهم القرآني.
5 -
تناول البحث تحديد بداية نزول القرآن زمنياً، وتعيين ما نزل منه أول مرة، ثم أشرنا للنزول التدريجي، وضرورة تنجيم القرآن، وعالجنا هذه الظاهرة بما نمتلك من تقليل لأسرارها، وتقييم لأبعادها، وأوضحنا إيمان القرآن بمرحلية النزول، وتعقبنا ذلك بتأريخية ما انقسم منه إلى مكي ومدني، وسلطنا الضوء على ضوابط السور المكية والمدنية، وحمنا حول أسباب النزول وقيمتها الفنية، وما يستأنس منه بجذورها في تعيين النزول زمانياً ومكانياً، وتتبعنا ما نزل من القرآن بمكة أولاً بأول، وما نزل بالمدينة أولاً بأول، معتمدين على أصح الروايات وأشهرها، أو بما يساعد عليه نظم القرآن وسياقه، وختمنا الفصل بجدول إحصائي إستقرائي لسور القرآن كافة بترتيبها العددي والمصحفي والزماني والمكاني.
6 -
إن للآيات القرآنية قصة تعين على الفهم السديد وتلهم أرجح التأويل وأصح التفسير وهو ما يسمى بأسباب النزول، وحين وصفنا مقاييس المفسرين المحققين في ترجيح الروايات المنبئة عن تلك الأسباب بمصطلحها الدقيق وتخريجها الذكي ونقدها الحصيف، وجمعها بين السبب
التاريخي والسياق الأدبي في الآيات التي وضعت في السطور على حسب الحكمة ترتيبا وحفظت في الصدور على حسب الوقائع تنزيلا، وحين تحدثنا عن ألوان من التناسق الفني يعوض بها القرآن أسباب النزول إذا لم تعرف، أو يؤكد مدلولاتها "بالنماذج" الحية إذا عرفت ولم تحفظ، أو حفظت ولم تشتهر.
7 -
إن في اعتبار الشكل المصحفي، وطريق الرواية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتعدد لهجات القبائل، مضافاً إلى المناخ الإقليمي القائم بين مدرستي الكوفة والبصرة، أسسا قابلة للاجتهاد والأثر في تعدد القراءات القرآنية، وانتهينا إلى أن الاختلاف كان في الأقل، والاتفاق في الأكثر، وحددنا وجهة النظر العلمية تجاه القراء السبعة والقراءات السبع، وأعطينا الفروق المميزة بين القراءة والاختيار، وأوردنا مقاييس القراءة المعتبرة
8 -
وقد تقصينا الخطوات التي مر بها التفسير حتى اتخذ الصورة التي نجده عليها في بطون المؤلفات، وأن نفرق بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، وأن نتبين كيف يفسر القرآن بالقرآن لما في دلالته من الإحاطة والشمول، في منطوقه ومفهومه، وعامه وخاصه، ومطلقه ومقيده، ومجمله ومفصله، ونصه وظاهره.
9 -
إن القرآن كله محكم بمعنى أنه متقن غاية الإتقان، وهو أيضًا متشابه، بمعنى أنه يصدق بعضه بعضًا؛ أما من جهة الاصطلاح، فالمحكم ما عُرف المقصود منه، والمتشابه ما غَمُض المقصود منه. وظهر لنا أيضًا الموقف السليم من النصوص الواردة في باب الصفات، وأن القول الصواب فيها ما ذهب إليه السلف من إجراء تلك النصوص على ظاهرها، دون أن يقتضي ظاهر تلك النصوص تمثيل الخالق بالمخلوق.
10 -
وتبين لنا بعد التجوال في ميدان علوم القرآن الكريم أن (الناسخ والمنسوخ) علم من آكد العلوم وأوجبها تعلما وحفظا وبحثا وفهما وخاصة لمن أراد أن يخوض غمار تفسير كتاب الله تعالى وأن يغوص في لجته لاستخراج الدرر الثمينة والجواهر النفيسة. بل إنه علم لا يسع كل من تعلق بأدنى علم من علوم الديانة جهله كما قال ذلك? مكي بن أبي طالب القيسي? ? رحمه الله تعالى، وإن مما يدل على عظم شأن هذا العلم وجليل خطره أن? الإمام أحمد? وإسحاق بن راهويه? عداه شرطا لكون الإنسان عالما. وأن? أبا يوسف? صاحب? أبي حنيفة? اعتبره شرطا للإفتاء بل قال: إنه لا يحل? لأحد أن يفتي حتى يعرفه.
11 -
إن الترجمة عامل آخر يسير موازيًا لتعلم لغة القرآن الكريم في نشر دعوته، وتبليغ هدايته للعالمين، وليس بالضرورة أن يتحول المسلمون جميعًا إلى عرب، فأكثر المسلمين في أرض الله اليوم من العجم، وها نحن نراهم أشد نصرة لدين الله، وأكثر حرصًا على طلب العلم، وأكثر الأئمة الأعلام كانوا من غير العرب، وقد سجل القرآن الكريم، أن من آيات الله العظمية، وآيات القدرة: اختلاف الألسنة واللهجات.
فلا مانع أن يُترجم القرآن الكريم لغير العرب، وأن يدخل غير العرب في دين الإسلام، ويتعلمون اللغة العربية.
12 -
وننتهي إلى إعجاز القرآن، فإذا نحن نرد سحره إلى نسقه الذي يجمع بين مزايا النثر والشعر جميعا، بموسيقاه الداخلية، وفواصله المتقاربة في الوزن التي تغني عن التفاعيل، وتقفيته التي تغني عن القوافي، ورأينا كيف تم للقرآن من الإعجاز بالألفاظ الجامدة ما لا يتم للفنان من الإبداع بالريشة والألوان، وحاولنا في تصور التشبيه والاستعارة والكناية وأنواع المجاز أن نبث الحياة في اصطلاحات القدامى، فكان القرآن -في هذا كله- نسيجا واحدا في بلاغته وسحر بيانه،
إلا أنه متنوع تنوع موسيقى الوجود في أنغامه وألحانه
فذلك هو القرآن: إن نطق لم ينطق إلا بالحق، وإن علم لم يعلم إلا الهدى والرشاد، وإن صور لم يصور إلا أجمل لوحات الحياة، وإن رتل ترتيلا لم يسمع بعده لحن في الوجود ذلك كتاب الله المجيد (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
وأخيرا فالقرآن الكريم، هو مرجع الإسلام الأول، ودليله الأعظم، إليه المستند في العقائد، والعبادات، والحكم، والأحكام، والآداب، والأخلاق، وفيه القصص، والمواعظ، والعلوم، والمعارف، لذلك كله، كان القرآن الكريم، موضع العناية الكبرى من الرسول? ومن صحابته، والتابعين، ومن سلف الأمة، وخلفها جميعًا، منذ القرن الأول إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وسيبقى كتاب الله هذا محفوظًا بحفظ الله؛ مصداقًا لقوله سبحانه:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9].
وقد تبيّن لنا من خلال البحث أن العناية بالقرآن اتخذت أشكالًا مختلفة؛ فتارةً تتوجّه إلى لفظه وأسلوبه، وأخرى إلى كتابته ورسمه، وثالثة إلى إعجازه وتفسيره.
ويمكننا أن نقول: إن كتاب الله تعالى -الذي حظي من عناية العلماء بالجهد الموفور، لشرحه وتفسيره، وبيان علومه، وهداياته- قد شمل عدة أنواع من المؤلفات، ككُتب التفسير، وكتب علوم القرآن، وكتب المناهج، وكتب الدخيل، فضلًا عن الموضوعات الخاصة في مؤلفاتها الموجزة في العقيدة، والأخلاق، والمعاملات
…
ونحو ذلك، ولقد رأينا علماءنا سلفًا، وخلفًا قد ألَّفُوا الكُتُبَ، وتباروْا في هذا الميدان؛ حتى زخرت المكتبة الإسلامية، بثروةٍ لا نظيرَ لَهَا، وتراث عظيم، من المصنفات المتنوعة، والموسوعات القيمة.
وبعد كان هذا إيذانا بجملة من نتائج البحث، الذي وقفنا عنده، فتلك مباحث في علوم القرآن لا ننمي إليها السعة والشمول، ولا ندعي لها التفصيل والاستيعاب، إنما هي طائفة من المسائل المهمة التي نرجو ألا يجهلها أو يتجاهلها عربي ينطق بالضاد أو مسلم يهتف بهذا الدين الحنيف، وها نحن أولاء نتركها بين أيدي القراء سائلين الله أن يشوقهم بها إلى تلاوة كتابه، فتدبر أحكامه، فالعمل بتعاليمه، لعل التاريخ يعيد نفسه، ولعلنا نرجع بهذا الكتاب كما كنا خير أمة أخرجت للناس، ونسأل الله تعالى أن يتقبله منا بأحسن قبوله، وأن ينفع به الباحثين والدارسين، وأن يجعله ذخيرة لنا يوم الدين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
المؤلف
انتهى المقدمة والتمهيد، ويليه تفسير سورة الفاتحة.