الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
423 - (41) باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه وأن كل معروف صدقة
(2207)
(967) - (117) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تُوصِ. وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ. أَفَلَهَا أَجْرٌ، إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَال:"نَعَمْ"
ــ
423 -
(41) باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه وأن كل معروف صدقة
(2207)
(967)(117)(وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (حدثنا هشام) بن عروة المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم قيل: هو سعد بن عبادة رضي الله عنه وأمه عمرة بنت مسعود (فقال: يا رسول الله إن أمي افتلتت) بضم التاء الأولى وكسر اللام وفتح الثانية التي هي لام الكلمة وسكون الثالثة لأنها تاء التأنيث على صيغة المبني للمجهول (نفسها) بالرفع على أنه نائب فاعل أي أخذت نفسها وروحها افتلاتًا وفجأة فيكون الفعل متعديًا إلى واحد وذلك الواحد قام مقام الفاعل وهو الله سبحانه أي أخذ الله نفسها وقبضها افتلاتًا أي بغتة وبالنصب على أنه مفعول ثان والأول ضمير يعود على الأم كان نائب فاعل والمعنيان أمي سلبت وأخذت نفسها وروحها بغتة من الافتلات وهو أخذ الشيء بسرعة وكل شيء فعل بلا تمكث ولا ترو فقد افتلت ويقال افتلت الكلام إذا ارتجله واقترحه واقتضبه بلا ترو ولا فكر والمعنى إن أمي ماتت فجأة (ولم توص) شيئًا من التبرعات (وأظنها) أي وأظن أنها (لو تكلمت) أي لو قدرت على الكلام (تصدقت) أي أوصت بتصدق شيء من مالها (أفلها أجر) وثواب أي فهل لها أجر (إن تصدقت) الرواية الصحيحة بكسر الهمزة من إن على الشرطية ولا يصح قول من فتحها لأنه إنما سأل عما لم يفعله أي إن دفعت الصدقة بنية التصدق (عنها قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) لها أجر إن تصدقت عنها فيه جواز الصدقة عن الميت وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه ولا سيما إن كان من الولد.
(2208)
(0)(0) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا شُعَيبُ بْنُ إِسْحَاقَ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: وَلَمْ تُوصِ. كَمَا قَال ابْنُ بِشْرٍ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الْبَاقُونَ
ــ
قال القرطبي: ولم يختلف في مقتضى هذا الحديث وهو أن الصدقة بالمال نافعة للميت واختلف في عمل الأبدان.
هل ينفع الميت إذا فعل عنه كالصوم والصلاة والتلاوة فمن حمله على المال قال: ينفعه ومن لم يحمله عليه وأخذ بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى} [النجم: 39]، قال: لا ينفعه وقال مالك والشافعي العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم والتلاوة فلا يصل ثوابها إلى الميت بخلاف غيرها كالصدقة والحج وسيأتي كمال هذه المسئلة في الصوم والحج إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم بزيادة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 511) والبخاري (2760) والنسائي (6/ 250).
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
(2208)
(0)(0)(وحدثنيه زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة ح وحدثني علي بن حجر) بن إياس السعدي المروزي (أخبرنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (ح حدثنا الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي أبو صالح القنطري نسبة إلى القنطرة موضع ببغداد (حدثنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي مولاهم البصري ثم الدمشقي (كلهم) أي كل من يحيى وأبي أسامة وعلي بن مسهر وشعيب بن إسحاق رووا (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى محمد بن بشر عن هشام غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لمحمد بن بشر (و) لكن (في حديث أبي أسامة: ولم توص كما قال ابن بشر ولم يقل ذلك) أي لفظة ولم توصِ (الباقون) من الأربعة.
(2209)
(968) - (118) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ، (فِي حَدِيثِ قُتَيبَةَ. قَال: قَال نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم. وَقَال ابْنُ أَبِي شَيبَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ"
ــ
ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث حذيفة رضي الله عنه فقال:
(2209)
(968)(118)(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عباد بن العوام) بن عمر الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي ثقة من (8)(كلاهما) أي كل من أبي عوانة وعباد بن العوام رويا (عن أبي مالك الأشجعي) سعد بن طارق بن أشيم الكوفي ثقة من (4)(عن ربعي بن حراش) العبسي الكوفي ثقة مخضرم من (2)(عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه.
وهذان السندان من خماسياته الأول منهما رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد واسطي وواحد بلخي والثاني منهما رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد واسطي وفيه رواية تابعي عن تابعي ولكن (في حديث قتيبة) وروايته (قال) حذيفة: (قال نبيكم صلى الله عليه وسلم باللفظ الصريح في السماع (وقال ابن أبي شيبة: عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ العنعنة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة) أي كل ما يفعل من أعمال البر والخير كان ثوابه كثواب من تصدق بالمال والله أعلم اهـ من المفهم.
قال الراغب: المعروف اسم كل فعل يعرف حسنه بالشرع والعقل معًا ويطلق على الاقتصاد لثبوت النهي عن السرف.
وقال ابن أبي جمرة: يطلق اسم المعروف على ما عرف بأدلة الشرع أنه من أعمال البر سواء جرت به العادة أم لا قال: والمراد بالصدقة الثواب فإن قارنته النية أجر صاحبه جزمًا وإلا ففيه احتمال قال: وفي هذا الكلام إشارة إلى أن الصدقة لا تخص في الأمر المحسوس منه فلا تختص بأهل اليسار مثلًا بل كل واحد قادر على أن يفعلها في أكثر الأحوال بغير مشقة.
(2210)
(969) - (119) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَينَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
ــ
وقال ابن بطال: دل هذا الحديث على أن كل شيء يفعله المرء أو يقوله من الخير يكتب له به صدقة اهـ من فتح الملهم.
وفي المبارق: (كل معروف) أي كل ما عرف فيه رضاء الله تعالى (صدقة) أي ثوابه كثواب الصدقة وفيه إشارة إلى أنه لا يحتقر شيء من المعروف كما لا يحتقر شيء من الصدقة اهـ منه وفي المشكاة عن مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي (وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك) اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 383 و 397) وأبو داود ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حذيفة بحديث أبي ذر رضي الله تعالى عنهما فقال:
(2210)
(969)(119)(حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى بني ضبيعة مصغرًا أبو عبد الرحمن البصري ثقة من (10)(حدثنا مهدي بن ميمون) الأزدي أبو يحيى البصري ثقة من (6)(حدثنا واصل مولى أبي عيينة) مصغرًا بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي البصري صدوق من (6)(عن يحيى بن عقيل) مصغرًا الخزاعي البصري نزل مرو صدوق من (3)(عن يحيى بن يعمر) البصري القيسي قاضي مرو ثقة من (3)(عن أبي الأسود الديلي) البصري القاضي ظالم بضم اللام بن عمرو بن سفيان ثقة فاضل مخضرم من (2)(عن أبي ذر) الغفاري المدني رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا ذر فإنه مدني ربذي ومن لطائفه أيضًا أن فيه ثلاثة من التابعين يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود.
(أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم)
يَا رَسُولَ اللهِ! ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ. يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي. وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ. وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَال: "أَوَلَيسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً
ــ
والذي تقدم في باب استحباب الذكر بعد الصلاة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا وقد سمى منهم في بعض روايات أبي داود أبا ذر الغفاري راوي حديث الباب وسمي منهم أبو الدرداء عند النسائي وغيره ويشعر سياق بعض الروايات أن أبا هريرة منهم والله أعلم كذا قاله الحافظ رحمه الله تعالى:
(يا رسول الله ذهب) أي استبد وفاز (أهل الدثور) أي أصحاب الأموال الكثيرة بضم المهملة والمثلثة جمع دثر بفتح ثم سكون وهو المال الكثير (بالأجور) الكثيرة والمثوبات الوفيرة وفي حديث أبي هريرة (بالدرجات العلى والنعيم المقيم) فمقصود الفقراء تحصيل الدرجات العلى والنعيم المقيم لهم أيضًا لا نفي زيادة الأغنياء مطلقًا.
وقوله: (يصلون) الليل (كما نصلي ويصومون) النهار (كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم) أي بالأموال الفاضلة عن حاجاتهم ونحن فقراء لا نقدر على هذا التصدق واستبدوا منا وفاقوا علينا بأجر التصدق كلام مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: كيف ذهبوا بالأجور فقالوا: يصلون كما نصلي الخ.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) تقولون ذلك أي لا تقولوا ذلك فالهمزة للاستفهام التقريري المضمن للنهي (وليس) الشأن (قد جعل الله) سبحانه (لكم ما تصدقون) به قال النواوي: الرواية بتشديد الصاد والدال جميعًا ويجوز في اللغة تخفيف الصاد أي ثوابًا مثل ثواب ما تصدقون به اهـ مبارق.
وقال ابن الملك: والاستفهام في قوله: (أو ليس) لتقرير ما بعد النفي وما عطف عليه الواو محذوف أي أليس لكم ثواب مثل ثواب الأغنياء وليس قد جعل الله لكم اهـ.
وقوله (إن بكل تسبيحة) الخ استئناف بياني سيق لبيان ما أجمل من التصدق الذي أثبته لهم أي إن لكم بكل مرة من التسبيح (صدقة) أي ثوابًا مثل ثواب التصدق بالمال وكذا يقال فيما بعده.
قال القاضي: يحتمل تسميتها صدقة أن لها أجرًا كما للصدقة أجر وإن هذه الطاعات تماثل الصدقات وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام وقيل: معناه أنها صدقة على نفسه اهـ.
وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ. وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ. وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ. وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ"
ــ
قال الحافظ: اختلاف الروايات دال على أن لا ترتيب في هذه الأذكار ويستأنس لذلك بقوله في حديث الباقيات الصالحات: (لا يضرك بأيهن بدأت) لكن يمكن أن يقال: الأولى البداءة بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائص عن الباري سبحانه وتعالى ثم التحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال له إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال ثم التكبير إذ لا يلزم من نفي النقائص واثبات الكمال أن لا يكون هناك كبير آخر ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده سبحانه وتعالى بجميع ذلك (و) إن لكم بـ (محل تكبيرة صدقة و) بـ (محل تحميدة صدقة و) بـ (كل تهليلة صدقة) قال النواوي: رويناه بوجهين رفع صدقة على الاستئناف ونصبه عطفًا على أن بكل تسبيحة صدقة.
وقوله: (وأمر بالمعروف) بالرفع على الابتداء سوغ الابتداء بالنكرة عمله فيما بعده أو وقوعه في معرض التفصيل (صدقة) أي على صاحبك بالنصيحة وإرادة المنفعة سواء قبلها أم لا (ونهي عن منكر صدقة) فيه إشارة إلى ثبوت حكم الصدقة في كل فرد من أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا أنكره والثواب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أكثر منه في التسبيح والتحميد والتهليل لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية وقد يتعين ولا يتصور وقوعه نفلًا والتسبيح والتحميد والتهليل نوافل ومعلوم أن أجر الفرض أكثر من أجر النفل لقوله عز وجل: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضت عليه) رواه البخاري من رواية أبي هريرة وقد قال إمام الحرمين من أصحابنا عن بعض العلماء: إن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل بسبعين درجة واستأنسوا فيه بحديث كذا قال النواوي رحمه الله تعالى.
قال القرطبي: ومقصود هذا الحديث أن أعمال الخير إذا حسنت النيات فيها تنزلت منزلة الصدقات في الأجور ولا سيما في حق من لا يقدر على الصدقة ويفهم منه أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل له من سائر الأعمال القاصرة على فاعلها اهـ من المفهم.
(وفي بضع أحدكم) أي في جماعه (صدقة) على نفسه وعلى حليلته وإنما لم يقل: (وببضع أحدكم) إشارة إلى أنه إنما يكون صدقة إذا نوى به عفاف نفسه أو زوجته أو حصول ولد صالح وفيه جهة أخرى وهي الالتذاذ والشهوة وعلى هذا لا يكون صدقة قاله
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَال:"أَرَأَيتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيهِ فِيهَا وزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا"
ــ
ابن الملك والبضع بضم الباء وسكون الضاد يطلق على الجماع ويطلق على الفرج نفسه وكلاهما تصح إرادته هنا وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعهما جميعًا من النظر إلى حرام أو الفكر فيه أو الهم به أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.
قال الطيبي: والباء في قوله: (إن بكل تسبيحة صدقة) بمعنى في وإنما أعيدت في قوله: (وفي بضع أحدكم) لأن هذا النوع من الصدقة أغرب اهـ فتح الملهم.
(قالوا: يا رسول الله أيأتي) أي هل يقضي ويفعل (أحدنا شهوته) واستمتاعه (ويكون) بالنصب بعد واو المعية الواقعة في جواب الاستفهام وبالرفع عطفًا على يأتي أي فيكون (له فيها) أي في قضاء شهوته (أجر) وثواب (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم) أي أخبروني (لو وضعها) أي لو قضى شهوته (في) فرج (حرام أكان عليه) أي على أحدكم (فيها) أي في وضع شهوته في الحرام (وزر) أي ذنب قالوا: نعم قال الطيبي: أقحم همزة الاستفهام على سبيل التقرير بين لو وجوابها تأكيدًا للاستخبار في أرأيتم اهـ.
قال: (فكذلك) أي فكما يكون عليه وزر إذا وضعها في الحرام (إذا وضعها) أي وضع شهوته (في) الفرج (الحلال كان له أجرًا) بالرفع على أن كان تامة وبالنصب على أنها ناقصة واسمها ضمير يعود على الوضع والمعنى عليه فكما يكون وضعها في الحرام وزرًا كان وضعها في الحلال أجرًا له.
قال النواوي: (أجرًا) ضبطناه بالنصب والرفع وهما ظاهران اهـ.
قال القاري: فالأجر ليس في نفس قضاء الشهوة بل في وضعها موضعها كالمبادرة إلى الإفطار في العيد وكأكل السحور وغيرهما من الشهوات النفيسة الموافقة للأمور الشرعية ولذا قيل: الهوى إذا وافق الهدى فهو كالزبد مع العسل ويشير إليه قوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ} [القصص: 50] هذا ما سنح لي وخطر ببالي والله أعلم اهـ منه.
قال القرطبي: قولهم: (أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجرًا) استفهام من
(2211)
(970) - (120) حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ (يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ) عَنْ زَيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ
ــ
استبعد حصول أجر بفعل مستلذ يحث الطبع عليه وكان هذا الاستبعاد إنما وقع من تصفح الأكثر من الشريعة وهو أن الأجور إنما تحصل في العبادات الشاقة على النفوس المخالفة لها ثم إنه صلى الله عليه وسلم أجابهم على هذا بقياس العكس فقال: (أرأيتم لو وضعها في حرام) ونظمه: كما يأثم في ارتكاب الحرام يؤجر في فعل الحلال وحاصله راجع إلى إعطاء كل واحد من المتقابلين ما يقابل به الآخر من الذوات والأحكام وقد اختلف الأصوليون في هذا النوع من القياس هل يعمل عليه أم لا على قولين وهذا الحديث حجة لصحة العمل بهذا النوع اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 167 و 168) وأبو داود (5243 و 5244).
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث حذيفة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:
(2211)
(970)(120)(حدثنا حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي (الحلواني) المكي ثقة من (11)(حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع) الحلبي الطرسوسي ثقة من (10)(حدثنا معاوية يعني ابن سلام) بن أبي سلام ممطور بن عمار الحبشي الدمشقي الحمصي ثقة من (7)(عن) أخيه (زيد) بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي الدمشقي ثقة من (4)(أنه) أي أن زيدًا (سمع) جده (أبا سلام) ممطور بن عمار الحبشي الأعرج الدمشقي ثقة من (3)(يقول: حدثني عبد الله بن فروخ) القرشي التيمي مولى عائشة الدمشقي روى عن مولاته عائشة في الزكاة وأبي هريرة في شرف النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه: (م د) وأبو سلام الحبشي ممطور بن عمار وشداد أبو عمار قال العجلي: شامي تابعي ثقة وقال أبو حاتم: مجهول وقال في التقريب: ثقة من الثالثة روى له مسلم حديثين أخرج أبو داود أحدهما وهو أنا سيد ولد آدم والآخر في الذكر بعدد المفاصل (أنه سمع عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم شاميون وواحد مدني وواحد مكي وفيه رواية تابعي عن تابعي.
تَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاثِمَائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ، وَحَمِدَ اللَّهَ، وَهَلَّلَ اللَّهَ، وَسَبَّحَ اللَّهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاثِمِائَةِ السُّلامَى. فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ
ــ
(تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه) أي إن الشأن والحال (خلق) بالبناء للمجهول ونائب فاعله كل إنسان ويصح أن يعود الضمير إلى الله لكونه معلومًا ويكون خلق على صيغة المبني للفاعل والمعنى عليه إن الله سبحانه وتعالى خلق (كل إنسان) وشخص (من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل) بالإضافة بفتح الميم وكسر الصاد ملتقى العظمين في البدن كما في القاموس.
قال القرطبي: قوله: (إنه خلق كل إنسان) إلخ الضمير في إنه ضمير الأمر والشأن والمفاصل هي العظام التي ينفصل بعضها من بعض وقد سماها سلاميات قال أبو عبيد: السلامى بوزن الحبارى في الأصل عظم في فرسن البعير وقد تقدم القول في السلاميات في الصلاة ومقصود هذا الحديث أن العظام التي في الإنسان هي أصل وجوده وبها حصول منافعه إذ لا تتأتى الحركات والسكنات إلا بها والأعصاب رباطات واللحوم والجلود حافظات وممكنات فهي إذًا أعظم نعم الله على الإنسان وحق المنعم عليه أن يقابل كل نعمة منها بشكر يخصها وهو أن يعطي صدقة كما أعطى منفعة لكن الله تعالى لطف وخفف بأن جعل التسبيحة الواحدة كالعطية وكذلك التحميدة وغيرها من أعمال البر وأقواله وإن قل مقدارها وأتم تمام الفضل أن اكتفى من ذلك كله بركعتين في الضحى على ما مر وقد نبهنا على سر ذلك في باب صلاة الضحى اهـ من المفهم.
(فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل) أي أزال وأبعد (حجرًا) يؤذي المارة (عن طريق الناس أو شوكة) هي واحدة الشوك (أو عظمًا) يؤذي المارة أو نحوها (عن طريق الناس وأمر بمعروف) في الشرع (أو نهى عن منكر) في الشرع (عدد) منصوب بنزع الخافض أي فعل هذه المذكورات بعدد وهو متعلق بالأذكار وما بعدها أو منصوب بفعل مقدر تقديره: فمن فعل الخيرات المذكورة ونحوها عدد (تلك الستين والثلاثمائة السلامى فإنه يمشي) بفتح الياء وبالشين المعجمة من المشي (يومئذ) على
وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ".
قَال أَبُو تَوْبَةَ: وَرُبَّمَا قَال: "يُمْسِي".
(2212)
(0)(0) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثَنِي مُعَاويَةُ. أَخْبَرَنِي أَخِي، زَيدٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّهُ
ــ
الأرض أي وقت إذ فعل الخيرات المذكورة (و) الحال أنه (قد زحزح) أي باعد (نفسه) ونحاها (عن النار) قال حسن بن علي: (قال) لنا (أبو توبة: وربما قال) لنا شيخنا معاوية بن سلام لفظة: (يمسي) يومئذ بضم الياء وبالسين المهملة من الإمساء وكلاهما صحيح أي يدخل يومئذ في المساء وقد زحزح نفسه عن النار.
قال الطيبي: أضيف الثلاث وهي معرفة إلى مائة وهي نكرة واعتذر عنه بأن اللام زائدة فلا اعتداد بها ولو ذهب إلى أن التعريف بعد الإضافة كما في الخمسة عشر بعد التركيب لكان وجهًا حسنًا اهـ.
وعبارة القرطبي هنا: كذا وقعت الرواية هنا وصوابه في العربية وثلاثمائة السلامى لأنه لا يجمع بين الألف واللام والإضافة إلا في الإضافة غير المحضة بشرط دخول الألف واللام على المضاف والمضاف إليه اهـ من المفهم.
والسلامى كحبارى عظام صغار طول الأصبع في اليد والرجل وجمعه سلاميات بفتح الميم وتخفيف الياء كما في القاموس وفسره النواوي وابن الملك بالمفصل.
قال ملا علي: وخص مفاصل الأصابع لأنها العمدة في الأفعال قبضًا وبسطًا اهـ.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
(2212)
(0)(0)(وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا يحيى بن حسان) ابن حيان بتحتانية البكري أبو زكرياء البصري سكن تنيس ثقة من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثني معاوية) بن سلام الدمشقي (أخبرني أخي زيد) بن سلام الدمشقي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلام عن عبد الله بن فروخ عن عائشة رضي الله عنها (مثله) أي مثل ما روى أبو توبة عن معاوية بن سلام ثم استثنى من المماثلة بقوله: (غير أنه) أي لكن أن
قَال: "أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ" وَقَال: "فَإِنهُ يُمْسِي يَوْمَئِذٍ".
(2213)
(0)(0) وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ (يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ) حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ زَيدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَّامٍ. قَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ"
ــ
يحيى بن حسان (قال) في روايته (أو أمر بمعروفٍ) بلفظة (أو) بدل الواو في الرواية الأولى (وقال) يحيى أيضًا (فإنه يمسي يومئذ) بضم الياء وبالسين المهملة بدل يمشي في الرواية الأولى.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
(2213)
(0)(0)(وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا يحيى بن كثير) بن درهم العنبري مولاهم أبو غسان البصري روى عن علي بن المبارك في الزكاة وشعبة في الحج والضحايا وقرة بن خالد وجماعة ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن نافع ومحمد بن المثنى وحجاج بن الشاعر وابن بشار وآخرون ثقة من (9) مات سنة (206)(حدثنا علي يعني ابن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدودًا البصري ثقة من (7) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي ثقة من (5) روى عنه في (16) بابا (عن زيد بن سلام) الدمشقي (عن جده أبي سلام) ممطور بن عمار الحبشي الدمشقي (قال) أبو سلام: (حدثني عبد الله بن فروخ) التميمي الدمشقي (أنه سمع عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من ثمانياته رجاله ثلاثة منهم دمشقيون وثلاثة بصريون وواحد مدني وواحد يمامي غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لمعاوية بن سلام في رواية هذا الحديث عن زيد بن سلام.
(خلق كل إنسان) أي كل شخص من بني آدم وساق يحيى بن أبي كثير عن زيد بن
بِنَحْو حَدِيثِ مُعَاويَةَ، عَنْ زَيدٍ. وَقَال:"فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ".
(2214)
(971)(121) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قَال:"عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ"
ــ
سلام (بنحو حديث معاوية عن زيد) بن سلام (و) لكن (قال) يحيى بن أبي كثير في روايته: (فإنه يمشي يومئذ) بفتح الياء وبالشين المعجمة أي وقت إذ فعل ذلك اهـ فتح الملهم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث حذيفة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال:
(2214)
(971)(121)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن سعيد بن أبي بردة) عامر بن عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري الكوفي روى عن أبيه في الزكاة والجهاد والأشربة والفضائل وفداء المؤمن وأنس بن مالك في خلق النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه (ع) وشعبة وعمرو بن دينار أكبر منه وقتادة وغيرهم وثقه أحمد وابن معين وقال في التقريب: ثقة ثبت وروايته عن ابن عمر مرسلة من الخامسة (عن أبيه) أبي بردة عامر بن عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن جده) أبي موسى الأشعري الكوفي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا شعبة بن الحجاج فإنه بصري.
(قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (على كل مسلم صدقة) أي على سبيل الاستحباب والندب المتأكد أو على ما هو أعم من ذلك والعبارة صالحة للإيجاب والاستحباب كقوله صلى الله عليه وسلم: (على المسلم ست خصال) فذكر منها ما هو مستحب اتفاقًا فحديث الباب من تعليم مكارم الأخلاق وليس ذلك بفرض إجماعًا قال ابن بطال: وأصل الصدقة ما يخرجه المرء من ماله تطوعًا به وقد يطلق على الواجب لتحري صاحبه الصدق يفعله ويقال لكل ما يحابي به المرء من حقه صدقة لأنه تصدق بذلك على نفسه اهـ فتح الملهم.
قِيلَ: أَرَأَيتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَال: "يَعْتَمِلُ بِيَدَيهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ" قَال: قِيلَ: أَرَأَيتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَال: "يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ"
ــ
قال القرطبي: قوله: (على كل مسلم صدقة) هو هنا مطلق وقد قيده من حديث أبي هريرة بقوله: (في كل يوم) وظاهر هذا اللفظ الوجوب لكن خففه الله تعالى حيث جعل ما خف من المندوبات مسقطًا له لطفًا منه وتفضلًا اهـ من المفهم.
(قيل) له صلى الله عليه وسلم: (أرأيت) أي أخبرني (إن لم يجد) ما يتصدق به أي أخبرني ما حكم من لم يجد ما يتصدق به وفي زكاة البخاري وأدبه: (قالوا: فمن لم يجد) وهو المأخوذ في المشكاة كأنهم فهموا من لفظ الصدقة العطية فسألوا عمن ليس عنده شيء فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو أعم من ذلك ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف.
وهل تلتحق هذه الصدقة بصدقة التطوع التي تحسب يوم القيامة من الفرض الذي أخل به فيه نظر الذي يظهر أنها غيرها لما تبين من حديث عائشة المذكور إنها شرعت بسبب عتق المفاصل حيث قال في آخر هذا الحديث (فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار)(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم فمن لم يجد ما يتصدق به (يعتمل) الاعتمال افتعال من العمل وعند البخاري (يعمل) أي يعمل ويكتسب (بيديه فينفع نفسه) أولًا بما اكتسبه ويدفع ضرره عن الناس (ويتصدق) إن فضل عن نفسه.
قال ابن بطال: فيه التنبيه على العمل والتكسب ليجد المرء ما ينفق على نفسه ويتصدق به ويغنيه عن ذل السؤال وفيه الحث على فعل الخير مهما أمكن وأن من قصد شيئًا منها فتعسر فلينتقل إلى غيره (قال) أبو موسى الأشعري: (قيل) له صلى الله عليه وسلم ثانيًا: (أرأيت) يا رسول الله (إن لم يستطع) ذلك المسلم لنفسه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابهم: (يعين) ذلك العاجز عن العمل لنفسه (ذا الحاجة) أي صاحب الحاجة إلى الإعانة أي يعين المحتاج إلى الإعانة له في عمله (الملهوف) بالنصب صفة لذا لأنه من الأسماء الخمسة أي المضطر إلى الإعانة له ويحتمل أن تكون الإعانة بالفعل أو بالمال أو بالجاه أو بالدلالة أو النصيحة أو الدعاء (الملهوف) أي المستغيث وهو أعم من أن يكون مظلومًا أو عاجزًا قال النواوي: الملهوف عند أهل اللغة يطلق على المتحسر وعلى المضطر وعلى المظلوم وقولهم: يا لهف نفسي على كذا كلمة يتحسر بها على ما فات ويقال: لهف يلهف لهفًا من باب فهم أي حزن وتحسر وكذلك التلهف اهـ.
قَال: قِيلَ لَهُ: أَرَأَيتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَال: "يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَو الْخَيرِ" قَال: أَرَأَيتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَال: "يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ"
ــ
قال القرطبي (الملهوف) هو المضطر الذي قد شغله همه بحاجته عن كل ما سواها ولا شك في أن قضاء حاجة من كانت هذه حاله يتعدد فيها الأجر ويكثر بحسب ما كشف من كربة صاحبها ومقصود هذه الأحاديث الترغيب في أعمال البر والخير بطريق إظهار وجه الاستحقاق واللطف والحمد لله اهـ من المفهم.
(قال) الراوي: (قيل له) صلى الله عليه وسلم ثالثًا: (أرأيت) يا رسول الله (إن لم يستطع) أي إن لم يقدر الإعانة للملهوف فماذا يفعل (قال) صلى الله عليه وسلم: (يأمر) ذلك العاجز عن الإعانة للملهوف (بالمعروف) أي يأمر الناس بما عرف حسنه شرعًا واجبًا أو مندوبًا (أو) قال الراوي أو من دونه: يأمر بـ (الخير) بدل المعروف والمعنى واحد أو للشك من الراوي (قال) الرواي قيل له صلى الله عليه وسلم: (أرأيت إن لم يفعل) الأمر بالمعروف عجزًا أو كسلًا (قال) صلى الله عليه وسلم: (يمسك) نفسه (عن الشر) والإذاية للناس ويكفها عنه (فإنها) أي فإن خصلة الإمساك عن الشر (صدقة) على نفسه كما في غير هذه الرواية والمراد أنه إذا أمسك عن الشر لله تعالى كان له أجر على ذلك كما أن للمتصدق بالمال أجرًا اهـ نووي.
وفي فتح الملهم: كذا وقع هنا بضمير المؤنث وهو باعتبار معنى الخصلة في الإمساك كما ذكرنا في الحل قال الزين ابن المنير: إنما يحصل للمسك عن الشر إذا نوى بالإمساك القربة بخلاف محض الترك والإمساك أعم من أن يكون عن غيره فكأنه تصدق عليه بالسلامة منه فإن كان شره لا يتعدى نفسه فقد تصدق على نفسه بأن منعها من الإثم قال: وليس ما تضمنه الخبر من قوله: (فإن لم يجد) ترتيبًا وإنما هو للإيضاح لما يفعله من عجز عن خصلة من الخصال المذكورة فإنه يمكنه خصلة أخرى فمن أمكنه أن يعمل فيتصدق وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويمسك عن الشر فليفعل الجميع اهـ منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 395 و 411) والبخاري (6022).
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه فقال:
(2215)
(0)(0) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
(2216)
(972) - (122) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ
ــ
(2215)
(0)(0)(وحدثناه محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن سعيد عن أبيه عن جده.
غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الرحمن بن مهدي لأبي أسامة في رواية هذا الحديث عن شعبة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث حذيفة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
(2216)
(972)(122)(وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق بن همام) الحميري الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (قال) همام: (هذا) الحديث الآتي (ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري (فذكر) أبو هريرة أو همام (أحاديث منها) أنه صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا (و) منها أنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل سلامى) بضم السين المهملة وتخفيف اللام المفصل قاله النواوي.
وفي الفتح: أي أنملة وقيل: كل عضو مجوف صغير وقيل: هو في الأصل عظم يكون في فرس البعير واحده وجمعه واحد وقيل جمعه سلاميات اهـ أي كل عضو (من الناس عليه) أي على كل سلامى والمعنى على كل واحد من الناس بعدد كل مفصل من أعضائه (صدقة) فأوجب الصدقة على السلامى مجازًا وفي الحقيقة على صاحبه (كل يوم)
تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ". قَال: "تَعْدِلُ بَينَ الا ثْنَينِ صَدَقَةٌ. وَأَنْ تُعِينَ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيهَا مَتَاعَهُ، صَدَقَةٌ". قَال: "وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ
ــ
بالنصب على الظرفية أي في كل يوم (تطلع فيه الشمس) ووصف اليوم بذلك لإفادة التنصيص على التعميم كما قالوا في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ} فالحاصل أن الشيء إذا وصف بوصف يعم جميع أفراده يصير نصًّا في التعميم قاله السندى رحمه الله تعالى.
وفي المرقاة: والمعنى أي على كل واحد من الناس بعدد كل مفصل من أعضائه صدقة مندوبة شكرًا لله تعالى على أن جعل في أعضائه مفاصل يقدر بها على القبض والبسط.
وقوله: (كل يوم تطلع فيه الشمس) صفة تخص اليوم عن مطلق الوقت بمعنى النهار اهـ.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان بعض الصدقة المجملة: (تعدل) قال ملا علي: بالغيبة وبالخطاب بتقدير أن تعدل على أنه في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء وقوله: (بين الاثنين) ظرف له والخبر قوله: (صدقة) والتقدير: أي عدلك وإصلاحك بين الخصمين ودفعك ظلم الظالم عن المظلوم صدقة اهـ.
ومثله قوله: (وأن تعين الرجل) أي الشخص الأقطع أو الأشل مثلًا في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء أي وإعانتك الرجل (في) ركوبه على (دابته فتحمله) أي فترفع ذلك الرجل (عليها) أي على دابته وهذا وما بعده تفسير للإعانة (أو) لتنويع الإعانة أي أو (ترفع له) أي لذلك الرجل العاجز عن رفع المتاع (عليها) أي على دابته (متاعه) أي حمولته وقوله: (صدقة) خبر المبتدأ المؤول من الجملة الفعلية.
قال ابن بطال: وإذا أجر على فعل ذلك بدابة غيره فإذا حمل غيره على دابة نفسه احتسابًا كان أعظم أجرًا اهـ.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والكلمة الطيبة) أي الحسنة كان يدعو للسائل إذا لم يكن عنده شيء يعطيه (صدقة وكل خطوة) بفتح الخاء المرة الواحدة وبالضم ما بين القدمين (تمشيها) أي تخطو بها (إلى) موضع جماعة (الصلاة) مسجدًا
صَدَقَةٌ. وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيق صَدَقَةٌ"
ــ
كان أو غيره (صدقة وتميط الأذى) أي وأن تزيل ما يؤذي المارة وتنحيه (عن الطريق) أي عن أرضه أو عن هوائه كالشوك النابت في هواء الطريق أو الساقط في أرضه وكالحجر المتردي في الطريق والقذر الساقط فيه كالميتة (صدقة) أي يؤجر على هذه المذكورات كما يؤجر من تصدق بالمال.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 361) والبخاري (277).
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث:
الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة.
والثاني: حديث حذيفة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة.
والثالث: حديث أبي ذر ذكره للاستشهاد لحديث حذيفة.
والرابع: حديث عائشة أيضًا ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين.
والخامس: حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة.
والسادس: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.
***