الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
434 - (52) باب وجوب الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى وكفر من نسب إليه جورًا وذكر الخوارج
(2330)
(1029) - (179) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: أَتَى رَجُل رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجِعْرَانَةِ. مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَينٍ
ــ
434 -
(52) باب وجوب الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى وكفر من نسب إليه جورًا وذكر الخوارج
(2330)
(1029)(179)(حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي المصري (حدثنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي.
(قال) جابر: (أتى رجل) هو ذو الخويصرة التميمي كما في مسند أحمد ووقع في حياة الحيوان للدميري: أن ذا الخويصرة هو مخاصم الزبير في شراج الحرة اهـ من تنبيه المعلم على مبهمات مسلم لأبي ذر (رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة) موضع قريب من مكة وهو ميقات من مواقيت العمرة بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء وقد تكسر العين وتشدد الراء كما في النهاية (منصرفه) بفتح الراء ظرف زمان لأتى أي حين انصرافه ورجوعه صلى الله عليه وسلم (من) غزوة (حنين).
قال الحافظ: ولكن القصة التي في حديث جابر صرح في حديثه بأنها كانت منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة وكان ذلك في ذي القعدة سنة ثمان وكان الذي قسمه النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ فضة كانت في ثوب بلال وكان يعطي كل من جاء منها والقصة التي في حديث أبي سعيد صرح في رواية أنها كانت بعد بعث علي إلى اليمن وكان ذلك في سنة تسع وكان المقسوم فيها ذهبًا وخص به أربعة أنفس فهما قصتان في وقتين اتفق في كل منهما إنكار القائل وصرح في حديث أبي سعيد أنه ذو
وَفِي ثَوْبِ بِلالٍ فِضَّةٌ. وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْبِضُ مِنْهَا. يُعْطِي النَّاسَ. فَقَال: يَا مُحَمَّدُ! اعْدِلْ. قَال: "وَيلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لَقَدْ خِبْت وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ"
ــ
الخويصرة التميمي ولم يسم القائل في حديث جابر ووهم من سماه ذا الخويصرة ظانًا اتحاد القصتين ووجدت لحديث جابر شاهدًا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يوم حنين وهو يقسم شيئًا فقال: يا محمد اعدل ولم يسم الرجل أيضًا وسماه محمد بن إسحاق بسند حسن عن عبد الله بن عمر أخرجه أحمد والطبراني أيضًا ولفظهُ: (أتى ذو الخويصرة التميمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الغنائم بحنين فقال: يا محمد) فذكر نحو هذا الحديث المذكور فيمكن أن يكون تكرر ذلك منه في الموضعين عند قسمة غنائم حنين وعند قسمة الذهب الذي بعثه علي اهـ.
(وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها) ويأخذها بيده حالة كونه (يعطي الناس) ويقسمها بينهم (فقال) ذلك الرجل: (يا محمد اعدل) أي افعل العدل والإنصاف والحق في قسمك ولا تجر فيه قال الأبي: هذا مثل الأول في إضافته له عدم العدل وهو الجور لأن الأمر إنما يكون بما لك يقع إذ لا يقال للقائم: قم اهـ.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: (ويلك) أي ألزمك الله الويل والهلاك قيل: إن أصل ويل وي وهي كلمة تأوه فلما كثر قولهم: وي لفلان وصلوها باللام وقدروها أنها منها فأعربوها وعن الأصمعي: ويل للتقبيح على المخاطب فعله وقال الراغب: ويل قبوح وقد تستعمل بمعنى التحسر وويح ترحم وويس استصغار وأما ما ورد ويل واد في جهنم فلم يرد أنه معناه في اللغة وإنما أراد من قال الله ذلك فيه فقد استحق مقرًا من النار وأكثر أهل اللغة على أن ويل كلمة عذاب وويح كلمة رحمة وعن اليزيدي: هما بمعنى واحد.
(ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل) قال النواوي: روي بفتح التاء في خبت وخسرت وبضمها فيهما ومعنى الضم ظاهر وتقدير الفتح خبت أنت أيها التابع إذ كنت لا أعدل لكونك تابعًا ومقتديًا بمن لا يعدل والفتح أشهر والله أعلم.
فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: دَعْنِي. يَا رَسُولَ اللهِ! فَاقْتُلَ فذَا الْمُنَافِقَ. فَقَال: "مَعَاذَ اللهِ! أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي
ــ
وعبارة القرطبي هنا: فأما الضم فمعناه واضح وأما الفتح فعلى معنى إني إن جرت فيلزم أن تجور أنت من جهة أنك مأمور باتباعي فتخسر باتباع الجائر هذا معنى ما قاله الأئمة.
(قلت): ويظهر لي وجه آخر وهو أنه كأنه قال له: لو كنت جائرًا لكنت أنت أحق الناس بأن يجار عليك وتلحقك بادرة الجور الذي صدر عنك فتعاقب عقوبة معجلة في نفسك ومالك وتخسر كل ذلك بسببها لكن العدل هو الذي منع عن ذلك وتلخيصه لولا امتثال أمر الله تعالى في الرفق بك لأدركك الهلاك والخسار اهـ من المفهم.
(فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني) أي اتركني (يا رسول الله فأقتل) بالنصب في جواب الأمر (هذا المنافق) وفي روايات أخر: إن خالد بن الوليد استأذن في قتله.
قال الحافظ: وقد ذكرت وجه الجمع بينهما في أواخر المغازي وأن كلًّا منهما سأل ثم رأيت عند مسلم من طريق جرير عن عمارة بن القعقاع بسنده فيه: فقام عمر بن الخطاب فقال لرسول الله: ألا أضرب عنقه قال: لا. ثم أدبر فقام إليه خالد بن الوليد سيف الله فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال: لا فهذا نص أن كلًّا منهما سأل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (معاذ الله) منصوب على المفعولية المطلقة بعامل محذوف وجوبًا تقديره: أعوذ بالله عوذًا وأستعيذ به استعاذةً من (أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي) قال الإسماعيلي: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل المذكور لأنه لم يكن أظهر ما يستدل به على ما وراءه فلو قتل من ظاهره الصلاح عند الناس قبل استحكام أمر الإسلام ورسوخه في القلوب لنفرهم عن الدخول في الإسلام وأما بعده صلى الله عليه وسلم فلا يجوز ترك قتالهم إذا هم أظهروا رأيهم وتركوا الجماعة وخالفوا الأئمة مع القدرة على قتالهم وقد ذكر ابن بطال عن المهلب قال: التالف إنما كان في أول الإسلام إذ كانت الحاجة ماسةً لذلك لدفع ضررهم فأما إذ أعلى الله الإسلام فلا يجب التألف إلا أن تنزل بالناس حاجة لذلك فلإمام الوقت ذلك.
وقال الأبي ناقلًا عن عياض: ولم يحكم فيهم أي في المنافقين النبي صلى الله عليه وسلم بعلمه بنفاقهم لأنه كان قد اشتهر في العرب أنهم من جملة المؤمنين والصحابة
إِنَّ هذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ. لَا يُجَاوزُ حَنَاجِرَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ"
ــ
والحكم للظاهر فلو قتلهم بعلمه بما أسروه من النفاق لوجد المنفر عن الدخول في الإسلام ما يقول وارتاب الشارد وأرجف المعاند وارتاع عن الدخول في الإسلام غير واحد ولذا كان يقول صلى الله عليه وسلم (لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) فينفر عن الإسلام وقد قال ابن المواز وابن القصار لو أظهروا النفاق لقتلهم اهـ من فتح الملهم.
(إن هذا) القائل (وأصحابه) الذين استنوا بسنته من النفاق (يقروون القرآن) بألسنتهم حالة كون القرآن (لا يجاوز) ولا يتعدى (حناجرهم) أي حلاقيمهم والحناجر كما في قوله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} جمع حنجرة وهي رأس الغلصمة حيث تراه ناتئًا من خارج الحلق كما في النهاية.
وفي رواية: (حلوقهم وتراقيهم) يعني لا يكون لهم إلا القراءة المجردة ولا تصل معانيه إلى قلوبهم.
وقال القاضي: فيه تأويلان: أحدهما: معناه لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوا منه ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم والحنجرة والحلق إذ بهما تقطيع الحروف والثاني: معناه لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا يتقبل اهـ.
(يمرقون منه) أي يخرجون من القرآن وسبيله ويتعدون حدوده ولا يعملون به.
قال ابن بطال: المروق الخروج عند أهل اللغة يقال: مرق السهم من الغرض إذا أصابه ثم نفذ منه فهو يمرق منه مرقًا ومروقًا وانمرق منه وأمرقه الرامي إذا فعل ذلك به ومنه قيل: مرق البرق لخروجه بسرعة اهـ.
(كما يمرق) ويخرج (السهم من الرمية) أي من الصيد المرمي أي يمرقون منه مروقًا كمروق السهم من الرمية كما هو الرواية الآتية أي كما يخرج السهم من الدابة المرمية خارقًا لها والرمية بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتانية هي الصيد المرمي وهي فعيلة بمعنى مفعولة فأدخلت فيها الهاء وإن كان فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث للإشارة إلى نقلها من الوصفية إلى الاسمية وقيل: إن شرط استواء المذكر والمؤنث فيه أن يكون الموصوف مذكورًا معه وقيل شرطه سقوط الهاء من المؤنث قبل وقوع الوصف
(2331)
(0)(0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ الْحُبَابِ. حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْسِمُ مَغَانِمَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ
ــ
تقول: خذ ذبيحتك أي الشاة التي تريد ذبحها فإذا ذبحتها قيل لها حينئذ ذبيح والمعنى يخرجون من الإسلام خروج السهم من الرمية إذا دخل من جهة ونفذ من أخرى ولم يتعلق به شيء من المرمي وسيأتي إيضاحه في الروايات الآتية.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 353 - 354) والبخاري (3138) مختصرًا وابن ماجه (172).
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
(2331)
(0)(0)(حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) ابن عبد المجيد (الثقفي) البصري (قال) عبد الوهاب: (سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (يقول: أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الوهاب لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد.
(ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا زيد بن الحباب) بضم الحاء المهملة وبموحدتين العكلي بضم المهملة وسكون الكاف نسبة إلى عكل بطن من تميم الكوفي الجوال صدوق من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثني قرة بن خالد) السدوسي أبو خالد البصري ثقة من (6)(حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله) الأنصاري.
وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة قرة بن خالد ليحيى بن سعيد في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم مغانم) جمع مغنم وهو كالغنيمة ما أصيب من أموال أهل الحرب من الكفار (وساق) قرة بن خالد (الحديث) بمثل حديث يحيى بن سعيد.
(2332)
(1030) - (180) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَال: بَعَثَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، وَهُوَ بِالْيَمَنِ، بِذَهَبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ
ــ
ثم استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال:
(2332)
(1030)(180)(حدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي الدارمي أبو السري الكوفي ثقة من (10)(حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي ثقة من (7)(عن سعيد بن مسروق) الثوري الكوفي والد سفيان ثقة من (6)(عن عبد الرحمن بن أبي نعم) بضم النون وسكون المهملة اسمه زياد البجلي أبي الحكم الكوفي روى عن أبي سعيد الخدري في الزكاة وأبي هريرة في البيوع والمغيرة بن شعبة ويروي عنه (ع) وسعيد ابن مسروق وعمارة بن القعقاع وفضيل بن غزوان وابنه الحكم وثقه النسائي وابن سعد وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من عباد أهل الكوفة وقال في التقريب: صدوق من الثالثة مات قبل المائة (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا أبا سعيد الخدري فإنه مدني.
(قال) أبو سعيد: (بعث علي) بن أبي طالب رضي الله عنه وهو) أي والحال أن عليًّا (باليمن بذهبة) أي بقطعة ذهب ولفظ البخاري: (بذهيبة) على صيغة التصغير أي بقطعة صغيرة من ذهب قال في فتح الملهم: وفي معظم النسخ بفتحتين بغير تصغير وفي بعضها بذهيبة على التصغير قال الحافظ: وكأنه أنثها على معنى الطائفة أو الجملة وقد يؤنث الذهب في بعض اللغات.
(تنبيه):
هذه القصة غير القصة المتقدمة في غزوة حنين ووهم من خلطها بها واختلف في هذه الذهيبة فقيل: كانت خمس الخمس وفيه نظر وقيل: من الخمس وكان ذلك من خصائصه أنه يضعه في صنف من الأصناف للمصلحة وقيل: من أصل الغنيمة وهو بعيد كذا في الفتح.
وقوله: (في تربتها) صفة لذهبة يعني أنها غير مسبوكة لم تخلص من ترابها ولم تصف منها كما سيأتي.
وقوله: (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متعلق ببعث (فقسمها رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيُّ، وَعُيَينَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ الْعَامِرِيُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي كِلابٍ، وَزَيدُ الْخَيرِ الطَّائِيُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي نَبْهَانَ. قَال: فَغَضِبَتْ قُرَيشٌ. فَقَالُوا: أَيُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ وَيدَعُنَا؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذلِكَ
ــ
صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر) كانوا من المؤلفة وكان كل منهم رئيس قومه وكان مقتضى القاعدة النحوية أن يقال: أربعة أنفار لأن أسماء الآحاد لا تضاف إلا إلى الجمع إلا أن يقال: إنه نظر إلى المعنى.
(الأقرع بن حابس) بالجر بدل من أربعة وبالرفع خبر لمحذوف (الحنظلي) ثم أحد بني مجاشع بجيم خفيفة وشين معجمة مكسورة قال الأبي: وتقدم أنه تميمي وليس باختلاف لأن حنظلة بطن من تميم (وعيينة بن بدر الفزاري) نسب إلى جد أبيه وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وكان رئيس قيس في أول الإسلام وكنيته أبو مالك وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع وارتد مع طليحة ثم عاد إلى الإسلام (وعلقمة بن علاثة العامري) كان رئيس بني كلاب مع عامر بن الطفيل وكانا يتنازعان على الشرف فيهم ويتفاخران ولهما في ذلك أخبار شهيرة كذا في الفتح (ثم أحد بني كلاب) بنو كلاب بطن من بني عامر لأنه كلاب بن ربيعة بن عامر (وزيد الخير الطائي).
قال النواوي: كذا في جميع النسخ بالراء وفي الرواية التي بعدها: (زيد الخيل) باللام وكلاهما صحيح وقيل له: زيد الخيل لعنايته بها ويقال: لم يكن في العرب أكثر خيلًا منه وكان شاعرًا خطيبًا شجاعًا جوادًا وكان في الجاهلية يسمى زيد الخيل فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام زيد الخير بالراء بدل اللام لما كان فيه من الخير وقد ظهر أثر ذلك فإنه مات على الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويقال: بل توفي في خلافة عمر. (ثم أحد بني نبهان) قال الأبي: بنو نبهان بطن من طيئ.
(قال) أبو سعيد: (فغضبت قريش فقالوا: أيعطي صناديد نجد) بمهملة ثم نون جمع صنديد كمساكين ومسكين وهو الرئيس أي ساداتها (ويدعنا) أي يتركنا من العطاء وجمع بين التاء والياء في يعطي ويدعنا في الطبع إشارة إلى اختلاف النسخ بهما في الفعلين.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني إنما فعلت ذلك) أي تخصيص العطاء
لأَتَأَلَّفَهُمْ" فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ. مُشْرِفُ الْوَجْنَتَينِ. غَائِرُ الْعَينَينِ. نَاتِئُ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ. فَقَال: اتَّقِ اللهَ. يَا مُحَمَّدُ! قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ يُطِعِ اللهَ إِنْ عَصَيتُهُ! أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي؟ " قَال: ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ. فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ
ــ
بهؤلاء الأربعة (لأتألفهم) على الإسلام (فجاء رجل) هو ذو الخويصرة التميمي كما سيأتي من رواية أبي سلمة وغيره وعند أبي داود: اسمه نافع ورجحه السهيلي.
(كث اللحية) بفتح الكاف وتشديد المثلثة أي كثيف اللحية كثيرها.
قال ابن الأثير: الكثافة في اللحية أن تكون غير دقيقة ولا طويلة وفيها كثافة يقال رجل كث اللحية بالفتح وقوم كث بالضم (مشرف الوجنتين) أي مرتفع الخدين بشين معجمة وفاء أي بارزهما غليظهما والوجنتان العظمان المشرفان على الخدين كذا في الفتح والوجنتان تثنية وجنة والوجنة من الإنسان ما ارتفع من لحم خده كما في المصباح وفي واوها الحركات الثلاث ويقال: أجنة بضم الهمزة اهـ نواوي (غائر العينين) بالعين المعجمة وبالهمزة ويجوز إبدالها ياءًا سم فاعل من الغور والمراد أن عينيه داخلتان في محاجرهما لاصقتان بقعر الحدقة وهو ضد الجحوظ (ناتئ الجبين) بنون ومثناة على وزن فاعل من النتوء وهو الارتفاع أي بارز الجبين ولعل الجبين هنا وقع غلطًا من الجبهة والرواية الصحيحة هي ما بعد هذه من قوله: (ناشز الجبهة) أو (ناتئ الجبهة) فإن الجبين جانب الجبهة ولكل إنسان جبينان يكتنفان الجبهة وهما لا يوصفان بالنتوء (محلوق الرأس) وحلق الرأس إذ ذاك مخالف لعادة العرب فإنهم كانوا لا يحلقون رؤوسهم وكانوا يفرقون شعورهم وسيأتي في بعض روايات الباب (سيماهم التحالق) وكان السلف يوفرون شعورهم ولا يحلقونها وكانت طريقة الخوارج حلق جميع الرأس (فقال) الرجل المذكور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله) في قسمك (يا محمد قال) أبو سعيد الخدري: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن يطع الله إن عصيته) فيه إشارة إلى عصمة نفسه صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات: (أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله).
(أيامنني) الله سبحانه وتعالى (على أهل الأرض) أي يجعلني الله أمينًا على أهل الأرض (و) أنتم (لا تأمنوني) على تبليغي بل تتهموني بالجور والظلم (قال) أبو سعيد: (ثم أدبر الرجل) القائل أي ذهب وولى دبره إلينا (فاستأذن) أي طلب (رجل من القوم)
فِي قَتْلِهِ. (يُرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ) فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هذَا قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوزُ حَنَاجِرَهُمْ. يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ. وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ. يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ"
ــ
الحاضرين عند النبي صلى الله عليه وسلم الإذن له (في قتله) أي قتل ذلك الرجل القائل (يرون) بضم الياء أي يظنون (أنه خالد بن الوليد) سيف الله رضي الله عنه.
وفي هذا الحديث أن خالدًا قال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه وفي حديث جابر أن عمر بن الخطاب قال: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق.
(قلت): لا إشكال فيه إذ الجمع ممكن بأن يكون كل واحد منهما قال ذلك وأجيب كل واحد منهما بغير ما أجيب به الآخر والله أعلم اهـ من المفهم.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده من الصحابة: (إن من ضئضئ هذا) الرجل القائل بضادين معجمتين مكسورتين بينهما تحتانية مهموزة ساكنة وفي آخره تحتانية مهموزة أيضًا وفي بعض النسخ بصادين مهملتين وزعم ابن الأثير أن الذي بالمهملة بمعناه وحكى ابن الأثير أنه روى بالمد بوزن قنديل أي إن من أصل هذا الرجل وجنسه وقومه ومن قال من نسله وعقبه فقد أخطأ فإن الخوارج لم يكونوا من نسله ولا عقبه بل هو كان رئيسهم ولأصل الشيء أسماء كثيرة منها الضئضئ بالمعجمتين والمهملتين والنجار بكسر النون والنحاس والسنخ بكسر السين وإسكان النون وبخاء معجمة والعنصر والعنض والأرومة اهـ نووي.
(قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون) أي يتركون (أهل الأوثان) والأصنام.
قال الحافظ: وهو مما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المغيبات فوقع كما قال وقال الأبي: ومن عجيب أمرهم ما يأتي أنهم حين خرجوا من الكوفة منابذين لعلي رضي الله عنه إذا لقوا في طريقهم مسلمًا وكافرًا قتلوا المسلم وقالوا: احفظوا ذمة نبيكم في الذمي.
(يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) والله (لئن أدركتهم) أي لئن أدركت أولئك الأقوام وبقيت إلى زمانهم (لأقتلنهم قتل عاد) أي قتلًا عامًا مستأصلًا
(2333)
(0)(0) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمْنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مِنَ الْيَمَنِ، بِذَهَبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ
ــ
بحيث لا يبقى منهم أحد كما قال تعالى: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} ولم يرد أنه يقتلهم بالآلة التي قتلت بها عاد بعينها ويحتمل أن يكون من الإضافة ويراد به القتل الشديد القوي إشارة إلى أنهم موصوفون بالشدة والقوة ويؤيده أنه وقع في طريق أخرى قتل ثمود كذا في الفتح.
قال القرطبي: وفي الرواية الآتية: (قتل ثمود) وهنا (قتل عاد) فبينهما معارضة ووجه الجمع بينهما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال كليهما فذكر بعض الرواة أحدهما والآخر الآخر ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يقتلهم قتلًا عامًا بحيث لا يبقي منهم أحدًا في وقت واحد لا يؤخر قتل بعضهم عن بعض ولا يقيل أحدًا منهم كما فعل بعاد حيث أهلكهم بالريح العقيم وبثمود حيث أهلكهم بالصيحة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 4) والبخاري (4351) وأبو داود (4764) والنسائي (5/ 87 - 88).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
(2233)
(0)(0)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي أبو بشر البصري ثقة من (8)(عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفي ثقة من (6)(عن عبد الرحمن بن أبي نعم) زياد البجلي الكوفي (قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول):
وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عمارة بن القعقاع لسعيد بن مسروق.
(بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبة) أي بقطعة من ذهب مظروف (في أديم) أي جلد (مقروظ) أي مذبوغ بالقرظ والقرظ بفتحتين
لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا. قَال: فَقَسَمَهَا بَينَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عُيَينَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيدِ الْخَيلِ، وَالرَّابعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيلِ
ــ
وبالظاء المعجمة حب معروف يخرج في غلف كالعدس من شجر العضاه كما في المصباح.
(لم تحصل) تلك الذهبة (من ترابها) أي لم تميز ولم تصف من تراب معدنها فكأنها كانت تبرًا وتخليصها بالسَّبك. قاله الحافظ.
(قال) أبو سعيد: (فقسمها) أي فقسم تلك الذهبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (بين أربعة نفر) من المؤلفة (عيينة بن حصن) الفزاري (والأقرع بن حابس) الحنظلي (وزيد الخيل) هو زيد بن مهلهل بن زيد الطائي كان يضاف في الجاهلية إلى الخيل لفروسيته ولكرائم الخيل التي كانت عنده وأضافه النبي صلى الله عليه وسلم عند إسلامه إلى الخير فقال: له ما اسمك قال: أنا زيد الخيل قال: بل أنت زيد الخير وأثنى عليه بقوله ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون الصفة غيرك كما في الاستيعاب وغيره من كتب تراجم الأصحاب وهذا الحديث قابل به الزمخشري ابن الشجري النحوي في تمثله عند اجتماعه معه ببغداد بقول أبي الطيب:
واستكبر الأخيار قبل لقائه
…
فلما التقينا صغر الخير الخير
اهـ من بعض الهوامش
(والرابع إما علقمة بن علاثة) بضم العين المهملة العامري الطائي (وإما عامر بن الطفيل) قال الأبي: هذا الشك وهم وذكر عامر هنا خطأ لأنه هلك قبل هذا بسنتين والصواب أنه علقمة كما في الأول دون شك اهـ.
وعبارة النواوي: قال العلماء: ذكر عامر غلط ظاهر لأنه توفي قبل هذا بسنين والصواب الجزم بأنه علقمة بن علاثة كما هو مجزوم به في باقي الروايات والله أعلم اهـ.
قال الحافظ: وكان علقمة حليمًا عاقلًا لكن كان عامر أكثر منه عطاء وارتد علقمة مع من ارتد ثم عاد ومات في خلافة عمر بحوران ومات عامر بن الطفيل على شركه في الحياة النبوية اهـ منه.
فَقَال رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهذَا مِنْ هؤُلاءِ. قَال: فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "أَلا تَأْمَنُونِي؟ وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً" قَال: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَينَينِ. مُشْرِفُ الْوَجْنَتَينِ. نَاشِزُ الْجَبْهَةِ. كَثُّ اللِّحْيَةِ. مَحْلُوقُ الرَّأْسِ. مُشَمَّرُ الإِزَارِ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! اتَّقِ اللهَ. فَقَال: "وَيلَكَ! أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ" قَال: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ. فَقَال خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَقَال: "لَا. لَعَلَّهُ
ــ
(فقال رجل من أصحابه) صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: لم أقف على اسمه: (كنا نحن أحق بهذا) العطاء (من هولاء) الصناديد كأنه يعرض بالعدول عن الأحق إلى غيره ويريد بإضافة عدم العدل إليه صلى الله عليه وسلم أنه إنما وقع على وجه الغلط في الرأي وأمور الدنيا والاجتهاد فيها بمصالح أهلها وأنه من الأمر الذي يجوز له الصفح عنه لا أنه أضاف إليه عدم العدل في القسم على وجه التهمة له كذا قال الأبي.
(قلت): يكلم الإنسان بكلمة ويكلم الآخر بمثلها أو بما يقاربها ومع ذلك يختلف مرادهما باختلاف الاعتقاد والنية واللهجة وخصوصيات الأحوال فيخرج كلاهما على محملين متباعدين لما يعلم من تباين أحوالهما من خارج وهذا كما قال أهل البلاغة في قولهم: أنبت الربيع البقل: إنه مجاز إذا صدر من موحد وحقيقة إذا صدر من دهري والله أعلم.
(قال) أبو سعيد (فبلغ ذلك) القول (النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تأمنوني) في قسمي (وأنا أمين من في السماء) سبحانه وتعالى وكونه تعالى في السماء صفة أثبتها الرسول صلى الله عليه وسلم له، نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها هذا هو المذهب الأسلم الذي عليه السلف الصالح (يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً) وفعلي كله بأمر من السماء لا من عند نفسي.
(قال) أبو سعيد: (فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة) أي مرتفعها (كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار) أي ملففه (فقال: يا رسول الله اتق الله فقال: وبلك أ) تقول ذلك (ولست أحق أهل الأرض) بـ (ـأن يتقي الله) سبحانه وتعالى (قال) أبو سعيد: (ثم ولى الرجل) أي ذهب وأدبر هذا الرجل الثاني (فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تضربه (لعله) أي
أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي". قَال خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيسَ فِي قَلْبِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ. وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ" قَال: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيهِ وَهُوَ مُقَفٍّ فَقَال: "إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ فذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ. رَطْبًا لَا يُجَاوزُ حَنَاجِرَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ". قَال:
ــ
لعل هذا الرجل (أن يكون يصلي) فيه استعمال لعل استعمال عسى نبه عليه ابن مالك وقوله: يصلي قيل: فيه دلالة من طريق المفهوم على أن تارك الصلاة يقتل وفيه نظر كذا في الفتح وأوضح وجه النظر فيه العلامة العيني في شرح البخاري فليراجع.
(قال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه) من معنى الشهادتين (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أرمر) من جهة ربي (أن أنقب) وأفتش وأكشف وأبحث (عن قلوب الناس) إنما أمرت أن آخذ بظواهر أمورهم والله يتولى السرائر من نقبت الحائط نقبًا من باب نصر إذا فتحت فيه فتحًا ولفظ البخاري (أن أنقب قلوب الناس) والكلمة مضبوطة في النهاية بتشديد القاف وهو المصرح به في المبارق.
قال القرطبي: إنما منع قتله وإن كان قد استوجب القتل لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه ولا سيما من صلى قال الحافظ: في الحديث الكف عن قتل من يعتقد الخروج على الإمام ما لم ينصب لذلك حربًا أو يستعد لذلك لقوله: فإذا خرجوا فاقتلوهم اهـ.
(ولا أشق بطونهم) لأعرف ما فيها من الصدق والنفاق (قال) أبو سعيد: (ثم نظر) النبي صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى الرجل (وهو مقف) أي مول قد أعطانا قفاه (فقال: أنه) أي إن الشأن والحال (يخرج) ويظهر (من ضئضئ هذا) الرجل وجنسه وقومه (قوم يتلون كتاب الله) أي القرآن (رطبًا) أي طريًا رطبًا به ألسنتهم لمواظبتهم على تلاوته قيل: المراد به الحذق في التلاوة يأتون به على أحسن أحواله وقيل: المراد أنهم يواظبون على تلاوته فلا تزال ألسنتهم رطبة به وقيل: هو كناية عن حسن الصوت به حكاها القرطبي ويرجح الأول ما وقع في رواية أبي الوداك عن أبي سعيد عند مسدد (يقرؤون القرآن كأحسن ما يقرأه الناس) ويؤيد الآخر قوله في رواية مسلم عن ابن أبي بكرة عن أبيه (قوم أشداء أحداء ذلقة ألسنتهم بالقرآن) أخرجه الطبري (لا يجاوز حناجرهم) وحلاقيمهم (يمرقون من الدين) والشرع (كما يمرق السهم من الرمية قال)
أَظُنُّهُ قَال: "لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ".
(2334)
(0)(0) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَال: وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيلِ. وَقَال: نَاتِئُ الْجَبْهَةِ. وَلَمْ يَقُلْ: نَاشِز. وَزَادَ: فَقَامَ إِلَيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَال: "لَا". قَال: ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَامَ إِلَيهِ خَالِدٌ، سَيفُ اللهِ، فَقَال: يَا
ــ
أبو سعيد الخدري: (أظنه) صلى الله عليه وسلم (قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود) قتلًا عامًّا مستأصلًا وفي رواية سعيد بن مسروق المتقدمة (لأقتلنهم قتل عاد) ولم يتردد فيه.
قال الحافظ وهو الراجح وقد استشكل قوله (لئن أدركتهم لأقتلنهم) مع أنه نهى خالدًا عن قتل أصلهم وأجيب بأنه أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين بالسيف ولم يكن ظهور ذلك في زمانه وأول ما ظهر في زمان علي رضي الله عنه كما هو مشهور وفي الحديث أن كون الرجل مصليًا لا يمنع قتله مطلقًا كما يوهمه قوله فيما قبل (لعله أن يكون يصلي) فإن قوله: لأقتلنهم قد ورد في حق قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم قال ابن هبيرة: وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين والحكمة فيه أن في قتالهم حفظ رأس مال الإسلام وفي قتال أهل الشرك طلب الربح وحفظ رأس المال أولى اهـ.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
(2334)
(0)(0)(حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الرحمن بن أبي نُعْم عن أبي سعيد الخدري غرضه بيان متابعة جرير لعبد الواحد بن زياد (قال) جرير في روايته: (وعلقمة بن علاثة) بلا شك (ولم يذكر) جرير (عامر بن الطفيل وقال) جرير أيضًا: (ناتئ الجبهة) أي مرتفع الجبهة (ولم يقل) جرير: (ناشز وزاد) جرير على عبد الواحد: (فقام إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (لا) تضرب عنقه (قال) أبو سعيد: (ثم أدبر) أي ذهب الرجل (فقام إليه) صلى الله عليه وسلم (خالد) بن الوليد (سيف الله فقال) خالد: (يا
رَسُولَ اللهِ! أَلا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَال: "لَا". فَقَال: "إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ فذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ لَيِّنًا رَطْبًا". وَقَال: قَال عُمَارَةُ: حَسِبْتُهُ قَال: "لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ".
(2335)
(0)(0) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: بَينَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: زَيدُ الْخَيرِ، والأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَينَةَ بْنُ حِصْنٍ، وَعَلْقَمَةَ بْنُ عُلاثَةَ أَوْ عَامِرُ بْنِ الطُّفَيلِ. وَقَال: نَاشزُ الْجَبْهَةِ
ــ
رسول الله ألا أضرب عنقه قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تضرب (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه سيخرج من ضئضئ) أي من أصل (هذا) الرجل (قوم يتلون كتاب الله) تعالى أي يقرؤون القرآن (لينًا) أي سهلًا (رطبًا) أي جديدًا لحذاقتهم بتلاوته.
قال النواوي: هكذا هو في أكثر النسخ لينًا بالنون أي سهلًا وفي كثير من النسخ (ليًا) بحذف النون وأشار القاضي إلى أنه رواية أكثر شيوخهم قال: ومعناه سهلًا لكثرة حفظهم قال: وقيل (ليًا) أي يلوون ألسنتهم به أي يحرفون معانيه وتأويله قال: وقد يكون من اللي في الشهادة وهو الميل قاله ابن قتيبة اهـ.
(وقال) جرير (قال) لنا (عمارة حسبته) حسبت عبد الرحمن بن أبي نعم (قال) حين ما روى لنا هذا الحديث: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود) كما قال عبد الواحد وما في هذا السند كله بيان لمحل المخالفة بين المتابع والمتابع.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
(2335)
(0)(0)(وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9)(عن عمارة بن القعقاع بهذا الإسناد) يعني عن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري.
غرضه بيان متابعة ابن فضيل لعبد الواحد.
(و) لكن (قال) ابن فضيل في روايته: (بين أربعة نفر: زيد الخير والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة أو عامر بن الطفيل وقال) ابن فضيل: (ناشز الجبهة
كَرِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ. وَقَال: "إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هذَا قَوْمٌ". وَلَمْ يَذْكُرْ: "لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأقتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ".
(2336)
(0)(0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَسَأَلاهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ؟ هَلْ
ــ
كرواية عبد الواحد وقال) ابن فضيل أيضًا في روايته: (إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم ولم يذكر) ابن فضيل: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود).
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
(2336)
(0)(0)(وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (قال: سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (يقول: أخبرني محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبو عبد الله المدني ثقة من (4) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من (3)(وعطاء بن يسار) الهلالي المدني ثقة من (3)(أنهما أتيا أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه.
وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان غرضه بيان متابعة أبي سلمة وعطاء بن يسار لعبد الرحمن بن أبي نعم في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري.
(فسألاه) أي فسأل أبو سلمة وعطاء أبا سعيد (عن) حكم (الحرورية) وسبب تسميتهم بهذا الاسم وهم الخوارج سموا حرورية لأنهم نزلوا حروراء بفتح المهملة وراءين الأولى مضمومة وبالمد وهي قرية بالعراق قريبة بالكوفة وسموا خوارج لخروجهم على الجماعة وقيل: لخروجهم عن طريق الجماعة وقيل لقوله صلى الله عليه وسلم (يخرج من ضئضئ هذا) اهـ نواوي.
ويسمون مارقين لقوله صلى الله عليه وسلم (يمرقون) كما في حديث علي رضي الله عنه (أمرت بقتال المارقين) يعني الخوارج وكانوا يسمون أنفسهم شراة تمسكًا بقوله تعالى: {يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} اهـ من بعض الهوامش أي سألاه عنها فقالا له: (هل
سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُهَا؟ قَال: لَا أَدْرِي مَنِ الْحَرُورِيَّةُ. وَلكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَخْرُجُ فِي هذِهِ الأُمَّةِ (وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهَا) قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ
ــ
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها) أي يذكر شأن الحرورية وحكمها هل هم من المسلمين أم لا (قال) لهما أبو سعيد: (لا أدري) ولا أعلم (من) هم (الحرورية) ولا سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها وهذا يغاير قوله في الرواية التي تليها (وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه) فإن مقتضى الأول أنه لا يدري هل ورد الحديث الذي ساقه في الحرورية أولًا ومقتضى الثاني أنه ورد فيهم ويمكن الجمع بأن مراده بالنفي هنا أنه لم يحفظ فيهم نصًّا بلفظ الحرورية وإنما سمع قصتهم التي دل وجود علامتهم بالحرورية بأنهم هم (ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في هذه الأمة) المحمدية يعني أمة الإجابة قال أبو سعيد: (ولم يقل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (منها) أي من أمة الإجابة لأن لفظة من تقتضي كونهم من الأمة بخلاف (في).
قال النواوي: لكن لا شك أنهم من أمة الإجابة وأنهم لا يكفرون وجاءت رواية (من) أيضًا كما ستأتي.
قال الحافظ: ولم تختلف الطرق الصحيحة على أبي سعيد في ذلك وأما ما أخرجه الطبري من وجه آخر عن أبي سعيد بلفظ (من أمتي) فسنده ضعيف لكن وقع عند مسلم من حديث أبي ذر بلفظ: (سيكون بعدي من أمتي قوم) وله من طريق زيد بن وهيب عن علي (يخرج قوم من أمتي) ويجمع بينه وبين حديث أبي سعيد بأن المراد بالأمة في حديث أبي سعيد أمة الإجابة وفي رواية غيره أمة الدعوة اهـ.
قال النواوي: وفيه دلالة على فقه الصحابة وتحريرهم الألفاظ وفيه إشارة من أبي سعيد إلى تكفير الخوارج وأنهم من غير هذه الأمة.
قال المازري: هذا من أدل الدلائل على سعة علم الصحابة رضي الله عنهم ودقيق نظرهم وتحريرهم الألفاظ وفرقهم بين مدلولاتها الخفية لأن لفظة من تقتضي كونهم من الأمة لا كفارًا بخلاف في اهـ.
أي يخرج في هذه الأمة (قوم تحقرون) بفتح أوله أي تستقلون (صلاتكم مع صلاتهم) قال الحافظ: ووصف عاصم أصحاب نجدة الحروري بأنهم يصومون النهار
فَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ. لَا يُجَاوزُ حُلُوقَهُمْ (أَوْ حَنَاجِرَهُمْ) يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ. فَيَنْظُرُ الرَّامِي إِلَى سَهْمِهِ. إِلَى نَصْلِهِ. إِلَى رِصَافِهِ. فَيَتَمَارَى فِي الْفُوقَةِ. هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَيءٌ"
ــ
ويقومون الليل ويأخذون الصدقات على السنة أخرجه الطبري (فيقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم) جمع حلق (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو أبو سعيد لا يجاوز (حناجرهم) جمع حنجرة وهو رأس الحلقوم والشك من الراوي أو ممن دونه (يمرقون) أي يخرجون (من الدين مروق السهم) أي مروقًا كمروق السهم (من الرمية) أي من الصيد المرمي شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه ومن شدة خروجه لقوة الرامي لا يعلق به من جسد الصيد شيء فهؤلاء لا ينتفعون بالدين بل يخرجون منه بسرعة ويجرحونه (فينظر الرامي إلى سهمه) العريض هل به شيء من دم الصيد ولحمه فلا يرى فيه شيئًا لسرعة خروجه ثم ينظر (إلى نصله) أي إلى حديدة السهم التي تركب عليه هل علق به شيء من الدم فلا يرى فيه شيئًا منه وهو بدل من قوله إلى سهمه وكذا ما بعده أي ينظر إلى سهمه جملة ثم تفصيلًا والنصل حديدة السهم التي تركب على طرف السهم وهي مسمومة فبها يحصل قتل الصيد وغيره لكونها مسمومة وهي مثل الإبرة الكبيرة ثم ينظر (إلى رصافه) أي إلى رصاف السهم هل علق به شيء من الدم أم لا فلا يرى فيه شيئًا والرصاف بكسر الراء ثم فاءٍ، أي إلى عصبه أي إلى عصب السهم الذي يكون ويلف فوق مدخل النصل من السهم والعصب حبال تسوى من عصب المواشي وهو عروق توصل العظام بعضها إلى بعض واحده رصفة بفتحات (فيتمارى) أي يشك الرائي (في الفوقة هل علق بها من الدم شيء) فينظرها فلا يرى فيها شيئًا من الدم أي لا يرى في نصله ورصافه شيئًا من أثر الدم ثم ينظر إلى الفوقة فيتشكك هل بقي فيها شيء من الدم والتماري هنا تفاعل من المرية بمعنى الشك لا من المراء بمعنى الجدال ومعناه هنا فيشك الرامي في الفوقة والفوقة وكذا الفوق بضم الفاء فيهما هو الحز من السهم الذي يجعل فيه الوتر أي موضع الوتر من السهم وهو أسفله لأن أعلاه يركب فيه النصل وأسفله يجعل على الوتر عند الرمي.
قال ابن الأنباري: الفوق يذكر ويؤنث قال الأبي: والتماري في الفوقة فيه معجزة لأنه إشارة إلى ما وقع فيهم من الخلاف بين الأمة في تكفيرهم وعدمه.