المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌433 - (51) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة وإعطاء المؤلفة قلوبهم وتصبر من قوي إيمانه - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌422 - (40) باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين

- ‌423 - (41) باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه وأن كل معروف صدقة

- ‌424 - (42) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك والأمر بالمبادرة إلى الصدقة قبل فوتها وعدم قبولها إلا من الكسب الطيب وتربيتها عند الرحمن

- ‌425 - (43) باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة وحث الإمام على الصدقة إذا رأى فاقة

- ‌426 - (44) باب النهي عن لمز المتصدق والترغيب في صدقة المنيحة وبيان مثل المتصدق والبخيل وقبول الصدقة وإن وقعت في يد غير مستحق

- ‌427 - (45) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تنفق من طعام بيتها والعبد من مال سيده

- ‌428 - (46) باب فضل من جمع الصدقة وأعمال الخير والحث على الأنفاق والنهي عن الإحصاء

- ‌429 - (47) باب النهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها وأي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

- ‌430 - (48) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس وبيان من تحل له المسألة

- ‌431 - (49) باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير سؤال ولا استشراف وكراهة الحرص على المال والعمر

- ‌432 - (50) باب الغنى غنى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والصبر والكفاف والقناعة

- ‌433 - (51) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة وإعطاء المؤلفة قلوبهم وتصبر من قوي إيمانه

- ‌434 - (52) باب وجوب الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى وكفر من نسب إليه جورًا وذكر الخوارج

- ‌(تتمة)

- ‌435 - (53) باب التحريض على قتل الخوارج وبيان أنهم شر الخلق والخليقة

- ‌436 - (54) باب تحريم الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وترك استعمال آله صلى الله عليه وسلم على الصدقة

- ‌437 (55) باب الصدقة إذا بلغت محلها جاز لمن كان قد حرمت عليه أن يأكل منها وقبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ورده الصدقة ودعاء المصدِّق لمن جاء بصدقته والوصاة بإرضاء المصدِّق

- ‌ كتاب الصيام

- ‌438 - (56) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لروية الهلال فإن غم تكمل العدة ثلاثين يومًا

- ‌439 - (57) باب النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وأن الشهر يكون تسعًا وعشرين

- ‌440 - (58) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرًا وشهران لا ينقصان

- ‌441 - (59) باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر وبيان الفجر الَّذي يتعلق به الأحكام

- ‌442 - (60) باب الحث على السحور واستحباب تأخيره وتعجيل الإفطار وبيان وقت إفطار الصائم

- ‌443 - (61) باب النهي عن الوصال في الصوم وما جاء في القبلة للصائم

- ‌444 - (62) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب وكفارة من أفطر في رمضان بالجماع متعمدًا

الفصل: ‌433 - (51) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة وإعطاء المؤلفة قلوبهم وتصبر من قوي إيمانه

‌433 - (51) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة وإعطاء المؤلفة قلوبهم وتصبر من قوي إيمانه

(2309)

(1021) - (171) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ. قَال: قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب رضي الله عنه: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَسْمًا. قَال فَقُلْتُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَغَيرُ هؤُلاءِ

ــ

433 -

(51) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة وإعطاء المؤلفة قلوبهم وتصبر من قوي إيمانه

(2309)

(1021)(171)(حدثنا عثمان بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال إسحاق: أخبرنا وقال: الآخران: حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن سلمان بن ربيعة) بن يزيد بن عمرو بن سهم التميمي الباهلي أبي عبد الله الكوفي وهو أول قاض استقضى بالكوفة فمكث أربعين يوما لا يأتيه خصم وكان قد استقضاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينئذ ويقال له سلمان الخيل كان يلي الخيول في خلافة عمر بالكوفة وكان رجلًا صالحًا يحج كل سنة روى عن عمر بن الخطاب في الزكاة مختلف في صحبته ويروي عنه (م) وأبو وائل وأبو ميسرة وأبو عثمان النهدي وسويد بن غفلة والشعبي قال أبو حاتم: له صحبة وقال ابن منده: ذكره البخاري في الصحابة ولا يصح وقال العجلي: كوفي ثقة وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وإن أردت تمام البحث عن ترجمته فراجع إلى الإصابة (ج 2 ص 61) وتهذيب التهذيب لابن حجر (ج 4 ص 136).

(قال) سلمان: (قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إما كوفي أو نسائي أو مروزي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة وفيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض الأعمش وسلمة وسلمان.

(قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين أموال الفيء (قسمًا) مصدر مؤكد

ص: 195

كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُمْ. قَال: "إِنَّهُمْ خَيَّرُوبي أنْ يَسْأَلُونِي بِالْفُحْشِ أَوْ يُبَخِّلُونِي. فَلَسْتُ بِبَاخِلٍ"

ــ

لعامله (قال) عمر: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (والله يا رسول الله لغير هولاء) الذين أعطيتهم بفتح اللام على أنها لام قسم والمراد بغيرهم أهل الصفة قال ابن الملك: كان أحق به) أي بهذا العطاء (منهم) أي من الذين قسمت لهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنهم خيَّروني) بلسان الحال بين (أن يسألوني بالفحش) والغلظة فأعطيتهم (أو يبخِّلوني) أي ينسبوني إلى البخل إن لم أعطهم (فلست بباخل) أي بممتنع عن إعطائهم فيصفوني بالبخل.

يعني أن الذين أعطيتهم لا يخلو حالهم من أحد الأمرين إما أن يسألوني بالفحش والتعدي في الطلب أو ينسبوني إلى البخل فما أعطيتهم إنما هو لدفع الأمرين لا برضى القلب شبه النبي صلى الله عليه وسلم ما ظهر من حالهم مع نفسه بالتخيير فقال: خيروني على وجه الاستعارة اهـ مبارق.

وقوله: (فلست بباخل) أي لا يوجد في البخل على وجه الحدوث فضلًا أن يكون على وجه الثبوت ونظيره من القرآن قوله تعالى: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} .

قال القرطبي: قوله: (إنهم خيروني) إلخ معناه أنهم ألحوا عليه في المسألة واشتطوا في السؤال وقصدوا بذلك أحد شيئين إما أن يصلوا إلى ما طلبوه أو ينسبوه إلى البخل فاختار النبي صلى الله عليه وسلم ما يقتضيه كرمه من إعطائهم ما سألوه وصبره على جفوتهم فسلم من نسبة البخل إليه إذ لا يليق به وحلم عنهم كي يتألفهم وكأن عمر رضي الله عنه عتب عليه في ذلك نظرًا إلى أهل الدين والغناء فيه أحق بالمعونة عليه وهذا هو الذي ظهر لسعد بن أبي وقاص فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بمصالح أخر لم تخطر لهم هي أولى مما ظهر لهم اهـ مفهم.

وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

وقوله: (إنهم خيروني) إلخ قال الأبي: الأظهر أنه بلسان الحال قال عياض: والمعنى أنهم اشتطوا عليَّ في السؤال على وجه يقتضي أنه إن أجابهم إليها حاباهم وإن منعهم آذوه وبخلوه فاختار أن يعطي إذ ليس البخل من خلقه صلى الله عليه وسلم ومداراةً وتألفًا كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره) وكما أمر الله تعالى بإعطاء المؤلفة قلوبهم كذا في إكمال المعلم وفيه أيضًا تنبيه لظنه أن الإيثار بالعطاء هو بحسب

ص: 196

(2310)

(1022) - (172) حدثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيمَانَ الرَّازِيُّ. قَال: سَمِعْتُ مَالِكًا. ح وَحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعلَى (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،

ــ

الفضيلة والسابقة في الدين فبين له صلى الله عليه وسلم وجه إيثاره بقوله: إنهم خيروني.

قال النواوي: وفيه مدارة أهل الجهالة والقسوة وتألفهم إذا كان فيهم مصلحة وجواز دفع المال إليهم لهذه المصلحة.

ثم استشهد المؤلف لحديث عمر رضي الله عنه بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:

(2310)

(1022)(172)(حدثنا عمرو) بن محمد (الناقد حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي) أبو يحيى الكوفي العنزي أو العبدي روى عن مالك بن أنس في الزكاة وأفلح بن حميد في الحج وحنظلة بن أبي سفيان في اللباس والعلم والفتن ويروي عنه (ع) وعمرو الناقد ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب والكوسج قال: وكان يبكي كل ساعة وكان يعد من الأبدال خاشعًا عابدًا وثقه ابن سعد والنسائي وابن معين وجماعة وقال في التقريب: ثقة من التاسعة مات سنة (200) مائتين في أولها قاله أبو داود (قال: سمعت مالكًا) ابن أنس الإمام.

(ح وحدثني يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة الصدفي أبو موسى المصري وثقه النسائي وأبو حاتم وقال في التقريب: ثقة من صغار العاشرة مات سنة (264) أربع وستين ومائتين وله (96) ست وتسعون سنة روى عنه في (3) أبواب (واللفظ له أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (حدثني مالك بن أنس) الأصبحي المدني (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن) عمه (أنس بن مالك) الأنصاري المدني.

وهذان السندان من خماسياته الأول منهما رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد كوفي وواحد بغدادي والثاني منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد بصري.

ص: 197

وَعَلَيهِ رِداءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ. فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ. فَجَبَذَهُ بِرِدَالهِ جَبْذَة شَدِيدَةٌ. نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ. مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ

ــ

(قال) أنس: أكنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ في رواية الأوزاعي (أدخل المسجد)(وعليه) صلى الله عليه وسلم (رداء) ما يليس في أعالي البدن وفي بعض الروايات: (برد) أي ثوب مخطط على ما في النهاية (نجراني) بفتح النون وسكون الجيم نسبة إلى نجران بلد معروف بين الحجاز والشام واليمن أي من عمل أهل نجران كما في النهاية. (غليظ الحاشية) بالرفع صفة لرداء أو برد أي ثخين الطرف الطولي وهذا يدل على إيثاره صلى الله عليه وسلم التقلل من الدنيا والتبلغ منها بما أمكن من اللباس والمطعم وغيره وأنه لم يكن بالذي يترفه في الدنيا ولا يتوسع فيها اهـ مفهم.

(فأدركه) صلى الله عليه وسلم أي لحقه من خلفه (أعرابي) أي شخص من الأعراب أي من سكان البادية في رواية الأوزاعي (فجاء أعرابي من خلفه)(فجبذه) بفتح الجيم والموحدة بعدها ذال معجمة وفي رواية الأوزاعي (فجذب) بتقديم الذال وتأخير الباء وهي بمعنى جبذ.

قال النواوي: جبذ وجذب لغتان مشهورتان وفي الرواية الثانية (فجاذبه) وهو بمعنى جبذه وبابهما ضرب كما في المصباح أي جبذ الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجره إليه (بردائه) أي برداء النبي صلى الله عليه وسلم (جبذة شديدة) أي جرة شديدة (نظرت) لأجلها (إلى صفحة) أي إلى جانب (عنق رسول الله) فرأيتها (وقد أثرت بها) أي في صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم (حاشية الرداء) وطرفها الغليظ الطولي (من شدة جبذته) أي لأجل جذبة الأعرابي الشديدة.

قال القاري وصدق الله سبحانه وتعالى في قوله: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} .

قال الحافظ: وزاد في رواية همام إن ذلك وقع من الأعرابي لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى حجرته ويجمع بأنه لقيه خارج المسجد فأدركه لما كاد يدخل

ص: 198

ثُمَّ قَال: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَضَحِكَ. ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ

ــ

فكلمه وأمسك بثوبه لما دخل فلما كاد يدخل الحجرة خشي أن يفوته فجبذه اهـ.

(ثم قال) الأعرابي: (يا محمد مر) وكلاءك بأن يعطوا (لي من مال الله الذي) كان (عندك) وعبارة الفتح: أي (مر وكلاءك أن يعطوا لي من مال الله أو من غير مالك الذي خص بك) كما صرح به في رواية حيث قال: (لا من مالك ولا من مال أبيك) قيل المراد به مال الزكاة فإنه كان يصرف بعضه إلى المؤلفة (فالتفت إليه) أي إلى الأعرابي (رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبًا (فضحك) به تلطفًا وفي رواية الأوزاعي (فتبسم).

(ثم أمر) صلى الله عليه وسلم وكلاءه بأن يعطوا (له) أي للأعرابي (بعطاء) أي شيئًا من العطاء.

قال الحافظ: وفي هذا الحديث بيان حلمه صلى الله عليه وسلم وصبره على الأذى في النفس والمال والتجاوز على جفاء من يريد تألفه على الإسلام وليتأسى به الولاة بعده في خلقه الجميل من الصفح والإغضاء والدفع بالتي هي أحسن.

قال النواوي: وفيه العفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها بجهله واحتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم واباحة الضحك عند الأمور التي يتعجب منها في العادة وفيه كمال خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه الجميل اهـ.

قال القرطبي: وهذا الحديث يدل على ما وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم أنه على خلق عظيم وأنه رؤوف رحيم فإن هذا الجفاء العظيم الذي صدر من هذا الأعرابي لا يصبر عليه ولا يحلم عنه مع القدرة عليه إلا مثله ثم ضحكه صلى الله عليه وسلم عند هذه الجبذة الشديدة التي انشق البرد لها وتأثر عنقه بسببها حتى انفلت عن وجهته ورجع إلى نحر الأعرابي دليل على أن الذي تم له من مقام الصبر والحلم ما تم لأحد وهذا نظير صبره وحلمه يوم أحد حيث كسرت رباعيته وشج وجهه وصرع على جنبه وهو في هذا الحال يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم اهـ من المفهم.

ص: 199

(2311)

(0)(0) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. ح وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ. عَنِ الأوزَاعِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. بِهذَا الْحَدِيثِ.

وَفِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارِ مِنَ الزِّيَادَةِ: قَال: ثُمَّ جَبَذَهُ إِلَيهِ جَبْذَةً. رَجَعَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَحْرِ الأعرَابِيِّ.

وَفِي حَدِيثِ هَمَّامٍ: فَجَاذَبَهُ

ــ

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 152 و 210) والبخاري (5809).

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2311)

(0)(0)(حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري أبو سهيل البصري صدوق من (9)(حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري ثقة من (7)(ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي أبو حفص اليمامي ثقة من (9)(حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي اليمامي صدوق من (5).

(ح وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي أبو عبد الله النيسابوري نزيل مكة قال في التقريب ثقة من كبار (11) الحادية عشرة (حدثنا أبو المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي ثقة من (9)(عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبي عمرو الشامي ثقة من (7) روى عنه في (12) بابا (كلهم) أي كل من همام وعكرمة بن عمار والأوزاعي رووا (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث) الذي رواه مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك بن أنس ثم بين محل المخالفة فقال: (و) لكن (في حديث عكرمة بن عمار) وروايته (من الزيادة) على مالك (قال) أنس: (ثم جبذه إلبه جبذة رجع نبي الله صلى الله عليه وسلم بسببها إلى جهة الأعرابي حتى صار منضمًا (في نحر الأعرابي) وصدره من شدة جذبه والنحر أعلى الصدر تحت العنق أي

ص: 200

حَتَّى انْشَقَّ الْبُرْدُ. وَحَتى بَقِيَتْ حَاشِيَتُهُ فِي عُنُقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

(2312)

(1023) - (173) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ؛ أَنهُ قَال: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبِيَةً وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ شَيئًا

ــ

استقبل نحره استقبالًا تامًّا وهو معنى قوله (وإذا التفت التفت معًا) وهذا يدل على أنه لم يتغير ولم يتأثر من سوء أدبه.

(وفي حديث همام) بن يحيى وروايته (فجاذبه) صلى الله عليه وسلم الأعرابي أي جذبه جذبة شديدة وهو بمعنى جبذ الثلاثي لأن المفاعلة ليست على بابها (حتى انشق) وانقطع (البرد) في عنقه صلى الله عليه وسلم (وحتى بقيت حاشيته) أي حاشية البرد وطرفه الغليظ (في عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القاضي: يحتمل أنه على ظاهره وأن الحاشية انقطعت وبقيت في العنق ويحتمل أن يكون معناه وبقى أثرها لقوله في الرواية الأخرى: (وقد أثرت بها حاشية الرداء).

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عمر بحديث المسور بن مخرمة رضي الله عنهما فقال:

(2312)

(1023)(173)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي أبي بكر المكي ثقة من (3) روى عنه في (20) عشرين بابا (عن المسور بن مخرمة) بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري أبي عبد الرحمن المكي الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما روى عنه في (6) أبواب.

وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مصري وواحد بلخي.

(أنه) أي أن المسور بن مخرمة (قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية) بين مؤلفة المسلمين جمع قباء بفتح القاف وبالموحدة ممدودا كسماء فارسي معرب وقيل: عربي واشتقاقه من القبو وهو الضم والجمع وهو ثوب يلبس فوق الثياب مفتوح قدام (ولم يعط) رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الأقبية والدي (مخرمة) بن نوفل (شيئًا) منها في حال تلك القسمة وإلا فقد وقع في رواية حماد بن زيد متصلًا بقوله: (من أصحابه) وعزل منها واحدًا لمخرمة ومخرمة هو والد المسور وهو ابن نوفل الزهري كان

ص: 201

فَقَال مَخْرَمَةُ: يَا بُنَيَّ! انْطَلِق بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. قَال: ادْخُل فَادْعُهُ لِي. قَال: فَدَعَوْتُهُ لَهُ. فَخَرَجَ إِلَيهِ وَعَلَيهِ قَبَاءٌ مِنْهَا. فَقَال: "خَبَأْتُ هذَا لَكَ". قَال: فَنَظَرَ إِلَيهِ فَقَال: "رَضِيَ مَخْرَمَةُ"

ــ

من رؤساء قريش ومن العارفين بالنسب وأنصاب الحرم وتأخر إسلامه إلى الفتح وشهد حنينًا وأعطي من تلك الغنيمة مع المؤلفة ومات سنة (54) أربع وخمسين وهو ابن (115) مائة وخمس عشرة سنة ذكره ابن سعد كذا في الفتح.

(فقال) والدي (مخرمة: يا بني) تصغير ابن تصغير شفقة (انطلق) أي اذهب (بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت) أي ذهبت (معه) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) لي والدي مخرمة يا بني: (ادخل) منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم (فادعه) أي فادع رسول الله صلى الله عليه وسلم الي) واطلب منه الخروج إلي (قال) المسور: (فدعوته) أي فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) أي لمخرمة (فخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى مخرمة (وعليه) أي والحال أن على عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم (قباء) بوزن سماء (منها) أي من بقية تلك الأقبية المقسومة.

قال الحافظ: ظاهره استعمال الحرير قيل: ويجوز أن يكون قبل النهي ويحتمل أن يكون المراد أنه نشره على أكتافه ليراه مخرمة كله ولم يقصد لبسه.

(قلت) ولا يتعين كونه على أكتافه بل يكفي أن يكون منشورا على يديه فيكون قوله (عليه) من إطلاق الكل على البعض وقد وقع في رواية حاتم (فخرج ومعه قباء وهو يريه محاسنه) وفي رواية حماد (فتلقاه به واستقبله بأزراره).

(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمخرمة (خبأت) أي أخفيت وأبقيت (هذا) القباء وحفظته (لك) يا مخرمة من الناس لأعطيه إياك قال النواوي: هو من باب التأليف (قال) المسور (فنظر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى مخرمة وهو لابس للقباء (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم له هل (رضي مخرمة) ما أعطيت له من القباء ففيه التفات قال الداودي: هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الاستفهام أي هل رضيت وقال ابن التين: يحتمل أن يكون من قول مخرمة قلت وهو المتبادر إلى الذهن كذا في الفتح والله أعلم والمعنى عليه فنظر مخرمة إلى القباء فقال مخرمة: رضي مخرمة القباء.

ص: 202

(2313)

(0)(0) حدَّثنا أَبُو الْخَطَّابِ زَيادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ. حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ أَبُو صَالِحٍ. حَدَّثَنَا أَئوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ. قَال: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَقْبِيَةٌ. فَقَال لِي أَبِي مَخْرَمَةُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَيهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيئًا. قَال: فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ

ــ

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (2599) وأبو داود (8/ 205) والترمذي (4028) والنسائي (2818).

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه فقال

(2313)

(0)(0)(حدثنا أبو الخطاب زياد بن بحيى) بن زياد بن حسان النكري بضم النون وسكون الكاف نسبة إلى نكرة بطن من بطون العرب (الحساني) نسبة إلى جده العدني البصري روى عن حاتم بن وردان في الزكاة ومحمد بن سواء في النكاح ومحمد بن أبي عدي في الدعاء وابن عيينة ومعتمر بن سليمان ويروي عنه (ع) وله في (خ) فرد حديث وثقه النسائي وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من (10) مات سنة (254) أربع وخمسين ومائتين (حدثنا حاتم بن وردان) السعدي (أبو صالح) البصري روى عن أيوب السختياني في الزكاة والضحايا وابن جدعان ويروي عنه (خ م ت س) وزياد بن يحيى الحساني وابن راهويه وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الثامنة مات سنة (184) أربع وثمانين ومائة (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان (السختياني) العنزي أبو بكر البصري ثقة من (5) روى عنه في (17) بابا (عن عبد الله) بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن جدعان التيمي المكي (عن المسور بن مخرمة) الزهري المكي رضي الله عنه.

وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة أيوب السختياني لليث بن سعد في الرواية عن ابن أبي مليكة.

(قال) المسور: (قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية) وفي بعض الروايات أهديت له.

قال ابن بطال: ما أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين فحلال له أخذه لأنه فيء وله أن يهب منه ما شاء ويؤثر به من شاء كالفيء وأما من بعده فلا يجوز

ص: 203

فَتَكَلَّمَ. فَعَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَوْتَهُ فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ. وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ. وَهُوَ يَقُولُ: "خَبَأْتُ هذَا لَكَ. خَبَأتُ هذَا لَكَ".

(2314)

(1024) - (174) حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْيدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ؛

ــ

له أن يختص به لأنه غنما أهدي إليه لكونه أميرهم اهـ.

(فقال لي أبي مخرمة: انطلق بنا إليه) صلى الله عليه وسلم (عسى) أي نرجو (أن يعطينا منها) أي من تلك الأقبية (شيئًا قال) المسور: (فقام أبي على الباب) أي على باب منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم (فتكلم) أبي بكلام ليسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج إليه (فعرف النبي صلى الله عليه وسلم صوته) قال السندي: ولعله اجتمعت المعرفة مع دعوة الولد فصارت سببًا للخروج ولا منافاة بينهما (فخرج) النبي صلى الله عليه وسلم إليه (ومعه) أي والحال أنه مع النبي صلى الله عليه وسلم (قباء وهو) صلى الله عليه وسلم (يريه) أي يري أبي (محاسنه) أي محاسن ذلك القباء أي حسنه وجودته (وهو) صلى الله عليه وسلم (يقول) لأبي: (خبأت) وأبقيت (هذا) القباء الجيد (لك) واخترته لك من بين الأقبية وقوله: (خبأت هذا لك) توكيد لفظي لما قبله زاد في رواية حماد أبا المسور هكذا دعاه بالمسور وكأنه على سبيل التأنيس له بذكر والده الذي جاء صحبته وإلا فكنيته في الأصل أبو صفوان وهو أكبر أولاده ذكر ذلك ابن سعد وزاد حماد أيضًا في آخر الحديث (وكان في خلقه شدة).

قال ابن بطال: يستفاد منه استئلاف أهل اللسن ومن في معناهم بالعطية والكلام الطيب.

ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:

(2314)

(1024)(174)(حدثنا الحسن بن علي الحلواني) الهذلي أبو علي المكي ثقة من (11)(وعبد بن حميد) الكسي (قالا: حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (عن ابن شهاب) الزهري المدني

ص: 204

أنَّهُ أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ. قَال: فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ رَجُلا لَمْ يُعْطِهِ. وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ. فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَارَرْتُهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلانٍ؟ وَاللهِ! إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. قَال: "أَوْ مُسْلِمًا"

ــ

(أخبرني عامر بن سعد) بن أبي وقاص مالك بن أهيب الزهري المدني (عن أبيه سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني رضي الله عنه.

وهذا السند من سباعياته رجاله ستة منهم مدنيون وواحد إما مكي أو كسي.

(أنه أعطى) هكذا هو في النسخ وهو صحيح لأنه على حذف قال تقديره: (أنه) أي أن سعدا قال: أعطى (رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطًا) أي جماعة من المؤلفة.

وفي بعض الهوامش: لفظة قال ساقطة عند الشارح موجودة في نسختنا اهـ.

(وأنا جالس فيهم) أي في أولئك الرهط (قال) سعد: (فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم) أي من أولئك الرهط (رجلًا لم يعطه) اسمه جعيل مصغرًا ذكره برهان الدين في تنبيه المعلم (وهو) أي ذلك الرجل المتروك (أعجبهم) أي أعجب أولئك الرهط وأفضلهم وأرضاهم دينًا (إلي) أي عندي (فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ليتوجه إلي وهذا مسلك أدب (فساررته) صلى الله عليه وسلم أي فكلمته سرًّا دون جهر تأدبًا معه صلى الله عليه وسلم وفيه التأدب مع الكبار وأنهم يسارون بما كان من باب التذكير لهم والتنبيه ونحوه ولا يجاهرون به فقد يكون في المجاهرة مفسدة اهـ فتح الملهم.

(فقلت) له في تكليمه: (يا رسول الله ما لك) أي أي شيء ثبت لك في إعراضك (عن فلان) ولم تعطه يعني أي سبب لعدولك عنه إلى غيره في الإعطاء ولفظ فلان كناية عن اسم أبهم بعد أن ذكر وفي الحديث جواز الشفاعة عند الإمام فيما يعتقد الشافع جوازه وتنبيه الصغير للكبير على ما يظن أنه ذهل عنه ومراجعة المشفوع إليه في الأمر إذا لم يؤد إلى مفسدة (والله إني لأراه) ضبطه النواوي بفتح الهمزة أي لأعلمه.

وقال ملا علي: بضم الهمزة أي لأظنه (مومنًا) أي كامل الإيمان (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلهم (أو) بإسكان الواو تلقين له بالأحسن وهو الجزم بالإسلام الظاهر

ص: 205

فَسَكَتُّ قَلِيلًا. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لكَ عَنْ فُلانٍ؟ فَوَاللهِ، إِني لأرَاهُ مُؤْمِنًا. قَال:"أَوْ مُسْلِمًا" فَسَكَتُّ قَلِيلًا. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لكَ عَنْ فُلانٍ؟ إِني لأرَاهُ مُؤْمِنًا. قَال: "أَوْ مُسْلِمًا" قَال: "إِني لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النارِ عَلَى وَجْهِهِ"

ــ

دون الإيمان الباطن وكأن سعدًا لكمال اشتغال قلبه بما كان فيه لم يتفطن لهذا التلقين فلذلك تكرر منه في المرة الثانية والثالثة الجزم بالإيمان والله تعالى أعلم أي بل (مسلمًا) أي بل ظنه أنت مسلمًا لا تقطع بإيمان من لم تختبر حاله في الباطن لأن الباطن لا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى فالأولى لك التعبير بالإسلام الظاهر اهـ من المرقاة.

وفي الحديث من الفوائد: التفرقة بين حقيقتي الإيمان والإسلام وترك القطع بالإيمان الكامل لمن لم ينص عليه قال الراغب: والإسلام في الشرع على ضربين أحدهما دون الإيمان وهو الاعتراف باللسان وبه يحقن الدم حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل وإياه قصد بقوله تعالى: {قَالتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} والثاني فوق الإيمان وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب ووفاء بالفعل واستسلام لله تعالى في جميع ما قضى وقدر كما ذكر من إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: {إِذْ قَال لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَال أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالمِينَ} .

قال سعد: (فسكتُّ) بضم التاء المشددة لأن لام الكلمة أدغم في تاء الفاعل أي سكت عن الكلام زمنًا (قليلًا ثم كلبني) وأحوجني إلى الكلام (ما) كنت (أعلم منه) أي من ذلك الرجل المتروك من حسن إسلامه وكريم أخلاقه (فقلت) ثانيًا: (يا رسول الله ما لك) معرضًا (عن فلان) فلم تعطه (فوالله إني لأراه مؤمنًا قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو مسلمًا) أي بل قل أراه مسلمًا لأن الإيمان لا يطلع عليه غير الله تعالى (فسكت قليلًا ثم غلبني ما أعلم فقلت) ثالثًا: (يا رسول الله ما لك عن فلان إني لأراه مؤمنًا قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل أراه مؤمنًا: (أو مسلمًا) أي بل قل أراه مسلمًا ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرة الثالثة: (إني لأعطي الرجل) أراد به الجنس أي رجلًا من الرجال اهـ ملا علي.

وفيه أن من أشير عليه بما يعتقده المشير مصلحة لا ينكر عليه بل يبين له وجه الصواب وفيه الاعتذار إلى الشافع إذا كانت المصلحة في ترك إجابته وأن لا عيب على

ص: 206

وَفِي حَدِيثِ الْحُلْوَانِيِّ تَكْرَارُ الْقَوْلِ مَرَّتَينِ

ــ

الشافع إذا ردت شفاعته لذلك (وغيره) أي والحال أن غير ذلك الرجل المعطي (أحب إليَّ) أي أفضل وأعجب عندي وأولى بالعطاء (منه) أي من ذلك المعطي (خشية) أي مخافة (أن يكبَّ) ويسقط ذلك الرجل المعطي (في النار على وجهه) يوم القيامة إن لم أعطه وقوله: خشية مفعول لأجله أي إنما أعطي بعضا لعلمي أن إيمانه ضعيف حتى لو لم أعطه لأعرض عن الحق وسفط في النار على وجهه وأترك بعضا في القسمة لعلمي أنه قام بالإيمان وأوثق بجميع ما أفعله وفيه بيان أن الإمام يجوز له أن يرجح البعض في قسمة الغنيمة لما يرى فيه من المصلحة اهـ مبارق.

قال الأبي: يعني لذمه وتبخيله النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يعطه فيكفر وقيل: غير ذلك.

(وفي حديث) حسن بن علي (الحلواني) وروايته (تكرار القول) أي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أو مسلمًا)(مرتين) فقط لا ثلاثًا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود والنسائي اهـ تحفة الأشراف.

ومعنى هذا الحديث على ما قاله النواوي أن سعدا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي ناسًا ويترك من هو أفضل منهم في الدين وظن أن العطاء يكون بحسب الفضائل في الدين وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم حال هذا الإنسان المتروك فأعلمه به وحلف أنه يعلمه مؤمنا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أو مسلمًا) فلم يفهم منه النهي عن الشفاعة فيه مرةً أخرى فسكت ثم رآه يعطي من هو دونه بكثير فغلبه ما يعلم من حسن حال ذلك الإنسان فقال: (يا رسول الله ما لك عن فلان) تذكيرا وجوَّز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هم بعطائه من المرة الأولى ثم نسيه فأراد تذكيره وهكذا المرة الثالثة إلى أن أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن العطاء ليس هو على حسب الفضائل في الدين فقال صلى الله عليه وسلم (إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار) معناه إني أعطي ناسا مؤلفة في إيمانهم ضعف لو لم أعطهم كفروا فيكبهم الله تعالى في النار وأترك أقواما هم أحب إليَّ من الذين أعطيتهم ولا أتركهم احتقارًا لهم ولا لنقص دينهم ولا إهمالًا لجانبهم بل أكلهم إلى ما جعل الله في قلوبهم من النور والإيمان التام وأثق بأنهم لا يتزلزل إيمانهم لكماله اهـ.

ص: 207

(2315)

(0)(0) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

(2316)

(0)(0) حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ،

ــ

وقد ثبت هذا المعنى في صحيح البخاري عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بمال أو سبي فقسمه فأعطى رجالًا وترك رجالًا فبلغه أن الذين ترك عتبوا فحمد الله تعالى ثم أثنى عليه ثم قال (أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إليَّ من الذي أعطي ولكني أعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل أقوامًا إلى ما جعل في قلوبهم من الغنى والخير) اهـ.

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:

(2315)

(0)(0)(حدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة المكي (ح وحدثنيه زهير بن حرب) النسائي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني (حدثنا) محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب المدني (ابن أخي ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري وثقه أبو داود وضعفه ابن معين وقال في التقريب: صدوق له أوهام من (6) روى عنه في (3) أبواب مات سنة (152) اثنتين وخمسين ومائة قال الواقدي: قتله غلمانه بأمر ابنه (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلهم) أي كل هؤلاء الثلاثة من سفيان ومحمد بن عبد الله ومعمر رووا (عن الزهري) محمد بن مسلم (بهذا الإسناد) يعني عن عامر بن سعد عن أبيه (على معنى) أي بمعنى (حديث صالح) بن كيسان (عن الزهري) وعبر بعلى في قوله (على معنى) فرارًا من كراهة تعلق حرفي جر متحدي المعنى واللفظ بعامل واحد وغرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لصالح بن كيسان في رواية هذا الحديث عن الزهري.

ص: 208

عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ؛ قَال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ بِهذَا الْحَدِيثِ. يَعْنِي حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا. فَقَال فِي حَدِيثِهِ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ بَينَ عُنُقِي وَكَتِفِي، ثُمَّ قَال:"أَقِتَالًا أَي سَعْدُ؟ ! ".

(2317)

(1025) - (175) حدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛

ــ

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث سعد رضي الله عنه فقال:

(2316)

3 (0)(0)(حدثنا الحسن بن علي الحلواني) أبو علي الهذلي المكي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان المدني (عن إسماعيل بن محمد بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من (4)(قال) إسماعيل: (سمعت) أبي (محمد بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من (3)(يحدث بهذا الحديث) عن سعد بن أبي وقاص (يعني) إسماعيل بن محمد بقوله بهذا الحديث (حديث الزهري) أي حديثًا رواه الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص.

وهذا السند من سباعياته رجاله كلهم مدنيون إلا حسن بن علي الحلواني غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن سعد لعامر بن سعد في رواية هذا الحديث عن أبيهما سعد بن أبي وقاص.

(الذي ذكرنا) هـ آنفًا (فقال) محمد بن سعد (في حديثه) أي في روايته قال سعد بن أبي وقاص (فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة (بين عنقي) وهو أصل الرأس (وكتفي) وهو ما بين أصل العنق والعضد من سطح الإبط (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (1) تريد (قتالًا) ودفاعا عن عملي (أي سعد) أي: يا سعد؛ أي: أتدافعني مدافعة وتكابرني عن عملي يا سعد شبه تكريره القول بعد التنبيه بالقتال أي أمدافعة ومكابرة تريد يا سعد.

وقد تقدم إشباع الكلام على هذا الحديث وما يتعلق به من البحث في كتاب الإيمان في باب تالف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه والنهي عن القطع بالإيمان بغير دليل قاطع فليراجع.

ص: 209

أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا، يَوْمَ حُنَينٍ، حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ. فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيشٍ. الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ. فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ. يُعْطِي قُرَيشًا ويتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ!

ــ

ثم استشهد المؤلف لحديث سعد بحديث أنس رضي الله عنهما فقال:

(2317)

(1025)(175)(حدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك) رضي الله عنه.

وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مصريان وواحد بصري وواحد مدني وواحد أيلي (أن أناسًا من الأنصار) لم أر من ذكر أسماءهم (قالوا يوم) غزوة (حنين) مصغرًا قال السهيلي: حنين الذي عرف به المكان هو حنين بن قانية ويقال لغزوة حنين غزوة أوطاس تسمية لها بالموضع الذي كانت فيه الوقعة (حين أفاء الله) تعالى أي رجع ورد (على رسوله) صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ: أي أعطاه غنائم الذين قاتلهم يوم حنين وأصل الفيء الرد والرجوع ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئًا لأنه رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق فكان الأموال التي بأيدي الكفار كانت بالأصالة للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طارئ عليه فغلب الكفار على تلك الأموال بطريق التعدي فإذا غنم المسلمون منهم شيئًا فكأنه رجع إليهم من يد الغاصب.

(من أموال هوازن ما أفاء) عليه وهوازن قبيلة مشهورة من العرب وبلغ السَّبي يومئذ ستة آلاف نفس من النساء والأطفال وكانت الإبل أربعة وعشرين ألفًا والغنم أربعين ألف شاة كما في الفتح أي حين جعل الله من أموالهم ما جعله فيئًا على رسوله وهو من الغنيمة ما لا تلحقه مشقة (فطفق) معطوف على أفاء الأول (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي شرع (يعطي رجالًا من قريش) من المؤلفة قلوبهم وسيأتي بيانهم في حديث رفاعة بن خديج كأبي سفيان وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن وغيرهم (المائة من الابل) كل فرد منهم (فقالوا) أي قال أناس من الأنصار: (يغفر الله) سبحانه (لرسول الله) صلى الله عليه وسلم.

ص: 210

قَال أَنَسُ بن مَالِكٍ: فَحُدِّثَ ذلِكَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، مِنْ قَوْلِهِمْ. فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ. فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ

ــ

قال الطيبي: هذا القول توطئة وتمهيد لما يرد بعده من العتاب كقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} قال الأبي: والعذر لهم في قولهم ذلك ما ذكر من أنه حديثة أسنانهم لأنه (يعطي قريشًا) من الغنائم ما شاؤوا (ويتركنا) من العطاء ولا يعطينا (وسيوفنا) أي والحال أن سيوفنا (تقطر) وتمطر وتسيل (من دمائهم) أي من دماء قريش يعني يوم الفتح.

قال الطيبي: هذا من باب قول العرب: عرضت الناقة على الحوض فهو من القلب والأصل ودماؤهم تقطر من سيوفنا ويحتمل أن تكون من بمعنى الباء الموحدة وبالغ في جعل الدم قطر السيوف قال الأبي: يعنون أنهم ليس لهم سابقة ولا قدم في الإسلام.

قال القاري: ولا يبعد أن يكون التقدير: وسيوفنا باعتبار ما عليها تقطر من دمائهم وهو إشعار بقرب قتلهم كفار قريش وإيماء إلى أنهم أولى بزيادة البر فالجملة حال مقررة لجملة الإشكال.

(قال أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه (فحدث ذلك) بالبناء للمجهول من التحديث أي أخبر بمقالتهم تلك (رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم) وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره: فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم ذلك الكلام السابق ولفظة (ذلك) مفعول مقدم لقولهم ولفظ البخاري: فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أخصر وأوضح والذي حدثه بأن الأنصار وجدوا في أنفسهم هو سعد بن عبادة كما في سيرة ابن سيد الناس اهـ تنبيه المعلم.

وقال ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم سعد بن عبادة ولفظه: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منه المقالة فدخل عليه سعد بن عبادة فذكر له ذلك فقال له: فأين أنت من ذلك يا سعد قال: ما أنا إلا من قومي قال فاجمع لي قومك فخرج فجمعهم الحديث وأخرجه أحمد من هذا الوجه وهذا يعكر على الرواية التي فيها أما رؤساؤكم فلم يقولوا شيئًا لأن سعد بن عبادة من رؤساء الأنصار بلا ريب إلا أن يحمل على الأغلب الأكثر وإن الذي خاطبه بذلك سعد بن عبادة ولم يرد

ص: 211

أَدَمٍ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ ، فَقَال لَهُ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا، يَا رَسُول اللهِ! فَلَمْ يَقُولُوا شَيئًا. وَأَمَّا أُنَاسٌ حَدِيثَةُ أَسْنَانُهُمْ، قَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِهِ. يُعْطِي قُرَيشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ! فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَإِني أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ. أَتَأَلَّفُهُمْ. أَفَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللهِ؟ فَوَاللهِ،

ــ

إدخال نفسه في النفي أو أنه لم يقل لفظًا وإن كان رضي بالقول المذكور فقال: ما أنا إلا من قومي وهذا أوجه والله تعالى أعلم اهـ فتح الملهم.

(فأرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى الأنصار فجمعهم) أي أمر بجمعهم (في قبة) أي في خيمة والقبة من الخيام بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب (من أدم) أي من جلود مدبوغة والأدم بفتحتين جمع أديم وهو الجلد المدبوغ ويجمع على أدم بضمتين أيضًا قال الفيومي: وهو القياس مثل برد وبريد اهـ.

(فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسم فقال) لهم: (ما حديث بلغني عنكم) أي من جهتكم ولفظ البخاري في المناقب (ما الذي بلغني عنكم) كما هو الرواية فيما يأتي (فقال له) صلى الله عليه وسلم (فقهاء الأنصار) أي علماؤهم وعقلاؤهم: (أما ذوو رأينا) أي أصحاب عقولنا وفهومنا (يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا) من الكلام الذي بلغك (وأما أناس حديثة أسنانهم) أي قليلة أعمارهم خفيفة أفكارهم جمع سن بمعنى العمر والمراد بهم الشبان (قالوا: يغفر الله لرسوله) توطئة وتمهيد لما بعده كما مر (يعطي قريشًا) أقوامه (ويتركنا) ونحن أنصاره عند الشدة (وسيوفنا تقطر) أي تتصبب (من دمائهم) يعنون قريب عهدهم بالإسلام ليس له قدم في الإسلام (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أعطي) من هذه الأموال (رجالًا حديثي عهد) أي قريبي زمن (بكفر) ليس لهم رسوخ في الإسلام (أتألفهم) أي أطلب ألفتهم بالإسلام ورسوخهم فيه بإعطاء المال لا لكونهم من قريش قومي أو لغرض آخر من الأغراض وهذا موضع الترجمة من الحديث وقال النواوي أي أستميل قلوبهم بالإحسان ليثبتوا على الإسلام رغبة في المال وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة من الصدقات وكانوا من أشراف العرب فمنهم من كان يعطيه دفعًا لأذاه ومنهم من كان يعطيه طمعًا في إسلامه وإسلام نظرائه وأتباعه ومنهم من

ص: 212

لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ" فَقَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ رَضِينَا. قَال: "فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَثَرَةً شَدِيدَةً. فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ. فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ". قَالُوا: سَنَصْبِرُ

ــ

كان يعطيه ليثبت على إسلامه لقرب عهده بالجاهلية اهـ نووي.

(أفلا ترضون) يا معشر الأنصار (أن يذهب الناس) ويرجعوا من الجهاد إلى منازلهم (بالأموال) أي بالغنائم (وترجعون) أنتم من المعارك (إلى رحالكم) بالحاء المهملة أي إلى منازلكم ودياركم طيبة المدينة (برسول الله) صلى الله عليه وسلم (فوالله) الذي لا إله غيره (لما تنقلبون) وترجعون (به) واللام موطئة للقسم وما موصولة أو موصوفة أي فوالله إن الذي ترجعون وتنصرفون به إلى دياركم من الأجر وصحبة الرسول (خير) أي أفضل (مما ينقلبون به) أي من الغنائم التي يرجع بها الناس إلى منازلهم (فقالوا) أي فقال الأنصار جوابًا لرسوله صلى الله عليه وسلم: (بلى) أي ليس الأمر عدم رضانا ذلك (يا رسول الله) بل (قد رضينا) ذلك يا رسول الله.

قال الحافظ: وذكر الواقدي أنه حينئذ دعاهم ليكتب لهم بالبحرين تكون لهم خاصة بعده دون الناس وهي يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض فابوا وقالوا: لا حاجة لنا بالدنيا اهـ.

(قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإنكم) يا معشر الأنصار (ستجدون) بعدي فيه التفات إليهم متضمن للترحم عليهم (أثرة شديدة) أي استئثارًا واستبدادًا شديدًا يفضل عليكم غيركم بغير حق وهو اسم مصدر من آثر يؤثر إيثارًا نظير آمن قال الأعشى:

استأثر الله بالبقاء وبالـ

ـعدل وولى الملامة الرجلا

فيه لغتان إحداهما ضم الهمزة وإسكان الثاء وأصحهما وأشهرهما بفتحهما جميعًا أي استئثار واستبداد أمرائكم واستقلالهم بأمور الدنيا من المغانم والفيء ونحوهما أي يستأثرون أنفسهم بالأموال والولاية دونكم ويفضلون عليكم غيركم من أقاربهم وقبائلهم ممن هو أدنى منكم والأثرة الاستبداد بالمشترك والاختصاص دون الشركاء.

قال الحافظ رحمه الله: وفيه علم من أعلام النبوة لقوله: (ستجدون بعدي أثرة) فكان كما قال وقد قال الزهري في روايته الآتية: قال أنس: فلم نصبر.

(فاصبروا) على تلك الأثرة ولا تنازعوهم فتكون فتنة وهذا موضع الجزء الأخير من

ص: 213

(2318)

(0)(0) حدَّثنا حَسَن الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنهُ قَال: لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. إِلَّا أَنهُ قَال: قَال أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ. وَقَال: فَأَمَّا أُنَاسٌ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ.

(2319)

(0)(0) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ

ــ

الترجمة (حتى تلقوا الله ورسوله) أي يوم القيامة فيجازيكم على صبركم أحسن الجزاء (فإني) منتظركم (على الحوض) أي فحينئذ يحصل جبر خاطركم المتعطش إلى لقائي بسقيكم شربةً لا تظمؤون بعدها أبدا ويحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم والثواب الجزيل على الصبر (قالوا) أي قال الأنصار في جواب أمره صلى الله عليه وسلم إياهم بالصبر (سنصبر) إن شاء الله تعالى على تلك الأثرة يا رسول الله والظاهر (فقالوا) كما هو لفظ البخاري في المغازي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 246) والبخارى (4331) والترمذي (3901).

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2318)

(0)(0)(حدثنا حسن) بن علي (الحلواني) المكي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا: حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري المدني (حدثني أنس بن ممالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه.

وهذا السند من سداسياته كرضه بسوقه بيان متابعة صالح بن كيسان ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن الزهري وفائدتها تقوية السند الأول.

(أنه) أي أن أنسًا (قال: لما أفاء الله) سبحانه وتعالى أي رجع ورد (على رسوله) صلى الله عليه وسلم (ما أفاء من أموال هوازن واقتص) صالح بن كيسان (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل حديث يونس لفظًا ومعنى إلا ما استثنى بقوله: (إلا أنه) أي أن صالحًا (قال) في روايته زيادة على يونس: (قال أنس: فلم نصبر) نحن معاشر الأنصار

ص: 214

حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَال: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. إِلَّا أَنَّهُ قَال: قَال أَنَسٌ: قَالُوا: نَصْبِرُ. كَرِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

(2320)

(0)(0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأنصَارَ. فَقَال: "أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيرِكُمْ؟ "

ــ

كما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم (وقال) صالح أيضًا: (فأما) بالفاء بدل الواو (أناس حديثة أسنانهم) بحذف منَّا.

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2319)

(0)(0)(وحدثني زهير بن حرب) النسائي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) المدني (حدثنا) محمد بن عبد الله بن مسلم (بن أخي ابن شهاب) الزهري المدني (عن عمه) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المدني (قال) ابن شهاب: (أخبرني أنس بن مالك).

وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة ابن أخي ابن شهاب ليونس بن يزيد.

(وساق) ابن أخي ابن شهاب (الحديث) أي ذكر (بمثله) أي بمثل حديث يونس لفظًا ومعنىً (إلا أنه) أي أن ابن أخي ابن شهاب (قال) في روايته: (قال أنس: قالوا) أي قال الأنصار: (نصبر) بحدف السين التي هي للاستقبال (كرواية يونس عن الزهري) إلا في حذف سين الاستقبال أي لم يذكر لفظة فلم نصبر كما ذكرها صالح.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2320)

(0)(0)(حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (أخبرنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (قال شعبة: سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (يحدث عن أنس بن مالك) رضي الله عنه.

ص: 215

فَقَالُوا: لَا. إِلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِن ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ " فَقَال: "إِن قُرَيشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ. وَإِني أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأتَأَلَّفَهُمْ. أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى

ــ

وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون غرضه بسوقه بيان متابعة قتادة لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أنس.

(قال) أنس: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار) في قبة من أدم ثم جاءهم (فقال) لهم: (أفيكم) أي هل فيكم في هذا الجمع (أحد من غيركم) أي من غير الأنصار (فقالوا) أي فقال الأنصار: (لا) يكون فينا أحد غيرنا أي لم يكن فينا أحد غيرنا (إلا ابن أخت لنا) هو النعمان بن مقرن المزني كما أخرجه أحمد عن معاوية بن قرة في حديث أنس هذا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابن أخت القوم منهم) أي من القوم في الصلة والقرابة وعدم كتمان السر عنه.

قال النواوي: احتج به أبو حنيفة وأحمد على توريث ذوي الأرحام ومنعه مالك والشافعي وأجابوا عن الحديث بأنه ليس فيه ذكر التوريث وإنما المعنى إن بينه وبينهم وصلة وقرابة وأنه كالواحد منهم في إفشاء السر بحضرته ونحو ذلك اهـ.

قال العيني: وللحنفية في توريث ذوي الأرحام حديث عائشة (الخال وارث من لا وارث له) وغيره من الأحاديث (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن قريشًا حديث عهد) أي قريب زمن (بجاهلية ومصيبة) أي من نحو قتل أقاربهم وفتح بلادهم يعني أن زمانهم قريب من زمان الكفر قال ابن حجر في مغازي البخاري: كذا وقع (حديث عهد) بالإفراد في الصحيحين والمعروف (حديثو عهد) اهـ. ولكن فعيل يستوي فيه المفرد وغيره.

(وإني أردت) أي قصدت بتخصيصهم بالعطاء (أن أجبرهم) بفتح الهمزة وسكون الجيم وبالباء الموحدة وبالراء من الجبر ضد الكسر أي أن أجبر كسير قلبهم بالعطايا أي أن أفعل معهم ما ينجبر به خاطرهم وينسيهم مصيبتهم.

وقال ابن حجر: كذا للأكثر (أن أجبرهم) بالجيم والراء وللسرخسي والمستملي (أن أجيزهم) بضم أوله وكسر الجيم بعدها تحتانية ساكنة ثم زاي من الجائزة اهـ.

ص: 216

بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَ الأنصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ".

(2321)

(0)(0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَال: لَمَّا فُتِحَتْ مَكةُ قَسَمَ الْغَنَائِمَ

ــ

وهو المأخوذ من المشارق فقال ابن الملك: أي أن أتحفهم وأعطيهم عطية تجبر كسر قلبهم بالمصائب.

(وأتألفهم) أي أستأنسهم على الإسلام (أما ترضون) أيها الأنصار (أن يرجع الناس) غيركم (بالدنيا) والأموال (وترجعون برسول الله) صلى الله عليه وسلم (إلى بيوتكم) ومنازلكم والله (لو سلك الناس) غيركم ودخلوا في المسير (واديًا) من الأودية وهو المكان المنخفض مطلقًا وقيل: الذي فيه ماء (وسلك الأنصار شعبًا) من الشعاب بكسر الشين المعجمة وسكون العين اسم لما انفرج بين جبلين وقيل: الطريق في الجبل (لسلكت شعب الأنصار) أظهره إشعارًا بكمال محبته لهم لا الاقتداء بهم والمتابعة اهـ من المبارق أي لسلكت شعبهم وتركت سلوك وادي سائر الناس.

قال الحافظ: أراد به التنبيه على جزيل ما حصل لهم من ثواب النصرة والقناعة بالله ورسوله عن الدنيا ومن هذا وصفه فحقه أن يسلك طريفه ويتبع حاله اهـ.

قال الخطابي: أراد إن أرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب فإذا ضاق الطريق عن الجميع فسلك رئيسهم شعبًا تبعه قومه حتى يفضوا إلى الجادة وفيه وجه آخر: وهو أنه أراد بالوادي الرأي والمذهب كما يقال: فلان في واد وأنا في واد قيل: أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم حسن الوفاء بالعهد وحسن الجوار وما أراد بذلك وجوب متابعته إياهم فإن متابعته حق على كل مؤمن لأنه صلى الله عليه وسلم هو المتبوع المطاع لا التابع المطيع اهـ فتح الملهم.

ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2321)

(0)(0)(حدثنا محمد بن الوليد) بن عبد الحميد القرشي العامري أبو عبد الله البصري الملقب بحمدان ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب سْعبة المعروف بغندر ثقة من (9)(حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي التياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري ثقة من (5) روى عنه في (7)

ص: 217

فِي قُرَيشٍ. فَقَالتِ الأَنْصَارُ: إِن هذَا لَهُوَ الْعَجَبُ. إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. وَإِن غَنَائِمَنَا تُرَدُّ عَلَيهِمْ! فَبَلَغَ ذلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَمَعَهُمْ. فَقَال: "مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ " قَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ. وَكَانُوا لَا يَكْذِبُونَ. قَال: "أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ الناسُ بِالذُنْيَا إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَ الناسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأنصَارِ أَوْ شِعْبَ الأنصَارِ".

(2322)

(0)(0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنى وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ

ــ

أبواب (قال) أبو التياح: (سمعت أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون غرضه بسوقه بيان متابعة أبي التياح لمن روى هذا الحديث عن أنس بن مالك. (قال) أنس: (لما فتحت مكة) المكرمة (قسم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الغنائم) أي غنائم حنين وكان ذلك بعد الفتح بشهرين (في قريش) المراد بهم من فتحت مكة وهم فيها (فقالت الأنصار: إن هذا) القسم يعنون قسم الغنائم لقريش (لهو العجب) أي لهو الأمر الذي يستحق التعجب منه لأنه أمر خارق للعادة في قسم الغنائم (أن سيوفنا) وإنما كان من العجب لأن سيوفنا (تقطر) أي تمطر (من دمائهم) أي من دماء قريش يعنون يوم الفتح (وإن غنائمنا) أي إن الغنائم التي تستحق قسمها (نرد عليهم) أي تقسم على طلقاء قريش (فبلغ ذلك) الذي قالوه (رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم) أي أمر بجمعهم في قبة فلما اجتمعوا جاءهم (فقال) لهم: (ما) الخبر (الذي بلغني عنكم) أي من جهتكم (قالوا) له صلى الله عليه وسلم خبرنا (هو) الخبر (الذي بلغك) يا رسول الله (وكانوا) أي وكان من خلقهم أنهم (لا يكذبون) بإنكار ما قالوا أي قال فقهاؤهم هو الذي قاله ناس منا حديثة أسنانهم فلا منافاة بينه وبين ما سبق ولعل ذلك كان منهم بعد أن سكتوا أول مرة فلا ينافيه ما سيأتي أنهم سكتوا والله تعالى أعلم بالصواب اهـ فتح الملهم (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما ترضون) أيها الأنصار (أن يرجع الناس) غيركم كقريش (بالدنيا) والأموال (إلى بيوتهم وترجعون) أنتم (برسول الله إلى بيوتكم) ومنازلكم والله (لو سلك الناس) كلهم غير الأنصار (واديًا) من الأودية وهو مجرى الماء المتسع (أو شعبًا) من الشعاب وهو الطريق في الجبل

ص: 218

عَرْعَرَةَ (يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ الْحَرْفَ بَعْدَ الْحَرْفِ) قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ هِشَامٍ بْنِ زَيدِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَينٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ، وَغَيرُهُمْ بِذَرَارِيِّهِمْ وَنَعَمِهِمْ. وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ الآفٍ. وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ

ــ

(لسلكت وادي الأنصار) أي لاخترت السلوك في واد سلكت فيه الأنصار (أو شعب الأنصار) وأو في الموضعين لتنويع المسلك لا للشك.

ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2332)

(0)(0)(حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (وإبراهيم بن محمد بن عرعرة) بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة السامي بمهملة أبو إسحاق البصري ثقة من (10)(يزيد أحدهما على الأخر الحرف بعد الحرف) أي الكلمة بعد الكلمة (قالا: حدثنا معاذ بن معاذ) التميمي العنبري أبو المثنى البصري (حدثنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان بفتح فسكون ففتح المزني مولاهم أبو عون البصري ثقة ثبت من (6) روى عنه في (11) بابا (عن هشام بن زيد بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري ثقة من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن) جده (أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه.

وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون غرضه بسوقه بيان متابعة هشام بن زيد لمن روى عن أنس.

(قال) أنس: (لما كان يوم) غزوة (حنين أقبلت) أي جاءت إلى مقابلة المسلمين ومقاتلتهم (هوازن وغطفان) هما قبيلتان من قيس بن عيلان بن مضر بن معد بن عدنان (وغيرهم) ممن انضاف إليهما كثقيف وناس من هلال وفي بعض النسخ إسقاط (وغيرهم)(بذراريهم) أي بنسائهم وأطفالهم (ونعمهم) أي وبمواشيهم والنعم واحد الأنعام وهي الأموال الراعية وأكثر ما يقع على الإبل.

قال القسطلاني: وكانت عادتهم إذا أرادوا التثبت في القتال استصحاب الأهالي وثقلهم معهم إلى موضع القتال اهـ.

وكان خروجهم بالأموال والنساء والأطفال بأمر رئيسهم مالك بن عوف النصري وكان دريد بن الصمة الجشمي قد أشار إليه بخلافه فلم يقبل منه مشورته وسيأتي ما فيه

ص: 219

فَأَدْبَرُوا عَنْهُ. حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ. قَال: فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَينِ. لَمْ يَخْلِطْ بَينَهُمَا شَيئًا. قَال: فَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَال: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ" فَقَالُوا: لَبَّيكَ، يَا رَسُولَ اللهِ! أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. قَال: ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ فَقَال: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ"! قَالُوا: لَبيكَ، يَا رَسُولَ اللهِ! أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. قَال: وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيضَاءَ. فَنَزَلَ فَقَال: أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ. فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ. وَأَصَابَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَنَائِمَ كثِيرَةً. فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطلَقَاءِ. وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيئًا

ــ

من الحكمة الإلهية التكوينية (و) كان (مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ) أي يومئذ أقبلت عليهم هوازن وغطفان (عشرة آلاف) من الصحابة الذين فتح بهم مكة (و) كان (معه) صلى الله عليه وسلم (الطلقاء) يعني مسلمة الفتح الذين من عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فلم يأسرهم ولم يقتلهم جمع طليق.

قال العيني: الطليق هو الأسير الذي أطلق عنه أسره وخلى سبيله ويراد بهم أهل مكة فإنه صلى الله عليه وسلم أطلق عنهم وقال لهم: أقول لكم ما قال يوسف: لا تثريب عليكم اليوم اهـ.

وكانوا ألفين من أهل مكة ومن انضاف إليهم (فأدبروا) أي فأدبر المسلمون (عنه) صلى الله عليه وسلم أي ولوا عنه أدبارهم وما أقبلوا على العدو معه صلى الله عليه وسلم وهربوا عنه (حتى بقي) صلى الله عليه وسلم (وحده قال) أنس: (فنادى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يومئذ) أي يوم إذ أقبلت عليهم هوازن (نداءين لم يخلط بينهما شيئًا) مفسر بما بعده يعني أنه صلى الله عليه وسلم نادى الأنصار يومئذ نداءين متعاقبين يمينًا وشمالًا.

(قال) أنس في تفسير قوله: (لم يخلط بينهما)(فالتفت) صلى الله عليه وسلم (عن يمينه فقال: يا معشر الأنصار فقالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك قال) أنس (ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك قال) أنس: (وهو) صلى الله عليه وسلم كان حين ندائهم (على بغلة بيضاء) وهذا من كمال شجاعته صلى الله عليه وسلم فإن البغال لا تعتمد في القتال (فنزل) عن بغلته (فقال: أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون) وهربوا (وأصاب) أي أخذ (رسول الله صلى الله عليه

ص: 220

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسلم) من المشركين (غنائم كثيرة فقسم) تلك الغنائم (في المهاجربن والطلقاء) يعني مسلمة الفتح (ولم يعط الأنصار شيئًا) قال الحافظ: وهذا ظاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة.

وقال القرطبي في المفهم: والإجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من الخمس ومنه كان أكثر عطاياه وقد قال في هذه الغزوة للأعرابي: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم) أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصا بهذه الواقعة وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال: إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم.

(قلت) الأول هو المعتمد ويؤكده ما سبق من قوله وءان غنائمنا ترد عليهم وما يأتي في هذه الرواية من قولهم ويعطي الغنائم غيرنا.

ثم قال الحافظ: والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف وقيل: إنما تصرف في الغنيمة كذلك لأن الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فرد الله أمر الغنيمة لنبيه وهذا معنى القول السابق بأنه خاص بهذه الواقعة واختار أبو عبيد أنه كان من الخمس.

(وقال ابن القيم) رحمه الله تعالى: اقتضت حكمة الله أن فتح مكة كان سببًا لدخول كثير من قبائل العرب في الإسلام وكانوا يقولون: دعوه وقومه فإن غلبهم دخلنا في دينه وإن غلبوه كفونا أمره فلما فتح الله عليه استمر بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهبوا لحربه وكان من الحكمة في ذلك أن يظهر أن الله نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا بانكفاف قومه عن قتاله ثم لما قدر الله عليه من غلبته إياهم قدر وقوع هزيمة المسلمين في كثرة عددهم وقوة عددهم ليتبين لهم أن النصر الحق إنما هو من عنده لا بقوتهم ولو قدر أن يغلبوا الكفار ابتداءً لرجع من رجع منهم شامخ الرأس متعاظمًا فقدر هزيمتهم ثم أعقبهم النصر ليدخلوا مكة كما دخلها صلى الله عليه وسلم يوم الفتح متواضعًا متخشعًا واقتضت حكمته أيضًا أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع البشري في محبة المال فقسمه فيهم

ص: 221

فَقَالتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتِ الشِّدَّةُ فَنَحْنُ نُدْعَى. وَتُعْطَى الْغَنَائِمُ غَيرَنَا! فَبَلَغَهُ ذلِكَ. فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ. فَقَال: "يَا مَعْشَرَ الانْصَارِ! مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ " فَسَكَتُوا. فَقَال: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ الناسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِمُحَمَّدٍ تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ "

ــ

لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته لأنها جبلت على حب من أحسن إليها ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورًا عليهم بخلاف قسمته على المؤلفة لأن فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم فلما كان ذلك العطاء سببًا لدخولهم في الإسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول فكان في ذلك عظيم المصلحة ولذلك لم يقسم فيهم من أموال أهل مكة عند فتحها قليلًا ولا كثيرًا مع احتياج الجيوش إلى المال الذي يعينهم على ماهم فيه فحرك الله قلوب المشركين لغزوهم فرأى كبيرهم أن يخرجوا معهم أموالهم ونساءهم وأبناءهم غنيمة للمسلمين ولو لم يقذف الله في قلب رئيسهم أن سوقه معه هو الصواب لكان الرأي ما أشار إليه دريد فخالفه فكان ذلك سببًا لتصييرهم غنيمة للمسلمين ثم اقتضت تلك الحكمة أن تقسم تلك الغنائم في المؤلفة ويوكل من قلبه مملوء بالإيمان ثم كان من تمام التأليف رد من سبي منهم إليهم فانشرحت صدورهم للإسلام فدخلوا طائعين راغبين وجبر ذلك قلوب أهل مكة بما نالهم من النصر والغنيمة عما حصل لهم من الكسر والرعب فصرف عنهم شر من كان يجاورهم من أشد العرب من هوازن وثقيف بما وقع لهم من الكسرة وبما قيض لهم من الدخول في الإسلام ولولا ذلك ما كان أهل مكة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها وكثرتها وأما قصة الأنصار وقول من قال منهم وقد اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك كان من بعض أتباعهم ولما شرح لهم صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنع رجعوا مذعنين ورأوا أن الغنيمة العظمى ما حصل لهم من عود رسول الله إلى بلادهم فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا من الأنثى والصغير بما حازوه من الفوز العظيم ومجاورة النبي الكريم لهم حيا وميتا وهذا دأب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه انتهى ملخصًا.

(فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى وتعطى الغنائم غيرنا فبلغه) صلى الله عليه وسلم (ذلك) الذي قالوه (فجمعهم في قبة فقال: يا معشر الأنصار ما حديث بلغني

ص: 222

قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ! رَضِينَا. قَال: فَقَال: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ".

قَال هِشَامٌ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، أَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ؟ قَال: وَأَينَ أَغِيبُ عَنْهُ؟ .

(2323)

(0)(0) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَال ابْنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: حَدَّثَنِي السُّمَيط،

ــ

عنكم فسكتوا) يحتمل أن بعضهم سكت وبعضهم أجاب قاله الحافظ.

(فقال: يا معشر الأنصار أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد) حالة كونكم (تحوزونه) أي تضمونه وتجمعونه مع أنفسكم وتردونه (إلى بيوتكم) ودياركم المدينة المنورة فيكون جارًا لكم حيًّا وميتًا وهو بالحاء المهملة وبالزاي من الحوز وهو الضم والجمع والإحاطة. قال الفيومي: وكل من ضم إلى نفسه شيئًا فقد حازه اهـ.

(قالوا: بلى يا رسول الله رضينا) ذلك (قال) أنس: (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (لو سلك الناس واديًا) من الأودية أي متسعًا من الطريق (وسلكت الأنصار شعبًا) من الشعاب أي طريقًا ضيقًا صاعدًا في الجبل (لأخذت) أي لسلكت (شعب الأنصار) أظهر في مقام الإضمار إشعارًا بكمال محبته إياهم.

(قال هشام) بن زيد بن أنس بالسند السابق: (فقلت) لأنس: (يا أبا حمزة) كنية أنس بن مالك جد هشام (أنت شاهد) أي حاضر (ذاك) القصص الواقع بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم (قال) أبو حمزة: (وأين) أي وإلى أين (أغيب عنه) أي عن ذاك الواقع بينه وبينهم لأني خادمه صلى الله عليه وسلم هو استفهام إنكار يقرر أنه ما كان ينبغي له أن يظن أن أنسا يغيب عن ذلك اهـ فتح الملهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2323)

(0)(0)(حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر العنبري البصري ثقة من (10)(وحامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي البكراوي البصري ثقة من (10)(ومحمد بن عبد الأعلى) القيسي الصنعاني ثم البصري ثقة من

ص: 223

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: افْتَتَحْنَا مَكةَ. ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا حُنَينًا. فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيتُ. قَال: فَصُفَّتِ الْخَيلُ. ثُمَّ صُفَّتِ الْمُقَاتِلَةُ. ثُمَّ صُفَّتِ النسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذلِكَ. ثُمَّ صُفَّتِ الْغَنَمُ. ثُمَّ صُفَّتِ النَّعَمُ. قَال: وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ. قَدْ بَلَغْنَا سِتةَ الآفٍ. وَعَلَى مُجَنِّبَةِ خَيلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَال: فَجَعَلَتْ خَيلُنَا

ــ

(10)

(قال ابن معاذ: حدثنا المعتمر بن سليمان) التيمي أبو محمد البصري ثقة من (9)(عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي أبي المعتمر البصري ثقة من (4)(قال) سليمان: (حدثني السميط) مصغرًا تصغير سمط بن عمير بن حية بن زميلة بن واقد بن شراحيل بن حرمل بن عمرو بن سدوس ويقال: سميط بن سمير السدوسي أبو عبد الله البصري روى عن أنس في الصلاة والزكاة وأبي موسى وعمران بن حصين ويروي عنه (م س ق) وسليمان التيمي وعاصم الأحول قال العجلي: ثقة وقال في التقريب: صدوق من الثالثة وليس في مسلم سميط إلا هذا (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري.

وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة غرضه بسوقه بيان متابعة سميط لمن روى عن أنس.

(قال) أنس: (افتتحنا مكة ثم إنا) بعد افتتاح مكة (غزونا حنينًا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت) في الدنيا (قال) أنس: (فصفت الخيل) أي الفرسان (ثم صفت المقاتلة) أي الرجالة المقاتلون (ثم صفت النساء من وراء ذلك) المذكور من الخيل والمقاتلة (ثم صفت الغنم ثم صفت النعم) أي الإبل وجه ذلك ما نقلناه من القسطلاني قبل (قال) أنس: (ونحن) معاشر المسلمين (بشر كثير) وجم غفير (قد بلغنا ستة آلاف) مقاتلة قال القاضي: هذا وهم من الراوي عن أنس والصحيح ما جاء في الرواية الأولى (عشرة آلاف ومعهم الطلقاء) لأن المشهور في كتاب المغازي أن المسلمين كانوا يومئذ اثني عشر ألفًا عشرة آلاف شهدوا الفتح وألفان من أهل مكة ومن انضاف إليهم اهـ إكمال المعلم.

(وعلى مجنبة خيلنا) بضم الميم وفتح الجيم وكسر النون قال شمر: المجنبة هي الكتيبة من الخيل التي تأخذ جانب الطريق الأيمن وهما مجنبتان ميمنة وميسرة بجانبي الطريق والقلب بينهما كذا في الشرح أي والأمير عليهما (خالد بن الوليد) بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي سيف الله يكنى أبا سليمان أسلم في صفر سنة ثمان وشهد غزوة مؤتة وكان إسلامه بين الحديبية والفتح مات بحمص على الراجح وقيل

ص: 224

تَلْوي خَلْفَ ظُهُورِنَا. فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيلُنَا، وَفَرَّتِ الأَعْرَابُ، وَمَنْ نَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ. قَال: فَنَادَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَال الْمُهَاجِرِينَ! يَالَ الْمُهَاجِرِينَ! " ثُمَّ قَال: "يَال الأنصَارِ! يَال الأنصَارِ! ". قَال: قَال أَنَسٌ: هذَا حَدِيثُ عِمِّيَّةٍ

ــ

بالمدينة سنة إحدى أو اثنتين وعشرين رضي الله عنه.

وفي النهاية في حديث الفتح كان خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى والزبير على المجنبة اليسرى.

قال ابن الأثير: مجنبة الجيش هي التي تكون في الميمنة والميسرة وهما مجنبتان.

(قال) أنس: (فجعلت خيلنا) أي شرعت خيلنا يعني خيل المسلمين (تلوي) هكذا هو في أكثر النسخ تلوي بوزن (ترمي) قال في مجمع البحار: أي تتلوى من لوى عليه إذا عطف وفي بعضها (تلوذ) بالذال المعجمة وكلاهما صحيح أي فجعلت فرساننا يثنون أفراسهم ويعطفونها (خلف ظهورنا) أي يردونها خلف ظهورنا (فلم نلبث أن انكشفت) وانهزمت (خيلنا) وهربت (وفرت) أي هربت وشردت (الأعراب) الذين كانوا معنا (ومن نعلمـ) ـهم بالشجاعة (من الناس) المهاجرين والأنصار (قال) أنس: (فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بالرجوع إليه وقال في ندائه: (يال المهاجرين يال المهاجرين) مرتين (ثم قال: يال الأنصار يال الأنصار) مرتين هكذا في جميع النسخ في المواضع الأربعة: (يال) بلام مفصولة مفتوحة والمعروف بلام التعريف التي بعدها بأن يكتب هكذا: يا للمهاجرين يا للأنصار وهي لام الجر إلا أنها تفتح في المستغاث به فرقًا بينه وبين المستغاث له فيقال: يا لزيد لعمرو بفتحها في الأولى وكسرها في الثانية ويسمى هذا النوع من المنادى الاستغاثة وهي نداء من يخلص من شدة أو يعين على مشقة.

ويقال في إعرابه: (يا للمهاجرين) يا حرف نداء للمهاجرين اللام حرف جر واستغاثة مبني على الفتح فرقًا بينها وبين اللام الداخلة على المستغاث له المهاجرين مستغاث به مجرور باللام وعلامة جره الياء لأنه من جمع المذكر السالم الجار والمجرور متعلق بفعل الندا بعد تضمينه معنى الالتجاء والمستغاث له محذوف هنا لعلمه تقديره: للمسلمين واللام فيه حرف جر مبني على الكسر على الأصل في لام الجر المسلمين مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والجار والمجرور متعلق بفعل النداء أيضًا والتقدير:

ص: 225

قَال: قُلْنَا: لَبَّيكَ. يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَايمُ اللهِ! مَا أَتَينَاهُمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللهُ. فَقَبَضْنَا ذلِكَ الْمَال. ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيلَةً. ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَكَّةَ فَنَزَلْنَا. قَال: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ.

ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. كَنَحْو حَدِيثِ قَتَادَةَ، وَأَبِي التَّيَّاحِ، وَهِشَامِ بْنِ زَيدٍ

ــ

أستغيث المهاجرين وأناديهم للمسلمين وقس عليه ما بعده.

(قال) سميط بن عمير: (قال أنس) بن مالك (هذا) الحديث الآتي (حديث عميه) أي حديث حدثني به أعمامي أو جماعتي كأنه حدَّثه بأول الحديث عن مشاهدة ثم لعله لم يضبط آخر الحديث الذي سيذكره بعد لتفرق الناس فحدثه به من شهده من أعمامه أو جماعته الذين شهدوه كما يدل عليه قوله فقلنا: لبَّيك رسول الله فقال هذا الحديث الباقي الذي سأذكره لكم حديث سمعته من أعمامي وما قبله حدثته لكم عن مشاهدة وعيان ولفظة (عميه) ضبطوها في صحيح مسلم على أربعة أوجه أحدها (عِمِيَّه) بكسر العين وتشديد الميم والياء وهي رواية عامة مشايخنا وفسر بالشدة والثاني (عَمِّيَه) بفتح العين وكسر الميم المشددة وتخفيف الياء بعدها هاء السكت أي حدثني به عمي والثالث (عُمِّيَه) بضم العين وتشديد الميم المكسورة وتخفيف الياء بعدها هاء السكت والرابع كذلك إلا أنه بتشديد الياء ومعنى الكل ما قدمناه في حلنا والهاء في الأوجه الأربعة هاء السكت. قال الأبي: (قال) أنس: (قلنا) معاشر المسلمين في جواب نداء النبي صلى الله عليه وسلم: (لبيك يا رسول الله قال) أنس: (فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهة العدو (قال) أنس: (فايم الله) أي فاسم الله قسمي وهي من ألفاظ القسم وهمزتها همزة وصل وقد تقطع كذا في النهاية (ما أتيناهم) أي ما أتينا المشركين ولا جئناهم (حتى هزمهم الله) تعالى وشتتهم أي ما قابلناهم ولا وجدناهم إلا منهزمين (فقبضنا) أي أخذنا (ذلك المال) الذي صفوا لنا من وراءهم من الغنم والإبل (ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم) أي حاصرنا أهل الطائف وأحطنا بهم ومنعناهم من الخروج من المدينة (أربعين ليلة ثم رجعنا إلى مكة فنزلنا) بها (قال) أنس (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل) من المؤلفة (المائة من الإبل) والآخر كذلك وهلم جرًا (ثم ذكر) سميط بن عمير (باقي الحديث كنحو حديث قتادة وأبي التياح وهشام بن زيد) بن أنس

ص: 226

(2324)

(1026) - (176) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ؛ قَال: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ،

ــ

أي مقارب حديثهم في بعض الألفاظ والمعاني.

(تتمة):

سبب سيره صلى الله عليه وسلم إلى الطائف أنه لما فرغ من حنين وأقبل فل ثقيف إلى الطائف ولجأ إليه مالك بن عوف رئيس هوازن وتحصن الجميع به وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم سار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرهم وقاتلهم قتالًا شديدًا ورماهم بالمنجنيق وهم أول من رمي به في الإسلام ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يدرك فيها ما يريد ولم يكن أُذن له في قتالها أمر عمر ينادي في الناس بالرحيل واستشهد من أصحابه صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلًا سبعة من قريش وأربعة من الأنصار ورجل من بني سليم ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة وكان قدم إليها سبي هوازن، فقسمه بين الناس بها وقال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف: يا رسول الله ادع الله عليهم فقال: اللهم اهد ثقيفًا وائت بهم فأتاه سبحانه بهم وأسلموا هذا كله من شرح الأبي مختصرًا.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سعد بن أبي وقاص ثانيًا بحديث رافع بن خديج رضي الله عنهما فقال:

(2324)

(1026)(176)(حدثنا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني الأصل (المكي) صدوق من (10)(حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي (عن عمر بن سعيد بن مسروق) الثوري الكوفي أخي سفيان الثوري ثقة من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) سعيد بن مسروق الثوري والد سفيان الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن عباية بن رفاعة) بن رافع بن خديج الأنصاري الزرقي أبي رفاعة المدني روى عن جده رافع بن خديج في الزكاة والضحايا والطب وعن أبيه عن جده أيضًا وابن عمر ويروي عنه (ع) وسعيد بن مسروق ويزيد بن أبي مريم ويحيى بن سعيد التيمي وثقه ابن معين والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الثالثة وليس

ص: 227

وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَينَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، كُلَّ إِنْسَانِ مِنْهُمْ، مِائَةً مِنَ الإِبِلِ. وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذلِكَ. فَقَال عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ:

أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيـ

ـدِ بَينَ عُيَينَةَ وَالأَقْرَعِ؟

فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلَا حَابِسٌ

يفُوقَانِ مِرْدَاسَ

ــ

في مسلم من اسمه عباية إلا هذا الثقة كما في الخلاصة (عن) جده (رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه.

وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان واثنان مكيان.

(قال) رافع بن خديج: (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين (أبا سفيان) صخر (بن حرب) بن أمية بن عبد شمس الأموي المكي من مسلمة الفتح وشهد حنينًا وأعطى من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية (وصفوان بن أمية) بن خلف بن وهب بن قدامة بن جمح القرشي المكي من مسلمة الفتح وكان من المؤلفة قلوبهم (وعيينة بن حصن) بن حذيفة بن بدر بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر (والأقرع بن حابس) بن عقال بن محمد بن سفيان التميمي المجاشعي الدارمي.

قال ابن إسحاق: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مكة وحنينًا والطائف وهو من المؤلفة قلوبهم وقد حسن إسلامه اهـ من الإصابة.

أعطى (كل إنسان منهم) أي من هؤلاء الأربعة (مائة) مائةً (من الإبل وأعطى عباس بن مرداس) بن أبي عامر بن حارثة بن عبد قيس بن رفاعة بن الحارث أبا الهيثم السلمي شهد العباس بن مرداس مع النبي صلى الله عليه وسلم الفتح وحنينًا قال ابن سعد لقى النبي صلى الله عليه وسلم بالمشلل وهو متوجه إلى فتح مكة ومعه سبعمائة من قومه فشهد بهم فتح مكة اهـ من الإصابة أباعر (دون ذلك) أي دون ما أعطى للأربعة الأول فسخطها العباس.

(فقال عباس بن مرداس) قصيدته التي منها هذه الأبيات التي هي من بحر المجتث الذي وزنه مستفعلن فاعلات:

(أتجعل) بهمزة الاستفهام الإنكاري أي أتجعل يا رسول الله (نهبي) أي سهمي من الغنيمة (ونهب العبيد) أي وسهم فرسي الذي يسمى بالعبيد وكان العباس يسمى فارس العبيد موزعة (بين عيينة) بن حصن (و) بين (الأقرع) بن حابس (فما كان بدر) الذي هو

ص: 228

............

............. فِي الْمَجْمَعِ

وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا

وَمَنْ تَخْفِضِ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعِ

قَال: فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةً.

(2325)

(0)(0) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ؛

ــ

جد أبي عيينة والمحفوظ في النحو حصن.

قال الأبي رحمه الله: لم تختلف الرواية في البيت أنه بدر وإنما اختلفت في غير البيت فقال مرة: عيينة بن حصن ومرة: عيينة بن بدر فمرة نسبه إلى أبيه حصن ومرة إلى جد أبيه بدر لأنه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر اهـ.

(ولا حابس) أبو الأقرع (يفوقان) أي يفضلان أبي (مرداس) هكذا هو في جميع الروايات بمنع الصرف وهو حجة لمن جوز منع الصرف بعلة واحدة وأجاب الجمهور بأنه لضرورة الشعر اهـ نواوي.

(في المجمع) أي في مجمع الأكابر والأشراف ومحاضر الأمراء والرؤساء (وما كنت) أنا (دون امرئ منهما) أي من عيينة والأقرع يعني لا في النسب ولا في المجد أما في النسب فلأن الجميع من مضر وأما في المجد فلأن كلًّا من الثلاثة رئيس عشيرته (ومن تخفض) بصيغة الخطاب مبنيًّا للفاعل وفي بعض النسخ: (يخفض) بصيغة الغيبة مبنيًّا للمجهول أي ومن تخفض أنت يا رسول الله (اليوم لا يرفع) بعد اليوم (قال) رافع بن خديج: (فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائةً) من الإبل.

وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال:

(2325)

(0)(0)(وحدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) نسبة إلى ضبة بفتح الضاد وتشديد الموحدة المفتوحة بن أن بن طابخة أبو عبد الله البصري ثقة من (10)(أخبرنا) سفيان (بن عيينة) الكوفي (عن عمر بن سعيد بن مسروق) الثوري الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديِج غرضه بيان متابعة أحمد بن عبدة لمحمد بن أبي عمر.

ص: 229

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَينٍ. فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوهِ. وَزَادَ: وَأَعْطَى عَلْقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ مِائَةً.

(2326)

(0)(0) وحدّثنا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ الشَّعِيرِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ عَلْقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ، وَلَا صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الشِّعْرَ فِي حَدِيثِهِ

ــ

(أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم حنين فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة من الإبل وساق) أحمد بن عبدة (الحديث) السابق (بنحوه) أي بنحو ما حدث محمد بن أبي عمر (وزاد) أحمد بن عبدة لفظة: (وأعطى علقمة بن علاثة مائةً) من الإبل أيضًا وهو علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكندي العامري من المؤلفة قلوبهم وكان سيدًا في قومه حليمًا عاقلًا ولم يكن فيه ذاك الكرم اهـ من الإصابة.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث رافع رضي الله عنه فقال:

(2326)

(0)(0)(وحدثنا مخلد بن خالد) بن يزيد (الشعيري) بفتح المعجمة وكسر العين منسوب إلى الشعير الحب المعروف أبو محمد البغدادي سكن طرسوس روى عن سفيان بن عيينة في الزكاة وعبد الرزاق بن همام وإبراهيم بن خالد الصنعانيين ويروي عنه (م د) وعبد الله بن أحمد ومحمد بن إسحاق وطائفة وثقه أبو داود وقال في التقريب: ثقة من العاشرة وقال أبو حاتم لا أعرفه (حدثنا سفيان) بن عيينة (حدثني عمر بن سعيد بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عباية عن رافع غرضه بسوقه بيان متابعة مخلد بن خالد لابن أبي عمر أيضًا.

(و) لكن (لم يذكر) مخلد بن خالد (في الحديث علقمة بن علاثة ولا صفوان بن أمية ولم يذكر) مخلد أيضًا (الشعر) أي الأبيات السابقة (في حديثه) أي في روايته وهذا بيان لمحل المخالفة.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث سعد بن أبي وقاص بحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنهما فقال:

ص: 230

(2327)

(1027) - (177) حدَّثنا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَتَحَ حُنَينًا قَسَمَ الْغَنَائِمَ. فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ. فَبَلَغَهُ أَنَّ الأَنْصَارَ يُحِبُّونَ أَنْ يُصِيبُوا مَا أَصَابَ النَّاسُ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَهُمْ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا،

ــ

(2327)

(1027)(177)(حدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل أبو الحارث البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني ثقة من (8)(عن عمرو بن يحيى بن عمارة) بن أبي حسن المازني المدني ثقة من (6)(عن عباد بن تميم) بن غزية الأنصاري المازني المدني ثقة من (3)(عن عبد الله بن زيد) بن عاصم الأنصاري المازني أبي محمد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه.

وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا سريج بن يونس فإنه بغدادي.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح حنينًا قسم الغنائم فأعطى) منها (المولفة قلوبهم) قال الحافظ: المراد بالمؤلفة ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا وقيل: كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهم الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل: كفار يعطون ترغيبًا في الإسلام وقيل: مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم وقيل: مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم وأما المراد بالمؤلفة هنا فهو هذا الأخير لقوله في رواية الزهري في الباب (فإني أعطي رجالًا حديثي عهد بكفر أتألفهم) اهـ.

قال العيني: وسرد أصحاب السير أسماءهم ما ينيف على الأربعين منهم أبو سفيان وأبناؤه معاوية ويزيد.

(فبلغه) صلى الله عليه وسلم (أن الأنصار يحبون أن يصيبوا) ويأخذوا (ما أصاب الناس) أي ما أخذوه من القسمة (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم) أي فخطب الأنصار (فحمد الله وأثنى عليه ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالًا) بالضم والتشديد جمع ضال والمراد هنا ضلالة الشرك

ص: 231

فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي؟ وَعَالةً، فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ، فَجَمَعَكُمُ اللهُ بِي؟ " وَيَقُولُونَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. فَقَال: "أَلا تُجِيبُونِي؟ " فَقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. فَقَال: "أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولُوا كَذَا وَكَذَا. وَكَانَ مِنَ الأَمْرِ كَذَا وَكَذَا". لأَشْيَاءَ عَدَّدَهَا. زَعَمَ عَمْرٌو أَنْ لَا يَحْفَظُهَا

ــ

والاستفهام فيه للتقرير (فهداكم الله) سبحانه وتعالى (بي) أي بسببي والمراد بالهداية الإيمان (و) ألم أجدكم (عالة) أي فقراء لا مال لهم جمع عائل وهو جمع مطرد في الأجوف الثلاثي من العيلة وهو الفقر (فأغناكم الله) سبحانه (بي) أي بسبب هجرتي إليكم (و) ألم أجدكم (متفرقين) أي متدابرين يعادي بعضكم بعضًا كما قال تعالى: {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُمْ} الآية (فجمعكم الله) تعالى (بي) أي بسبب هجرتي إليكم وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها فزال ذلك كله بالإسلام كما قال تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَينَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَينَهُمْ} (ويقولون: الله ورسوله أمن) بفتح الهمزة والميم والتشديد أفعل تفصيل من المن أي أكثر منا وفضلًا وإحسانًا وفي حديث أبي سعيد: فقالوا: ماذا نجيبك يا رسول الله ولرسوله المن والفضل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تجيبوني فقالوا الله ورسوله أمن فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنكم لو شئتم أن تقولوا) في جوابي لقلتم (كذا وكذا وكان من الأمر) أي من أمرك (كذا وكذا) هو كناية عما يقال: جئتنا مكذبًا فصدقناك ومخذولًا فنصرناك وطريدًا فآويناك وعائلًا فواسيناك ولفظ البخاري (لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا) فدل على أن جواب لو محذوف في رواية مسلم كما قدرناه في حلنا حالة كونه يذكر (لأشياء عددها) لهم وأملاها عليهم (زعم) أي قال (عمرو) بن يحيى بن عمارة (أن لا يحفظها) أي أن لا يحفظ تلك الأشياء. وفي هذا رد على من قال: إن الراوي كنى عن ذلك عمدًا على طريق التأدب وصرح بذلك في حديث أبي سعيد وروى أحمد من حديث ابن أبي عدي عن حميد عن أنس بلفظ (أفلا تقولون: جئتنا خائفًا فآمناك وطريدًا فآويناك ومخذولًا فنصرناك قالوا: بلى المن علينا لله ولرسوله) انتهى وإنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تواضعًا وإنصافًا وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم لما كان بينهم وبين غيرهم فرق نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: (أترضون) ويروى (ألا ترضون).

ص: 232

فَقَال: "أَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالإِبِلِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ الأَنْصارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ. وَلَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأ مِنَ الأَنْصارِ

ــ

(فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا ترضون) أيها الأنصار (أن يذهب الناس بالشاء) جمع شاة كشياه وهي الغنم (والإبل وتذهبون) أنتم (برسول الله إلى رحالكم) ومنازلكم ففي هذا تنبيه لهم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به بالنسبة إلى ما اختص به غيرهم من عرض الدنيا الفانية كذا في عمدة القاري (الأنصار شعار) أي كالشعار لي والشعار بكسر المعجمة بعدها مهملة خفيفة الثوب الذي يلي الجلد من الجسد (والناس) سواهم (دثار) أي كالدثار بكسر المهملة ومثلثة خفيفة هو الثوب الذي يكون فوق الشعار وهي استعارة لطيفة لفرط قربهم منه وأراد أيضًا أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم زاد في حديث أبي سعيد (اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًا) والمعنى الأنصار هم البطانة والخاصة والأصفياء وألصق الناس بي من سائر الناس وهذا من مناقبهم الظاهرة وفضائلهم الباهرة اهـ نووي.

(ولولا الهجرة) لا يسعني تركها (لكنت امرأ من الأنصار) أي أتسمى بهم وأنتسب إليهم كما كانوا يتناسبون بالحلف لكن خصوصية الهجرة ومرتبتها سبقت وعلقت فهي أعلى وأشرف فلا تبدل بغيرها ولا ينتفى منها من حصلت له اهـ من المفهم.

قال الخطابي: أراد بهذا الكلام تألف الأنصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدًا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها ونسبة الإنسان تقع على وجوه منها الولادية والبلادية والاعتقادية والصناعية ولا شك أنه لم يرد الانتقال عن نسب آبائه لأنه ممتنع قطعًا وأما الاعتقادي فلا معنى للانتقال فيه فلم يبق إلا القسمان الأخيران وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرًا واجبًا أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم قال: ويحتمل أنه لما كانوا أخواله لكون أم عبد المطلب منهم أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة لولا مانع الهجرة وقال ابن الجوزي: لم يرد صلى الله عليه وسلم تغير نسبه ولا محو هجرته وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه هاجر لانتسب إلى المدينة وإلى نصرة الدين فالتقدير: لولا أن النسبة إلى الهجرة نسبة دينية لا يسع تركها لانتسب إلى داركم وقيل: معناه لكنت من الأنصار في الأحكام والعداد اهـ فتح الملهم.

ص: 233

وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ. إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً. فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ".

(2328)

(1028) - (178) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَينٍ آثرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا فِي القِسْمَةِ. فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ. وَأَعْطَى عُيَينَةَ مِثْلَ ذلِكَ. وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ. وَآثَرَهُمْ

ــ

(ولو سلك الناس واديًا) من الأودية أ (وشعبًا) من الشعاب وسلكت الأنصار واديًا آخر أو شعبًا آخر (لسلكت وادي الأنصار وشعبهم) ثم قال: (إنكم) يا معشر الأنصار (ستلقون بعدي) أي سترون بعد وفاتي (أثرة) أي استبداد غيركم وانفرادهم وتخصصهم بأمور الدنيا وولايتها وزخارفها (فاصبروا) على استبدادهم عنكم (حتى تلقوني على الحوض) يوم القيامة فلا تنازعوهم فيها واتركوها لهم.

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث سعد بن أبي وقاص بحديث عبد الله رضي الله عنهما فقال:

(2328)

(1028)(178)(حدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (وعثمان بن أبي شيبة) الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (19) بابا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون أو أربعة منهم كوفيون وواحد إما نسائي أو مروزي (قال) عبد الله: (لما كان يوم حنين) أي حصل ووجد فكان تامة (آثر) أي اختار (رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين المسلمين (ناسًا) من المؤلفة قلوبهم (في القسمة) أي في الإعطاء من الغنيمة ثم بينهم بقوله: (فأعطى الأقرع بن حابس مائةً من الإبل وأعطى عيينة) بن حصن (مثل ذلك) أي مائة من الإبل (وأعطى) أيضًا (أناسًا من أشراف العرب) ورؤسائهم مثل ذلك كأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وقوله: (وآثرهم) رسول الله صلى الله عليه

ص: 234

يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ. فَقَال رَجُلٌ: وَاللهِ! إِنَّ هذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللهِ

ــ

وسلم أي خصهم (يومئذ) أي يوم إذ غزا حنينًا (في القسمة) والعطاء معطوف على آثر الأول على سبيل التوكيد اللفظي (فقال رجل) من الحاضرين وهو معتب بن قشير من بني عمرو بن عوف.

قال الحافظ: في رواية الأعمش عند البخاري: فقال رجل من الأنصار وفي رواية الواقدي: إنه معتب بن قشير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين وفيه تعقب على مغلطاي حيث قال: لم أر أحدًا قال: إنه من الأنصار إلا ما وقع هنا وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي وتبعه ابن الملقن وأخطأ في ذلك فإن قصة حرقوص غير هذه كما سيأتي قريبًا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(والله إن هذه) القسمة (لقسمة ما عدل) وأنصف (فيها وما أريد فيها وجه الله) ورضاه والإخلاص له.

قال القاضي عياض رحمه الله: حكم الشرع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر وقتل ولم يذكر في هذا الحديث أن هذا الرجل قتل.

قال المازري: يحتمل أن يكون لم يفهم منه الطعن في النبوة وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة والمعاصي ضربان: كبائر وصغائر فهو صلى الله عليه وسلم معصوم من الكبائر بالإجماع واختلفوا في إمكان وقوع الصغائر ومن جوزها منع من إضافتها إلى الأنبياء على طريق التنقيص وحينئذ فلعله صلى الله عليه وسلم لم يعاقب هذا القائل لأنه لم يثبت عليه ذلك وإنما نقله عنه واحد وشهادة الواحد لا يراق بها الدم.

وقال القاضي هذا التأويل باطل يدفعه قوله: (اعدل يا محمد) وخاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملإ حتى أستأذن عمر وخالد النبي صلى الله عليه وسلم في قتله فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه فهذه هي العلة وسلك معه مسلكه مع غيره من المنافقين الذين آذوه وسمع منهم في غير موطن ما كرهه لكنه صبر استبقاءً لانقيادهم وتأليفًا لغيرهم لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه فينفروا وقد رأى الناس هذا في جماعتهم وعدوه من جملتهم اهـ.

ص: 235

قَال: فَقُلْتُ: وَاللهِ! لأُخبِرَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَأَتَيتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَال. قَال: فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ. ثُمَّ قَال: "فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولُهُ! " قَال: ثُمَّ قَال: "يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى. قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذَا فَصَبَرَ"

ــ

وأما عد هذا الرجل المنافق من الأنصار كما في رواية الأعمش فلكونه من قبائلهم والله أعلم.

(قال) عبد الله: (فقلت) في نفسي: (والله لأخبرن رسول الله قال الله عليه وسلم) بما قال هذا الرجل: (قال) عبد الله: (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (فأخبرته بما قال) الرجل فيه جواز إخبار الإمام وأهل الفضل بما يقال فيهم مما لا يليق بهم ليحذروا القائل وفيه بيان ما يباح من الغيبة والنميمة لأن صورتهما موجودة في صنيع ابن مسعود هذا ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وذلك إن قصد ابن مسعود كان نصح النبي صلى الله عليه وسلم وإعلامه بمن يطعن فيه ممن يظهر الإسلام ويبطن النفاق ليحذر منه وهذا جائز كما يجوز التجسس على الكفار ليؤمن مكرهم وكيدهم وقد ارتكب الرجل المذكور بما قال إثمًا عظيمًا فلم يكن له حرمة (قال) ابن مسعود: (فتغيَّر وجهه) صلى الله عليه وسلم (حتى كان كالصرف) أي كالصبغ الأحمر وهو بكسر الصاد المهملة وسكون الراء صبغ أحمر يصبغ به الجلود قال ابن دريد: وقد يسمى الدم أيضًا صرفًا (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله قال) عبد الله: (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله موسى) عليه السلام (قد أوذي بأكثر من هذا) أي بأشد من هذا الذي أوذيت به (فصبر) فلي أسوة به.

والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على ابن مسعود نقله ما نقل بل غضب من قول المنقول عنه ثم حلم عنه وصبر على أذاه استئساءً بموسى عليه السلام وامتثالًا لقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] قال الحافظ: وقد تقدمت الإشارة إلى أن المذموم من نقلة الأخبار من يقصد الإفساد وأما من يقصد النصيحة ويتحرى الصدق ويجتنب الأذى فلا وقل من يفرق بين البابين فطريق السلامة في ذلك لمن يخشى عدم الوقوف على ما يباح من ذلك مما لا يباح الإمساك عن ذلك اهـ.

ص: 236

قَال: قُلْتُ: لَا جَرَمَ لَا أَرْفَعُ إِلَيهِ بَعْدَهَا حَدِيثًا.

(2329)

(0)(0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَسْمًا. فَقَال رَجُلٌ: إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ. قَال: فَأَتَيتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَارَرْتُهُ. فَغَضِبَ مِنْ ذلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا. وَاحْمَرَّ وَجْهُهُ حَتَّى تَمَنَّيتُ أَنِّي لَمْ أَذْكُرْهُ

ــ

(قال) عبد الله: (قلت لا جرم) أي أقسمت بالله على أن (لا أرفع) ولا أخبر (إليه) صلى الله عليه وسلم (بعدها) أي بعد هذه المرة (حديثًا) وكلامًا سمعته من الناس لما رأيت في وجهه من الغضب الشديد قال في القاموس (لا جرم) أي لا بد أو حقًّا أو لا محالة أو هذا أصله ثم كثر حتى تحول إلى معنى القسم اهـ وقد أطلنا البحث في لا جرم في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فراجعه إن أردت الخوض في هذا المقام والله أعلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 411) والبخاري (6336).

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال:

(2329)

(0)(0)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي (عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه.

وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون غرضه بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر.

(قال) عبد الله: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمًا) من الغنائم بين المؤلفة قلوبهم (فقال رجل) من الحاضرين اسمه معتب بن قشير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين: (إنها) أي إن هذه القسمة (لقسمة ما أريد بها وجه الله) أي رضاه والإخلاص له (قال) عبد الله: (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فساررته) أي فكلمته سرًّا (فغضب من ذلك) الذي أخبرته (غضبًا شديدًا) حتى ظهر عليه أثره (واحمر وجهه) الشريف.

قال الحافظ: فيه أن أهل الفضل قد يغضبهم ما يقال فيهم مما ليس فيهم ومع ذلك فيتلقون ذلك بالصبر والحلم كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بموسى عليه السلام فندمت على إخباره ذلك الخبر (حتى تمنيت) ووددت (أني لم أذكره) أي لم أخبر

ص: 237

لَهُ. قَال: ثُمَّ قَال: "لقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هذَا فَصَبَرَ"

ــ

ذلك الخبر (له) صلى الله عليه وسلم (قال) عبد الله: (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما غضب وسكت: (لقد أوذي) نبي الله (موسى) عليه السلام (بأكثر) أي بأشد (من هذا) الذي أوذيت به كرميه بالأدرة (فصبر) على ذلك الأذى فلي أسوة به وأشار بقوله (قد أوذي موسى) إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ} الآية وقد حكى في صفة أذاهم ثلاث قصص إحداها قولهم: هو آدر وثانيها: في قصة موت هارون وثالثها: في قصته مع قارون حيث أمر البغي أن تزعم أن موسى راودها حتى كان ذلك سبب هلاك قارون اهـ من فتح الملهم.

قال القرطبي: (قول القائل في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم: هذه قسمة) إلخ قول جاهل بحال النبي صلى الله عليه وسلم غليظ الطبع حريص شره منافق وكان حقه أن يقتل لأنه آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 6] والعذاب في الدنيا هو القتل لكن لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم للمعنى الذي قاله وهو من حديث جابر: (لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) رواه الترمذي ولهذه العلة امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين مع علمه بأعيان كثير منهم وبنفاقهم ولا يلتفت لقول من قال بإبداء علة أخرى لأن حديث جابر وغيره نص في تلك العلة وقد أمنت تلك العلة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاق بعدها وإنما هو الزندقة كذلك قال مالك رحمه الله تعالى فمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سبه قتل ولا يستتاب وهذا هو الحق والصواب واختلف في هذا العطاء الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم هل كان من الخمس أوكان من صلب الغنيمة والإجراء على أصول الشريعة أن يكون من الخمس ومنه أكثر عطاياه صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم) رواه مالك في الموطأ وقد وصله النسائي والظاهر من مراجعة الأنصار وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم) أنه كان من صلب الغنيمة وأن ذلك إنما كان لما يعلم من رضا أصحابه ولطيب قلوبهم به أو يكون هذا مخصوصًا بتلك الواقعة وله أن يفعل ما شاء في الأموال والرقاب والأصل التمسك بقواعد الشريعة على ما تقررت والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم.

ص: 238

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث:

الأول: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة.

والثاني: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد به لحديث عمر وذكر فيه متابعة واحدة.

والثالث: حديث المسور بن مخرمة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة.

والرابع: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين.

والخامس: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد به لحديث سعد بن أبي وقاص وذكر فيه ست متابعات.

والسادس: حديث رافع بن خديج ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين.

والسابع: حديث عبد الله بن زيد ذكره للاستشهاد أيضًا.

والثامن: حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 239