المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌426 - (44) باب النهي عن لمز المتصدق والترغيب في صدقة المنيحة وبيان مثل المتصدق والبخيل وقبول الصدقة وإن وقعت في يد غير مستحق - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌422 - (40) باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين

- ‌423 - (41) باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه وأن كل معروف صدقة

- ‌424 - (42) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك والأمر بالمبادرة إلى الصدقة قبل فوتها وعدم قبولها إلا من الكسب الطيب وتربيتها عند الرحمن

- ‌425 - (43) باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة وحث الإمام على الصدقة إذا رأى فاقة

- ‌426 - (44) باب النهي عن لمز المتصدق والترغيب في صدقة المنيحة وبيان مثل المتصدق والبخيل وقبول الصدقة وإن وقعت في يد غير مستحق

- ‌427 - (45) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تنفق من طعام بيتها والعبد من مال سيده

- ‌428 - (46) باب فضل من جمع الصدقة وأعمال الخير والحث على الأنفاق والنهي عن الإحصاء

- ‌429 - (47) باب النهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها وأي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

- ‌430 - (48) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس وبيان من تحل له المسألة

- ‌431 - (49) باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير سؤال ولا استشراف وكراهة الحرص على المال والعمر

- ‌432 - (50) باب الغنى غنى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والصبر والكفاف والقناعة

- ‌433 - (51) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة وإعطاء المؤلفة قلوبهم وتصبر من قوي إيمانه

- ‌434 - (52) باب وجوب الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى وكفر من نسب إليه جورًا وذكر الخوارج

- ‌(تتمة)

- ‌435 - (53) باب التحريض على قتل الخوارج وبيان أنهم شر الخلق والخليقة

- ‌436 - (54) باب تحريم الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وترك استعمال آله صلى الله عليه وسلم على الصدقة

- ‌437 (55) باب الصدقة إذا بلغت محلها جاز لمن كان قد حرمت عليه أن يأكل منها وقبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ورده الصدقة ودعاء المصدِّق لمن جاء بصدقته والوصاة بإرضاء المصدِّق

- ‌ كتاب الصيام

- ‌438 - (56) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لروية الهلال فإن غم تكمل العدة ثلاثين يومًا

- ‌439 - (57) باب النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وأن الشهر يكون تسعًا وعشرين

- ‌440 - (58) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرًا وشهران لا ينقصان

- ‌441 - (59) باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر وبيان الفجر الَّذي يتعلق به الأحكام

- ‌442 - (60) باب الحث على السحور واستحباب تأخيره وتعجيل الإفطار وبيان وقت إفطار الصائم

- ‌443 - (61) باب النهي عن الوصال في الصوم وما جاء في القبلة للصائم

- ‌444 - (62) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب وكفارة من أفطر في رمضان بالجماع متعمدًا

الفصل: ‌426 - (44) باب النهي عن لمز المتصدق والترغيب في صدقة المنيحة وبيان مثل المتصدق والبخيل وقبول الصدقة وإن وقعت في يد غير مستحق

‌426 - (44) باب النهي عن لمز المتصدق والترغيب في صدقة المنيحة وبيان مثل المتصدق والبخيل وقبول الصدقة وإن وقعت في يد غير مستحق

(2236)

(982) - (132) حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ

ــ

426 -

(44) باب النهي عن لمز المتصدق والترغيب في صدقة المنيحة وبيان مثل المتصدق والبخيل وقبول الصدقة وإن وقعت في يد غير مستحق

(2236)

(982)(132)(حدثني يحيى بن معين) بن عون بن زياد بن عون الغطفاني مولاهم أبو زكريا البغدادي أصله من سرخس إمام الجرح والتعديل الحافظ الإمام العلم روى عن محمد بن جعفر في الزكاة ومروان بن معاوية في النكاح وأبي أسامة في البيوع وعبد الله بن المبارك وحفص بن غياث وعبد الرزاق وخلائق ويروي عنه (ع) وأحمد وداود بن رشيد قريناه وخلق قال أحمد: كل حديث لا يعرفه يحيى فليس بحديث ثقة ثبت حافظ حجة وقال في التقريب: ثقة حافظ مشهور من العاشرة مات سنة (233) ثلاث وثلاثين ومائتين بالمدينة وهو حاج وغسل على أعواد النبي صلى الله عليه وسلم وحمل على نعش رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناد ينادي بين جنازته: معشر المسلمين هذا ذاب الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا عامًا.

(حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (حدثنا شعبة ح وحدثنيه بشر بن خالد) الفرضي نسبة إلى علم الفرائض أبو محمد العسكري ثم البصري ثقة من (10)(واللفظ) الآتي (له) أي لبشر بن خالد لا ليحيى بن معين: (أخبرنا محمد يعني ابن جعفر) البصري (عن شعبة عن سليمان) بن طرخان التيمي أبي المعتمر البصري ثقة من (4)(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم من (2)(عن أبي مسعود) الأنصاري البدري عقبة بن عمرو بن ثعلبة الكوفي رضي الله عنه.

وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد بغدادي ورجال الثاني أربعة منهم بصريون واثنان كوفيان وفيه رواية تابعي عن تابعي.

ص: 74

قَال: أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ. قَال: كُنَّا نُحَامِلُ. قَال: فَتَصَدَّقَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ قَال: وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْهُ

ــ

(قال) أبو مسعود: (أمرنا) بالبناء للمفعول (بالتصدق) على المحاويج لتكون وقاية لنا من النار أي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصدق فهو في حكم الرفع لأنه قول صحابي والآمر لا يكون إلا النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مقرر في علم الاصطلاح والصدقة صرف المال أوغيره للمحتاج طلبًا للثواب الأخروي.

(قال) أبو مسعود: فـ (كنا) معاشر الصحابة (نحامل) الحمولة للناس طلبًا للأجرة أي نحمل على ظهورنا بالأجرة يقال: حاملت بمعنى حملت كسافرت وقال الخطابي: يريد نكلف الحمل بالأجرة لنكتسب ما نتصدق به ويؤيده ما ورد في بعض الروايات (انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل) أي يطلب الحمل بالأجرة والمحاملة مفاعلة من الجانبين وهي تكون بين اثنين والمراد هنا أن الحمل من أحدهما والأجرة من الآخر كالمساقاة والمزارعة اهـ فتح الملهم.

وفي بعض الهوامش: (قوله: كنا نحامل) وفي الرواية الثانية (كنا نحامل على ظهورنا) معناه نحمل الحمل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك الأجرة أو نتصدق بها كلها ففيه التحريض على الاعتناء بالصدقة وأنه إذا لم يكن له مال يتوصل إلى تحصيل ما يتصدق به من حمل بالأجرة أو غيره من الأسباب المباحة اهـ نووي.

وقال ابن الأثير في تفسير المحاملة: أي نحمل لمن يحمل لنا من المفاعلة أو هو من التحامل وهو تكلف الحمل على مشقة اهـ.

(قال) أبو مسعود: (فتصدق أبو عقيل) بفتح العين الأنصاري قال الحافظ في الإصابة اسمه حثحاث بمهملتين مفتوحتين ومثلثتين الأولى ساكنة اهـ وفي فتح الملهم اسمه حبحاب بمهملتين بينهما موحدة ساكنة وآخره مثلها اهـ وفي تفسير مراح لبيد في سورة التوبة اسمه عبد الرحمن بن بيجان اهـ والله أعلم بالصواب (بنصف صاع) من تمر.

وفي رواية البخاري: (فتصدق بصاع) أي من تمر وكان قد آجر نفسه على النزع من البئر بالحبل على صاعين فترك صاعًا لعياله وجاء بالآخر اهـ قسط ويجمع بين الروايتين بحمل رواية البخاري على تكميل الكسر (قال) أبو مسعود: (وجاء إنسان) هو عبد الرحمن بن عوف (بشيء أكثر منه) أي من نصف صاع جاء بنصف ماله ثمانية آلاف

ص: 75

فَقَال الْمُنَافِقُونَ: إِن الله لَغَنِيٌّ عَنْ صدَقَةِ هذَا. وَمَا فَعَلَ هذَا الآخَرُ إلَّا رِيَاءً. فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79].

وَلَم يَلْفِظْ بِشْر بِالْمُطوعِينَ.

(2237)

(0)(0) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الربِيعِ. ح وَحدَثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ

ــ

درهم كما هو الأصح مع اختلاف الروايات وقيل: أربعة آلاف ذكره الواقدي وقيل: هو عاصم بن عدي وكان تصدق بمائة وسق اهـ قسط.

(فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا) الذي تصدق بنصف صاع (وما فعل هذا الآخر) الذي تصدق بمال كثير (إلا رياء) أي إلا مراءاة للناس (فنزلت) آية {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ} أي يعيبون {الْمُطَّوِّعِينَ} أصله المتطوعين فابدلت التاء طاء وأدغمت الطاء في الطاء أي المتبرعين {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} كالذي جاء بشيء كثير ({و}) يلمزون ({وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلا جُهْدَهُمْ}) أي طاقتهم كالذي تصدق بنصف صالح قال الحافظ: الحق أنه معطوف على المطوعين ويكون من عطف الخاص على العام والنكتة فيه التنويه بالخاص لأن السخرية من المقل أشد من المكثر غالبًا والله تعالى أعلم اهـ.

وذكر الخطيب في المتفق في ترجمة زيد بن أسلم من طريق مغازي الواقدي من اللامزين معتب بن قشير وعبد الرحمن بن نبتل بنون ومثناة فوقية مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة ثم لام اهـ قسط.

(ولم يلفظ بشر) بن خالد أي لم يذكر في روايته لفظة: (بالمطوعين) وما بعده فاقتصر على قوله فنزلت {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ} [التوبة: 79] ولم يذكر ما بعده.

وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري (1415) والنسائي (5/ 59 - 60) وابن ماجه ذكره في الزهد والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي مسعود رضي الله تعالى عنه فقال:

(2237)

. (0). (0)(وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثني سعيد بن الربيع) العامري الحرشي أبو زيد الهروي البصري كان يتجر في الثياب الهروية ثقة من (9)(ح وحدثنيه إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري ثقة من (11)

ص: 76

أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ. كِلاهُمَا عَنْ شُعبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الربِيعِ قَال: كُنا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا.

(2238)

(983) - (133) حدثنا زُهيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. يَبْلُغُ بِهِ:"أَلا رَجُل يَمنَحُ أَهْلَ بَيتِ نَاقَةً. تَغْدُو بِعُسٍّ. وَتَرُوحُ بِعُسٍّ. إِن أَجْرَها لَعَظِيم"

ــ

(أخبرنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري ثقة من (9)(كلاهما) أي كل من سعيد وأبي داود رويا (عن شعبة) بن الحجاج غرضه بيان متابعتهما لمحمد بن جعفر (بهذا الإسناد) السابق في السند الأول يعني عن سليمان عن أبي وائل عن أبي مسعود مثله (و) لكن (في حديث سعيد بن الربيع قال) أبو مسعود: (كنا نحامل على ظهورنا) بزيادة لفظة (ظهورنا) والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة فقال:

(2238)

(983)(133)(حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي ثم المكي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) المدني وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي حالة كون أبي هريرة (يبلغ به) أي يوصل بهذا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرفعه ويسنده إليه يعني لم يوقفه على نفسه فكأنه قال: عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا رجل يمنح) إلخ ولا فرق بين هاتين الصيغتين باتفاق العلماء والله أعلم.

(ألا) حرف استفتاح وتنبيه (رجل) مبتدأ وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بما بعده وتقدم حرف الاستفتاح عليه.

وجملة قوله: (يمنح أهل بيت ناقة) صفة رجل أي يعطيهم ناقة يشربون لبنها وينتفعون بوبرها مدة من الزمان ثم يردونها إليه وتسمى الناقة المعطاة على هذا الوجه منيحة ومنحة، وجملة قوله:(تغدو) أي تدر وتحلب وقت الغدوة والصباح (بعس) أي بملء عس وقدح لبنًا صفة مادحة لناقة وكذا قوله: (وتروح) أي تدر وتحلب وقت الرواح والمساء (بعس) أي بملء عس لبنًا وجملة إن في قوله: (إن أجرها) أي إن أجره وثوابه عليها (لعظيم)

ص: 77

(2239)

(984) - (134) حدّثني مُحَمدُ بْنُ أحمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا زَكَرياءُ بْنُ عَدِي. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ الله بْنُ عَمرٍو، عَنْ زَيدٍ،

ــ

أي لجزيل كثير عند الله تعالى خبر المبتدإ الذي هو لفظ رجل والرابط محذوف كما قدرناه في الحل والعمس بضم العين وتشديد السين المهملتين القدح الكبير يجمع على أعساس كأقفال وعلى عساس كسهام والقدح إناء يروى رجلين كما في المصباح والقاموس وأما العساء بالمهملة والمد فقيل بمعنى العس أيضًا.

وقد وقع في بعض النسخ: (بعشاء) بالمعجمة والمد ولم يتعرض له أحد من الشراح والظاهر أن المراد به بقدر ما يتعشى به والله تعالى أعلم ذكره السندي رحمه الله تعالى.

والمعنى يحلب من لبنها ملء إناء يسمى عسًا صباحًا ومساء.

وقوله: (وتروح بعس) قال الحافظ: إشارة إلى أن المستعير لا يستأصل لبنها.

وقوله: (إن أجرها لعظيم) قال القاري: ولعل بعض أسخياء العرب كانوا يذمون هذه العطية لأنها مخالفة لطبع الكرام على مقتضى السجية فمدحها الشارع ردًّا عليهم بأن ما لا يدرك كله لا يترك كله كان القليل له أجر جزيل وثناء جميل.

وقال القرطبي: (والعس) إناء ضخم يحلب فيه والرواية الصحيحة المعروفة (بعس) بعين مهملة مضمومة ووقع للسمرقندي: (تروح بعشاء وتغدو بعشاء) ورواه الحميدي (بعساء) بعين مهملة مفتوحة وسين مهملة وبالمد والهمز وفسره في غير الأم بالعس الكبير اهـ من المفهم.

وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لهذا الحديث بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:

(2239)

(984)(134)(حدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف) محمد السلمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي القطيعي بفتح القاف نسبة إلى قطيعة محلة ببغداد ثقة من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى الكوفي ثقة من كبار (10)(أخبرنا عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الجزري الرقي وثقه ابن معين والنسائي وابن سعد وقال في التقريب: ثقة من (7) السابعة روى عنه في (8) أبواب (عن زيد) بن أبي أنيسة مصغرًا اسمه زيد

ص: 78

عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابت، عَنْ أبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنهُ نَهى فَذَكَرَ خِصَالا وَقَال:"مَنْ مَنَحَ مَنِيحَة، غَدَتْ بِصَدَقَةٍ، وَرَاحَتْ بِصَدَقَةٍ، صَبُوحِها وَغَبُوقها"

ــ

الغنوي الجزري شيخ الجزيرة أصله من الكوفة ثقة من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الكوفي ثقة من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه.

وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان جزريان وواحد مدني وواحد بغدادي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة.

(عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى) عن أشياء من المنكرات وأمر بأشياء من المعروفات (فذكر) رسول الله صلى الله عليه وسلم منها (خصالًا) أي أمورًا كثيرة (و) منها أنه (قال: من منح منيحة) أي من أعطى بهيمة ذات لبن للمحتاج إليها ليشرب لبنها وينتفع بوبرها وصوفها وشعرها ثم يردها إليه ومن اسم موصول في محل الرفع مبتدأ والخبر جملة قوله: (غدت بصدقة) أي درت في الغداة بصدقة مكتوبة عند الله تعالى.

وقوله: (وراحت بصدقة) معطوف على ما قبله أي ودرت في الرواح والمساء بصدقة مكتوبة له عند الله تعالى وقوله (صبوحها وفبوقها) بفتح أولهما وبالجر بدل من صدقة على سبيل النشر واللف المرتب والصبوح ما يحلب من اللبن في الصباح والغبوق ما يحلب في المساء أي درت في الغداة بالصبوح المكتوب له عند الله تعالى ودرت في الرواح بالغبوق المكتوب له عند الله تعالى والإضافة في صبوحها وغبوقها لأدنى ملابسة أي بالصبوح والغبوق المحلوبين منها ويصح نصبهما على الظرفية ويتعلقان بغدت وراحت على سبيل النشر واللف المرتب والصبوح حينئذ بمعنى الصباح والغبوق بمعنى المساء والمعنى من منح منيحة غدت أي درت في صباحها بصدقة مكتوبة له عند الله تعالى وراحت أي ودرت في مسائها بصدقة مكتوبة له عند الله تعالى ويحتمل كون من شرطية في محل الرفع على الابتداء والجواب محذوف وجملة غدت وراحت صفة لمنيحة والتقدير: من منح منيحة تدر في الغداة بصدقة صبوحها أو في صباحها وتدر في الرواح بصدقة غبوقها أو في غبوقها فقد فاز أجرًا جزيلًا وجمع ثوابًا كثيرًا.

وقوله: (من منح منيحة) وفي بعض النسخ منحة بحذف الياء وكسر الميم والمنيحة

ص: 79

(2240)

(985) - (135) حدثنا عَمرو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أبِي الزنَادِ،

ــ

بفتح الميم وبالنون وبالمهملة بوزن كريمة وكذا المنحة بلا ياء هي في الأصل العطية وقال أبو عبيد: المنيحة عند العرب على وجهين: أحدهما: أن يعطي الرجل صاحبه صلة فتكون ملكًا له والآخر: أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمانًا ثم يردها إليه والمراد في حديث الباب عارية ذوات الألبان ليؤخذ لبنها ثم ترد هي لصاحبها وقال القزاز: قيل: لا تكون المنيحة إلا ناقة أو شاة والأول أشهر.

قوله: (غدت بصدقة) إلح قال الحافظ؛ لا تلازم بين الصدقة والعطية فكل صدقة عطية وليس كل عطية صدقة وإطلاق الصدقة على المنيحة مجاز ولو كانت صدقة لما حلت للنبي صلى الله عليه وسلم بل هي من جنس الهبة والهدية اهـ.

قوله: (صبوحها وغبوقها) الصبوح بفتح الصاد ما يحلب من اللبن بالغداة والغبوق ما يحلب منه بالعشي كما في القاموس فيكونان مجرورين على البدل من صدقة ويجوز نصبهما على الظرفية فيتعلقان بغدت وراحت أي غدت في صباحها وراحت في مسائها.

قال القرطبي: قوله: (من منح منيحة) ويروى (منحةً)(غدت بصدقة وراحت بصدقة) المنحة والمنيحة عطية ذوات الألبان لينتفع المعطى له باللبن ثم يرد المحلوب (ومن) اسم شرط في محل رفع بالابتداء جوابه: (غدت بصدقة وراحت بصدقة) وهو خبر المبتدإ على قول والصحيح: أن خبرها مابعدها لأن من الشرطية لا تحتاج إلى صلة بل هي اسم تام وإنما لم يتم الكلام بما بعدها لما تضمنته من معنى الشرط فتدبره فإنه الصحيح ومعنى الكلام أن من منح منيحة كان للمانح صدقة كما غدت أو راحت لأجل ما ينال منها في الصباح والمساء والغدو والبكرة والرواح العشي والصبوح شرب الصباح والغبوق شرب العشي والجاشرية شرب نصف النهار اهـ من المفهم.

وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة فقال:

(2240)

(985)(135)(حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة) الكوفي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان

ص: 80

عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَال عَمرو: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. قَال: وَقَال ابْنُ جُرَيجٍ: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِم، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِي صلى الله عليه وسلم قَال: "مَثَلُ المُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ. كَمَثَلِ رَجُلٍ عَلَيهِ جُبَّتَانِ أَوْ جُنَّتَانِ. مِنْ لَدُنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا

ــ

المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بغدادي (عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (قال) لنا (عمرو) الناقد حدثنا غير سفيان عن ابن جريج: (وحدثنا سفيان بن عيينة) عن ابن جريج قالوا: وحدثنا سفيان عاطفة على ما قدرناه (قال) سفيان حدثنا غير ابن جريج عن الحسن (وقال) أي وحدثنا: (ابن جريج) أيضًا (عن الحسن بن مسلم) بن يناق بفتح التحتانية وتشديد النون آخره قاف المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري مولاهم الفارسي (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد يماني وواحد كوفي وواحد بغدادي غرضه بيان متابعة طاوس للأعرج، (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المنفق) أي صفة المنفق ماله في الخيرات.

وقوله: (والمتصدق) تحريف من النساخ أو تصحيف من الرواة والصواب: والبخيل.

وقوله: (كمثل رجل عليه جبتان) بتشديد الباء تثنية جبة وهو قميص محشو يلبس للبرد (أو جنتان) بالنون المشددة وبالشك تثنية جنة وهي درع من حديد سمي الدرع جنة لأنها تحصن صاحبها من السيف والرماح تصحيف من الرواة صوابه: (كمثل رجلين عليهما جنتان) بالنون بلا شك كما تدل عليه زيادة (من حديد) في الرواية الثانية سابغتان لهما كلتا الجنتين (من لدن ثديهما) بضم المثلثة وكسر الدال وبياء واحدة مشددة جمع ثدي والثدي خاص بالمرأة أو عام كذا في القاموس ويعني بهما جنبي الصدر كذا في المرقاة.

(إلى تراقيهما) جمع الترقوة بفتح التاء فيهما وهما عظمان ناتئان بين النحر والصدر من الجانبين وعبارة القسطلاني هما العظمان الناتئان في أعلى الصدر من رأس المنكبين إلى طرف ثغرة النحر اهـ.

ص: 81

فَإِذَا أَرَادَ المُنْفِقُ (وَقَال الآخَرُ: فَإِذَا أَرَادَ الْمُتَصدِّقُ) أَنْ يَتَصَدَّقَ سَبَعَتْ عَلَيهِ أَوْ مَرتْ. وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ. قَلَصَتْ عَلَيهِ وَأَخَذَتْ كُل حَلْقَةِ مَوْضِعها. حَتى تُجِن بَنَانَهُ وَتعفُوَ أَثَرَهُ". قَال: فَقَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَقَال: يُوَسعها فَلَا تَتَّسِعُ

ــ

وقال: أحد شيخَي سفيان وهما أبو الزناد وابن جريج: (فإذا أراد المنفق وقال الآخر) منهما: (فإذا أراد المتصدق) فالمخالفة بينهما في لفظ المنفق والمتصدق والمعنى واحد أي فإذا أراد المتصدق (أن يتصدق سبغت) جنته أي امتدت وانبسطت (عليه) وغطت جميع جسمه وسترت (أو) قال أبو هريرة شك من الراوي عنه (مرت) بالراء المشددة بدل سبغت وهذا تصحيف من الرواة أيضًا وصوابه: (مدت) بالدال بدل الراء أي امتدت وانبسطت وشملت على جميع جسمه وهذا كناية عن انشراح قلبه بالصدقة (وإذا أراد البخيل أن ينفق قلصت) جنته (عليه) بفتح اللام أي انضمت والتصقت عليه جنته وانقبضت وتضيقت عليه (وأخذت كل حلفة) وسلسلة (موضعها) أي صاحبتها أي اشتدت والتصقت الحلق بعضها ببعض أي ضاقت غاية التضييق فيجتهد أن يوسعها فلا يستطيع وهذا كناية عن ضيق قلبه بالصدقة وهذا مثل البخيل.

وقوله: (حتى تجن) بضم التاء وكسر الجيم وتشديد النون أي حتى تجن وتخفى جنته (بنانه) بفتح الموحدة ونونين الأولى خفيفة أي أصبعه غاية لقوله: (سبغت عليه) فهو مؤخر عن محله لأنه صفة المتصدق أي سبغت عليه جنته واتسعت وطالت حتى سترت أصابعه (وتعفو) أي تمحو جنته لطولها (أثره) أي أثر قدمه وموطئها وقوله: (وتعفو) بالنصب أي تستر أثره يقال: عفا الشيء وعفوته أنا لازمًا ومتعديًا ويقال: عفت الدار إذا غطاها التراب والمعنى أن الصدقة تستر خطاياه كما يغطي الثوب الذي يجر على الأرض أثر صاحبه وموطئ قدمه إذا مشى بمرور الذيل عليه اهـ فتح الملهم.

وهذا أيضًا من جملة الأوهام التي اختل بها نظام الكلام فإنهم جعلوا ما جاء في وصف المتصدق وصفًا للبخيل.

وقوله: (قال) الراوي عن أبي هريرة: (فقال أبو هريرة: فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف البخيل: فهو يريد أن (يوسعها) أي أن يوسع جنته (فلا تتسع) له مؤخر عن قوله: (قلصت عليه وأخذت كل حلقة موضعها) لأنه من بعض أوصاف البخيل فصحفوه وجعلوه من أوصات المتصدق وقد عرفت موضعه ومعناه مما قررناه في حلنا.

ص: 82

(2241)

(0)(0) حدّثني سُلَيمَانُ بْنُ عُبَيدِ الله أَبُو أَيوبَ الْغَيلانِي. حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ (يعنِي الْعَقَدِي). حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُس، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ

ــ

وقوله: (فقال أبو هريرة) الخ ليس بمدرج بل هو مرفوع كما صرح برفعه في طريق أخرى اهـ فتح الملهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 305 - 306) والبخاري (1442).

قال القاضي عياض: وقع في هذا الحديث أوهام كثيرة من الرواة وتصحيف وتحريف وتقديم وتأخير كما بيناها في مواضعها على التفصيل ويعرف صوابه من الروايات التي بعدها والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

(2241)

(0)(0)(حدثني سليمان بن عبيد الله) بن عمرو بن جابر (أبو أيوب) البصري المازني (الغيلاني) روى عن أبي عامر العقدي في الإيمان والزكاة والحج والدعاء وبهز بن أسد في الحج ويروي عنه (م س) قال أبو حاتم: صدوق ووثقه النسائي وقال في التقريب: صدوق من الحادية العشرة مات سنة (246) ست وأربعين ومائتين.

(حدثنا أبو عامر يعني العقدي) القيسي عبد الملك بن عمرو البصري ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب.

(حدثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي أبو إسحاق المكي روى عن الحسن بن مسلم في الزكاة وفي اللباس وعبد الله بن أبي نجيح في الحج وسليمان الأحول في اللباس ومسلم بن يناق ويروي عنه (ع) وأبو عامر العقدي وزيد بن الحباب وعمر بن أيوب الموصلي وأبو نعيم وابن المبارك وثقه أحمد وابن معين والنسائي وقال ابن مهدي كان أوثق شيخ بمكة وقال في التقريب: ثقة حافظ من السابعة.

(عن الحسن بن مسلم) بن يناق المكي (عن طاوس) اليماني (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بصريان وواحد مدني وواحد يماني غرضه بيان متابعة إبراهيم بن نافع لابن جريج في رواية هذا الحديث عن الحسن بن مسلم.

ص: 83

قَال: ضَرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَثَلَ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ. كَمَثَلِ رَجُلَينِ عَلَيهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ. قَدِ اضْطرتْ أَيدِيهِمَا إِلَى ثُدِيِّهِمَا وَتَرَاقِيهِمَا. فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كُلَّمَا تَصدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ. حَتى تُغَشِّيَ أَنَامِلَهُ وَتَعفُوَ أَثَرَهُ. وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا هم بِصدَقَةٍ قَلَصَتْ. وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَها". قَال: فأنا رَأَيتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ بِإِصبَعِهِ فِي جَيبِهِ. فَلَوْ رَأَيتَهُ يُوَسِّعُها وَلَا تَوَسعُ

ــ

(قال) أبو هريرة: (ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بين وجعل (مثل البخيل والمتصدق) أي صفتهما (كمثل رجلين) أي كتمثل رجلين (عليهما جنتان) أي درعان (من حديد قد اضطرت) بضم الطاء أي شدت (أيديهما) وعصرت وضمت وألصقت (إلى ثديهما وتراقيهما) وضمت إليها كأنها مغلولة إلى أعناقهما.

وفي كتاب الجهاد من صحيح البخاري: (ضطرت أيديهما) بفتح الطاء ونصب التحتانية الثانية من أيديهما على المفعولية أي ألصقت جنتهما أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما.

(فجعل المتصدق) أي فكان المتصدق (كلما تصدق) أي كل وقت أراد أن يتصدق (بصدقة) قليلة أو كثيرة (انبسطت) جنته وانفتحت (عنه) واتسعت له وطالت (حتى تغشي) بمعجمتين أي حتى تغطي وتستر وتخفي من غشيت الشيء بالتشديد إذا غطيته (أنامله) أي رؤوس أصابع رجليه (وتعفو) تلك الجنة أي تمحو (أثره) أي أثر مشيته وتطمسه لفضلها عن قامته يعني أن الصدقة تستر خطايا المتصدق كما يستر الثوب الذي يجر على الأرض أثر مشي لابسه بمرور الذيل عليه (وجعل البخيل) أي كان (كما هم) أي كل وقت قصد أن يتصدق (بصدقة قلصت) جنته وانقبضت وضاقت (وأخذت كل حلقة) أي لزمت (مكانها) وموضعها واستقرت فيه (قال: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) أي يدخل (بإصبعه في جيبه) بفتح الجيم وسكون الياء بعدها موحدة هو ما يقطع.

(فلو رأيته يوسعها ولا توسع) ويقور من الثوب ليخرج منه الرأس أو اليد مثلًا أي يدخلها فيه مشيرًا إلى إرادة التوسيع بالاجتهاد فالقول فيه ليس على حقيقته بل هو مجاز عن الفعل ولو في قوله: (فلو رأيته) بفتح التاء للخطاب العام للتمني فلا تحتاج للجواب أي يدخل إصبعه في جيبه حالة كونه (يوسعها) أي يشير إلى توسعة جيبه بالقوة (و) الحال

ص: 84

(2242)

(0)(0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِي، عَنْ وُهيبٍ. حَدَثَنَا عَبْدُ الله بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛

ــ

أنها (لا توسع) بفتحات مع تشديد السين بحذف إحدى التاءين أي ولا تتوسع.

قال النواوي: وفي هذا دليل على لباس القميص وكذا ترجم عليه البخاري: (باب جيب القميص من عند الصدر) لأنه المفهوم من لباس النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة مع أحاديث صحيحة جاءت به والله أعلم قال الحافظ ناقلًا عن ابن بطال: وموضع الدلالة منه أن البخيل إذا أراد إخراج يده أمسكت في الموضع الذي ضاق عليها وهو الثدي والتراقي وذلك في الصدر قال: فبان أن جيبه كان في صدره لأنه لو كان في يده لم تضطر يداه إلى ثدييه وتراقيه والله أعلم.

قال الخطابي وغيره: وهذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للبخيل والمتصدق فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعًا يستتر به من سلاح عدوه فصبها على رأسه ليلبسها والدروع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميها فجعل المنفق كمن لبس درعا سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه وهو معنى قوله: (حتى تعفو أثره) أي تستر جميع بدنه وجعل البخيل كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه كما أراد لبسها اجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته وهو معنى قوله قلصت أي تضامت واجتمعت والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح لها صدره وطابت نفسه فتوسعت في الإنفاق والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه فضاق صدره وانقبضت يداه ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون وقال المهلب: المراد أن الله يستر المنفق في الدنيا والآخرة بخلاف البخيل فإنه يفضحه اهـ فتح الملهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

(2242)

(0)(0)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن إسحاق) بن زيد بن عبد الله (الحضرمي) نسبة إلى حضرموت بلدة باقصى اليمن أبو إسحاق البصري ثقة من (9)(عن وهيب) بن خالد الباهلي البصري ثقة من (7)(حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري ثقة من (6)(عن أبيه) طاوس بن كيسان ثقة من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم يمانيان واثنان بصريان

ص: 85

قَال: قَال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدَّقِ مَثَلُ رَجُلَينِ عَلَيهِمَا جُنتَانِ مِنْ حَدِيدِ. إِذَا هَم الْمُتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ اتَّسَعَتْ عَلَيهِ. حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ. وَإذَا همَّ الْبَخِيلُ بِصَدَقَةٍ تَقلَّصَتْ عَلَيهِ. وَانْضمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ. وَانْقَبَضَتْ كُل حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتها". قَال: فَسَمِعتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: "فَيَجهدُ أَنْ يُوسِّعها فَلَا يَسْتَطِيعُ"

ــ

وواحد مدني وواحد كوفي غرضه بيان متابعة عبد الله بن طاوس لحسن بن مسلم (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل البخيل والمتصدق) أي صفتهما (مثل رجلين) أي كصفة رجلين ففيه تشبيه بليغ وفي هذه الرواية حذف الكاف.

وهذه الرواية هي الرواية الصحيحة وهي المذكورة في زكاة البخاري وجهاده ولباسه وهي المأخوذة في المشارق والجامع الصغير والحديث جاء على التمثيل ليس خبرًا عن كائن (عليهما جنتان) أي درعان (من حديد) وفي أكثر روايات البخاري: (جبتان) بالباء تثنية جبة اللباس المعروف ولا مانع من إطلاقها على الدرع خصوصًا مع معونة قوله: (من حديد).

(إذا هم) وأراد (المتصدق) أن يتصدق (بصدقة اتسعت) جنته وانبسطت (عليه) وطالت وانجرت على الأرض (حتى تعفي) بتشديد الفاء من التعفية وتمحو (أثره) أي أثر قدمه بذيلها لكونها سابغة وهذا كناية عن انشراح قلبه بالصدقة كما (وإذا هم البخيل) وقصد أن يتصدق (بصدقة تقلصت) الجنة وانقبضت (عليه) وضاقت (وانضمت يداه) أي صارتا منضمتين (إلى تراقيه) أي إلى عظام ثغرة نحره (وانقبضت) أي انضمت (كل حلقة) بسكون اللام أي كل حلقة من حلق الدرع (إلى صاحبتها) وقرينتها أي إلى التي في جنبها ولزقت بها وما انبسطت (قال) أبو هريرة: (فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فيجهد) ذلك البخيل أي يجتهد ويحاول (أن يوسعها) أي أن يوسع تلك الجنة من التوسعة (فلا يستطيع) أي لا يطيق توسعتها لشدة التصاقها وانضمامها والله أعلم.

قال القرطبي: وهذان المثلان للبخيل والمتصدق واقعان لأن كل واحد منهما إنما يتصرف بما يجد من نفسه فمن غلب الإعطاء والبذل عليه طاعت نفسه وطابت بالإنفاق وتوسعت فيه ومن غلب عليه البخل كان كما خطر بباله إخراج شيء مما بيده شحت نفسه بذلك فانقبضت يده للضيق الذي يجده في صدره ولشح نفسه الذي من وقيه فقد

ص: 86

(2243)

(986) - (136) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال: "قَال رَجُلٌ: لأَتصَدَّقَنَّ الليلَةَ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَها فِي يَدِ زَانِيَةٍ. فَأصبَحُوا يَتَحدثُونَ: تُصُدِّقَ الليلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ

ــ

أفلح كما قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر: 9].

وقد وقع حديث أبي هريرة هكذا في الأم من طرق فيها تشبيج وتخليط (شبج الكتاب والكلام تشبيجًا إذا لم يبينه وقيل: إذا لم يأت به على وجهه) اهـ من اللسان وما أثبتناه هنا أحسنها مساقًا والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم.

ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:

(2243)

(986)(136)(حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الحدثاني نسبة إلى الحديثة اسم بلدة على الفرات صدوق من (10)(حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر الصنعاني ثقة من (8)(عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني ثقة من (5)(عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني ثقة من (5)(عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد صنعاني وواحد حدثاني.

(قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (قال رجل) من بني إسرائيل كما في شروح البخاري: والله (لأتصدقن) هذا من باب الالتزام كالنذر مثلًا والقسم فيه مقدر كأنه قال: والله لأتصدقن كذا في الفتح هذه (الليلة) الحاضرة فيه فضل صدقة السر وفضل الإخلاص (بصدقة) خالصة لوجه الله تعالى (فخرج) ذلك الرجل في جوف الليل (بصدقته) ليضعها في يد مستحق (فوضعها في يد زانية) وهو لا يعلم أنها زانية وكذا الكلام في اثنين بعدها (فأصبحوا) أي فاصبح الناس وكانوا (يتحدثون) في الصباح ويقولون من عجيب أمر الله (تصدق الليلة) بضم أوله على البناء للمفعول (على زانية) وفي الحديث دلالة على أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجة من أهل الخير

ص: 87

قَال: اللهم! لَكَ الْحَمدُ عَلَى زَانِيَةٍ. لأَتَصَدقَن بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَها فِي يَدِ غَنِي. فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصدِّقَ عَلَى غَنِي. قَال: اللَهم لَكَ الْحَمدُ عَلَى غَنِي. لأتصَدقَنَ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَها فِي يَدِ سَارِقٍ. فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ. فَقَال: اللهم! لَكَ الْحَمدُ عَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ وَعَلَى سَارِقٍ. فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ قَدْ قُبِلَتْ

ــ

ولهذا تعجبوا من الصدقة على الأصناف الثلاثة (قال) الرجل المتصدق: (اللهم لك الحمد على) وقوع صدقتي في يد (زانية) حيث كان ذلك بإرادتك لا بإرادتي فإن إرادتك كلها جميلة ولا يحمد على المكروه سواك فسلم الأمر وفوضه إلى الله تعالى ورضي بقضائه فحمد الله على تلك الحال لأنه المحمود على جميع الحال لا يحمد على المكروه سواه وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا راى ما لا يعجبه قال اللهم: لك الحمد على كل حال اهـ فتح الملهم بتصرف.

والله (لأتصدقن بصدقة) أخرى لعلها تقع في محلها وفيه استحباب إعادة الصدقة إذا لم تقع الموقع (فخرج بصدقته) في جوف الليل (فوضعها في يد غني فأصبحوا) أي فأصبح الناس وكانوا (يتحدثون) في الصباح ويقولون في حديثهم من عجيب أمر الله (تصدق) الليلة (على غني) فـ (ـقل) الرجل المتصدق: (اللهم لك الحمد على) وقوع صدقتي في يد (غني) والله (لأتصدقن بصدقة) أخرى (فخرج بصدقته) في جوف الليل (فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون) ويقولون (تصدق) الليلة (على سارق فقال) الرجل المتصدق: (اللهم لك الحمد على) تصدقي على (زانية وعلى) تصدقي على (غني وعلى) تصدقي على (سارق فأتي) ذلك الرجل في منامه أي أتاه آت في منامه كما في شروح البخاري.

وفي رواية الطبراني في مسند الشاميين: (فساءه ذلك فأتي في منامه).

(فقيل له) في منامه: (أما صدقتك) كلها (قد قبلت) فلا تتاسف على ما وقع فيها أي أما صدقاتك كلها فمقبولة حقًّا فلا تخلو عن مثوبة متضمنة لحكمة سنبيّنها وفيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع واختلف الفقهاء في الإجزاء إذا كان ذلك في زكاة فرض ولا دلالة في الحديث على الإجزاء وعلى عدمه والمسألة عند الأحناف أنه لو دفع الزكاة بتحر لمن يظنه مستحقًا فبان أنه غني أو أبوه أو ابنه لا

ص: 88

أَما الزانِيَةُ فَلَعَلَّها تَسْتَعِفُّ بِها عَنْ زِنَاها. وَلَعَل الْغَنِي يَعتَبِرُ فَيُنْفِقُ بِمَا أَعطَاهُ الله. وَلَعَلَّ السارِقَ يَسْتَعف بِها عَنْ سَرِقَتِهِ"

ــ

يعيد لأنه أتى بما في وسعه حتى لو دفع بلا تحر لم يجز إن أخطأ خلافًا للشافعية فإنها لا تجزئ مطلقًا ظنه فقيرًا أم لا وفي الحديث بركة التسليم والرضا وذم التضجر بالقضاء كما قال بعض السلف: لا تقطع الخدمة ولو ظهر لك عدم القبول.

(أما الزانية) أي أما حكمة وقوع صدقتك في يد الزانية (فلعلها نستعف بها) أي بصدقتك (عن زناها) إن كان لضرورة الفقر (ولعل الغني يعتبر) بصدقتك أي يتعظ ويتذكر (فينفق بما أعطاه الله) تعالى في الخيرات (ولعل السارق يستعف بها) أي بصدقتك (عن سرقته) أي إما مطلقًا أو مدة الاكتفاء وفيه إيماء إلى أن الغالب في السارق والزانية أنهما يرتكبان المعصية للحاجة وهو أحد معاني ما ورد (كاد الفقر أن يكون كفرًا).

قال القرطبي: (قول المتصدق: اللهم لك الحمد على زانية) فيه إشعار بألم قلبه إذ ظن أن صدقته لم توافق محلها وأن ذلك لم ينفعه ولذلك كرر الصدقة فلما علم الله سبحانه صحة نيته تقبلها منه وأعلمه بفوائد صدقاته ويستفاد منه صحة الصدقة وإن لم توافق محلًا مرضيًا إذا حسنت نية المتصدق فأما لو علم المتصدق أن المتصدق عليه يستعين بتلك الصدقة على معصية الله لحرم عليه ذلك فإنه من باب التعاون على الإثم والعدوان اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 350) والبخاري (1421) والنسائي (5/ 55 - 56).

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث:

الأول: منها حديث أبي مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة.

والثاني: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة.

والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد لما قبله.

والرابع: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين.

والخامس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وكلها لأبي هريرة إلا الأول فإنه لأبي مسعود الأنصاري.

ص: 89