المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌431 - (49) باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير سؤال ولا استشراف وكراهة الحرص على المال والعمر - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌422 - (40) باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين

- ‌423 - (41) باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه وأن كل معروف صدقة

- ‌424 - (42) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك والأمر بالمبادرة إلى الصدقة قبل فوتها وعدم قبولها إلا من الكسب الطيب وتربيتها عند الرحمن

- ‌425 - (43) باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة وحث الإمام على الصدقة إذا رأى فاقة

- ‌426 - (44) باب النهي عن لمز المتصدق والترغيب في صدقة المنيحة وبيان مثل المتصدق والبخيل وقبول الصدقة وإن وقعت في يد غير مستحق

- ‌427 - (45) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تنفق من طعام بيتها والعبد من مال سيده

- ‌428 - (46) باب فضل من جمع الصدقة وأعمال الخير والحث على الأنفاق والنهي عن الإحصاء

- ‌429 - (47) باب النهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها وأي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

- ‌430 - (48) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس وبيان من تحل له المسألة

- ‌431 - (49) باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير سؤال ولا استشراف وكراهة الحرص على المال والعمر

- ‌432 - (50) باب الغنى غنى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والصبر والكفاف والقناعة

- ‌433 - (51) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة وإعطاء المؤلفة قلوبهم وتصبر من قوي إيمانه

- ‌434 - (52) باب وجوب الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى وكفر من نسب إليه جورًا وذكر الخوارج

- ‌(تتمة)

- ‌435 - (53) باب التحريض على قتل الخوارج وبيان أنهم شر الخلق والخليقة

- ‌436 - (54) باب تحريم الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وترك استعمال آله صلى الله عليه وسلم على الصدقة

- ‌437 (55) باب الصدقة إذا بلغت محلها جاز لمن كان قد حرمت عليه أن يأكل منها وقبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ورده الصدقة ودعاء المصدِّق لمن جاء بصدقته والوصاة بإرضاء المصدِّق

- ‌ كتاب الصيام

- ‌438 - (56) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لروية الهلال فإن غم تكمل العدة ثلاثين يومًا

- ‌439 - (57) باب النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وأن الشهر يكون تسعًا وعشرين

- ‌440 - (58) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرًا وشهران لا ينقصان

- ‌441 - (59) باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر وبيان الفجر الَّذي يتعلق به الأحكام

- ‌442 - (60) باب الحث على السحور واستحباب تأخيره وتعجيل الإفطار وبيان وقت إفطار الصائم

- ‌443 - (61) باب النهي عن الوصال في الصوم وما جاء في القبلة للصائم

- ‌444 - (62) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب وكفارة من أفطر في رمضان بالجماع متعمدًا

الفصل: ‌431 - (49) باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير سؤال ولا استشراف وكراهة الحرص على المال والعمر

‌431 - (49) باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير سؤال ولا استشراف وكراهة الحرص على المال والعمر

(2286)

(1010) - (160) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي الْعَطَاءَ. فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيهِ مِنِّي. حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالا. فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيهِ مِنِّي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خُذْهُ. وَمَا جَاءَكَ مِنْ هذَا الْمَالِ

ــ

431 -

(49) باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير سؤال ولا استشراف وكراهة الحرص على المال والعمر

(2286)

(1010)(165)(وحدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه) رضي الله عنه (قال) ابن عمر: (سمعت) والدي (عمر بن الخطاب يقول):

وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري ومروزي وواحد مكي وواحد أيلي وفيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والتحويل.

(قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء) قيل: كان ذلك أجر عمله في الصدقة اهـ مرقاة ويدل عليه حديث ابن الساعدي الآتي.

(فأقول) له صلى الله عليه وسلم: (أعطه) إما ضمير للعطاء وإما هاء السكت كما في المرقاة.

أي أعط هذا العطاء (أفقر إليه) أي أحوج إلى هذا العطاء (مني) وفيه دليل على زهده وإيثاره لغيره على نفسه (حتى أعطاني) أي فأعطاني (مرة مالًا فقلت) له: (أعطه أفقر إليه مني فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه) أي خذ هذا العطاء (وما جاءك من هذا المال) الذي لك فيه حق كمال الفيء وسهم العامل من الزكاة وسهم المجاهد مما

ص: 158

وَأَنْتَ غَيرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ، فَخُذْهُ. وَمَا لَا، فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ"

ــ

يقسمه الإمام على كل الناس غنيًّا أو فقيرًا (وأنت) أي والحال أنك (غير مشرف) أي غير متطلع إليه ولا طامع فيه ولا حريص عليه (ولا سائل) أي طالب له.

قال أبو داود: سألت أحمد عن إشراف النفس فقال: بالقلب وقال يعقوب بن محمد: سألت أحمد عنه فقال: هو أن يقول مع نفسه: يبعث إلي فلان بكذا وقال الأثرم: يضيق عليه أن يرده إذا كان كذلك اهـ فتح الملهم.

(فخذه) أمر على جهة الندب والإرشاد لمصلحة.

قال القرطبي: إشراف النفس تطلعها وتشوفها وشرحها لأخذ المال ولا شك أن هذه الأمور إذا كانت هي الباعثة على الأخذ للمال كان ذلك من أدل دليل على شدة الرغبة في الدنيا والحب لها وعدم الزهد فيها والركون إليها والتوسع فيها وكل ذلك أحوال مذمومة فنهاه عن الأخذ على هذه الحالة اجتنابًا للمذموم وقمعًا لداوعي النفس ومخالفة لها في هواها فإن من لم يكن كذلك جاز له الأخذ للأمن من تلك العلل المذمومة قال الطحاوي: وليس معنى هذا الحديث في الصدقات وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام على أغنياء الناس وفقرائهم اهـ من المفهم.

(ومالا) أي وما لا يجيئك إلا بتطلع إليه واستشراف عليه (فلا تتبعه نفسك) من الإتباع بالتخفيف أي فلا تجعل نفسك تابعة له ولا توصل المشقة إليها في طلبه اهـ مرقاة.

وقال القرطبي: أي لا تعلقها ولا تطمعها في ذلك فإذا فعلت ذلك بها سكنت ويئست وهذا النهي على الكراهة يرشد إلى المصلحة التي في الإعراض.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (7164) وأبو داود (1671) والنسائي (5/ 105).

وقال الطبري: اختلف الناس فيما أمر النبي صلى الله عليه وسلم به عمر من ذلك بعد إجماعهم على أنه أمر ندب وإرشاد فقيل: هو ندب إلى عطية السلطان وغيره وقيل بل ذلك إلى عطية غير السلطان وأما عطية السلطان فقد حرمها قوم وكرهها آخرون فأما من حمل الحديث على عطية السلطان وأنها مندوب إليها فذلك إنما يصح أن يقال: إذا كانت أموالهم كما كانت أموال سلاطين السلف مأخوذة من وجوهها غير ممنوعة من مستحقيها فأما اليوم فالأخذ من أموالهم إما حرام وإما مكروه والله سبحانه أعلم اهـ من المفهم.

ص: 159

(2287)

(0)(0) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعْطِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الْعَطَاءَ. فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: أَعْطِهِ، يَا رَسُولَ اللهِ! أَفْقَرَ إِلَيهِ مِنِّي. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ. وَمَا جَاءَكَ مِنْ هذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ، فَخُذْهُ. وَمَا لَا، فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ"

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال:

(2287)

(0)(0)(وحدثني أبو الطاهر) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه).

وهذا السند من سداسياته غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عمرو بن الحارث ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن يونس بن يزيد له أوهام فيما رواه عن الزهري.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر بن الخطاب العطاء) الذي هو من مال الله تعالى كما مر آنفًا (فيقول له) صلى الله عليه وسلم (عمر: أعطه) أي أعط هذا العطاء (يا رسول الله أفقر) وأحوج (إليه مني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه) أي خذ هذا العطاء (فتموله) أي أدخله في مالك إن كنت محتاجًا (أو تصدق به) أي على أفقر منك إن كان فاضلًا عنك عما لا بد لك منه.

قال ابن بطال: أشار صلى الله عليه وسلم على عمر بالأفضل لأنه وإن كان ماجورًا بإيثاره بعطائه على نفسه من هو أفقر إليه منه فإن أخذه للعطاء ومباشرته للصدقة بنفسه أعظم لأجره وهذا يدل على عظيم فضل الصدقة بعد التمول لما في النفوس من الشح على المال.

وعبارة النهاية (فتموله) أي اجعله لك مالًا على تقدير الاحتياج (أو تصدق به) على تقدير الاستغناء عنه اهـ.

(وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك

ص: 160

قَال سَالِمٌ: فَمِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدا شَيئًا. وَلَا يَرُدُّ شَيئًا أُعْطيَهُ.

(2288)

(0)(0) وحدّثني أَبُو الطاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذلِكَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ،

ــ

قال سالم) بالسند السابق (فمن أجل ذلك) أي فمن أجل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر (كان ابن عمر لا يسأل أحدًا شيئًا ولا يرد شيئًا أعطيه) أي أعطاه أحدٌ إياه.

قال الحافظ: وهذا بعمومه ظاهر في أنه كان لا يرد ما فيه شبهة وقد ثبت أنه كان يقبل هدايا المختار بن أبي عبيد الثقفي وهو أخو صفية زوج ابن عمر بنت أبي عبيد وكان المختار غلب على الكوفة وطرد عمال عبد الله بن الزبير وأقام أميرا عليها مدة في غير طاعة الخليفة وتصرف فيما تحصل منها من المال على ما يراه ومع ذلك فكان ابن عمر يقبل هداياه وكان مستنده أن له حقًّا في بيت المال فلا يضره على أي كيفية وصل إليه أو كان يرى أن التبعة في ذلك على الآخذ الأول أو أن للمعطي المذكور مالًا آخر في الجملة وحقًا ما في المال المذكور فلما لم يتميز وأعطاه له عن طيب نفس دخل في عموم قوله: (ما أتاك من هذا المال من غير سؤال ولا استشراف فخذه) فرأى أنه لا يستثنى من ذلك إلا ما علمه حرامًا محضًا اهـ فتح الملهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا من حديث عمر رضي الله تعالى عنه فقال:

(2288)

(0)(0)(وحدثني أبو الطاهر) المصري (أخبرنا ابن وهب) المصري قال ابن وهب: (قال) لنا (عمرو) بن الحارث المصري حدثني ابن شهاب بأحاديث كثيرة: (وحدثني) أيضًا (ابن شهاب بمثل ذلك) فالواو وعاطفة على محذوف كما قدرناه وقد مر نظائره في الكتاب مرارًا أي بمثل ما حدثني عن سالم بن عبد الله (عن السائب بن يزيد) ابن سعيد بن ثمامة الكندي الحجازي المدني المعروف بابن أخت نمر الصحابي ابن الصحابي.

وهنا إسقاط من السند أسقطه مسلم أو شيخه تقديره: (عن حويطب) مصغرًا (بن عبد العزى) بن أبي قيس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة العامري القرشي أبي محمد الحجازي المدني يقال من

ص: 161

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّعْدِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

مسلمة الفتح له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه مات بالمدينة سنة (54) أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة وله دار بالمدينة بالبلاط عند أصحاب المصاحف روى عن عبد الله بن السعدي في الزكاة ويروي عنه (خ م) والسائب بن يزيد وليس في مسلم حويطب إلا هذا الصحابي الجليل.

(عن عبد الله) بن وقدان المعروف بـ (ابن السعدي) لأن أباه وقدان استرضع في بني سعد بن بكر بن هوازن فأبوه وقدان بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حسل القرشي العامري الشامي الأردني الصحابي المشهور مات سنة (57) سبع وخمسين روى عن عمر بن الخطاب في الزكاة ويروي عنه (خ م د س) وحويطب بن عبد العزى وعبد الله بن محيريز له عندهما فرد حديث.

(عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا السند من ثمانياته على ما قررناه وهو الصحيح الذي اتفق عليه الجماعة أعني عن الزهري عن السائب عن حويطب عن ابن السعدي عن عمر بن الخطاب وهذا السند مما استدرك به على مسلم لأن في ظاهر سند الإمام مسلم انقطاعًا لأن السائب بن يزيد لم يسمع من عبد الله بن السعدي إنما سمعه من حويطب بن عبد العزى قال القرطبي: وحديث عبد الله بن السعدي هذا فيه انقطاع فإن مسلمًا رواه من حديث السائب بن يزيد عن ابن السعدي وبينهما رجل وهو حويطب بن عبد العزى قاله النسائي وغيره اهـ من المفهم.

ولم نكتب هذا السند في رسالتنا الجهيرية في الأسانيد الثمينية نظرًا لظاهر ما ذكره الإمام مسلم في صحيحه والحق إلحاقه بالثمينية ورجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون وواحد شامي أردني ومن لطائفه أنه اجتمع فيه أربعة صحابيون روى بعضهم عن بعض روى السائب عن حويطب عن ابن السعدي عن عمر.

غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن السعدي لعبد الله بن عمر في رواية هذا الحديث عن عمر وقد بسط النووي وغيره من الشراح الكلام هنا فراجعه وفي ما ذكرناه كفاية لمن اكتفى فلا نطيل الكلام بذكر كلامهم والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال:

ص: 162

(2289)

(0)(0) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ بُكَيرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ السَّاعِدِيِّ الْمَالِكِيِّ؛ أَنَّهُ قَال: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى الصَّدَقَةِ. فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهَا، وَأدَّيتُهَا إِلَيهِ، أَمَرَ لِي بِعُمَالةٍ. فَقُلْتُ: إِئمَا عَمِلْتُ لِلهِ، وَأَجْرِي عَلَى اللهِ. فَقَال: خُذْ مَا

ــ

(2289)

(0)(0)(حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني ثم المصري ثقة من (5)(عن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي المدني ثقة من (2)(عن) عبد الله (بن الساعدي) قال النواوي: هذا تحريف والصواب (عن ابن السعدي) نسبة إلى بني سعد بن بكر بن هوازن لأن أباه وقدان استرضع فيهم كما مر آنفًا. (المالكي) نسبة إلى أحد أجداده مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب الصحابي الجليل الشامي رضي الله تعالى عنه (أنه) أي أن عبد الله بن السعدي المالكي (قال استعملني عمر بن الخطاب) أي جعلني عاملًا (على الصدقة) والزكاة أي واليًا على أخذها من أرباب الأموال وجمعها.

وهذا السند من سداسياته رجالة اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد شامي وواحد بلخي غرضه بيان متابعة بسر بن سعيد لحويطب بن عبد العزى على ما هو الصواب وللسائب على ما ذكره مسلم في رواية هذا الحديث عن ابن السعدي.

(فلما فرغت منها) أي من جمع الصدقة (وأديتها) أي أديت وسلمت الصدقة المجموعة (إليه) أي إلى عمر (أمر لي) أي أمر بعض من يلي قسم الصدقات أن يعطيني (بعمالة) بضم العين وتثلث أي بأجرة عملي كما في القاموس.

قال القرطبي: والعمالة ما يعطاه العامل على عمله وهي الأجرة اهـ من المفهم.

وأما العمالة بالفتح فهي نفس العمل.

قال الحافظ: وروينا في الجزء الثالث من فوائد أبي بكر النيسابوري زيادات من طريق عطاء الخراساني عن عبد الله بن السعدي قال: قدمت على عمر فأرسل إلي بألف دينار فرددتها وقلت: أنا عنها غني فذكره أيضًا بنحوه واستفيد منه قدر العمالة المذكورة اهـ فتح الملهم.

(فقلت) لعمر: (إنما عملت لله وأجري على الله) تعالى (فقال) لي عمر: (خذ ما

ص: 163

أُعْطِيتَ. فَإِني عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَمَّلَنِي. فَقُلْتُ مِثْلَ قَوْلِكَ. فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أُعْطِيتَ شَيئًا مِنْ غَيرِ أَنْ تَسْأَلَ، فَكُلْ وَتَصَدَّقْ"

ــ

أعطيت) بصيغة المجهول المسند إلى ضمير المخاطب أي ما أعطيتك من العمالة (فإني عملت) في جمع الزكوات (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني) بتشديد الميم أي أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرة عملي.

قال الطحاوي: فليس معنى هذا الحديث في الصدقات وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام وليست هي من جهة الفقر ولكن من الحقوق فلما قال عمر: (أعطه أفقر إليه مني) لم يرض بذلك لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر قال: ويؤيده قوله في رواية شعيب: (خذه فتموله) فدل ذلك على أنه ليس من الصدقات.

وقال الطبري: في حديث عمر الدليل الواضح على أن لمن شغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على عمله وذكر ابن المنذر أن زيد بن ثابت كان يأخذ الأجر على القضاء واحتج أبو عبيد في جواز ذلك بما فرض الله تعالى للعاملين على الصدقة وجعل لهم منها حقًّا لقيامهم وسعيهم فيها اهـ فتح الملهم.

(فقلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل قولك) لي يعني إنما عملت لله (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأل فـ) ـخذه ولا ترده ثم (كلـ) ـه إن كنت محتاجًا إليه (وتصدق) به إن كنت مستغنيًا عنه.

قال القرطبي: (قوله: فكل وتصدق) يدل على أنه حلال طيب يصلح للأكل والتصدق وغيرهما وأما ما لا يكون كذلك فلا يصلح لشيء من ذلك كما تقدم وهذا الحديث أصل في أن كل من عمل للمسلمين عملًا من أعمالهم العامة كالولاية والقضاء والحسبة والإمامة فأرزاقهم في بيت مال المسلمين وأنهم يعطون ذلك بحسب عملهم اهـ من المفهم قال النواوي: في هذا الحديث منقبة لعمر وبيان فضله وزهده وإيثاره (قلت): وكذا لابن السعدي فقد طابق فعله فعل عمر سواءً اهـ قال الطبري (قوله: فكل وتصدق) اختلفوا فيه بعد إجماعهم على أنه ندب فقيل: هو ندب لكل من أعطي عطية أبي قبولها كائنًا من كان وهذا هو الراجح يعني بشرط عدم السؤال وإشراف النفس وقيل: هو مخصوص بالسلطان ويؤيده حديث سمرة في السنن (إلا أن يسأل السلطان) وكان بعضهم يقول: يحرم قبول

ص: 164

(2290)

(0)(0) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ السَّعْدِيِّ؛ أَنَّهُ قَال: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطابِ، عَلَى الصَّدَقَةِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ.

(2291)

(101) - (161) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ

ــ

العطية من السلطان وبعضهم يقول: يكره وهو محمول على ما إذا كانت العطية من السلطان الجائر والكراهة محمولة على الورع وهو المشهور من تصرف السلف والله أعلم والتحقيق في المسئلة أن من علم كون ماله حلالًا فلا ترد عطيته ومن علم كون ماله حرامًا فتحرم عطيته ومن شك فيه فالاحتياط رده وهو الورع ومن أباحه أخذ بالأصل كذا في الفتح اهـ فتح الملهم.

ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال:

(2290)

(0)(0)(وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثم المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي المصري (عن بسر بن سعيد) المدني (عن) عبد الله (بن السعدي) الشامي (أنه قال: استعملني عمر بن الخطاب على الصدقة) وساق عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج (بمثل حديث الليث) عن بكير.

غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عمرو بن الحارث لليث بن سعد في الرواية عن بكير بن الأشج.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(2291)

(101)(161)(حدثنا زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أس هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي حالة كون أبي هريرة.

ص: 165

يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. قَال: "قَلْبُ الشَّيخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَينِ: حُبِّ الْعَيشِ، وَالْمَالِ".

(2292)

(0) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛

ــ

(يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم أي يوصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقفه على نفسه بل يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (قلب الشيخ) لا جسمه (شاب) أي قوي مستمر (على حب اثنتين) أي خصلتين ملازم له يعني قلب الشيخ كامل الحب لشيئين ومستمر عليه لا يفارقه حبهما (حب العيش) والحياة (و) حب (المال).

وأخرج البيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة بزيادة في أوله قال: (إن ابن آدم يضعف جسمه وينحل لحمه وقلبه شاب).

قال النواوي: هذا مجاز واستعارة ومعناه أن قلب الشيخ كامل الحب للمال متحكم في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه اهـ.

والتعبير بالشاب إشارة إلى كثرة الحرص وبعد الأمل الذي هو في الشباب أكثر وبهم أليق لكثرة الرجاء عادة في طول أعمارهم ودوام استمتاعهم ولذاتهم في الدنيا قال القرطبي: في هذا الحديث كراهة الحرص على طول العمر وكثرة المال وأن ذلك ليس بمحمود وقال غيره: الحكمة في التخصيص بهذين الأمرين أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه فهو راغب في بقائها فاحب لذلك طول العمر وأحب المال لأنه من أعظم الأسباب في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبًا طول العمر فكلما أحس بقرب نفاد ذلك اشتد حبه له ورغبته في دوامه اهـ فتح الملهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 335 و 338) والبخاري (6420) والترمذي (2338) وابن ماجه (4233).

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

(2292)

(0)(وحدثني أبو الطاهر وحرملة) بن يحيى المصريان (قالا: أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني (عن أبي هريرة).

ص: 166

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "قَلْبُ الشَّيخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَينِ: طُولُ الْحَيَاةِ، وَحُبُّ الْمَالِ".

(2293)

(1012) - (162) وحدّثني يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ"

ــ

وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن المسيب للأعرج في الرواية عن أبي هريرة.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلب الشيخ شاب) أي حريص (على حب اثنتين) أي خصلتين (طول الحياة) والعمر (وحب) كثرة (المال) بالرفع فيهما على أنهما خبران لمحذوف تقديره: هما ويصح الجر على البدلية وفيه ذم الأمل والحرص اهـ من تيسير المناوي.

ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما فقال:

(2293)

(1012)(162)(وحدثني يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وسعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني ثم المكي ثقة من (10)(وقتيبة بن سعيد كلهم عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (7)(قال يحيى: أخبرنا أبو عوانة عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري ثقة مدلس من (4)(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه.

وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد واسطي وواحد إما نيسابوري أو مكي أو بلخي.

(قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يهرم ابن آدم) بفتح الراء من باب فرح أي يشيب جسمه (وتشب منه اثنتان) بكسر الشين المعجمة وتشديد الموحدة أي ينمو ويقوى من أخلاقه وخصاله اثنتان (الحرص على المال والحرص على العمر) والحياة وإنما لم تنكسر هاتان الخصلتان لأن الإنسان مجبول على حب الشهوات كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} الآية والشهوة إنما تنال بالمال والعمر والعمر مدة أجله الله تعالى لعباده في دار الفناء لا ينقص ولا يزيد اهـ مبارق.

ولفظ البخاري في الرقاق (يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان طلب المال وطول العمر) اهـ.

ص: 167

(2294)

(0)(0) وحدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال بِمِثْلِهِ.

(2295)

(0)(0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوهِ.

(2296)

(1013) - (163) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ

ــ

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 192 و 256) والبخاري (6421) والترمذي (2455) وابن ماجه (4234).

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2294)

(0)(0)(وحدثني أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) البصري ثقة من (10)(ومحمد بن المثنى) العنزي البصري (قالا: حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن سنبر الدستوائي البصري (عن قتادة عن أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال) يهرم ابن آدم الحديث السابق وساق هشام (بمثله) أي بمثل حديث أبي عوانة غرضه بيان متابعة هشام لأبي عوانة.

ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال:

(2295)

(0)(0)(وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (قال) شعبة: (سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك) ففيه تصريح بسماع قتادة عن أنس (عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق شعبة (بنحوه) أي بنحو حديث أبي عوانة عن قتادة غرضه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة وتقدم الفرق بين النحو والمثل في أوائل الكتاب فجدد العهد به لأنه المهم في صحيح مسلم.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لأنس رضي الله عنهما فقال:

(2296)

(1013)(163)(حدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (وسعيد بن منصور)

ص: 168

وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ لا بْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا. وَلَا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلا التُّرَابُ. وَيتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ"

ــ

ابن شعبة المكي (وقتيبة بن سعيد) البلخي (قال: يحيى أخبرنا وقال الآخران: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد واسطي وواحد إما نيسابوري وإما مكي وإما بلخي.

(لو كان لابن آدم واديان) مملوءان (من مال) أي لو حصل له واديان من مال فكان تامة والجار والمجرور صفة للواديين وفي رواية (من ذهب) وفي أخرى (من فضة وذهب) ذكره المناوي (لابتغى) وطلب (واديًا ثالثًا) يضمه إليهما لشدة حرصه على المال وفي المشارق زيادة إليهما بعده.

فقال ابن الملك: الابتغاء هو الطلب عدى هنا بإلى لتضمنه معنى الضم يعني لضم إليهما واديًا ثالثًا وهلم جرا وجملة قوله: (ولا يملأ جوف ابن آم إلا التراب) مستأنفة استئنافًا بيانيًا يعني أنه لا يزال حريصًا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره اهـ نواوي.

وههنا (نكتة) وهي أن في ذكر ابن آدم دون الإنسان تلويحًا إلى أنه مخلوق من تراب ومن طبيعته القبض واليبس وإزالته ممكنة بأن يمطر الله تعالى عليه من تمام توفيقه كما يدل عليه قوله في الحديث: (ويتوب الله) سبحانه وتعالى (على من تاب) من حرصه فإنه في موضع إلا من عصمه الله أفاده ابن الملك وقال النواوي: معناه أن الله تعالى يقبل التوبة من التائب عن حرصه المذموم وعن غيره من المذمومات.

وفي بعض الروايات الآتية: (ولن يملأ فاه) وفي أخرى: (ولا يملأ نفس ابن آدم) قال الكرماني: ليس المراد الحقيقة في عضو بعينه بقرينة عدم الانحصار في التراب إذ غيره يملؤه أيضًا بل هو كناية عن الموت لأنه مستلزم للامتلاء فكأنه قال: لا يشبع من الدنيا حتى يموت فالغرض من العبارات كلها واحد وهي من التفنن في العبارة.

(قلت): وهذا يحسن في فيما إذا اختلفت مخارج الحديث وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة كذا في الفتح.

ص: 169

(2297)

(0)(0) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (فَلَا أَدْرِي أَشَيءٌ أُنْزِلَ أَمْ شَيءٌ كَانَ يَقُولُهُ)

ــ

قوله: (إلا التراب) أي تراب قبره ففيه تنبيه نبيه على أن البخل المورث للحرص مركوز في جبلة الإنسان.

قال الحافظ: ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكر التراب دون غيره أن المرء لا ينقص طعمه حتى يموت فإذا مات كان من شأنه أن يدفن فإذا دفن صب عليه التراب فملأ جوفه وفاه وعينيه ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب غيره وأما بالنسبة إلى الفم فلكونه الطريق إلى الوصول إلى الجوف اهـ.

قوله: (ويتوب الله على من تاب) أي إن الله يقبل التوبة من الحريص كما يقبلها من غيره قيل: وفيه إشارة إلى ذمّ الاستكثار من جمع المال وتمنى ذلك والحرص عليه للإشارة إلى أن الذي يترك ذلك يطلق عليه أنه تاب ويحتمل أن يكون تاب بالمعنى اللغوي وهو مطلق الرجوع أي رجع عن ذلك الفعل والتمني.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 243) والبخاري (6439) والترمذي (2337) والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2297)

(0)(0)(وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) الحديث السابق زاد شعبة في روايته لفظة قال أنس (فلا أدري) والله أعلم (أشيء) أي هل هذا الكلام المذكور في الحديث شيء (أنزل) على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن (أم) هو (شيء كان يقوله) أي يقول لفظه من عند نفسه لا معناه لأن المعنى لا يكون إلا وحيا أي فلا أدري أمن القرآن هو أنزل الله سبحانه أم هو من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوله أولًا ويقال: إنه كان قرآنًا فنسخ خطه وفي رواية لأنس عن أبي قال: (كنا نرى هذا من القرآن حتى نزل

ص: 170

بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ.

(2298)

(0)(0) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال:"لَوْ كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنَّ لَهُ وَادِيًا آخَرَ. وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إلا التُّرَابُ. وَاللهُ يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ"

ــ

ألهاكم التكاثر) كما في رقاق المرقاة فكأنما هم شاكون في قرآنيته مع عدم كونه على أسلوب بلاغته وساق شعبة (بمثل حديث أبي عوانة) مع هذه الزيادة المذكورة.

قال الأبي: المراد بحديث أبي عوانة المتقدم في حديث (يهرم ابن آدم ويشب منه اثنتان) فهو الذي شك فيه أنس ها هنا. اهـ منه غرضه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2298)

(0)(0)(وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك).

وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة ابن شهاب لقتادة في رواية هذا الحديث عن أنس وفائدتها تقوية السند الأول لأن قتادة مدلس.

(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو كان لابن آدم واد) أصله وادي نظير قاض عومل معاملته اسم كان مؤخر (من ذهب) تمييز مجرور بمن البيانية (أحب) فعل ماض جواب لو أي تمنى (أن له واديًا آخر) أي كون واد آخر له (ولن يملأ فاه إلا التراب) أي تراب قبره وهذا كناية عن الموت (والله يتوب على من تاب) من الحرص.

قال الطيبي: يمكن أن يكون معناه أن الآدمي مجبول على حب المال وأنه لا يشبع من جمعه إلا من حفظه الله تعالى ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم فوضع (والله يتوب) موضعه إشعارًا بأن هذه الجبلة مذمومة جارية مجرى الذنب وأن إزالتها ممكنة بتوفيق الله تعالى وتسديده وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ففي إضافة الشح إلى النفس دلالة على أنه غريزة فيها وفي قوله: (ومن يوق) إشارة إلى إمكان إزالة ذلك ثم رتب الفلاح على ذلك. قال: وتؤاخذ المناسبة أيضًا من ذكر التراب فإن فيه إشارة إلى أن الآدمي خلق من التراب ومن طبعه القبض واليبس وأن إزالته

ص: 171

(2299)

(1014) - (164) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَوْ أَنَّ لابْنِ آدَمَ مِلْءَ وَادٍ مَالًا لأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيهِ مِثْلُهُ. وَلَا يَمْلأُ نَفْسَ ابْنِ آدَمَ إلا التُّرَابُ. وَاللهُ يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ".

قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَا أَدْرِي أَمِنَ الْقُرْآنِ هُوَ أَمْ لَا

ــ

ممكنة بأن يمطر الله عليه ما يصلحه حتى يثمر الخلال الزكية والخصال المرضية قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إلا نَكِدًا} فوقع قوله (والله يتوب) موقع الاستدراك أي إن ذلك العسر الصعب يمكن أن يكون يسيرًا على من يسره الله تعالى عليه اهـ منه.

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

(2299)

(1014)(164)(وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وهارون بن عبد الله) بن مروان البزاز أبو موسى البغدادي المعروف بالحمال ثقة من (10)(قالا: حدثنا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي ثم المصيصي ثقة من (9)(عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (قال: سمعت عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم أبا محمد المكي ثقة من (3)(يقول: سمعت ابن عباس).

وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بغداديان أو بغدادي ونسائي وواحد طائفي.

(يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو أن لابن آم ملء واد مالًا) تمييز ملء (لأحب أن يكون) منضمًا (إليه مثله) اسم يكون مؤخر أي لأحب أن يكون مثله منضمًا إليه لشدة حرصه (ولا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب والله يتوب على من تاب).

وقوله: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا من الأحاديث التي صرح فيها ابن عباس بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وهي قليلة بالنسبة لمرويه عنه فإنه أحد المكثرين ومع ذلك فتحمله كان أكثره عن كبار الصحابة.

(قال ابن عباس) بالسند السابق: (فلا أدري) ولا أعلم (أمن القرآن هو) أي الكلام الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (أم لا) أي أم لم يكن من القرآن بل هو

ص: 172

وَفِي رِوَايَةِ زُهَيرٍ قَال: فَلَا أَدْرِي أَمِنَ الْقُرْآنِ. لَمْ يَذْكُرِ ابْنَ عَبَّاسٍ.

(2300)

(1015) - (165) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَلِى بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: بَعَثَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ

ــ

من كلامه صلى الله عليه وسلم (وفي رواية زهير: قال) ابن عباس: (فلا أدري أمن القرآن) هو أم لا يعني (لم يذكر) زهير لفظة (ابن عباس).

هذا بيان لما وقع من المخالفة بين شيخيه وهذا الذي شك فيه ابن عباس غير الذي شك فيه أنس قاله الأبي وفي أحاديث الباب ذم الحرص والشره ومن ثم آثر أكثر السلف التقلل من الدنيا والقناعة باليسير والرضا بالكفاف.

وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري فقط أخرجه في الرقاق عن أبي عاصم.

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي موسى رضي الله عنهما فقال:

(2300)

(1015)(165)(حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني نسبة إلى الحديثة اسم بلدة على الفرات (حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي قاضي الموصل ثقة من (8)(عن داود) بن أبي هند دينار القشيري مولاهم أبي بكر المصري أو البصري ثقة من (5)(عن أبي حرب بن أبتي الأسود) الديلي البصري اسمه كنيته وقيل: محجن وقيل: عطاء وقيل: خليفة والأول هو الأصح روى عن؛ أبيه أبي الأسود الديلي في الزكاة وعمه وعبد الله بن عمرو بن العاص ويروي عنه (م د ت ق) وداود بن أبي هند وقتادة ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من قراء أهل البصرة وقال: كان معروفًا وله أحاديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (109) تسع ومائة.

(عن أبيه) أبي الأسود الدؤلي البصري ظالم بن عمرو بن سفيان واضع النحو ثقة فاضل مخضرم (قال) أبو الأسود: (بعث أبو موسى الأشعري) عبد الله بن قيس الكوفي.

وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد حدثاني وفيه رواية تابعي عن تابعي وولد عن والد.

ص: 173

إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. فَدَخَلَ عَلَيهِ ثَلاثُمائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَؤُوا الْقُرْآنَ. فَقَال: أنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ. فَاتْلُوهُ. وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيكُمُ الأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ. كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً. كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ. فَأُنْسِيتُهَا. غَيرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا: لَوْ كَانَ لابنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا. وَلَا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلا التُّرَابُ. وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةَ كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ. فَأُنْسِيتُهَا. غَيرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا:

ــ

(إلى قراء أهل البصرة) وكانوا فقهاء لأنهم كانوا يتفقهون في القرآن كما يدل عليه حديث أبي موسى (فدخل عليه) أي على أبي موسى (ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن) وحفظوه (فقال) لهم أبو موسى: (أنتم) أيها الحاضرون (خيار أهل البصرة) وفقهاؤهم (وقراؤهم فاتلوه) أي فاتلو القرآن ولازموا تلاوته (ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم) الأمد الغاية والمدة والقسوة غلظ القلب وفيه تلميح إلى قوله تعالى في سورة الحديد: {فَطَال عَلَيهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} اهـ نواوي.

أي ولا يعجبنكم طول مدة البقاء في الدنيا فتستطيبوا طولها فتطمعوا فيه فتقسو قلوبكم أي فتكون قلوبكم غليظة قاسية عن قبول الخير.

قال القرطبي: يعني به لا تستطيبوا طول مدة البقاء في الدنيا فإن ذلك مفسد للقلب بما يجره إليها من الحرص والقسوة حتى لا تلين لذكر الله ولا تنتفع بموعظة ولا زجر كما قال صلى الله عليه وسلم (إن أخوف ما أخاف على أمتي اتباع الهوى وطول الأمل فاتباع الهوى يصرف قلوبكم عن الحق وطول الأمل يصرف هممكم إلى الدنيا وما بعدهما لأحد خير من دنيا ولا آخرة) رواه ابن عدي في الكامل اهـ من المفهم.

(كما قست) وغلظت (قلوب من كان قبلكم) من الأمم بطول الأمد وأبت عن قبول كل خير إلا اتباع الهوى (وإنا) معاشر الصحابة (كنا نقرأ) في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (سورة كنا نشبهها في الطول والشدة) أي صعوبة كلماتها (ببراءة فأنسيتها غير أني) أي لكن أني (قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديًا ثالثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) قال الأبي: هذا هو الذي شك فيه ابن عباس (وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها) في القصر والسهولة (بإحدى المسبحات) هي من السور ما افتتح بسبحان وسبح ويسبح وسبح اسم ربك (فأنسيتها غير أني حفظت منها) أي لكن بقي في

ص: 174

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ. فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

ــ

حفظي منها (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب) مقالتكم تلك (شهادة في أعناقكم) أي شاهدة عليكم معلقة في أعناقكم (فتسألون عنها) عن عدم العمل بها (يوم القيامة) وقوله: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] هو استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله إما في الماضي فيكون كذبًا أو في المستقبل فيكون خلفًا وكلاهما مذموم وكما قال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] وأما ما في هذا الحديث فإنما يتناول أن يخبر عن نفسه بشيء فعله فيما مضى ويمتدح به فقط بدليل قوله صلى الله عليه وسلم (فتكتب شهادة في أعناقكم) اهـ من المفهم.

وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم. قال القرطبي: قوله: (فأنسيتها) هذا ضرب من النسخ فإن النسخ على ما نقله علماؤنا على ثلاثة أضرب أحدها نسخ الحكم وبقاء التلاوة كآية الحول في العدة والثاني نسخ التلاوة وبقاء الحكم كآية الرجم والثالث نسخ الحكم والتلاوة كآية ثلاث رضعات يحرمن وكرفع هاتين السورتين اللتين ذكرهما أبو موسى فإنهما رفع حكمهما وتلاوتهما وهاتان السورتان مما قد شاء الله تعالى أن ينسيه بعد أن أنزله لحكمة أرادها لأن الله تعالى فعال لما يريد قادر على ما يشاء إذ كل ذلك ممكن ولا يتوهم متوهم من هذا وشبهه أن القرآن قد ضاع منه شيء فإن ذلك باطل بدليل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد على أن القرآن الذي تعبدنا بتلاوته وبأحكامه هو ما ثبت بين دفتي المصحف من غير زيادة ولا نقصان كما قررناه في أصول الفقه اهـ من المفهم بتصرف.

وقال القرطبي أيضًا أحاديث هذا الباب كلها متواردة على الإخبار عما جبل الإنسان عليه من حب المال والحرص على البقاء في الدنيا وعلى أن ذينك ليسا بمحمودين بل مذمومان ويحقق الذم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (ويتوب الله على من تاب) وقد نص الله تعالى على ذم ذلك في قوله: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] وغيره مما في معناه وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) وقد تقدم أن القراء

ص: 175

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في الصدر الأول هم كانوا الفقهاء لأنهم كانوا يتفقهون في القرآن وحديث أبي موسى هذا يدل عليه اهـ منه أيضًا.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث:

الأول: حديث عمر رضي الله عنه ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات.

والثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة.

والثالث: حديث أنس ذكره استشهادًا لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعتين.

والرابع: حديث أنس الثاني ذكره أيضًا استشهادًا لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعتين.

والخامس: حديث ابن عباس ذكره استشهادًا لحديث أبي هريرة أيضًا.

والسادس: حديث أبي موسى الأشعري ذكره أيضًا استشهادًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنهما.

***

ص: 176