الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
570 - (10) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع وفضل الغرس والزرع
3839 -
(1486)(49) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ
ــ
570 -
(10) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع وفضل الغرس والزرع
3839 -
(1486)(49)(حدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) الشيباني أبو عبد الله المروزي، ثقة حجة إمام الأئمة في الحديث والفروع، من (10) مات سنة (241) وله (77) سنة (وزهير بن حرب واللفظ لزهير قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر) أي ساقى وزارع يهود خيبر على أشجارها وأراضيها التي بين الأشجار (بشطر) أي بنصف (ما يخرج) ويُستغل (منها) أي من أشجارها وأراضيها (من ثمر) إشارة إلى المساقاة (أو زرع) إشارة إلى المزارعة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2285]، وأبو داود [3008]، والترمذي في الأحكام [1383]، والنسائي في باب اختلاف الألفاظ المأثورة في المزارعة، وابن ماجه [2467].
وقوله: (عامل أهل خيبر) لأنه صلى الله عليه وسلم لما فتحها ملك نخلها وزرعها فصار الزرع من عند المالك فقام مقام البذر فكانت مساقاة ومزارعة والحاجة داعية إليهما لأن مالك الأشجار قد لا يحسن العمل فيها أو لا يتفرغ له، ومن يحسن ويتفرغ قد لا يكون له أشجار ولا أرض فيحتاج ذاك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل ولو اكتراه المالك لزمته الأجرة في الحال وقد لا يحصل له شيء من الثمار ويتهاون العامل في العمل، والمساقاة لغة مشتقة أي مأخوذة من السقي -بفتح السين وسكون القاف وتخفيف الياء-
3840 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ (وَهُوَ ابْنُ مُسْهِرٍ). أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيبَرَ
ــ
وإنما أخذت منه لاحتياجها إليها غالبًا لأنه أنفع أعمالها وأكثرها مؤونة لا سيما في الحجاز فإنهم يسقون من الآبار، وشرعًا: دفع الشخص نخلًا أو شجر عنب لمن يتعهده بسقي وتربيته على أن له قدرًا معلومًا من ثمره كالثلث والربع، وأركانها ستة مالك وعامل وعمل ومورد وثمر وصيغة كقول المالك ساقيتك على هذا النخل أو العنب أو أسلمته إليك لتتعهده بكذا من الثمر، وموردها شجر النخل والعنب خاصة عند الشافعية.
واعلم أن النخل والعنب يخالفان غيرهما من بقية الأشجار في أربعة أمور الزكاة والخرص وبيع العرايا والمساقاة، واختلفوا أيهما أفضل والراجح أن النخل أفضل لأنه مقدم في جميع القرآن عند ذكرهما، وشبه صلى الله عليه وسلم النخلة بالمؤمن في كونها تنفع بجميع أجزائها، وعين الدجال بحبة العنب لأنها أصل الخمر وهي أم الخبائث اهـ من البيجوري على الغزي، والحديث يدل على جواز المساقاة وبه قال مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وجميع فقهاء المحدثين وأهل الظاهر وجماهير العلماء، وقال أبو حنيفة: لا تجوز قاله النووي، قال الخطابي: وخالف أبا حنيفة صاحباه فقالا بقول الجماعة من أهل العلم وأوَّل أبو حنيفة هذه الأحاديث على أن خيبر فُتحت عنوة وكان أهلها عبيدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فما أخذه فهو له وما تركه فهو له، واحتج الجماهير بظواهر هذه الأحاديث وبقوله صلى الله عليه وسلم:"أقركم ما أقركم الله" وهذا صريح في أنهم لم يكونوا عبيدًا.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
3840 -
(00)(00)(وحدثني علي بن حجر السعدي) المروزي (حدثنا علي وهو ابن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8)(أخبرنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة علي بن مسهر ليحيى القطان (قال) ابن عمر:(أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر) أي
بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ. فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ كَلَّ سَنَةٍ مِائَةَ وَسْقٍ: ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ
ــ
أشجارها وأرضها لأهلها اليهود على أن يعملوا فيها (بشطر) أي بنصف (ما يخرج) ويستغل منها (من ثمر) فيه إشارة إلى المساقاة (أو زرع) فيه إشارة إلى المزارعة كما مر.
وقوله: (بشطر ما يخرج منها) فيه بيان الجزء المساقى عليه من نصف أو ربع أو غيرهما من الأجزاء المعلومة فلا تجوز على مجهول كقوله على أن لك بعض الثمر واتفق المجوزون للمساقاة على جوازها بما اتفق المتعاقدان عليه من قليل أو كثير.
وقوله: (من ثمر أو زرع) يحتج به الشافعي وموافقوه وهم الأكثرون على جواز المزارعة تبعًا للمساقاة وإن كانت المزارعة عندهم لا تجوز منفردة فتجوز تبعًا للمساقاة فيساقيه على النخل ويزارعه على الأرض كما جرى في خيبر، وقال مالك: لا تجوز المزارعة لا منفردة ولا تبعًا إلا ما كان من الأرض بين الشجر، وقال أبو حنيفة وزُفر: المساقاة والمزارعة فاسدتان سواء جمعهما أو فرّقهما ولو عقدتا فسختا، وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وسائر الكوفيين وفقهاء المحدثين وأحمد وابن خزيمة وأبو شريح وآخرون: تجوز المساقاة والمزارعة مجتمعين وتجوز كل واحدة منهما منفردة وهذا هو الظاهر المختار لحديث خيبر ولا يقبل دعوى كون المزارعة في خيبر إنما جازت تبعًا للمساقاة بل جازت مستقلة ولأن المعنى المجوز للمساقاة موجود في المزارعة قياسًا على القراض فإنه جائز بالإجماع وهو كالمزارعة في كل شيء ولأن المسلمين في جميع الأمصار والأعصار مستمرون على العمل بالمزارعة اهـ من النواوي.
(فكان) صلى الله عليه وسلم (يعطي أزواجه) يعني نفقة لهن (كل سنة مائة وسق) أي يقسمها بينهن لئلا تطالبه واحدة منهن تلك السنة وهذا والله أعلم كان بعد أن كان أزواجه طالبنه بالنفقة وأكثرن عليه، ويدل هذا على أن ادخار الإنسان ما يحتاج إليه ويعد للحاجات المتوقعة في الاستقبال ليس قادحًا في التوكل ولا منقصًا منه (ثمانين وسقًا من تمر وعشرين وسقًا من شعير) وقد استدل بهذا من قال إن أكثر أراضي خيبر كانت عند اليهود مساقاة وبعضها مزارعة لأن نصيب أزواجه صلى الله عليه وسلم كان من التمر ثمانين وسقًا ومن الشعير عشرين وسقًا والشعير يكون في الزروع فظهر أن المزارع في خيبر كانت أقل من النخيل، وفيه نظر لأنه يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم يؤثر
فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ قَسَمَ خَيبَرَ. خَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ الأَرْضَ وَالْمَاءَ، أَوْ يَضْمَنَ لَهُنَّ الأَوْسَاقَ كُلَّ عَامٍ. فَاخْتَلَفْنَ. فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَرْضَ وَالْمَاءَ. وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَوْسَاقَ كُلَّ عَامٍ. فَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ مِمَّنِ اخْتَارَتَا الأَرْضَ وَالْمَاءَ
ــ
بالشعير غير الأزواج فلا دلالة في الحديث على كون الزرع أقل (فلما ولي عمر) بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة (قسم خيبر) أي قسم سهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان له بخيبر الذي كان وقفه النبي صلى الله عليه وسلم لمؤونة عياله وعامله أي قسم عمر بعد إجلائه اليهود منها، وإنما أجلى عمر رضي الله عنه اليهود والنصارى من الحجاز لأنهم لم يكن لهم عهد من النبي صلى الله عليه وسلم على بقائهم بالحجاز دائمًا بل ذلك كان موقوفًا على مشيثته ولما عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند موته بإخراجهم من جزيرة العرب وانتهت النوبة إلى عمر أخرجهم من الحجاز إلى تيماء وأريحاء على ما يأتي إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم.
يعني أن عمر لما تولى الخلافة أجلى اليهود من خيبر وتولى قسم أراضيها على المسلمين (خيَّر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في سهمه الذي وقفه على مؤونة عياله وعامله بين (أن يقطع لهن) أي لكل منهن (الأرض والماء أو يضمن) أي وبين أن يضمن (لهن) ويعطيهن (الأوساق) المائة آخر (كل عام فاختلفن فمنهن من اختار الأرض والماء ومنهن من اختار الأوساق كل عام فكانت عائشة وحفصة ممن اختارتا الأرض والماء) قال القرطبي: إنما خيَّر عمر رضي الله عنه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بين إقطاع الأرض وبين ضمان الأوساق مبالغة في صيانتهن وكفايتهن التبذل في تحصيل ذلك فسلك معهن ما يطيب قلوبهن ويصونهن، ولم يكن هذا الإقطاع لمن اختاره منهن إقطاع تمليك لأنه لو كان ذلك منه لكان تغييرًا لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال عمر لعلي والعباس: لا أغيّر من أمرها شيئًا إني أخاف إن غيّرت من أمرها شيئًا أن أزيغ. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تركت بعد نفقة عيالي ومؤونة عاملي فهو صدقة" رواه أحمد والبخاري ووقف الأرض لذلك وإنما كان إقطاع استغلال وذلك أنه قسم عدد الأوساق المائة على عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فمن اختارت الأوساق ضمنها لها ومن اختارت النخل أقطعها قدر ذلك لتتصرف فيها تصرف المستغل لا تصرف المالك والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم.
3841 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ. حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيبَرَ بِشَطْرِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ مِمَّنِ اخْتَارَتَا الأَرْضَ وَالْمَاءَ. وَقَال: خَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ الأَرْضَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَاءَ.
3842 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ اللَّيثِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
3841 -
(00)(00)(وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (حدثني نافع عن عبد الله بن عمر) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لعلي بن مسهر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر) على أرضها وشجرها (بشطر) أي بنصف (ما خرج منها) أي من بياضها (من زرع أو) من أشجارها من (ثمر) أي رطب وعنب (واقتص) أي ذكر عبد الله بن نمير (الحديث) السابق (بنحو حديث علي بن مسهر) أي بقريبه في اللفظ، والمعنى (و) لكن (لم يدكر) عبد الله بن نمير لفظة (فكانت عائشة وحفصة ممن اختارتا الأرض والماء وقال) عبد الله بن نمير في روايته:(خيّر) عمر (أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن الأرض) أي أن يجعل غلتها لهن رزقًا (ولم يذكر) ابن نمير لفظة (الماء) مع الأرض وهذا الحديث مع سنده ساقط من نسخة التكملة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
3842 -
(00)(00)(وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني أسامة بن زيد الليثي) المدني، صدوق، من (7)(عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أسامة بن زيد لعبيد الله بن عمر أو بيان متابعة ابن وهب لابن نمير وابن
قَال: لَمَّا افْتُتِحَتْ خَيبَرُ سَأَلَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ فِيهَا. عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ. فَقَال لهم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا" ،
ــ
مسهر كما هو مقتضى كلامه فيما سيأتي فتكون المتابعة ناقصة والأول أوفق لاصطلاحاته.
(قال) ابن عمر (لما افتتحت) وأُخذت (خيبر) من يد اليهود عنوة (سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم) أي أن يتركهم (فيها) أي في خيبر (على أن يعملوا) في أرضها وأشجارها (على نصف) أي على شرط أن يكون لهم نصف (ما خرج منها من الثمر والزرع) فأخرج أبو داود في المساقاة عن ابن عباس قال: (افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر واشترط أن له الأرض وكل صفراء وبيضاء، وقال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض فأعطناها على أن لكم نصف الثمرة ولنا نصف) وأخرج أبو داود في الخراج والفيء والإمارة عن بشير بن يسار (فلما صارت الأموال بيد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لم يكن لهم عمال يكفونهم عملها فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود فعاملهم) فدلت هذه الروايات على أن الأرض دُفعت إلى اليهود مساقاة لكون المسلمين لا يقدرون على زرعها بأنفسهم ولكون اليهود أعلم بتلك الأرض وما يُحتاج إليه في زرعها (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقركم) أيها اليهود أي نمكنكم من القرار والثبات (فيها) أي في خيبر (على ذلك) أي على شرط أن تعملوا في أشجارها وأراضيها بنصف ما يخرج منها (ما شئنا) أي مدة قراركم فيها فإذا شئنا إخراجكم منها نخرجكم، والمراد أننا نمكنكم من المقام في خيبر ما شئنا ثم نخرجكم متى قدر الله إخراجكم وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان عازمًا على إخراج الكفار من جزيرة العرب، ثم قد استدل بعض أهل الظاهر بهذا الحديث على أن المساقاة جائزة إلى أجل مجهول، والجمهور ومنهم الأحناف على أنها لا تجوز إلا إلى مدة معلومة وأجابوا عن هذا الحديث بأن العقد بخيبر لم يكن مجهولًا أجله بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم مدة، وحاصل قوله: أقركم فيها على ذلك ما شئنا أننا بالخيار بعد انقضاء هذه المدة فإن شئنا حددنا العقد لمدة أخرى وإن شئنا أخرجناكم عن الأرض فكان العقد يجدد كل سنة إلى أن أجلاهم عمر رضي الله عنه. هذا خلاصة ما ذكره النووي في آخر كلامه.
ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ وَابْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ. وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ الثَّمَرُ يُقْسَمُ عَلَى السُّهْمَانِ مِنْ نِصْفِ خَيبَرَ. فَيَأْخُذُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْخُمُسَ.
3843 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،
ــ
(ثم ساق) أي ذكر عبد الله بن وهب (الحديث) السابق (بنحو) أي بقريب (حديث ابن نمير وابن مسهر عن عبيد الله) بن عمر (و) لكن (زاد) عبد الله بن وهب (فيه) أي في هذا الحديث لفظة (وكان الثمر) أي ثمار خيبر وحبوبها (يقسم على السهمان) جمع السهم بمعنى النصيب أي يقسم على عدد أنصباء الغانمين (من نصف) ثمار (خيبر) لأن النصف الآخر لليهود يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم يقسم النصف الذي كان للمسلمين على خمسة أجزاء فيقسم أربعة أجزائها على الغانمين (فيأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخُمس) من هذا النصف لبيت المال لمال المصالح والمراد أن أراضي خيبر كانت قد قُسمت على الغانمين حسب سهمانهم وصار لكل واحد منهم سهم معلوم وكانت المعاملة مع أهل خيبر برضى منهم فلما كان نصف ثمر خيبر يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسمها على أصحاب السهام ويأخذ منها الخمس لبيت المال كما هو حكم كل غنيمة اهـ من التكملة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
3843 -
(00)(00)(وحدثنا) محمد (بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن محمد بن عبد الرحمن) بن غنج -بفتح المعجمة والنون بعدها جيم- المدني نزيل مصر، روى عن نافع في البيوع، ويروي عنه (م د س) والليث، قال أبو داود: روى عنه الليث فقط نحو ستين حديثًا، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال أحمد: شيخ مقارب الحديث، وقال في التقريب: مقبول، من السابعة (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن عبد الرحمن لعبيد الله بن عمر وأسامة بن زيد، وفائدتها بيان كثرة طرقه
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيبَرَ نَخْلَ خَيبَرَ وَأَرْضَهَا. عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَطْرُ ثَمَرِهَا.
3844 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ). قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛
ــ
(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دفع) وسلّم (إلى يهود خببر نخل خيبر) أي أشجارها (وأرضها) أي بياضها (على) شرط (أن يعتملوها) أي على شرط أن يعملوا في خيبر في أشجارها وأراضيها وبناء افتعل هنا لمبالغة معنى الثلاثي (من) خالص (أموالهم) ظاهره أن البذر والبقر والعمل كلها كان من قبل اليهود والأرض وحدها من قبل المسلمين، فدل الحديث على جواز هذه الصورة من المزارعة عند من يمنعها، والمعنى أعطى نخلها وأرضها إليهم بعدما ملك خيبر قهرًا حيث فتحها عنوة على أن يسعوا فيها بما فيه عمارة أرضها وإصلاحها ويستعملوا آلات العمل من أموالهم أي من عندهم فإن نسبة الأموال إليهم كما قال في المرقاة مجازية لأنهم صاروا عبيدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها) أي نصف ثمرها وزرعها كما جاء التصريح به في رواية، قال ملا علي: المراد من الثمر ما يعم الزرع ولذا اكتفى به أو ترك ما يقابله للمقايسة اهـ.
قال النووي: وهذا بيان لوظيفة عامل المساقاة وهو أن عليه كل ما يحتاج إليه في إصلاح الثمر واستزادته مما يتكرر كل سنة كالسقي وتنقية الأنهار وإصلاح منابت الشجر وتلقيحه وتنحية الحشيش والقضبان عنه وحفظ الثمرة وجذاذها ونحو ذلك، وأما ما يقصد به حفظ الأصل ولا يتكرر كل سنة كبناء الحيطان وحفر الأنهار فعلى المالك اهـ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثه فقال:
3844 -
(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري (وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري (واللفظ) الآتي (لابن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا ابن جريج حدثني موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5)(عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ. وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا. وَكَانَتِ الأَرْضُ، حِينَ ظُهِرَ عَلَيهَا، لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ. فَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا. فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا. عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا. وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ. فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى
ــ
سداسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لمن روى عن نافع (أن عمر بن الخطاب أجْلَى اليهود والنصارى) أي أخرجهم (من أرض الحجاز وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر) وغلب (على خيبر) فالظهور هنا بمعنى الغلبة لتعديته بعلى والفعل مبني للفاعل وضمير الفاعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أراد إخراج اليهود منها) أي من خيبر وعزم عليه (وكانت الأرض) أي أرض خيبر (حين ظهر) بالبناء للمفعول أي حين غُلب (عليها) يعني غلب عليها المسلمون مملوكة (لله ولرسوله وللمسلمين) وهذا صريح في أن الأرض لم تبق مملوكة لليهود بعدما غلب عليها المسلمون بل قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين الغانمين فأصبحت مملوكة لهم، والمراد من كونها مملوكة لله ولرسوله أن بعض أسهمها صارت إلى بيت المال.
وتفصيله ما أخرجه أبو داود في كتاب الخراج والفيء من سننه عن بشير بن يسار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفاء الله عليه خيبر قسمها ستة وثلاثين سهمًا جمعًا فعزل للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهمًا يجمع كل سهم مائة النبي صلى الله عليه وسلم معهم له سهم كسهم أحدهم وعزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهمًا وهو الشطر لنوائبه وما ينزل به من أمر المسلمين وسيأتي وجه ذلك في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى (فأراد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إخراج اليهود) وإجلاءهم (منها) أي من خيبر (فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم) أي يسكنهم ويتركهم (بها) أي بخيبر (على) شرط (أن يكفوا) المسلمين (عملها) أي العمل في أشجارها وأرضها (ولهم نصف الثمر) والزرع، وقوله: يكفوا -بفتح الياء وسكون الكاف وتخفيف الفاء المضمومة- من كفى يكفي من باب رمى يرمي يقال: كفاه المؤونة إذا تولاها بنفسه وأغنى غيره عنها وهو يتعدى إلى مفعولين وقد حُذف هنا أحدهما تقديره على أن يكفوا المسلمين عملها يعني يغنوهم عنه ويقوموا به (فقال لهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ، مَا شِئْنَا" فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيمَاءَ وَأَرِيحَاءَ
ــ
الله عليه وسلم: نقركم) ونترككم (بها) أي بخيبر (على) شرط (ذلك) أي على شرط أن تكفوا لنا عملها (ما شئنا) أي مدة مشيئتنا إقراركم بها (فقروا) بفتح القاف أي استقروا (بها) أي بخيبر ومكثوا فيها زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلافة الصديق وصدرًا من خلافة الفاروق (حتى أجلاهم) وأخرجهم (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه في آخر خلافته منها (إلى تيماء) بفتح التاء وسكون الياء وبالمد (و) إلى (أريحاء) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون الياء وبالمد، قال النووي: وتيماء بلدة معروفة بين الشام والمدينة على سبع أو ثمان مراحل من المدينة، وأريحاء هي مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردن بالشام بينها وبين بيت المقدس يوم للفارس في جبال صعبة المسالك اهـ، وقال الحافظ: هما موضعان مشهوران بقرب بلاد طيء على البحر في أول طريق الشام من المدينة (قلت): وأما تيماء فقد ذكر الحموي في معجم البلدان [2/ 67] أنها بين الشام ووادي القرى على طريق حاج الشام ودمشق وذكر أيضًا أنها تسمى تيماء اليهودي لأن حصن السموءل بن عاديا اليهودي مشرف عليها، وأما أريحاء فقد ذكرها الحموي في معجمه [1/ 165] بالقصر وقال: وقد رواه بعضهم بالخاء المعجمة لغة عبرانية وهي مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردن بالشام بينها وبين بيت المقدس يوم للفارس في جبال صعبة المسالك سميت فيما قيل بأريحا بن مالك بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام.
وقال النووي: وفي هذا دليل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب إخراجها من بعضها وهو الحجاز خاصة لأن تيماء من جزيرة العرب لكنها ليست من الحجاز، وذكر العيني في العمدة [5/ 735] عن الواقدي: أن الحجاز من المدينة إلى تبوك ومن المدينة إلى طريق كوفة ومن وراء ذلك إلى مشارف أرض البصرة فهو نجد وما بين العراق وبين وجرة وعمرة الطائف نجد وما كان من وراء وجرة إلى البحر فهو تهامة وما كان بين تهامة ونجد فهو حجاز وإنما سُمي حجازًا لأنه يحجز بين تهامة ونجد اهـ.
قوله: (حتى أجلاهم عمر) رضي الله عنه والذي يظهر من روايات هذا الحديث أن عمر أجلاهم لمجموعة ثلاثة أسباب آتية: الأول: ما أخرجه عمر بن شبة من طريق
3845 -
(1487)(50) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ. وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ
ــ
عثمان بن محمد الأخنسي قال: لما كثر العيال أي الخدم في أيدي المسلمين وقووا على العمل في الأرض أجلاهم عمر حكاه الحافظ في الفتح [5/ 240]. والثاني: ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: ما زال عمر حتى وجد الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يجتمع بجزيرة العرب دينان" فقال: من كان له من أهل الكتابين عهد فليأت به أنفذه له وإلا فإني مجليكم، فأجلاهم. ذكره الحافظ. والثالث: أنه كان عبد الله بن عمر في زمن عمر ذهب إلى خيبر للنظر في ماله فغشه اليهود وألقوه من فوق بيت ففدعوا يديه -يعني أزالوهما من مفصلهما- كما رواه حماد بن سلمة عند أبي يعلى في مسنده وحكاه الحافظ في الفتح.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال:
3845 -
(1487)(50)(حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبد الملك) بن أبي سليمان ميسرة الفزاري الكوفي، صدوق، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم المكي، ثقة، من (3) (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون. وواحد مدني وواحد مكي (قال) جابر:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم) ومسلمة لأن النساء شقائق الرجال خرج به الكافر لأنه لا يثاب على ذلك في الآخرة وجملة قوله: (يغرس) بكسر الراء من باب ضرب صفة لمسلم (غرسًا) أي شجرًا فهو مصدر أُريد به اسم المفعول ويُطلق عليه أيضًا غراس بالكسر (إلا كان ما أكل) بالبناء للمفعول وكذا فيما بعده (منه) أي من ذلك المغروس ثمرًا أو ورقًا (له صدقة) يعني يحصل للغارس ثواب تصدق المأكول إن لم يضمنه الآكل (وما سُرق منه) أي مما غرسه (له صدقة) يعني يحصل له مثل ثواب تصدق المسروق وليس المعنى أن يكون المأخوذ ملكًا للآخذ كما لو تصدق به عليه اهـ من المبارق (وما أكل السبع منه)
فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ. وَمَا أَكَلَتِ الطَّيرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةً. وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ"
ــ
أي مما غرسه كالقرد والكركدن والنسناس (فهو له صدقة) أي يحصل له ثواب تصدق ذلك المأكول (وما أكلت الطير) منه كالعصفور والزاغ وغراب الزرع والحمامة (فهو له صدقة ولا يرزؤه) أي لا ينقص ذلك المغروس (أحد) من المخلوق إنسانًا كان أو سبعًا أو طيرًا بالأكل منه أو بالأخذ أو بالإتلاف (إلا كان له صدقة) فيثاب ثواب التصدق به، قال النووي: وفي هذه الأحاديث أن الثواب والأجر في الآخرة مختص بالمسلمين وأن الإنسان يثاب على ما سُرق من ماله أو أتلفته دابة أو طائر أو نحوهما اهـ.
وقوله: (ولا يرزؤه) أصل الرزء النقص، ويقال رزئ الرجل ماله إذا انتقص ماله ويقال: ما رزأته زبالًا أي ما نقصته والزبال بكسر أوله ما تحمله النملة في فيها اهـ مفهم. ولعل المراد هاهنا نقصان الثمر بآفة أو نحوها لأن السرقة قد ذكرت قبل أو هو تعميم بعد تخصيص، وفي الحديث دليل على أن الرجل كلما أصيب في ماله كان ماجورًا عليه. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن أخرجه الدارمي في مسنده في البيوع، وأحمد في مسنده في مسند جابر.
قال القرطبي: إنما خص المسلم بالذكر لأنه ينوي عند الغرس غالبًا أن يتقوى بثمر ذلك الغرس المسلمون على عبادة الله تعالى ولأن المسلم هو الذي يحصل له ثواب وأما الكافر فلا يحصل له بما يفعله من الخيرات ثواب وغايته أن يُخفف العذاب عنه وقد يُطعم في الدنيا ويُعطى بذلك كما تقدم في كتاب الإيمان ويعني بـ (الصدقة) هنا ثواب صدقة مضاعفًا كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261] وفي الحديث دليل على أن الغراس واتخاذ الضياع مباح وغير قادح في الزهد وقد فعله كثير من الصحابة، وقد ذهب قوم من المتزهدة إلى أن ذلك مكروه وقادح ولعلهم تمسكوا في ذلك بما قد أخرجه الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا" في رقم (2328) من حديث ابن مسعود وقال فيه: حديث حسن. والجواب عنه أن هذا النهي محمول على الاستكثار من الضياع والانصراف إليها بالقلب الذي يُفضي بصاحبه إلى الركون إلى الدنيا فأما إذا اتخذها غير مستكثر منها ومقللًا فيها وكانت له كفافًا وعفافًا فهي مباحة غير قادحة في الزهد وسبيلها كسبيل المال الذي استثناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إلا
3846 -
(00)(00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الأَنْصَارِيَّةِ فِي نَخْلٍ لَهَا
ــ
من أخذه بحقه ووضعه في حقه" فأما لو غرس واتخذ الضيعة ناويًا بذلك معونة المسلمين وثواب ما يؤكل ويتلف له منها ويفعل بذلك معروفًا فذلك من أفضل الأعمال وأكرم الأحوال ولا بعد في أن يقال إن أجر ذلك يعود إليه أبدًا دائمًا وإن مات وانتقلت إلى غيره ولولا الإكثار لذكرنا فيمن اتخذ الضياع من الفضلاء والصحابة جملة من صحيح الأخبار اهـ من المفهم.
ومما يدل على فضيلة الغرس والزرع ما أخرجه البزار في مسنده برجال ثقات عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة -أي نخلة صغيرة- فليغرسها" ذكره الهيثمي في كشف الأستار [2/ 81 رقم 1251]، ومجمع الزوائد [4/ 63] في كتاب البيوع باب الحث على طلب الرزق.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3846 -
(00)(00)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير لعطاء بن أبي رباح (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم مبشر الأنصارية في نخل لها) هكذا هو في أكثر النسخ (دخل على أم مبشر) وهذا أصح الروايات الواقعة في صحيح مسلم وقد روي فيه (دخل على أم معبد أو أم مبشر) على الشك، وقد روي عن امرأة زيد بن حارثة ويقال فيها أيضًا أم بشير فتحصل أنها يقال لها أم مبشر وأم معبد وأم بشير وهي امرأة زيد بن حارثة أسلمت وبايعت، قال أبو علي الجياني: إن الصواب أم مبشر قال: وكذا في ديوان الليث بن سعد قال لي أبو عمر أم مبشر الأنصارية بنت البراء بن معرور زوج زيد بن حارثة قال: واسمها فيما قيل: خليدة ولم يصح اهـ من المفهم. لها أحاديث انفرد لها (م) بحديثين روت عن النبي صلى الله عليه وسم وعن حفصة بنت عمر على خلاف في ذلك ويروي عنها (م س ق) وجابر بن عبد الله في البيوع والفضائل ومجاهد بن جبر.
فَقَال لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ" فَقَالتْ: بَلْ مُسْلِمٌ. فَقَال: "لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ".
3847 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ. قَالا: حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
ــ
(فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم مستفهمًا عمن غرسه (من غرس هذا النخل! ) غرسه (مسلم أم) غرسه (كافر؟ فقالت) له صلى الله عليه وسلم: (بل) غرسه (مسلم) يا رسول الله (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغرس مسلم غرسًا ولا يزرع زرعًا فيأكل منه) أي من ثمار ذلك المغروس أو حبوب ذلك المزروع، وقوله:(فيأكل منه) بالنصب فيه، وفيما سيأتي بأن المضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النفي مثل قوله تعالى:{لَا يُقْضَى عَلَيهِمْ فَيَمُوتُوا} بخلافه في رواية أنس الآتية فإنه فيها بالرفع اهـ من بعض الهوامش، أي فيأكل منه (إنسان ولا دابة) كالفرس والبغل والحمير (أو شيء) آخر كالمواشي والأنعام (إلا كانت له) أي كتبت له (صدقة) أي ثواب صدقة بذلك المأكول منه أي ثواب التصدق به وإن لم ينو بها، قوله:(ولا يزرع زرعًا) قال الحافظ: فيه جواز نسبة الزرع إلى الآدمي وقد ورد في المنع منه حديث غير قوي أخرجه ابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة مرفوعًا "لا يقل أحدكم زرعت ولكن ليقل حرثت ألم تسمع لقول الله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)} " ورجاله ثقات إلا أن مسلم بن أبي مسلم الجرمي قال فيه ابن حبان: ربما أخطأ، وروى عبد بن حميد من طريق أبي عبد الرحمن السلمي بمثله من قوله غير مرفوع اهـ من الفتح أول المزارعة [5/ 3].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3847 -
(00)(00)(وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (و) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) محمد مولى ابن سليم السلمي البغدادي (قالا: حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لليث بن سعد
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَغْرِسُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلَا زَرْعًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ سَبُعٌ أَوْ طَائِرٌ أَوْ شَيْءٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ". وَقَال ابْنُ أَبِي خَلَفٍ: طَائِرٌ شَيْءٌ.
3849 -
(00)(00) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، عَلَى أُمِّ مَعْبَدٍ، حَائِطًا
ــ
(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يغرس رجل مسلم غرسًا ولا) يزرع (زرعًا فيأكل) بالنصب كسابقه كما أشرنا إليه هناك (منه) أي من ذلك المغروس والمزروع (سبع أو طائر أو شيء) آخر كالمواشي والسارق والغاصب مثلًا (إلا كان له) أي للغارس أو الزارع وإن مات أو انتقل عنه ملكه (فيه) أي في ذلك المأكول (أجر) وثواب في الآخرة (وقال ابن أبي خلف) في روايته (طائر) أو (شيء) آخر بحذف العاطف لعلمه من سابقه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3849 -
(00)(00)(حدثنا أحمد بن سعيد بن إبراهيم) الرباطي المروزي ثم النيسابوري أبو عبد الله الأشقر، روى عن روح بن عبادة في البيوع، ووكيع وعبد الرزاق ووهب بن جرير وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن خزيمة والسرّاج وغيرهم، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة (246) ست وأربعين ومائتين (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا زكرياء بن إسحاق) المكي، من (6) روى عنه في (6) أبواب (أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي المكي، ثقة ثبت، من (4) قال أبو مسعود الدمشقي: هكذا وقع في نسخ مسلم في هذا الحديث عمرو بن دينار أنه سمع من جابر بن عبد الله والمعروف فيه أبو الزبير عن جابر اهـ نووي (أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم معبد حائطًا) أي بستانًا لها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لأبي الزبير وقد ورد في بعض الروايات على أم مبشر أو أم معبد على الشك، ووقع الجزم في بعضها على أم مبشر، وفي بعضها على أم معبد وفي بعضها امرأة زيد بن حارثة وهي واحدة ولها كنيتان وقيل: اسمها خليدة مصغرًا كما في فتح الباري ورد النووي كون اسمها خليدة والله أعلم.
فَقَال: "يَا أُمَّ مَعْبَدٍ مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ" فَقَالتْ: بَلْ مُسْلِمٌ. قَال: "فَلَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا طَيرٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
3850 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ. كُلُّ هَؤُلاءِ
ــ
(فقال) لها: (يا أم معبد من غرس هذا النخل أمسلم أم كافر؟ فقالت: بل مسلم) غرسه، استنبط منه الحافظ في الفتح أن الأجر يحصل لمن تعاطى الغرس أو الزرع ولو كان بعد ذلك باعه أو نقل ملكه إلى غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف أن الحائط مملوك لأم مبشر ولكنه سأل من غارس النخل؟ ولم يبشرها بالثواب والله أعلم اهـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لها:(فلا يغرس المسلم غرسًا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له) ذلك المأكول (صدقة إلى يوم القيامة) هذا يدل على أن أجر الغرس يستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولًا منه ولو مات زارعه أو غارسه ولو انتقل ملكه إلى غيره.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3850 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، فقيه، من (8) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن أبي معاوية) محمد بن خازم (ح وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور البغدادي (الناقد حدثنا عمار بن محمد) الثوري، أبو اليقظان الكوفي ابن أخت سفيان الثوري روى عن الأعمش في البيوع، ومنصور وليث، ويروي عنه (م ت ق) وعمرو بن محمد الناقد وأبو أحمد وأبو كريب، وثقه علي بن حجر وابن معين وأبو معمر، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من الثامنة، وكان عابدًا، مات سنة (182) اثنتين وثمانين ومائة (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي (كل هولاء) الأربعة المذكورين قبل حاء التحويل من حفص بن غياث
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. زَادَ عَمْرٌو فِي رِوَايَتِهِ، عَنْ عَمَّارٍ، وَأَبُو كُرَيبٍ فِي رِوَايَتِهِ، عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. فَقَالا: عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ. وَفي رِوَايَةِ ابْنِ فُضَيلٍ: عَنِ امْرَأَةِ زَيدِ بْنِ حَارِثَةَ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ، قَال: رُبَّمَا قَال: عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْ. وَكُلُّهُمْ قَالُوا: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِنَحْو حَدِيثِ عَطَاءٍ وَأَبِي الزُّبَيرِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
3851 -
(1488)(51) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ
ــ
وأبي معاوية وعمار بن محمد وابن فضيل رووا (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي سفيان لأبي الزبير وعمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح ولكن (زاد عمرو) بن محمد الناقد (في روايته عن عمار) بن محمد (و) زاد (أبو كربب في روايته عن أبي معاوية فقالا): أي فقال عمرو وأبو كريب: (عن أم مبشر) أي قالا عن جابر عن أم مبشر فزادا لفظة عن أم مبشر (وفي رواية) محمد (بن فضيل) عن جابر (عن امرأة زيد بن حارثة وفي رواية إسحاق) بن إبراهيم (عن أبي معاوية قال) إسحاق: (ربما قال) أبو معاوية عن جابر (عن أم مبشر عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما لم يقل) أبو معاوية لفظة عن أم مبشر (وكلهم) أي كل هؤلاء المذكورين (قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق أبو سفيان (بنحو حديث عطاء وأبي الزبير وعمرو بن دينار) وقوله: (فقالا عن أم مبشر) الخ حاصل هذا الكلام أن بعض الرواة رووا هذا الحديث عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم رووه عن جابر عن أم مبشر عن النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا الحديث من مسندات أم مبشر ثم اختلفت الطائفة الثانية فسماها بعضهم أم مبشر وسماها آخرون امرأة زيد بن حارثة ولا بُعد في أن يكون جابر سمع الحديث بواسطة أم مبشر أولًا ثم سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، وروى بكلا الطريقين والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال:
3851 -
(1488)(51)(حدثني يحيى بن يحيى) التميمي (وقتيبة بن سعيد) البلخي
وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى)(قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ"
ــ
(ومحمد بن عبيد) مصغرًا ابن حساب -بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة آخره موحدة- (الغبري) -بضم المعجمة وتخفيف الموحدة المفتوحة- نسبة إلى غبر بن غَنم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (واللفظ) الآتي (ليحيى) بن يحيى (قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم) ما مهملة لاقترانها بمن الزائدة، ومسلم مبتدأ، وجملة قوله:(يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا) صفة لمسلم فأوفيه للتنويع لأن الزرع غير الغرس (فيأكل) بالرفع معطوف على يغرس أو يزرع ولكنه صفة سببية (منه) أي من ذلك الغراس والزرع (طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له) أي لذلك المسلم (به) أي بذلك الزرع أو الغراس المأكول (صدقة) بالرفع اسم كان كتبت له به ثواب صدقة، والاستثناء مفرغ، وجملة كان خبر المبتدأ ولكنه خبر سببي والتقدير ما مسلم غارس غرسًا أو زارع زرعًا فأكل منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمة إلا مكتوب له به ثواب صدقة، والمراد بالمسلم الجنس فتدخل المرأة المسلمة كما مر، والتعبير بالمسلم يخرج الكافر فيختص الثواب في الآخرة بالمسلم دون الكافر لأن القرب إنما تصح من المسلم فإن تصدق الكافر أو فعل شيئًا من وجوه البر لم يكن له أجر في الآخرة، نعم ما أكل من زرع الكافر يثاب عليه في الدنيا كما ثبت دليله، وأما من قال: يخفف عنه بذلك من عذاب الآخرة فيحتاج إلى دليل اهـ قسط.
قال الطيبي: نكر مسلمًا وأوقعه في سياق النفي وزاد من الاستغراقية وعم الحيوان ليدل على سبيل الكناية على أن أي مسلم كان حرًّا أو عبدًا مطيعًا أو عاصيًا يعمل أي عمل من المباح ينتفع بما عمله أي حيوان كان يرجع نفعه إليه ويثاب عليه اهـ من الفتح [5/ 3].
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع كثيرة منها في
3852 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ نَخْلًا لأُمِّ مُبَشِّرٍ، امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ " قَالُوا: مُسْلِمٌ بِنَحْو حَدِيثِهِمْ
ــ
المزارعة باب فضل الزرع والغرس، وأخرجه الترمذي في الأحكام باب ما جاء في فضل الغرس، وأخرجه أحمد في مسند أنس رضي الله عنه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
3852 -
(00)(00)(وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي نسبة إلى فراهيد بطن من الأزد مولاهم أبو عمرو البصري، روى عن أبان بن يزيد في البيوع، ووهيب في الطب، ويروي عنه (ع) وعبد بن حميد وأحمد بن خداش وعبد الله بن عبد الرحمن وحجاج بن الشاعر والدارمي وخلق، قال ابن معين: ثقة مأمون، وقال العجلي: كان ثقة عمي بآخره، وقال أبو حاتم: ثقة صدوق، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة مأمون، مكثر من صغار التاسعة، وهو أكبر شيخ لأبي داود، قال عبيد الله بن جرير بن جبلة: توفي مسلم بن إبراهيم يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة (222) اثنتين وعشرين ومائتين (حدثنا أبان بن يزيد) العطار أبو يزيد البصري، ثقة، من (7) مات سنة (160) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا قتادة) بن دعامة (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبان بن يزيد لأبي عوانة. وهذا الذي قلناه هو الموافق لعاداته لأن أغلب المتابعات في كتابه التامة بخلاف ما سيأتي في كلامه فإن المتابعة عليه ناقصة (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلًا لأم مبشر امرأة من الأنصار فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم مستفهمًا عمن غرس نخلها (من غرس هذا النخل! ) غرسه (مسلم أم) غرسه (كافر؟ قالوا): أي قالت أم مبشر ومن معها غرسه (مسلم) وساق عبد بن حميد (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد ومحمد بن عبيد، غرضه بيان متابعة عبد بن حميد لهؤلاء الثلاثة ولو قال (بنحو حديثه) بإفراد الضمير لكان أوضح وأوفق لاصطلاحاته لتكون المتابعة تامة كما قررناه آنفًا ولعل الإتيان بضمير الجمع تحريف من النساخ والله أعلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثالث: حديث أنس ذكره للاستشهاد به لحديث جابر وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم.
***