المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌574 - (14) باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وتحريم اقتنائها إلا لحاجة وإباحة أجرة الحجامة - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٧

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب: البيوع

- ‌561 - (1) باب النهي عن الملامسة والمنابذة وبيع الحصاة والغرر وبيع حبل الحبلة

- ‌562 - (2) باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه وتحريم تلقي الركبان والنجش والتصرية

- ‌563 - (3) باب النهي عن تلقي الجلب وبيع حاضر لباد وبيان أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌564 - (4) باب بطلان بيع المبيع قبل القبض وتحريم بيع الصبرة المجهولة القدر بتمر معلوم

- ‌565 - (5) باب الخيار للمتبايعين والصدق في البيع وترك الخديعة والنهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها

- ‌566 - (6) باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا ومن باع نخلًا عليها ثمر أو عبدًا له مال

- ‌567 - (7) باب النهي عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها وعن المعاومة

- ‌568 - (8) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌569 - (9) باب كراء الأرض بالطعام المسمى أو بالذهب والفضة والنهي عن المزارعة والأمر بالمنيحة بها

- ‌570 - (10) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع وفضل الغرس والزرع

- ‌571 - (11) باب وضع الجوائح وقسم مال المفلس والحث على وضع بعض الدين

- ‌572 - (12) باب من أدرك ماله عند مفلس وفضل إنظار المعسر والتجاوز عنه والحوالة

- ‌573 - (13) باب النهي عن بيع فضل الماء وعن ضراب الفحل والنهي عن ثمن الكلب ونحوه

- ‌574 - (14) باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وتحريم اقتنائها إلَّا لحاجة وإباحة أجرة الحجامة

- ‌575 - (15) باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام

- ‌576 - (16) أبواب الربا والصرف وتحريم التفاضل والنساء في بيع النقود

- ‌فصل في بيان اختلاف الفقهاء في علة ربا الفضل

- ‌577 - (17) باب النهي عن بيع الورق بالذهب دينًا وبيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌578 - (18) باب بيع الطعام بالطعام مثلًا بمثل وحجة من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌579 - (19) باب لعن من أقدم على الربا واتقاء الشبهات وبيع البعير واستثناء حملانه

- ‌579 - (19) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه وجواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه وجواز الرهن والسلم

- ‌580 - (20) باب النهي عن الحكرة والحلف في البيع والشفعة وغرز الخشب في جدار الجار

الفصل: ‌574 - (14) باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وتحريم اقتنائها إلا لحاجة وإباحة أجرة الحجامة

‌574 - (14) باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وتحريم اقتنائها إلَّا لحاجة وإباحة أجرة الحجامة

3883 -

(1506)(70) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ َعَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ

ــ

574 -

(14) باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وتحريم اقتنائها إلَّا لحاجة وإباحة أجرة الحجامة

3883 -

(1506)(70)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب) لما رآهم يستأنسون بها استئناس الهر فشدّد عليهم أولًا في ذلك ثم خفف، قال النووي: استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب التي لا ضرر فيها سواء الأسود وغيره. وهذا السند من رباعياته.

قال القرطبي: حديث ابن عمر رُوي مطلقًا من غير استثناء كما قال في رواية مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، ورُوي مقيدًا بالاستثناء المتصل كرواية عمرو بن دينار عن ابن عمر أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلَّا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فيجب على هذا رد مطلق إحدى الروايتين على مقيدهما فإن القضية واحدة والراوي لهما واحد وما كان كذلك وجب فيه ذلك بالإجماع وهذا واضح في حديث ابن عمر وعليه فكلب الصيد والماشية لم يتناولهما قط عموم الأمر بقتل الكلاب لاقتران استثنائهما من ذلك العموم وإلى الأخذ بهذا الحديث ذهب مالك وأصحابه وكثير من العلماء فقالوا بقتل الكلاب إلَّا ما استثني منها ولم يروا الأمر بقتل ما عدا المستثنى منسوخًا بل محكمًا اهـ من المفهم.

وقال أبو عمر: والذي نختاره أن لا يُقتل منها شيء إذا لم يضر لنهيه عن أن يُتخذ شيء فيه روح غرضًا، ولحديث الذي سقى الكلب، ولقوله في كل كبد حرى أجر، وترك قتلها في كل الأمصار وفيها العلماء ومن لا يسامح في شيء من المنكر والمعاصي الظاهرة اهـ عمدة القاري [7/ 305].

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 113] ، والبخاري [3223] ، والتِّرمذيّ [1488] ، والنَّسائيّ [7/ 184 و 185] ، وابن ماجه [3202].

ص: 239

3884 -

(00)(00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ. فَأَرْسَلَ في أَقْطَارِ الْمَدِينَةِ أنْ تُقْتَلَ.

3885 -

(00)(00) وحدثني حُمَيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ). حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ أُمَيَّةَ) عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله، قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ. فَنَنْبَعِثُ في الْمَدِينَةِ وَأَطْرَافِهَا فَلَا نَدَعُ كَلْبًا إلَّا قَتَلْنَاهُ. حَتَّى إِنَا لنَقْتُلُ كلْبَ الْمُرَيَّةِ

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:

3884 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا أبو أسامة حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدنِيُّ (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك (قال) ابن عمر:(أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب فأرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في أقطار المدينة) ونواحيها من يقتلها لأجل (أن تُقتل) جميع الكلاب، أو الجملة في محل الجر بدل عن قوله:(بقتل الكلاب) لأنه في تأويل مصدر.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3885 -

(00)(00)(وحدثني حميد بن مسعدة) بن المبارك الباهليّ أبو علي البَصْرِيّ، صدوق، من (10)(حَدَّثَنَا بشر يعني ابن المفضل) بن لاحق الرَّقاشيّ مولاهم أبو إسماعيل البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8)(حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأُموي المكيّ، ثِقَة، من (6)(عن نافع عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن أمية لعبيد الله بن عمر (قال) ابن عمر:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الكلاب فننبعث) أي فننتشر وننتثر يقال: انبعث الرَّجل إذا ثار ومضى ذاهبًا لقضاء حاجته (في) زقاق (المدينة) وحوارِّها (و) في (أطرافها) ونواحيها لطلب الكلاب (فلا ندع) أي فلا نترك (كلبًا) رأيناه (إلا قتلناه) سواء كان مع إنسان أم لا (حتَّى إنَّا لنقتل كلب المرية) -بضم الميم وفتح

ص: 240

مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، يَتْبَعُهَا.

3886 -

(1507)(71) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَاب. إلا كَلْبَ صَيدٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ. فَقِيلَ لابْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ. فَقَال ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ لأَبِي هُرَيرَةَ زَرْعًا

ــ

الراء وتشديد الياء- مصغر المرأة، والأصل المريأة -بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء وفتح الهمزة- أي حتَّى إنَّا لنقتل كلب المرأة التي تقدم (من أهل البادية) حاله كونها (يتبعها) ويمشي معها كلبها فلا نتركه حياءً منها امتثالًا للأمر.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

3886 -

(1507)(71)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) النَّيسَابُورِيّ (حَدَّثَنَا حماد بن زيد) بن درهم البَصْرِيّ (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكيّ (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب) جميعًا (إلا كلب صيد) وهو الكلب المعلم للصيد الذي قد ضرى به وأخذه (أو كلب غنم) وهو الذي يحفظها في الدار من السراق (أو) كلب (ماشية) وهو الذي يسرح معها إلى المرعى ليحفظها من السباع والسراق، قال في المرقاة: وهذا تعميم بعد تخصيص فأو للتنويع كما في قبلها أو للشك هنا اهـ منه، ومقتضى هذا الاستثناء أنَّه أمرهم بقتل جميع الكلاب من غير استثناء شيء منها فبادروا وقتلوا كل ما وجدوا منها ثم بعد ذلك رخص فيما ذكر فيكون هذا الترخيص من باب النسخ فوافق الترجمة في الجزء الثاني منها لأن العموم قد استقر وبرد وعمل عليه فرفع الحكم عن شيء مما تناوله نسخ لا تخصيص، وقد ذهب إلى هذا المعنى في هذا الحديث بعض العلماء اهـ من المفهم.

قال نافع بالسند السابق: (فقيل لابن عمر: إن أَبا هريرة يقول): أي يزيد في هذا الحديث لفظة (أو كلب زرع) وهو الذي يحفظه من الوحوش بالليل والنهار لا من السراق، وقد أجاز غير مالك اتخاذها لسراق الماشية والزرع اهـ من المفهم. ولم أر من ذكر اسم هذا القائل (فقال ابن عمر إن لأبي هريرة زرعًا) فلذلك نقله عن رسول الله صلى

ص: 241

3887 -

(1508)(72) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدَّثَنِي إِسحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ. حَتَّى إِنَّ الْمَرْأةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ. ثُمَّ نَهَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِهَا. وَقَال: "عَلَيكُمْ بِالأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَينِ

ــ

الله عليه وسلم، قال القرطبي: لا يفهم منه أحد من العقلاء تهمة في حق أبي هريرة وإنما أراد به ابن عمر أن أَبا هريرة لما كان صاحب زرع وكان محتاجًا لما يُحفظ به زرعة سأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأجابه بالاستثناء فحصل له علم لم يكن عند ابن عمر ولا عند غيره ممن لم يكن له اعتناء بذلك ولا اهتمام به اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر الثاني بحديث جابر رضي الله عنهما فقال:

3887 -

(1508)(72)(حَدَّثَنَا محمَّد بن أَحْمد بن أبي خلف) محمَّد السلمي مولاهم البغدادي، ثِقَة، من (10)(حَدَّثَنَا روح) بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9)(ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ، ثِقَة، من (11) (أخبرنا روح بن عبادة حَدَّثَنَا ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول): وهذا السند من خماسياته (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل) جميع (الكلاب) بلا استثناء (حتَّى إن المرأة) بكسر إن لأن حتَّى ابتدائية والمراد بالمرأة الجنس والمعنى إن المرأة (تقدم) بفتح الدال أي تجيء (من البادية) ملتبسة (بكلبها فنقتله) بالنُّون أي نحن، وفي نسخة بالتاء أي هي بنفسها، قال الطيبي: حتَّى هي الداخلة على الجملة وهي غاية لمحذوف أي أمرنا بقتل الكلاب فقتلنا ولم ندع في المدينة كلبًا إلَّا قتلناه حتَّى نقتل كلب المرأة من أهل البادية كذا نص في حديث آخر اهـ مرقاة (ثم نهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن قتلها) فقال: لا تقتلوا الكلاب (وقال): لكن (عليكم) أن تقتلوا (بالأسود البهيم) أي الخالص السواد الذي لا بياض فيه (ذي النقطتين) أي صاحب النقطتين أي الذي فوق عينيه نقطتان بيضاوان والحاصل أنَّه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب كلها في مبدإ الأمر ثم

ص: 242

فَإِنّهُ شَيطَانٌ".

3888 -

(1509)(73) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبي التَّيَّاحِ. سَمِعَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ الله، عَنِ ابْنِ الْمُغَفَّلِ. قَال: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ

ــ

خص القتل بالأسود البهيم ثم رخص فيه أَيضًا (فإنَّه) أي فإن الأسود البهيم (شيطان) حقيقة في كونه ضررًا محضًا لا نفع فيه أو مثل الشيطان للمفسدة الحاصلة منه فكيف يكون فيه منفعة، ولو قدرنا فيه أنَّه ضار أو للماشية لقتل لنص النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على قتله اهـ من المفهم.

قال النووي: قوله: (فإنَّه شيطان) ليس المراد من الحديث إخراجه عن جنس الكلاب ولهذا لو ولغ في إناء وجب غسله كما يغسل من ولوغ الكلب الأبيض، وقال العيني في العمدة [6/ 305] إن المراد من كونه شيطانًا أنَّه بعيد عن المنافع قريب من المضرة، ثم قال العيني: وهذه أمور لا تُدرك بنظر ولا يُوصل إليها بقياس وإنما يُنتهى إلى ما جاء عن الشارع اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [3/ 333] ، وأبو داود [2846].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر الثاني بحديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنهم فقال:

3888 -

(1509)(73)(حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التَّيَّاح) يزيد بن حميد الضبعي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (5)(سمع مطرف بن عبد الله) بن الشخير العامري أَبا عبد الله البَصْرِيّ، ثِقَة، من (2)(عن) عبد الله (بن المغفل) على صيغة اسم المفعول بن عبيد بن نهم المزني أبي عبد الرَّحْمَن البَصْرِيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (قال) عبد الله بن مغفل (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب) جميعًا لما رآهم يستأنسون بها استئناس الهر فشدد عليهم أولًا في ذلك ثم خفف، ومن أمثلة التشديد في ذلك ما أخرجه أَحْمد في مسنده [6/ 391] عن أبي رافع قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقتل الكلاب فخرجت أقتلها لا أرى كلبًا إلَّا قتلته فإذا كلب يدور ببيت فذهبت لأقتله فناداني إنسان من

ص: 243

ثُمّ قَال: "مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟ " ثُمَّ رَخَّصَ في كَلْبِ الصَّيدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ.

3889 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدَّثَنِي محمدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي محمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضرُ

ــ

جوف البيت يَا عبد الله ما تريد أن تصنع؟ قال: قلت: أريد أن أقتل هذا الكلب، فقالت: إنِّي امرأة مضيعة وإن هذا الكلب يطرد عني السبع ويؤذنني بالجائي فائت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فاذكر ذلك له، قال: فأتيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأمرني بقتله. وفي رواية أخرى عند أَحْمد [6/ 9] فقال: "يَا أَبا رافع اقتله، فإنما يمنعهن الله عز وجل" يعني يحفظهن (ثم) بعد أمره بقتل الكلاب فقتلوها قتلًا ذريعًا (قال) لهم: (ما بالهم) أي ما بال النَّاس وشأنهم (وبال الكلاب) أي شأنها يقتلونها أي فليتركوها (ثم) بعد ما أمرهم بقتلها (رخص) لهم أي جوز لهم (في) اتخاذ (كلب الصيد) الذي عُلم كيفية الاصطياد (و) في اتخاذ (كلب الغنم) أي الذي يحفظها في المرعى عن السباع، وفي الدار عن السراق لضرورة الاحتياج إليها والانتفاع بها. وبهذا السند بعينه زاد المؤلف في الطهارة وقال: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفِّرُوه الثامنة في التُّراب.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [4/ 85] و [5/ 56] ، وأبو داود [2845] ، والتِّرمذيّ [1486] ، والنَّسائيّ [1857] ، وابن ماجه [3205].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

3889 -

(00)(00)(وحدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثيّ البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8)(ح وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10)(حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) القطَّان البَصْرِيّ (ح وحدثني محمَّد بن الوليد) بن عبد الحميد القُرشيّ العامري أبو عبد الله البَصْرِيّ الملقب بحمدان، وثقه النَّسائيّ وابن ماجه، وقال في التقريب: ثِقَة، من (10)(حدثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البَصْرِيّ المعروف بغندر (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا النضر) بن شميل المازنِيّ أبو الحسن البَصْرِيّ ثم الكُوفيّ، ثِقَة، من (9)

ص: 244

ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.

وَقَال ابْنُ حَاتِمٍ في حَدِيثِهِ عَنْ يَحْيَى: وَرَخَّصَ في كَلْبِ الْغَنَمِ وَالصَّيدِ وَالزَّرْعِ.

3890 -

(1510)(74) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ

ــ

(ح وحدثنا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأَزدِيّ أبو العباس البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9)(كلهم) أي كل هؤلاء الخمسة المذكورين يعني خالد بن الحارث ويحيى القطَّان ومحمَّد بن جعفر والنضر بن شميل ووهب بن جرير رووا (عن شعبة) بن الحجاج (بهذا الإسناد) يعني عن أبي التَّيَّاح عن مطرف عن ابن مغفل (مثله) أي مثل ما روى معاذ بن معاذ عن شعبة، غرضه بيان متابعة هؤلاء الخمسة لمعاذ بن معاذ (و) لكن (قال) محمَّد (بن حاتم) بن ميمون أي زاد في حديثه) أي في روايته (عن يحيى) القطَّان لفظة (ورخص) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في) اتخاذ (كلب الغنم و) كلب (الصيد و) كلب (الزرع) والله أعلم.

قال القرطبي: والحاصل من هذه الأحاديث أن قتل الكلاب غير المستثنيات مأمور به إذا أشرف بالمسلمين فإن كثر ضررها وغلب كان ذلك الأمر على الوجوب وإن قل وندر فأي كلب أضر وجب قتله وما عداه جائز قتله لأنه سبع لا منفعة فيه وأقل درجاته توقع الترويع وأنه ينقص من أجر مقتنيه كل يوم قيراطين فأما الشروع منهن المؤذي فقتله مندوب إليه وأما الكلب الأسود ذو النقطتين فلا بد من قتله للحديث المتقدم وقيل ما ينتفع بمثل تلك الصفة لأنه إن كان شيطانًا على الحقيقة فهو ضرر محض لا نفع فيه وإن كان على التشبيه به فإنما شُبه به للمفسدة الحاصلة منه فكيف يكون فيه منفعة ولو قدرنا فيه أنَّه ضار أو للماشية لقتل لنص النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على قتله اهـ من المفهم.

ثم استدل على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3890 -

(1510)(74)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من رباعياته (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله

ص: 245

عَلَيهِ وَسلَّمَ: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارٍ، نَقَصَ من عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ"

ــ

عليه وسلم: من اقتنى) واتخذ (كلبًا) غير منتفع به أي اتخذه وأمسكه، وقد ورد الحديث بكل من هذه الألفاظ (إلا كلب ماشية أو ضار) أي أو كلبًا ضاريًا أي معودًا بالصيد يقال: ضري الكلب بوزن خشي إذا تعود الاصطياد وأضراه صاحبه أي عوده الضراوة أي الاصطياد وعلمه إياه وأغراه به ويُجمع على ضوار والمواشي الفمارية المعتادة لرعي زروع النَّاس اهـ نهاية، وهو من جهة الإعراب مضاف إليه لكلب من إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع، وفي بعض النسخ أو ضاري أي أو كلب ضاري بإثبات الياء من غير دخول الألف واللام عليه وهو لغة قليلة، وفي بعضها: ضاريًا بإظهار الإعراب على الياء أي أو كلبًا ضاريًا أي متعودًا للاصطياد باجتماع شروط كونه معلمًا به (نقص من) أجر (عمله كل يوم قيراطان) ولفظ نقص يُستعمل لازمًا ومتعديًا وهو هنا لازم بدليل رفع قيراطان، ورُوي (قيراطين) وهو حينئذ يكون متعديًا، وضمير الفاعل حينئذ يعود إلى الكلب أو على الرَّجل المقتني، قال النووي: والقيراط هنا مقدار معلوم عند الله تعالى والمراد نقص جزء من أجزاء أجور عمله الصالح اهـ.

وفي مجمع البحار: القيراط نصف عشر الدينار في أكثر البلاد وعند أهل الشَّام جزء من أربعة وعشرين جزءًا منه اهـ وقد وقع في رواية ابن أبي حرملة (قيراط) بدل (قيراطان) فيُجمع بينهما باحتمال أنَّه في نوعين من الكلاب أحدهما أشد أذى من الآخر كالأسود المتقدم أولمعنى فيهما أو يكون ذلك مختلفًا باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدينة خاصة لزيادة فضلها والقيراط في غيرهما أو القيراطان في المدائن ونحوها من القرى والقيراط في البوادي أو يكون ذلك في زمنين فذكر القيراط أولًا ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين كذا حققه النووي، وذكر الحافظ في المزارعة من الفتح [5/ 5] أن الحكم للزائد منهما لكونه حفظ ما لم يحفظه الآخر وهو الأوجه عندي اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 4] ، والبخاري [5482] ، والتِّرمذيّ [1487] ، والنَّسائيّ [7/ 188].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر هذا رضي الله عنهما فقال:

ص: 246

3891 -

(00)(00) وحدثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال:"مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، إلا كَلْبَ صَيدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ"

ــ

3891 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير قالوا: حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن الزُّهْرِيّ عن سالم عن أَبيه عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (قال: من اقتنى كلبًا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان) واختلف العلماء في محل نقص القيراطين فقيل: ينقص قيراط من عمل النهار وقيراط من عمل الليل أو قيراط من عمل الفرض وقيراط من عمل النفل، والقول الأسلم الأصح أنَّه لا سبيل إلى تعيين هذا بالقياس فإن مثله يتوقف على السماع ولم يوجد فلا ضرورة إلى تعيين ذلك ومقصود الشارع أن اقتناء الكلب بدون حاجة ينقص من عمل الرَّجل قيراطين كل يوم فيجب أن يحذر منه وليس عندنا ما نتحقق به قدر القيراطين ولا تعيين عمل ينقص منه ذلك القدر فلا حاجة إلى الخوض في أمثال هذه المباحث.

ثم ذكروا في سبب نقصان الأجر وجوهًا فقيل: سببه امتناع دخول الملائكة بسببه وقيل ما يلحق المارين من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم وقيل إن ذلك عقوبة له لاتخاذه ما نهي عن اتخاذه وعصيانه في ذلك وقيل لما يبتلى به من ولوغه في غفلة صاحبه ولا يغسله بالماء والتراب كذا في شرح النووي، ثم الظاهر من هذه الأحاديث عدم جواز اقتناء الكلب إلَّا لحاجات استثناها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ابن عبد البر أن هذه الأحاديث تدل على كراهة ذلك ولا تدل على التحريم لأنها لا تذكر إلَّا نقصان الأجر، والمحرم لا بد فيه من إثم ولكن رد عليه الحافظ في المزارعة في الفتح [5/ 5] بأن نقصان الأجر نوع من الإثم أو المراد بنقصان الأجر في الحديث أن الإثم الحاصل باتخاذه يوازي قدر قيراط أو قيراطين من أجر ومما يؤيد قول الحافظ الأحاديث التي ذكر فيها أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة أو كلب، والظاهر أن امتناع الملائكة لا يكون إلَّا بما فيه إثم.

وأما الحكمة في النهي عن اقتنائه فإنَّه يشبه الشيطان بجبلته لأن ديدنه لعب وغضب

ص: 247

3892 -

(00)(00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ)(وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إلا كَلْبَ ضَارِيَةٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ من عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ"

ــ

واطراح في النجاسات وإيذاء النَّاس ويقبل الإلهام من الشياطين فرأى منهم صدودًا وتهاونًا ولم يكن سبيل إلى النهي عنه بالكلية لضرورة الزرع والماشية والحراسة والصيد فعالج ذلك باشتراط أتم الطهارة. اهـ من التكملة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3892 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى ويحيى بن أَيُّوب) المقابري أبو زكريا البغدادي، ثِقَة، من (10) (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا وقال الآخرون: حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزُّرَقيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (8)(عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدنِيُّ (أنَّه سمع ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع وسالم (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتنى) واتخذ (كلبًا إلا كلب ضارية) فيه حذف موصوف وإبقاء صفته تقديره إلَّا كلب ذي كلاب ضارية، والضاري هو المعلم كيفية الصيد المعتاد له اهـ نووي (أو) إلَّا كلب ذي (ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان) قال القرطبي: واختلف في معنى قوله: (نقص من عمله كل يوم قيراطان) وأقرب ما قيل في ذلك قولان: أحدهما: أن جميع ما عمله من عمل ينقص لمن اتخذ ما نُهي عنه من الكلاب بإزاء كل يوم يمسكه فيه جزءان من أجزاء ذلك العمل وقيل: من عمل ذلك اليوم الذي يمسكه فيه وذلك لترويع الكلب للمسلمين وتشويشه عليهم بنباحه ومنع الملائكة من دخول البيت ولنجاسته على ما يراه الشَّافعيّ، الثاني: أن يحبط من عمله كله عملان أو من عمل يوم إمساكه على ما تقدم عقوبة له على ما اقتحم من المنهي والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم إن الكلب تتبعه أمراض وأدواء كثيرة وفي لعابه سُمِّية تضر بالإنسان فالاجتناب عن اقتنائه إلَّا لحاجة فيه حكم كثيرة، وذكر الدميري في

ص: 248

3893 -

(00)(00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ مُحَمَّدٍ)(وَهُوَ ابْنُ أبي حَرْمَلَةَ) عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَنِ اقْتَنَى كلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيدٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ".

قَال عَبْدُ الله: وَقَال أَبُو هُرَيرَةَ: "أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ"

ــ

حياة الحيوان [2/ 226] أن الجيفة أحب إلى الكلب من اللحم الغريض ويأكل العذرة ويرجع في قيئه، ومن عيوب الكلب أنَّه تعوزه الحمية الجنسية فإنَّه يعادي أبناء جنسه وكلما كان في موضع وجاء فيه كلب آخر طرده ولم يتحمله اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3893 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى ويحيى بن أَيُّوب) المقابري (وقتيبة وابن حجر، قال يحيى) بن يحيى: (أخبرنا وقال الآخرون: حَدَّثَنَا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزُّرَقيّ المدنِيُّ (عن محمَّد وهو ابن أبي حرملة) كنيته اسمه القُرشيّ مولاهم أبي عبد الله المدنِيُّ ثِقَة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن سالم بن عبد الله) بن عمر (عن أَبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم لعبد الله بن دينار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتنى) وأمسك (كلبًا إلا كلب ماشية أو كلب صيد نقص من) أجر (عمله كل يوم قيراط) واختلاف العدد في القيراط محمول على اختلاف نوع الكلب أو على أنَّه أخبر أولًا بالعدد الأقل ثم بالأكثر تغليظًا عليهم كما مر مع زيادة (قال عبد الله) بن عمر بهذا السند (وقال) أي زاد (أبو هريرة) في هذا الحديث لفظة (أو كلب حرث) مصداقه قوله صلى الله عليه وسلم: "من اقتنى كلبًا لا يغني عنه زرعًا ولا ضرعًا" والزرع: الحرث والضرع: الماشية اهـ من بعض الهوامش.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

ص: 249

3894 -

(00)(00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أبي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إلا كَلْبَ ضَارٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ".

قَال سَالِمٌ: وَكَانَ أَبُو هُرَيرَةَ يَقُولُ: "أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ" وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ.

3895 -

(00)(00) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ. حَدَّثنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويةَ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ

ــ

3894 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا وكيع حَدَّثَنَا حنظلة بن أبي سفيان) اسمه الأسود بن عبد الرَّحْمَن بن صفوان بن أمية الأُموي المكيّ، ثِقَة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن سالم) بن عبد الله (عن أَبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حنظلة بن أبي سفيان لمحمد بن أبي حرملة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتنى كلبًا إلَّا كلب ضار) بالجر والتنوين من إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع أي إلَّا كلبًا ضاريًا أي معلمًا للصيد (أو) إلَّا كلب (ماشية) أي كلبًا يحرس ماشية (نقص من عمله كل يوم قيراطان، قال سالم): أي فيما رواه عن أَبيه عبد الله كما هو الرواية المتقدمة (وكان أبو هريرة يقول): أي يزيد في روايته لفظة (أو كلب حرث) قال ابن عمر: (وكان) أبو هريرة (صاحب حرث) وزرع يعني أن أَبا هريرة يزيده في روايته فإن المفهوم من عبارة الفتح في باب اقتناء الكلب للحرث إنكار ابن عمر هذه الزيادة، وقد مر أنَّه قيل له: إن أَبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال: إن لأبي هريرة زرعًا (قوله: وكان صاحب حرث) هذا قول ابن عمر في حق أبي هريرة كما ذُكر آنفًا وسيأتي أَيضًا، قال ابن حجر: ويقال: إن ابن عمر أراد بذلك الإشارة إلى تثبيت رواية أبي هريرة وأن سبب حفظه لهذه الزيادة دونه أنَّه كان صاحب زرع دونه ومن كان مشتغلًا بشيء احتاج إلى تعرّف أحكامه اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثه رضي الله عنه فقال:

3895 -

(00)(00)(حدثنا داود بن رشيد) مصغرًا الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي، ثِقَة، من (10)(حَدَّثَنَا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء الفزاري أبو عبد الله الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (13) بابا (أخبرنا عمر بن حمزة بن

ص: 250

عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيمَا أَهْلِ دَارٍ اتَّخَذُوا كَلْبًا إلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَائِدٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ".

3896 -

(00)(00) حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْحَكَمِ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يحدِّثُ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إلا كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ صَيدٍ، يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ"

ــ

عبد الله بن عمر) بن الخطاب العمري المدنِيُّ، ضعيف، من (6) ذكره مسلم متابعة، روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا سالم بن عبد الله) بن عمر (عن أَبيه) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمر بن حمزة لحنظلة بن أبي سفيان، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) ابن عمر:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما أهل دار) بجر أهل بإضافة أي إليه وهي شرطية مرفوعة على الابتداء، والخبر جملة الجواب أو الشرط أو هما على الخلاف المذكور في محله (اتخذوا) أي اقتنوا (كلبًا) لا يجوز اتخاذه (إلا كلب ماشية أو كلب صائد) بجر صائد بإضافة كلب إليه من إضافة الموصوف إلى صفته أي كلبًا صائدًا أي يصيد صيدًا (نقص من عملهم كل يوم قيراطان).

ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه سادسًا فقال:

3896 -

(00)(00)(حدثنا محمَّد بن المثنَّى و) محمَّد (بن بشار) بندار (واللفظ لابن المثنَّى قالا: حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي غندر (حَدَّثَنَا شعبة عن قتادة عن أبي الحكم) عمران بن الحارث السلمي الكُوفيّ، روى عن ابن عمر في المساقاة في اقتناء الكلب، وابن عباس، ويروي عنه (م س) وقتادة بن دعامة وسلمة بن كهيل، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال في التقريب: ثِقَة، من الرابعة (قال: سمعت ابن عمر يحدّث عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي الحكم لسالم بن عبد الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من اتخذ) واقتنى (كلبًا إلَّا كلب زرع أو غنم أو صيد ينقص من أجره كل يوم قيراط).

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

ص: 251

3897 -

(1511)(75) وحدثني أبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال:"مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيسَ بِكَلْبِ صَيدٍ وَلَا مَاشِيَةٍ وَلَا أَرْضٍ، فَإِنّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ، كُلَّ يَوْمٍ".

وَلَيسَ في حَدِيثِ أَبِي الطَّاهِرِ: "وَلَا أَرْضٍ".

3898 -

(00)(00) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا، إلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيدٍ أَوْ زَرْعٍ، انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ".

قَال الزُّهْرِيُّ:

ــ

3897 -

(1511)(75)(وحدثني أبو الطاهر وحرملة) بن يحيى المصريان (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب) المخزومي المدنِيُّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض) أي ولا كلب أرض أي زرع (فإنَّه) أي فإن الشأن والحال (ينقص من أجره قيراطان كل يوم وليس في حديث أبي الطاهر ولا أرض).

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 425] ، والبخاري [2321] ، وأبو داود [2844] ، والتِّرمذيّ [1490] ، والنَّسائيّ [7/ 189].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3898 -

(00)(00)(حدثنا عبد بن حميد) الكسي (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ (أخبرنا معمر) بن راشد البَصْرِيّ (عن الزُّهْرِيّ عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي سلمة لسعيد بن المسيب (قال) أبو هريرة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اتخذ كلبًا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط، قال الزُّهْرِيّ)

ص: 252

فَذُكِرَ لابْنِ عُمَرَ قَوْلُ أَبِي هُرَيرَةَ. فَقَال: يَرْحَمُ الله أَبا هُرَيرَةَ! كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ.

3899 -

(00)(00) حَدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ

ــ

بالسند السابق (فذُكر) بالبناء للمجهول لم أر من ذكر اسم الذاكر (لابن عمر) رضي الله عنهما (قول أبي هريرة) رضي الله عنه يعني قوله أو زرع (فقال) ابن عمر: (يرحم الله أَبا هريرة كان صاحب زرع) وقال سالم في الرواية السابقة: (وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان صاحب حرث) قال العلماء: ليس هذا توهينًا لرواية أبي هريرة ولا شكًّا فيها بل معناه أنَّه لما كان صاحب زرع وحرث اعتنى بذلك وحفظه وأتقنه، والعادة أن المبتلى بشيء يتقنه ما لا يتقنه غيره ويتعرّف من أحكامه ما لا يعرفه غيره اهـ نووي.

ولعله رضي الله عنه صار كذلك بعد عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وإلا فقد كان في ذلك العهد مسكينًا لا شيء له ضيفًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدل عليه قوله عن نفسه على ما ذكره الإِمام البُخَارِيّ في باب حفظ العلم من صحيحه: إن النَّاس يقولون: أكثر أبو هريرة لولا آيتان في كتاب الله تعالى ما حدّثت حديثًا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قوله: {الرَّحِيمُ} إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن إخواننا من الْأَنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم أي القيام على مصالح زرعهم وإن أَبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون اهـ.

وقال أَيضًا على ما ذكره البُخَارِيّ في باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي: إن النَّاس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني حتَّى لا آكل الخمير (أي الخبز المجعول فيه الخميرة) ولا ألبس الحبير (أي الجديد) ولا يخدمني فلان ولا فلانة وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع وإن كنت لأستقرئ الرَّجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني وكان أخير النَّاس للمسكين جعفر بن أبي طالب كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتَّى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فيشقها فنلعق ما فيها اهـ من بعض الهوامش.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3899 -

(00)(00)(حدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم

ص: 253

حَدَّثنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيّ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ. إلا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ".

3900 -

(00)(00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا شُعَيبُ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيُّ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ. حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.

3901 -

(00)(00) حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا

ــ

الأسدي البَصْرِيّ المعروف بابن عليّة (حَدَّثَنَا هشام) بن أبي عبد الله سنبر (الدستوائي) البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا يحيى بن أبي كثير) الطَّائيّ اليماميّ (عن أبي سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير للزهري (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أمسك) واقتنى (كلبًا فإنَّه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلَّا كلب حرث أو ماشية).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3900 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرَّحْمَن الأُموي مولاهم البَصْرِيّ ثم الدِّمشقيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيّ) عبد الرَّحْمَن بن عمرو الشَّاميّ، ثِقَة، من (7)(حدثني يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطَّائيّ اليماميّ (حَدَّثني أبو سلمة بن عبد الرَّحْمَن) بن عوف (حَدَّثني أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأَوْزَاعِيّ لهشام الدستوائي وساق الأَوْزَاعِيّ (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل حديث هشام.

ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال:

3901 -

(00)(00)(حدثنا أَحْمد بن المنذر) بن الجارود البَصْرِيّ أبو بكر القزَّاز، ثِقَة، من (11) روى عنه (م) في (5) أبواب (حَدَّثَنَا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم أبو سهل البَصْرِيّ، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حَدَّثَنَا

ص: 254

حَرْبٌ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.

3902 -

(00)(00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ) عَنْ إِسمَاعِيلَ بْنِ سُمَيعٍ. حَدَّثَنَا أبُو رَزِينٍ. قَال: سَمِعْتُ أبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا لَيسَ بِكَلْبِ صَيدٍ وَلَا غَنَمٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ"

ــ

حرب) بن شداد اليشكري أبو الخطاب البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا يحيى بن كثير بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وساق حرب (مثله) أي مثل حديث هشام الدستوائي، غرضه بيان متابعة حرب بن شداد لهشام الدستوائي.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال:

3902 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثَّقَفيّ البلخي (حَدَّثَنَا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن إسماعيل بن سميع) مصغرًا الحنفي أبي محمَّد الكُوفيّ، بيّاع السابري -بفتح المهملة وبكسر الموحدة- ثوب رقيق جيد كما في القاموس، روى عن أبي رزين في البيوع، ومسلم البطين في الزهد، ويروي عنه (م د س) وعبد الواحد بن زياد وشعبة وعلي بن عاصم وحفص بين غياث والثوري، وثقه أَحْمد وابن معين وأبو داود والعجلي وابن سعد، وروى أنَّه لم ير في جمعة ولا جماعة أربعين سنة وكان خارجيًا، وقال في التقريب: صدوق، تكلم فيه لبدعة الخوارج، من الرابعة (حَدَّثَنَا أبو رزين) مسعود بن مالك الأسدي الكُوفي، ثِقَة فاضل، من (2) روى عنه في (3) أبواب، مات سنة (85) (قال: سمعت أَبا هريرة يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي رزين لأبي سلمة بن عبد الرَّحْمَن بن عوف (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اتخذ كلبًا ليس بكلب صيد ولا غنم نقص من عمله كل يوم قيراط).

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث سفيان بن أبي زهير رضي الله عنهم فقال:

ص: 255

3903 -

(1512)(76) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيفَةَ؛ أن السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيرٍ (وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ شَنُوءَةَ مِنْ أصْحَاب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لا يُغنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ".

قَال: آنْتَ سَمِعْتَ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: إِي، وَرَبِّ هذَا الْمَسْجِدِ!

ــ

3903 -

(1512)(76)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن يزيد بن خصيفة) نُسب إلى جده لأنه (يزيد بن عبد الله بن خصيفة) مصغرًا ابن عبد الله بن يزيد الكندي المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (أن السائب بن يزيد) بن سعيد بن ثمامة -بضم ففتح مع التخفبف- الكندي الحجازي المعروف بابن أخت نمر الصحابي بن الصحابي رضي الله عنهما (أخبره) أي أخبر ليزيد بن خصيفة (أنَّه) أي أن السائب (سمع سفيان بن أبي زهير) اسمه القرد -بفتح القاف أو كسر الراء- وقيل: نمير الشنئي نسبة إلى أزد شنوءة قبيلة باليمن كما فسره بعض الرواة بقوله: (وهو رجل من شنوءة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه المدنِيُّ. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى فإنَّه نيسابوري، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) سفيان: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اقتنى) واتخذ (كلبًا لا يغني عنه) أي لا ينفعه، والضمير للموصول (زرعًا) تمييز أي من جهة حفظ زرعة (ولا ضرعًا) أي ولا ينفعه من جهة حراسة ذات ضرعه يعني مواشيه، والجملة الفعلية صفة لكلبًا (نقص من عمله كل يوم قيراط، قال) السائب: قلت لسفيان: (آنت) أي هل أَنْتَ (سمعت هذا) الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) سفيان: (إي) أي نعم سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورب) أي أقسمت لك برب (هذا المسجد) الحرام أراد بالمسجد المسجد الحرام، وفي كتاب بدء الخلق من صحيح البُخَارِيّ قال: إي ورب هذه القبلة اهـ من بعض الهوامش.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ أخرجه في كتاب الحرث والمزارعة في باب اقتناء الكلب للحرث وفي بدء الخلق قبيل كتاب الأنبياء، والنَّسائيّ

ص: 256

3904 -

(00)(00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيفَةَ. أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ؛ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَيهِمْ سُفْيَانُ بْنُ أَبِي زُهَيرٍ الشَّنَئِيُّ. فَقَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.

3905 -

(1513)(76) حدثنا يَحْيَى بْنُ أيوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ حُمَيدٍ. قَال: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ

ــ

في الصيد في باب الرخصة في إمساك الكلب والماشية، وابن ماجه في باب النهي عن اقتناء الكلب، وأَحمد في مسنده [5/ 219 و 220].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه فقال:

3904 -

(00)(00)(حدثنا يحيى بن أَيُّوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزُّرَقيّ مولاهم أبو إسحاق المدنِيُّ، ثِقَة، من (8) (عن يزيد بن خصيفة أخبرني السائب بن يزيد أنَّه وفد) أي حضر (عليهم) في مكة (سفيان بن أبي زهير الشنئي) بفتح الشين المعجمة والنون وكسر الهمزة والياء المشددة نسبة إلى أزد شنوءة حيٌّ من اليمن أي قدم علينا حاجًّا ونحن في مكة في المسجد الحرام (فقال) سفيان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحديث السابق وساق إسماعيل بن جعفر (بمثله) أي بمثل ما حدّث مالك عن يزيد بن خصيفة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل لمالك بن أنس.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:

3905 -

(1513)(76)(حَدَّثَنَا يحيى بن أَيُّوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزُّرَقيّ المدنِيُّ (عن حميد) بن أبي حميد الطَّويل البَصْرِيّ، ثِقَة، من (5) (قال) حميد:(سئل أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم

ص: 257

عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ؟ فَقَال: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. حَجَمَهُ أَبُو طَيبَةَ. فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَينِ من طَعَامٍ. وَكَلَّمَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ. وَقَال: "إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيتُمْ بِهِ

ــ

بصريان وواحد مدني وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي أي سأله سائل (عن كسب الحجام) أي عن حكم ما يكتسبه الحجام من المال بحجامته هل هو حلال أم حرام أو مكروه؟ ولم أر أحدًا من الشراح ذكر اسم هذا السائل (فقال) أنس: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة) هو عبد لبني بياضة بطن من الْأَنصار اسمه نافع، وقيل: دينار قاله ابن عبد البر ووهموه، وقيل: ميسرة والصحيح الأول، وذكر ابن الحذَّاء في رجال الموطإ أنَّه عاش مائة وثلاثًا وأربعين سنة راجع الفتح والإصابة (فأمر) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه بأن يعطي (له) أي لأبي طيبة في أجرة حجامته (بصاعين من طعام) يعني من تمر كما هو مصرح به عند البُخَارِيّ في البيوع من رواية مالك عن حميد، وأعطاه الأجر علي رضي الله عنه كما هو مصرح في حديث علي عند التِّرْمِذِيّ وابن ماجه اهـ من التكملة (وكلم) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (أهله) أي كم موالي أبي طيبة وسادته في حق ما يعطيه لهم أبو طيبة من كسبه أن يُخففوا عنه (فوضعوا عنه) أي خففوا عنه (من خراجه) أي من وظيفته المالية التي كلفوه بها أولًا، والخراج هنا ما كان يجعل المولى على عبده من غلة معينة يكسبها له كل يوم ويقال له: الضريبة أَيضًا، وقد أخرج ابن أبي شيبة أنَّه صلى الله عليه وسلم قال للحجام: كم خراجك؟ قال: صاعان، قال: فوضع عنه صاعأا. حكاه الحافظ في إجارة الفتح [4/ 378]. ودل هذا الحديث على جواز أجرة الحجام وهو قول الجمهور وحمل الجمهور أحاديث النهي على التنزيه لما في هذا الكسب من الدناءة والتلوث بالنجاسات، وذكر ابن الجوزي أن أجر الحجام إنما كُره لأنه من الأشياء التي تجب للمسلم على المسلم إعانة له عند الاحتياج إليه فما كان ينبغي له أن يأخذ على ذلك أجرًا، وجمع ابن العربي بين قوله صلى الله عليه وسلم:"كسب الحجام خبيث" وبين إعطائه الحجام أجرته بأن محل الجواز ما إذا كانت الأجرة على عمل معلوم ويُحمل الزجر على ما إذا كان على عمل مجهول، ومنهم من ادعى النسخ وأنه كان حرامًا ثم أبيح وجنح إلى ذلك الطحاوي اهـ من فتح الباري [4/ 376].

(وقال) صلى الله عليه وسلم: (إن أفضل) وأنفع (ما تداويتم) أي تعالجتم (به) من

ص: 258

الْحِجَامَةُ. أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ".

3906 -

(00)(00) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِي الْفَزَارِيَّ) عَنْ حُمَيدٍ، قَال: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ؟ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. غَيرَ أنَّهُ قَال: "إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ. وَلَا تُعَذِّبُوا

ــ

كثرة الدم (الحجامة) أي إخراج الدم الفاسد بالمحجم لا بالفصد وقطع العروق لأنه ربما يورث الشلل (أو) قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أو أنس والشك من أنس أو ممن دونه (هو) أي الحجم (من أمثل) وأحسن (دوائكم) وأنفعه في إخراج الدم الفاسد من الفصد ونحوه والظاهر أن الأفضلية هنا ليست شرعية بل هي طبيّة وتجريبية، وقد وقع عند النَّسائيّ بلفظ:"خير ما تداويتم به الحجامة".

قال أهل المعرفة: والخطاب بذلك لأهل الحجاز ومن كان في معناهم من أهل البلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة وتميل إلى ظاهر الأبدان لجذب الحرارة الخارجة لها إلى سطح البدن، ويؤخذ من هذا أَيضًا أن الخطاب لغير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم، وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن سيرين إذا بلغ الرَّجل أربعين سنة لم يحتجم، قال الطبري: وذلك أنَّه يصير من حينئذٍ في انتقاص من عمره وانحلال من قوى جسده فلا ينبغي له أن يزيده وهيًا بإخراج الدم اهـ وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه وعلى من لم يعتد به، وقد قال ابن سينا في أرجوزته:

ومن يكن تعوّد الفصاده

فلا يكن يقطع تلك العاده

ثم أشار أنَّه يقلل ذلك بالتدريج إلى أن ينقطع جملة في عشر الثمانين اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث التِّرْمِذِيّ [1278] ، وأبو داود [3224].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

3906 -

(00)(00)(حدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكيّ (حَدَّثَنَا مروان) بن معاوية (يعني الفزاري) أبو عبد الله الكُوفيّ نزيل مكة، ثِقَة، من (8) (عن حميد) الطَّويل (قال) حميد:(سئل أنس) بن مالك. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة مروان لإسماعيل بن جعفر (عن كسب الحجام) أهو حلال أم لا (فذكر) مروان (بمثله) أي بمثل حديث إسماعيل (غير أنَّه) أي لكن أن مروان (قال) في روايته:(أن أفضل ما تداويتم به الحجامة) بلا شك فيه، ومع زيادة لفظة (والقسط البحري ولا تعذبوا

ص: 259

صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ".

3907 -

(00)(00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيدٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: دَعَا النَّبِيّ صَلَّى

ــ

صبيانكم بالغمز) أي وإن أفضل وأسهل ما عالجتم به صبيانكم من العذرة إسعاط القسط الهندي أو تبخيرهم به فإنَّه ينفع من ذلك ولا تعذبوا صبيانكم بغمز حلوقهم وحكها بأصابعكم لعلاج العذرة وهو وجع الحلق وارتفاع اللهاة بالورم.

قال القرطبي: حديث أنس وحديث ابن عباس يدلان على جواز الاحتجام للحاجم والمحجوم، وجواز أخذ الأجرة على ذلك وقد بينا وجه كراهيتها، وفيه ما يدل على توظيف الخراج على العبيد إذا كانت لهم صنائع لكن على جهة الرفق لا العنف ويُكلّف من ذلك ما يقدر عليه ويستحب التَّخفيف عنهم كما قد كلم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سادات أبي طيبة في التَّخفيف، وقوله:(إن أفضل ما تداويتم به الحجامة) هذا الخطاب متوجه إلى من غلب عليه الدم فإخراجه بالحجامة أولى وأسلم من إخراجه بقطع العروق والفصاد، ويحتمل أن يكون الذين قال لهم هذا كان الغالب عليهم هيجان الدم فأرشدهم إلى إخراجه على الجملة بالحجامة لما ذكرناه من السلامة اهـ من المفهم.

وقوله: (القسط البحري) بضم القاف ويقال له: كست أَيضًا، وقال ابن العربي: والقسط نوعان: هندي وهو أسود وبحري وهو أبيض والهندي أشدهما حرارة، وقد وقع في الحديث الترغيب إلى كليهما فالقسط البحري مصرح ها هنا وأما الهندي فقد أخرج البُخَارِيّ في الطب باب السعوط بالقسط الهندي عن أم قيس بنت محصن قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بهذا العود الهندي" اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

3907 -

(00)(00)(حدثنا أَحْمد بن الحسن بن خراش) بكسر المعجمة الخُرَاسَانِيّ أبو جعفر البغدادي، صدوق، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا شبابة) بن سوار الفزاري مولاهم أبو عمرو المدائنيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا شعبة عن حميد) الطَّويل (قال: سمعت أنسًا يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لإسماعيل بن جعفر ومروان بن معاوية (دعا النَّبِيّ صلى

ص: 260

الله عَلَيهِ وَسلَّمَ غُلَامًا لَنَا حَجَّامًا. فَحَجَمَهُ. فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ مُدٍّ أَوْ مُدَّينِ. وَكَلَّمَ فِيهِ. فَخُفِّفَ عَنْ ضَرِيبَتِهِ.

3908 -

(1514)(77) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ. كِلَاهُمَا عَنْ وُهَيبٍ. حَدَّثنَا ابْنُ طَاوُسٍ،

ــ

الله عليه وسلم غلامًا لنا) معاشر الْأَنصار أي غلامًا لبني بياضة وهو أبو طيبة (حجامًا) أي يعرف الحجامة فأمره بأن يحجمه (فحجمه) أي فحجم الغلام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (فأمر) عليًّا رضي الله عنه كما مر أن يُعطى (له بصاع أو) قال الراوي بـ (مد أو) قال: بـ (مدين) شك شعبة فيما قاله حميد، ووقع في رواية آدم عنه عند البُخَارِيّ في الإجارة "بصاع أو صاعين أو مد أو مدين" وكذلك وقع الشك عنده أَيضًا في رواية سفيان وفيها "بصاع أو صاعين" ولم يذكر المد وقد تقدم في رواية إسماعيل بن جعفر أول الباب الجزم بالصاعين، وأخرجه البُخَارِيّ في البيوع من طريق مالك وفيه الجزم بالصاع ولعل السبب في هذا الاختلاف والشك أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أعطاه صاعًا ووضع صاعًا من خراجه كما تقدم من رواية ابن أبي شيبة أن خراجه كان صاعين وإليه أشار الحافظ في الفتح [4/ 378] والله سبحانه وتعالى أعلم. ورواية الجزم بالصاعين أرجح من غيرها لجزمها وخلوها عن الشك.

(وكلم) رسول الله صلى الله عليه وسلم مواليه (فيه) أي في شأن خراجه بأن يخففوا عنه (فخفف عنـ) ـه في (ضريبته) وجعلوا عليه كل يوم صاع تمر، قال في المصباح: وضربت عليه خراجًا إذا جعلته وظيفة والاسم الضريبة والجمع ضرائب.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

3908 -

(1514)(77)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عفان بن مسلم) بن عبد الله الأَنْصَارِيّ أبو عثمان البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10)(ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا) المغيرة بن سلمة القُرشيّ (المخزومي) أبو هشام البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9)(كلاهما) أي كل من عفان والمغيرة رويا (عن وهيب) بن خالد بن عجلان الباهليّ مولاهم أبي بكر البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7)(حَدَّثَنَا) عبد الله (بن طاوس) اليماني

ص: 261

عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَاسْتَعَطَ.

3909 -

(00)(00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ). قَالا: أخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: حَجَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ

ــ

(عن أَبيه) طاوس بن كيسان اليماني (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره) أي أجرة حجامته (واستعط) بوزن افتعل ماض من الاستعاط، وسينه أصلية وهو معطوف على احتجم أي واستعمل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم السعوط، والسعوط بفتح السين ما يُصب على الأنف من الدواء وطريق الاستعاط أن يستلقي الرَّجل على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه ويقطر في أنفه ماء أو دهنًا فيه دواء ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس، كذا في فتح الباري [10/ 124]. ولعل ذكر الاستعاط في هذا الحديث جاء في سياق ما تداوى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ابن عباس رضي الله عنهما منه الحجامة والاستعاط اهـ من التكملة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [5691] ، وأبو داود [3423].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

3909 -

(00)(00)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) الكسي (واللفظ) الآتي (لعبد) بن حميد (قالا: أخبرنا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ البَصْرِيّ (عن عاصم) بن سليمان الأحول التَّمِيمِيّ أبي عبد الرَّحْمَن البَصْرِيّ، ثِقَة من (4) روى عنه في (17) بابا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري أبي عمرو الكُوفيّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (19) بابا (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الشعبي لطاوس بن كيسان (قال) ابن عباس (حجم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالنصب على المفعولية قدّمه على الفاعل للتنويه والتشريف (عبد) بالرفع على الفاعلية (لبني بياضة) بطن من الْأَنصار

ص: 262

فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْرَهُ. وَكَلَّمَ سَيِّدَهُ فَخَفَّفَ عَنْهُ من ضَرِيبَتِهِ. وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

ــ

وهو صفة لعبد (فأعطاه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أجره) أي أجرة حجامته له صلى الله عليه وسلم (وكلم) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (سيده) أن يخفف عنه خراجه (فخفف) سيده (عنه) أي عن العبد أي وضع عنه وحط (من ضريبته) أي بعض ضريبته وخراجه، قال النووي: وحقيقة المخارجة أي صيغتها أن يقول السيد لعبده: عاقدتك على أن تكتب وتعطيني من الكسب كل يوم درهمًا مثلًا والباقي لك أو في كل أسبوع كذا وكذا ويشترط رضاهما اهـ. قال ابن عباس: (ولو كان) أجر الحجامة (سحتًا) أي حرامًا (لم يعطه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أجره لأنه إعانة على معصية، وفي قول ابن عباس هذا تقوية لمذهب الجمهور من أَجل أجرة الحجامة والله أعلم.

قال النووي: وفي هذه الأحاديث إباحة نفس الحجامة وأنها من أفضل الأدوية، وفيها إباحة التداوي دبهاباحة الأجرة على المعالجة بالتطبب، وفيها الشفاعة إلى أصحاب الحقوق والديون في أن يخففوا منها، وفيها جواز مخارجة العبد برضاه ورضاء سيده اهـ.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين: والثاني: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث جابر ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر الثاني، والرابع: حديث عبد الله بن مغفل ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث ابن عمر الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والسادس: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر الثالث وذكر فيه خمس متابعات، والسابع: حديث سفيان بن أبي زهير ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والتاسع: حديث ابن عباس ذكره استشهادًا لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 263