الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
579 - (19) باب لعن من أقدم على الربا واتقاء الشبهات وبيع البعير واستثناء حملانه
3959 -
(1535)(99) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ)(قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مُغِيرَةَ. قَال: سألَ شِبَاكٌ إِبْرَاهِيمَ. فَحَدَّثَنَا، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله. قَال: لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الربَا وَمُؤْكِلَهُ
ــ
579 -
(19) باب لعن من أقدم على الربا واتقاء الشبهات وبيع البعير واستثناء حملانه
3959 -
(1535)(99)(حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (واللفظ عثمان قال إسحاق: أخبرنا وقال عثمان: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن مغيرة) بن مقسم بكسر الميم الضبي مولاهم أبي هشام الكوفي، الفقيه الأعمى، ثقة، من (6)(قال) المغيرة (سأل شِباك) بكسر الشين المعجمة فموحدة خفيفة ثم كاف، الضبي الأعمى مات شابًّا، روى عن إبراهيم النخعي والشعبي وأبي الضحى وعنه مغيرة بن مقسم وفضيل بن غزوان ونهشل بن مجمع ولم يُخرج له مسلم شيئًا وإنما جاء ذكره في هذا الحديث، وهو ثقة، وثقه النسائي وابن حبان وابن سعد وابن شاهين وعثمان بن أبي شيبة، اهـ من التهذيب [4/ 302 و 303](إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (5) قال المغيرة:(فحدثنا) إبراهيم حين مسألة شِباك (عن علقمة) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (2)(عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا إسحاق بن إبراهيم (قال) عبد الله بن مسعود:(لعين رسول الله صلى الله عليه وسلم أي دعا عليه باللعن والطرد عن رحمة الله تعالى (آكل الربا) أي آخذه وإن لم يأكل وإنما خص بالأكل لأنه أعظم أنواع الانتفاع كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا} ـ (ومؤكله) بالهمز ويُبدل واوًا أي معطيه لمن يأخذه ديان لم يأكل منه نظرًا إلى أن الأكل هو الأغلب أو الأعظم كما مر آنفًا اهـ مرقاة؛ يعني الذي يؤدي الربا إلى غيره فإثم عقد الربا والتعامل به سواء في كل من الآخذ والمعطي، ثم أخذ الربا أشد من الإعطاء لما فيه من التمتع بالحرام ولهذا جاء إعطاؤه عند الضرورة الشديدة كما في شرح الأشباه
قَال: قُلْتُ: وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيهِ؟ قَال: إِنما نُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْنَا.
3960 -
(1536)(100) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَان بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالُوا: حَدَّثنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيهِ،
ــ
والنظائر للحموي وغيره (قال) علقمة بن قيس: (قلت) لعبد الله بن مسعود: (و) هل لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كاتبه) أي كاتب وثيقة عقد الربا (و) هل لعن (شاهديه) أي الشاهدين على عقد الربا (قال) عبد الله بن مسعود: (إنما) نحن (نحدث بما سمعنا) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نزيد عليه شيئًا، قال النووي: فيه تصريح بتحريم كتابة وثيقة المبايعة بين المترابين والشهادة عليها وبتحريم الإعانة على الباطل اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3333] في البيوع، والترمذي [1206] في البيوع، وقال الترمذي: حسن صحيح، وابن ماجه [2277] في التجارات باب التغليظ في الربا.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بحديث جابر رضي الله عنهما فقال:
3960 -
(1536)(100)(حدثنا محمَّد بن الصباح) الدولابي مولدًا الرازي ثم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وزهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالوا: حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي ثم البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (أخبرنا أبو الزبير) المكي محمَّد بن مسلم الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) جابر:(لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا) أي آخذه، قال القرطبي: وعبّر عن الأخذ بالأكل لأن الأخذ إنما يراد للأكل غالبًا، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] أي يأخذونها فإنه لم يعلق الوعيد على أموال اليتامى من حيث الأكل فقط بل من حيث إتلافها عليهم بأخذها منهم (وموكله) أي معطيه وهذا كما قال في الحديث الآخر: "الآخذ والمعطي فيه سواء" رواه مسلم والنسائي، وفي معنى المعطي المعين عليه (وكاتبه) الذي يكتب وثيقته (وشاهديه) أي من يتحمل الشهادة على عقده وإن لم
وَقَال: هُمْ سَوَاءٌ.
3961 -
(1537)(101) حدثنا محمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ الهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ النعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ:
ــ
يؤدها، وفي معناهما من حضره فأقره (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(هم) أي كل من هؤلاء الأربعة (سواء) أي في أصل الإثم وإن كانوا مختلفين في قدره اهـ من المرقاة، قال القرطبي: وإنما سوى بين هؤلاء في اللعنة لأنه لا يحصل عقد الربا إلا بمجموعهم ويجب على السلطان إذا وقع له أحد من هؤلاء أن يغلظ العقوبة عليهم في أبدانهم بالضرب والإهانة وبإتلاف مال الربا عليهم بالصدقة به كما يفعل المسلم إذا آجر نفسه في عمل الخمر فإنه يتصدق بالأجرة وبثمن الخمر إذا باعها المسلم ويدل على صحة ما ذكرناه قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} أي يفسخ عقده ويرفع بركته وتمام المحق بإتلاف ماله اهـ من المفهم.
قوله: (وكاتبه) لأن كتابة الربا إعانة عليه ومن هنا ظهر أن التوظف في البنوك الربوية لا يجوز فإن كان عمل الموظف في البنك مما يعين على الربا كالكتابة أو الحساب فذلك حرام لوجهين: الأول: الإعانة على المعصية، والثاني: أخذ الأجرة من المال الحرام فإن معظم دخل البنوك حرام مستجلب بالربا، وأما إذا كان العمل لا علاقة له بالربا فإنه حرام للوجه الثاني فحسب فإذا وجد بنك معظم دخله حلال جاز فيه التوظف للنوع الثاني من الأعمال والله أعلم. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال:
3961 -
(1537)(101)(حدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير الهمداني) الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابا (عن النعمان بن بشير) الأنصاري الخزرجي أبي عبد الله المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا النعمان بن بشير (قال) الشعبي:(سمعته) أي سمعت النعمان بن بشير (يقول:
سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيهِ إلى أُذُنَيهِ) "إِنَّ الْحَلال بَيِّنٌ وَإِن الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَينَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ الناسِ
ــ
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وأهوى النعمان) أي والحال أنه أهوى النعمان (بإصبعيه) السبابتين أي مدهما (إلى أذنيه) ليأخذهما إشارة إلى استيقانه بالسماع وتأكيدًا لسماعه منه صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ في الفتح [1/ 117] وفي هذا رد لقول الواقدي ومن تبعه إن النعمان لا يصح سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على صحة تحمل الصبي المميز لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات وللنعمان ثمان سنين.
ثم قال: ادعى أبو عمرو الداني أن هذا الحديث لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير النعمان بن بشير فإن أراد من وجه صحيح فمسلم وإلا فقد رويناه من حديث ابن عمر وعمار في الأوسط للطبراني، ومن حديث ابن عباس في الكبير له ومن حديث واثلة في الترغيب للأصبهاني وفي أسانيدها مقال، وادعى أيضًا أنه لم يروه عن النعمان بن بشير غير الشعبي وليس كما قال فقد رواه عن النعمان أيضًا خيثمة بن عبد الرحمن عند أحمد وغيره وعبد الملك بن عمير عند أبي عوانة وغيره وسماك بن حرب عند الطبراني لكنه مشهور عن الشعبي رواه عنه جمع جم من الكوفيين ورواه عنه من البصريين عبد الله بن عون وقد ساق البخاري إسناده في البيوع اهـ. (إن الحلال بين) أي ظاهر بأدلته (وإن الحرام بين) بأدلته (وبينهما) أمور (مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس) ليس المعنى كل ما هو حلال عند الله تعالى فهو بيّن بوصف الحل يعرفه كل أحد بهذا الوصف وإن ما هو حرام عند الله تعالى فهو كذلك وإلا لم تبق المشتبهات وإنما معناه أن الحلال من حيث الحكم تبين بأنه لا يضر تناوله وكذا الحرام بأنه يضر تناوله أي هما بيِّنان يعرف الناس حكمهما لكن ينبغي أن يعلم الناس حكم ما بينهما من المشتبهات بأن تناوله يُخرج من الورع ويُقرّب إلى تناول الحرام وعلى هذا فقوله: الحلال بين والحرام بيّن اعتذار عن ترك ذكر حكمهما اهـ سندي على النسائي، قال القرطبي: يعني أن كل واحد منهما مبين بأدلته في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تأصيلًا وتفصيلًا فمن وقف على ما في كتاب الله والسنة من ذلك وجد فيهما أمورًا جلية التحليل وأمورًا جلية التحريم وأمورًا مترددة بين التحليل والتحريم وهي التي تتعارض فيها الأدلة فهي المتشابهات وقد اختلف في حكمها وقيل: مواقعتها حرام لأنها توقع في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحرام وقيل: مكروهة والورع تركها وقيل: لا يقال فيها واحد منهما، والصواب الثاني لأن الشرع قد أخرجها من قسم الحرام فلا توصف به وهي مما يرتاب فيه وقد قال صلى الله عليه وسلم:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" رواه أحمد والترمذي والنسائي، وهذا هو الورع وقد قال فيها بعض الناس: إنها حلال ويتورع عنها.
(قلت): وليست بعبارة صحيحة لأن أقل مراتب الحلال أن يستوي فعله وتركه فيكون مباحًا وما كان كذلك لم يتصور فيه الورع من حيث هو متساوي الطرفين فإنه إن ترجح أحد طرفيه على الآخر خرج عن كونه مباحًا وحينئذٍ يكون تركه راجحًا على فعله وهو المكروه أو فعله راجحًا على تركه وهو المندوب، فإن قيل فهذا يؤدي إلى ترك معلوم من الشرع وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وأكثر الصحابة رضي الله عنهم كانوا يزهدون في المباح فإنهم رفضوا التنعم بأكل الطيبات من الأطعمة وبلباس اللين الفاخر من الملابس وبسكنى المباني الأنيقة من المساكن ولا شك في إباحة هذه الأمور ومع هذا فآثروا أكل الخشن ولباس الخشن وسكنى الطين واللبن وكل هذا معلوم من حالهم منقول من سيرتهم.
فالجواب إن تركهم التنعم بالمباح لا بد له من موجب شرعي أوجب ترجيح الترك على الفعل وحينئذٍ يلزم عليه خروج المباح عن كونه مباحًا فإن حقيقته التساوي من غير رجحان فلم يزهدوا في مباح بل في أمر تركه خير من فعله شرعًا وهذه حقيقة المكروه فإذًا إنما زهدوا في مكروه غير أن المكروه تارة يكرهه الشرع من حيث هو كما كره لحوم السباع وتارة يكرهه لما يؤدي إليه كما كره القبلة للصائم فإنها تكره لما يُخاف منها من فساد الصوم وتركهم التنعم من هذا القبيل فإنه انكشف لهم من عاقبته ما خافوا على نفوسهم منه مفاسد إما في الحال كالركون إلى الدنيا وإما في المال كالحساب عليه والمطالبة بالشكر وغير ذلك مما ذُكر في كتب الزهد وعلى هذا فقد ظهر ولاح أنهم لم يزهدوا ولا تورعوا عن مباح بل عن مكروه خوفًا من الوقوع في الحرام اهـ من المفهم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الحلال بيّن والحرام بيّن) فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بيّن واضح لا يخفى حاله كالخبز والفواكه والزيت والسمن والعسل ولبن مأكول اللحم وبيضه وغير ذلك من المطعومات وكذلك الكلام والمشي والنظر وغير ذلك
فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ
ــ
من التصرفات فيها حلال بين واضح لا شك في حله، وأما الحرام البين فكالخمر والخنزير والميتة والبول والدم المسفوح وكذلك الزنا والكذب والغيبة والنميمة والنظر إلى الأجنبية وأشباه ذلك، وأما المشتبهات فمعناه أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يعلمون حكمها كما تولد بين شاة وكلب وما رُكب من حرير وغيره وكتزوجه بنته من الزنا، وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك فإن تردد بين الحل والحرمة ولم يكن فيه نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي فإذا ألحقه بالحلال صار حلالًا وقد يكون دليله غير خال عن الاحتمال البين فيكون الورع تركه ويكون داخلًا في قوله صلى الله عليه وسلم:"فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" وما لم يظهر للمجتهد فيه شيء وهو مشتبه فهل يؤخذ بحله أم بحرمته أم يتوقف؟ فيه ثلاثة مذاهب حكاها القاضي عياض وغيره والظاهر أنها مخرجة على الخلاف المذكور في الأشياء قبل ورود الشرع، وفيه أربعة مذاهب: الأصح أنه لا يحكم عليها بحل ولا حرمة ولا غيرهما لأن التكليف عند أهل الحق لا يثبت إلا بالشرع، والثاني: أن حكمها التحريم، والثالث: الإباحة، والرابع: التوقف والله أعلم اهـ نووي.
وقوله: (وبينهما أمور مشتبهات) كذا في النسخ الموجودة عندنا ولكن ذكر العسقلاني والعيني أن مسلمًا إنما رواه بلفظ مشبهات بصيغة اسم مفعول من شبه المضعف، وذكر العيني أن الحديث ورد بخمس روايات: الأولى: مشتَبِهات على صيغة اسم الفاعل من افتعل الخماسي يعني المشكلات من الأمور لما فيها من شبه الطرفين المتخالفين فيشتبه بهذا مرة وبهذا مرة أخرى، والثانية متشَبِّهات بوزن متفعلات على صيغة اسم الفاعل من تفعل الخماسي كما في رواية الطبري وفي المغني هي كالأولى إلا أن فيها معنى التكلف، والثالثة: مشبَّهات على صيغة اسم المفعول من شبه الرباعي المضعف وهي رواية السمرقندي ورواية مسلم والمعنى أنها مشبَّهات بغيرها ما لم يتيقن فيه حكمها على التعيين ويقال معناه مشبهات بالحلال، والرابعة: مشبَّهات على صيغة اسم الفاعل من شبه المضعف ومعناها أنها تشبه أنفسها بالحلال، والخامسة: مُشْبِهات على صيغة اسم الفاعل من أشبه الرباعي ومعناها مثل التي قبلها اهـ عيني [1/ 345].
(فمن اتقى) أي تورع وتحرز (الشبهات) وابتعد عنها وتركها بضم الشين والباء
اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ. وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الْحَرَامِ
ــ
والمراد ترك ما يشتبه كونه حلالًا فقد (استبرأ) أي طلب البراءة من الذم الشرعي والإثم وحصلها (لدينه و) صان لـ (عرضه) وحفظه من وقوع الناس فيه وتعييبهم له، والعرض بكسر العين وسكون الراء موضع المدح والذم من الناس والمعنى من ترك ما يشتبه عليه سلم دينه مما يفسده أو ينقصه وعرضه مما يشينه ويعيِّبه فيسلم من عقاب الله تعالى وذمّه ويدخل في زمرة المتقين الفائزين بثناء الله تعالى وثوابه لكن لا يصح اتقاء الشبهات حتى تعرف ومعرفتها على التعيين والتفصيل يستدعي فصل تطويل لكن نعقد فيه عقدًا كليًّا إن شاء الله تعالى عن التفصيل مغنيًا فنقول: المكلف بالنسبة إلى الشرع إما أن يترجح فعله على تركه، أو تركه على فعله، أو لا يترجح واحد منهما فالراجح الفعل، أو الترك، إما أن يجوز نقيضه بوجه ما أو لا يجوز نقيضه؟ فإن لم يجز نقيضه فهو المعلوم الحكم من التحليل كحلية لحوم الأنعام أو من التحريم كتحريم الميتة والخنزير على الجملة فهذان النوعان هما المرادان بقوله: الحلال بيّن والحرام بين، وأما إن جوز نقيض ما ترجح عنده فإما أن يكون ذلك التجويز بعيدًا لا مستند له أكثر من توهم وتقدير فلا يلتفت إلى ذلك ويُلغى بكل حال وهذا كترك النكاح من نساء بلدة كبيرة مخافة أن يكون له فيها ذات محرم من النسب أو الرضاع أو كترك استعمال ماء بأن على أوصافه في فلاة من الأرض مخافة تقدير نجاسة وقعت فيه أو كترك الصلاة على موضع لا أثر ولا علامة للنجاسة فيه مخافة أن يكون فيها بول قد جف أو كتكرار غسل الثوب مخافة طرو نجاسة لم يشاهدها إلى غير ذلك مما في معناه فهذا النوع يجب أن لا يلتفت إليه والتوقف لأجل ذلك التجويز هوس والورع فيه وسوسة شيطانية إذ ليس فيه من معنى الشبهة شيء وقد دخل الشيطان على كثير من أهل الخير من هذا الباب حتى يعطل عليهم واجبات أو ينقص ثوابها لهم وسبب الوقوع في ذلك عدم العلم بالمقاصد الشرعية وأحكامها اهـ من المفهم.
(ومن وقع في الشبهات) أي ارتكب الأمور المشتبهة (وقع في الحرام) وهذا يكون لأحد وجهين أحدهما إذا عود لنفسه عدم التحرز مما يشتبه أثر ذلك في استهانته وعدم المبالاة بأمور الدين فوقع في الحرام مع العلم به، وقيل: إن من أكثر الوقوع في الشبهات أظلم قلبه عليه لفقدان نور العلم والورع فيقع في الحرام ولا يشعر به.
وثانيهما: أن من اشتبه عليه الحكم في مسألة فارتكبها بدون تحقيق أو سؤال عنه
كَالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى. يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. أَلا وإن لِكُل مَلِكٍ حِمَى. أَلا وَإِنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ. أَلا وإن في الْجَسَدِ
ــ
فيمكن أن يكون ذلك الفعل حرامًا في نفس الأمر فحينئذٍ صار الوقوع في الشبهة وقوعًا في الحرام والله تعالى أعلم اهـ من التكملة.
حالة كون ذلك الواقع في الشبهات (كالراعي) الذي (يرعى) المواشي (حول الحمى) أي حول المرعى الذي حماه الملك ومنعه من الناس حالة كون ذلك الراعي (يوشك) ويقرب (أن يرتع) ويرعى مواشيه (فيه) أي في ذلك الحمى الذي حماه الإِمام فتصيبه العقوبة منه، والحمى بكسر الحاء وبالقصر كل موضع حظره السلطان لنفسه ومنع الغير من الدخول فيه وأكثر ما يستعمل في مراعي المواشي.
وقوله: (يوشك) بضم الياء وكسر الشين مضارع أوشك الرباعي بفتحها وهو من أفعال المقاربة ومعناه هنا يقع في الحرام بسرعة و (يرتع) بفتح التاء مضارع رتع بفتحها أيضًا وفُتحت في المضارع لوجود حرف الحلق لأنه من داعي الفتح بشرطه المذكور في كتب الصرف كما بسطنا الكلام عليه في شرحنا مناهل الرجال على لامية الأفعال؛ ومعناه أكل الماشية من المرعى وأصله إقامتها فيه وتبسطها في الأكل منه، ومنه قوله تعالى:{يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: 12] وهذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لمحارم الله تعالى وأصله أن ملوك العرب كانت تحمي مراعي لمواشيها الخاصة بها وتُحرِّج بالتوعد بالعقوبة على من قربها فالخائف من عقوبة السلطان يبعد بماشيته من ذلك الحمى لأنه إن قرب منه فالغالب الوقوع وإن أكثر الحذر إذ قد تنفرد الفاذة وتشذ الشاذة ولا تنضبط فالحذر أن يجعل بينه وبين ذلك الحمى مسافة بحيث يأمن فيها من وقوع الفاذة والشاذة فيه وهكذا محارم الله تعالى لا ينبغي أن يحوم حولها مخافة الوقوع فيها على الطريقتين المتقدمتين.
(ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (وإن لكل ملك) من ملوك الدنيا أي لجنسهم (حمى) أي مرعى حماه ومنعه من الناس لرعي مواشيه وإلا فليس لكل ملك حمى بل لبعضهم (ألا وإن حمى الله) الذي حمى عباده منه (محارمه) أي محرماته أي ما حرمه على عباده من المنهيات والمعاصي، ولما كان التورع يميل القلب إلى الصلاح وعدمه يميله إلى الفجور، نبه النبي صلى الله عليه وسلم عليه بقوله:(ألا وإن في الجسد)
مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ"
ــ
أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم، وإن في جنس الجسد والجسم (مضغة) أي قطعة لحم قدر ما يمضغه الماضع والمضغة في اللغة قطعة لحم قدر ما يُمضغ عند الأكل وعبّر بها هنا عن القلب فإنه صغير جرمه في الرؤية وكبير قدره لأن صلاح سائر البدن وفساده تابع له (إذا صلحت) بفتح اللام من باب نصر أي إذا انشرحت واتسعت تلك المضغة بالهداية (صلح الجسد كله) أي استعملت الجوارح في الخيرات لأنها متبوعة للجسد وهي وإن كانت صغيرة صورة لكنها كبيرة رتبة لكونها الأميرة للجسد (وإذا فسدت) تلك المضغة أي انشرحت بالضلالة وهو من باب نصر أيضًا (فسد الجسد كله) باستعمال آلاته في المنكرات (ألا وهي) أي وتلك المضغة التي كانت أميرة الجسد (القلب) سميت بالقلب لأنها محل الخواطر المختلفة الحاملة على الانقلابات اهـ من المبارق.
وعبارة النووي هنا قوله: (ألا وإن لكل ملك حمى) إلخ معناه أن الملوك من العرب وغيرهم يكون لكل منهم حمى يحميه عن الناس ويمنعهم دخوله فمن دخله أوقع به العقوبة ومن احتاط لنفسه لا يقارب ذلك الحمى خوفًا من الوقوع فيه، ولله تعالى أيضًا حِمَى وهي محارمه أي المعاصي التي حرمها الله تعالى كالقتل والزنا والسرقة والقذف والخمر والكذب والغيبة والنميمة وأكل المال بالباطل وأشباه ذلك فكل هذا حمى الله تعالى من دخله بارتكابه شيئًا من المعاصي استحق العقوبة ومن قاربه يوشك أن يقع فيه فمن احتاط لنفسه لم يقاربه ولم يتعلق بشيء يقربه من المعصية فلا يدخل في شيء من الشبهات (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله) قال أهل اللغة: يقال صلح الشيء وفسد بفتح اللام والسين وضمهما والفتح أفصح وأشهر والمعنى إذا صارت تلك المضغة ذات صلاح أو ذات فساد وقد يقال: صلح وفسد بضم العين فيهما إذا صار الصلاح أو الفساد هيئة لازمة لها كما يقال ظرف وشرف، والمضغة: القطعة من اللحم سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها قالوا: المراد تصغير القلب بالنسبة إلى باقي الجسد مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب اهـ منه، قوله:(ألا وهي القلب) هذا اللفظ في الأصل مصدر قلبت الشيء أقلبه من باب ضرب إذا رددنه على بدأته وقلبت الإناء إذا رددته على وجهه وقلبت الرجل عن رأيه إذا صرفته عنه وعن طريقه كذلك ثم نُقل هذا اللفظ فسُمي به هذا العضو الذي هو أشرف أعضاء الحيوان لسرعة الخواطر فيه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولترددها عليه وقد نظم بعض الفضلاء هذا المعنى فقال:
ما سُمي القلب إلا من تقلبه
…
فاحذر على القلب من قلب وتحويل
وفي اللسان وتاج العروس:
ما سُمي القلب إلا من تقلبه
…
والرأي يصرف بالإنسان أطوارا
ولبعضهم:
وما سُمي الإنسان إلا لنسيه
…
وما القلب إلا أنه يتقلب
ثم لما نقلت العرب هذا المصدر إلى هذا العضو التزمت فيه تفخيم قافه تفريقًا بينه وبين أصله وليحذر اللبيب من سرعة انقلاب قلبه إذ ليس بين القلب والقلب إلا التفخيم وما يعقلها إلا كل ذي فهم مستقيم.
ثم اعلم أن الله تعالى خص جنس الحيوان بهذا العضو المسمى بالقلب وأودع فيه المعنى الذي تنظم به المصالح المقصودة من ذلك النوع فتجد البهائم تدرك مصالحها ومنافعها وتميّز بين مفاسدها ومضارها مع اختلاف أشكالها وصورها إذ منها ما يمشي على بطنه ومنها ما يمشي على أربع ومنها ما يطير بجناحيه ثم خص الله تعالى من بين سائر الحيوان نوع الإنسان الذي هو المقصود الأول من الكونين والمعنى في العالمين بهذا القلب المخصوص المشتمل على هذا المعنى المخصوص الذي تميّز الإنسان ووقع به بينه وبين سائر الحيوانات الفرقان وهو المعنى الذي به يفهم القلب المفهومات ويحصل به على معرفة الكليات والجزئيات ويعرف به فرق ما بين الواجبات والجائزات والمستحيلات، وقد أضاف الله تعالى العقل إلى القلب كما أضاف السمع إلى الأذن والإبصار إلى العين فقال تعالى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46] وهو رد على من قال من أهل الضلال إن العقل في الدماغ وهو قول من زل عن الصواب وزاغ كيف لا وقد أخبرنا عن محله خالقه القدير {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 14] وقد روي ذلك عن أبي حنيفة وما أظنها عنه معروفة.
وإذا فهمت أن الإنسان إنما شرفه الله تعالى على سائر الحيوان بهذا القلب وأن هذا القلب لم يشرف من حيث صورته الشكلية فإنها موجودة لغيره من الحيوانات البهيمية بل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من حيث هو مقر لتلك الخاصية الإلهية علمت أنه أشرف الأعضاء وأعز الأجزاء إذ ليس ذلك المعنى موجودًا في شيء منها ثم إن الجوارح مسخرة له ومطيعة فما استقر فيه ظهر عليها وعملت على مقتضاه إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر وعند هذا انكشف لك معنى قوله: (إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله) ولما ظهر ذلك وجبت العناية بالأمور التي يصلح بها القلب ليتصف بها وبالأمور التي تفسد القلب ليجتنبها ومجموع ذلك علوم وأعمال وأحوال.
فالعلوم ثلاثة: الأول: العلم بالله تعالى وصفاته وأسمائه وتصديق رسله فيما جاؤوا به. والثاني: العلم بأحكامه عليهم ومراده منهم. والثالث: العلم بمساعي القلوب من خواطرها وهمومها ومحمود أوصافها ومذمومها. وأما أعمال القلوب فالتحلي بالمحمود من الأوصاف والتخلي عن المذموم منها ومنازلة المقامات والترقي عن مفضول المنازلات إلى سَنِيِّ الحالات.
وأما الأحوال فمراقبة الله تعالى في السر والعلن والتمكن من الاستقامة على السنن وإلى هذا أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "أن تعبد الله كأنك تراه" وتفصيل هذه المعاقد الجمليّة توجد في تصانيف محققي الزهادية.
(تنبيه): الجوارح وإن كانت متابعة للقلب فقد يتأثر القلب بأعمالها للارتباط والعلاقة التي بين الباطن والظاهر والقلب مع الجوارح كالملك مع الرعية إن صلح صلحت ثم يعود صلاحها عليه بزيادة مصالح ترجع إليه ولذلك قيل: الملك سوق ما نفق عنده جلب عليه وقد نص على هذا المعنى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الرجل ليصدق فينكت في قلبه نكتة بيضاء حتى يكتب عند الله تعالى صدّيقًا، وإن الرجل ليكذب الكذبة فيسودّ قلبه حتى يكتب عند الله كذابًا" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وفي الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"إن الرجل ليصيب الذنب فيسود قلبه فإن هو تاب صقُل قلبه" قال: وهو الران الذي ذكر الله تعالى في كتابه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [المطففين: 14] وقال مجاهد: القلب كالكف تُقبض منه بكل ذنب أصبع ثم يُطبع، وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله:"إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله" متصلًا بقوله: "الحلال بيّن والحرام بيّن" إشعارًا بأن أكل الحلال ينوره
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويصلحه وأكل الحرام والشبهة يفسده ويقسيه ويظلمه وقد وجد ذلك أهل الورع حتى قال بعضهم: استسقيت جُنديًا فسقاني شربة ماء فعادت قسوتها على قلبي أربعين صباحًا، وقيل الأصل المصحِّح للقلوب والأعمال أكل الحلال ويُخاف على آكل الحرام والمتشابه أن لا يقبل له عمل ولا تسمع له دعوة ألا تسمع قوله تعالى:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] وآكل الحرام المسترسل في الشبهات ليس بمتق على الإطلاق وقد عضد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبًا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] وقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغُذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" رواه مسلم والترمذي، ولما شرب أبو بكر جرعة لبن من شبهة استقاءها فأجهده ذلك حتى تقياها فقيل له: أكُل ذلك في شربة فقال: والله لو لم تخرج إلا بنفسي لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به" رواه الطبراني في الكبير.
وعند هذا يعلم الواحد منا قدر المصيبة التي هو فيها وعظم المحنة التي ابتلي بها إذ المكاسب في هذه الأعصار قد فسدت وأنواع الحرام والشبهات قد عمت فلا يكاد منا اليوم يتوصل إلى الحلال ولا ينفك عن الشبهات فإن الواحد منا وإن اجتهد فيما يعمله فكيف يعمل فيمن يعامله مع استرسال الناس في المحرمات والشبهات وقلة من يتقي ذلك من جميع الأصناف والطبقات مع ضرورة المخالطة والاحتياج للمعاملة، وعلى هذا فالخلاص بعيد والأمر شديد ولولا النهي عن القنوط واليأس لكان ذلك أولى بأمثالنا من الناس لكنا إذا دفعنا عن أنفسنا أصول المحرمات واجتهدنا في ترك ما يمكننا من الشبهات فعفو الله تعالى مأمول وكرمه مرجو فلا ملجأ لنا إلا هو ولا مفزع إلا إليه ولا استعانة إلا به ولا استغاثة إلا إليه ولا حول ولا قوة إلا باللهِ العلي العظيم.
(تنبيه) ثان: وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الشريعة حتى لقد قال أبو داود: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث الثابت منها أربعة آلاف حديث وهي ترجع إلى أربعة أحاديث: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه، و"من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" رواه الترمذي وابن ماجه،
3962 -
(00)(00) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. قَالا: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ
ــ
و"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه، و"الحلال بين والحرام بين" متفق عليه، وقد جعل غيره مكان: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب
…
" إلخ قوله: "ازهد في الدنيا يحبك الله" وقد نظم رموز هذه الأحاديث الأربعة أبو الحسن طاهر بن مفوز فقال:
عمدة الدين عندنا كلمات
…
أربع من كلام خير البرية
اتق المشبهات وازهد ودع ما
…
ليس يعنيك واعملن بنيَّةْ
(قلت): وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة رحمهم الله تعالى كلام حسن غير أنهم لو أمعنوا النظر في هذا الحديث كله من أوله إلى آخره لوجدوه متضمنًا لعلوم الشريعة كلها ظاهرها وباطنها وإن أردت الوقوف على ذلك فأعد النظر فيما قررناه من الجمل في الحلال والحرام والمتشابهات وما يُصلح القلوب وما يفسدها وتعلق أعمال الجوارح بها وحينئذٍ يستلزم هذا الحديث معرفة تفاصيل أحكام الشريعة كلها أصولها وفروعها والله هو المسؤول أن يستعملنا بما علمنا ويوفقنا بما يرضيه عنا إنه ولي التوفيق والهداية لأقوم الطريق والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [52] ، وأبو داود [3329] ، والترمذي [1205] والنسائي [7/ 241].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث النعمان رضي الله عنه فقال:
3962 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع (ح) وحدثنا إسحاق ابن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (قالا): أي قال كل من وكيع وعيسى (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة الهمداني الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن الشعبي عن النعمان (مثله) أي مثل ما روى عبد الله بن نمير عن زكريا بن أبي زائدة، غرضه بيان متابعة وكيع وعيسى لعبد الله بن نمير في الرواية عن زكرياء.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال:
3963 -
(00)(00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَبِي فَرْوَةَ الْهَمْدَانِيّ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْقَارِيَّ) عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَعِيدٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِهذا الْحَدِيثِ. غَيرَ أَنَّ حَدِيثَ زَكَرِيَّاءَ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثهِمْ، وَأَكْثَرُ
ــ
3963 -
(00)(00)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن مطرف) بن طريف الحارثي أبي بكر الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (و) عن عروة بن الحارث الكوفي (أبي فروة) الأكبر (الهمداني) روى عن الشعبي في البيوع، وابن أبي ليلى وأبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي، ويروي عنه (خ م د س) وجرير بن عبد الحميد، وأبو إسحاق أكبر منه، ومسعر والثوري وشعبة، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري) نسبة إلى قارة اسم قبيلة المدني، ثقة، من (8)(عن) محمَّد (بن عجلان) القرشي المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن عبد الرحمن بن سعيد) بن وهب الهمداني الخيواني بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتانية نسبة إلى خيوان بطن من همدان الكوفي، روى عن الشعبي في البيوع وأبيه وعائشة، ويروي عنه (م س) وابن عجلان، وثقه أبو حاتم والنسائي، وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة يعني مطرفًا وأبا فروة وعبد الرحمن بن سعيد رووا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الكوفي (عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما وهو أول مولود من الأنصار بعد الهجرة كما أن عبد الله بن الزبير أول مولود من المهاجرين بعد الهجرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الله بن نمير وزكرياء بن أبي زائدة أي كلهم رووا عن الشعبي (بهذا الحديث) المذكور عن النعمان (غير أن) أي لكن أن (حديث زكرياء) بن أبي زائدة (أتم) سندًا أي أصح سندًا (من حديثهم) أي من حديث هؤلاء الثلاثة لما في حديث زكرياء من تصريح سماع الشعبي عن النعمان وتصريح سماع النعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم دون حديثهم فإنهم عنعنوا في الموضعين (و) حديث زكرياء (أكثر) أي أطول متنًا من حديثهم.
3964 -
(00)(00) حدَّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ نُعْمَانَ بْنَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِحِمْصَ. وَهُوَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْحَلالُ بَين وَالْحَرَامُ بَيِّن". فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الشعْبِي، إلى قَوْلِهِ:"يُوشِكُ أن يَقَعَ فِيهِ"
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال:
3964 -
(00)(00)(حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد) الفهمي المصري، ثقة، من (11)(حدثني أبي) شعيب بن الليث، ثقة، من (10)(عن جدي) ليث بن سعد، ثقة ثبت، من (7)(حدثني خالد بن يزيد) الجمحي مولاهم أبو عبد الرحيم المصري الإسكندراني، ثقة، من (6)(حدثني سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبو العلاء المصري، قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، وقال الساجي: صدوق، وقال العجلي: مصري ثقة، ووثقه ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي والخطيب وابن عبد البر، وقال في التقريب: صدوق، من (6)(عن عون بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي أبي عبد الله الكوفي الزاهد، ثقة، من (4)(عن عامر) بن شراحيل الحميري (الشعبي) الكوفي، ثقة، من (3)(أنه سمع نعمان بن بشير بن سعد) الأنصاري الخزرجي (صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة عون بن عبد الله لزكرياء بن أبي زائدة أي سمع النعمان (وهو) أي والحال أن النعمان (يخطب الناس) أي يذكر الناس ويعظهم (بحمص) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم بلدة كبيرة في الشام (وهو) أي والحال أن النعمان (يقول) في خطبته: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحلال بيّن والحرام بيّن فذكر) عون بن عبد الله (بمثل حديث زكرياء) بن أبي زائدة (عن الشعبي إلى قوله): أي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يقع فيه) ولم يذكر عون ما بعده، وقال: يقع بدل قول زكرياء يرتع والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال:
3965 -
(1537)(102) حدثنا محمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أبي. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ. حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أعْيَا. فَأرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ. قَال: فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ. فَسَارَ سَيرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ. قَال: "بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ" قُلْتُ: لَا. ثُمَّ قَال: "بِعْنِيهِ" فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ. وَاسْتَثْنَيتُ عَلَيهِ حُمْلانَهُ إلى أَهْلِي
ــ
3965 -
(1537)(102)(حدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة (عن عامر) بن شراحيل الشعبي (حدثني جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا جابر بن عبد الله (أنه) أي أن جابرًا (كان يسير) ويذهب راكبًا (على جمل له) وهو ذكر الإبل وكان ذلك في سفر رجوعهم من غزوة تبوك أو ذات الرقاع (قد أعيا) وعجز عن السير في الطريق (فأراد) جابر (أن يسيبه) أي أن يُسيب الجمل ويتركه في الطريق (قال) جابر:(فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم من ورائي (فدعا لي) في سير الجمل ونشاطه (وضربه) أي وضرب النبي صلى الله عليه وسلم الجمل بعصاه ليقوم ويسير (فسار) الجمل (سيرًا لم يسر مثله) قط فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لجابر: (بعنيه) يا جابر أي بعني هذا الجمل (بوقية) -بضم الواو وكسر القاف وتشديد الياء المفتوحة- لغة في الأوقية أي بعنيه بوقية ذهب، قال النووي: هكذا هو في النسخ بوقية وهي لغة صحيحة سبقت مرارًا ويقال: أوقية وهي أشهر، وفيه أنه لا بأس بطلب البيع من مالك السلعة وإن لم يعرضها للبيع، قال جابر:(قلت) له: (لا) أبيعك يا رسول الله بل سأهبه لك (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعنيه) يا جابر مرة ثانية، قال جابر:(فبعته بوقية) من ذهب امتثالًا لأمره وإلا فقد كان غرضه أن يهبه له صلى الله عليه وسلم (واستثنيت) أي وشرطت (عليه) صلى الله عليه وسلم (حملانه) بضم الحاء وسكون الميم أي حملان الجمل وركوبه (إلى) وصول (أهلي) في المدينة، وهذا صريح في جواز بيع الدابة واستثناء ركوبها وشرطه قال به ابن شبرمة وغيره من الناس ومنعه أبو حنيفة والشافعي أخذًا بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط ورأوا أن هذا النهي أولى من حديث جابر إما لأنه ناسخ له أو مرجح عليه، وقال مالك: يجوز ذلك إذا كانت المسافة قريبة معلومة وحمل هذا الحديث عليه.
فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيتُهُ بِالْجَمَلِ. فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ. ثُمَّ رَجَعْتُ. فَأَرْسَلَ في أَثَرِي. فَقَال: "أَتُرَاني مَاكسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ. فَهُوَ لَكَ".
3966 -
(00)(00) وحدّثناه عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عيسَى (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ)
ــ
وقد اختلفوا في جواز البيع والشرط فصححهما ابن شبرمة وأبطلهما أبو حنيفة وصحح ابن أبي ليلى البيع وأبطل الشرط تمسكًا بحديث بريرة المتقدم، وأما مالك فيحمل النهي عن بيع وشرط عنده على شرط يناقض مقصود العقد كقوله: أبيعك هذه الجارية على أن لا تطأها أو على أن لا تبيع وما شاكل ذلك فجمع بين الأحاديث وهي طريقته في القديم والحديث اهـ من المفهم.
(فلما بلغت) المدينة ووصلت إلى أهلي (أتيته) صلى الله عليه وسلم وجئته (بالجمل فنقدني) أي أعطاني (ثمنه) نقدًا أي وزنًا بالوقية (ثم رجعت) إلى أهلي (فأرسل) أي بعث رجلًا (في أثري) أي ورائي فطلبني بالرجوع إليه فرجعت إليه (فقال) لي: (أتراني) بضم التاء أي تظنني (ماكستك) أي عاملتك بالنقص من الثمن، ذكر النووي أن المماكسة هي المكالمة في النقص من الثمن وأصلها النقص ومنه مكس الظالم وهو ما ينتقصه ويأخذه من أموال الناس اهـ وفي النهاية المماكسة انتقاص الثمن واستحطاطه أي أتظن بي أني ناقصت ثمن جملك (لآخذ جملك) بثمن ناقص وهو بفتح الهمزة وضم الخاء وفتح الذال على صيغة المضارع واللام فيه حينئذٍ لام كي كذا لجميع الرواة، وذكر الأبي عن القاضي عياض ضبطه بسكون الخاء وكسر الذال على صيغة المصدر المجرور بلام التعليل وقيد علي بن بحر (لا)(خذ جملك) على أن لا نافية، وخذ فعل أمر، والمعنى واحد (خذ جملك) الذي اشتريت منك (ودراهمك) التي سلمتها إليك في ثمن الجمل (فهو) أي الثمن الذي سلمته إليك باق (لك) فلا ترده على بعد أخذ الجمل، أو الضمير للمذكور من الجمل والدراهم والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 375] ، والبخاري [2097] ، وأبو داود [3505] ، والترمذي [1253] ، والنسائي [7/ 297] ، وابن ماجه [2205].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3966 -
(00)(00)(وحدثناه علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (10)(أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8)
عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عَامِرٍ. حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ.
3967 -
(00)(00) حدْثنا عُثْمَانُ بْنُ أبي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ)(قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال عُثْمَانُ: حَدَّثنَا جَرِيرٌ) عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَتَلاحَقَ بِي. وَتَحْتِي نَاضِحٌ لِي قَدْ أَعْيَا وَلَا يَكَادُ يَسِيرُ. قَال: فَقَال لِي: "مَا لِبَعِيرِكَ؟ "
ــ
(عن زكرياء) بن أبي زائدة الهمداني الكوفي، ثقة، من (6)(عن عامر) بن شراحيل الشعبي الكوفي، ثقة، من (3)(حدثني جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما وساق عيسى بن يونس (بمثل حديث) عبد الله (بن نمير) غرضه بيان متابعة عيسى لعبد الله بن نمير.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3967 -
(00)(00)(حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ لعثمان قال إسحاق: أخبرنا وقال عثمان: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن مغيرة) بن مقسم الضبي الكوفي، ثقة، من (6)(عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما الأنصاري المدني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مغيرة بن مقسم لزكرياء بن أبي زائدة (قال) جابر:(فزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك كما صرح به في رواية البخاري وجزم ابن إسحاق بأن ذلك في غزوة ذات الرقاع، وقال ابن حجر: وهي الراجحة في نظري لأن أهل المغازي أضبط لذلك من غيرهم اهـ من الإرشاد. فاستعجلت الرجوع إلى أهلي لحداثة تزوجي فاستأذنته فأذن لي في المتقدم فتقدمت عليهم (فتلاحق بي) أي أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحقني من ورائي (وتحتي ناضح لي) أي جمل نستقي عليه الماء في المدينة (قد أعيا) أي عجز عن السير بي (ولا يكاد يسير) أي لا يقرب أن يمشي بي لنهاية إعيائه (قال) جابر: (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لبعيرك) أي أي شيء ثبت لجملك لا يسير بك يا جابر.
قال القرطبي: والبعير من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس يقال للجمل بعير وللناقة بعير، تقول العرب: صرعني بعيرك وشربت من لبن بعيري وإنما يقال له بعير إذا أجذع
قَال: قُلْتُ: عَلِيلٌ. قَال: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ. فَمَا زَال بَينَ يَدَيِ الإِبِلِ قُدامَهَا يَسِيرُ. قَال: فَقَال لِي: "كَيفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ " قَال: قُلْتُ: بِخَيرٍ. قَدْ أصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ. قَال: "أَفَتَبِيعُنِيهِ؟ " فَاسْتَحْيَيتُ. وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غيرُهُ. قَال: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَبِعْتُهُ إِياهُ. عَلَى أَن لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ. قَال: فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ الله، إِني عَرُوسٌ فَاسْتَأْذَنْتُهُ. فَأَذِنَ لِي. فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ. حَتَّى انتَهَيتُ. فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنِ الْبَعِيرِ
ــ
أي صار جذعًا، والجذع من الإبل ما استكمل أربعة أعوام ودخل في السنة الخامسة سُمي جذعًا لأنه أجذع وأسقط مقدم أسنانه اهـ من المفهم بزيادة.
(قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم في جواب استفهامه عن البعير هو (عليل) أي مريض (قال) جابر: (فتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قام خلف الجمل (فزجره) أي زجر الجمل عن البطء في السير وحثه عليه (ودعا له) أي للجمل بالشفاء والنشاط في السير فشفاه الله تعالى فصار يسرع فيه (فما زال) الجمل يسرع (بين يدي الإبل) أي إبل القوم، حالة كونه (قدامها يسير) ولابن سعد من هذا الوجه فانبعث فما كدت أمسكه، ولمسلم من رواية ابن الزبير عن جابر فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمع حديثه (قال) جابر:(فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف ترى) الآن (بعيرك؟ قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: أراه (بخير) ونشاط (قد أصابته) ونالته (بركتك) أي بركة دعائك يا رسول الله ثم (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) تنازلني عنه (فتبيعنيه؟ فاستحييت) من رد ما طلبه (ولم يكن لنا ناضح) أي جمل نستقي عليه الماء (غيره) أي غير هذا الجمل (قال) جابر: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (نعم) أبيعه لك (فبعته) صلى الله عليه وسلم (إياه) أي الجمل (على) شرط (أن لي فقار ظهره) أي خرزات ظهره أي مفاصل عظام ظهره والمراد: ركوبه (حتى أبلغ المدينة) المنورة (قال) جابر: (فقلت له) صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله: إني عروس) تائق إلى أهلي، قال النووي: هكذا يقال للرجل: عروس كما يقال ذلك للمرأة لفظهما واحد لكن يختلفان في الجمع فيقال رجل عروس ورجال عرس وامرأة عروس ونسوة عرائس اهـ (فاستأذنته) في المتقدم إلى المدينة (فأذن لي) فيه (فتقدمت الناس إلى المدينة حتى انتهيت) ووصلت إليه (فلقيني) أي رآني (خالي فسألني) خالي (عن) شأن (البعير) أي عن
فَأخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ. فَلامَنِي فِيهِ. قَال: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَال لِي حِينَ استَأْذَنْتُهُ: "مَا تَزَوَّجْتَ؟ أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ " فَقُلْتُ لَهُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا. قَال: "أَفَلا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاعِبُكَ وَتُلاعِبُهَا؟ " فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ الله! تُوُفِّيَ وَالِدِي (أَو اسْتُشْهِدَ) وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ. فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ إِلَيهِن مِثْلَهُن. فَلَا تُؤَدِّبُهُن وَلَا تَقُومُ عَلَيهِنَّ. فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيهِن وَتُؤَدِّبَهُنَّ. قَال: فَلمّا قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، غَدَوْتُ إِلَيهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ، وَرَدَّهُ عَلَيَّ.
3968 -
(00)(00) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أبي شَيبَةَ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ،
ــ
نشاطه وسيره (فأخبرته) أي أخبرت خالي (بـ) شأنه وإعيائه في الطريق و (ما صنعت) فيه من محاولة سيره وما صنع الرسول صلى الله عليه وسلم (فيه) من نخسه والدعاء فيه (فلامني) أي وبخني خالي (فيه) أي في بيعه، وقال لي: كيف تبيعه وليس لكم ناضح غيره وأنتم محتاجون إليه أشد الحاجة (قال) جابر: (وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي حين استأذنته) في التقدم إلى المدينة (ما تزوجت) أي أي امرأة تزوجت (أ) تزوجت (بكرًا أم) تزوجت (ثيبًا؟ فقلت له) صلى الله عليه وسلم (تزوجت) يا رسول الله (ثيبًا قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) تزوجت ثيبًا (فلا تزوجت بكرًا تلاعبك وتلاعبها فقلت له) صلى الله عليه وسلم في بيان سبب تزوجي ثيبًا (يا رسول الله توفي) أي مات (والدي) عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه (أو) قال جابر: (استشهد) والدي أي مات شهيدًا يوم غزوة أحد، والشك من الشعبي أو ممن دونه (ولي) تسع أو سبع (أخوات صغار) يحتجن إلى تأديبهن وتعليمهن فليست لنا والدة تعلّمهن وتربيهن (فكرهت أن أتزوج) وأضم (إليهن) بكرًا خرقاء (مثلهن) في الصغر وقلة الفقه والتجربة (فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن) بالخدمة والتأديب (فتزوجت ثيبًا لتقوم عليهن) بالخدمة (وتؤدبهن) أي تعلمهن بأخلاق النساء وأشغالهن (قال) جابر:(فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) بعد قدومي (غدوت) أي بكرت (إليه) صلى الله عليه وسلم (بالبعير) الذي بعته (فأعطاني ثمنه) بأمر بلال (ورده) أي رد السعر (عليّ).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3968 -
(00)(00)(حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد،
عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: أَقْبَلْنَا مِنْ مَكةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَاعْتَل جَمَلِي. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَفِيهِ: ثُمَّ قَال لِي: "بِعْنِي جَمَلَكَ هذَا" قَال: قُلْتُ: لَا. بَل هُوَ لَكَ. قَال: "لَا. بَل بِعْنِيهِ". قَال: قُلْتُ: لَا. بَلْ هُوَ لَكَ. يَا رَسُولَ الله، قَال:"لَا. بَلْ بِعْنِيهِ". قَال: قُلْتُ: فَإِن لِرَجُلٍ عَلَيَّ أوقِيةَ ذَهَبٍ. فَهُوَ لَكَ بِهَا. قَال: "قَدْ أَخَذْتُهُ. فَتَبَلَّغْ عَلَيهِ إِلَى الْمَدِينَةِ" قَال: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِبِلالٍ:
ــ
ثقة، من (8)(عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد) اسمه رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3)(عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم بن أبي الجعد للشعبي في الرواية عن جابر (قال) جابر:(أقبلنا) أي رجعنا (من) طريق (مكة إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا مما يؤيد كون هذه القصة في غزوة ذات الرقاع لأن طريقها كانت ملاقية بطريق مكة (فاعتل) أي مرض وأعيا (جملي وساق) أي ذكر سالم بن أبي الجعد (الحديث) السابق (بقصته) السابقة (وفيه) أي ولكن في الحديث الذي ساقه سالم (ثم قال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعني جملك هذا؟ قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم (لا) أبيعك (بل هو) أي الجمل مملوك (لك، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أستوهبه منك (بل بعنيه) بثمن (قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم (لا) آخذ منك ثمنًا (بل هو لك) بلا مقابل (يا رسول الله) صلى الله عليه وسلم، (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ثالثة:(لا) أستوهبه منك (بل بعنيه، قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم (فإن لرجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسم الرجل (على أوقية ذهب) من الدين (فهو) أي فالجمل مبيع (لك بها) أي بتلك الأوقية، وفي الأخرى أن المبتدئ بذكر الأوقية هو النبي صلى الله عليه وسلم والجمع بيَّن اهـ أبي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(قد أخذته) أي قد أخذت الجمل بتلك الأوقية (فتبلغ) أي توصل (عليه) أي على الجمل (إلى المدينة) أي توصل به إلى المدينة (قال) جابر: (فلما قدمت المدينة) قبل قدوم الناس ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه بكرت بالجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال) بن رباح
"أَعْطِهِ أُوقِيَّةً من ذَهَبٍ. وَزِدْهُ" قَال: فَأَعْطَانِي أُوقِيَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ. وَزَادَنِي قِيرَاطًا. قَال: فَقُلْتُ: لَا تُفَارِقُنِي زَيادَةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. قَال: فَكَانَ في كِيسٍ لِي. فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ
ــ
مؤذنه رضي الله عنه (أعطه) أي أعط لجابر وأدِّ له (أوقية من ذهب) ثمن جمله (وزده) أي وأعطه زيادة على ثمن جمله بما ترى (قال) جابر: (فأعطاني) بلال (أوقية من ذهب) ثمن جملي (وزادني) على ثمن جملي الذي هو الأوقية (قيراطًا) أي أوقية أخرى بلا مقابل كما سيأتي التصريح بها في رواية أبي الزبير عن جابر فجملة ما أخذه أوقيتان من ذهب (قال) جابر: (فقلت) في نفسي (لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) جابر: (فكان) ذلك القيراط (في كيس لي فأخذه أهل الشام يوم) فتنة (الحرة) يعني حرة المدينة كان قتال ونهب من أهل الشام هناك، سنة ثلاث وستين من الهجرة اهـ نووي.
قوله: (فإن لرجل عليّ أوقية ذهب فهو لك بها، قال قد أخذته) قال النووي: يحتج به أصحابنا في أن البيع لا ينعقد إلا بالإيجاب والقبول ولا ينعقد بالمعاطاة بدون الصيغة، والأصح انعقاده بها فيعطي ويأخذ ولا حجة فيه لأنه لم ينه عن المعاطاة والمعاطاة إنما تكون مع حضور العوضين فيأخذ ويعطي وفيه حجة لأصح الوجهين عندنا إن البيع ينعقد بالكناية لقوله صلى الله عليه وسلم:"قد أخذته" اهـ.
قوله: (أعطه أوقية من ذهب وزده) فيه هبة المجهول وفيه الزيادة والرجحان في الثمن كان في مجلس القضاء أو بعده وهو قول مالك والكافة، وفيه أن كيل المبيع ووزنه على البائع ووزن الثمن وكَيْله على المشتري وأن كل واحد عليه توفية ما يدفع اهـ من الأبي. ولا يتحقق التسليم إلا بذلك، وفيه أيضًا دليل على صحة الوكالة وعلى جواز الزيادة في القضاء وهي من باب قوله صلى الله عليه وسلم:"إن خيركم أحسنكم قضاء" وهذا لا يختلف فيه إذا كان من بيع، وإنما يختلف فيه إذا كان من قرض فاتفق على جوازه في الزيادة في الصفة إذا كان بغير شرط ولا عادة ولا قصد من المقرض للزيادة لقوله صلى الله عليه وسلم:"كل قرض جر نفعًا فهو ربا" اهـ مفهم.
قوله: (يوم الحرة) والحرة أرض شرقي المدينة متصلة بالمدينة ويومها هو أنه لما توفي معاوية واستخلف ابنه يزيد وظهر من فسقه وشربه الخمر خلع أهل المدينة بيعته فبعث إليهم يزيد مسلم بن عقبة العدواني في اثني عشر ألف مقاتل من أهل الشام ليس
3969 -
(00)(00) حدثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدَّثَنَا الْجُرَيرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ. فَتَخَلَّفَ نَاضِحِي. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَال فِيهِ:
ــ
فيهم أصغر من ابن عشرين ولا أكبر من ابن خمسين، وقال له: آمرك أن لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الدخول فيما خرجوا منه ثلاثًا فإن هم أجابوك فانصرف عنهم إلى قتال ابن الزبير بمكة، وإن أبوا فناجزهم القتال فإذا ظهرت عليهم فأبح المدينة ثلاثًا بما فيها من المال والسلاح والطعام فإذا انقضت الثلاث فاكفف عن الناس فلما نزلها دعاهم إلى ما أمره به يزيد فأبوا إلا القتال وخرجوا لقتاله بجنود كثيرة وهيئة لم ير مثلها فأتاهم مسلم للقتال من جهة الحرة هذه، وكان الذي أشار عليه بقتالهم منها عبد الملك بن مروان لأنها شرقي المدينة بحيث إذا طلعت الشمس تطلع بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم وتطلع في وجوه أهل المدينة فيؤذيهم حرها فيصيبهم أذاها فاقتتلوا قتالًا شديدًا كان عاقبته أن انهزم أهل المدينة وصرخ النساء والصبيان وركب الناس بعضهم بعضًا في الطرق ودخل أهل الشام المدينة وأباحوها ثلاثًا يدخلون البيوت يسلبون النساء الحلي ويأخذون ما بها من الثياب والأثاث الخ ما تقدم في كتاب الحج اهـ من الأبي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3969 -
(00)(00)(حدثنا أبو كامل الجحدري) نسبة إلى جحدر اسم رجل، فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي أبو بشر البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا أبو مسعود البصري، ثقة، من (5)(عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3)(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا جابر بن عبد الله، غرضه بيان متابعة أبي نضرة للشعبي (قال) جابر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر) من أسفاره أي في غزوة من غزواته وقد مر لك أن الراجح أنه سفر غزوة ذات الرقاع (فتخلف ناضحي) أي أعيا بعيري في الرجوع من ذلك السفر عن السير وتأخر عن القوم لعجزه عن السير كما مر بيانه في كتاب النكاح (وساق) أبو نضرة أي ذكر (الحديث) السابق الذي ساقه الشعبي (و) لكن (قال) أبو نضرة: (فيه) أي في الحديث أي في روايته لفظة
فَنَخَسَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ قَال لِي: "اركَب بِاسمِ الله". وَزَادَ أَيضًا: قَال: فَمَا زَال يَزِيدُنِي وَيقُولُ: "وَاللهُ يَغفِرُ لَكَ".
3970 -
(00)(00) وحدّثني أبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِي. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أبي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: لَمَّا أَتَى عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أعْيَا بَعِيرِي،
ــ
(فنخسه) أي فنخس ناضحي وطعنه (رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنزة كانت معه ليقوم ويسير (ثم) بعد ما نخسه (قال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اركب) البعير مستعينًا (باسم الله) تعالى فركبته فسار يسير لم يسر مثله قط (وزاد) أبو نضرة على الشعبي (أيضًا) أي كما زاد قوله (فنخسه) الخ أي زاد لفظة (قال) جابر: (فما زال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يزيدني) في الثمن شيئًا فشيئًا، قال القرطبي: وهذا يدل على أنه زاده بعد القيراط شيئًا آخر ولعلها الدرهم والدرهمان اللذان في الرواية الأخرى اهـ من المفهم (و) الحال أنه (يقول) بعد كل مرة: (والله يغفر لك) وهذا صار مثلًا سائرًا في أفواه المسلمين، وقال أبو نضرة: وكانت كلمة يقولها المسلمون: افعل كذا والله يغفر لك، قال القرطبي: وهو كلام يخرجه فرط المحبة والشفقة وإرادة الخير للمسلمين وهو على معنى الدعاء اهـ مفهم. والمعنى لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدني في ثمنه ويستغفر لي.
وفي قوله: (اركب باسم الله) دليل على استحباب التبرك باسم الله عند افتتاح كل فعل وإن كان من المباحات فليس مخصوصًا بالقرب فإنه كما قال صلى الله عليه وسلم في الوضوء: "توضؤوا باسم الله" قال هنا في الركوب اركب باسم الله اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3970 -
(00)(00)(وحدثني أبو الرّبيع العتكي) الزهراني نسبة إلى العتيك بن أزد، سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8)(حدثنا أيوب) السختياني البصري (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير للشعبي (قال) جابر:(لما أتى) ومر (عليّ النبي صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه (قد أعيا) وعجز (بعيري) عن السير
قَال: فَنَخَسَهُ فَوَثَبَ فَكُنْتُ بَعْدَ ذلِكَ أَحْبِسُ خِطَامَهُ لأسمَعَ حَدِيثَهُ، فَمَا أَقْدِرُ عَلَيهِ. فَلَحِقَنِي النبي صلى الله عليه وسلم فَقَال:"بِعْنِيهِ" فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ. قَال: قُلْتُ: عَلَى أَنَّ لِي ظَهْرهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَال: "وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ" قَال: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَتَيتُهُ بِهِ، فَزَادَنِي وُقِيَّةً، ثُمّ وَهَبَهُ لِي.
3971 -
(00)(00) حدثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ
ــ
(قال) جابر: (فنخسه) أي طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنزة في يده (فوثب) البعير أي قام بسرعة، قال جابر:(فكنت بعد ذلك) أي بعد قيامه وسيره (أحبسـ) ـه وأمنعه بـ (خطامه) وزمامه من الإسراع (لأسمع) أي لكي أسمع (حديثه) صلى الله عليه وسلم (فما أقدر) ولا أستطيع (عليه) أي على منعه من الإسراع لشدة نشاطه يعني أي كنت أحبس خطامه ليتمهل في السير ويمكن لي سماع حديث النبي صلى الله عليه وسلم فلا أقدر على ذلك لسرعته (فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم من ورائي (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعنيه) أي بعني هذا الجمل يا جابر (فبعته) أي بعت ذلك الجمل (منه) صلى الله عليه وسلم أي له (بخمس أواق) من الفضة وهي صرف أوقية ذهب المذكورة في الرواية الأولى وسنذكر الجمع بين الروايات المختلفة في آخر الحديث (قال) جابر: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: بعته لك (على) شرط (أن لي ظهره) أي ركوب ظهره حتى أصل (إلى المدينة، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتريته منك (ولك ظهره) أي والحال أن لك ركوب ظهره حتى تصل (إلى المدينة) وتدخلها (قال) جابر: (فلما قدمت المدينة أتيته) صلى الله عليه وسلم (به) أي بالجمل فأداني ثمنه أوقية ذهب (فزادني) على ثمنه (وقية) أخرى من ذهب (ثم) بعد ما أداني ثمنه وزادني وقية (وهبه) أي وهب الجمل (لي).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه سادسًا فقال:
3971 -
(00)(00)(حدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم المفعول (العمِّي) بفتح العين أبو عبد الملك البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا يعقوب بن إسحاق) بن زيد الحضرمي مولاهم أبو محمَّد البصري، روى عن بشير بن عقبة في
حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: سَافَرْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أَسْفَارِهِ. (أَظُنُّهُ قَال غَازِيًا). وَاقْتَصَّ الْحدِيثَ. وَزَادَ فِيهِ: قَال: "يَا جَابِرُ! أَتَوَفَّيتَ الثمَنَ؟ " لما قُلْتُ: نَعَم. قَال: "لَكَ الثمَنُ وَلَكَ الْجَمَلُ. لَكَ الثمَنُ وَلَكَ الجَمَلُ"
ــ
البيوع، وسوادة بن الأسود في الجهاد، والأسود بن شيبان في الفضائل، ويروي عنه (م د س ق) وعقبة بن مكرم ورزق بن موسى وآخرون، قال أحمد وأبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من صغار التاسعة، مات سنة (205) خمس ومائتين (حدثنا بشير بن عقبة) السامي نسبة إلى سامة بن لؤي الناجي نسبة إلى بني ناجية قبيلة كبيرة من سامة أو الأزدي أبو عقيل مكبرًا الدورقي البصري، روى عن أبي المتوكل الناجي في البيوع، وأبي نضرة في الذبائح ويروي عنه (خ م) ويعقوب بن إسحاق وبهز بن أسد والقطان، وثقه أبو زرعة وابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: من السابعة (عن) علي بن داود البصري (أبي المتوكل الناجي) نسبة إلى بني ناجية، ثقة، من (3)(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا جابر بن عبد الله الأنصاري المدني، غرضه بيان متابعة أبي المتوكل الناجي للشعبي (قال) جابر:(سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره) صلى الله عليه وسلم، قال أبو المتوكل:(أظنه) أي أظن جابرًا (قال): حالة كونه (غازيًا) أي سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حالة كون رسول الله صلى الله عليه وسلم مريدًا الغزو لأعدائه (واقتص) أي ذكر أبو المتوكل الناجي (الحديث) السابق بقصته (و) لكن (زاد) أبو المتوكل (فيه) أي في الحديث لفظة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا جابر أتوفيت) أي هل قبضت (الثمن) أي ثمن جملك تامًّا وافيًا، والهمزة للاستفهام الاستخباري، وفي بعض النسخ (استوفيت الثمن) بتقدير همزة الاستفهام، قال في المصباح: وتوفيته واستوفيته بمعنى: قال جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (نعم) توفيته يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لك الثمن) الذي أديته لك (ولك الجمل) الذي أخذته منك بالشراء، وقوله: ثانيًا (لك الثمن ولك الجمل) توكيد لفظي لما قبله.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا فقال:
3972 -
(00)(00) حدَّثنا عُبَيدُ الله بن مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: اشْتَرَى مِني رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعِيرًا بِوقِيَّتَينِ وَدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمينِ. قَال: فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارًا أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ. فَأَكَلُوا مِنْهَا. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَينِ
ــ
3972 -
(00)(00)(حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن محارب) بن دثار السدوسي أبي مطرف الكوفي القاضي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (أنه) أي أن محاربًا (سمع جابر بن عبد الله يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محارب بن دثار لمن روى عن جابر (اشترى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرًا) أي جملًا (بوقيتين) إحداهما الثمن والأخرى الزيادة، وقوله بوقيتين (ودرهم أو) قال جابر بوقيتين و (درهمين) مشكوك فيه لا يعتبر في المعارضة للرواية السابقة فهو في حكم الساقط والشك من محارب بن دثار.
قال القرطبي: وقوله: (وزادني قيراطًا) وفي أخرى: (درهمًا أو درهمين) هو اضطراب وقد تكلف القاضي أبو الفضل في الجمع بين هذه الروايات المختلفة التي في الثمن وفي الزيادة تكلفًا مبنيًّا على تقدير أمر لم يصح نقله ولا استقام ضبطه مع أنه لا يتعلق بتحقيق ذلك حكم ولا يفيد حكمه، والحاصل أنه باعه البعير بثمن معلوم لهما، وزاده عند القضاء زيادة محققة ولا يضرنا جهلنا بمقدار ذلك اهـ من المفهم. وسنذكر كلام القاضي في الجمع بين الروايات في آخر الحديث نقلًا عن الأبي إن شاء الله تعالى.
(قال) جابر: (فلما قدم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (صِرارًا) بالصرف على المشهور، ومنعه بعضهم الصرف للعلميَّة والتأنيث المعنوي لأنه بمعنى البقعة، وهو بصاد مهملة مفتوحة أو مكسورة والكسر أفصح وأشهر ولم يذكر الأكثرون غيره، اسم موضع قريب من المدينة، وقال الخطابي: هي بئر قديمة على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق، قال القاضي: والأشبه عندي أنه موضع لا بئر فيه (أمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طلب (ببقرة) فأتي بها (فذبحت) أي أمر بذبحها (فكلوا منها) أي من لحمها، وفيه أن السنة في البقر الذبح وهو قطع أعلى العنق لا النحر ولو عكس جاز (فلما قدم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (المدينة أمرني أن آتي المسجد) النبوي (فأصلى ركعتين)
وَوَزَنَ لي ثَمَنَ الْبَعِيرِ فَأرْجَحَ لِي.
3973 -
(00)(00) حدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. أَخْبَرَنَا مُحَارِبٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِهذِهِ الْقِصَّةِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَاشْتَرَاهُ مِني بِثَمَنٍ قَدْ سَمَّاهُ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْوُقِيّتَينِ وَالدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمينِ. وَقَال: أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ، ثُمَّ قَسَمَ لَحْمَهَا.
3974 -
(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا ابْنُ أبي
ــ
سنة القدوم من السفر، فيه أنه يستحب للقادم من السفر أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين، وفيه أن نافلة النهار يستحب كونها ركعتين ركعتين كصلاة الليل كما مر في باب الصلاة (ووزن لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثمن البعير فأرجح لي) أي زاد لي على قدر الثمن أي أمر بلالًا بوزنه وإرجاحه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3973 -
(00)(00)(حدثني يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8)(حدثنا شعبة) بن الحجاج (أخبرنا محارب) بن دثار (عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة خالد بن الحارث لمعاذ بن معاذ العنبري، وساق خالد بن الحارث (بهذه القصة) التي ساقها معاذ بن معاذ عن شعبة (غير أنه) أي لكن خالد بن الحارث (قال) في روايته، قال جابر:(فاشتراه) أي فاشترى الجمل (مني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بثمن قد سماه) أي قد سمى جابر ذلك الثمن وعينه بقدر معلوم (ولم يذكر) خالد بن الحارث في روايته لفظة (الوقيتين والدرهم والدرهمين وقال) خالد في روايته: (أمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طلب (ببقرة) فأتي بها (فنُحرت) البقرة وهو الطعن في أسفل العنق أي فذُبحت البقرة كما في الرواية المتقدمة كما هو المسنون في البقرة، قال النووي: والمراد بالنحر هنا الذبح جمعًا بين الروايتين اهـ (ثم قسم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لحمها) بين الناس أي أمر بقسمه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3974 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي
زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَن النبي صلى الله عليه وسلم قَال لَهُ:"قَدْ أَخَذتُ جَمَلَكَ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ. وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ"
ــ
زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن ابن جريج عن عطاء) بن أبي رباح (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء بن أبي رباح لمن روى عن جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له) أي لجابر (قد أخذت جملك بأربعة دنانير) وهي أوقية ذهب المذكورة في الرواية السابقة لأن أوقية الذهب لم يكن لها وزن معلوم عندهم وقتئذٍ كما قاله الداوودي (ولك ظهره) أي والحال أن لك ركوب ظهره إلى أن تصل (إلى المدينة).
فصل
(واعلم) أن سبب اختلاف هذه الروايات أنهم رووه بالمعنى، وبمثل هذا احتج من أجاز نقل الحديث بالمعنى، قال: نجد الحديث الواحد لم ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة ويرويه عنه جماعة بألفاظ مختلفة بمعان متقاربة اهـ من إكمال المعلم. قال الأبي: لا شك أن عياضًا تكلف وأطال في الجمع بين هذه الروايات ونحن لخصنا من كلامه ما يحتاج إليه في الجمع بين الروايات المختلفة في قدر الزيادة، أما روايات الثمن فهي هذه إنه استزاد بأوقية لا بقيد أنها ذهب، وفي الأخرى بأوقية ذهبًا، وفي الأخرى بأوقيتين، وفي الأخرى بأربع أواق، وفي أخرى بخمس أواق، وفي أخرى بأربعة دنانير، وفي أخرى ذكرها القاضي بمائتي درهم فجمع بين الجميع بأن ردها إلى أوقية ذهبًا، أما رد الأوقية لا بقيد فلأنها مطلقة والمطلق يرد إلى المقيد، وأما رد الأوقيتين فلأن إحداهما ثمن والأخرى زيادة ويشهد لذلك قوله في الأخرى وزادني أوقية، وأما رواية الأربع الأواقي فلا يُتكلف لها لأن الراوي شك فيها، وأما رواية الخمس الأواقي فلأن الخمس من فضة هي صرف أوقية الذهب، وأما رواية الأربعة دنانير فلاحتمال أنها زنة الأوقية ذهبًا حينئذٍ على ما ذكر الداوودي أن أوقية الذهب لم يكن لها وزون معلوم عندهم وقتئذٍ وأن وزن أوقية الفضة أربعون درهمًا، ويحتمل أن الأربعة دنانير وقعت المساومة بها ابتداءً وانعقد البيع في الآخر بأوقية الذهب، وأما رواية المائتي درهم فلأن المائتين هي خمس أواقي الفضة على ما تقدم في معرفة نصاب الفضة في الزكاة وخمس أواقي الفضة تقدم أنها صرف أوقية الذهب، وأما الاختلاف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الواقع في قدر الزيادة ففي رواية وزادني قيراطًا، وفي أخرى درهمًا، فالقيراط هو ذهب وصرفه درهم، هذا تلخيص ما يحتاج إليه من كلامه في جمع ما وقع في مسلم من الروايات المختلفة المتعارضة لكن يبقى النظر في الجمع بين كون الزيادة قيراطًا وكونها أوقية فيحتمل أن القيراط رجحان في الوزن والأوقية زيادة، ويحتمل أن القيراط هو نفس الأوقية الزائدة لأن قيراط الذهب لم يكن معلوم الوزن عندهم وقتئذٍ كما أن أوقيته لم تكن معلومة عندهم وقتئذٍ على ما ذكره الداوودي والله أعلم، والجمع بهذا الذي لخصناه جلي حسن ولا تكلّف فيه اهـ من الأبي.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد به لحديث ابن مسعود، والثالث: حديث النعمان بن بشير ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع: حديث جابر الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه تسع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.
(واعلم) أيضًا أن في حديث جابر هذا فوائد كثيرة:
(1)
منها هذه المعجزة الظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في انبعاث جمل جابر وإسراعه بعد إعيائه. و (2) منها جواز طلب البيع ممن لم يعرض سلعته للبيع. و (3) منها جواز المماكسة في البيع وسبق تفسيرها. و (4) منها استحباب سؤال الرجل الكبير أصحابه عن أحوالهم والإشارة عليهم بمصالحهم. و (5) منها استحباب نكاح البكر. و (6) منها استحباب ملاعبة الزوجين. و (7) منها فضيلة جابر في أنه ترك حظ نفسه من نكاح بكر واختار مصلحة أخواته بنكاح ثيب تقوم بمصالحهن. و (8) منها استحباب الابتداء بالمسجد وصلاة ركعتين فيه عند القدوم من السفر. و (9) منها استحباب الدلالة على الخير. و (10) منها استحباب إرجاح الميزان فيما يدفعه. و (11) منها أن أجرة وزن الثمن على البائع. و (12) منها التبرك بآثار الصالحين لقوله: لا تفارقه زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. و (13) منها جواز تقدم بعض الجيش الراجعين بإذن الأمير. و (14) منها جواز الوكالة في أداء الحقوق ونحوها. وفيه غير ذلك مما سبق والله أعلم اهـ نووي.