المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في بيان اختلاف الفقهاء في علة ربا الفضل - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٧

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب: البيوع

- ‌561 - (1) باب النهي عن الملامسة والمنابذة وبيع الحصاة والغرر وبيع حبل الحبلة

- ‌562 - (2) باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه وتحريم تلقي الركبان والنجش والتصرية

- ‌563 - (3) باب النهي عن تلقي الجلب وبيع حاضر لباد وبيان أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌564 - (4) باب بطلان بيع المبيع قبل القبض وتحريم بيع الصبرة المجهولة القدر بتمر معلوم

- ‌565 - (5) باب الخيار للمتبايعين والصدق في البيع وترك الخديعة والنهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها

- ‌566 - (6) باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا ومن باع نخلًا عليها ثمر أو عبدًا له مال

- ‌567 - (7) باب النهي عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها وعن المعاومة

- ‌568 - (8) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌569 - (9) باب كراء الأرض بالطعام المسمى أو بالذهب والفضة والنهي عن المزارعة والأمر بالمنيحة بها

- ‌570 - (10) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع وفضل الغرس والزرع

- ‌571 - (11) باب وضع الجوائح وقسم مال المفلس والحث على وضع بعض الدين

- ‌572 - (12) باب من أدرك ماله عند مفلس وفضل إنظار المعسر والتجاوز عنه والحوالة

- ‌573 - (13) باب النهي عن بيع فضل الماء وعن ضراب الفحل والنهي عن ثمن الكلب ونحوه

- ‌574 - (14) باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وتحريم اقتنائها إلَّا لحاجة وإباحة أجرة الحجامة

- ‌575 - (15) باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام

- ‌576 - (16) أبواب الربا والصرف وتحريم التفاضل والنساء في بيع النقود

- ‌فصل في بيان اختلاف الفقهاء في علة ربا الفضل

- ‌577 - (17) باب النهي عن بيع الورق بالذهب دينًا وبيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌578 - (18) باب بيع الطعام بالطعام مثلًا بمثل وحجة من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌579 - (19) باب لعن من أقدم على الربا واتقاء الشبهات وبيع البعير واستثناء حملانه

- ‌579 - (19) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه وجواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه وجواز الرهن والسلم

- ‌580 - (20) باب النهي عن الحكرة والحلف في البيع والشفعة وغرز الخشب في جدار الجار

الفصل: ‌فصل في بيان اختلاف الفقهاء في علة ربا الفضل

وَلَا تَبِيعُوا شَيئًا غَائِبًا مِنهُ بِنَاجِزٍ، إِلَّا يَدًا بِيَدٍ"

ــ

اشتراط المماثلة (ولا تبيعوا شيئًا غائبًا) أي مؤجلًا (منه) أي من المعقود عليه (بناجز) أي بحال، وفيه دلالة على اشتراط الحلول في العوضين (إلا يدًا) أي إلا حالة كون كل منهما مقبوضًا (بيد) عن يد أي إلا مقبوضين، وفيه دلالة على اشتراط التقابض في المجلس فالحديث دل على الشروط الثلاثة المعتبرة في حالة اتخاذ جنس العوضين في الربوي.

قوله: (إن ابن عمر قال له رجل) الخ ولعله قال ذلك له لأن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم كانا يقولان بجواز التفاضل في الأموال الربوية إذا كان البيع يدًا بيد تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ربا إلا في النسيئة" كما سيأتي مصرحًا به عند المصنف في أواخر هذا الباب وسنذكر هناك إن شاء الله تعالى أنهما قد رجعا عن ذلك.

‌فصل في بيان اختلاف الفقهاء في علة ربا الفضل

ثم إن حرمة التفاضل والنسيئة مقتصرة في الحديث على الأشياء الستة المذكورة فاختلفت فيه أنظار الفقهاء، فقال طاوس وقتادة: إن الحرمة مقصورة على هذه الأشياء الستة الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح ولا تتعدى إلى غيرها وبه قال داود الظاهري ونفاة القياس كما في المغني لابن قدامة [4/ 2] وهو قول الشعبي ومسروق وعثمان البتي أيضًا كما في عمدة القاري [5/ 490] فيجوز عندهم بيع الذرة بالذرة متفاضلًا لأن الحديث لم يذكر الحرمة إلا في الأشياء الستة فيبقى ما عداها على أصل الإباحة لقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ} .

واتفق القائلون بالقياس على أن الحرمة في هذه الستة معللة بعلة فكلما وُجدت تلك العلة في غيرها من الأشياء ثبتت الحرمة لأن القياس دليل شرعي فيجب استخراج علة هذا الحكم وإثباته في كل موضع وُجدت العلة فيه، ثم اختلف المعللون في تعيين العلة على أقوال أربعة: الأول: إن العلة في الذهب والفضة الوزن مع الجنس وفي الأشياء الأربعة الكيل مع الجنس وهو قول أبي حنيفة وأحمد والثوري والنخعي والزهري وإسحاق بن راهويه فعلى هذا القول يجري الربا في كل مكيل أو موزون إذا بيع بجنسه مطعومًا كان أو غير مطعوم كالحبوب والنورة والقطن والصوف والورس والحناء والعصفر

والحديد والنحاس والرصاص والياقوت وسائر الجواهر ونحو ذلك.

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والثاني: إن العلة في الذهب والفضة الثَّمنِيَّة مع اتحاد الجنس وفيما عداهما كونها مطعومة مع اتحاد الجنس وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى وهو رواية عن أحمد ودليلهم ما سيأتي ولأن الطعم وصف شرف إذ به قوام الأبدان، والثمنية وصف شرف إذ بها قوام الأموال فيقتضي التعليل بهما، فعلى هذا القول يجري ربا الفضل في سائر المطعومات سواء كانت مكيلة أو موزونة أو عددية كالتفاح والرمان والبيض وغيرها.

والثالث: إن العلة في الذهب والفضة الثَّمنِيَّة مع الجنس وفيما عداهما الادخار مع الجنس وهو قول المالكية، وزاد بعضهم الاقتيات مع الادخار فإن كان الشيء مدخرًا غير مقتات حرم التفاضل فيه عند بعضهم وجاز عند آخرين وإلى تعليل المالكية مال الشيخ الدهلوي في المصفى، واستدلوا بأنه لو كان المقصود الطعم وحده لاكتفى في الحديث بالتنبيه على ذلك بالنص على واحد من تلك الأصناف الأربعة فلما ذكر منها عددًا أنه قصد بكل واحد منها التنبيه على ما في معناه وهي كلها يجمعها الاقتيات والادخار، أما البر والشعير فنبه بهما على أصناف الحبوب المدخر، ونبه بالتمر على جميع أنواع الحلاوات المدخرة كالسكر والعسل والزبيب، ونبه بالملح على جميع التوابل المدخرة لإصلاح الطعام وأيضًا فإنهم قالوا لما كان معقول المعنى في الربا إنما هو أن لا يغبن بعض الناس بعضًا وأن تحفظ أموالهم فواجب أن يكون ذلك في أصول المعايش وهي الأقوات كذا في بداية المجتهد [21/ 130 و 131].

والرابع: أن العلة فيما عدا الذهب والفضة كونه مطعومًا ومكيلًا أو موزونًا مع الجنس فلا يجري الربا في مطعوم لا يُكال ولا يُوزن كالبيض وسائر العدديات المطعومة ولا فيما ليس بمطعوم سواء كانت مكيلة أو موزونة كالزعفران والحديد والنحاس وغيره وهو قول سعيد بن المسيب ورواية عن أحمد وبه قال الشافعي في القديم كما في المغني لابن قدامة [4/ 5] واستدلوا بما رُوي عن سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا ربا إلا فيما كيل أو وُزن مما يؤكل أو يُشرب" أخرجه الدارقطني، وقال: الصحيح أنه من قول سعيد ومن رفعه فقد وهم اهـ من التكملة. وإن هذه المذاهب الأربعة هي المشهورة في هذا الباب وإن كانت فيه ستة أقوال أخرى فإنها ليست مشهورة ولا متبعة وقد ذكرها العيني في باب بيع الطعام والحكرة من عمدة القاري [5/ 490].

ص: 289

3923 -

(00)(00) حدثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمِ). ح وَحَدثنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثنَّى. حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. ح وَحَدثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. كُلهُمْ عَنْ نَافِعٍ. بِنَحْو حَدِيثِ اللَّيثِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم.

3924 -

(00)(00) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْقَارِيَّ) عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ،

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

3923 -

(00)(00)(حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأبُلي بضم الهمزة والموحدة، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا جرير يعني ابن حازم) بن زيد الأزدي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري، ثقة، من (8) (قال) عبد الوهاب:(سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5)(ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9)(عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة ثبت، من (6) كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة من جرير ويحيى بن سعيد وابن عون رووا (عن نافع بنحو حديث الليث عن نافع عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الأسانيد الثلاثة الأول منها من رباعياته والثاني والثالث من خماسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لليث بن سعد.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

3924 -

(00)(00)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) المدني، ثقة، من (8)(عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، صدوق، من (6)(عن أبيه) ذكوان الزيات المدني،

ص: 290

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي؛ أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا تَبِيعُوا الذهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالوَرِقِ، إِلا وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ".

3925 -

(1521)(85) حدثنا أَبُو الطَّاهِرِ. وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ سُلَيمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ مَالِكَ بن أَبِي عَامِرٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَينِ. وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَينِ"

ــ

ثقة، من (3)(عن أبي سعيد الخدري) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لنافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنًا) أي إلا موزونًا مقابلًا (بوزن) أي بموزون، وقوله:(مثلًا) أي إلا مماثلًا مقابلًا (بمثل) أي بمماثله إلا (سواء) أي مساويًا مقابلًا (بسواء) أي بمساواته، قال النووي: يحتمل أن يكون الجمع بين هذه الألفاظ توكيدًا ومبالغة في الإيضاح اهـ. قال العلماء: وهذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء وصحيح ومكسور وحلي وتبر وغير ذلك وسواء الخالص والمخلوط بغيره وهذا كله مجمع عليه.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عثمان بن عفان رضي الله عنهما فقال:

3925 -

(1521)(85)(حدثنا أبو الطاهر وهارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) من (10)(وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري، صدوق، من (10) (قالوا: حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري، ثقة، من (9)(أخبرني مخرمة) بن بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم المدني، صدوق، من (7)(عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني ثم المصري، ثقة، من (5) (قال) بكير بن عبد الله:(سمعت سليمان بن يسار) الهلالي المدني، ثقة، من (3) (يقول: إنه سمع مالك بن أبي عامر) الأصبحي المدني جد مالك الإمام الفقيه، ثقة، من (2) (يُحدّث عن عثمان بن عفان) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون واثنان مصريان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين) وهذا ظاهر في الدنانير المضروبة من الذهب والدراهم

ص: 291

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المضروبة من الفضة فإن التفاضل في مبادلتها بجنسها عين الربا، أما الدراهم والدنانير المغشوشة فقد ذكر فقهاء الأحناف أن الغش إن كان مغلوبًا فلا عبرة به ويحرم التفاضل فيه كما في الذهب والفضة الخالصين لأنها لا تخلو عن قليل غش عادة لأنها لا تنطبع إلا مع الغش وقد يكون الغش خلقيًا كما في الرديء منها فيُلحق بها القليلُ بالرداءة والجيد والرديء سواء.

وأما إذا كان الغالب عليها الغش فليس في حكم الدراهم والدنانير الخالصة فإن بيعت بجنسها متفاضلًا جاز عند الأحناف صرفًا للجنس إلى خلاف الجنس فهي في حكم شيئين فضة وصفر ولكنه صرف حتى يشترط القبض في المجلس لوجود الفضة من الجانبين فإذا شُرِط القبض في الفضة يشترط في الصفر لأنه لا يتميز عنه إلا بضرر اهـ من التكملة.

وأما الشافعية فالعلة عندهم جوهرية الثمن فيختص الربا بالذهب والفضة وليست الفلوس في حكمهما فقد صرح علماؤهم بأنه لا ربا في الفلوس وإن راجت رواج النقود فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلًا كما في نهاية المحتاج للرملي [3/ 418] وتحفة المحتاج لابن حجر المكي مع حاشيته للشرواني [4/ 279]. وأما المالكية فيعتبرون الفلوس كالدراهم والدنانير سواء بسواء مهما كانت مادتها واحدة حتى لو راجت فلوس الجلد كان لها حكم الذهب والفضة. وأما الحنفية فالفلوس عندهم عددية فليست من الأموال الربوية والذي يظهر أن فلوس مملكة واحدة كلها جنس واحد والتماثل فيها بالقيمة دون الوزن أو العدد وفلوس ممالك مختلفة أجناس مختلفة كالهللات السعودية والبيسات الباكستانية فلا يشترط فيها التماثل لعدم اتحاد الجنس.

وأما الأوراق النقدية التي تسمى نوطأ فالمختار فيها أنها بمنزلة الدراهم والدنانير فتجب فيها الزكاة إذا بلغت نصابًا بقيمتها من الدراهم أو الدنانير وحال عليها الحول وتجري فيها أحكام الربا فلا يجوز التفاضل فيها عند مبادلتها عند اتحاد الجنس ويجوز التفاضل عند اختلافه واختلاف الجنس فيها باختلاف دولتها كما مر آنفًا فلا يجوز صرف أبي عشرة من الريالات السعودية بإحدى عشرة من الريالات السعودية المتفرقة أو بتسع منها كما يفعله بعض الغشاشين من الصيارفة لاشتراط المماثلة قيمة، وأما إذا اختلف جنس الأوراق فيجوز فيها التفاضل مع اشتراط التقابض والحلول كبيع أبي عشرة من

ص: 292

3926 -

(1522)(86) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ؛ أَنهُ قَال: أَقْبَلْتُ أقُولُ: مَن يَصْطَرِفُ الدرَاهِمَ؟ فَقَال طَلْحَةُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ (وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ): أَرِنَا ذَهَبَكَ. ثُم ائتِنَا، إِذَا جَاءَ خَادِمُنَا، نُعْطِكَ وَرِقَكَ. فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَلَّا، وَاللَهِ! لَتُعْطِيَنَّهُ

ــ

الريال السعودي بعشرين من الريالات الأثيوبية لاختلاف الجنس باختلاف دولتها نظير بيع ذهب بفضة والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن سائر أصحاب الأمهات.

ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:

3926 -

(1522)(86)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان) -بفتح المهملتين وبالمثلثة- ابن عوف بن ربيعة النصري أحد بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن أبي سعد المدني، روى عن عمر بصري أن الخطاب في البيوع والجهاد، وعثمان بن عفان في الجهاد، وعبد الرحمن بن عوف في الجهاد، والزبير بن العوام في الجهاد، وسعد بن أبي وقاص في الجهاد، وعباس بن عبد المطلب في الجهاد، وعلي بن أبي طالب في الجهاد، ويروي عنه (ع) والزهري ومحمد بن عمرو بن عطاء وعكرمة بن خالد ومحمد بن جبير بن مطعم وخلائق، مختلف في صحبته، وقال ابن خراش: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: من زعم أن له صحبة فقد وهم، مات سنة (92) اثنتين وتسعين (أنه) أي أن مالك بن أوس (قال: أقبلت) أي جئت إلى مجلس فيه عمر بن الخطاب، حالة كوني (أقول) للقوم المجتمعين في المجلس:(من يصطرف) أي من يصرف ويبيع لي (الدراهم) التي عنده بالذهب الذي عندي (فقال طلحة بن عبيد الله) بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة التيمي أبو محمد المدني أحد العشرة وستة الشورى وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام رضي الله عنهم أجمعين (وهو) أي طلحة (عند عمر بن الخطاب أرنا ذهبك) الذي تريد صرفه بالفضة (ثم) أبصرتنا ذهبك اصبر حتى يجيء خادمنا فـ (ائتنا إذا جاء خادمنا نعطك ورقك) أي دراهمك التي تريد شراءها بدل الذهب الذي تركته عندنا (فقال عمر بن الخطاب) لي: (كلا) أي ارتدع يا طلحة عما قلت (والله لتعطينه) أي

ص: 293

وَرِقَهُ. أَوْ لَتَرُدَّنَّ إِلَيهِ ذَهَبَهُ. فَإِن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "الْوَرِقُ بِالذهَبِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ. وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ. وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبا إِلا هَاءَ وَهَاءَ. وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ"

ــ

لتعطين مالك بن أوس (ورقه) الذي يريد شراءه منك (أو لتردن إليه) أي إلى مالك بن أوس (ذهبه) الذي أخذته منه (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الورق) أي بيع الورق (بالذهب ربا) أي فيه ربا نسيئة في جميع الأحوال (إلا) في حالة كونه مقولًا فيه (هاء) أي خذ المبيع (وهاء) أي وهات ثمنه (والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء) وسند هذا الحديث من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبلخي، وهاء فيه لغتان المد والقصر والمد أفصح وأشهر والهمزة مفتوحة ويجوز كسر الهمزة نحو هات وسكونها مع القصر وهو اسم فعل بمعنى خذ هذا ويقول به صاحبه مثله ومعناه: التقابض أفاده النووي وحقها أن لا تقع بعد إلا كما لا يقع بعدها خذ فإذا وقع قُدّر قبله قول يكون به محكيًا أي إلا مقولًا من المتعاقدين خذ وخذ أي يدًا بيد فمحله النصب على الحال والمستثنى منه مقدر يعني بيع الورق بالذهب ربا في جميع الحالات إلا حال الحضور والتقابض فكنى عنه بقوله هاء وهاء لأنه لازمه ذكره الزرقاني، قال ملا علي: وفي الحديث دليل على صحة بيع المعاطاة، ثم ذكر عن شرح ابن الهمام أن سفيان الثوري جاء إلى صاحب الرمان فوضع عنده فلسًا وأخذ رمانة ولم يتكلم ومشى اهـ، وفي الحديث أيضًا دلالة على اشتراط التقابض في المجلس في الصرف وإن اختلف جنس البدلين غير أن التقابض إذا تم في المجلس صح العقد وإن لم يكن تم عند العقد، وقال أصحاب مالك: يُشترط التقابض عند العقد فإن تأخر عن العقد ثم قبض في المجلس لا يصح عندهم فيما حكاه النووي ويحتجون بحديث طلحة هذا، وأجاب عنه النووي بأن عمر رضي الله عنه إنما قال هذا لأن طلحة ظن جوازه كسائر البياعات وما كان بلغه حكم المسألة فابلغه إياه عمر رضي الله عنه اهـ من التكملة.

قال القرطبي: (قوله: الورق بالذهب ربا إلا هاء وهاء) الرواية المشهورة في (هاء) بالمد وبهمزة مفتوحة وكذلك رويته ومعناها خذ فكأنها اسم من أسماء الأفعال كما تقول هاؤم وفيها أربع لغات: إحداها: ما تقدم وفيها لغتان: إحداهما: أنها تقال للمذكر والمؤنث والواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد (ها) من غير زيادة، قال السيرافي:

ص: 294

3927 -

(00)(00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وإِسْحَاقُ، عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِي، بِهذَا الإِسْنَادِ

ــ

كأنهم جعلوها كصه ومه. وثانيهما: تلحق بها العلامات المفرّقة فتقول للمذكر هاء وللمؤنث هائي وللاثنين هاءا وللجمع هاؤوا كالحال في هاؤم وفي هلم، الثانية: بالقصر والهمزة الساكنة فتقول: هَأُ وفيها اللغتان المتقدمتان حكاهما ثابت وغيره من أهل اللغة. الثالثة: هاء بالمد وكسر الهمزة وهي للواحد والاثنين والجميع بلفظ واحد غير أنهم زادوا ياء مع المؤنث فقالوا: هائي. الرابعة: ها بالقصر وترك الهمزة حكاها بعض اللغويين وأنكرها أكثرهم وخُطئ من رواها من المحدثين كذلك. وقد حُكيت لغة خامسة هاءك بمدة وهمزة مفتوحة وكاف خطاب مكسورة (قلت): ولا بُعد في أن يقال إن (هاء) هذه هي اللغة وإنما زادوا عليها كاف خطاب المؤنث خاصة فلا تكون خامسة.

ومعنى (هاء وهاء) خذ وهات في هذه الحال من غير تراخ كما قال: "يدًا بيد" وقد بالغ مالك -رحمه الله تعالى- في هذا حتى منع المواعدة على الصرف والحوالة والوكالة على عقد الصرف دون القبض ومنع أن يعقد الصرف ويقوم إلى قعر دكانه ثم يفتح صندوقه ويُخرج ذهبه بناء على ما تقدم من أصله وهذا هو الذي فهمه عمر رضي الله عنه عن الشرع حين قال: وإن أنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الربا وقال: دعوا الربا والريبة، و (الورق) بكسر الراء الفضة وهو اسم جنس معرف بالألف واللام الجنسيتين فيتضمن ذلك الجنس كله مسكوكه ونقاره وكذلك الذهب فلا يجوز مصوغ بتبر إلا مثلًا بمثل وكذلك جميع أنواعها وليس له أن يستفضل قيمة الصنعة ولا عمالتها اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2134]، وأبو داود [3348]، والترمذي [1243]، والنسائي [7/ 273]، وابن ماجه [2259 و 2260].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال:

3927 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق) بن إبراهيم الحنظلي (عن) سفيان (بن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن عيينة لليث بن سعد.

ص: 295

3928 -

(1523)(87) حدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، قَال: كُنْتُ بالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بن يَسَارٍ. فَجَاءَ أبُو الأَشْعَثِ. قَال: قَالُوا: أَبُو الأَشْعَثِ، أَبُو الأشْعَثِ. فَجَلَسَ فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ

ــ

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمر بحديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما فقال:

3928 -

(1523)(87)(حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة، من (10)(حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (قال) أبو قلابة: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار) المصري أبو عثمان الطنبِذِي -بكسر المهملة والموحدة بينهما نون ساكنة آخره معجمة- وفي القاموس طنبذ كقنفذ بلدة بمصر منها مسلم بن يسار الطنبِذِيّ تابعي محدّث اهـ والظاهر أنه البصري الأموي أبو عبد الله الفقيه مولى بني أمية من فقهاء البصرة وزهادها، وكان رضيع عبد الملك بن مروان، روى عن أبي هريرة وابن عمر، ويروي عنه (من د ت ق) وشراحيل بن يزيد وحميد بن هانئ وغيرهم، وثقه ابن حبان، وقال أحمد: ثقة، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة فاضلًا ورعًا عابدًا، قال ابن عون: كان مسلم بن يسار إذا كان في غير صلاة كأنه كان في صلاة وإذا كان في صلاة كأنه وتد لا يتحرك شيء منه كما في التهذيب [10/ 141] وقال في التقريب: مقبول، من الرابعة، فقال أبو قلابة:(فجاء) إلينا (أبو الأشعث) شراحيل بن آدة -بالمد وتخفيف الدال- الصنعاني صنعاء دمشق وقيل اليمن، روى عن عبادة بن الصامت في البيوع والحدود، وشداد بن أوس في الذبائح، وأبي أسماء الرحبي في الصلة، ويروي عنه (م عم) وأبو قلابة وحسان بن عطية وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وثقه ابن حبان والعجلي، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية (قال) أبو قلابة:(قالوا): أي قال الحاضرون في الحلقة (أبو الأشعث) جاء أو جاء (أبو الأشعث) والثاني: توكيد لفظي للأول، وهذا يدل على علو منزلته عند معاصريه (فجلس) أبو الأشعث في الحلقة، قال أبو قلابة:(فقلت له) أي لأبي الأشعث (حدّث) لنا يا (أخانا) بصيغة الأمر (حديث عبادة بن الصامت) بن قيس بن

ص: 296

قَال: نَعَمْ. غَزَوْنَا غَزَاةً. وَعَلَى الناسِ مُعَاويةُ. فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً. فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا، آنِيَةُ مِنْ فِضَّةٍ. فَأَمَرَ مُعَاويةُ رَجُلًا أنْ يَبِيعَهَا فِي أعْطِيَاتِ الناسِ. فَتَسَارَعَ الناسُ فِي ذلِكَ. فَبَلَغَ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ فَقَامَ فَقَال: إِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَن بَيعِ الذهَبِ بِالذهَبِ وَالْفِضةِ بِالْفِضةِ

ــ

أصرم بن فهر الأنصاري الخزرجي الشامي، مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وله (72) سنة رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان شاميان، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) أبو الأشعث:(نعم) أحدثكم حديث عبادة، ثم قال أبو الأشعث:(غزونا غزاة) أي غزوة قبل الشام (وعلى الناس معاوية) بن أبي سفيان أميرًا من جهة عمر لا خليفة فإن زمان خلافته متأخر عن ذلك بكثير (فغنمنا) في تلك الغزوة (غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلًا) من الجيش (أن يبيعها) أي أن يبيع تلك الأواني (في أعطيات الناس) أي بما يعطاه الناس في الأرزاق من الدراهم، وهذا البيع لهذه الأواني كان بالدراهم ولذلك أنكره عبادة بن الصامت رضي الله عنه واستدل عليه بقوله:(الفضة بالفضة) ولو كان بذهب أو عرض لما كان للإنكار ولا للاستدلال وجه، والأعطيات جمع أعطية وهي جمع عطاء وهو اسم لما يعطى كالعطية، أي أمره أن يبيعها بالدراهم نسيئة إلى أن يخرج عطاء المشتري ورزقه، ورواية البيهقي [5/ 182] من طريق خالد الحذاء عن أبي قلابة صريحة في هذا ولفظها عن عبادة بن الصامت أنه شهد الناس يتبايعون آنية الذهب والفضة إلى الأعطية.

(فتسارع) أي تبادر (الناس) أي الجيش (في ذلك) يعني في شراء تلك الأواني بدراهم مؤجلة إلى أخذ أرزاقهم. قال القرطبي: (قوله: فتسارع الناس في ذلك) يعني في شراء تلك الآنية بالدراهم وهو يدل على أقلية العلماء وأن أكثرهم الجهال ألا ترى معاوية رضي الله عنه قد خفي عليه ذلك مع صحبته وكونه من كتاب الوحي، ويحتمل أن يقال: إن معاوية كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس وغيره، والأول الأظهر من مساق الخبر فتأمل نصه فإنه صريح في أن معاوية لم يكن علم بشيء من ذلك اهـ من المفهم.

(فبلغ عبادة بن الصامت) رضي الله عنه خبر صنيع الناس من تسارعهم إلى شراء الأواني بالدراهم مع أنها فضة (فقام) عبادة خطيبًا (فقال): يا أيها الناس (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة) قد تقدم

ص: 297

وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشعِيرِ بِالشعِيرِ وَالتمْرِ بِالتمرِ وَالْمِلْحِ بِالمِلحِ إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ. عَينًا بِعَينٍ

ــ

القول في النقود والقول هنا في الأطعمة ولم يُختلف في جريان الربا في هذه الأصناف الستة المذكورة هنا لكن هل تعلق حكم الربا باسمائها أم بمعانيها فأهل الظاهر قصروه على أسمائها فلا يجري الربا عندهم في غير هذه الأصناف الستة وفقهاء الأمصار من الحجازيين وغيرهم رأوا أن ذلك الحكم متعلق بمعانيها وتمسكوا في ذلك بما تقدم وبأن الدقيق يجري فيه حكم الربا بالاتفاق ولا يصدق عليه اسم شيء من تلك الأصناف المذكورة في الحديث فإن قيل: دقيق كل صنف منها مردود إلى حبه في حكمه قلنا: فهذا اعتراف بأن الحكم لم يتعلق بأسمائها بل بمعانيها والله تعالى أعلم، وقد اختلفوا في تعيين ذلك المعنى فقال أبو حنيفة: إن علة ذلك كونه مكيلًا أو موزونًا جنسًا، وذهب الشافعي في القديم إلى أن المعنى هو أنه مأكول مكيل أو موزون جنسًا، وفي الجديد هو أنه مطعوم جنس، وحكى عن ربيعة أن العلة كونه جنسًا تجب فيه الزكاة، واختلفت عبارات أصحابنا وأحسن ما في ذلك هو كلونه مقتاتًا مدخرًا للعيش غالبًا جنسًا ولبيان الأرجح من هذه العلل والفروع المبنية عليها عِلْمُ الخلاف وكتُبُ الفروع اهـ من المفهم.

وقوله: (والبر بالبر والشعير بالشعير) دليل على أنهما نوعان مختلفان كمخالفة التمر للبر وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والثوري وابن علية وفقهاء أهل الحديث، وذهب مالك والأوزاعي والليث ومعظم علماء المدينة والشام إلى أنهما صنف واحد وهو مروي عن عمر وسعيد وغيرهما من السلف متمسكين بتقاربهما في المنبت والمحصد والمقصود لأن كل واحد منهما في معنى الآخر والاختلاف الذي بينهما إنما هو من باب مخالفة جيد الشيء لرديئه اهـ من المفهم (والتمر بالتمر والملح بالملح) أي نهى عن بيع هذه الأشياء بعضها ببعض في حال من الأحوال (إلا) حالة كونها (سواء) مقابلًا (بسواء) وهذا إشارة إلى أن المماثلة شرط في حال اتحاد الجنس وإلا حالة كونها (عينًا) أي معينًا مقابلًا (بعين) أي بمعين، وهذا إشارة إلى اشتراط التقابض والحلول في حالة اختلاف الجنس.

واستدلت الحنفية بقوله: (عينًا بعين) على أن الواجب في غير الذهب والفضة من الأموال الربوية هو تعيين البدلين في المجلس لا تقابضهما بخلاف الذهب والفضة فإنه

ص: 298

فَمَنْ زَادَ أَو ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبى. فَرَدَّ الناسُ مَا أَخَذُوا. فَبَلَغَ ذلِكَ مُعَاويةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَال: أَلا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ. قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مْنهُ. فَقَامَ عُبَادَةُ بن الصامِتِ فَأَعَادَ الْقِصةَ. ثُم قَال: لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وإنْ كَرِهَ مُعَاويةُ (أَوْ قَال: وإِنْ رَغِمَ)

ــ

يجب فيهما التقابض في المجلس ونتيجة ذلك أنه لو تبايع الرجلان الحنطة بالحنطة وعيّن كل واحد ما وقع عليه العقد بالإشارة مثلًا ثم افترقا قبل التقابض صح العقد، وأما في الصرف فيبطل العقد ولا يكفي التعيين، واستدلوا بلفظ حديث الباب (عينًا بعين) فإنه يدل على أن الشرط هو تعيين البدلين، وقال الشافعي: يجب التقابض في المجلس في سائر الأموال الربوية ولا يكفي التعيين واستدل بما مر من حديث عمر رضي الله عنه (والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء) وبما سيأتي في طريق خالد الحذاء من حديث عبادة (والملح بالملح مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد) فإنه صريح في اشتراط التقابض اهـ من التكملة (فمن زاد) أي أعطى الزيادة (أو ازداد) أي طلب الزيادة (فقد أربى) أي أوقع نفسه في الربا المحرم، قال التوربشتي: أي أتى الربا وتعاطاه ومعنى اللفظ أخذ أكثر مما أعطاه، من ربا الشيء يربو إذا زاد اهـ عون، قال أبو الأشعث:(فرد الناس ما أخذوا) من الأواني على الرجل الذي باعها لهم (فبلغ ذلك) الحديث الذي حدّثه عبادة (معاوية) بن أبي سفيان (فقام) معاوية (خطيبًا فقال) في خطبته: (إلا ما بال رجال) وشأن أناس (يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث) لم نسمعها منه صلى الله عليه وسلم فوالله لـ (قد كنا نشهده) أي نحضره في حضره (ونصحبه) في سفره (فلم نسمعها) أي فلم نسمع هذه الأحاديث التي رواها عبادة بن الصامت (منه) صلى الله عليه وسلم ظاهره أن معاوية رضي الله عنه لم يسمع هذا الحديث ولا علمه كما لم يعلمه في البداية عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم (فقام عبادة بن الصامت) حينما أنكر عليه معاوية (فأعاد) عبادة (القصة) أي قصة نهيه صلى الله عليه وسلم عن هذه الربويات وذكره مرة ثانية (ثم قال) عبادة: فوالله (لنُحدِّثن) ولنخبرن الناس (بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث (وإن) خالف هواهم، وكر هـ) ـه (معاوية) بن أبي سفيان أمير الجيش، قال أبو الأشعث:(أو قال) عبادة: (وإن رغم) معاوية أي لصق أنفه

ص: 299

مَا أُبَالِي أَن لَا أَصحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيلَةً سَودَاءَ.

قَال حَمَّاد: هذَا أَوْ نَحْوَهُ.

3929 -

(00)(00) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثقَفِي، عَنْ أيُّوبَ، بِهذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ

ــ

بالتراب وهو بكسر الغين وفتحها معناه ذل وصار كاللاصق بالرغام وهو التراب وهو كناية عن كراهيته ما حدّثه لمخالفته أمره والشك من أبي الأشعث أو ممن دونه (ما أبالي) أي لا أبالي (أن لا أصحبه) ولا أكترث عدم صحبته ولا أريد الدوام (في جنده) وأريد مفارقته (ليلة سوداء) أي في ليلة مظلمة غير مستنيرة بالقمر لمعارضته حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه، قال عبيد الله القواريري (قال) لنا (حماد) بن زيد أي حدّث لنا (هذا) الحديث المذكور بلفظه (أو) حدّث لنا حماد (نحوه) أي نحو اللفظ المذكور سابقًا أي حديثًا قريبًا له في اللفظ والمعنى، والشك من عبيد الله بن عمر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3349]، والنسائي [4/ 274]، وابن ماجه [4454].

قال القرطبي: قوله: (فمن زاد) أي من بذل الزيادة وطاع بها (أو ازداد) أي سأل الزيادة وطلبها (فـ) كل واحد منهما (قد أربى) أي قد فعل الربا وهما سواء في الإثم كما قال في الرواية الأخرى الآخذ والمعطي فيه سواء أي في فعل المحرم وإثمه، وفي سنن أبي داود وكذا في مسلم كما سيأتي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء" أي في استحقاق اللعنة والإثم اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبادة رضي الله عنه فقال:

3929 -

(00)(00)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (عن أيوب) السختياني (بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة (نحوه) أي نحو ما حدّث حماد بن زيد عن أيوب، غرضه بيان متابعة عبد الوهاب الثقفي لحماد بن زيد.

(تتمة): في معنى الحديث قوله: (فلم نسمعها منه) لكن من حفظ حجة على من لم

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يحفظ، وكيف لا وهو عَقَبِيٌّ بَدْرِيٌّ شهد ما لم يشهده معاوية وصحب ما لم يصحبه، قال السندي في حواشي النسائي: وهذا استدلال بالنفي على رد الحديث الصحيح بعد ثبوته مع اتفاق العقلاء على بطلان الاستدلال بالنفي وظهور بطلانه بأدنى نظر بل بديهة فهذا جراءة عظيمة يغفر الله لنا وله اهـ.

قوله: (فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة) ولفظ النسائي فبلغ ذلك عبادة بن الصامت فقام فاعاد الحديث وكان بدريًا وكان بايع النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يخاف في الله لومة لائم وإلا لما قام خوفًا من معاوية اهـ من السندي باختصار.

قوله: (وإن رغم) هو بكسر الغين وفتحها. معناه: ذل وصار كاللّاصق بالرغام وهو التراب وفي هذا الاهتمام بتبليغ السنن ونشر العلم وإن كرهه من كرهه لمعنى، وفيه القول بالحق وإن كان المقول له كبيرًا اهـ نووي.

وفي الاستيعاب وأُسد الغابة أن عمر رضي الله عنه كان وجه عبادة بن الصامت إلى الشام قاضيًا ومعلمًا وكان معاوية قد خالفه في شيء أنكره عليه عبادة فأغلظ له معاوية في القول فقال له عبادة: لا أساكنك بأرض واحدة أبدًا ورحل إلى المدينة، فقال له عمر: ما أقدمك؟ فأخبره فقال: ارجع إلى مكانك فقبح الله أرضًا لست فيها ولا أمثالك. وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك على عبادة اهـ وقال ابن حجر في الإصابة: ولعبادة قصص متعددة مع معاوية وإنكاره عليه أشياء وفي بعضها رجوع معاوية له وفي بعضها شكواه إلى عثمان منه تدل على قوة عبادة في دين الله وقيامه في الأمر بالمعروف اهـ من بعض الهوامش، وعند النسائي في سننه [2/ 221] وكان عمر رضي الله عنه بعث ثلاثة من فقهاء الصحابة إلى الشام بطلب من يزيد بن أبي سفيان فأقام أبو الدرداء بدمشق ومعاذ بفلسطين وعبادة بحمص ثم لما مات معاذ انتقل عبادة إلى فلسطين وأقام بها حتى توفي وكان عبادة يبادر إلى الإنكار على المنكرات إيفاء لبيعته وكانت له مع معاوية رضي الله عنهما أخبار سردها ابن عساكر في تاريخه ومن جملتها هذا الحديث، وقد أخرجه ابن عساكر عن الحسن مرسلًا ونحكيه هنا بلفظه لما فيه من فوائد زائدة عن الحسن قال: كان عبادة بن الصامت بالشام فرأى آنية من فضة يباع الإناء منها بمثلي ما فيه أو نحو ذلك فمشى إليهم عبادة فقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا عبادة بن الصامت، ألا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في

ص: 301

3930 -

(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي شَيبَةَ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثنَا وَكِيعٌ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأشْعَثِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الذهَبُ بِالذهَبِ

ــ

مجلس من مجالس الأنصار ليلة الخميس في رمضان ولم يصم رمضان بعده يقول: "الذهب بالذهب مثلًا بمثل سواء بسواء وزنًا بوزن يدًا بيد فما زاد فهو ربا والحنطة قفيز بقفيز يدًا بيد فما زاد فهو ربا والتمر بالتمر قفيز بقفيز يدًا بيد فما زاد فهو ربا" قال: فتفرق الناس عنه، فأتي معاوية فأخبر بذلك فأرسل إلى عبادة فأتاه فقال له معاوية: لئن كنت صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وسمعت منه لقد صحبناه وسمعنا منه فقال له عبادة: لقد صحبته وسمعت منه، فقال له معاوية: فما هذا الحديث الذي تذكره فأخبره به، فقال له معاوية: اسكت عن هذا الحديث ولا تذكره، فقال له: بلى وإن رغم أنف معاوية، ثم قال: فقال له معاوية ما نجد شيئًا أبلغ فيما بيني وبين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الصفح عنهم. راجع له وللأخبار الأخرى مثله تهذيب تاريخ ابن عساكر [7/ 212] وحديث ابن عساكر هذا يدل على أن حديث ربا الفضل تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة عشر من الهجرة والله أعلم اهـ من التكملة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال:

3930 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (واللفظ لابن أبي شيبة قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا وكيع حدثنا سفيان) الثوري (عن خالد) بن مهران المجاشعي مولاهم أبي المنازل البصري (الحذاء) ثقة، من (5)(عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أبي الأشعث) شراحيل بن آدة الصنعاني (عن عبادة بن الصامت) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة خالد الحذاء لأيوب السختياني (قال) عبادة بن الصامت:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب) أي يُباع الذهب (بالذهب) يجوز في الذهب الأول الرفع بتقدير يُباع كما قررناه

ص: 302

وَالْفِضةُ بِالْفِضةِ. وَالْبُرِّ بِالْبُر. وَالشعِيرُ بِالشعِيرِ. وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ. وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ. مِثْلا بِمِثْلٍ. سَوَاءً بِسَوَاءٍ. يَدا بِيَدٍ. فَإِذَا اختَلَفَتْ هذِهِ الأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيفَ شِئتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ".

3931 -

(15241)(88) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا

ــ

والنصب على تقدير بيعوا، قال زين العرب: الربويات المذكورة في هذا الحديث ست لكن لا يختص بها وإنما ذُكرت ليقاس عليها غيرها اهـ من المرقاة (و) تُباع (الفضة بالفضة و) يُباع (البر بالبر و) يُباع (الشعير بالشعير و) يُباع (التمر بالتمر و) يُباع (الملح بالملح) حالة كونها (مثلًا) مقابلًا (بمثل) أي بمماثله (سواء) أي مساويًا مقابلًا (بسواء) أي بمساويه (يدًا بيد) أي متقابضين (فإذا اختلفت هذه الأصناف) أي هذه الأجناس المذكورة، وقوله: هذا إشارة إلى ما ذكره في الحديث من الأصناف ويُلحق بها ما في معناها على ما ذكرناه سابقًا وينضاف إلى كل نوع منها ما في معناه وما يقاربه وما بعد عن ذلك كان صنفًا مستقلًا بنفسه ولذلك لم يختلف قول مالك في أن الدخن صنف منفرد ومثله الطيف والهندباء والأرز كذلك وهو قول كافة العلماء، والعلس عند أكثر المالكية جنس مستقل، وقال الشافعي: هو نوع من أنواع الحنطة وقاله بعض أصحابنا وقد ضم مالك السلت إلى البر والشعير وقال الشافعي: هو جنس مستقل بنفسه، وقال الليث: السلت والدخن والذرة جنس واحد وقاله ابن وهب، وسبب هذا الاختلاف اختلاف الشهادة بالتقارب في المقصود والمحصد والمنبت فمن شهدت له عادة استعمال صنف في معنى صنف وشابهه في شيء مما ذكرناه ألحقه به ومن لم يحصل له ذلك لم يُلحق والأصل أن ما اختلفت أسماؤه ومقاصده أن يُعد أصنافًا مختلفة بدليل ظاهر الحديث المتقدم والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم.

أي فإذا اختلفت هذه الأجناس المذكورة بأن بيع الذهب بالفضة أو البر بالشعير والملح بالسكر (فبيعوا كيف شئتم) سواء تفاضلا أو تساويا (إذا كان) البيع (يدًا بيد) أي مقابضة في العوضين في مجلس العقد بلا نسيئة.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمر ثانيًا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال:

3931 -

(1524)(88) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا

ص: 303

إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الذهَبُ بِالذهَبِ. وَالْفِضةُ بِالْفِضةِ. وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ. وَالشعِيرُ بَالشعِيرِ. وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ. وَالمِلحُ بِالمِلحِ. مِثْلًا بِمِثْلٍ. يَدًا بِيَدٍ. فَمَنْ زَادَ أَو اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى. الآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ".

3932 -

(00)(00) حدثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أخْبَرَنَا سُلَيمَانُ الرَّبَعيُّ

ــ

إسماعيل بن مسلم العبدي) أبو محمد البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أبو المتوكل) علي بن داود، ويقال ابن دؤاد بضم الدال بعدها واو بهمزة (الناجي) منسوب إلى بني ناجية بن لؤي كما في تاج العروس البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مدني (قال) أبو سعيد:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) يُباع (الذهب بالذهب و) تُباع (الفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح) حالة كونها (مثلًا) مقابلًا (بمثل) وحالة كونها (يدًا بيد) أي متقابضات (فمن زاد) أي أعطى الزيادة (أو استزاد) أي طلب الزيادة (فقد أربى) أي فقد فعل الربا (الأخذ) وهو المستزيد (والمُعطي) وهو الذي زاد (فيه) أي في أصل إثم الربا (سواء) أي متساويان والمعنى فدافع الزيادة وآخذها عاصيان مربيان.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في البيوع في مواضع، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وابن ماجه في التجارات.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

3932 -

(00)(00) حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابًا (أخبرنا سليمان) بن علي الأزدي (الربعي) أي المنسوب إلى ربيعة الأزد أبو عكاشة البصري -بضم العين المهملة وفتح الكاف المشددة- روى عن أبي المتوكل الناجي في

ص: 304

حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ الناجِي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الذهَبُ بِالذهَبِ مِثْلا بِمِثْل". فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ.

3933 -

(1525)(89) حدثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَدُ بْنُ الْعَلاءِ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "التَّمرُ بِالتَّمرِ. وَالْحِنطَةُ بِالْحِنْطَةِ. وَالشعِيرُ بِالشعِيرِ. وَالْمِلْحُ بِالْمِلحِ. مِثْلًا بِمِثْلٍ. يَدًا بِيَدٍ. فَمَن زَادَ أَو استَزَادَ فَقَدْ أَربَى

ــ

البيوع، وأنس وأبي الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي، ويروي عنه (م س ق) ويزيد بن هارون وحماد بن زيد وخالد بن الحارث وابن المبارك وروح، وثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، له عندهم حديثان، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (حدثنا أبو المتوكل الناجي) علي بن داود البصري (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليمان الربعي لإسماعيل بن مسلم (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالدهب مثلًا بمثل فذكر) سليمان الربعي (بمثله) أي بمثل ما روى إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل الناجي.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

3933 -

(1525)(89)(حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (وواصل بن عبد الأعلى) بن هلال الأسدي أبو القاسم الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (قالا: حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (عن أبيه) فضيل بن غزوان الضبي أبي الفضل الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلًا بمثل يدًا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى

ص: 305

إِلا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ".

3934 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ. حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِي، عَنْ فُضَيلِ بْنِ غَزْوَانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ؛ "يَدًا بِيَدٍ".

3935 -

(00)(00) حدثنا أَبُو كُرَيب وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ

ــ

إلا ما اختلفت ألوانه) أي أجناسه وهو استثناء من قوله مثلًا بمثل فلا تشترط فيه المماثلة لاختلاف جنسه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي أخرجه في البيوع.

ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:

3934 -

(00)(00)(وحدثنيه أبو سعيد الأشج) الكندي الكوفي عبد الله بن سعيد بن حصين، ثقة، من (10)(حدثنا المحاربي) عبد الرحمن بن محمد بن زياد أبو محمد الكوفي، روى عن فضيل بن غزوان في البيوع، والأعمش ومحمد بن سوقة ويحيى بن سعيد، ويروي عنه (ع) وأبو سعيد الأشج وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل، وثقه ابن معين والنسائي، وزاد النسائي: ليس به باس، وقال أبو حاتم: صدوق إذا حدّث عن الثقات، ويروي عن المجهولين أحاديث منكرة، وقال العجلي: كان يدلس، وقال في التقريب: لا بأس به وكان يدلس، من التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة (عن فضيل بن غزوان) الضبي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي زرعة عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة المحاربي لمحمد بن فضيل (و) لكن الم يذكر) المحاربي لفظة (يدًا بيد).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3935 -

(00)(00)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (وواصل بن عبد الأعلى) الأسدي الكوفي (قالا: حدثنا) محمد (بن فضيل عن أبيه) فضيل بن غزوان (عن) عبد الرحمن (بن) زياد (أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة البجلي أبي الحكم الكوفي، صدوق، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من

ص: 306

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الذهَبُ بِالذهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ. مِثْلًا بِمِثْلٍ. وَالْفِضةُ بِالْفضَةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ. مِثْلًا بِمِثْلٍ. فَمَنْ زَادَ أَو اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا".

3936 -

(00)(00) حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ

ــ

خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي نعم لأبي زرعة (قال) أبو هريرة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) يُباع (الذهب بالذهب) حالة كونهما (وزنًا) أي موزونًا مقابلًا (بوزن) أي بموزون يعني أن المعيار الشرعي في الذهب الوزن لا الكيل حالة كونهما (مثلًا) مقابلًا (بمثل) يعني يشترط التماثل بين العوضين (و) تباع (الفضة بالفضة وزنًا بوزن مثلًا بمثل) يعني أن المعيار فيها أيضًا الوزن فالحديث يدل على وجوب تحقيق المماثلة في بيع الربوي بجنسه وذلك لا يكون إلا بمعيار معلوم مقداره بالشرع أو بالعادة وزنًا أو كيلًا، والأولى عند مالك أن تجعل ذهبك في كفة ويجعل ذهبه في كفة فإذا استوى أخذ وأعطى وكذلك يكون الكيل واحدًا ويجوز بصنجة واحدة معلومة المقدار بالعادة أو بالتحقيق ولا يجوز عند مالك والشافعي في الصرف ولا غيره من البيوع أن يتعاملا بمعيار مجهول يتفقان عليه لجهل كل واحد منهما بما يصير إليه حالة العقد (فمن زاد) أي دفع الزيادة وبها (أو استزاد) أي طلب الزيادة وأخذها (فهو) أي فكل واحد منهما (ربا) أي فاعل إثم بفعله سواء في استحقاق اللعنة والإثم اهـ من المفهم.

قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن زاد) أي على مقدار البيع الآخر من جنسه (أو استزاد) أي طلب زيادته وأخذه (فهو) أي فالزائد يكون (ربا) ويحرم ذلك البيع، وفيه إشارة إلى أن من أعطى الربا ومن أخذه في الماثم سواء، وهذا الحديث بين حقيقة الربا وهي زيادة أحد العوضين على الآخر في القدر إذا اتحد الجنس اهـ ابن الملك لكن قوله في المأثم سواء معناه في أصل إثم الربا لا في قدره صرح به في المرقاة وقوله:(وزنًا بوزن) أي متوازيين (مثلا بمثل) أي متماثلين، وقوله:(سواء بسواء) أي متساويين اهـ من بعض الهوامش.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3936 -

(00)(00)(حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي (القعنبي)

ص: 307

حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"الدّينَارُ بِالدينَارِ لَا فَضْلَ بَينَهُمَا، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرهَمِ لَا فَضلَ بَينَهُمَا".

3937 -

(00)(00) حَدثَنِيهِ أبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. قَال: سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: حَدَثَنِي موسَى بْنُ أَبِي تَمِيمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ

ــ

المدني البصري، ثقة، من (9)(حدثنا سليمان يعني ابن بلال) القرشي التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8)(عن موسى بن أبي تميم) المدني، روى عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة في البيوع في الصرف، ويروي عنه (م س) وسليمان بن بلال ومالك بن أنس وزهير بن محمد العنبري، وثقه أبو حاتم، وقال: ليس به باس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن سعيد بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة رضي الله تعالى عنها أبي الحباب المدني، ثقة متقن، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن يسار لمن روى عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ) يُباع (الدينار بالدينار لا فضل لينهما) أي لا فضل ولا زيادة لأحد العوضين على الآخر (و) يُباع (الدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أي متماثلين لا زيادة لأحدهما على الآخر.

ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه رابعًا فقال:

3937 -

(00)(00)(حدثنيه أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (قال: سمعت مالك بن أنس يقول: حدثني موسى بن أبي تميم بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة، وساق مالك بن أنس (مثله) أي مثل حديث سليمان بن بلال، غرضه بيان متابعة مالك بن أنس لسليمان بن بلال والله أعلم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث أبي سعيد الخدري الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث عثمان بن عفان ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستشهاد به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة،

ص: 308

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والرابع: حديث عبادة بن الصامت ذكره للاستشهاد به لحديث عمر وذكره فيه متابعتين، والخامس: حديث أبي سعيد الخدري الثاني ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث عمر وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به ثالثًا لحديث عمر وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 309