الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
571 - (11) باب وضع الجوائح وقسم مال المفلس والحث على وضع بعض الدين
3853 -
(1489)(52) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيرِ أَخْبَرَهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا". ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ،
ــ
571 -
(11) باب وضع الجوائح وقسم مال المفلس والحث على وضع بعض الدين
أي هذا باب الأمر بإسقاط متلفات الجوائح جمع جائحة وهي الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها كالجراد والبرْدِ والبَرَد يقال جاحهم الدهر يجوحهم واجتاحهم إذا أصابهم مكروه عظيم والمراد من وضع الجوائح إسقاطها يعني إسقاط البائع ثمن الثمر المبيع الذي أصابته آفة وسيأتي حكمه.
3853 -
(1489)(52)(حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي (أخبرنا) عبد الله (ابن وهب) المصري (عن ابن جريج) المكي (أن أبا الزبير) المكي (أخبره عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان مصريان وواحد مدني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بعت) أيها البائع (من أخيك) أي لأخيك (ثمرًا) بالثاء المثلثة على رؤوس الشجر (ح وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا أبو ضمرة) المدني أنس بن عياض بن ضمرة الليثي، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب، مات سنة (200) وله (96) سنة (عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. (يقول): وهذا السند أيضًا من خماسياته ثلاثة منهم مكيون واثنان مدنيان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو بعت) أيها البائع (من أخيك ثمرًا) على الشجر بعد بدو صلاحها (فأصابته) أي فأتلفته (جائحة) أي آفة سماوية مستأصلة للثمر كمطر أو برد أو جراد أو ريح أو حريق، قال في النيل: ولا خلاف أن
فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيئًا. بِمَ تَأْخُذُ مَال أَخِيكَ بِغَيرِ حَقٍّ".
3854 -
(00)(00) حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ
ــ
البرد والقحط والعطش جائحة وكذلك كل ما كان آفة سماوية، وأما ما كان من الآدميين كالسرقة ففيه خلاف منهم من لم يره جائحة لقوله في حديث أنس (إذا منع الله الثمرة) ومنهم من قال: إنه جائحة تشبيهًا بالآفة السماوية اهـ (فلا يحل لك) أيها البائع (أن تأخذ منه) أي من أخيك المشتري (شيئًا) أي في مقابلة الهالك (بم تأخذ) أي بأي وجه تأخذه وبمقابلة أي شيء تأخذ أيها البائع (مال أخيك بغير حق) ظاهره حرمة الأخذ ووجوب وضع الجائحة وبه قال أصحاب الحديث، وحمله الفقهاء على الاستحباب من طريق المعروف والإحسان محتجين بحديث أبي سعيد الآتي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة على من أصيب في ثمر ابتاعه فكثر دينه ليدفعها إلى غريمه ولو كان الوضع واجبًا لما أمر بها أو هو محمول على صورة عدم تسليم المبيع إلى المشتري فما هلك فيها يكون من البائع بالاتفاق أفاده ابن الملك.
وقوله: (بم تأخذ) بحذف ألف ما الاستفهامية لدخول الجار عليها مثل قولهم فيم وعلام وحتام وعم، ولما كانت ما الاستفهامية متضمنة معنى الهمزة ولها صدر الكلام ناسب أن يقدر أبم تأخذ، والهمزة للإنكار فالمعنى لا ينبغي أن يأخذ أحدكم مال أخيه باطلًا لأنه إذا تلفت الثمرة لا يبقى للمشتري في مقابلة ما دفعه شيء، وفيه إجراء الحكم على الغالب لأن تطرق التلف إلى ما بدا صلاحه ممكن وعدم تطرقه إلى ما لم يبد صلاحه ممكن فنيط الحكم بالغالب في الحالين اهـ قسط.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3470]، والنسائي [7/ 265]، وابن ماجه [2119].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:
3854 -
(00)(00)(حدثنا حسن) بن علي (الحلواني) الخلال المكي (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن ابن الزبير عن جابر (مثله) أي مثل ما روى ابن وهب عن ابن جريج، وهذا تحريف والصواب (مثلهما) أي مثل ما روى ابن وهب وأبو
3855 -
(1490)(53) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيعِ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ. فَقُلْنَا لأَنَسٍ: مَا زَهْوُهَا؟ قَال: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ. أَرَأَيتَكَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَال أَخِيكَ؟
ــ
ضمرة، غرضه بيان متابعة أبي عاصم لابن وهب وأبي ضمرة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أنس رضي الله عنهما فقال:
3855 -
(1490)(53)(حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (وعلي بن حجر) السعدي (قالوا: حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8)(عن حميد) بن أبي حميد الطويل البصري، ثقة، من (5) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ثمر النخل حتى تزهو) أي حتى يبدو صلاحها يقال: زها يزهو إذا طال واكتمل، قال حميد:(فقلنا لأنس: ما زهوها؟ قال) أنس: معنى زهوها أن (تحمر) الثمرة فيما يحمر بتشديد الراء فيه وفيما بعده بغير ألف (و) أن (تصفر) فيما يصفر، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أرأيتك) أي أخبرني، قال القسطلاني: وهو من باب الكناية حيث استفهم وأراد الأمر، وفي رواية أبوي ذر والوقت من صحيح البخاري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت اهـ أي أخبرني أيها البائع (إن منع الله الثمرة) للمشتري بأن تلفت الثمرة (بم) أي بأي معاوضة (تستحل) وتستحق (مال أخيك) يعني الثمن الذي أخذه منه، والمعنى لا ينبغي أن يأخذ أحدكم مال أخيه باطلًا لأنه إذا تلفت الثمرة لا يبقى للمشتري شيء في مقابلة ما دفعه اهـ من القسطلاني، قال القرطبي: قوله: (إذا منع الله الثمرة) أي إذا منع تكاملها وطيبها لأن الثمرة قد كانت موجودة مزهية عند البيع كما قال في الرواية الأخرى (إن لم يثمرها الله) أي لم يكمل ثمرتها، وقد تقدم القول في أصل الجائحة في كتاب الزكاة.
واختلف أصحابنا في حدها فروي عن ابن القاسم أنها ما لا يمكن دفعه وعلى هذا القول فلا يكون السارق جائحة وكذا في كتاب محمد وقال مطرف وابن الماجشون: الجائحة ما أصاب الثمرة من السماء من عفن أو برد أو عطش أو حر أو كسر الشجر بما
3856 -
(00)(00) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ حُمَيدٍ الطَّويلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ. قَالُوا: وَمَا تُزْهِيَ؟ قَال: تَحْمَرُّ. فَقَال: إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، فَبِمَ تَسْتَحِلُّ مَال أَخِيكَ؟ .
3857 -
(00)(00) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛
ــ
ليس بصنع آدمي والجيش ليس بجائحة، وفي رواية ابن القاسم إنه جائحة اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 115]، والبخاري [2195]، والنسائي [7/ 264] وقد تقدم معنى هذا الحديث عن ابن عمر وجابر في باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها وقد تقدم شرحه وإيضاح معانيه هناك مستوفى.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
3856 -
(00)(00)(حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو (أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك) بن أنس (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن بيع الثمرة حتى تزهي) بضم أوله وكسر الهاء من أزهى الرباعي يزهي إزهاء إذا احمر الثمر أو اصفر وصوّبها الخطابي ونفى تزهو بالواو وأثبت بعضهم ما نفاه فقال: زها يزهو إذا طال واكتمل اهـ قسط (قالوا): زاد النسائي والطحاوي: يا رسول الله وهذا صريح في الرفع لكن في الرواية السابقة جعله موقوفًا على أنس أي قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم يا رسول الله (وما) معنى (تزهي؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: معناه أن (تحمر) الثمرة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا منع الله) سبحانه المشتري (الثمرة) بأن تلفت (فبم) أي فبأي سبب (تستحل) وتستحق أيها البائع (مال أخيك) يعني المشتري.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
3857 -
(00)(00)(حدثني محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي (حدثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي الجهني المدني (عن حميد) الطويل (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد العزيز الدراوردي
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنْ لَمْ يُثْمِرْهَا اللَّهُ، فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَال أَخِيهِ؟ ".
3858 -
(1491)(54) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاءِ (وَاللَّفْظُ لِبِشْرٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ حُمَيدٍ الأَعْرَجِ،
ــ
لمالك بن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لم يثمرها الله) تعالى أي إن لم يكمل ثمرتها ويسلمها بأن تلفت لأن الثمرة قد كانت موجودة مزهية حين البيع (فبم يستحل) أي فبم يستحق (أحدكم مال أخيه).
وقوله: (عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال): قال الدارقطني: هذا وهم من محمد بن عباد أو من عبد العزيز في حال إسماعه محمدًا لأن إبراهيم بن حمزة سمعه من عبد العزيز مفصولًا مبينًا أنه من كلام أنس وهو الصواب وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط محمد بن عباد كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأتى بكلام أنس وجعله مرفوعًا وهو خطأ اهـ نووي.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر الأول بحديث آخر له فقال:
3858 -
(1491)(54)(حدثنا بشر بن الحكم) بن حبيب بن مهران العبدي أبو عبد الرحمن النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (2)(وإبراهيم بن دينار) البغدادي أبو إسحاق التمار، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وعبد الجبار بن العلاء) بن عبد الجبار الأنصاري العطار أبو بكر المكي، روى عن سفيان بن عيينة في البيوع والذبائح والضحايا والأطعمة، وعن مروان بن معاوية في الأطعمة، ويروي عنه (م ت س) وابن خزيمة وابن صاعد، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: لا بأس به، من صغار العاشرة مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين في جمادى الأولى (واللفظ) الآتي (لبشر) بن الحكم (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا سفيان بن عيينة عن حميد) بن قيس (الأعرج) القرشي مولاهم أبي صفوان المكي القاري، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال أحمد: ثقة، وقال ابن معين: ثبت، روى عنه مالك، وقال في التقريب: لا بأس به، من (6) مات سنة (130) روى
عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ.
قَال أَبُو إِسْحَاقَ (وَهْوَ صَاحِبُ مُسْلِمٍ): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا
ــ
عنه في (2) بابين الصلاة والبيوع (عن سليمان بن عتيق) المدني، وثقه النسائي وقال في التقريب: صدوق، من (4) روى عنه في (2) البيوع والعلم (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وثلاثة مكيون أو مكيان ونيسابوري أو مكيان وبغدادي أو مكيان وكوفي (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع) أي بإسقاط متلفات (الجوائح) أمر إيجاب يعني عن المشتري والمراد منه عند الحنفية والشافعية الحث على الخير على الندب أو المراد وضع الجائحة إذا أصابت الثمار قبل قبض المشتري أو المراد منه وضع الخراج عن أرض أصابتها جائحة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 309]، وأبو داود [3374]، والنسائي [7/ 265].
(قال أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي هذا الجامع عن الإمام مسلم رحمه الله تعالى وتلميذه وصاحبه كما قال (وهوصاحب مسلم) وملازمه وهذا الكلام من كلام أبي إسحاق ووضعه على سبيل التجريد البياني (حدثنا عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدي أبو محمد النيسابوري، ثقة، من صغار العاشرة (10) روى عنه في (13) بابا (عن سفيان) بن عيينة، وقوله:(بهذا) الحديث السابق متعلق بقوله: حدثنا عبد الرحمن بن بشر ومراده أنه علا برجل فصار في رواية هذا الحديث كشيخه مسلم بينه وبين سفيان بن عيينة راو واحد فقط.
والحاصل أنه ذكر روايته لهذا الحديث من غير طريق مسلم لأنه قد علا إسناده في هذا الطريق وبلغ به إلى سفيان بواسطة واحدة فقط وقد كانت له إليه في طريق مسلم واسطتان.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
3859 -
(1492)(55) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ بُكَيرٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا. فَكَثُرَ دَينُهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَصَدَّقُوا عَلَيهِ" فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيهِ. فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَينِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِهِ: "خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ"
ــ
3859 -
(1492)(55) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم المصري، ثقة، من (5)(عن عياض بن عبد الله) بن سعد القرشي العامري المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد بلخي (قال) أبو سعيد (أُصيب رجل) قال القرطبي وكذا النووي والأبي: هو معاذ بن جبل وكان غرماؤه يهود فكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم في أن يخففوا عنه أو ينظروه فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكر في الحديث، وظاهر هذا الحديث أن الجائحة أتت على كل الثمرة حتى لم يبق له منها ما يباع عليه فقد ثبت عسرته فحكمه الإنظار إلى الميسرة كما قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ} (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها) واشتراها والمعنى أصابه خسارة بسبب آفة أصابت ثمارًا اشتراها (فكثُر دينه) عليه، وهذا الحديث هو الذي احتج به الفقهاء لعدم وجوب وضع الجائحة إذ لو كانت الجائحة موضوعة لم يصر الرجل مديونًا بسببها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس:(تصدقوا عليه) أي على هذ المديون، وفيه فضل مواساة المحتاج ومن عليه دين والحث على الصدقة عليه (فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك) أي ما جمع له من الصدقة قدر (وفاء دينه) أي قدر ما يفي ويقضي دينه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه) أي للذين استحقوا عليه الدين (خذوا ما وجدتم) أي ما حصلتم يعني مما تصدّق به عليه (وليس لكم إلا ذلك) أي إلا ما حصلتم بل عليكم الإنظار إلى ميسرته. والظاهر من الرواية إلا ذلكم بخطاب الجمع قال في المبارق ليس معناه إبطال حق الغرماء فيما بقي من ديونهم عليه بل معناه ليس لكم الآن إلا هذا وليس لكم حبسه ما دام معسرًا اهـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقوله: (خذوا ما وجدتم) منه أخذ الفقهاء حكم التفليس وأن الغرماء يجوز لهم أخذ ما وجدوه عند مديونهم المفلس ولكن بواسطة القاضي ولا يترك إلا ما يحتاج إليه من الثياب وغيرها، قال الشامي: ويترك عليه دست من ثيابه يعني بذلة وقيل: دستان لأنه إذا غسل ثيابه لا بد له من ملبس وقالوا: إذا كان يكتفي بدونها تُباع ويقضى الدين ببعض ثمنها ويشتري بما بقي ثوبًا يلبسه وكذا يفعل في المسكن وعن هذا قالوا يبيع ما لا يحتاج إليه في الحال كاللبد في الصيف والنطع في الشتاء وينفق عليه وعلى زوجته وأطفاله وأرحامه اهـ رد المحتار في كتاب الحجر [5/ 105].
وقوله: (وليس لك إلا ذلك) قال الخطابي في معالم السنن [5/ 120] وليس في الحديث أنه أمر أرباب الأموال أن يضعوا عنه شيئًا من أثمان الثمار ثلثًا أو أقل منه أو أكثر إنما أمر الناس أن يعينوه ليقضي حقوقهم فلما أبدع بهم أمرهم بالكف عنه إلى الميسرة وهذا حكم كل مفلس أحاط به الدين وليس له مال، وقال أبو حنيفة: يجوز للغرماء ملازمته وأخذ فضل كسبه مهما وجدوا وعند الصاحبين لا يجوز ملازمة بعد التفليس.
قال القرطبي: وقوله صلى الله عليه وسلم: (تصدقوا عليه) لا يدل على وجوب التصدق على المفلس في قضاء دينه ومن فعل ذلك أو حض عليه كان خيرًا له وفيه ثواب كثير لأنه سعى في تخليص ذمة المسلم من المطالبة المستقبلة أو من الإثم اللاحق بتأخير الأداء عند الإمكان إن كان قد وقع ذلك وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بمعاذ ليبين لخصومه أنه ليس عنده شيء ولتطيب قلوبهم بما أخذوا فيسهل عليهم ترك ما بقي وليخف الدين عن معاذ وليتشارك المتصدقون في أجر المعونة وثوابها وليكون ذلك سنة حسنة.
وقوله: (خذوا ما وجدتم) يدل على أن المفلس يؤخذ منه كل ما يوجد له ويستثنى من ذلك ما كان ضرورته، وروى ابن نافع عن مالك أنه لا يُترك له إلا ما يواريه، والمشهور أنه يُترك له كسوته المعتادة ما لم يكن فيها فضل ولا يُنزع منه رداؤه إن كان مزريًا أو منقصًا وفي ترك كسوة زوجته وبيع كتبه إن كان عالمًا خلاف ولا يُترك له مسكن ولا خاتم ولا ثوب جمعته ما لم تقل قيمتها اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية الحديث أحمد [3/ 36]، وأبو داود [3469]، والترمذي
3865 -
(00)(00) حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَشَجِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
3861 -
(1493)(56) وَحَدَّثَنِي غَيرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا
ــ
[655]
، والنسائي [7/ 265]، وابن ماجه [2356].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
3860 -
(00)(00)(حدثني يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي أبو موسى المصري، ثقة، من (10)(أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7)(عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي المصري (بهذا الإسناد) يعني عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري (مثله) أي وساق عمرو بن الحارث (مثله) أي مثل ما روى ليث عن بكير، غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لليث بن سعد.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3861 -
(1493)(56)(وحدثني غير واحد من أصحابنا) وأصدقائنا أبهم المصنف شيخه ولعله يريد البخاري وغيره لأن البخاري أخرج هذا الحديث في صحيحه عن إسماعيل بن أبي أويس، قال النووي: قال جماعة من الحفاظ هذا أحد الأحاديث المقطوعة في صحيح مسلم وهي اثنا عشر حديثًا سبق بيانها في الفصول المذكورة في مقدمة هذا الشرح لأن مسلمًا لم يذكر من سمع منه هذا الحديث، قال القاضي عياض: إذا قال الراوي حدثني غير واحد أو حدثني الثقة أو حدثني بعض أصحابنا فليس هو من المقطوع ولا من المرسل ولا من المعضل عند أهل هذا الفن بل هو من باب الرواية عن المجهول وهذا الذي قاله القاضي هو الصواب لكن كيف كان فلا يحتج بهذا المتن من هذه الرواية لو لم يثبت من طريق آخر ولكنه قد ثبت من طريق آخر فقد رواه البخاري في صحيحه عن إسماعيل بن أبي أويس ولعل مسلمًا أراد بقوله غير واحد البخاري وغيره وقد حدث عن إسماعيل هذا من غير واسطة في كتاب الحج وفي آخر كتاب الجهاد، وروى مسلم أيضًا عن أحمد بن يوسف الأزدي عن إسماعيل في كتاب اللعان وفي كتاب
قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيسٍ. حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيمَانَ (وَهُوَ ابْنُ بِلالٍ) ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ. عَالِيَةً أَصْوَاتُهُمَا. وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ
ــ
الفضائل اهـ منه (قالوا) أي قال بعض أصحابنا، وجمع الضمير العائد إلى البعض لأن لفظة بعض كلمة تصدق على القليل والكثير (حدثنا إسماعيل بن أبي أويس) الأصبحي المدني واسم أبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس أبو عبد الله بن أبي أويس، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثني أخي) عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي أبو بكر بن أبي أويس المدني مشهور بكنيته كأبيه روى عن سليمان بن بلال في البيوع، وعن أبيه وخاله مالك بن أنس، ويروي عنه (خ م د ت س) وأخوه إسماعيل بن أبي أويس، وثقه ابن معين، وقال النسائي: ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات سنة (202) اثنتين ومائتين (عن سليمان وهو ابن بلال) التيمي مولاهم أبي محمد، ثقة، من (8)(عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن) بن حارثة أبي عبد الرحمن المدني وأبو الرجال لقبه لُقب به لأنه وُلد له عشرة أولاد فكملوا ولم يمت منهم أحد، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (أن أمه عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (قالت: سمعت عائشة) رضي الله تعالى عنها (تقول): وهذا السند من ثمانياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا الأول منهم فإنه مجهول (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم) واقفين (بالباب) أي على باب الحجرة أو باب المسجد، والخصوم جمع خصم كفلس وفلوس، وقد يطلق الخصم على الجمع والاثنين، حالة كونهم (عالية أصواتهما) أي مرتفعة أصواتهما، ولفظ البخاري (عالية أصواتهم) وكأنه جمع باعتبار من حضر الخصومة وثنى باعتبار الخصمين أوكان التخاصم من الجانبين بين جماعة فجُمع ثم ثني باعتبار جنس الخصم قاله الحافظ في الفتح، ولفظ عالية على كلا الروايتين يجوز فيه الجر على أنه صفة لخصوم ولكنها سببية والنصب على أنه حال من خصوم لتخصصه بالصفة والأصوات مرفوع على كلا الروايتين على أنه فاعل عالية وكلمة إذا في قوله:(وإذا أحدهما يستوضع) فجائية وأحدهما مبتدأ
الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ. وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ! لَا أَفْعَلُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيهِمَا. فَقَال: "أَينَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لَا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ " قَال: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ! فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ
ــ
خبره يستوضع (الآخر) أي يطلب منه أن يضع ويسقط من دينه شيئًا (ويسترفقه في شيء) أي يطلب منه أن يرفق به ويسهل عليه في التقاضي وأخذ الدين منه، والمعنى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم وفاجأه استيضاع أحدهما الآخر واسترفاقه منه في التقاضي (وهو) أي والحال أن الآخر (يقول) لأحدهما:(والله) أي أقسمت بالله (لا أفعل) ما طلبته مني من وضع بعض الدين وإسقاطه ومن الرفق في التقاضي (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجرته (عليهما) وهما يتخاصمان (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين المتألي على الله) أي الحالف المبالغ في اليمين باسم الله على أنه (لا يفعل المعروف) والخير يعني أين الذي يحلف بالله على أنه لا يصنع خيرًا من إسقاط بعض الدين والرفق في تقاضي الباقي، والمتألي الحالف أشد الحلف يقال: تألى يتألى وائتلى يأتلي وآلى يؤلي كل ذلك بمعنى الحلف مأخوذ من الألية بفتح الهمزة وكسر اللام وتشديد الياء وهي اليمين، وفيه ما يدل على أن سؤال الحطيطة والرفق جائز إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إذ سمعه، وقد كره مالك ذلك لما فيه من المهانة والمنة (قلت): وهذه الكراهة من مالك إنما هي من طريقة تسمية ترك الأولى مكروهًا اهـ من المفهم (قال) ذلك الآخر (أنا) المتألي (يا رسول الله) صلى الله عليه وسلم (فله) أي فلخصمي وهو خبر مقدم لأي أي فـ (أي ذلك) المذكور من الأمرين الوضع والرفق (أحب) ورضي كائن له فأي اسم موصول في محل الرفع مبتدأ وجملة أحب صلته أي وخبره الجار والمجرور مقدم عليه أي فالذي أحب من ذينك الأمرين كائن له يا رسول الله ولعل مراده أنه صار مستعدًا لا لوضع النقصان فقط بل وللحط من قيمة رأس المال الباقي أيضًا وفي بعض الهوامش وإعراب أي كإعرابه في قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} والضبط في مطبوع البخاري على النسخة اليونينية بالرفع وضبط القسطلاني بالنصب وهي قراءة في الآية اهـ.
قال القرطبي: قوله: (فله أي ذلك أحب) أي الوضع والرفق وكان حقه أن يقال فله أي ذينك أحب فإن المشار إليه اثنان لكنه أشار إلى الكلام المتقدم المذكور فكأنه قال
3862 -
(1494)(57) حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ
ــ
فله أي ذلك المذكور أحب نظير قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} وإذا تأملت هذا الكلام بأن لك لطافة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن سياسته وكرم خلق الرجل ومسارعته إلى فعل الخير اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 69]، والبخاري [2705].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث كعب بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال:
3862 -
(1494)(57)(حدثنا حرملة بن يحيى) المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (حدثني عبد الله بن كعب بن مالك) الأنصاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب أنه (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (عن أبيه) كعب بن مالك بن عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن كعب الأنصاري السلمي بفتح السين واللام، أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك فأنزل الله فيهم قوله:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ} الصحابي المشهور رضي الله عنه المدني، وكان من شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم وقد تقدم البسط في ترجمته روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه رواية تابعي عن تابعي وولد عن والد (أنه) أي أن كعب بن مالك (تقاضى) أي طالب عبد الله (بن أبي حدرد) الأسلمي كما وقع مصرحًا في رواية ابن هرمز في آخر الباب وكنيته أبو محمد له ولأبيه صحبة، وقال ابن سعد: أول مشاهده الحديبية ثم خيبر وأمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سراياه واحدة بعد أخرى كذا في الاستيعاب لابن عبد البر [2/ 285] وابنه القعقاع قد شهد الجابية مع عمر، وتوفي عبد الله بن أبي حدرد سنة (71) إحدى وسبعين وله إحدى وثمانون سنة، وجاءت عنه أربعة أحاديث ذكرها الحافظ في الإصابة [2/ 286 و 287] وحدرد على وزن فعلع لم يأت من الأسماء على وزن فعلع بتكرير العين غيره نبه عليه العيني، أي طالب كعب بن مالك لابن أبي حدرد
دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيهِ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي الْمَسْجِدِ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا. حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيتِهِ. فَخَرَجَ إِلَيهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ. وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ. فَقَال:"يَا كَعْبُ! ". فَقَال: لَبَّيكَ يَا رَسُولَ اللهِ!
ــ
(دينًا) أي بقضاء دين (كان له) أي لكعب (عليه) أي على ابن أبي حدرد (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد) النبوي متعلق بتقاضى يعني طلب دينه في المسجد، وفيه جواز الكلام في المسجد عند الضرورة وقال بعضهم: إن الكلام في المسجد يأكل الحسنات إذا قصد ذلك وأما إذا جاء للصلاة فتشاغل بالتكلم فلا اهـ من التكملة، ووقع في رواية زمعة بن صالح عن الزهري أن ذلك الدين كان أوقيتين أخرجه الطبراني كما في فتح الباري [1/ 459].
(فارتفعت أصواتهما) رفعًا غير بالغ حد الإنكار مع أنه كان يتضمن إحياء حق (حتى سمعها) أي سمع أصواتهما (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته) أي في حجرته ولا يستلزم سماعه صلى الله عليه وسلم أصواتهما أن يكونا قد رفعا أصواتهما رفعًا بالغًا حد الإنكار لصغر المسجد وقُرب الحجرة، وأما رفع الصوت المتفاحش فممنوع في المسجد لما أخرجه البخاري في باب رفع الصوت في المسجد عن السائب بن يزيد قال: كنت قائمًا في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فائتني بهذين فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما! ! ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف حجرته) أي سترها، والسجف -بكسر السين وسكون الجيم- الستر، وقيل هو الستران المقرونان بينهما فرجة وكل باب سُتر بسترتين مقرونتين فكل شق منه سجف والجمع أسجاف وسجوف، وأسجف الستر أرسله، وقال عياض وغيره: لا تسمى سجفا إلا أن يكون مشقوق الوسط كالمصراعين كذا في عمدة القاري [4/ 229]، والحديث دليل على جواز إرخاء الستر على الباب وعلى إرخاء ستر مشقوق الوسط.
(ونادى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (كعب بن مالك) وهو الدائن (فقال) له في ندائه: (يا كعب فقال) كعب: (لبيك) أي أجبت لك إجابة بعد إجابة (يا رسول الله
فَأَشَارَ إِلَيهِ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَينِكَ. قَال كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ، يَا رَسُولَ اللهِ! قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"قُمْ فَاقْضِهِ".
3863 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ
ــ
فأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى كعب (بيده) الشريفة بـ (أن ضع) وأسقط (الشطر) والنصف (من دينك) أي من الدين الذي عليه كما سيأتي مصرحًا في رواية عبد الرحمن بن هرمز، وفيه جواز الشفاعة إلى صاحب الحق وإصلاح الحاكم بين الخصوم وحسن التوسط بينهم.
قال القرطبي: وفي الحديث دليل على أن الإشارة بمنزلة الكلام إذا فهمت لأنها دلالة على الكلام كالحروف والأصوات فتصح شهادة الأخرس ويمينه ولعانه وعقوده إذا فهم ذلك عنه وهذا منه صلى الله عليه وسلم على جهة الإرشاد إلى الصلح وهذا على الإقرار لأن نزاعهما لم يكن في أصل الدين وإنما كان في التقاضي وهو متفق عليه، وأما الصلح على الإنكار فهو الذي أجازه مالك وأبو حنيفة والشعبي والحسن البصري، وقال الشافعي: الصلح على الإنكار باطل وبه قال ابن أبي ليلى اهـ من المفهم.
(قال كعب: قد فعلت) ما أمرتني به (يا رسول الله) من إسقاط شطر ديني (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن أبي حدرد: (قم فاقضه) أي فأده النصف الباقي من دينه وهذا أمر على جهة الوجوب لأن رب الدين لما أطاع بوضع ما وضع تعين على المديون أن يقوم بما بقي عليه لئلا يجتمع على رب الدين وَضْعُه ومطل وهكذا ينبغي أن يبتَّ الأمر بين المتصالحين فلا يترك بينهما علقة ما أمكن.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 390]، والبخاري [457]، والنسائي [2448]، وابن ماجه [2429].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
3863 -
(00)(00)(وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي أبو محمد البصري، ثقة، من (9)(أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك أن) والده (كعب بن مالك) السلمي
أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ تَقَاضَى دَينًا لَهُ عَلَى ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ.
قَال مُسْلِمٌ: وَرَوَى اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ. فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ. فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ
ــ
(أخبره) أي أخبر لعبد الله. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عثمان بن عمر لعبد الله بن وهب (أنه) أي أن كعب بن مالك (تقاضى دينًا له) أي طلب من ابن أبي حدرد قضاء دين كان له (على) عبد الله (بن أبي حدرد) وساق عثمان بن عمر (بمثل حديث ابن وهب) لفظًا ومعنى.
وهذا الحديث دليل على ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه حيث أمر كعبًا بوضع النصف من الدّين في عين صورة الخصومة ولا يفعل ذلك إلا من كان على ثقة من أصحابه بأنهم يؤثرون أمره على كل شيء وأنهم يضحون لأجله أنفسهم وأموالهم وعواطفهم رضي الله عنهم وأرضاهم، ولم يكن جواب كعب بعد هذه الشدة في الخصومة إلا أن يقول: قد فعلت يا رسول الله.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الحديث تعليقًا حيث قال على سبيل التجريد البياني:
(قال مسلم) بن الحجاج رحمه الله تعالى: ووصله البخاري في الصلح (باب هل يشير الإمام بالصلح) من طريق يحيى بن بكير عن الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج بهذا الإسناد.
(وروى الليث بن سعد) الفهمي المصري (حدثني جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة الكندي أبو شرحبيل المصري، ثقة، من (5)(عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3)(عن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك) غرضه بهذا التعليق بيان متابعة الأعرج للزهري (أنه) أي أن كعب بن مالك (كان له مال) أي دين (على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي) رضي الله عنهما (فلقيه فلزمه) أي فلزم كعب بن مالك لعبد الله بن أبي حدرد وملازمة الدائن للمديون أن يكون معه حيثما كان ولا يفارقه حتى يأخذ منه دينه (فتكلما) أي تنازعا (حتى ارتفعت
أَصْوَاتُهُمَا. فَمَرَّ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "يَا كَعْبُ! " فَأَشَارَ بِيَدِهِ. كَأَنَّهُ يَقُولُ: النِّصْفَ. فَأَخَذَ نِصْفًا مِمَّا عَلَيهِ وَتَرَكَ نِصْفًا
ــ
أصواتهما فمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا كعب فأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة (كأنه) صلى الله عليه وسلم (يقول): أي يشير إلى كعب بأن ضع (النصف) من دينك وأسقطه (فـ) امتثل كعب أمره صلى الله عليه وسلم و (أخذ) منه (نصفًا مما) كان له (عليه وترك نصفًا) أي أسقط نصفًا، وقوله: (فمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهره يخالف ما مر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجرته فسمع أصواتهما، وأوّله الحافظ في الفتح بأن المراد من المرور في هذا الحديث المرور المعنوي يعني علمه بهما ولا يبعد أيضًا أن يكون صلى الله عليه وسلم مر بهما أولًا فلم يلتفت إليهما في أول مرة حتى دخل حجرته ثم لما ارتفعت أصواتهما كشف سجف حجرته وفعل ما فعل ومثل هذا الاختلاف يسير لا يقدح في صحة الحديث والله أعلم.
ثم إن هذا الحديث من أوضح الدلائل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعامل أصحابه دائمًا معاملة حاكم مع رعيته ولا معاملة قاض بين الخصمين بل وربما كان يعاملهم معاملة شيخ مع تلميذ ومعاملة والد مع أبنائه ولم يكن أمره في حديث الباب أمر إيجاب تشريعي وإنما كان أمر ندب وإرشاد وإصلاح بين الناس اهـ من التكملة.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا، والرابع: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والسادس: حديث كعب بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة.
***