الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: الفصائل النحوية
يراد بمصطلح الفصائل النحوية المعاني التي يعتبر عنها بواسطة دوال النسبة1. فالنوع والعدد والشخص والزمن والحالة الفعلية والتبعية والغاية والآلة
…
إلخ، كلها فصائل نحوية في اللغات تسعى دوال النسبة إلى التعبير عنها. ويستطيع كل منا أن يتصور ضخامة عددها وتنوع مذاهبها بالرجوع إلى معارفه اللغوية. وكما يختلف عدد من دوال النسبة تبعا للغات، كذلك يختلف بطبيعة الحال عدد الفصائل. وكلما ضؤل نحو اللغة، بالمعنى المشار إليه في الفصل السابق، قلت الفصائل النحوية في هذه اللغة. ولكن بعض اللغات فيها عدد كبير منها.
ومهما كانت اللغة التي ننظر فيها فإن الفصائل النحوية، لا يمكن تحديدها إلا بالصيغة التي تعبر عنها. ففي الإغريقية القديمة حالة فعلية تسمى حالة التخيير، وهي تقابل في بعض استعمالاتها حالة الشرط في الفرنسية، وتستعمل على وجه العموم للتعبير عن الرغبة. وليس من حقنا أن تتكلم عن حالة التخيير في لغة لا تملك صيغة خاصة للتعبير عن هذه الحالة، وفي اللغات التي اختلطت فيها حالة النصب subjonctif بحالة التخيير -كما هي الحال في أغلب اللغات الهندية الأوربية- لا يميز أولئك الذين يتكلمونها في الصيغة الوحيدة بين الاستعمالين اللذين كانا يقتضيان صيغتين متميزتين في زمان سابق. بل لم تبق إلا حالة واحدة يمكن تسميتها، دون تفريق، حالة التخيير أو حالة النصب إذا شئنا. هذا الإحساس يرجع إلى وحدة الصيغة مهما اختلفت الاستعمالات. وهذا لا يمنع من خلق صيغ جديدة فيما بعد تقابل استعمالات لم تكن لها عبارات خاصة في اللغة من قبل. وهكذا أدى اختلاط الأورست
1 ف. جوبل: الفصائل النحوية "رقم 32، ج 5، ص 189 وما يليها. يارنجر 3 فرع 1"؛ فان جنيكن: رقم 77 ص6 وما يليها.
"من أزمان الفعل" بالتام وبالأحرى تحول التام القديم إلى زمن تاريخي قد أدى إلى حذف وسيلة التعبير عن التام في كثير من اللغات. وبعض اللغات استسلمت إلى عدم وجود التام فيها وعاشت دونه، وبعض آخر خلق لنفسه تاما جديدا، بطرق جديدة، تبعا لخطة تختلف عن التام القديم الذي قد نسخ.
الفصائل النحوية إذن شيء نسبي تبعا للغة التي تتصل بها ووفقا لفترة ما من تاريخ هذه اللغة. فلم يكن هناك في الإغريقية القديمة إلا في فترة من الزمن يمكن تحديدها على وجه الدقة. ونحن نعرف في أي فترة خلقت الجرمانية، إلى جانب صيغة الماضي الوحيدة، صيغة جديدة تقابل التام القديم من جهة المعنى. فتاريخ الفصائل النحوية يمكن تحقيقه بالضبط في غالب الأحيان في كل لغة. ولكن نظام الفصائل يظهر في أشكال مختلفة تبعا للغات. وقد قام بناء النحو عندنا في القرنين السابع عشر والثامن عشر على مثال كتب النحو في الإغريقية القديمة أو اللاتينية، وقد خرج من ذلك زائفا وبقي زائفا. فنحن لا نزال نعضده بمسميات لا تتفق مع الحقائق وتعطي عن بنية لغتنا فكرة غير صحيحة، فلو أن المبادئ التي تتخذها مقياسا لنا كانت قد وضعها قوم من غير أتباع أرسطو، إذن لتغيرت معالم النحو الفرنسي على وجه التأكيد.
تصنيف الفصائل النحوية عمل من أعمال الصرف العام الذي لا يزال حتى الآن ينشد من يقوم بعمله. وإذا سلمنا بأن هناك من الفصائل النحوية بقدر ما يوجد من دوال النسبة في كل اللغات، اضطررنا إلى توسيع عدد الفصائل إلى أقصى حد فسنقصر عملنا هنا، اتباعا لطريقة أملتها علينا ظروف البحث، على دراسة عدد من الفصائل اختيرت من بين أعمها، الجنس والعدد والزمن والبناء للمعلوم أو للمجهول. وسنخرج من هذه الدراسة ببعض معلومات سنعمل على تلخيصها.
فصيلة الجنس كما توجد في الهندية الأوربية والسامية منذ أقدم عهدهما1
1 عن الجنس، انظر آدم Adam، رقم 43؛ هـ. فنكلر H. wikler رقم 232؛ ك. درجمان k. drugmann، رقم 31، مجلد 4 "1889" ص100-109؛ بارون barone رقم 224.
تفرض نفسها بدرجة من الصرامة تجعل العقل لا يكاد يستحضر اسما حتى يبدو الاسم أمامه مزودا دائما بنوع يميزه بجلاء، بل كثيرا ما يكو النوع هو المميز الوحيد الذي يملكه هذا الاسم. فبالجنس وحده نستطيع أن نميز في الفرنسية "le poid""الوزن" من la poix "القار" و le pere "الأب" من la paire "الزوج" التي لا تختلف كل منها عن قرينتها إلا بالرسم، ومن باب أولى le livre "الكتاب" و la liver "الرطل أو الجنيه" أو Le poele "بساط الرحمة" و la poele "موقد أو مقلاة" التي يرسم كل زوج منها بصورة واحدة، كما في الألمانية die kiefer "البلوط" و der keifer "الفك".
وليس هناك من غلطة تصدم السامع من فم أحد الأجانب أكثر من الخلط في الجنس. فإذا ما تجاوز تكرارها تعذر فهم الكلام. ومع ذلك فالتمييز بين الأجناس النحوية لا يقوم على شيء من العقل: إذ لا يمكن لإنسان كائنا من كان أن يقول لماذا كانت table "مائدة" و chaise "مقعد" و saliere "إناء الملح" مؤنثة، في حين كانت tabourer "مقعد مطبخ" و fauteuil "مقعد بجوانب" و sucrier "إناء السكر" مذكرة. وكثيرا ما تختلف الآية في لغة مجاورة فيقال في الألمانية der sessel "المقعد ذو الجوانب" و der stuhl "المقعد" وتقدم لنا الكلمتان loffel der "ملعقة" der kegel "وتد" جنسا مضادا لما يقابلهما في الفرنسية على خط مستقيم: la quille، la cuiller.
هذا ونحن نعرف مقدار السهولة التي يتغير بها الجنس خلال العصور. فقد كانت تغيرات الجنس عديدة في تاريخ اللغات الرومانية والجرمانية والكلتية، وفي الفرنسية كثيرا ما جرت نهاية التذكير أو التأنيث معها الجنس المقابل لها، يقع ذلك إلى درجة أن عددا كبيرا من الكلمات المنتهية بنهاية مؤنثة والتي تعتبرها اللغة الصحيحة مذكرة حتي يومنا هذا، استعملت أو ما زالت تستعمل في اللغة الدارجة على أنها مؤنثة ولا سيما إذا كانت مبدوءة بحركة تمنع اصطحابها بالأداة المؤنثة، مثل الكلمات exercice "تمرين" و orage "عاصفة" و ouvrage "عمل"، إلخ. بل إن الكلمتين prophete "نبي" و pape "بابا" استعملتا
مؤنثتين في العصور الوسطى بسبب النهاية المؤنثة في آخرها. وهذا يرينا مقدار اختلاف الجنس الطبيعي عن الجنس النحوي. وما زلنا نستعمل ordonnance "جندي مراسلة" و sentinelle "حارس" بالتأنيث مع أن الكلمتين تعينان أفرادا من الجنس القوي، وذلك جريا على عادة اللاتين إذ يقولون: auxilia و uigilioe.
الجنس النحوي عندنا قليل الصلاحية للتعبير عن الجنس الطبيعي حتى أننا لا نجد في أغلب الوقت أية وسيلة في الفرنسية للتعبير بواسطة الجنس النحوي عن الفرق بين الجنسين الحقيقيين. فالكلمتان medecie "طبيب" و professen "أستاذ" لا مؤنث لهما، ونجدنا في غاية الارتباك لتطبيقهما على المؤنث. إذ لا نستطيع أن نقول: medecine و professense "بنهاية المؤنث".ولعلنا لا نستطيع تفسير ذلك في حالة الكلمة الأولى فقط لوجودها بعينها مستعملة في معنى مختلف هو الطب، ولكننا لا نستطيع أيضا استعمالهما على حالتهما مصحوبتين بالأداة المؤنثة مع أداة التأنيث كما كان اللاتينيون يقولون: illum senium "terence" فكان ذلك يزيل الإشكال. ذلك بأن la professeur، la medecine "منع أداة التأنيث" تصدم آذاننا. فيضطر الفرنسي المهذب إلى أن يقول la femme medcin "المرأة الطبيب" و la femme professeur "المرأة الأستاذ" معتبرا كلمة femme "امرأة" دالة نسبة تشير إلى الجنس فشأننا في ذلك شأن لغة لا تميز مطلقا بين الجنسين؛ في هذه الحال تستعمل اللغة الإنجليزية الضميرين he "هو" و she "هي" استعمال دوال النسبة فتقول he-goat "حرفيا هو عنز أي جدي" و she-goat "حرفيا هي عنز أي معزة" وتستعمل الإرلندية السابقة ban بَنْ "مأخوذة من ben بِنْ "امرأة"": ban-die "آلهة" و ban-file "شاعرة" و ban-tuath "ساحرة"، إلخ. ونحن نقول cocher حوذى" femme cochere "امرأة حوذية" متمسكين إلى هذا الحد بدالة النسبة: امرأة؛ وإذا قلنا cochere "حوذية" دون femme "امرأة" بدا ذلك لنا مستهجنا.
_________
1 إرنو Ernout، رقم 98، ص211.
وكانت الإنجليزية في ذلك أوغل من الفرنسية. فقد كانت الإنجليزية القديمة تميز في الأداة ثلاث صيغ مختلفة للأجناس الثلاثة المختلفة: se و seo و thaet بل كانت تحتوي على تصريف كامل للأداة، فيه أربع حالات مختلفة لكل فرع من فروع العدد، ولكنها ما لبثت أن بسطت هذا التصريف. إذ إنها قالت أولا في حالة الرفع بتأثير القياس: thaet، theo، the؛ ثم جمعت بين المذكر والمؤنث في صيغة واحدة the، وأخيرا أسقطت المبهم، فلم يبق لها في المفرد إلا صيغة واحدة، وفضلا على ذلك كانت هذه الصيغة هي صيغة الجمع، ولما فقدت الأداة تصرفها حرمت اللغة من التعبير عن الجنس لأن الصفة من جهتها صارت مجردة من التصريف. أما المرحلة التي وصلت إليها الدنمركية فأقل تقدما من تلك، فهي
تقول den دَِن للمذكر-المؤنث، و det دَِت للمبهم. وللجمع بأجناسه الثلاثة دَِه de. فقد سمح لها تطورها الصوتي بالاحتفاظ بجنسين ولكنها، من حيث أصلها، لا تقابل المذكر والمؤنث كما في الفرنسية.
ليس هنا مكان البحث عن أصل الجنس النحوي في الهندية الأوربية1. وقد حاول ذلك بعض اللغويين دون أن يصلوا إلى نتيجة مرضية. ذلك بأن المسألة تتعدى نطاق النحو الهندي الأوربي، إذ أنها مسألة من مسائل علم اللغة العام وتتطلب البحث في مجموعات أخرى من اللغات. ومن علماء الأنتروبولوجيا من زعم، مثل فريزر بأنه حل المسألة بتصوره أن الخلاف بين الجنسين يتصل بلغة النساء الخاصة، فعند هؤلاء العلماء أن الاسم كان على صيغتين: صيغة تتكلمها المرأة وصيغة يتكلمها الرجل2. وهذا تبسيط ساذج للمسألة: فالأجناس لا تنحصر في المقابلة بين المذكر والمؤنث فحسب، إذ أن الهندية الأوروبية فيها جنس ثالث، هو المبهم.
يبدو الجنس في مظهر خاص في بعض لغات إفريقية أو أمريكا. فلغة الألجونكين ALGONQUIN تميز بين جنس حي وجنس غير حي3. ولا يهمها بعد ذلك ما يدخل تحت كل واحد من الجنسين من أشياء؛ فقد تضع الألجونكين بين الأشياء المدلول عليها بالجنس الحي إلى جانب الحيوان: الأشجار والأحجار والشمس والقمر والنجوم والرعد والثلج والجليد والقمح والخبز والطباق والزحافة والولاعة
…
إلخ. والحقيقة "أن هذ التمييز في الجنس مطلق وأساسي، لأنه يطبق
1 انظر خاصة المؤلفات المذكورة في "هـ. فنكلر H. WINKLER وك. برجمان K. BRUGMANN، وماريو بارونه MARIO BARONE، وانظر أيضا ب. ا. هويلر B. i. The origin of gram matical gender: whealer، رقم 23، مجلد 2، ص528-545 "1899".
2 فان جنب van gamep رقم 74 ص265.
3 ج. ب. ب دي جسلان دي جنج Dewaa. J. P. B. de Josselin de Jong deeringsonderscheiding van "levend" en "levenloos" in het Indoeuro Peesch vergeleken met hetzelfde perschijnsel in enkele Angonkilntalen رسالة في ليون "1912".
على الأسماء والتعبير عن الملكية وضمائر الإشارة والأفعال والصفات1". أما في توزيع الأشياء بين الجنسين فقد حدثت أحداث قياسية خاصة. ويوجد في السلافية جنس للأحياء أيضا يمكن تفسير نشوئه وخاصة شيوعه بتطور صرفي مطرد توجد آثاره في الهندية الأوربية2. وهناك اتجاه لمقابلة المادة الحية بالمادة غير الحية في الأرمينية3 والأسبانية بعد الفعل، بل في الفرنسية القديمة أيضا بعد الاسم: "le bourg le roi، les maisons du bourg" "البلد الملك، منازل البلد". وعلى العكس من ذلك توجد في غير هذه اللغات مقابلات أخرى: ففي لغة الماساي Masai، من شعوب شرق إفريقية، يوجد جنس لما هو كبير وقوي وجنس آخر لما هو صغير وضعيف4، وهذا ما يترجمه بعضهم تحكما بالمقابلة بين المذكر والمؤنث: ol tungani ُاَل تُنجاِني "الرجل الكبير" en dungani، آِن دُنجاني "الرجل الصغير"، ولعل من الأوفق أن يقال بكل بساطة: جنس قوي وجنس ضعيف. والفصيلة هنا تجاور ما نسميه في غير هذا المكان بالمصغرات.
في الميدان الإفريقي يطلق على الجنس اسم "الطبقة". فاللغات البنطية يسيطر عليها وجود "الطبقات"، التي تمتاز كل منها بلاصقة خاصة، وعليها توزع جميع الكلمات الموجودة في اللغة. وقد رأينا أمثلة من ذلك فيما سبق "ص121". والإشارة إلى الطبقة، لها أهمية الإشارة إلى الجنس في كلمة إفريقية أو لاتينية. إنها ضرورة فرضها الفعل على نفسه. ومعلم كل كلمة "هكذا نسمي العنصر الصوتي الذي يشير إلى الطبقة". من الأهمية بحيث نراه يتكرر في أثناء الجملة مع جميع الكلمات التي تتعلق بهذه الكلمة: فكأن الكلمة الأساسية تفرض لون زيها على جميع الكلمات التي تتعلق بها.
1 ل. آدم L. adam، رقم 43.
2 مييه: رقم96.
3 أدجاريان، adjarian؛ Classification des. dialectes armeniens. باريس، ص18و47.
4 مركر Marker؛ Die Masai، يقتبس عنه فايست Feist، في رقم 36، 37، ص118.
الجنس في لغاتنا الأوربية ليس إلا طبقة على طريقة البنطو. فهو محاولة قام بها العقل لتصنيف المعاني المتنوعة التي يعبر عنها بواسطة الأسماء. وأغلب الظن أن هذا التصنيف يقوم على التصور الذي كان في ذهن أسلافنا الغابرين عن العالم، وقد ساعدت عليه بواعث غيبية ودينية. وقد احتفظ بهذا التقليد حتى بعد أن عجز من يستعملونه عن فهم علته.
هناك فصائل نحوية بينها وبين الواقع علاقة أحكم مما في حالة النوع، ولها ما يبررها عقليا في تصورنا الحالي للعالم: من ذلك فصيلة العدد وفصيلة الزمن. فعلى حسب ما أقول: الجواد يأكل أو الجياد ستأكل، أراني أعبر عن فكرتين فيهما الوحدة "المفرد" تقابل الجمع والزمن الحاضر يقابل الزمن المستقبل. وذلك يوم على حقائق الاختبار. ولكن إذا ناقشنا كيف يعبر في اللغات المختلفة عن هاتين الفصيلتين، وهما من أعم الفصائل، أدركنا أولا أنهما يظهران فيها على صور تحد من عموميتهما وثانيا أنه من النادر أن نجد لها في الاستعمال العبارة الدقيقة التي كنا ننتظرها.
عندنا في الفرنسية مفرد وجمع. ولكن التمييز بين الوحدة والجماعة، وهو ما يكون العدد عندنا، ليس مظهر هذه الفصيلة الوحيد. فمن اللغات ما كان فيها أو ما يزال فيها مثنى. والهندية الأوربية كان فيها مثنى أبقى عليه في الزمن التاريخي فترة طويلة أو قصيرة على حسب اللغات، ثم أبعد منها جميعا تقريبا شيئا فشيئا1. ففي الهند نجد المثنى في السنسكريتية، فيدية كانت أم كلاسيكية، وذلك على عكس البراكريتية prakrits والبيالية pali اللتين فقدتاه. وكانت الفارسية القديمة والزندية تستعملانه في صرامة، ولا ويوجد منه أثر في اللغة الفهلوية. ولا يوجد المثنى في الأرمينية ولا في اللاتينية منذ أقدم تاريخ نعرفه لهما. أما في السلافية القديمة فهو يتمتع بالحياة، بكل الحياة، ولا زالت بعض لهجاتها تستعمله حتى يومنا هذا مثل السلوفينية "من لهجات يوغسلافيا" وصورابية اللوزاس "إقليم مشترك بين تشيكوسلوفاكيا وألمانيا". وهو في بعض اللهجات اللتوانية في سبيل الانقراض، وكانت القوطية
1 بروجمان: رقم 150، مجلد 2 الجزء الثاني.
تعبر عنه في الضمير والفعل فحسب، ولم يبق منه في الألمانية العالية القديمة إلا آثار في الضمير وحده، ولكن هذه الآثار بطيئة الاختفاء: إذ أننا لا زلنا نقابل في بعض لهجات بفاريا الحالية الضميرين المثنيين os أو enk، بعد أن اختفيا من لغة الكتابة منذ آخر القرن الثالث عشر. ولم يحتفظ بالمثنى من اللغات الكلتية إلا الأرلندية في أقدم عصورها، وذلك في تصريف الأسماء، ولكن هذا العدد لا يشغل فيها إلا مكانا ضئيلا، لأن الاسم المثنى يجب أن يكون مصحوبا باسم العدد "اثنين" ونقدم لنا الإغريقية القديمة مجموعة في غاية التنوع تفيدنا علما من نواح شتى، ولكنها انتهت مع ذلك بإقصاء المثنى1. وذلك هو الميل العام في اللغات الهندية الأوربية. فإذا كان هذا الاستبعاد قد تم في أزمان مختلفة اختلافا محسوسا تبعا للغمات، فمرد ذلك إلى أسباب تاريخية.
يجب أن نعتقد أن استعمال المثنى كان يسد حاجة أخرى غير الحاجات التي يمكن أن توحي بها عوائد تفكيرنا الحديثة. فنحن لا نرى اليوم أية علية لمقابلة التثنية بالجمع. ولكن هناك في فصيلة العدد معاني أخرى متميزة لا نعبر عنها وإن كانت تستحق أن يكون لها صيغة نحوية. من ذلك معنى الجمعية ومعنى الإفرادية. فليس لدينا في الفرنسية وسيلة للتعبير عن هذين المعنيين، وذلك نقص كثيرا ما نعاني آثاره. فكل المناقشات التي تثار بين بعض النحاة عما إذا كان يجب أن نكتب gelee de groseille "مربى عنبة الذئب" أم gelee de groseilles "مربى عنبات الذئب" و confiture de pomme "مربى التفاحة" أم confiture de pommes "مربى التفاح" ترجع هذه المناقشات كلها إلى الخلط بين الجمع والجمعى، وسببها عدم وجود فصيلة نحوية للجمعى. كذلك نشعر بشيء من الضيق حينما لا نستطيع أن نعرف على وجه التخصيص من قولنا: le cheval court "الحصان يعدو" إذا كان يراد حصان ما مأخوذ على انفراد أو يراد الخيل في مجموعها بوجه عام، فنحن لا نميز الفرد من الجنس ولا الخاص من العام.
1 كوني cuny رقم 61، وانظر الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب.
واللغات الهندية الأوروبية كلها تقريبا1 على نفس الحال التي عليها اللغة الفرنسية، ليس فيها عبارة مطردة لبعض المعاني الهامة من فصيلة العدد.
فصيلة الزمن أيضا فيها نواح من النقص2. والذي يعبر عنه الفعل أساسا في لغة كالفرنسية أو الألمانية إنما هو الزمن. ويسمى الفعل في الألمانية zeitwort "كلمة الزمن" فعندنا في الفرنسية سلم من الأزمان المتنوعة، لا تعبر فقط عن أقسام الزمن الثلاثة من ماض وحاضر ومستقبل بل أيضا عن الفروق النسبية للزمن: إذ لدينا الوسيلة للتعبير عن المستقبل في الماضي والماضي في المستقبل. ولا توجد إلا لغات قليلة لها ثروة اللغة الفرنسية في هذا الصدد. فلا يكاد يوجد في الألمانية إلا زمن ماض واحد، إذ أنها تخلط في صيغة واحدة غير التام Imparfait3 والماضي المحدد defini؛ هذه الصيغة هي: ich liebte " أحببت أو كنت أحب" وهذه الصيغة الوحيدة تميل إلى أن تحل محل الماضي التحليلي من نوع Ich habe geliebt "أحببت" في بعض أجزاء ألمانيا بينما يسعى الماضي التحليلي لاحتكار التعبير عن الماضي بأسره في بعض الأجزاء الأخرى. وثروة اللغة الفرنسية تلك قد أتت من اللغة الللاتينية التي كانت من جهة الأزمان مزودة بسلسلة زاخرة من الصيغ.
غير أن التعبير عن الزمن تجديد من اللاتينية. لأن النحو المقارن يعرفنا أن الهندية الأوروبية كانت لا تهتم خاصة إلا بالتعبير عن صفة الحدث aspect4.
يطلق اسم صفة الحدث على فصيلة الاستمرار5. والأزمان الفرنسية تعبر
1 أوجدت اللغات الكاتبة لنفسها اسما إفراديا، انظر بدرسن، رقم 189، مجلد 2 ص58.
2 انظر هربج Herbig، رقم 30، مجلد 4، ص170 وما يليها.
3 غير التام يشبه في العربية "كان يكتب" والماضي المحدد هو الماضي التام المحدد بزمن صراحة أو ضمنا ويسمى أيضا الماضي البسيط أو الماضي التاريخي، وهو أحد المعاني العديدة التي تعبر عنها العربية بصيغة الفعل الماضي.
4 بروجمان: رقم 150، ج2، مجلد 3، ص68.
5 بربلنيه: رقم 47، وبارونه: رقم 225.
عن اللحظة التي فيهله تم أو يتم أو سيتم أحد الأحداث، ولا تدخل في حسابها المدة التي يستغرقها وقوع الحدث. ومع ذلك فهو أمر هام، بل أمر يطغى في بعض الأفعال على كل اعتبار آخر للمعنى. فالهندية الأوروبية كان اهتمامها بالدلالة على الزمن أقل بكثير من اهتمامها بالدلالة على صفة الحدث من الوجهة الاستغراقية. فهي لا يعنيها أن تبين في أي لحظة يتحقق الحدث "في الماضي أو الحاضر أو المستقبل" بل أن تشير إلى ما إذا كان هذا الحديث يواجه من ناحية استمراره أم في نقطة فقط من سيره، وهل هذه هي نقطة الابتداء أو نقطة الانتهاء، وإذا كان الحدث يقع مرة واحدة أو يتكرر، وإذا كان ذا نهاية ونتيجة أو لا، ومن ثم جاءت هذه المفارقات التي يراعيها النحو المقارن في تقسيمه للأفعال إلى استمرارية أو وقتية غائية أو غير غائية وإلى تدرجية وتكرارية وانتهائية
…
الخ. ومن المستحيل أن نفهم شيئا من نظام الفعل في السنسكريتية أو في الإغريقية القديمة إذا لم ندخل في حسابنا هذه الفروق الدقيقة أو إذا رحنا نبحث فيها عن التعبير عن الأزمنة المختلفة، بهذه الفكرة التي تعد طبيعية في لغاتنا. والفروق التي نجدها في الإغريقية بين الحاضر والأوورست والتام ليست إلا فروقا في صفة الحدث الذي يؤديه الفعل. وقد احتفظت اللغات الشلافية بغلبة الصفة على الزمن في الحدث مدة طويلة وما زالت تحتفظ بشيء منها حتى يومنا هذا. فكل فعل فيها ينتمي إلى فصيلة من "صفة الحدث" تميزه وتحدده كما يتميز الماضي والمستقبل في لغتنا1. وهذا فرق أساسي بين الروسية والفرنسية وعقبة من أشد العقبات التي تقابل الفرنسي في دراسته للغة الروسية.
وتشبه اللغات السامية، من جهة التعبير عن الأزمان، اللغات الهندية الأوربية في نظامها العتيق شبها كبيرا. فليس في السامية المشتركة أية وسيلة للتمييز بين أزمنة الفعل المختلفة، ولكنا ندهش عندما نرى فيها هذه المجموعة الكبيرة من الوسائل للتعبير عما بين الفعل والفاعل من صلات، للتعبير مثلا عن السببية causatif والكثرة conatif والشدة intensif، والتمني desiratif والرجاء putatif والأمر jussif، والمفاعلة reciproque والمطاوعة reflechi. كل هذه
1 مازون: رقم 92.
المصطلحات الفنية لا تزال تشير إلى فصائل في الفعل السامي، ولا يزال محتفظا بها على درجات متفاوتة في اللهجات المختلفة للغة السامية. أما الزمن بمعناه الحقيقي فلا يوجد منه في السامية إلا إثنان: غير التام والتام، وهما مشتقان من أصلين مختلفين ولكن لا ينبغي ألا نفهم من هذه الاسمين، تام وغير تام، أي شيء مما يشبه الأزمنة المستعملة في الفرنسية، بل يجب أن يؤخذا على معناهما اللغوي، فهما يدلان على انتهاء الحدث أو عدم انتهائه، أي أن السامية مثل الهندية الأوربية يسطير فيها التعبير عن الاستغراق duree لا التعبير عن الزمن. فالأشورية مثلا تستعمل التام "الماضي" في معنى الحاضر والمستقبل. وفي العربية يعبر غير التام "المضارع" عن الحاضر وعن المستقبل. "وفي العبرية نرى الصيغة المسماة خطأ بصيغة الاستقبال تستعمل في القصص للتعبير عن الماضي، ومن جهة أخرى يمكننا كلما شئنا أن نستخدم الصيغة المسماة بصيغة الماضي للتعبير عن المستقبل. ونحن نعرف مقدار ما أصاب تفسير النصوص النبوية من صعوبات لهذا السبب. جاءت هذه الفوضى من أن فكرة الزمن قد أدخلت في صورة عرجاء، وبعد أن لم تكن موجودة، على تصريف فعلي لم يكن قد هيئ لاستقبالها"1.
فصيلة الزمن النحوية تحتوي، مثل فصيلة العدد، على نواح من النقص، بل إنها حتى في داخل الحدود التي تجول فيها لا تنجح دائما في استعمال صيغة تنطبق حقا على المعنى الذي يراد التعبير عنه، فكثير من اللغات الهندية الأوربية تستعمل أحيانا للتعبير عن المستقبل أو الماضي صيغة ليست للمستقبل ولا للماضي. فمع أن اللاتينية فيها صيغة للاستقبال نرى بلوت plaute يستعمل الحاضر للتعبير عن حدث واضح فيه أنه للاستقبال، وذلك حين يقول:"captifs 749"؛ peristis nisi iam hunc abducitis، "أنت تهلك "إنك لهالك" إن لم تأت به فورا".
والقارئ لا يتردد لحظة في الزمن الذي ترجع إليه هذه الجملة. يقع ذلك أيضا في الفرنسية، فنقول في كلامنا الجاري:"J' y vais"، "أنا رايح هناك" بدلا من "je vais y aller""أنا رايح أروح هناك" أو "je m'apprete y aller""أستعد للذهاب إلى هناك" أو "j' irai""سأذهب".
1 م بريال: رقم 6، مجلد 11، ص271.
ومن ذلك ما كتب راسين في برينيس Berenice:
Peut-etre avant la nuit l'aureuse Berenice.
Change le nom de reine au nom d'imperatrice.
"لعل بيرنييس السعيدة تستبدل قبل أن يقبل الليل لقب امبراطورة بلقب ملكة". وتستعمل الألمانية الحاضر مكان المستقبل بصورة مطردة: فهذه العبارة الثقيلة "Ich werde kommen"، "سآتي" لا توجد إلا في كتب النحو وعلى ألسنة الأجانب الذين يتكلمون الألمانية. أما الألمانيون فيقولون بكل بساطة في محادثاتهم:"Ich komme""آتي". واستعمال الحاضر في وظيفة المستقبل يقوم على اتجاه عام في الكلام؛ فالروسية تستعمل للمستقبل حاضرا قديما وكذلك القوطية والغالية وكلتية اسكتلندة وغيرها أيضا.
وفي الفرنسية يستطيع المستقبل البسيط التعبير عن الحاضر "Il sera a paris a l'heure qu'il est" سيكون في باريس في الساعة التي نحن فيها" كما يمكن أن يكون للماضي السابق futur anterieur قيمة الماضي ""la Bruyere: Nul ne se ressouvient d'un mot qu'il aura dit." لابرويير: "لا يستطيع أحد أن يتذكر كلمة سيكون قد قدلها". أغلب الظن أن المستقبل في كلتا الحالتين يدخل على الجملة معنى خاصا "الإمكان، الاحتمال"، ولكن الحقيقة الواقعة هي أن المستقبل هنا مستعمل مكان حاضر أو ماض.
الماضي أيضا يمكن أن يعبر عنه بالحاضر. وهو استعمال شائع في الحكاية حيث يسمى بالحاضر التاريخي. وفيه يجد المثقفون سحرا خاصا، يقولون بأن الحاضر أكثر تعبيرا أو أبلغ وصفا حتى ليجعل المنظر يحيا مني من جديد أمام عيني القارئ ويرجع بفكرنا إلى اللحظة التي دار فيها الحدث. وهذا حق. ولكن هذا التعليل الذي قد يمكن أن ينطبق أيضا على استعمال الحاضر مكان المستقبل، لا قيمة له في نظر النحوي. فهو ملزم بأن يتمسك بوجهة النظر التالية؛ ليستطيع الكاتب أن يستعمل عبارة رآها أبلغ تعبيرا أو أكثر أناقة من غيرها، فعلى اللغة أن تمده بهذه العبارة، وفي هذه الحالة يجب أن يكون ميدان الحاضر وميدان الماضي غير مغلقين أحدهما بالنسبة للآخر في اعتبار النحو، حتى يمكن الانتقال من
أحدهما إلى الآخر بسهولة ودون خطر على الوضوح.
والواقع أن الماضي بدوره يمكن استعماله للدلالة على الحاضر، فالإغريقية القديمة تستعمل الزمن الذي يدل به على الماضي في التعبير عن الحاضر، الذي يقال له حاضر العادة، وذلك في الجمل ذات المرمى العام، في الأحكام والحكم، فكان لهومير أن يقول مثلا:
مستعملا آورست يترجم بالطبع في الفرنسية بفعل حاضر فنقول: "من يطيع الآلهة، تستجيب له الآلهة". وذلك هو أورست الوعظ الذي يستعمل في التعبير عن حدث لا ينتمي في الواقع إلى إي زمن، ويمكنه ككل حقيقة من حقائق التجربة أن يصدق في المستقبل وفي الحاضر وفي الماضي. والحاضر هو الذي يبدو لنا في الفرنسية وفي معظم اللغات صالحا لهذا الاستعمال العام. ولكن الفرنسية تستطيع أن تستعمل فيه المستقبل أيضا، وكذلك اللاتينية:"pulcra mulier nuda erit quam purpurata pulcrior". "بلوت plaute mostellaria، بيت 289، وقارن بيت 1041": "المرأة الجميلة العارية أجمل منها ولو ارتدت أفخر الثياب".
ما نسميه الحاضر في الفرنسية زمن مطاط يصلح كما رأينا للتعبير عن المستقبل والماضي، وينطبق دون تفريق على الحدث المحدد بالحاضر الحالي تحديدا محكما "ها هو الترام يمر" أو على الحدث الدال على العادة "أمر به كل أحد" أو الحدث الذي لا يستند إلى أي زمن محدد "الترام يمر في هذا الشارع".
يطول بنا الحال إذا أردنا أن نعدد كل وجوه النقص التي يعرضها علينا في كل لغة استعمال الأزمنة. أليس مما يدعو إلى الدهش أن نرى الفرنسية تستعمل في الماضي الشرطي، أو على الأقل ما يطلق عليه هذا الاسم وهي تتكلم عن المستقبل؟ وذلك كأن يقال "لو أسندت إلى هذا المسألة لا نتهيت منها سريعا" لا أظننا نلاقي أي عناء في أن نكشف أصل هذا الاستعمال: فهو اثر من آثار القياس. جواب الشرط عندنا مستقبل غير تام imparfait du futur؛ وقد صدر القياس أولا عن الجمل التي فيها فعل الشرط حاضر وجواب الشرط مستقبل مثل: "إذا أسندت إلى هذه المسألة فسأنتهي منها سريعا" وذلك يرينا إلى أي حد من المرونة تستعمل
اللغة ما لديها من الوسائل، ولكنه يطلعنا في نفس الوقت على مقدار الصعوبة التي نلاقيها في محاولة تنظيم فصيلة الوقت، إذ إنها دائما سيئة التحديد.
تمييز الأفعال المبنية للمعلوم من الأفعال المبنية للمجهول في معظم اللغات الهندية الأوربية عمل خداع، لأن المبني للمجهول في كل حالاته تقريبا لا يمكن أن يعتبر عكس المبني للمعلوم. إذ يدخل في المبني للمعلوم عادة معنى خاص يعدل من صفته. فالمبني
1 عن مقابلة المبني للمعلوم بالمبني للمجهول، انظر: أهلنبك uhlenbeck رقم 30، مجلد 12 ص170، وشوخارت Schuchardt: رقم 30، مجلد 18 ص528-531، وفينك: رقم 37، مجلد 41، ص209-232.
للمجهول يعبر في الغالب عن حدث تحقق، وانتهى تماما، ومن ثم كان الكثير من الأفعال الفرنسية يعبر عن الماضي بواسطة فعل الكون. وكانت هذه هي الحال في اللاتينية. يزيد على ذلك أن المبني للمجهول في هذه اللغة له استعمال خاص يقال له خطأ المبني للمجهول غير الشخصي le passif impersonnel وكان يجب أن يسمى غير الشخصي فقط، إذ لا شيء فيه من المبني للمجهول، وذلك مثل:"on court" curritur "يجري""على أن الفاعل هنا غير شخصي لا يعود على شيء، وإنما جيء به لإسناد الحدث فقط"، "on joue" luditur "يلعب" itum est "ذهب". فنحن في هذه الحال نستعمل في الفرنسية الضمير غير المحدد "on" أو المطاوع le reflechi فنقول مثلا:"ينكسر كوب كبير" و"ينصدع بناء شامخ"1.
إذ أن المطاوع في الفرنسية كما في كثير غيرها من اللغات يعد وسيلة من وسائل التعبير عن المجهول "cela se dit، cette robe se porte""دِه يتقال، الفستان ده يتلبس"، وصفة هذه العبارات المميزة هي أن فاعل الحدث غير معبر عنه، ولكن لا يمكن اعتبارها مبنية للمجهول، اللهم إلا إذا أضفينا على المبني للمجهول معنى خاصا لا يجعله عكس المبني للمعلوم.
هذا الخلط الذي نشكو منه في لغاتنا يرجع إلى معان ثانوية أدخلت في التعبير عن المبني للمعلوم والمبني للمجهول فأضعفت بينهما درجة التقابل الأساسية. ولكن هل هناك ما يبرر هذا التقابل الأساسي؟ لو كان الفرق بين الفعلين أقْرعَ je frappe وأُقْرَعُ je suis frappe ينحصر في العلاقة النحوية بين الشخصين فحسب، لم يكن هناك محل للوقوف عنده، ولصارت المسألة مسألة اصطلاح بحث نتج من العادة أو من مراعاة التيسير: فيقال بطرس ضرب بول أو بول ضرب من بطرس دون تفريق، وكانت بعض اللغات تفضل استعمال العبارة الأولى، وبعضها
1 الأمثلة التي ذكرها المؤلف هي: "Il se joue un grand jeu" و"Il se fait une grande course، وقد استبدلنا المثلين بغيرهما لعدم وجود صيغة المطاوعة في العربية للفعلين الواردين في النص. وترجمنا المثالين الآخرين بالعامية مراعاة لغرض المؤلف وحرصا على الدقة. المعربان.
يفضل استعمال الثانية، وفريق ثالث منها يسمح باستعمال الاثنتين، وفي تلك الحال كانا لا نرى في كل هذا إلا نتيجة لعملية تاريخية وفي الواقع أنه إذا كان يوجد في الفرنسية مبني للمعلوم ومبني للمجهول "وهذا الأخير في حدود ضيقة" فإن الهندية الأوربية لم تعرف إلا المني للمعلوم، وهناك لغات أخرى تميل إلى جعل الصيغتين صيغة واحدة، هي صيغة المبني للمجهول.
الواقع أن هناك طريقتين لمواجهة صلة المسند إليه بالعالم الخارجي، فتارة يكون المسند إليه فاعلا، أي أنه يحدث أثرا ما على ما يحيط به بواسطة عمل إرادي "بطرس يضرب بولص" وتارة يكون قابلا، أي أنه يستقبل من المحيط الذي حوله أثرا يصيب حساسيته "بولص ضرب من بطرس". والتقابل واضح في هذين المثالين: أحدهما يعطي الضربات والثاني يتلقاها، لذلك لم يكن هناك محل لتردده. ولكن هناك حالات تتوازن فيها الفاعلية والاستقبالية وتختلطان. وهناك حالات أخرى تطغى فيها الأولى على الثانية. فإذا قلت بطرس يرى بولص أو بطرس يجب بولص، فإن الشخصين يوقعان كل منهما على الآخر أثرا يمكن أن يعتبر من جهة الفاعلية أو من جهة الاستقبالية على السواء. ذلك بأن الرؤية ظاهرة استقبالية: إذ أن شبكة بطرس تتأثر بصورة ما. كذلك الحال في الحب أو في الصداقة. في كل منهما بطرس يعاني عاطفة ما. وليس في ذلك شيء من الفاعلية. فيرى الإنسان الأقرب إلى المنطق أن نسمى الأفعال فاعلة actifs في حالة ما إذا كان الحدث مؤثرا effectifs وأن نستعمل طرازا آخر من الأفعال نسميها أفعالا سلبية passifs أو انفعالية affectif حسبما يراد، وذلك في حالة ما إذا كان الفاعل يعاني تغيرا في استعداداته الانفعالية.
تلك هي نقطة البدء التي عنها تصدر فصيلتان عظيمتان من فصائل الفعل في بعض اللغات مثل اللغة الجرجية1. ففي الجرجية طرازان من التصريف. visurverb "أرغب" و msurs "رغبة لي" و vikvareb "أحب".
1 انظر أمثلة منقولة عن فنك: رقم 161، ص133، وانظر أيضا شوخارت: رقم 39، مجلد 133 "1895"، ص1-91.
و mikaars "حب لي"
…
إلخ. وقد نشأ عن هذين الطرازين تصريفان للفعل منفصلان، الفاعل والانفعالي، وتستعملهما اللغة الجورجية جنبا إلى جنب في نفس الفعل "وحينئذ تدخل فيهما عادة اختلافا زمنيا" أو توزعهما على الأفعال تبعا لدلالتها: فمثلا نراها تقول على وجه العموم mesmis "سمع لي""أسمع" انفعاليا، ولكنها تقول vxedav "أرى" فاعلا، وتقول mdzera "اعتقاد لي""أعتقد" mgonia "تفكير لي""أفكر" انفعاليا، ولكنها تقول: vaseneb "أبني" و vtser "أكبت" فاعلا
…
إلخ. ولا تعرف اللغات الهندية الأوربية هذه التفرقة.
ومع ذلك فعندنا في الفرنسية فكرة عنها في المقابلة js crois "أعتقد" و m' est avis "يرتأى لي" وفي je vois "أرى" Il m'apparait "يظهر لي"، فذلك يمثل الفرق بين الفاعلي والانفعالي تمثيلا جيدا. ونحن نفضل الفاعل عادة حتى أننا نقلنا إلى الفاعلية عبارة مثل Il me souvient "يأتي في ذكراتي" فأصبحنا نقول مخالفين في ذلك كل منطق Je m'en souviens "آتية في ذاكرتي" وهي عبارة منافية للعقل والذوق على السواء؛ ومع ذلك فإن فوجيلا vaugelas يقرر أنها كانت في زمنه أكثر دورانا على الألسنة "في البلاط" أكثر من عبارة il m'en souvient "يطفو في ذاكرتي". وقد وقع نفس اللاشيء بالنسبة للفعل regretter "يأسف"، فعبارة "je regrett "آسف" جاءت من il me regrette "آسف لي"، وقارن العبارة الإيطالية mi rincresce "أنا آسف"". ونرى في الألمانية أيضا نفس الشيء أفعال مثل ahnen، grauen "اشتباه وارتعاد" فعبارة ich abne etwas "أشتبه في شيء ما" أصلها es ahnt mir أو mich etwas اشتباه لي في شيء ما" ويقال ich graue mich vor etwas "أرتعد أمام شيء ما" بدلا من "es graut mir vor etwas "أرتعد أمام شيء ما" بدلا من "es graut mir vor etwas "ارتعاد لي أمام شيء ما""؛ والفعل اللاتيني poeniteo "أتوب" أصله من me poenitet "توبة لي".
انتقال الانفعالي إلى الفاعلي هو في نفس الوقت انتقال من غير الشخصي إلى
الشخصي؛ والواقع أن من اللغات ما يفضل التركيب الشخصي بوجه عام. هذا الاتجاه واضح في اللاتينية حيث نجد المبني للمجهول الشخصي قد جاء من المبني للمجهول غير الشخصي فعبارة: inuidetur mihi "حسد لي" قد سبقت inuideor "أحد يحسدني"، كذلك عبارة uitam uiutur يحيا "الإنسان" حياته "إنيوس المآسي، بيت 190" قد سبقت uita uiuitur "عيشت الحياة"، كذلك يقال في الدنمركية jeg blev budt to beroner "قدم أحد لي تاجين" بدلا من jeg blev forbu dt Adgang til
…
، mig blev dudt to kroner "حرم أحد على دخول
…
" بدلا من: mig blev forbudt Adgang til
…
وهما العبارتان اللتان تعدان منطقيا صحيحتين دون سواهما. فنرى أن التمييز بين فصيلتي الفاعل "المبني للمعلوم" والسالب "المبني للمجهول" يقوم على أساس واه.
أما التمييز بين المتعدي واللازم الذي يلعب دورا هاما في النحو الكلاسيكي فأساسه ليس أمتن من سالفه، والنحاة يسيريون دون انقطاع على هذا التمييز، وبلغوا في تسليمهم به حدا جعلهم يعفون أنفسهم من عناء تحديده كأنه إحدى البديهيات. والواقع أنه لا شيء أبعد منه عن التحديد. يسمى الفعل متعديا في اللاتينية إذا قبل أن يكون له معمول مباشر منصوب "Amo patrem""أحب والدي"" وفي الفرنسية إذا تلاه معمول مباشرة دون وساطة حرف الجر a "لِ أو إلى" "j' aime mon pere" "أحب والدي". وعلى العكس من ذلك يعتبر الفعل لازما إذا كان معموله مجرورا في اللاتينية مثل noceo patri "أسيء إلى والدي" أو مسبوقا بحرف الجر a في الفرنسية مثل je nuis a mon pere "أسيء إلى والدي". ولكن العلاقة الموجودة بين "أحب" و"والدي" بالنصب هي نفس العلاقة التي بين "أسيء" و"والدي" بالجر. ونحن نعلم أن الخلاف بين البنائين خلاف عرضي محض. بل من الجائز أن تكون عبارة norcere alicui مقيسة على obesse، officere alicui؛ فأحد التركيبين قد استتبع الآخر. وفي مجرى التطور الذي تسلكه لغة بعينها نجد الأبنية تتبادل
بعضها مع بعض ونرى الأفعال اللازمة تصير متعدية والمتعدية تصبح لازمة1 إذ نرى الفعل اللاتيني mederi "يعنى" كان ينصب مفعوله في بادئ الأمر ثم صار يتعدى بحرف الجر mederi oculos "يعنى عينه"، mederi oculis "يعنى بعينه". وأخيرا نجد التعبير عن إحدى الأفكار يختلف في لغة عنه في غيرها، فهذه نعبر عنها بفعل لازم وتلك بفعل متعد. فالفرنسية تقول j'aide ma mere "أساعد أمي"، و je suis mon pere "أتبع أبي"، على حين تقول الألمانية: ich helfe de mutter "أساعد""ل" أمي" و ich folge dem vater "أتبع "ل" أبي"، وتقول الروسية blagodrju vas كما تقول الفرنسية je vous remereie "أشكرك"، أما الألمانية فتقول ich danke ihnen "أشكر لك"، واللاتينية تستعمل الجر بعد الأفعال nubere، و"يتزوج" parcere "يقتصد" و benedicere "يبارك".
قد يكون لهذا التمييز ما يبرره في نظر النحوي الذي يعلم اللغة إذ يرى نفسه أمام تراكيب مختلفة ويعرف أن المتكلم إذا قال noceo patrem "أسيء والدي" أو ich helfe die mutter "أساعد أمي" بالنصب كان مخطئا. غير أن اختلاف شكلي محض؛ إذا علله التاريخ وفسره لم يستطع العقل أن يبرره.
قد يتصور الإنسان المقابلة بين الأفعال المتعدية والأفعال اللازمة تصورا أفضل على النحو الآتي. لما كانت فكرة التعدية تستلزم معمولا، كان لنا أن ننعت بالتعدية كل فعل صرح في الجملة بما يقع عليه حدثه وباللزوم كل فعل لا معمول له في الجملة. وعندئذ يجب أن نفرق بين عبارات مثل J'aime Rose "أحب روز" و la mison ou j'aime "البيت الذي فيه أحب"، ومثل "هذا الرجل يشرب نبيذا" و"من شرب سيشرب" فالفعل إذا استعمل دون معمول كان لازما، والحدث الذي يعبر عنه لا يقع إذن على شيء. ولكن هذه المقابلة، وإن كانت منطقية حقا، لا يستطاع الأخذ بها زمنا طويلا دون إضرار بالمنطق نفسه.
1 عن الفرنسية في القرن السادس عشر انظر برينو brunot، رقم 57، مجلد 2، ص439.
ذلك أننا مثلا نجدها في عبارات أخرى مثل ils prennent ces allumettes "يأخذون هذه الأعواد من الثقاب" و Ces allumettes prennent "هذه الأعواد من الثقاب تأخذ "يعني تشتعل" ومثل le chient a creve la toile "الكلب فجر الخرقة و le chien a creve "الكلب فجر""يقال ذلك في الفرنسية عن الحيوان ويراد به أنه نفق". ولكن هذه الحالة تختلف عن الحالة السالفة كل الاختلاف. ففي الجملة الثانية من هذين الزوجين يستعمل كل من الفعل "أخذ وفجر" في معناه المطلق والحدث يرجع إلى المسند إليه. أما في الجمل السابقة فإن كلا من الفعلين "أحب وشرب" يعبر في الجمل التي لا مفعول لها عن حدث غير محدد. ومن جهة أخرى نستطيع في هذه الحال أن نعتبر فعلا مثل "أرحل إلى باريس" متعديا إذ أن الجملة تحتوي على معمول. يعتبر غاية الحدث وأن هذا المعمول يعبر عنه بالمنصوب في كثير من اللغات "اللاتينية والإرلندية والإغريقية والسنسكريتية،
…
إلخ"، فيقال في اللاتينية: peto urbem "أرحل المدينة". ولكن هل ينبغي أن تعتبر من اللازم الفعل partir "يرحل، ينطلق" في عبارة مثل: je pars dimanche، حيث نرى الجملة تحتوي على ظرف زمان بدلا من ظرف المكان هذه مسألة تحتاج إلى بحث. وكيف نفرق بين "انتظر بطرس" و"انتظر إلى الغد" كذلك كيف نبين الفرق بين "أدر الحجر" و"در إلى اليمين"؟ وإذا اعتبرنا هذين الفعلين من الأفعال المتعدية "وكيف لا تعتبرها كذلك إذا "قربنا "در "حول" الزواية" بعبارة "در إلى اليمين"" أمكننا أن نقول بأن الكلمة الواحدة تستخدم لأداء وظيفتين مختلفتين كل الاختلاف، لأن الفعل سببي في "أدر الحجر" أي ""اجعل الحجر يدر"". وفي "در إلى اليمين" انعكاس بمعنى أن المسند إليه هو في الوقت نفسه غاية الحدث "اجعل نفسك تدر إلى اليمين". وكذلك الحال في اللاتينية في saepe uertas "در "بمعنى أدر" أسلوبك غالبا" وفي uerte hac "در من هنا"1.
1 انظر إرنو: رقم 6، مجلد 15، ص325.
كلما توغلنا في تحليل الفصائل النحوية للغة من اللغات زدنا إدراكا لاستحالة إرجاعها إلى نظام منطقي. وذلك مما يمكن تفسيره من جانب النحو بعلل في غاية الوضوح: ذلك بأن النحو في أية لغة وفي أية فترة من فترات تاريخ هذه اللغة ليس إلا نتيجة لأنواع مختلفة من النشاط يصيب نواحي النظام النحوي المختلفة ويصيبها مستقلة بعضها عن بعض. فإذا كانت نقطة البدء في التغيرات الصرفية تنحصر فيما يسمى بالقياس، فإن نتيجة هذا القياس ليس من شأنها أن تجعل المنطق يسود النظام النحوي من جهة كونه كلا.
من جهة أخرى لا شيء يبرر الغرض القائل بأن الفضائل النحوية كانت في فترة بدائية من تاريخ اللغة منطقة تماما على الكليات المنطقية للعقل وأنها بمرور القرون بعد عنها شيئا فشيئا تبعا للتغيرات الناجمة من الاستعمال، إذ أننا مهما تعمقنا في التقصي في تاريخ اللغة لا نصل إلا إلى حالة لغوية على درجة كبيرة من التطور، فأقدم صورة تعرفها للغات المتكلمة في زماننا هذا ليست أكثر منطقية ولا أقل منطقية من هذه اللغات نفسها.
مما لا يخلو أبدا من المخاطر أن يراد الحكم على عقلية أمة بالفصائل النحوية الموجودة في لغتها. فهناك لغات تحتفظ زمنا طويلا بفصائل لم يبق لوجودها مبرر وتستمر على اعتبارها وسائل نحوية. وعندنا مثل من ذلك في فصيلة النوع: فلو أن شخصا قدم لنا جملة فرنسية فيها كلمة مائدة تضاد كلمة مقعد وقال لنا بأنها مأخوذة من لغة المتوحشين لاتجه ذهننا فورا إلى لغة البنطو. وقد أعطانا الأستاذ بلي BALLY أمثلة عديدة بينة على المشابهة التي تقيمها بين لغة المتحضرين ولغة المتوحشين استعمال بعض الفصائل النحوية والاحتفاظ بها1.
قد يحصل أن تهجر بعض الفصائل اللغوية أو أن تتغير كما يقع لأخرى أن تنشأ، وقد أراد البعض أن يستنتج من هذه الحقيقة أن العقل الإنساني يتقدم في طريق التجريد. هذا الاستنتاج له ما يبرره في بعض الأحيان "انظر فصل الخاتمة". ولكن لا ينبغي اللجوء إلى التعميم بأية حال. فالهندية الأوربية لم يكن فيها مصدر،
1 رقم 44 ص107.
فما كانت تستطيع أن تقول "حَملٌ" أو "فِعلٌ" وإنما كانت تقول "أحمل" أو "أفعل" فحسب. فخلق المصدر، الذي وقع في كل واحدة من اللغات الهندية الأوربية على انفراد، كان خطوة واسعة في سبيل التجريد، ومع ذلك فبعض هذه اللغات قد فقد المصدر كالإغريقية الحديثة والبلغارية مثلا. وهذا لا يحتم أن يكون الإغريقي أو البغاري قد فقد ملكة إدراك الحدث الفعلي إدراكا تجريديا. كون بعض الشعوب المتوحشة يملك مثلثا إلى جانب المثنى لا يحتم كون هذه الشعوب لا تستطيع العدد إلا إلى ثلاثة1. ذلك لأن فصيلة العدد النحوية مستقلة عن معنى العدد. وكذلك قد أبان الأستاذ بلانرت PLANERT أنه يجب التمييز بين فكرة السببية وبين الفصائل النحوية التي تستخدم للتعبير عنها، فإذا كان سكان الملايو لا يعبرون عنها، فإن ذلك يمنعهم من أن يفكروا تفكيرا سببيا2. فهنالك وسائل مختلفة من التنغيم أو الإشارة يتعارض بها عن الفصائل غير الموجودة.
وإذا كانت اللغات تحتفظ في بعض الأحيان بفصائل نحوية لا فائدة منها فإنها لا تعجز يما عن خلق فصائل جديدة عند الحاجة. لقد قابلنا فيما سبق بين اللغات التي تعبر عن الزمن واللغات التي تعبر عن صفه الفعل. فإذا نظرنا إلى الوقائع على نحو ما يقدمها لنا تاريخ اللغات الهندية الأوربية، لظننا أن فكرة الزمن أحدث من فكرة الصفة وأنها حلت محلها. ومع ذلك ففكرة الصفة ليست مجهولة في لغاتنا الحديثة التي تعبر عن فكرة الزمن على خير ما يكون التعبير عنها.
استعملت اللغات الجرمانية مثلا للتعبير عن الزمن الاستمراري الذي لم يكن فيها اسم الفاعل مصحوبا بفعل الكون. فإننا نجد في الألمانية العليا المتوسطة تراكيب مثل: ALL DIE MICH SEHENDE SINT "كل أولئك الذين يرونني""DER ARME HEINRICH، البيت 673" أو DER RITER
…
MIT TEM DER LEWE VAREND IST" "الفارس
…
الذي معه يسافر الأسد" "I WEIN بيت 2986".
هذه الحاجة نفسها هي التي بعثت على نشوء التركيب الإنجليزي I AM GOING،
1 ليفي برول: رقم 88، ص157.
2 بلانرت: الفصائل النحوية في علاقتها بالسببية. بحث في لغة مدغشقر "رقم 34، مجلد 9 "1906" ص759-768".
I was reading الذي شاع شيوعا هائلا. ويلاحظ في فرنسية القرن السادس عشر وجود محاولة لخلق استمراري من هذا القبيل بواسطة الفعل etre "كان" أو aller "ذهب". ولكنه اندثر بعد أن حكم عليه مالرب Malherbe وميناج menage بالإعدام. ومع ذلك فإننا نرى فواتير Voiture يقول: "cette prison qui va vous renfermant.""هذا السجن الذي يطبق عليك" ويقول لافونتن: "je me vais desalterant""أطفئ ظمئي".
الفرنسية التي تمتاز من بين جميع اللغات بثرائها في وسائل التعبير عن الزمن قد وجدت وسيلتين للتعبير عن الصفة وهي تستخدمهما مجمعتين منذ بضعة قرون1.
إحدى هاتين الوسيلتين تنحصر في استعمال السابقة الفعلية re للدلالة على الحدث الوقتي في مقابلة الحدث الاستمراري. فكلمتا rabaisserm، rabattre "يخفض" لا تعنيان أن نخفض من جديد أو أن نزيد في الخفض بل تعنيان فحسب اتباع الرفع بالخفض دون اعتبار للزمن الذي يلزم لذلك. فإذا تمثل الحدث أمام الذهن في المدة التي يستغرقها، وحتى نهاية تنفيذه، استعملت الصيغة البسيطة abaisser أو abattre "خفض" كذلك: reveiller quelqu' un "إيقاظ أحد الناس" معناه جعله يكف عن النوم أو أن يصحو؛ و remarquer rne chose "علم شيئا" معناه أن يضع علامة لهذا الشيء وأن تبقي هذه العلامة. وفي اللغة الشعبية يميل الفعل المركب مع re في كل مكان إلى أن يحل محل الفعل البسيط عندما لا يراد إلا نتيجة الحدث: فالفعل "unir" في Unir deux personnes "يجمع بين شخصين" لم يعد يستعمل إلا في الاحتفال بالزواج، وفي غير ذلك يقال reunir "يجمع"؛ و remercier "يشكر" حل محل mercier "يشكر" الذي كان لا يزال يستعمل في القرن السادس عشر، relentir "يُبطئ أو يبطّئ" معناه تقليل السرعة، كذلك الأفعال remasser "يجمع بالالتقاط" و recueillir "يلتقط أو يجني" و regarder "ينظر إلى" أخذت معاني جديدة تخالف معاني garder، cueillir، amasser و rettraper quelqu'un "يقبض على أحد
1 بربلنيه "Barbelenet": رقم 99، ص8 وما يليها.
الناس" يستعمل الآن في المعنى الحقيقي ولم يعد attraper "يلوم" يستعمل إلا في المعنى المجازي. ويقال rapportez أو remportez-moi "حرفيا كان يجب أن يكون المعنى: أحضر إليّ هذا من جديد" في معنى apportez أو Remportez "أحضر إلي هذا"، renfermez le chat "أحبس القط، أصلا أعد حبس القط" refermez la porte "أغلق الباب، أصلا أعد إغلاق الباب" و rentrez donc "ادخل" "أصلا ادخل من جديد" بدلا من entrez donc "ادخل" يقال لك ذلك في بيت لم تدخله من قبل إطلاقا prends garde de repandre "un liquide "احذر أن تريق "سائلا" أصلا أن تريق ثانية
…
" إلخ. مثل هذه الأمثلة موجودة في الفرنسية القديمة، إذ نقرأ عند إيمري دي تربون Aimeri de narbone؛ "relez vos en" "انصرف" "أصلا انصرف ثانية" بدلا من allez-vous-en: فاللاصقة تزيد من درجة التعبير بشكل واضح. هذه العملية، وقد ظلت منتعشة بالحياة في الفرنسية، توجد في اللاتينية أيضا، بل إن أصلها سابق على اللاتينية نفسها، إذ أننا نعثر عليها أيضا في الجرمانية وفي البلطية السلافية.
ولكن الفرنسية لا تقتصر على هذه الطريقة، بل إن لديها طريقة أخرى للتعبير عن فكرة صفة الفعل: وهي استعمال الفعل الانعكاسي "يقابل المطاوع في العربية من بعض الوجوه". قارن defiler "يمرون في صف" و trotter "يركض" بالفعلين se defiler "حرفيا: يمرر نفسه في صف" se trotter حرفيا: "يركض نفسه أي يركض"؛ فترى أن الفرنسية تستخدم الفعل الانعكاسي وتضيف له لاصقة فعلية، واللاصقة في هذه المرة إما -e أو -en s'en aller:"ينصرف""بالدقة يضع نفسه في حالة انصراف" و s'enfuir "يهرب "يضع نفسه في حالة هرب"" و s'envoler "يطير "يضع نفسه في حالة طيران" و S'ECRIER "يصيح "يضع نفسه في حالة صياح"". و S'ec rouler "ينهار "يضع نفسه في حالة انهيار"" إلخ. فهذه الأفعال، إذا قورنت بمقابلاتها البسيطة، تقدم لنا خير المثل على هذه الحقيقة. فالفرنسية إذن لا يعجزها
التعبير عن الصفة ما دامت تجد الوسيلة إليه بمجرد أن تشعر بالحاجة إلى ذلك. غير أن الصفة ليس لها في الفرنسية فصيلة نحوية مطردة. إذ لو عرض علينا فعل فرنسي لم نستطع أن تتبين منه ما إذا كان يدل على الاستمرار أو على الشروع على نحو ما تتبين منه إذا كان يدل على المستقبل أو على غير التام. وإذا كانت هناك لغات كالروسية تغلب فيها فكرة الصفة إلى جد تصير معه قاعدة للنظام الفعلي، فإن هذه الفكرة ليست في الفرنسية واللاتينية إلا بقايا متناثرة أو أنها لا تسد إلا حادة عارضة.
إذن تختلف الفصائل النحوية في الأهمية تبعا للغات. فالنظام الصرفي لا يمكن أن يحتوي إلا على عدد محصور من الفصائل التي تفرض نفسها والتي تعم وتظهر وإنما توجد في كل لغة، إلى حد كبير أو صغير، نظم أخرى تتداخل وتتقاطع ونراها تمثل، إلى جانب الفصائل النحوية التامة الازدهار، فصائل أخرى في طريق الفناء أو -على العكس من ذلك- في طريق التكوين.
من جهة أخرى يمكننا أن نقيم بين الفصائل النحوية نوعا من الترتيب التدريجي: فبعضها ليست إلا صورا خاصة من فصائل أعم منها: فقد أمكننا مثلا أن نتكلم عن المبني للمعلوم والمبني للمجهول على أنهما فصيلتان نحويتان، ولكنا نستطيع أن نرجعهما إلى فصيلة واحدة دون عناء. نعم، نحن لا ننكر أن لغة تخلو من المبني للمعلوم ولا تستطيع مثلا أن تترجم جملة مثل je vous aime "أحبك"، ونعنى بذلك أنه يستحيل ترجمتها من الفرنسية ترجمة حرفية، لأن النسبة التي نعبر عنها بالفعل المسمى المبني للمعلوم يمكن التعبير عنها في تلك اللغة المفترضة ولكن في صورة مخالفة.
كذلك ما نعنيه بمصطلح المضاف إليه في الإغريقية أو اللاتينية ليس له نظير في الصينية، وكذلك الفرنسية والغالية تخلوان من مثيل له. فإنا نقول في الفرنسية Le livre de peirre "الكتاب "بتاع" بيير" بدلا من liber petri "كتاب بطرس". والصينية تعبر عن هذه النسبة بين الاسمين بواسطة ترتيب الكلمات، فتضع المضاف إليه قبل المضاف فتقول Hantchaou، هن تشاو
"دولة الهون""حرفيا الهون دولة"؛ والغالية تستخدم عكس هذا الترتيب فتقول Aber yr afon "مصب النهر "حرفيا المصب النهر"""انظر ص112" فمن الخطل أن نتكلم عن مضاف إليه في الغالبية أو في الصينية الفرنسية أيضا. ولكنا نعرف أن المضاف إليه الاسمي في اللاتينية يمكن الاستعاضة عنه بصفة: فنستطيع أن نقول uirtus caesarea "الفضائل القيصرية" بدلا من caesaris "فضائل قيصر". وقد صار ذلك قاعدة في اللغة الروسية. بل إن التركيب le liver de peirre "الكتاب "بتاع" بيير" ليس التركيب الوحيد المستعمل في الفرنسية، فإننا نقول أيضا: palais royal "القصر الملكي" أو livres sibyllins "الكتب السبيلية" و la maison peirre "البيت "بتاع" بيير" l'hotel-Dieu "بيت الله "حرفيا" البيت-الله" la rue Gambetta "شارع غمبتا "حرفيا": الشارع غمبتا"، فهنا أيضا لا توجد فصيلة نحوية للتعبير عن فصيلة عقلية واحدة. فالألمانية فيها مضاف إليه في VATER'S HANS أو DAS HAUS DES VATERS "بيت الوالد" ولكنها تستطيع كذلك أن تقول: MEINEM VATER SEIN HAUS "ل" والدي بيته "بمعنى بيت والدي""، وهذا تركيب مختلف كل الاختلاف. فإذا ما راعينا هذه الاختلافات التي ترجع إلى الطريقة التي بها تتكون الصورة الكلامية، جاز لنا أن نقرر وجود فصيلة عامة واحدة في كل اللغات التي تكلمنا عنها، هي فصيلة التبعية. ونضم المضاف إليه الإغريقي واللاتيني وترتيب الكلمات الصيني والغالي واستعمال الحرف "DE" في الفرنسية.
وفضيلة التبعية التي تبدو لنا واحدة ينضوي تحتها فروع يبررها المنطق فنحن نقول في الفرنسية Sa beaute est eclatante "جمالها وضاء" أو La beaute en est eclatant "الجمال فيها "أو في ذلك" وضاء" تبعا لما إذا كان الكلام مثلا عن امرأة أو عن صورة زيتية، أو بعبارة عامة، عن شخص أو عن كائن غير حي. على حين أننا نقول من غير تفريق le pere de pierre "الوالد "بتاع" بيير" la culotte de pierre "السراويل "بتاع" بيير"
دون أن نتخيل وجود خلاف في النسبة التي تجمع بين الكلمتين في كل من العبارتين. وعلى العكس من ذلك تميز اللغة المندنجية le mendingue، إحدى لغات إفريقية الغربية، بين afa "آفا""أبوه" و a-at kursi "آ-تا-كرسي""سراويله"؛ فضمير الملك يختلف في كلتا الحالتين، لأن الأب لا يتبع ابنه على نحو ما يتبع السراويل مالكه1. ففصيلة التبعية في هذه اللغة تزيد تعقيدا بتمييزها بين تبعية الملكية وتبعية غير الملكية. أما الفرنسية فلا تشير إلى هذا الفرق وإن كان يبدو مسلما به عند التفكير. يرجع الخلاف بين النحو والمنطق إلى أن الفصائل النحوية والفصائل المنطقية لا تلتقي إلا نادرا، فإن عدد الثانية لا يتفق مطلقا مع عدد الأولى؛ فإذا حاولنا أن ندخل في مسائل النحو شيئا من النظام بتصنيفها وفقا للمنطق، رأينا أنفسنا منساقين إلى توزيعها توزيعا تحكميا: فطورا نرانا نفرق بين مسائل ذات صفة نحوية واحدة في فصيلتين متميزتين من فصائل المنطق "وفي ذلك إكراه للغة"؛ وطورا نرانا نجمع في فصيلة نحوية واحدة مسائل لا يربط بينها شيء من المنطق "وفي ذلك إكراه للعقل". فالأيسر إذن أن تختار طريقة وسطا بين هاتين الطريقتين من طرق التصنيف. وفي ذلك تبرير لمسلك النحاة الذين لا نعدم أن نجد قيمة نحوية في مصطلحاتهم وإن كانت تحكميةوخالية من المنطق في غالب الأحيان. والشيء الوحيد الذي نطالبهم به هو أن نكون تصنيفاتهم، وقد ضحوا فيها بالمنطق، متفقة مع الأوضاع النحوية للغة التي يدرسونها، إذ أن الفصائل، وإن اختلفت من لغة إلى أخرى، لها في الواقع سلطان يطغي على نشاط العقل في اللغة التي توجد فيها.
من اختصاص المناطقة أن يحددوا الكليات المنطقية وأن يقرروا ما إذا كان وراء الفصائل النحوية المختلفة الألوان فصائل منطقية تجري على كل اللغات وتفرض نفسها عليها جميعا تحكم تركيب المخ البشري. ولنفترض أننا قد وجهنا هذا السؤال
1 د. دلافس Delafosse رقم 4، مجلد 18" 1963" ص353.
إلى رجل من رجال القرن السابع عشر مشبع بالفلسفة الديكارتية ومنطق البوررويال، فإنه يجب عنها بالإثبات دون أدنى تردد. قال ديكارت: "صدق الحس هو الشيء الذي قد وزع على الناس خير توزيع
…
وهو الشيء الوحيد الذي يجعلنا آدميين ويميزنا من الحيوان، وإني لأميل إلى القوة بأنه يوجد كاملا في كل فرد"، وقال لبرويير la bruyere مبالغا في فكرة الفيلسوف: "العقل في كل الأقطار موطنه. وإن التفكير ليستقيم في كل مكان يوجد فيه الناس" هذا التصور لعقل إنساني ذي قوانين ثابتة لا تتحرك، متماثل تمام التماثل في كل الأرجاء، كان محل تسليم الجميع في ذلك الحين. ولكنه في يومنا هذا يبدو محلا للنظر1.
ومع ذلك فلا ينكر إنسان وجود بعض سمات أساسية مشتركة مهما اختلفت العادات العقلية بين شعوب الأرض المختلفة، فهناك منطق إنساني وتوجد كليات منطقية كبرى عند جميع البشر الذي يفكرون، وهي بطبيعة الحال أساس الفصائل النحوية، فمن أين تستمد هذه وتلك قيمتها؟
يعزو إميل دركهايم2 وجود الفصائل إلى نوع من الضرورة تقف بالنسبة للحياة العقلية موقف الالتزام الأخلاقي بالنسبة للإراة: يعني أن الفصائل ذات أصل اجتماعي وتتوقف على المجتمع. هنا نجد أثر العامل الاجتماعي الذي ظهر لنا بوضوح فيما سبق أنه أصل التغيرات الصوتية. فهو وحدة القادر على تفسير القانون الصوتي؛ فنوع الضرورة الذي يفرض على مجتمع بعينه أن يحركوا جهازهم الصوتي بصورة واحدة ليس له أصل أو ميتا فيزيقي، كذلك لا يمكن أن يفسر على أية عارض فردي ثم عمم؛ فليس هنالك من سلطة تكفي لأن تفرض محاكاة خاصة فردية، والقسر الذي تفرضه الصوتيات له من القوة لا يستطيع معه فرد أن يتخلص من نيرها، وكذلك الحال بالنسبة لسلطان الفصائل وكلاهما يستمد قوته من قوة الرباط الاجتماعي.
1 ليفي بريل: رقم 88 ص7.
2 رقم 10، عام 1909 ص747.
الفصل الثالث: الأنواع المختلفة للكلما ت 1
تبلغ الصعوبة في تصنيف أجزاء الكلم حدا يعوقنا حتى الآن عن الوصول إلى تصنيف مرض. وما زال نحونا التقليدي يعلمنا أن نقسمها إلى عشرة أقسام تبعا لتقليد قديم يرجع إلى مناطق الإغريق، ولكن هذا التصنيف لا يثبت أمام الامتحان؛ فإن تبرير تطبيقه على اللغة التي خلق من أجلها لا يخلو من عناء، فمن باب أولى أن توجد لغات كثيرة لا ينسجم معها هذا التقسيم إطلاقا، وبمناقشته عن كثب نرى أنفسنا مضطرين إلى تصحيحه.
من المناسب قبل كل شيء أن نبعد من هذا التصنيف حرف التعجب INTERJECTION فإن في حرف التعجب مهما كانت أهميته في الاستعمال، شيئا يضعه بمعزل عن بقية أجزاء الكلم الأخرى، ولا يمكن أن يدرج معها في تصنيف واحد، فهو لا يخضع دائما للقوانين الصوتية، وكثيرا ما يشتمل على أصوات خاصة به، مثل المصمصات في كثير من اللغات الحديثة أو الانفجاري الاحتكاكي PFF "بف" في الفرنسية وليس له على العموم أي صلة بالصرف، بل يمثل شكلا خاصا من اللغة، اللغة التأثرية affectif وأحيانا الفاعلة actif فهو على كل حال لا يدخل في بنية اللغة العقلية، وسنلتقي به في الفصل التالي.
بعد ذلك يجب أن نبعد الأصوات، فإن عددا كبيرا من "أجزاء الكلم" في نحونا ليس شيئا آخر، كذلك هذه الأدوات التي تسمى بحروف الجر وحروف الوصل، فإن الدور الذي تلعبه يمكن أن تقوم به في لغات أخرى عملية صرفية تختلف عنها كل الاختلاف، فالفرنسية تقول Le livre de pierre "الكتاب
1 انظر رزفادوفسكي "Rozwadowski": رقم 193 وجسرسن: رقم 229.
"بتاع" بيير" ترجمة للعبارة اللاتينية liber petri "كتاب بطرس"، وتقول الفرنسية أيضا on desait que le comte etait mort "قيل إن الكنت قد مات" بينما تقول الألمانية "man sagte der graf sei gestorben" مكتفية بنصب الفعل "استعمال صيغة الـSubjonctif عن حرف الوصل dass أن بالعربية que بالفرنسية" في الإشارة إلى تبعية الجملة التابعة، ونرى أن دوال النسبة تتنوع في اللغة الواحدة؛ فالألمانية تستطيع أن تقول أيضا man sagte dase der graf gestorben ist حرف الوصل dass" كما تستطيع أيضا أن تقول: "man sagte der graf sei gestorben""باستعمال الفعل في صيغة التبعية. واللاتينية تستعمل أيضا العبارتين: rogo venias "أرجو تعفو" أو rogo ut venia "أرجو أن تعفو". وقد ظلت الفرنسية وقتا طويلا تقول le bois le roi "الغابة الملك "يعني غابة الملك"" و le bois la dame "الغابة السيدة "غابة السيدة"" وذلك إلى جانب قولها: le chemin du bois "الطريق "بتاع" الغابة" l'arbre de la foret "الشجرة "بتاعة" الغابة". فالكلمات de "بتاع" و que "أن" و dass "أن" و ut "أن" عبارة عن دوال نسبة تستعمل لبيان الصلات التي بين كلمة وكلمة أو جملة وجملة. حروف الجر تختلف في صفتها عن حروف الوصل بوجه عام ولكنا نعرف مع ذلك لغات تعبر بصورة واحدة عن بعض العلاقات بين كلمة وكلمة أو جملة وجملة على السواء. فالصينية تستعمل العنصر ti "تي" للدلالة على تبعية الأسماء كما تستعمله للدلالة على تبعية الجمل "انظر ص108".
وأداة التعريف في اللغات التي فيها أداة للتعريف ليست إلا دالة من دوال النسبة، وليست الأداة على وجه العموم إلا اسم إشارة ضعف معناه، وتستعمل كوسيلة للتصنيف، فهي في الأسماء تبين النوع والعدد وفي أغلب الأحيان تدل على التعريف أيضا "انظر أواخر هذا الفصل" أي أنها تحتوي على كل الخصائص التي تجعل منها آلة نحوية.
وكذلك حالة الضمائر الشخصية: je lis أنا أقرأ تساوي Lego "أقرأ" وكذلك tu lis "أنت تقرأ" و il lit "هو يقرأ" تساويان في اللاتينية legis "تقرأ" legit "يقرأ". فالفرنسية تعبر بـje "أنا" و tu "أنت" و il "هو" عما يعبر عنه في اللاتينية بواسطة التصريف. فإذا كان الضمير قائما بذاته أو مؤكدا كما يسمونه، فإنه يلعب دور الاسم بالضبط، ولذلك وجب أن نسلكه في فصيلة الأسماء: ويمكننا للتحقق من ذلك أن نقارن الجملتين: Viens-tu، toi? "أأنت تأتي، أنت؟ " و viens-tu peirre" "أأنت تأتي، "يا" بيير؟ " أو moi، je suis grand et peirre، il est petit ""أما" أنا فأنا كبير و"أما" بيير فهو صغير". فالضميران toi "أنت "الثانية" و Moi "أنا "الأولى"" لهما القيمة التي لبيير بالضبط. كما أن الضمير الشخصي يقترب من الفعل في بعض الوجوه إذ أنه لما كان يقوم في كثير من الأحيان بدور الدالة على النسبة في الفعل كان إلى حد كبير مرتبطا في الفعل بفصيلة الأفعال ومعرضا لأن تتأثر صيغته بصيغة الفعل1. فالضميران الإيطاليان: elleno، eglino "هم وهن" قد أخذا نهاية فعل الغائب الجمع المقابلة لهما، وكذلك الحال في الغالية حيث يقال hwynt "هم" بدلا من hwy، وذلك تحت تأثير النهاية الفعلية ynt-. ونحن نعرف من جهة أخرى أن اللغات التي احتفظت بالمثنى في الفعل احتفظت به أيضا في الضمير حتى ولو هجرته في الاسم، وعلى العكس من ذلك اللغات التي فقدت المثنى في الفعل هجرته أيضا في الضمير حتى ولو استبقته في الاسم "انظر صفحة 134". فالضمير، وإن كان اسمي الاستعمال، يصيبه تأثير الفعل أحيانا ولكنه لا يكون قسما مستقلا من أقسام الكلم.
والصفة من جهتها لا يمكن تمييزها من الاسم تمييزا واضحا. إذ يبدو أنهما في اللغات الهندية الأوروبية صادران عن أصل مشترك وأنهما في كثير من الحالات يحتفظان بصيغة واحدة. إذ لا شيء يدلنا على كون bonus "حسن" في
1 يوهان شمت: رقم 37، ص36 من المقدمة وص403.
اللاتينية صفة ولا على أن كلمة equus "حصان" اسم، أن علامة الإعراب واحدة فيهما. ولعله لا يستطاع التمييز بينهما ألا بالاستعمال "انظر أواخر هذا الفصل". ولكن يجب أن نضيف إلى ما تقدم أن من الاستعمالات ما هو مشترك بينهما على التساوي. فيمكن أن يقال:"أنا قوي" كما يقال "أنا ملك" و "الرجل عظيم" و "العظيم رجل" فالاسم والصفة يتبادلان الدور في كل اللغات، ولذلك لم يكن بينهما حد فاصل من الوجهة النحوية. فيمكن الجمع بينهما في فصيلة واحدة هي فصيلة الاسم.
إذا تابعنا السير في عملية الاستبعاد هذه، لم يبق لدينا من أقسام الكلم إلا قسمان: الفعل والاسم وكل ما عداهما من أقسام ينضوي تحت لواء هذه الثنائية. وينبغي أن نعرف ما إذا كان الاسم والفعل يمثلان وظيفتين مختلفتين اختلافا جوهريا.
إذا حصرنا نظرنا في مجموعة خاصة من اللغات كاللغات الهندية الأوربية، لم نتردد في الاعتراف بأن الاسم والفعل بينهما فرق أساسي. بل أن مجرد فكرة الخلط بينهما تعتبر من الحماقات. فالواقع أن الصرف في اللغات الهندية الأوربية يخص كل منهما بسلاسل من اللواحق وعلامات الإعراب تختلف في أحدهما عنها في الآخر. وذلك إلى حد أننا في السنسكريتية والإغريقية نعرف، تسع مرات من عشر ومن النظرة الأولى، ما إذا كانت الصيغة التي أمامنا اسما أو فعلا. وفي كل منهما يعبر عن الفصيلة الواحدة بطريقة تختلف عنها في الآخر، ومن ذلك الشخص والعدد.
"كلامي" فالرمز الذي يرمز به للشخص الأول مختلف في كلتا الحالتين. وعلامة الجمع في الاسم لا تمت بصلة إليها في الفعل. فالواقع أن لدينا نظامين من التصريف متوازين، وكل منهما مستقل عن الآخر.
غير أننا إذا انتقلنا من اللغات الهندية الأوروبية إلى اللغات السامية لم نجد هذا التمييز الفاصل. فالعربية ملأى بالعلامات المشتركة بين التصريفين الاسمي والفعلي. إذ نرى النهاية "-ُون" التي تستخدم في المضارع المسند إلى الشخصين الثاني والثالث
المذكرين في حالة الجمع تستخدم أيضا علامة للجمع في كثير من كلمات اللغة المذكورة. وفي حالة المثنى تستخدم لنفس الشخصين المتقدم ذكرهما العلامة "-آنِ" التي هي علامة الاسم المثنى الوحيدة. ولا تقتصر العلامة بين التصريف الاسمي والتصريف الفعلي في العربية على بعض وجوه الشبه في العلامات، بل إنها تمس جوهر الأشياء في ذاته. فهناك توافق غريب بين الحالات الإعرابية الثلاث "حالة المسند إليه وحالة المفعول المباشر وحالة المفعول غير المباشر" وبين حالات المضارع الإعرابية الثلاث "المرفوع والمنصوب والشرطي أو "المجزوم كما يسميه بعضهم"". وقد فطن نحاة العرب أنفسهم إلى هذا التشابه فنرى أثره في المصطلحات التي ابتكروها.
مواطن الشبه بين الاسم والفعل في اللغات في اللغات الفينية الأجرية بلغت من الكثرة حدا جعل بعضهم يقرر -وإن كان على خطأ- أن لا خلاف بينهما. والحقيقة أن الفعل فيها من أصل اسمي في غالب الأحيان، ولا يزال يقع تحت سلطان العناصر الصرفية الاسمية في بعض الأحوال1. ففي الفجولية يقال: mini ميني "يذهب" ali "أَلي""يقتل" يجيئان بنفس الصيغة التي تجيء عليها puyi "بويي" آخِذٌ" uri "ماسكٌ"، وفي الفنلندية antaa "يعطي" معناها الحرفي "معط". وليس ذلك إلا نتيجة لاستعمال الجملة الاسمية البحتة "انظر الصفحات التالية". ولكن هناك حقيقة أخرى أكثر أهمية ونعني بها الاشتراك في العلامات. ففي التشيريمية وفي المردفية تستعمل التاء في بناء الجمع من الأسماء وفي إسناد الفعل إلى ضمير الجمع للغائبين على السواء، ونجد ذلك حتى في الفنلندية في بعض لهجاتها حيث يقال menit "ذهبوا" menisis "قد يذهبون" في مقابلة meni "ذهب" و menisi "قد يذهب" وذلك يشبه تمام الشبه kalat "السمكات" في مقابلة kala "السمكة" و puut "الشجرات" في مقابلة puu "الشجرة" وفي المجرية حالات من هذا النوع عينه: ففيها vartak "انتظروا" kertak "طلبوا" جمعا لـvart "انتظر" و kert "طلب"، كما أن
1 انظر J. Szinnyei: رقم 28، مجلد 5 "1906"، ص62.
harsak "أشجار الزيزفون" و nevek "الأسماء" جمعا لـhars و nev. ولكنا لا نجد في اللغات الهندية الأوربية حالات من هذا القبيل.
وهناك لغات أخرى كلغات الشرق الأقصى يعتبر عدم تميز الفعل من الاسم إحدى خصائص نحوها الجوهرية. ففي الصينية القديمة مثلا يمكن استعمال الكلمة اسما أو فعلا على السواء، وموضوع الكلمة وحده هو الذي ينبئ عن أي الاستعمالين أريد.
ونجد مثالا تقليديا من هذه الحالة في الجملة: lao lao yeou yeou "لَاؤُو لَاؤُو يَيئو يَيئو""عامل الشيوخ على أنهم شيوخ والأطفال على أنهم أطفال" حيث نجد الكلمة التي تستعمل للدلالة على شيخ والكلمة التي تستعمل لللالة على طفل هما نفس الكلمتين اللتين تستعملان للالة على "عامل الشيوخ" و"عامل الأطفال" ولكن الأمثلة التي لها هذه القوة في الطابع نادرة. فاستعمال الكلمة على أنها فعل بصحبه على العموم تغير في النغمة وبالتالي يحصل في الكلمة بتر في الحرف الأول إذا اقتضى الأمر ذلك، وهذا البتر هو الذي أنتج ما نراه اليوم من فرق بين النفس وغير المنفس. فيقال hao " حسن" hao "يحب" و tsang "كنز" و ts'ang "يخفي" و tschouan "تعليق" tch'ouan "ينقل". وأخيرا يوجد في الاستعمال الحديث وسائل أخرى لتمييز الاستعمال الفعلي من الاستعمال الاسمي لأول وهلة. وإذا غضضنا النظر عن ترتيب الكلمات وعن أهمية تتابع الجملة على هذا النحو: المسند إليه فالفعل فالمعمول، فإننا نجد من اللواصق ما يرشدنا إلى طبيعة الكلمات؛ فالأسماء تتميز باللاصقة eul أو باللاصقة tseu "انظر ص117"؛ والأفعال تتميز باللاصقة tcho "مأخوذة من tchao "يطبق، يضع""، وذلك في مثل tso tcho "يجلس" و tchao tcho "يضع "ثوبا"" كما يتميز الفعل خيرا من ذلك باللواصق الزمنية Leao أو Kouo للماضي و yao للمستقبل.
وإذا حدث أن استعملت الكلمة بذاتها فعلا أو اسما في الصينية، فإن المتكلم يفرق بجلاء بين هذين القسمين من أقسام الكلم. فالنحويون المحليون يميزون
بين الكلمات المليئة "انظر ص98" و"والكلمات الحسية""houo tseu"، "والكلمات الميتة""ssen tseu" ويقولون بأن الأولى ذات معنى فاعلي والثانية ذات معنى انفعالي. فالأسماء والصفات تعتبر من الكلمات الميتة وعلى العكس من ذلك تعد الأفعال، وهي تستلزم الحدث، من الكلمات الحية. ومن نتيجة هذا المبدأ أن الفعل إذا استعمل مبينا للمجهول يمكن أن يعطي نفس التنغيم الذي للاسم، وبتغيير نغمته يصير كلمة ميتة. فعدم التمييز بين الاسم والفعل الذي يعزى إلى الصينية عادة، ظاهري أكثر منه حقيقيا. إذ لا يوجد إطلاقا تردد في معرفة القيمة الاسمية أو الفعلية في الكلمات التي تستعمل.
هناك لغة تقرب من الصينية إلى حد كبير من هذه الوجهة، وهي اللغة الإنجليزية. فمعظم الأسماء في هذه اللغة يمكن استعمالها أفعالا أيضا، فهي تميل إلى التسليم باستعمال كل اسم أيا كان استعمالا فعليا. فيمكن لكلمة مثل fire "نار" أن تكون اسما أو فعلا دون تفريق، بل يمكنها أيضا بوصفها اسما أن تقوم بدور الصفة أو الاسم على السواء، وبوصفها فعلا لا تعني بالتمييز بين المبني للمعلوم والمبني للمجهول. فهي في الحقيقة فكرة تجريدية تصلح لكل التطبيقات المشخصة التي تراد منها. تشهد بذلك الجمل الآتية التي لا تتغير فيها الصيغة الخارجية للكلمة بتغير قيمتها: put a fire in my room "ضع نارا في غرفتي"؛ I fire my room "أوقد غرفتي"؛ a fire fly "ذبابة نارية"؛ o people، so easy to fire "أيها الشعب السريع إلهابه". وقليل من الكلمات في الإنجليزية لا يمكن إخضاعها لهذه الخطة! فمن كلمة frown "حاجب" يمكن أن يؤخذ to frown "يعبس الحاجب" ومن book "كتاب" يمكن أن يؤخذ to book "يسجل في مذكرة" ومن bomb "قنبلة" يمكن أن يؤخذ to bomb "يقذف بالقنابل"، إلخ.
ومع ذلك فيحدر بنا هنا ألا نترك أنفسنا فريسة للانخداع. نعم إن كلمة fire "نار" يصلح من حيث المبدأ أن تكون اسما أو فعلا دون تفريق ولكن ذلك لا تطعن في حقيقة كون فكرة النار التي تحرق بتميز عن فكرة عمل نار للإحراق.
فإذا قلت "توجد نار" أو "أشعل نارا"، كان في ذهني فكرتان متميزتان تثيران في ذهن سامعي أثرين مختلفين. لأني في الحالة الأولى أعبر عن حقيقة وفي الثانية أصدر أمرا. فليس يوجد إذن في الإنجليزية، كما رأينا أنه لا يوجد في الصينية، أي تردد حول تعيين قيمة كلمة مثل fire عندما يكون هناك محل لإظهار الفرق بين الحالتين. فالسامع يحس على الفور ما إذا كانت الكلمة اسما أو فعلا تبعا لاستعمالها في الجملة وعلى الخصوص تبعا لدوال النسبة التي تصحبها.
ذلك أنى حسبما أقول a، "the" fire "أي بأداة التعريف أو أداة التنكير" أو to fire "مع سبق الكلمة بالحرف أنْ" أو my fire "مع إضافتها لضمير المتكلم" أو I fire مع "إسنادها لضمير المتكلم" أعين أي القيمتين أريد بالكلمة قيمة الاسم أو قيمة الفعل، فمجرد الفرق بين دوال النسبة يكفي لإظهار الفرق بين قيمتي الكلمة، وذلك دون أي تردد ممكن. فدوال النسبة "the، a" و"I" تقوم هنا بدور علامات الإعراب والتصريف في لغة كالإغريقية القديمة؛ فعبارة I fire "أشعل"
تمييز الفعل من الاسم الذي يظهر دائما في الكلمة الإنجليزية أو الصينية إذا أخذت على انفراد، يتجلى على الفور إذاوضعت هذه الكلمة في جملة، فالمسألة ليست مسألة صيغة بل مسألة استعمال. وبعبارة أخرى يجب أن نواصل المسير حتى نصل إلى تكوين الصورة الكلامية حيث تتألف عناصر الكلم لكي نبرز التمييز بين الفعل والاسم. فإذا كانت هناك لغات لا تحتوي على صيغة متميزة لكل من الاسم والفعل، فإن جميع اللغات تتفق في التمييز بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية1.
بالجملة الفعلية يعبر عن الحدث مسندا إلى زمن منظورا إليه باعتبار مدة استغراقه منسوبا إلى فاعل موجها إلى مفعول، إذا لزم الأمر: اسمع الموسيقي، بيير كان يشرب نبيذا، سيجر الحصان العربة، إلخ. فموضوع الجملة الفعلية أن
1 انظر على الأخص مييه: رقم 6 مجلد 14، ص1 وما يليها.
تأمر بحدث أو أن تقرر حدثا أو أن تتخيل حدثا؛ والأمر والإخباري والتبعي، تلك التي يجب أن نضيف إليها المستقبل والشرطي، كلها تمثل بدرجة كافية من الوضوح هذه الصفات الثلاث للجملة الفعلية. ويمكن أن تتكون هذه الجملة من كلمة واحدة: مثل الكلمة الفرنسية prends "خذ" واللاتينية ueniam "سآتي" والعربية قالوا. بل من المستطاع أن تكون هذه الكلمة الواحدة اسما؛ فعندما نقول "نارا! " أو "سكوت! " أو "وقوف! " أو "التفات! " ترانا نأمر بتنفيذ حدث بالضبط كما لو كنا نقول: "خذ" أو "تعالوا" أو "توقفوا". ولا يعبر عن الحدث في اللغة المنطقية غير الفعل. غير أن الأمر لا يدخل في اللغة المنطقية إلا جزئيا. فهو صورة اللغة الفاعلة "انظر الصفحة الأولى من الفصل الرابع". ويمكن التعبير عنه بصيحة. إذا أننا نتطلب السكون بقولنا "هس! " أو "صه! " ونحن نسير الحصان بقولنا "شيه! " فتلك صيغ أمرية لا تدخل في النظام النحوي للفعل.
تحليل الجمل الفعلية يقدم لنا نوعا من الترتيب التنازلي لصيغ الفعل: فأولها الأمر الذي يظل من بعض الوجوه خارجا عن الفعل المنظم غلى حد أنه يمكن التعبير عنها بالاسم وبصورة أوسع بالمصدر، ثم الإخباري "حاضرا كان أو ماضيا" الذي يقرر وجود واقعة، وأخيرا صيغ الاحتمال أو الحدس.
تختلف الجملة الاسمية كل الاختلاف عن الجملة الفعلية، فهي تعبر بها عن نسبة صفة إلى شيء: البيت جديد، الغداء حاضر، الدخول على اليمين، قمبيز ملك، زيد حكيم، والجملة الاسمية تتضمن طرفين: المسند إليه والمسند، وكلاهما من فصيلة الاسم. وقد أحس المناطقة من أتباع أرسطو بالفرق بين هذين النوعين من الجملة ولكنهم أرجعوهما إلى نوع واحد بأن حللوا الجملة الفعلية على نحو يدخل فيها فعل الكون؛ "فجعله الحصان يجري"= الحصان "يكون" جاريا. وذلك خطأ لم يجاره في طول العمر إلا القليل من الأخطاء، وقد شد من أزره الأفكار الميتافيزيقية التي اتصلت بها. فبعض الفلاسفة، وقد خدعوا باسم فعل "الكون" أخذوا يضعون الكون المطلق الذي يمثله فعل الكينونة في مواجهة العوارض التي تعبر
عنها المسندات. وقد بني منطق بأسره على وجود فعل الكينونة وجودا حتميا بوصفه رباطا ضروريا بين طرفي الجملة أيا كانت، وبوصفه تعبيرا عن كل إثبات وأساسا لكل قضية. ولكل علم اللغة لم يعضد هذا التركيب المدرسي Soclastique، بل نقضه من أساسه. فغالبية اللغات تشهد بأن الجملة الفعلية لا شأن لها بفعل الكون وبأن هذا الفعل نفسه لم يتخذ مكان الرباط في الجملة الاسمية إلا في زمن متأخر.
الصورة المعتادة اللجملة الاسمية في الهندية الأوربية لا رباط فيها. وهي ما يسمى بالجملة الاسمية البتحتة. ففيها يوضع المسند إلى جانب المسند إليه لا أكثر ولا أقل، وقد تحدد موضع كل منهما بالنسبة لصاحبه بواسطة قوانين خاصة بكل لغة على حدتها. فالإغريقية تقول باطراد:"لأن الملك أكثر قوة""الإلياذة، 1 بيت 80"، و"آخرون قريبون مني" "الإلياذة: القسم الأول، بيت 174" دون ذكر فعل الكينونة، ومثلها الفارسية القديمة إذ تقول: mana pita viahtaspa منايتاقشتاسْبَ "أبي قشتاسبا" والسنكريتية تقول: tvam varunas varuna "إنت فارونا" وقد احتفظت الروسية بالجملة الأسمية البحتة فتقول zavtrak' gogov "الغداء حاضر" أو dom' nov' "البيت جديد" وصيغة الصفة هي عين صيغة المسند؛ ولكن عبارة "البيت الجديد" يمكن أن تقال أيضا هكذا dom' novy. وهذه المغايرة يدل عليها في الإرلندية القديمة بموضع الطرفين فيقال infer maith "الرجل الطيب" maith infer "الرجل طيب، وتعطينا الفرنسية فكرة عن ذلك إذا قارنا عبارة les marrons chaude "القسطل الساخن" بعبارة chauds leg marrons "ساخن القسطل"، وهذه المغايرة مطردة في الصينية فعبارة ta kouk "تاكووك" معناها "الدولة العظيمة" ولكن kuok كووك تا معناها "الدولة عظيمة".
معظم اللغات يعرف الجملة الاسمية البحتة، فهي في اللغات السامية والفينية الأجرية مطردة الاستعمال. فتقول العربية:"زيد عاقل"، كما تقول المجرية az eg kek
"السماء زرقاء"1. وانتشار الجملة الاسمية البحتة في الفينية الأجرية من الكثرة بدرجة جعلت من المستطاع أن يفسر بلغات هذه العائلة بقاء هذا النوع من الجملة في الروسية2. والجملة الاسمية البحتة هي القاعدة في لغات الأسرة البنتية كذلك3، فيقال في اللغة السواحلية مثلا Simab mui "سمبا مووي""الأسد مؤذ". والذي يشير إلى الخبر هنا هو نبر الشدة الذي يقع على المقطع mu مُو.
وفي بعض الأحيان يوضع ضمير بين الطرفين "المسند إليه والمسند" زيادة في بيان العلاقة بينهما مثل: mti u mkulu متى أو مكولو "الشجرة هي كبيرة"، وهذا هو السبب في أن الأهالي إذا تكلموا الفرنسية قالوا l'homme lui fort "الرجل هو قوي" بدلا من أن يقولوا I' homme est fort "الرجل يكون قويا".وهذا الضمير كثيرا ما يحل محله الضمير الثابت غير المحدد "i" الذي ينتهي بتركبه مع بعض العناصر الإشارية المختلفة إلى أن يصير فعلا رابطا في اللغة السواحلية حيث يقال: mti mi mkulu مْتِى مِي مْكُولُو "الشجرة تكون كبيرة".
هنا نجدنا أمام طريقة لتكوين الفعل الرابط. وهذا الرابط في اللغات الهندية الأوربية على العموم عبارة عن فعل قديم قائم بذاته وأفرغ من معناه الحقيقي "راجع حوالي منتصف الفصل الخامس". إما إدخال الرابط في الجملة الاسمية في الجملة الإسمية فيمكن تفسيره بسهولة، إذ أن هناك فكرة في الواقع لا يمكن التعبير عنها بمجرد وضع المسند والمسند إليه أحدهما بجانب آخر، وهي فكرة الزمن. عندئذ صار استعمال الفعل، وهو رامز الزمن، أمرا ضروريا. فالمجرية إذا أرادت أن تترجم le ciel etati blen "السماء كانت زرقاء" تضطر إلى أن تقول az eg kek vala فتستعمل الماضي غير التام من فعل الكون الذي يدل على معناه ويؤدي عمل الرابط في الوقت نفسه. ويستعمل هومير الفعل المستقبل
1 Szimonyei رقم 211، ص403.
2 جوتيو، رقم 6، مجلد 15، ص225.
3 ساكلو Sacleux، رقم 6، مجلد 15، ص152 وما يليها.
فإذا ما أدخل الرابط في الجملة الاسمية عندما تدعو الحاجة إلى إدخاله للتعبير عن الصفة أو عن الزمن، أمكن إدخاله فيها أيضا في بعض الأحيان حتى عندما لا يحتاج المعنى إليه. فالجملة الاسمية البحتة في اللاتينية مثلا تعتبر من المستثنيات، إذ أنها لا تخلو من الرابط deus bonus est auarus est home "الله يكون كريما والإنسان يكون شَرِها" وكذلك الحال في الفرنسية: les marrons sont chauds "القسطل "يكون" ساخنا" وفي الإنجليزية life is short "الحياة "تكون" قصيرة" وكذلك في الأرمينية وبعض اللغات السلافية غير الروسية
…
إلخ. ومن ثم ظن بعض النحاة أن الرابط عنصر أساسي في الجملة. ولكن تاريخ الكلمات نفسه يبرهن على فساد هذا الزعم. فالرابط في كل اللغات الهندية الأوروبية مأخوذ من أرومات فعلية بعدما ضعف معناها شيئا فشيئا. فالأرومة -es التي زودت الجملة الأسمية بالرابط منذ زمن قديم جدا تدل بمعناها الحقيقي على الوجود، على الحياة، واسم فاعلها sat يدل في السنسكريتية على كائن حقيقي وكلمة satyas المشتقة منه معناها "حق" ويمكننا أن نتتبع هذا العمل الانحلالي الذي أدى بفعل الوجود إلى أن يلعب دور الرابط.
هذا إلى أن هناك لغات كثيرة لم تكتف بالأرومة -es للقيام بهذا الدور1. فلدينا عدد لا بأس به من الإبدال التي يستعاض بها عن فعل الوجود في القيام بدور الرابط. ومن أكثر هذا الإبدال شيوعا فعل معناه الحقيقي "ينبت، ينمو" وقد احتفظ بهذا المعنى في الإغريقية
1 انظر ماروزو marouzeau، رقم 100، ص151، وكذلك المراجع المذكورة فيه.
وفي الإنجليزية القديمة leo معناه "أكون" مثل biu في الأرلندية، ومن هذه الأرومة اشتقت اللاتينية إحدى صيغ الماضي المسمى fuit: preterit "كنت"، كما اشتقت السلافية سلسة من صيغ فعل الكون "byti "أن يكون" bychu "كنت"، إلخ وكذلك استغلت أرومات أخرى غير هذه الأرومة؛ ففي الإغريقية yiyvouai قريب جدا من فعل الكون، مثل uersor "يوجد عادة" في اللاتينية، وكذلك stare "يستقر" في اللاتينية زودت الفرنسية بالماضي غير التام j' etais "كنت"، واشتقت الجرمانية من أصل معناه يقطن "في السنسكريتية vasati "يقطن"" جزءا من صيغ فعل الكون فيها "ich war" "كنت" gewesen "اسم المفعول من كان"". ولعل الأفعال التي يستعاض بها عن فعل الكون في الروسية أكثر تنوعا، فيقال فيها تبعا للمعنى الذي يراد إبرازه sidjet "أن يكون جالسا" lezet أن يكون راقدا"، stojat "أن يكون واقفا" sostojat "أن يكون مركبا" predstavljat'soboiu "يبدو كأن" إلخ1. ومع ذلك فليست الجمل التي تستعمل فيها هذه الأفعال إلا جملا شبه اسميه، لأن قيمة الرابط التي هي أساس استعماله في الواقع تمتزج بالمعاني الأصلية لهذه الأفعال. ولذلك كانت شديدة القرب من تلك الجمل الشائعة الاستعمال في اللغات القديمة والتى نرى فيها الصفة المسندة مصحوبة بفعل ما، مثال ذلك في اللاتينية ibant obscuri "هم يسيرون في الظلام"، وفي السلافية القديمة: pade nici "سقط على الأرض".
مثل هذه الجمل يمكن تسميتها بالجمل الاسمية الفعلية، لأنها تجمع بين خصائص هذين النوعين من الجمل اللذين قابلنا بينهما فيما سبق، فهي في الواقع جمل اسمية ولكن، ادخل فيها فعل، ويوجد على العكس من تلك، جمل فعلية اسمية، وهي الجمل التي يستعاض فيها عن الفعل بعبارة اسمية، مثل الأمثلة التي تقدم ذكرها في الفصل السابق "إنه يكون لي رأي" بدلا من "أرى"؛
1 بوبيه سيرنسكي Boyer-Speranski، رقم 53، ص249 وما يليها. مثل هذه الأبدالات شائعة أيضا في البولونيه.
وفي اللاتينية opus est mihi "إنه تكون لي حاجة" بدلا من egeo "أحتاج"؛ وبعض اللغات لها ميل خاص إلى استعمال الجمل الفعلية الاسمية. فنجد في طرف الميدان الهندي الأوربي مجموعتين من اللغات يشيع فيهما استعمال الجمل الفعلية الاسمية: وهي مجموعة اللغات الهندية من جهة ومجموعة اللغات الكلتية في إرلندة وبريطانيا العظمى من جهة أخرى.
نجد في السنسكريتية الكلاسيكية، بل ومن قبلها في اللغة المهابهاراتية mahabharata ميلا إلى الاستعاضة عن صيغ الفعل الشخصية باسم المفعول مصحوبا بصيغة من الرابط إذا اقتضى الحال، ويعتبر ذلك طغيانا من الجملة الاسمية على الجملة الفعلية أكثر مما يعد استعاضة بإحداهما عن الأخرى؛ لأن الفكرة التي يعبر عنها تظل هنا من الأفكار الخاصة بالفعل؛ إما حد أو حالة، ولا تكون صفة. هذه هي الحال عندما يقال KVA YOYAM USHITAS "بتنجالي""أين قطنتم؟ " باستعمال اسم الفاعل ushitas مرفوعا مجموعا بدلا من usha الذي هو الفعل مسندا إلى جمع المخاطب، وتزيد نسبة الجمل التي من هذا القبيل يوما بعد يوم، وتبلغ درجة كبيرة في السنسكريتية الكلاسيكية التي من أبرز صفات الاستعمال فيها استعمال اسمي الفاعل والمفعول، وقد ساعد الاتساع في استعمال هذه الجملة على الاستعاضة بالمبني للمجهول عن المبني للمعلوم في حالات كثيرة "انظر صفحة 141". فنجد في القطع النثرية من المهابهارتية جملا مثل: maya vrta upadhyavas "اخترت سيدا" والترجمة الحرفية "بي مختار سيد" tvaya paraddham "ارتكبت خطأ""حرفيا: بك مرتكب خطأ"، avabhyam apupo، dattas "نحن الاثنان أعطينا فطيرة" "حرفيا: بنا الاثنين فطيرة معطاة".
أما في الكلتية فالمصدر هو الذي توسع فيه على حساب الصيغ الشخصية. إذ تفضل الصيغة الاسمية على الصيغة الفعلية في تقديم الكلمات التي تعبر عن الحدث في الجملة، كما نرى في الجملة الآتية المأخوذة من غالية الماينوجيون:
gobeith yw gennyf، y neges yd eloch ymdanei، ychaffel
"أؤمل أنك ستربح الصفقة التي ستذهب للمفاوضة فيها" "حرفيا: أمل لي،
الصفقة التي ستذهب بصددها، ربحها". كذلك نرى في الإرلندية الحديثة في قصة رمويد ياد Diarmuid وجرين Grainne الشهيرة: cremd adhbhar na moicheirghe sin ort "لماذا استيقظت في هذه الساعة المبكرة؟ ""حرفيا: ما سبب هذا التبكير منك؟ " وكذلك: na biodh fios ar d-turais ag aon duine go teacht tar ats duinn aris "لا يعرفن أحد أننا في رحلة حتى نرجع""حرفيا: لا تكونن معرفة عن رحلتنا لأحد حتى رجوع لنا من جديد". والأسماء الفعلية في اللغة الكلتية تقترب من الأفعال إلى حد يجعلها تقبل اللواصق الفعلية التي تستعمل في التصريف للدلالة على الزمن، فمثلا لما كانت اللاصقة الفعلية ry تشير إلى الماضي، أمكن أن يقال في الغالية الوسطى: gwedy clybot yn rufein ry oresgyu o garawn ynys brydein "عندما علم في روما أن كارون قد فتح الجزيرة البريطانية""حرفيا: بعد معرفة في روما فتح كارون الجزيرة البريطانية".
يوجد من بين استعمالات الاسم والفعل استعمالات متقابلة تعبر عن صورتين مختلفتين من صور التفكير، ولكن منها أيضا استعمالات تسير جنبا لجنب وتنتهي بأن يختلط بعضها ببعض. هذه المنزلة بين المنزلتين تحتلها الجمل الاسمية الفعلية والفعلية الاسمية التي تكلمنا عنها. والعنصر الأساسي في هذه الجملة كلمة تشترك بين الفعلية والاسمية. فأحيانا تكون فعلا من فصيلة ما يسمى بالمبني للمجهول في الصينية "أنظر الصفحة الخامسة من هذا الفصل"، وأحيانا تكون اسما ذا صفة فعلية، اسما أو صفة تدل على الحدث، يعنى مصدرا أو اسم فاعل أو مفعول. ويربنا التقليد الجاري في السنسكريتية والكلتية، أنه يستطاع التعبير في بعض الحالات عن فكرة فعلية بواسطة الاسم، وذلك بفضل استعمال الأسماء الفعلية المشار إليها. هذا الاحتمال يعرفه كل من تصدى لترجمة نص إغريقي أو لاتيني. ونرى مدارسنا نعلم تلامذة البلاغة الفن الذي به يستطاع في بعض الأحيان الاستعاضة باسم عن فعل أو العكس، وذلك إما ابتغاء احترام ترتيب الكلمات في
النص القديم وإما لباعث من الجمال أو التناسق. لذلك يجدر بنا أن نختبر عن كتب قيم الأسماء الفعلية.
المصادر أسماء أحداث بمعنى الكلمة، ولكن أسماء الأحداث ليست كلها مصادر، إذ يوجد في معظم اللغات الهندية والأوروبية أسماء أحداث تبنى بواسطة لواحق تدل على أنها أسماء أحداث وهي على العموم تتصل مباشرة بأصل فعلي وتعتبر إلى حد ما جزءا من النظام الفعلي. وقد جعلتها صلتها الوثيقة بالفعل تحتفظ منه بأكثر من أثر. فنحن نعرف بماذا يتميز الاسم عن الفعل نحويا، وهو أن هذا يقبل معمولا منصوبا وذلك يقبل معمولا مجرورا. غير أن بعض اللغات تنصب معمول اسم الحدث. وقد احتفظت اللاتينية ببعض بقايا هذا الاستعمال إذ أننا نجد عند بلوت Plaute جملا مثل: quid tibi non atctio st? "ما مساسنا بك؟ " أو: quid tibi hanc rem curatio? "ما عناؤك من هذا؟ ".
كذلك ينتسب المشتق إلى فصيلة الأسماء بأعم معانيها في دلالته على الشخص المقصود بالحدث، أي الشخص الذي يوجد الحدث أو يقع الحدث منه أو عليه، حسبما يكون مبنيا للمعلوم أمبنيا للمجهول. وتسمى هذه الأسماء بأسماء الفاعلين، ولكن اسم الفاعل على العموم كالمصدر لا يشير بصيغته إلى الفرق بين المبني للمعلوم والمبني للمجهول "أنظر الصفحة السابقة". فاسم الفاعل يعمل أحيانا عمل الفعل في نصب المعمول. ففي اللاتينية: imitatus est eum "المحاكي إياه" مثله مثل: imitor eum "يقلده". وهذا العمل يمتد إلى مشتقات أخرى غير اسم الفاعل، فتقرأ لبلوت: Orator iusta "الطالب مطالب عادلة" ولا بد أن ذلك كان تركيبا شعبيا شائعا لأنه قد ظهر من جديد في عصور متأخرة: paccatorum ueniam promittor "الذي بعد بالغفران للمذنبين". ولكننا نجده في لغات أخرى أيضا، ففي السنسكريتية: data vasum "المعطى الطيبات" أو في الفارسية القديمة: ahuramazda thuvam daushta biya "فليحنك
أما الاسم الذي يعبر به عن نتيجة الحدث أو موضوعه، فإنه يخرج من اسم الحدث نفسه في غالب الأحيان. فالقطع coupure هو ما فعل القطع couper كما أن الرعي pature هو فعل المرعى paitre والحجاز bordure ما حدث من فعل الحجر ولكن كلمة coupure تستعمل أيضا للجرح الذي يحدثه الطفل في إصبعه بمبراته، أو بمعنى قطعة قصت من صحيفة، ويطلق لفظ pature على العلف أو الغذاء bordure على حافة الجزء الخارجي للثوب أو على رفعة أرض فيها خضرة. فمعظم أسماء الحدث في الفرنسية يمكن استعمالها أسماء اشياء. وهذه حقيقة نجد لها أمثلة في كل اللغات الهندية الأوربية.
تشتمل الفصائل التي استعرضناها على عدد كبير من الأسماء المشتركة. والواقع أن كثيرا من أسماء الاشياء المتداولة، بل ومن أسماء الحيوانات أصلها أسماء أحداث أو أسماء فاعل أو أسماء آلة ثم خصصت. فاسم الفاعل أو الصفة المشتقة من الفعل التي ليست إلا صورة أعم من اسم الفاعل قد قدمت عددا كبيرا
نجد في الجملة الاسمية المقابل الصحيح لما يكون عليه اسم الحدث في الجملة الفعلية: أعنى اسم الصفة المجرد. ولنأخذ الجملتين: أعبد الله والله رحيم، فالرحمة صفة أن يكون الموصوف" رحيما، والعبادة هي فعل أن نعبد. وإذن فالاسم المجرد يخرج بطبيعة الحال من الجملة الاسمية. وهناك حالات يقترب فيها الاسم المجرد من اسم الحدث أشد الاقتراب. وذلك مثلا عندما يتصل اسم الحدث بفعل يكون معناه أو غل في الانفعالية منه في الفاعلية. فالجمل الفعلية التي تشتمل على فعل من هذا القبيل تقترب من الجمل الفعلية الاسمية التي تكلمنا عنها في صفحة 168 أو تستطيع أن تستبدل بها. ففي الدنمركية مثلا نجد أن اسم الحدث الذي يلحق الفعل Elske "يحب" هو kjoerlighed "حنان" "صفة أن يكون الإنسان kjoerlig "حنونا". وفي الفرنسية نرى كلمة endurance "التحمل" اسم حدث واسما مجردا في نفس الوقت: فمن الجملة الفعلية: "بيير يتحمل الجوع" ويمكننا أن نأخذ: تحمل الجوع "=حدث التحمل"، في حين يمكننا أن نأخذ من الجملة الاسمية بيير متحمل: تحمل بيير. فالتحمل إذن صفة أن يكون الإنسان متحملا، كما أن الرجمة clemence أو الصبر patience صفتا أن يكون الإنسان رحيما أو صبورا.
يخرج الإنسان من فصيلة الأسماء المجردة "أسماء المعنى" إلى فصيلة الأسماء المشخصة "أسماء الذات". لأن الاسم المجرد كثيرا ما يستعمل بقيمة مشخصة. ذلك أن ما يعبر عنه اسم المعنى بقوة يظهر للعقل يسيرا عند تحققه في الواقع. لذلك كانت اللواحق التي تتميز بها الأسماء المجردة مثل Tut -أو tat- في اللاتينية و te في الفرنسية، و ung في الألمانية توجد أيضا في بعض الأسماء المشخصة.
فليس الانتقال من المجرد إلى المشخص في مثل هذه الحال غالبا إلا الاستعاضة بالصورة عن الفكرة وتتيسر تلك الاستعاضة عمليا باستعمال الجمع أحيانا وباستعمال الكلمة صفة أحيانا أخرى. فجمع virtus الفضيلة" مثلا يستعمل في الدلالة على الأعمال الفاضلة "بل تطلق الكلمة باستمرار في لغة الكنيسة على "المعجزات"، وجمع كلمة laus مجد" يستعمل للدلالة على "المدائح، الأفعال أو الأقوال المرضية، المجيدة "laudes. وكلمة مثل "السعة" largesse أو التفضل" cmoplaisance تثيران في الذهن أفكارا مجردة. ولكنها جمعهما largesses "سعات" و complaisances "تفضلات" يدل على معان ذاتية، على وقائع يتحقق بها التجريد في الواقع، واستعمال الجمع هو الذي يغير قيمة الكلمة هذا التغيير. أما استعمال الكلمة استعمال الصفة فليس أقل من ذلك تأثيرا، فالعذوبة "douceur" عبارة عن صفة ما هو عذب، ولكنها الشيء العذب أيضا عندما نقول: Ce remede est une douceur "هذا الدواء عذوبة". وكذلك الكلمات الألمانية Bescherung "حدث الإهداء، هدية" Schande "عار" تطلق على أشياء في الجمل التي من هذا القبيل: das ist eine schione Bescherung "هذه هدية جميلة" و dies verfahren ist eine schande fur eine familie "هذا المسلك عار من أسرة " أي أنه عمل يجلب العار"
…
إلخ.
والنتيجة الأخيرة لتطور كلمة مجردة نحو الذاتية هي أن يعمل منها صفة. ففي جمل من قبيل: هذا الرجل طبية خالصة، وهذه المرأة هي الفضيلة بعينها، نرى كلمة bonte "طيبة" وكلمة vertu فضيلة" تلعبان دور الصفة. ومن ثم نرى أن من الصفات أحيانا ما كان أصلها أسماء فيما سبق. فكلمة uber "خصب" في اللاتينية ليست إلا الاسم uber "الثدي" قد حول إلى صفة. هذا الاستعمال خرج من تراكيب مثل ager uber "حقل هو ثدي" أي أنه ينتج بغزارة وبغذي. وهنا ينحصر التجديد في أن الاسم يصرف التصريف المتعدد للصفة. فبدلا من أن يقال: agri ubera حيث الاسم الثاني وضع بدلا من الأول،
قيل: agri uberes. وذلك لأن الاتحاد الخادع في مثل: arua ubera قد مهد السبيل إلى هذا التجديد. بل قد تقابل أسماء مستعملة استعمال صفة التفضيل من الدرجة الأولى Comparatif أو من الدرجة الثانية superlatif، مع أن درجات التفضيل من اختصاص الصفات: ففي الألمانية الوسطى كلمة Scheder "أخسر" تفضيل من Schade "خسارة". والواقع أننا عندما نقول بالألمانية es ist Schade أو بالإنجليزية: it is a pity أو بالفرنسية: C'est dommage "هي خسارة" نحس ان الأسم وقد قام بدور الصفة يجب أن يكون في قدرته التعبير عن ذرجات التفضيل.
كون الاسم يستطيع أن يصير صفة بتلك السهولة يرينا أنه لا يوجد فرق جوهري بين هاتين الكلمتين. مما لا ريب فيه أنه يوجد بين "بيير طيب" و"الطيبة فضيلة" ذلك الفرق الذي ينحصر في أن "طيب" تعبر عن الصفة بعد أن سارت فردية وشخصت في كائن ما هو بيير، وأن الطيبة" عبارة عن الصفة نفسها تصورت تصورا تجريديا. ومع ذلك فإني عندما أقول "طيبة بيير كثيرة" فإني بإضافتي لكلمة طيبة قد حددت الفرد الذي يتصف بها ويصير معنى الجملة نفس المعنى في قولنا "بيير طيب بكثرة". فالفرق بينهما ينحصر في بنية الصورة الكلامي لا أكثر من ذلك.
لعلنا نفهم تعارض الاسم والصفة فهما أدق إذا قارنا جملتين تستعمل فيهما كلمة واحدة بعينها وفي ظيفتين مختلفتين1. فلنأخذ مثلا "الجرحى الألمان" و"الألمان الجرحى" أو "علماء صم" و"صم علماء". فليس من شك في أن الكلمات الأولى من هذه العبارات هي أسماء والكلمات التالية صفات. ذلك أنني إذا اعتبرت مجموع الجرحى فإنني أمير من بينهم طوائف من جنسيات مختلفة فأقوال الجرحى الألمان، الجرحى الفرنسيين، الجرحى الروس
…
إلخ. وإذا نظرت إلى مجموع الجنود الألمان، فإني أمير من بينهم طوائف من الموتى وطوائف من الجرحى وطوائف من المختفين وطوائف من السالمين الخ، فأقوال الألمان الجرحى،
1 جسبرسن: رقم 229، ص19.
الألمان الموتى، الألمان السالمون إلخ، وكثيرا ما يقال في التعبير عن هذا الفرق بأن الصفة أشمل مضمونا من الاسم. وهذا حق ولكن على شرط أن تضاف إليه العبارة التالية: في نظر المتكلم. إذ لا يعنينا في الحقيقة أن نعرف ما إذا كان عدد العلماء أكثر من عدد الصم أو أن عدد الصم أكثر من عدد العلماء، إذا كان عدد الجرحى أكثر من عدد الألمان أو عدد الألمان أكثر من عدد الجرحى، بل ما إذا كان المتكلم ينظر إلى فصيلة العلماء أم إلى فصيلة الصم، إلى مجموع الجرحى "في مستشفى مثلا" أم إلى مجموع الألمان "في كتيبة مثلا".
هذا الفرق في الشمول قد يوجد أيضا بين اسمين. فيقال من باب المعارضة: "الطفل الملك" أو "الملك الطفل"، فالكلمة الثانية في كل عبارة تقوم بدورو الصفة بالنسبة للأولى. إذ أن المتكلم ينظر في الحالة الأولى إلى فصيلة الأطفال أولا وقبل كل شيء وفي الثانية إلى فصيلة الملوك. فهما وجهتنا نظر مختلفتان.
وتستطيع الصفة بدورها أن تصيرا اسما. وهذا يحدث كلما اضيف الوصيف العام الذي يعبر عنه بالصفة إلى فرد خاص، أي كلمات صارت الصفة- وهي شائعة بطبيعتها- معرفة. وهذا الفرق على درجة من الأهمية جعلت معظم اللغات تدل عليه صرفيا. ففي السنسكريتية وفي الإغريقية القديمة يكتفي بالنبر
بالصفة لا يكون المعنى فقط أن هذا الشخص موصوف بالوقاحة ولكن سر هذه الصفة تتركز فيه، وهي التي تصنفه وتعينه. وذلك هو السبب في أن أسماء الأعلام التي أصلها صفات تستعمل بالتعريف، والمناديات من هذا القبيل أيضا، إذ ليس الذي يعنينا عندما ننادي أحدا أن نشير إلى أنه يملك هذه الصفة أو تلك بل أن نعينه فرديا بواسطة الصفة التي يمتلكها. وللصفة في الجرمانية كما في السلافية نوعان من التصريف وفقا لما إذا كانت منكرة أو معرفة، والصورة المعرفة هي التي تكون عليها الصفة، والقوطية مثلا في حالة المنادى مثل: atta whiha "أيها الأب المقدس"، brothrjus meinai liubans "يا إخواني الأعزاء". أما الفرنسية فتدل على التعريف بواسطة الأداة كما رأينا في الأمثلة السابقة وكما نرى في تعريف un monsieur impertinent "سيد وقح" إذ يقال monsieur l' impertinent "سيد الوقح" ولذلك يقال فيها أيضا: he le gros "هيه" السمين! "يعني أيها الضخم" أو le poilu أيها المشعر! يقال عادة للجندي"! l'enfle "المتورم"! "أيها المتورم". ومن ثم جاء استعمال الأداة في أسماء الأعلام من مثل: lebeau "الجميل" legrand "الكبير" و leroux "الأصهب".
ولما كانت الأداة في الفرنسية تعبر عن التعريف، فإن في استطاعتها أن تعطي القيمة الاسمية لأية عبارة لغوية، فيقال: un porquoi "لماذا واحدة" des si "بضعة إذا" و des msis "بضعة لكن"، بل قد يمكن لجملة أن تصير اسما، إذ إنه لو أعطيت صفة العمومية إلى الجملة الفعلية وتصورت تصورا مجردا، لأصبحت رمزا اسميا، فالطفل الذي يحضر قيام قطار يسمع القاطرة تصفر ويرى العربات تتحرك، فيلخص ما انطبع في ذهنه بقوله:"وُو وُو ينطلق" جامعا بين هذا الانطباع المزدوج وبين التحرك. وتلك جملة فعلية، ولكن الطفل يعمم ويطلق على القطار اسم "وُو-وُو ينطلق"، فالقطار عنده شيء ينطلق محدثا وُو وُو، وقد يقول بعد ذلك الوُو-وُو ينطلق غادر مكانه، أو الوُو-وُو ينطلق كان مزدحما أو طويلا أو محملا بالبضائع، إلخ، فيمكن عمل اسم من الجملة الفعلية
هكذا يبرز أمامنا تصنيف للأسماء تدخل فيه جميع الأسماء والصفات "بما في ذلك بطبيعة الحال الصيغ التي تستعمل أحوالا adverbes de manidre"،فعندنا
1 في مثل هذه التراكيب في اللغة الهنغارية انظر Szimonnei: رقم 211، ص244.
2 استوف: رقم 187؛ ف. مونييه: les composes suntactiques، باريس عام 1872.
من جهة أسماء الأحداث وأسماء الفاعلين "والمفعولين" التي تحددها الجملة الفعلية والتي تشتق منها أسماء الآلة وأسماء الأشياء. ومن جهة أخرى عندنا في وضع مواز لهذه الأسماء المتقدمة أسماء الصفة مجردة كانت أو مشخصة "أسماء وصفات" كما تحددها الجملة الاسمية، وهي أيضا تمدنا بعدد كبير من أسماء الأشياء. كذلك قد أشرنا إلى وسيلة لتصنيف الأفعال أيضا وفقا لصفة الفعل المدلول عليها بالصيغة "إشارية أو أمرية أو تبعية "استقبالية أو شرطية"". والأسماء والصفات تمثل عناصر اللغة الحية وذلك في مقابلة الأدوات النحوية "من حروف جر وحروف وصل وأدوات وضمائر". فترى أنه لا يستحيل تصنيف الكلمات تصنيفا عاما يقوم على خطة يبررها المنطق ولا يناقضها نحو اللغات الهامة. فأنواع الكلمة المختلفة التي تكلمنا عنها تتميز غالبا في كل لغة بدوال نسبة خاصة.
ولكن هذا التصنيف المنطقي ليس التصنيف الوحيد الذي تسمح به كلمات لغة من اللغات. فيمكننا أيضا أن نتصور تصنيفا سيكولوجيا لا يقوم فقط على طبيعة الدلالات المشتملة عليها الكلمات بل أيضا على مقدار الأهمية التي يعلقها العقل على هذه الدلالات1. والجانب السيكولوجي يعادل في غالب الأحيان الجانب المنطقي، وبانطباقهما على هذا النحو يوضح كل منهما الآخر. ولكن الأول أكثر تنوعا من الثاني في بعض الأحيان ويشتمل على فصائل لا يعني بها المنطق. هذا إلى أنه يمتاز بقبوله للإثبات التجريبي. إذ الواقع أن علماء النفس بدراستهم لظواهر الذاكرة يستطيعون أن يقيسوا كيفية "ارتباط" الكلمات بالمخ. ويمكن أن يستخلص من نتائج هذه الدراسة تصنيف للكلمات على حسب السرعة التي بها تمحى الألفاظ من الذاكرة.
توجد وسيلة يسيرة لمعرفة الأهمية النسبية لعناصر جملة من الجمل. وذلك أن تقرأ هذه الجملة على عدة أشخاص مختلفين وأن تطلب إليهم أي الكلمات قرعت أذهانهم أكثر من غيرها وقبل غيرها، فنجد الأجوبة على العموم واحدة لا تتغير،
1 انظر فان جنيكن: رقم 77، ص62 وما يليها، مع ما يذكره اقتباسا عن يمينه BYMET.
وذلك أن الكلمات الحقيقية تقرع الذهن أكثر من دوال النسب، والأسماء أكثر من الأفعال، والأسماء المشخصة أكثر من الأسماء المجردة، فالكلمات التي تقرع الذهن أكثر من غيرها التي توقظ على الفور صورة بصرية ولا سيما أسماء الأعلام التي تطلق على أشخاص أو أماكن "على شرط أن يكون السامع عارفا لها". قل لإنسان مثلا:"أنا ذاهب إلى فلان" أو "لم أستطع أن أذهب إلى فلان" أو "ربما ذهبت إلى فلان"، فأول صورة تمثل أمام الذهن وبشكل طبيعي في هذه الأحوال الثلاث، هي صورة تلك المدنية الصغيرة في عشها السندسي، تتدرج سقوفها الشهباء على سفوح التل. ويرى عقود الجسر الحجري تحلق على السين، وعلى ضفتيه يرى ستارا من أشجار الحور العالمية أو يلمح المنارة الشاهقة التي تسيطر على المدينة أو ذلك المنزل الذي يألفه في أحد أحيائها العتيقة. والرؤيا هنا فورية تلقائية. وبعد ذلك كله تمثل في الذهن فكرة الرحلة والتفكير فيما إذا كانت تتم أو لا تتم. فالنفي ككل ما يدل على النسبة مجردة من كل قيمة شعرية.
هذه الحقيقة لها نتائجها عند استعمال اللغة استعمالا جماليا، ومن الكتاب من لم ينتبعوا لها فوقعوا في أخطاء حقيقية فيما يختص بموسيقي الكلام، إذ لا يكفي لجعل القاريء يحس بأثر عكسي لانطباع ما، أن نلصق النفي بالكلمات التي تعبر عن هذا الانطباع. لأننا بذلك لا نقضي على الانطباع الذي نريد تجنبه، بل تثير الصورة التي نظن أننا قد أبعدناها. أراد أحد شعرائنا المعاصرين أن يصف حديقة تثقلها وطأة الشمس في ظهيرة يوم قائظ من أيام الصيف فقال:
D'ENTRE LES rameaux que meut nul essor
D'ailes et que pas une brise ne balance،
dardent de grands rayons comme des glaives d'or
"من بين الغصون التي لا تحرك خفقة واحدة من جناح".
"ولا تميل بها نفحة واحدة من رياح".
"تنبعث أشعة كبيرة كأنها سهام من ذهب".
فهذه الأبيات جديرة بأن تعطينا صورة صادقة لخفقان أجنحة الطائر.
أو لسريان النسيم، وليس في مقدور النفي الذي يستعمله الشاعر أن يقصي هذه الصورة من ذهن القارئ.
وكان دي هيرديا de Heredia أكثر توفيقا حين قال في بيت واحد:
Tout dort sous les grands bois accables de soleil.
"كل شيء نائم في هذه الغابات الشاسعة التي ناءت تحت الشمس".
والدالة النحوية شيء آخر غير تلك التي يصح أن نسميها دالة التعبير.
يمكننا أن نتصور دون عناء إقامة نوع من الترتيب التدريجي للكلمات وفقا لقيمتها الشعرية، يكون طرفه الأول اسم العلم الذي يستحضر في الذهن شخصا أو مكانا وطرفه الثاني دال النسبة الذي هو أداة نحوية بسيطة كحرف الجر أو أداة التعريف أو النفي، وبينهما يوجد كل هذا البعد الذي يفصل بين المشخص والتجريدي، وهذه المسافة تتضمن جميع المفردات. ونحن نعلم أن اختفاء الكلمات من الذاكرة يحدث في أثناء الانتقال من المشخص إلى المجرد وكان ت. ريبو Th. Ribot قد رتب اختفاء الكلمات من الذاكرة على هذا النحو: أولا أسماء الأعلام، ثم الأسماء المشتركة، ثم الصفات، ثم الأفعال، ولعل هذا الترتيب يحتاج إلى تعديل، لأن من خطئه أنه يقوم على التصنيف النحوي المعتاد. فبعض الأسماء المشتركة، بل وبعض الصفات تبلغ درجة من التشخيص تساوي درجة أسماء الأعلام، والقيمة التجريدية أو التشخيصية للأسماء يمكن أن تختلف باختلاف الأفراد، وتختلف كذلك باختلاف اللغات، فالفعل في اللغات القديمة بل وفي الفرنسية بصورتها الحاضرة يمثل دائما محملا بدوال النسبة التي تسلكه، إن قليلا وإن كثيرا، في فصيلة الكلمات المجردة، ومع ذلك فمن الأفعال ما يرسم صورة على نحو ما تفعله الأسماء تماما، وإن كان منها ما يخلو من كل قيمة مرئية.
مما لا جدال فيه أن أسماء الأعلام بوجه عام هي أول ما ننساه، ونفقد الأسماء المشخصة "التي ليست في الغالب إلا أسماء أعلام" بأسرع مما تفقد الأسماء التجريدية أو الصفات. والمصدر في الأفعال يبقى حيا بعد موت الفعل الإخباري أما أكثر العناصر ثبوتا في الذهن فهي الأدوات النحوية. وبالاختصار نرى
التجريدي أكثر بقاء من المشخص. ولعله يمكن تفسير ذلك بأن التجريدي ينفذ إلى المخ بعد مجهود عقلي ويتطلب من الذهن تركزا، أما المشخص فليس إلا انعكاس الأشياء في مرآة الشعور، وهكذا نرانا ننسى الكلمات المشخصة بأسرع من غيرها، مع أن الكلمة المشخصة في جملة من الجمل توقظ صورا أسرع مبادرة إلى ذهننا مما تفعل الكلمات المجردة. ولعل دقة تحدد الصورة يحمل الإنسان على ألا يتعلق بالإسم الذي يعبر عنها إلا قليلا.
توزيع أقسام الكلم الذي قد يقام على هذه القاعدة يختلف اختلافا كليا عن التوزيع المعتاد. إذ فيه تجمع الأفعال والصفات والأسماء بل وحروف الجر والظروف معا وفقا لنهج جديد. فيجب أن نعتر كلمة plein "ملء" حرف جر في مثل: plein la rue "ملء الشارع" و plein les cheveux "ملء الشعر"، ولكن حرف الجر هذا أقل تجريدية من a ""إلى أوب"" في مثل: a lr rue "aller"""الذهاب" إلى الشارع" أو "prendre" aux cheveux"""الإمساك" بالشعر". ويظهر أننا حتى الآن لم نتجه جديا إلى فكرة التصنيف على هذا النحو؛ فنكتفي هنا بالإشارة إلى إمكانها ووجاهتها. لأن في الوقوف عندها أكثر مما فعلنا اعتداء على ميدان المفردات الذي خصص له جزء على حدته من هذا الكتاب، وكذلك على ميدان اللغة الانفعالية الذي أفردنا له الفصل التالي.