المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: المادة الصوتية - اللغة

[جوزيف فندريس]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المقدمات:

- ‌تصدير: اللغة وأداة التفكير

- ‌مقدمة:

- ‌الجزء الأول: الأصوات

- ‌الفصل الأول: المادة الصوتية

- ‌الفصل الثاني: النظام الصوتي وتغييراته

- ‌الفصل الثالث: الكلمة الصوتية والصورة اللفظية

- ‌الجزء الثاني: النحو

- ‌الفصل الأول: الكلمات والأصوات

- ‌الفصل الثاني: الفصائل النحوية

- ‌الفصل الرابع: اللغة الانفعالية

- ‌الجزء الثالث: المفردات

- ‌الفصل الثاني: كيف تغير الكلمات معانيها

- ‌الفصل الثالث: كيف تغير الأفكار أسماءها

- ‌الجزء الرابع: تكون اللغات

- ‌الفصل الأول: اللغة والغات

- ‌الفصل الثاني: اللهجات واللغات الخاصة

- ‌الفصل الثالث: اللغات المشتركة

- ‌الفصل الرابع: احتكاك اللغات واختلاطها

- ‌الفصل الخامس: القرابة اللغوية، والمنهج المقارن

- ‌الجزء الخامس: الكتابة

- ‌الفصل الأول: أصل الكتابة وتطورها

- ‌الفصل الثاني: اللغة المكتوبة والرسم

- ‌خاتمة: تقدم اللغة

- ‌المراجع

- ‌أولا: المجلات

- ‌ثانيا: الكتب

- ‌الملاحق:

- ‌الملحق الأول:

- ‌الملحق الثاني:

- ‌الملحق الثالث:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌الفصل الأول: المادة الصوتية

‌الجزء الأول: الأصوات

‌الفصل الأول: المادة الصوتية

1

إن ما يسمى صوتا هو الأثر الواقع على الأذن من بعض حركات ذبذبية للهواء. والذبذبات في اللغة يحدثها الجهاز الصوتي للمتكلم. والعلم الذي يبحث في الأصوات، أو بعبارة أخرى علم الصوتيات، يجب أن يشتمل على ثلاثة أجزاء. الجزء الخاص بإنتاج الصوت والجزء الخاص بانتقاله، والجزء الخاص باستقباله فالإنتاج والاستقبال ظاهرتان متساويتا الأهمية في اللغة إذ أنه يجب لتكون هناك لغة، أن يوجد متحادثان على الأقل وأن يوجد الكلام مقصودا به أن يسمع. هذا إلى أن استقبال الصوت، أو بعبارة أخرى السماع يلعب دورا هاما في انقلابات اللغة، فمن طريق الأذن يحصل كل متكلم نظامه الصوتي ويثبته. فمن الوجهة النظرية لا يمكن أن يستكثر على السماع أي مكان، مهما كبر، يخصص له في دراسة اللغة.

ومع ذلك فالواقع أن علم الصوتيات قد حصر مجهوده زمنا طويلا في دراسة إنتاج الصوت.

علماء اللغة لا يكادون يشتغلون بالسماع، بل يتركون دراسته إلى علماء وظائف الأعضاء. وهذا التحديد له ما يبرره ففيما يخص اللغة لا يكون للصور السمعية لسامع قيمة إلا إذا كان هذا الأخير جديرا بتحويلها إلى صور محركة ليصير بدوره

1 راجع بصفة عامة مؤلفات رسلو Rousselot وروديه Roudet وبوارو poirot وباسيه passy وسويت sweet وجسبرسن وا. هيلر سكريتير E. wheeler Scripture وفيتور Vietor وجوتزمان Gutzmann وسيفرز Sievers وتروتمان Trautmann.

ص: 43

متكلما. وبعبارة أخرى يجب أن يكون السامع حائزا بالقوة على ما يحققه المتكلم بالفعل. على هذا الشرط يتوقف وجود الكلام. ويترتب على ذلك أنه يمكن إسقاط الجزء السمعي من اللغة في دراسة الصوتيات ما دام السماع يفترض وجود قوة مساوية من إحداث الصوت عندما يتكلم شخصان لغة واحدة فيما بينهما. فليس هناك في الواقع إلا وجهان من وظيفة واحدة، وحدودها واحدة. نعم أغلب الظن أن تحليل المراكز العصبية يسمح بالتمييز بينهما، ولكن هذا التحليل ليس من اختصاص علم الصوتيات.

يظهر أن انتقال الصوت يكون في أيامنا هذه الموضوع الأساسي من دراسة علماء الصوتيات1، فالواقع أنهم أميل إلى الاشتغال بالتموجات، ذلك الميدان الشاسع من البحوث الذي يجنح نحو علم الطبيعة البحتة ولا يمكن الاقتراب منه دون تحضير رياضي متين. ومن هنا اكتسب علم الصوتيات دقة غريبة، فقد أصبحت لديه الوسيلة لتحديد الأصوات بعدد الذبذبات التي تحددها صورها، أما نحن فسنقف هنا عند عادات المدرسة القديمة فنقتصر على دراسة إنتاج الصوت، أعنى التصويت phonation، وعلى وصف نتائج التصويت، يعني "الأصوات".

يشتمل جهاز الإنسان الصوتي على الأجزاء الرئيسية الآتية: منفاخ، هو الرئتان، وقناة صوتية هي القصبة الهوائية، وهي مغلقة من طرفها الأعلى بواسطة تضخم مزدوج، وهو ما يسمي بالأوتار الصوتية، أو فتحة الحنجرة Glotte بالاختصار، فهو آلة هوائية، آلة ذات مبسم مزدوج. ويبدو من نظام الحنجرة سمو الجهاز الإنساني على جميع الآلات الأخرى. والأوتار الصوتية على جانب من المرونة لا يصل إليها مبسم المزمار الموسيقي الذي هو صلب بالضرورة. وتستطيع هذه الأوتار، بفضل نظام للحركات لطيف التدبير يدبر عدة أزواج من العضلات، أن تأخذ أوضاعا مختلفة. فيمكن إبقاؤها مغلقة أو فتحها فتحا تاما أو شبه تام

1 انظر خاصة رسلو رقم 115 وبوارو رقم 191.

ص: 44

وجعلها تذبذب كلا أو جزءا والتعديل من مقدار توترها. ومن هنا تنتج تنوعات المصادر التي يغترف منها التكلم.

ومع ذلك فإن هذا الجهاز الصوتي يكون ناقصا لو أنه كان مكونا من الحنجرة وحدها، وما كان يستطيع في هذه الحال أن يسمع إلا الحركات ويسمعها على درجة من التخالف أقل بكثير مما ننطقها به عادة.

الواقع أن التيار الهوائي الذي تدفعه الرئتان يحدث الصوت بذبذبة للأوتار الوصتية. ولما كانت الذبذبات تستطيع الاستمرار بقدر ما تسمح به كمية الهواء المختزنة1 وكان يمكنها من جهة أخرى تغيير الصوت من حيث الإشباع Amplitude والقوة Force، كان للصوت إذن ثلاث صفات مميزة وهي: الطول Dureee والحدة الموسيقية Hauteur Musicale والشدة intensite كما أنه يختلف هو نفسه تبعا للحركات، من حيث أن حركة العضلات تسمح بارتفاع فتحة الحنجرة وانخفاضها بحيث تطيل القناة الصوتية أو تقصرها.

ولكن التكملة اللازمة للجهاز الصوتي تأتيه من التجاويف التي تفتح عليها الحنجرة، أعني تجاويف الحلق pharynx والحفر الأنفية وخاصة تجويف الفم. وجوانب هذه التجاويف جميعها، وهي مطاطة إلى حد كبير، تقوم للصوت مقام فراغ زينني فتخلع عن كل صوت طابعه الخاص. ويوجد في هذا التجويف الرنان أعضاء مرنة قابلة للسحب تستطيع أن تعدل أبعاده وتغير من طاقتهن فعندنا أولا غشاء سقف الحلق ويستطيع أن يغلق الطريق المؤدي إلى الحفر الأنفية فيمنع حدوث أي رنين من هذه الناحية، ولكن اللسان بوجه خاص هو الذي يلعب مع الحنجرة الدور الرئيسي في التصويت. فعند إصدار الحركة "a" أي الفتحة يكون اللسان على وجه التقريب مسجي في الفم في وضع مسطح، ولكن عندما يدور الأمر من حول حركات أخرى، يغير اللسان من وضعه ليكون الرنين المناسب لكل منها. فتارة يتقدم إلى الأمام ويرتفع ليقلل من سعة الجزء الخلفي من الفم،

1 Roudet؛ De la depense d'air dans la parole et de ses Consequences phonetiques رقم 7 المجلد 2 عام 1900 ص201-230.

ص: 45

وتارة يرجع إلى الخلف مقللا من سعة الجزء الأمامي. في الحالة الأولى يصير اللسان عامل الرنين للحركات المسماة بالحركات الخلفية أو حركات أقصى الحنك وهي، ابتداء من a؛ e مفتوحة و e مقفولة و i مفتوحة و i مقفولة. وفي الحالة الثانية تنتج الحركات المسماة بالحركات الأمامية أو حركات مقدم الجنك. أعني، ابتداء من a أيضا o المفتوحة و o المقفولة و u المفتوحة و u المقفولة1. في كل واحدة من السلسلتين، الخلفية والأمامية، نرى أن الـi والـu هما أكثر الحركات انفتاحا، وهما الحركتان اللتان فيهما يصل وضع اللسان إلى أقصى حد في الارتفاع، أي إلى أقرب وضع من غشاء الحنك. أما الـa فهي أكثر الحركات انفتاحا. هذا إلى أنه يوجد لكل حركة أنواع مختلفة الطابع تقابل عوامل الرنين المتباينة وتتبع أوضاع اللسان المتنوعة. فالـa في فرنسية باريس تنطق على صور ثلاث من اليسير على الأذن أن تفرق بينها: فنحن ننطق a مقفولة في pate و a مفتوحة في patte ومتوسطة في Corotie.

ليس اللسان وحده هو الذي يلعب دور تكوين عامل الرنين الخاص بكل حركة إذ لا ينبغي أن ننسى الشفتين اللتين يختلف وضعهما مع كل حركة. وهناك منظر مشهور من مناظر مسرحية موليير "النبيل البرجوازي". "Bourgeois Gantilhomme" يعلمنا في شيء كثير من الدقة أوضاع الشفتين عند إصدار الحركات. وفقرة لديني داليكرناس Denys d'Halicarnasse ترينا كيف كان الإغريق يعرفون في هذا الصدد بقدر ما عرف معاصرو موليير، وإن لم يكن الإغريق من المبرزين في الصوتيات. والواقع أنه يلاحظ أن الشفتين، عند ما تنطق بالـu تمتدان إلى الأمام وتستديران كما في حالة "التبويز"، وعند نطق الـi تنفرج زاويتا الشفتين لترجعا بهما إلى الوراء. هذان هما الوضعان المتطرفان، وبينهما أوضاع تقابل نطق الـo "مفتوحة أو مقفولة" والـe "مفتوحة أو مقفولة". وقد استفادت اللغة من وجود الأوضاع الشفوية

1 يرسم هنا "U" على حسب المتبع في الصوتيات، ما يكتب بالفرنسية "ou" أي الضمة الصريحة.

ص: 46

والأوضاع اللسانية معا لخلق سلسلة مركبة منهما، هي سلسلة الـeu. فتركيب الوضع الذي يتخذه اللسان في نطق الحركات الخلقية "i، e، e"، وبالوضع الذي تتخذه الشفتان في الحركات الأمامية "u، o، o"، يمكن إلى حد يكون مضبوطان من النطق بالأصوات الفرنسية الثلاثة eu مفتوحة في "beurre" و eu مقفولة في "queue"، و u في "flute"، وهذه الأخيرة ترسم في الكتابة الصوتية على العموم u.

وتختلف أنواع الحركات من لغة إلى أخرى اختلافا كبيرا، فالإنجليزية مثلا لا يكاد يكون فيها حركة واحدة تشترك فيها مع الفرنسية.

تقسم الأصوات عادة إلى سواكن وحركات. هذا التفريق يمكن تبريرة من الوجهة العملية بتعريف المقطع "انظر الصفحة الرابعة من الفصل الثالث"، ومع ذلك فإن نفس الأصوات يمكن أن تلعب في المقطع دور الساكن أو دور الحركة على السواء وإذا كان بين الاثنين فرق في الوظيفة، فليس بينهما في الواقع أي فرق في الطبعية، والحد الذي يفرق بينهما ليس حدا فاصلا. فالسواكن والحركات تكون جزءا "من سلسلة طبيعية ولا يتضح الفرق بين عراها بجلاء في طرفيها".

في أحد طرفي السلسلة توجد الحركات a أو e أو o على نحو ما عرفناها، وفي الطرف الآخر توجد السواكن الانفجارية p و t و k. هذه السواكن ليست إلا نوعا من الضوضاء؛ وتقوم على أن الهواء يتوقف مؤقتا بفعل عقبة تصادفه لدى عبوره. والعقبة توجد في الفم على وجه العموم، وتكونها الشفتان أحيانا وطرف اللسان تارة وظهر اللسان تارة أخرى، ففي الحالة الأولى يكون الانفجار شفويا وفي الثانية أسنانيا وفي الثالثة حلقيا. ولكن هناك من الانفجارات أيضا ما تكون نقطة نطقه في أقصى الفم: وهي أصوات من وسط الحلق أو من أدناه أو من أقصاه.

ولما كان إغلاق الفم يقع في نقطة انطباق واحدة لا تتغير، لم يكن هناك

ص: 47

انغلاقي شفوي إلا واحد فقط صامت، ومن ثم كانت الباء p من حيث نقطة الإغلاق واحدة في كل اللغات إذا استثنينا الاختلافات في القوة. أما طرف اللسان فتحرك على العكس من ذلك، وظهر اللسان يستطيع أن يتنقل على طول امتداد الحنك الصلب والحنك الرخو. فهناك إذا مواضع تماس متنوعة، ويمكن أن تتصور، تبعا لنقطة الإغلاق، عدة أنواع من الأسنانية والحلقية. وفي غالب الأحيان ينطبق طرف اللسان على الأسنان العليا، ولذلك يسمى الساكن الذي ينتج على هذا النحو أسنانيا، كما هي حال التاء العربية و"t" الفرنسية. ولكنه يستطيع أن يرتكز أيضا على أصول الأسنان، كما هي الحال بالنسبة للأسناني الإنجليزي "t" في take وفي tire الذي هو من أصول الأسنان. وأخيرا يمكنه بشيء من التقلص أن يمس سقف الحنك، فنحصل على ما يسميه بعض علماء اللغة بالقمية Cacumiales أو المخية Gerebrales وما هي إلا فروع من الأسنانية كتلك التي تخرج من أصول الأسنان.

أما ما نسميها بالحلقية فإنها تتضمن فروعا أكثر من تلك عددا، إذ يكفي أن تمس أي نقطة من ظهر اللسان أي نقطة من سقف الحنك حتى نحصل على صوت حلقي. فإذا حصل الانفجار على جزء الحنك الصلب، حصلنا على واحد من أدنى الحنك "الكاف k في الكلمة الفرنسية qui"، وإذا وقع على الحنك الرخو في اتجاه الغشاء الحنكي حصلنا على واحد من أقصى الحنك كالكاف k الألمانية في kuh. وأصوات أقصى الحنك وأدنى الحنك تشمل عدة فروع، فيمكننا أن نميز مثلا بين الأصوات الحنكية الأمامية والحنكية الخلفية، بحسب ما إذا كانت نقطة التماس متقدمة قليلا أو كثيرا بالنسبة للحنك الصلب.

بعد أن عرفنا نقطة التماس على هذا النحو، لنبحث الآن آلية الانفجار. يطرد الهواء من الرئتين، فيعبر الحنجرة وهي مفتوحة ساكنة، وينفذ إلى التجويف الحنكي حيث يوقف فجأة عند الشفتين أو عند الأسنان أو في الحنك على النحو الذي وصفناه. ثم فجأة يكف التماس، ويستطيع الهواء أن يستمر في مسيرة نحو الخروج. ففي كل ساكن انفجاري إذن ثلاث خطوات متميزة:

ص: 48

الإغلاق أو الحبس، والإمساك الذي قد يكون طويل المدى أو قصيره والفتح أو الانفجار1 عند إصدار ساكن بسيط مثل التاء t فإن الانفجار يتبع الحبس مباشرة، والإمساك يضؤل إلى مدى لا يكاد يحس. وعلى العكس من ذلك، تظهر الخطوات الثلاث بوضوح فيما يسمى بالسواكن المضعفة، وهي ليست إلا سواكن طويلة، كما أنها تنطق بقوة أشد مما في حالة القصيرة. فإذا تركنا مسألة الشدة جانبا وجدنا أن مجموعة مثل "atta أتا" تتميز عن المجموعة "ata أتا" بوجود مسافة بين الحبس والانفجار يمكن للأذن أن تقدرها. ومن الخطأ أن يقال بأنه يوجد ساكنان في أتا atta وساكن واحد في ata أتا، فالعناصر المحصورة بين الحركتين في كلتا المجموعتين واحدة: عنصر انحباسي يتبعه عنصر انفجاري. ولكن بينما نجد العنصر الانحباسي في ata يتبعه العنصر الانفجاري مباشرة، نجده في atta ينفصل عنه بإمساك يطيل مدى الإغلاق.

الفرق بين عنصري الانحباس والانفجار يكون محسوسا عندما يكون هناك انتقال في نقطة التماس. لنتصور أن طرف اللسان اعتمد على الأسنان في لحظة مرور الهواء، ولكن ظهر اللسان انطبق فجأة -بعد أن تم الإغلاق- على الحنك ليحصل الفتح وهو في هذا الوضع، في هذا الحال نحصل على تاء t انحباسية وكاف k انفجارية أي على المجموعة tk تك، في atka مثلا. وبالعكس إذا حصل تماس أولا بظهر اللسان واعتمد طرف اللسان على الأسنان في أثناء الانفجار، فإننا نحصل على كاف k انحباسية تتبعها t انفجارية كما في المجموعة أكتا akta.

ويمكننا مما سبق، أن نحكم على الفرق الذي يفصل بين حركة مثل الفتحة a وبين ساكن مثل التاء t. من جهة وظائف الأعضاء، لا يوجد اشتراك بين هذين الصوتين إلا في كونهما ناتجين من هواء مدفوع من الرئتين. غير أنه يوجد بين هذين الطرفين من سلسلة الأصوات مكان لكثير من الأصوات الوسطى.

1روزابلي valeur relative de limplsion et de l'explosion: Rosapelly dans le consonnes occlusives رقم 6 مجلد 10، ص327-363.

ص: 49

لنتصور أولا أن الإغلاق غير محكم وأنه يسمح للهواء بمنفذ مهما كان ضيقا، فبدلا من أن نحصل على انفجاري أي موقت فإننا نحصل على رخو أو احتكاكي spirante الذي يسمى أيضا احتكاكيا Fricative لأنه يتميز بضوضاء احتكاك. لم يعد الأمر هنا يدور حول الباب المغلق الذي يفتح فجأة ليسمح للهواء المختزن بالمرور، بل هو الباب الذي يظل على معارضته ويسمح للهواء بالصفير.

وبالطبع تسمح الاحتكاكيات بجميع نقط النطق التي للانفجارية، ففي كل نقطة من نقط التماس التي تنتج فيها هذه الأخيرة يمكننا أن نتصور انغلاقيا مقابلا طالما تدع الشفتان أو طرف اللسان أو ظهره منفذا لتسرب الهواء. وهناك انغلاقية أسنانية شفوية "الفاء f الفرنسية" وأسنانية "السين s الفرنسية" ومن أصول الأسنان "الثاء الإنجليزية th في thick و Thank" وحنكية مثل "ch الألمانية في ich" ومن وسط الحنك Medio-palatale "الشين Ch الفرنسية في Cheval" ومن أقصى الحنك Velaire "مثل الخاء ch الألمانية Buch"، مع كل الفروع التي تحتملها الاختلافات في الوضع. وهناك أيضا في أقصى التجويف الحنكي احتكاكيات أو حلقية أو من أدنى الحلق أو من الحنجرة مثل العين العربية.

وتوجد سلسلة من الأصوات اللغوية المتوسطة بين الانفجارية والاحتكاكية، وهي ما تسمى شبة الانفجارية semi-occlusives أو بعبارة أوضح الانفجارية الاحتكاكية affriquees وتتميز بالإغلاق الذي لا يستمر إحكامه. وفيها كما في الانفجارية حبس، ولكن هذا الحبس تتبعه حركة خفيفة من الفتح، بحال يجعل الانفجاري ينتهي بالاحتكاكي. فالانفجاري الاحتكاكي affriquee انفجاري فاشل. بعض اللغات يكثر من استعمال الانفجارية الاحتكاكية، ويمكن رسمها صوتيا هكذا بف pf وت ts ك kch وقد بقي هذان الأخيران في لهجات ألمانية الجنوبية زمنا طويلا، ويمكن حتى الآن أن نسمع بوضوح الـ"ك" kch في الألمانية المتكلمة في بفاريا وسويسرا.

وإننا مع الانفجارية الاحتكاكية، بل حتى مع الاحتكاكية، ما زلنا بعيدين

ص: 50

جدا عن الحركات. ومع ذلك فإنه لما كانت احتكاكية والحركات تشتركان في المدة، كانت المسافة بينهما أقرب من المسافة التي بين الحركات وبين الانفجارية، إذ يمكننا إطالة الفاء F والسين s والشين ch كما نشاء على قدر ما تسمح به الرئتان. ولكن هناك وسيلة لتقريب ما بين الحركات وبين الانفجاريات أو الاحتكاكيات أو الاحتكاكيات الانفجاريات: وذلك بأن نمدها بالرنين.

لقد افترضنا حتى هنا بقاء الشفتين والحنجرة في حالة سكون عند إصدار الساكن. لذلك لم نحصل إلا على سواكن صامتة يعنى مجردة من الصوت "Voix""stimmlos، unvoiced كما يقول الإنجليز والألمان". ولكن لندع. الأوتار الصوتية تتذبذب كما تفعل في الواقع، لكي نزود الحركات بالصوت فعندئذ نحصل على سواكن مجهورة "stiminhaft، voiced". فالفرق الذي يميز المجهورة من المهموسة أنه عند إصدار الأولى تكون الأوتار في حالة ذبذبة، مع التساوي في غير ذلك من الأشياء. ونحس هذا الفرق بكل يسر عندما ننطق على التتالي الانفجارات p "ب" و b "ب" أو t "ت" و d "د" أو k "ك" g "ج" أو -وذلك أحسن دلالة- الاحتكاكيات "ف" f و V "ف" أو "س" s، و"ز" z أو ش ch و"ج" J. وإذا راعى الإنسان أن يسد أذنيه، عند النطق، فإنه عندما يصل إلى المجهورة يسمع الرنين الذي تنشره الذبذبات الحنجرية في تجاويف الرأس. بالطبع كل السواكن التي عددناها حتى الآن من انفجارية وانفجارية احتكاكية واحتكاكية، تقبل الجهر. فإذا ما حسبنا حساب السواكن الممكنة، وجب أن نضاعف عدد تلك التي ذكرناها في القائمة بإضافة المجهورة إلى المهموسة.

نصل الآن إلى سلسلة من الأصوات اللغوية وسط بين السواكن والحركات تسمى عادة أشباه الحركات "حروف اللبن" لهذا السبب. ويمكن أن نسميها بالعبارة المعكوسة شبه السواكن، لأن المسألة مسألة حركات مشوبة بعناصر سكونية أكثر منها مسألة سواكن مزودة بالجهر. في قائمة الحركات المذكورة

ص: 51

في الفصل الخاص بالفصائل النحوية، اعتبرت الحركات u "الضمة" و i "الكسرة" و u "الضمة المشمومة الكسر" حركات مقفولة تتميز بأن اللسان عند نطقها يرتفع في الفم "إلى الخلف أو إلى الأمام على حسب الأحوال" مقللا من المسافة التي تفصله عن الحنك، وذلك ليكون عامل الرنين الخاص بها. وينتج من ذلك أن إصدار الضمة "u"، والكسرة "i" والضمة المشمة الكسرة "u" تصحبه ضوضاء احتكاك ناتجة من مرور الهواء بين اللسان والحنك، وضوضاء الاحتكاك تلك عنصر سكوني. وهي على وجه التأكيد أقل ظهورا عند إصدار هذه الحركات الثلاث منها عند إصدار أحد الاحتكاكيات المجهورة، ولكنه مع ذلك يصير محسوسا إذا قورنت الحركات u أو i بالحركة a "الفتحة". وعلى كل حال، هناك وسيلة لسماعها وذلك بأن تنطق على التوالي الحركات المختلفة موشوشة. ففي الكلام الموشوش الذي ليس فيه رنين وبالتالي يخلو من الجهر "الصوت Voix"، يصير كل شيء إلى هذه الضوضاء البسيطة1 ولذلك تكون الفتحة "a" في مثل هذه الحال أقل الحركات سماعا، بينما نرى الضمة "u" والكسرة "i" والضمة المشمة "u" تسمع بيسر بفضل العنصر السكوني الذي تشتمل عليه. وكثيرا ما تستخدم اللغة هذا العنصر السكوني لتجعل من الضمة "u"، والكسرة "i" والضمة المشمة "u" سواكن. والصوت هو هو دائما ولكن في استعمالين مختلفين. والساكن الذي يقابل الكسرة "i" والضمة "u" يرمز له عادة بالياء "y" والواو "w"، ونجده في الفرنسية في yeux "عيون" و milleur "أحسن" و oui "نعم" و ouate قطن. أما الساكن من الضمة المشمة "u"، وهو نادر، فليست له علامة خاصة: ويوجد في الفرنسية في cuire "ينضج أو جلد" lui "إليه و turer صيغة المصدر من قتل" و puiser "استقى".

ويعد في طائفة شبه الحركات أيضا اللام والراء I،r المائعتين، والأخيرة منهما

1 انظر، عن الصوت الموشوش، بول ألفييه paul olivier، رقم 7 سنة 1799، ص20 وما يليها.

ص: 52

تدعى أحيانا بالمتذبذبة، وهي تسمية أكثر دقة من الأولى. فهما ساكنان لهما نقطة نطق محدودة في الفم وتعتمد على وضع ما للسان ويمكن أن تصحب أولا تصحب بذبذبات حنجرية تنتج الجهر. وهما مجهوران أغلب الأحيان، غير أنه يوجد في بعض اللغات لامات وراءات مهموسة "صامتة" اللام المائعة حرف جانبي "حافي" وتتميز بأن طرف اللسان يرتفع في النطق بها حتى يعتمد على الحنك وتنخفض حواف اللسان الجانبية بطريقة تسمح للهواء أن يمر من جوانبه. فيرى من هذا أن بينهما وبين الأسنانيات نقطة اشتراك. والواقع أن الحركة التي يقوم بها طرف اللسان واحدة بالنسبة للام والدال في الفرنسية. وهناك نوعان آخران من اللام المبللة mouillee وتتميز باستعلاء الجزء الأمامي من اللسان نحو الحنك الصلب، والأخرى من أقصى الحنك وفيها يتحدب الجزء الأوسط الخلفي من اللسان في شكل ملعقة من جهة الحنك الرخو. واللام التي في أقصى الحنك كانت توجد في اللاتينية، وهي مستعملة في اللغات السلافية حتى الآن.

والراء المائعة ترجع إلى ذبذبة في الأجزاء المطاطة التي يشتمل عليها التجويف الحنكي وإلى ذبذبة اللسان أولا وقبل كل شيء. وهناك الرأء الأسنانية الناتجة من ذبذبة طرفي اللسان، والراء الحلقية التي فيها ظهر اللسان هو الذي يقوم بالذبذبة. وهذه الراءات لها بالطبع نفس التفرعات التي للأصوات الانفجارية الأسنانية والحلقية. وأخيرا هناك الراء التي من اللهاة الناتجة من تذبذب اللهاة، وهي الراء المسماة بالدسمة "grasseyee"، وأحد الأصوات التي يصعب إنتاجها على من لم يستحوذ عليها بالطبيعة. والراء الأسنانية هي الراء في الإنجليزية الحديثة: ونقطة نطقها، كما هي الحال في كل الأسنانية الإنجليزية، في أصل الأسنان.

بعدما تقدم من وصف، يمكن الحكم بأن الحرفين المائعين لهما كل صفات السواكن، والواقع أن المائع في الكلمات loquet، crapaud، claquer، tarin، milan، article، rateau، يلعب الدور الذي يلعبه الانفجاري في الكلمات: taquin، mitan، tect، aptitude، bateau، coquet. ولكن وضع الفم في إصدار اللام والراء يقتضي إيجاد عامل رنين كما في حالة الحركات، هذا إلى أن الموائع ليست من الأصوات التي يمكن إطالتها وعندما تحتوي على الجهر،

ص: 53

وهي الحالة العادية، يمكن استعمالها استعمال الحركات لتكوين المقطع. ففي الكلمتين الألمانيتين، Loffel، Acker لا يكاد المقطع الأخير يحتوي غير اللام والراء اللذين يلعبان فيه دور الحركة. وبعض اللغات التي تستعمل الراء على أنها حركة مثل التشيكية إنما ترسمها بعلامة الراء الساكنة مثل krk "رقبة" و pst "أصبع" و vrch "قمة".

الأصوات التي تكلمنا عنها حركات كانت أم سواكن، قابلة لاستعمال آخر هو استعمال العنصر الثاني من حرف اللين المستعمل استعمال الساكن أو ما يسمى diphtongue "الحركة المركبة". وما يسمى بالحركة المركبة هو الجمع بين حركتين في مقطع واحد، ولكن الحركتين لا يستويان قيمة في هذا الركب، إذ يحتوي حرف اللين هذا diphtongue على عنصر قوي وعنصر ضعيف هو الثاني عادة. والحركتان المقفولتان الكسرة i والضمة u أصلح من غيرهما للقيام بدور العنصر الضعيف، أي العنصر الثاني. وهكذا فإن ما يلي الحركة في آِ1 ي ey واُي Oy وآي ay آِو ew وأو ow وآو aw ليس من الحركات ولا من السواكن بمعنى الكلمة، بل عنصر من المركب diphtongue وبعض اللغات الهندية الأوربية تدل على أن دور العنصر الثاني من هذا المركب يتميز عن دور الحركة أو دور الحرف الساكن. وهذه اللغات نفسها قد أتاحت في نفس الوقت للام والراء المائعتين أن يستعملا كعنصر ثان للمركب: فاللتوانية حتى أيامنا هذه قد احتفظت للـ "آِر" وا آِل "er، el" بنفس المعاملة الخاصة بالـdiphtongue وهي نفس المعاملة التي على المركبين آِي ey وآِو ew بالضبط2.

وآخيرا هناك فصيلة هامة من الأصوات اللغوية لم تقل عنها شيئا حتى الآن، وهي الأصوات الأنفية nasales "أو أصوات الغنة"، إذ أنه قد افترض في كل الأوصاف المتقدمة أن يبقى حجاب الحنك لاصقا بقمة القبو، أي أنه بالتالي يمنع تسرب الهواء إلى الخفر الأنفية. غير أن حجاب الحنك يمكن له أن يسقط نحو

1 المقصود بالفتحة والكسرة الدلالة على الإمالة.

2 مييه رقم 94 ص89.

ص: 54

قاعدة اللسان، وحينئذ ينفذ الهواء المدفوع من الرئتين إلى الحفر الأنفية، فينصرف من الأنف كما ينصرف من بين الشفتين. والواقع أن الإغلاق التام نادر التحقق، بل حتى إنتاح الحركات التي تكلمنا عنها حتى الآن ينطوي على السماح لكمية ضئيلة من الهواء بالنفاذ إلى الحفر الأنفية. غير أن اللغة تستخدم الفتح الكامل لإنتاج ما يسمى بالحركات الأنفية. كل الأصوات اللغوية التي ذكرت سابقا سواء أكانت حركات أم سواكن، ما عدا بعض المستثنيات الناجمة من طبيعة الأعضاء، لها فروع أنفية. وعندما يبقى حجاب الحنك هابطا أثناء إصدار الصوت اللغوي، دون أن يعتري عملية النطق أي تغيير أو أن يعدل اللسان عن وضعه، فإننا نحصل على صوت أنفي ساكنا كان أم حركة. وكل فرنسي على معرفة كافية بالحركات الأنفية، بفضل لغته القومية التي تملك عددا عظيما منها. فالأشياء التي نرسمها an، on، in ، un، إنما تمثل أصواتا مفردة وقد أضيف إلى الطابع الخاص بكل حركة منها أنواع من الرنين الأنفي. فمعنى كون الحركة أنفية أن حجاب الحنك يبقى عند الإصدار هابطا وأن جزءا من الهواء الخارج من الحنجرة يتخذ طريق الحفر الأنفية. ومن الخير أن نلاحظ أن الحركات الأنفية an، in، un رغم الكتابة، لا تقابل بالضبط الحركات a "فتحة" و i "الكسرة" و u الضمة المشمة الكسرة" بل تقابل o، e، eu على التوالي.

هذه الآلية نفسها تستخدم لإنتاج السواكن الأنفية. وكل السواكن يمكن أن تصير أنفية: فنحن نعرف في بعض اللغات فاءات v ولامات l وراءات r أنفية ولكن يحتفظ عادة بمصطلح الأنفية للانفجاريات المجهورة المصحوبة بأنواع من الرنين الأنفي: فعندما يبقى حجاب الحنك هابطا في أثناء انفجار الباء b أو الدال d أو g ترانا نحصل على الأنفيات م "m" ون "n" والنون المغنة ن n "وتكتب gn في الفرنسية"؛ هذه الأصوات اللغوية يمكن إطالتها ولكن الهواء في هذه الحالة لا يخرج إلا من الأنف بالطبع لما كان الانفجار الحنكي يمنع من مرور الهواء. يوجد من الأنفيات بقدر ما يوجد من الإنفجاريات المجهورة. أما تلك الأنفيات التي تقابل الانفجارية المهموسة والتي تعد ممكنة الوقوع من الوجهة النظرية فلا تستعمل في الواقع إلا نادرا.

ص: 55

رأينا أن الأنفيات، وهي قابلة للمدة ومزودة بالصوت voix "مجهورة"، تستدعي رنين الحفر الأنفية: أي أنها مستعدة لأن تقوم بدون الحركات أو المائعات على السواء. والواقع أن هناك عددا من اللغات التي تملك حركات أنفية، ونحن نعرف أنها كانت موجودة في اللغة الأوروبية. واليوم نستطيع أن نسمعها بوضوح تام في المقطع الثاني من الكلمات الألمانية ATEM، BIETEN. ومن جهة أخرى، كانت الهندية الأوربية تستعمل النون N والميم M الأنفيتين استعمال العنصر الثاني في المركب، فكانت تعامل مثلا on om و en em كما كانت تعامل oi ou و eu ei، واحتفظت الإغريقية القديمة في نبرها بآثار من هذا الاستعمال، وتستطيع اللتوانية حتى يومنا هذا أن تمدنا ببعض الأمثلة1.

الأنفيات تزيد زيادة محسوسة في قائمة الأصوات التي يصدرها الجهاز البشري. ومع ذلك فإننا لم نصل بعد إلى خاتمة الحساب. ومما يجعل قائمة الأصوات الممكنة لا تكاد تحد أن العناصر التي تكونها عناصر تغيير إلى حد كبير، وهي مزودة بكثير من أوجه الخلاف.

فالحركة تنطق على نغمة معينة وتستمر مدة معينة. فهناك الحدة والشدة والكمية وهي تسمح بمضاعفة وجوه الاختلاف في حركة. وكما يمكن أن يوجد عدد من الكميات في كل لغة، وبما أن الدرجة والشدة تسمحان بتنويع التنغيم والجرس، فإن هذه التشكيلات المختلفة تحمل في نفسها مبادئ تنويع أخرى يتضاعف عددها2.

لعبت الكمية في اللغات الكلاسيكية دورا يستطيع النظم "VERSIFICATION" أن يعطينا فكرة عنه، ونقول مثل ذلك في السنسكريتية أيضا. أما عن الحدة.

1 مييه رقم 94 ص89.

2 فيما يختص بالكمية والحدة والشدة وعلاقة بعضها ببعض في اللغات السلافية والبلطية: انظر خاصة الدراسات المفيدة فرديناند دي سوسير، رقم 6، مجلد 8 ص425، ورقم 30 أنز، مجلد 6 ص157، وجوتيو رقم 6 مجلد 11 ص336، وانظر أيضا قورتيناتوف رقم 27 مجلد 22 ص153.

ص: 56

الموسيقية فلدينا منها أمثلة بينة في لغات الشرق الأقصى، حيث يكفي الجرس وحده في تميز المعاني والقيم التي تؤديها بعض الكلمات مع اتفاقها في الأصوات. فحين نرى أحد المقاطع مثلا في الصينية ينطق بست نغمات مختلفة أو بستة وجوه مختلفة الجرس، فمعنى هذا أن المقطع يدل على ستة مسميات مختلفة. أما في اللغة الأنامية1 فالتنوع أوسع من ذلك: فقد أمكن أن يعد للمقطع "كو CO" خمسة عشر وجها من النطق مختلفة، تقابل دلالات يباين بعضها بعضا كل التباين2.

هنالك أيضا تنوعات أخرى ممكنة حتى في تكوين عامل الرنين الخاص بكل حركة. فهناك البدء الشديد "attque dure" الذي يسميه الألمان faster einsaltz والبدء اللطيف المسمى attaque douce وعند الألمان leiser einsaltz والفرق بينهما ينحصر في الطريقة التي يجري عليها انفتاح الحنجرة عند إصدار الحركة المبدئية. ففي حالة البدء الشديد تفتح الحنجرة فجأة وتعزل الحركة عن كل ما تقدمها، وهذا هو المسلك المعتاد عند ألماني الشمال. وهو ذو طابع مميز حتى أنه يكفي لتمييز نطق الألماني من نطق الفرنسي والإنجليزي اللذين يمارسان البدء اللطيف. ويستعمل أحد علماء الصوت الإنجليز وهو Ellis تشبيها جميلا للإشعار بهذا الفرق: وصول النور في غسق الصباح يكون تدريجيا غير محسوس حتى ليستحيل تعيين النقطة التي عندها ينتهي الليل ويبدأ النهار، هذا هو البدء اللطيف في الحركات. أما إذا فتحت أبواب النافذة فجأة عند الظهيرة، فإن ضوءا قويا يندلع في الغرفة حتى يغمرها في لحظة واحدة، ذلك هو البدء الشديد. بل إن هذا المسلك ليس مقصورا على انفتاح الحنجرة. فبعض اللغات مثل الدنمركية يستعمله أيضا عند الإغلاق. هنالك لا يحصل الارتخاء أو الصدمة "choc" كما تسمى Stoss بالألمانية، Stod بالدنمركية إلا في نهاية الحركات بعد أن يتم الإصدار. وقد نعثر في الدنمركية على كلمتين مثل Anden "ذكر البط" و Anden "الآخر"، لا يختلفان فيما بينهما إلا بوجود stod أو عدم وجودها. وبعض اللهجات الإنجليزية، ولا سيما اللهجة المتكلمة في أسكتلنده، تقدم لنا

1 كاديير Cadere رقم 58 ص79 وما بعدها.

2 جرامون رقم 6 مجلد 16 ص75.

ص: 57

كذلك أمثلة حسنة على ما يسمونه "glottal stop" أي التوقف الحنجري1.

نطق السواكن أيضا يحتمل اختلافات هامة جدا غير تلك الناشئة من الاختلاف في حركات الجهاز الصوتي التي تكلمنا عنها فيما سبق. ونوعان منها على الأقل يستحقان الذكر هنا. تلك التي تنتج من المجهود العضلي وتلك التي تتوقف على درجة انفتاح الحنجرة.

يجب أن ينفق الكثير من الجهد للوصول لإنتاج الحركات التصويتية في كل اللغات بقوة عضلية واحدة. ففي بعضها يقل المجهود إلى حد ضئيل، فيتسلل الكلام مستمرا هادئا في تعادل متصل. وفي بعضها على العكس من ذلك، يوجد احتجاز عضلي يعطي للسماع طابع العنف وتتخلله أنواع من الاسترخاء المفاجئ ومواقع الوزن والاصطدام.

وفي داخل كل لغة، تتطلب بعض الأصوات اللغوية توترا عضليا أشد من غيرها.

هذه الحقيقة قد لفتت نظر الإغريق القدماء، فجعلتهم يميزون في سواكنهم بين اللطيفة والقوية. وعلى العموم، فالفرق في الشدة مرتبط بالتضاد الذي بين المجهورات والمهموسات. كانت تلك الحال موجودة في الإغريقية القديمة، وتلك هي الحال في الفرنسية حيث نجد السواكن الثلاثة بـp وت t وك مهموسة وقوية في آن واحد، والسواكن الثلاثة ب b ود d وج g على العكس منها مجهورة وضعيفة. ولكن من اللغات ما يجهل هذا التوزيع أو ينظمه على نحو آخر. فأحد الفروق التي تميز الانفجاريات الفرنسية من الانفجاريات الألمانية، ولا سيما ألمانية الجنوب، أن الانفجاريات المجهورة ب b ود d وج g قوية في الألمانية مما يخيل لأذن الفرنسي أنها أصوات وسط بين المهموسة والمجهورة، بل وفي بعض الأحيان أنها أقرب إلى المهموسة منها إلى المجهورة. وعلى العكس من ذلك الانفجاريات المهموسة ب p وت t وك k لطيفة غالبا في ألمانية الجنوب، إذا لم تكن منقسمة كما سنرى.

هناك مبدأ آخر لإحداث وجوه الاختلاف في نطق السواكن يحدث من

1 جيرسن، رقم 173، ص 79.

ص: 58

درجة انفتاح الحنجرة. فتوجد انفجاريات عن حنجرة مفتوحة وأخرى من حنجرة مغلقة.

في النطق مع انغلاق الحنجرة، كما هي الحال في الفرنسية وفي اللغات السلافية والإغريقية القديمة، تقترب شفتا الحنجرة أو الأوتار الصوتية أثناء إصدار الانفجاريات. فهي إذن مستعدة تماما للدخول في الذبذبة من أجل الحركة التي تتلوها إذا كان الانفجاري مهموسا، ومنذ بدء الانحباس لإحداث الرنين من أجل الانفجاري، إذا كان الانفجاري مجهورا على العكس من ذلك. في النطق مع انفتاح الحنجرة الذي تتميز به اللغات الجرمانية على العموم1، يلزم للأوتار الصوتية بعض الزمن لتتمكن من اتخاذ الوضع الذي يسمح بالذبذبة، سواء أكان ذلك في أثناء الحبس لإجهار الساكن أو بعد الانفجار مباشرة لإنتاج الحركة. وفي أغلب الأحيان يحدث تأخر طفيف، نقص في التنسيق بين الانفجار وبين وضع الذبذبات الحنجرية في حالة المسير. الفرق الأساسي بين الانفجاريات الألمانية والفرنسية يقوم على أن الذبذبات الحنجرية في الألمانية تنتج في وقت متأخر عنه في الفرنسية. وهذا سبب آخر يجعل الفرنسيين عندما يسمعون ألمانيا ينطق با، دا، جا ba، da، ga يفسرونها على أنها با، تا، كا pa، ta، ka لأن الساكن مجهور في الفرنسية منذ بدء الانحباس، وفي الألمانية الجزء الأول من الساكن مهموس، لأن الجهر لا يبدأ إلا بعد الانحباس بوقت محسوس.

النطق مع فتح الحنجرة يجر إلى نتيجة أخرى. فطوال مدة الانفجار لا يكف الهواء المدفوع من الرئتين عن التراكم في الفم، إذ لا شيء يعترض طريقه عند طرف القصبة، بينما في حالة النطق مع انغلاق الحنجرة تعترض شفتا الحنجرة خروج الهواء ولو جزئيا. وينتج عن ذلك أن الهواء يخرج من الفم عند الانفجار بعنف في حالة النطق مع انفتاح الحنجرة، لأنه في حالة النطق مع انغلاق الحنجرة تقوم الحنجرة في صورة ما بدور اللطف لتيار الهواء. ويكون عنف الهواء من القوة بحيث نسمع عادة عند الانفجار تلك الضوضاء المميزة لخروج الهواء والتي

1 مييه رقم 95، ص36، ورقم 4 مجلد 16 ص153، وجرامون رقم 28 ص84.

ص: 59

تسمى بالشهيق "aspiration" وما هي إلا تسمية خاطئة. هذا ولما كان وضع الذبذبات الحنجرية في حالة السير على نحو ما رأينا يقع متأخرا قليلا بالنسبة للحركة التالية، فإنه تنقضي مسافة زمنية طويلة أو قصيرة لا تكون الحركة خلالها قد وجدت بعد، بينما يكون الساكن قد انتهى. هذه المسافة يشغلها الشهيق بطبيعة الحال، فنحصل في نهاية الأمر على ساكن يسمى بالمنفس، فبدل الباء p، والتاء t والكاف k تنطق به ph وته th وكه kh. من السهل أن يسمع هذا التخالف من فم ألماني من الجنوب إذا طلب منه أن ينطق العبارات التالية: le pave de paris، une tasse de the، un carreau du casse.

نحن بعيدون في هذا السرد عن استيفاء جميع الاحتمالات التي للأصوات اللغوية فإننا لم نعن حتى الآن بالأصوات اللغوية الناتجة من زفر النفس. ولكن هناك أيضا الأصوات اللغوية المسماة بالشهيقية. يمكننا من الوجهة النظرية أن نأخذ جميع أصوات القائمة السابقة ونتصور أنها أنتجت بواسطة الشهيق، وعندئذ يتضاعف عددها. هذا وإن عبارة التشهيق أو المشهقة عبارة غير صالحة، لأنه ليس في إنتاج الأصوات اللغوية التي نحن بصددها وإدخال للهواء في القناة التنفسية، فهذه الأصوات تقوم على حركة من المص، وتسمى لذلك أصوات المصمصة1 "CLICS".

الأصوات اللغوية المشهقة أو أصوات المصمصة نادرة الاستعمال. ويؤكد بعضهم أن بعض لغات إفريقية تستعملها بصورة عادية. ولكنها غير موجودة في النظام الصوتي للغات الهندية الأوروبية. وإنما تقابل هنا وهناك من باب المصادفة المحضة. ومما ثبت أن نشوء الباء P في آخر الأفعال المسندة لجمع المتكلم في لغة أهل بريتانيا الفرنسية جاء من حدوث مصمصة CLIC "مثل KAROMP""نحب"، من karom2. وهذه حالة استثنائية في لغات أوربا الحديثة.

وعلى العكس من ذلك تستخدم المصمصات في كل اللغات لإحداث حالات

1 ل. هافيه: رقم 6 مجلد 2 ص221، ساكلو sacleaux: رقم 118 ص44.

2 رسلو: رقم 115، 1 ص492، وانظر أيضا لوث loth رقم 8 مجلد 16 ص201.

ص: 60

التعجب. فالفرنسية تستخدم تاء t مشهقة للتعبير عن الشك أو لإثارة الانتباه، وتشهق تاء "t" من أصل الأسنان للدلالة على الإعجاب أو الدهشة، وتشهيق الفاء يعبر أحيانا عن رضا النهم وأحيانا أخرى عن الإحساس بجهد أو ألم حاد قصير، وكلمة oui "نعم" تنطق بالتنفيس إذا كانت تعبر عن الشك أو المجاملة، وكذلك الحال في كلمة "لا" non إذا نطق بها بصوت منخفض وفي غير اكتراث.

ص: 61