المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: الكلمات والأصوات - اللغة

[جوزيف فندريس]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المقدمات:

- ‌تصدير: اللغة وأداة التفكير

- ‌مقدمة:

- ‌الجزء الأول: الأصوات

- ‌الفصل الأول: المادة الصوتية

- ‌الفصل الثاني: النظام الصوتي وتغييراته

- ‌الفصل الثالث: الكلمة الصوتية والصورة اللفظية

- ‌الجزء الثاني: النحو

- ‌الفصل الأول: الكلمات والأصوات

- ‌الفصل الثاني: الفصائل النحوية

- ‌الفصل الرابع: اللغة الانفعالية

- ‌الجزء الثالث: المفردات

- ‌الفصل الثاني: كيف تغير الكلمات معانيها

- ‌الفصل الثالث: كيف تغير الأفكار أسماءها

- ‌الجزء الرابع: تكون اللغات

- ‌الفصل الأول: اللغة والغات

- ‌الفصل الثاني: اللهجات واللغات الخاصة

- ‌الفصل الثالث: اللغات المشتركة

- ‌الفصل الرابع: احتكاك اللغات واختلاطها

- ‌الفصل الخامس: القرابة اللغوية، والمنهج المقارن

- ‌الجزء الخامس: الكتابة

- ‌الفصل الأول: أصل الكتابة وتطورها

- ‌الفصل الثاني: اللغة المكتوبة والرسم

- ‌خاتمة: تقدم اللغة

- ‌المراجع

- ‌أولا: المجلات

- ‌ثانيا: الكتب

- ‌الملاحق:

- ‌الملحق الأول:

- ‌الملحق الثاني:

- ‌الملحق الثالث:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌الفصل الأول: الكلمات والأصوات

‌الجزء الثاني: النحو

‌الفصل الأول: الكلمات والأصوات

تنتظم كلمة جملة نوعين من العناصر المتميزة: أولا التعبير عن عدد ما من المعاني التي تمثل أفكارا، وثانيا الإشارة إلى بعض العلاقات التي بين هذه الأفكار. فإذا قلت: الحصان يجري، ففي ذهني فكرة الحصان وفكرة الجري، وقد جمعت بين الاثنين في هذا الإثبات الذي هو "الحصان يجري". وإذا قلت منزل بطرس كبير، فإن الأفكار البيت وبطرس والكبر تتركب كذلك في الإثبات الذي يكون جملتي. ويحسن أن نذكر أننا نأخذ الأحداث كما يقدمها لنا الكلام، أي أننا ننظر إلى الصور اللفظية في نفس الصورة التي تظهر عليها في الكلام. هذا هو المعنى الذي يحب أن نفهمه من الفكرة التي عبرنا عنها فيما تقدم بقولنا "نحن نفكر بجمل". فنحن نفترض أن الفعل العقلي الذي يضيف اسما إلى أحد الأشياء "هنا الحصان" ويجعل هذا الشيء متعلقا بحدث من الأحداث، ويحصر هذا الحدث في حدود من الزمن ليقول: الحصان يجري، فإنما نفترض أن هذا الفعل العقلي يتم في الدماغ تبعا لعوائد لا يشعر بها المتكلم نفسه.

هذا الفعل العقلي الذي تفترضه اللغة ينتظم عمليتين متتابعتين: عملية تحليل عندما يميز العقل في التصور، وقد أعطى، عددا ما من العناصر التي تقوم بينها

ص: 104

علاقة "هي هنا الحصان والجري" ثم عملية تأليف -عندما يروح العقل وقد انتهى من تعرف هذه العناصر المختلفة وتحليلها- يؤلف بينها من جديد ليكون الصورة اللفظية. والتأليف وحده هو الذي يهم علم اللغة، ويهمه بدرجة قصوى: لأن الاختلافات في البنية بين اللغات تنتج من الكيفية المتنوعة التي تتوقف عليها عملية التأليف1.

لنفترض أن جميع الأدمغة الإنسانية تتلقى كلها على السواء عين الطابع البصري للحصان الذي يجري ولنسلم -وذلك مما لا تزاع فيه- بأنها تحلل هذا التصور بطريقة واحدة بعينها، وأنها تقيم بين الحصان وبين الجري نفس العلاقة بالضبط، فإن التعبير عن هذه العلاقة يحصل في كل لغة بطريقة خاصة: الصورة اللفظية تؤلف تأليف مختلفا. فالتفريق المشار إليه في أول هذا الفصل ليس إذا نظريا بحتا وهو يقابل ما يصح أن نسميه دوال النسبة Morphemes ودوال الماهية Semantemes. ويجب أن نفهم من دوال الماهية تلك العناصر اللغوية التي تعبر عن ماهيات التصورات. فهنا ماهية الحصان أو ماهية الجري، وتفهم من دوال النسبة العناصر التي تعبر عن النسب بين الماهيات: هنا كون الجري المسند إلى الحصان على العموم محمولا على الشخص الثالث المفرد الإخباري. وعلى ذلك تعبر دوال النسبة عن النسب التي يقيمها العقل بين دوال الماهية. هذه الأخيرة ليست إلا عناصر التصور الموضوعية، وستدرس على حدة في الجزء المخصص للمفردات من هذا الكتاب.

دال النسبة في غالب الأحيان عنصر صوتي "صوت أو مقطع أو عدة مقاطع أحيانا" يشير إلى النسب النحوية التي تربط الأفكار الموجودة في الجملة بعضها ببعض.

في جملة من اللغة الإغريقية القديمة مثل: "سيمونيد أقام محرابا جميلا"، من السهل علينا أن نعرف أنه يوجد إلى جانب المقاطع التي تعبر عن الأفكار الأساسية

1 فنك Finck، رقم 161، ص4.

ص: 105

في الجملة وهي: سيمونيد والإقامة والمحراب والجميل، مقاطع أخرى ينحصر دورها في الإشارة إلى أن صفة جميل تنسب إلى المحراب وأن سيمونيد هو الذي فعل في الماضي حدث إقامة المحراب المذكور. فأول هذه المقاطع من دوال الماهية والثانية من دوال النسبة لنأخذ أيضا من العربية مجموعة من الكلمات مثل مجموعة أن يعطى، أعطي، الإعطاء، معطون، إلى المعطى: فالتحليل يجد فيها دون عناء عنصرا دائما هو "ع ط ى" الذي يصل كل هذه الكلمات بفكرة الإعطاء. ولكنه يجد فيها فضلا على ذلك عددا من العناصر الصوتية التي تستخدم للإشارة إلى أن الكلمة فعل أو اسم، ومن أي نوع هي، أو للدلالة على الفصيلة النحوية "النوع والعدد والشخص" التي تنتمي إليها الكلمات، وكذلك على العلاقة التي تربطها بكلمات الجملة الأخرى فهذه العناصر دوال للنسبة.

وبعض هذه الدوال ليس له وجود مستقل، فيجب تحليل الكلمة لاكتشافها وهذه تسمى لواحد أو زوائد، والبعض الآخر كالضمائر والأدوات "في الفرنسية مثلا" منفصلة عن الكلمة في الكتابة. ولكن هذا الفرق عديم الأهمية هنا. وإذا أدخلنا على الجملة الإغريقية المتقدمة كلمة "لكان" لتغير المعنى في الحال. فهذه الكلمة "لكان" دالة نسبة تلون الجملة بلون فرضي من طابع خاص، فبإضافة هذه الكلمة التي تستعمل للتعبير على ما لم يقع، تصير الجملة:"لكان أقام محرابا جميلا". كذلك لو أضفنا إلى أية جملة في السنسكريتية المقطعين iti "إيتي" لدلت هذه الزيادة على أن الجملة حكاية مباشرة لكلام قائل: فإيتي iti من دوال النسبة. والفرنسية العامية فيها دالة من هذا القبيل في صورة "كيدي" quidi "للمذكر" أو quedi كيدي "للمؤنث": قارن العبارتين "tu as tort" أنت مخطئ "tu as tort، quidi" أنت مخطئ، قيل". فتحس على الفور أن الجملة الأولى خطاب مباشر والثانية جزء من اقتباس، وعليها طابع الحكاية.

ولا يهمنا هنا النظام الذي بمقتضاه تستعمل دوال النسبة في الجملة، ولا المكان الذي تحتله فيها، ولا المدى أو الأهمية اللذان تخلعهما اللغة عليها، فنحن نعد من

ص: 106

ولا نهتم كذلك بأن تكون دالة النسبة مما يعرب أو مما لا يعرب. ففي العربية الفصيحة "كان زيد يقتل" معناها فقط "Zaid tuait". ذلك أن المضارع في العربية يسبق بفعل الكون ليدل على الاستمرار في الماضي، ويتصرف الفعلان كل منهما على حدته1:

الشخص الأول كنت أقتل

الشخص الثاني المفرد المذكر كنتَ تقتل

الشخص الثاني المفرد المؤنث كنتِ تقتلين

الشخص الثالث المفرد المذكر كان يقتل

الشخص الثالث المفرد المؤنث كانت تقتل

فالعقل يحس الفعلين وكأنهما وحدة رغم أنه يمكن وضع كلمة بينهما، الفعل الأول من دوال النسبة.

وأخيرا لا يهمنا أن تكون دالة النسبة تشتمل على عنصر واحد أو على عنصرين صوتيين منفصلين. فهناك دوال نسبة تنتج من كلمتين منعزلتين يجمع بينهما العقل وتكون لهما رغم انفصالهما وحدة لا تقبل التمزيق. ففي الفرنسية يعبر عن النفي بعنصرين لا يكادان يتجاوران مطلقا في الجملة: ومع ذلك فإن "je ne mange pas""لا آكل" في الفرنسية لها من الوحدة ما لـ"nitoimlim" في الأيرلندية.

كل دوال النسبة هذه، سواء أكانت مفردات أم مجموعات، تعد من الفصيلة الأولى لدوال النسبة، تلك التي يعبر عنها بعناصر صوتية تدخل في الجملة وتوصل بدوال الماهية.

هناك فصيلة ثانية، دوال النسبة فيها تتكون من طبيعة العناصر الصوتية الدالة

1 انظر بركلمان Brockelmann رقم 148، مجلد 2 ص509.

ص: 107

على الماهية أو من ترتيبها. وهذه الفصيلة تعد أكثر خفاء من السابقة وإن كانت لا تقل عنها أهمية في اللغة.

ونجد في تبادل الحركات في اللغات الهندية الأوربية أو في السامية خير الأمثلة لتوضيح هذه الفصيلة، لسنا هنا نضيف عنصرا صوتيا إلى دالة الماهية ليخلع عليها قيمة صرفية، بل يكتفى في الإشارة إلى دور دالة الماهية الصرفي بالعناصر الصوتية لهذه الأخيرة نفسها؛ فالإنجليزية تقابل بالجمعين men و Feet المفردين man "رجل" و Foot "قدم"، وتقابل اسمي المفعول held و struck بالمصدرين hold "يمسك" و stricke "يضرب"، فالاختلاف الذي بين هذه الصيغ اختلاف في جرس الحركة الذي يلعب على هذا الوضع دور دالة النسبة، إذ أنه وحده يشير إلى قيمة الكلمة الصرفية. ونجد نفس الشيء في اللغة الألمانية حيث نرى wir gaben "كنا نعطي" تقابل wir geben "نعطي" و gib "أعط". وكذلك في الغالية الوسطى حيث نرى الجموع brein و myr و wyn تقابل المفردات bran "غراب" و mor "بحر" و oen "خروف". فالتبادل الصوتي عنصر صرفي ضروري في أقدم اللغات الهندية الأوربية كالإغريقية والسنسكريتية.

ويمكننا أن نقول بأن القيمة الصرفية لكل كلمة في الهندية الأوربية كانت محدودة تحديدا تاما أو ما يقرب من التام بجرس حركة الأصل. وكذلك الحال في السامية، كما تعطينا عنها العربية هذه الفكرة حتى يومنا هذا. حمار جمعها حمير1. وهذا على درجة من الحياة في العربية جعلتها تطبقه على كلمات مستعارة منذ تاريخ حديث من الإسبانية أو الفرنسية: رسيبو resibo "إيصال" والجمع رواسيب، بابور والجمع بوابير، شمبيت "حارس ريفي" والجمع شَوَمْبيت

إلخ. وهذا ما يسمى بجمع "التكسير" أو الجمع "الداخلي".

ويشير المصطلح "إعراب داخلي" بوضوح إلى أن تبادل الحركة يلعب نفس الدور الذي يلعبه العنصر الإعرابي الذي يمكن أن يضاف للكلمة. والواقع أن علامة الجمع في الأسماء تكون في الإنجليزية والغالية على وجه العموم بإضافة لاصقة

1 بركلمان، رقم 148، مجلد 1، ص431.

ص: 108

خاصة: في الإنجليزية boot "حذاء" وجمعها loss،boots "خسارة" وجمعها losses، وفي الغالية penn "رأس" وجمعها "Pennau"، و coed "خشب" والجمع Coedydd

إلخ. وفي العربية تجمع الكلمات المؤنثة كلها بإضافة زائدة. كذلك في الألمانية يختلف الماضي غير التام عن الحاضر باستعمال لاحقة، هي t "ت". Ich rede "أتكلم" والماضي غير التام ich redte "كنت أتكلم" Ich lebe "أحيا" والماضي غير التام، Ich lebte "كنت أحيا"

إلخ. بمقارنة هذه الأمثلة بالأمثلة السابقة نرى أن تبادل الحركات واللواحق نوعان متساويان من دوال النسبة.

نفهم أن النغمة تلعب دورا أخطر في لغات الشرق الأقصى حيث العناصر النحوية قليلة العدد. فهذه اللغات استغلت مرونة النغمات التي تحتملها أصواتها، واتساعها وتنوعها للغايات الصرفية خير استغلال1. وتوجد هذه الظاهرة نفسها في بعض اللغات الإفريقية2 ففي اللغة الفهلية يعبر التنغيم عن النفي3: مجموعة

1 انظر عن الأنامية جرامون، رقم 6 مجلد 16، ص75.

2 الدكتور وسترمان westermann، رقم 221، ص37 وما يليها.

3 اللغة الفهلية هي لغة قوم من البربر اختلطوا بالعرب والزنوج، ويقيمون الآن في إفريقية الغربية الفرنسية. المعربان.

ص: 109

مثل: مِيْ وَرَتَ mi warata معناها "سأقتل""أو "أقتل" في الحاضر الدال على العادة" إذا نطقت الفتحة النهائية بنفس النغمة التي لباقي الجملة، ويصير معناها "لن أقتل" إذا نطقت الفتحة النهائية بنغمة أعلى. فارتفاع الصوت له إذن من القيمة ما لدالة النسبة.

من النغمات المختلفة ذات القيمة الصرفية، نغمة لها أهمية في بعض اللغات، وهي نغمة الصفر، أي عدم وجود النغمة. ففي السنسكريتية مثلا يكون الفعل منغما أو غير منغم تبعا لبعض شروط الاستعمال في الجملة. ولكنه بالطبع في استعمالاته المختلفة يتميز تميزا واضحا بغياب النغمة كما يتميز بوجودها.

وهذا يؤدي بنا إلى أن نضيف إلى دوال النسبة المشار إليها فيما سبق نوعا من هذه الدوال أكثر من غيرها دقة ولكنها ليست أقل منها تعبيرا، ونعنى تلك التي يصح أن نطلق عليها دوال النسبة الصفرية. ففي الميدان الصرفي تلعب درجة الصفة دورا هاما. والقيمة التي تملكها هي قيمة تقابل على وجه الخصوص، ولكن ذلك لا ينقص من خطرها. فكثيرا ما يكون للصمت في الموسيقي من التعبير ما للميلودية التي يعترض طريقها ويقطع تدرجها، وفي الحديث لحظات من الصمت البليغ. في اللغة تعتبر دالة النسبة الصفرية دالة نسبة كغيرها من دوال النسبة، فقد كان في الهندية الأوربية بعض الأسماء التي لا يحمل مرفوعها أية لاصقة مميزة، أي أنها كانت تحمل في هذه الحالة لاصقة الصفر، فعدم وجود اللاصقة يكفي في مقابلة اللواصق المتنوعة التي تتمتع بها الحالات الأخرى لتمييز المرفوعات التي نحن بصددها، بل إن هناك حالة من حالات الإعراب في الهندية الأوربية تتميز دائما بتلك الصورة في الفترة القديمة على الأقل؛ ألا وهي حالة المنادى، وتقابلنا هذه الخاصة أيضا في صيغة فعلية قريبة من المنادى، وهي صيغة الشخص الثاني المفرد في حالة الأمر، فدرجة الصفر تلعب دورا لا يقل عن دور غيرها في تبادل الحركات في اللغات الهندية الأوروبية والسامية.

وأخيرا نصل إلى فصيلة أخرى من دوال النسبة أقل تشخصا أيضا من السابقة وتتكون فقط من المكان الذي تحتله في الجملة كل واحدة من دوال الماهية.

ص: 110

إذا قلنا باللاتينية regis domus "بيت الملك". كانت علاقة الإضافة التي تجمع بين هاتين الكلمتين معبرا عنها بالصيغة الإعرابية، فاللواحق تشير إلى الدور الذي تلعبه كل كلمة من هاتين الكلمتين بالنسبة للأخرى. أما في العبارة الفرنسية la maisom du roi "البيت "بتاع" الملك"، فإن العنصرين الصغيرين la "أل" و du "بتاع أل" يقومان بنفس الوظيفة التي تقوم بها اللواصق في اللاتينية. وفضلا على هذا الاختلاف يوجد اختلاف آخر بين اللاتينية والفرنسية ينحصر في أن ترتيب الكلمات في الأولى أكثر حرية منه في الثانية؛ فيمكننا أن نقول دون تفريق regis domus "الملك بيت" أو domus regis "بيت الملك". أما في الفرنسية فلا يكاد يسمح بالقلب على هذا النحو، du roi la maison ""بتاع" الملك البيت" إلا في الشعر. ومع ذلك فإن ظهر هذا القلب غريبا بعض الشيء، فإنه لا يصدم الحس وتبقى العلاقة بين الكلمتين مفهومة على العكس من ذلك توجد لغات لا يعبر فيها عن هذه العلاقة إلا بمكان كل من الكلمتين بالنسبة للأخرى، فيقال في الغالية مثلا ti brenhim "من ti، تي "منزل" و brenhin بِرِنَهِنْ "ملك"" مع وضع المالك دائما بعد الشيء المملوك، ويقال في الصينية wang tien "من wang وَنج "ملك" و tien بيت" مع وضع الشيء المملوك قبل المالك على عكس المثل السابق، وفي كلتا هاتين اللغتين لا يعبر عن علاقة التبعية بأية علامة خارجية، ولا يشار إليها إلا بترتيب وضع الكلمات الذي يجب لذلك بالطبع أن يكون ثابتا لا يعتريه تغيير، فاللغات التي فقدت إعراب الحالات على وجه عام، استعاضت في تأدية العلاقات التي كان يعبر عنها بالإعراب إما بكلمات مساعدة "حروف جر، أدوات

إلخ" وإما بوضع كل كلمة بالنسبة للكلمات الأخرى1.

إذا قلنا في الفرنسية pierre frappe paul "بيير يضرب بول" كانت دالة النسبة الوحيدة المعبر عنها صوتيا هنا هي الصفر؛ فالصيغة الفعلية frappe فْرابْ "يضرب" تنفرد في الواقع بعدم وجود اللاصقة، وبذا تتميز عن الصيغ

1 عن الإيرانية انظر جوتيو Gauthiof رقم 100، ص113-114.

ص: 111

الفعلية الأخرى مثل frappons فْربُّن "لنضرب" و frappez فربّيه "اضربوا أو تضربون" و frappera فربَّرا "سيضرب" و frappant فربَّن "ضارب" إلخ. فعدم وجود اللاصقة هو الذي يبين هنا أن لدينا فعلا إخباريا حاضرا مسندا إلى الشخص الثالث المفرد، ولكن نسبة الفاعل إلى الفعل والفعل إلى المفعول لا تدل عليها علامة خارجية؛ وذلك ما يميز الفرنسية عن اللاتينية حيث نرى اللاصقتين us "اُس""علامة الرفع" واُم "um""علامة النصب" في جملة petros eaedit paulum تكشفان عن الدور الذي يلعبه الاسمان في الجملة، دالتين على أيهما الفاعل وأيهما المفعول، أما القرينة الوحيدة التي تقدمها الفرنسية فهي في ترتيب الكلمات؛ فترتيب الكلمات هنا دالة من دوال النسبة؛ لذلك يمكننا أن نغير في اللاتينية وضع كل كلمة من الكلمات الثلاث كما نشاء دون أن نمس وضوح الكلمة بأدنى ضرر، أما في الفرنسية فيستحيل أن نمس نظام الكلمات دون أن نغير المعنى، فلو قلنا في الفرنسية paul frappe peirre "بول يضرب بيير" بدلا من peirre frappe paul "بيير يضرب بول" لارتكبنا نفس الغلطة التي نرتكبها في اللاتينية لو أخطأنا في استعمال الإعراب فقلنا: paulus caedit petrom "بولصُ يضرب بطرسَ" بدلا من paulum caedit petrus بولصَ يضرب بطرسُ".

بعد أن عرفنا الفصائل الثلاث الأساسية من دوال النسبة، يجدر بنا أن نبحث مسلك هذه الدوال بالنسبة لدوال الماهية.

يتركب العنصران في بعض اللغات بشكل يجعل كل كلمة تتضمن التعبير عن قيمتها المعنوية، وعن دورها الصرفي في آن واحد. وكانت السامية والهندية الأوربية لغات من هذا القبيل.

ص: 112

وتصريف الفعل في السامية يقدم لنا أمثلة مشابهة. فما دمنا قد تحققنا من السواكن الثلاثة الأصلية في كل الصيغ المشتقة من أصل واحد، لم يبق علينا إلا النظر في اختلاف الحركات واللواصق والعلامات. فالصيغة العربية قتل صيغة واحدة كما رأينا في الإغريقية تماما، إذ إنها تشتمل على دالة ماهية، هي الأصل ق ت ل، ودوال نسبة تميز صيغة قتل عن جميع الصيغ المأخوذة من نفس الأصل: قاتل وتقاتلا ومقتول واقتل ويقتل وقاتل

إلخ. يزيد على ذلك أن تصريف الفعل في السامية يعبر عن الجنس أيضا؛ فقاتلتَ للمذكر في مقابلة قاتلتِ للمؤنثة، وفي الشخص الثالث أيضا مثل قتل في مقابلة قَتَلتْ.

تركب اللغات الهندية الأوربية والسامية نوعين من دوال النسبة كما رأينا: تبادل الحركة والإلصاق، ولكن بدرجات مختلفة، فتبادل الحركة يلعب في السامية دورا أوسع مما في الهندية الأوربية. "فخاصة هذه اللغات في تعبيرها بالسواكن عن أساس الفكرة وعن تفرعاتها الثانوية بالحركات يجعلنا في حل من القول بأن التصريف في هذه اللغة يقع داخل الكلمات"1. "الأصل في العربية لا يتميز إلا بسواكنه، أما عن الحركات فكل ساكن من سواكن الأصل يمكن أن يتبع بالفتحة القصيرة أو الطويلة أو بالكسرة القصيرة أو الطويلة أو بالضمة القصيرة أو الطويلة أو بالصفر، فعندنا سبع صور، وكل واحدة من هذه الصور السبع تستخدم للدلالة على الوظيفة النحوية"2. وذلك يسمح للغات السامية بصياغة

1 رينان: رقم 111.

2 مييه: رقم 94، الطبعة الرابعة، ص133.

ص: 113

عدد من الكلمات المشتقة دون حاجة إلى لواصق: ففي العربية كتيب وكات وكتاب

إلخ.

توليد الكلمات على هذا النحو في الهندية الأوربية لا يقع دون التجاء إلى لواحق. ولكن من أثر تبادل الحركات في الهندية الأوربية والسامية كلتيهما، أن تعطى قيمة خاصة لما يسمى الأصل بتخليصه من شبكة اللواصق إذا أردنا أن نركز عليه أعلى درجة من التعبيرية، إن صح لنا هذا التعبير. الأصل حقيقة حساسة بالنسبة للمتكلم من جهة أن ينتظم حالات مختلفة من الحركات، كل حالة منها تقابل استعمالا مختلفا، وحقيقة الأصل ترجع إلى قبوله للتنوع، ومبدأ التبادل يجعل هذه العناصر تلعب دور التعارض. وهو لعب في غاية اللطف والدقة اعتادته عقول الساميين والهنديين الأوروبيين.

ينبغي ألا نخلط بين الأرومة "racine" والأصل radical. ففي الفرنسية نستطيع بعد التحليل أن نعثر على العناصر part، aim، recev في المصادر recevoir، partir، aimer؛ ولكن هذه العناصر ليست إلا كائنات نحوية وليس لها وجود حقيقي في شعور المتكلم. ويسميها النحويون الفرنسيون "أصولا". وفي الألمانية تدخل قاعدة تبادل الحركات في الأصول قيمة أوضح: فالتقابل الذي بين geben "أن يعطي" و gab "أعطى" أو بين nehmen "أن يأخذ" و nahm "أخذ" و genommen "مأخوذ" يمكن إلى حد ما أن يعطينا فكرة عن عنصر بعينه يتميز بالساكنين g. b "ج. ب" أو n. m "ن. م" وفي داخله تتبادل بعض الحركات تبعات للمعنى الذي يراد التعبير عنه. أما عن الأرومة فيجب في اللغات الهندية الأوربية الصعود حتى الإغريقية القديمة وحتى السنسكريتية على وجه خاص لنكون على بينة منها.

ومع ذلك فالهندية الأوروبية بل والسامية تضيف عادة إلى التبادل في الحركات استعمال لواصق "لواحق أو علامات". ومن النادر جدا في الهندية الأوربية أن يكون تبادل الحركات وحده هو المميز للكلمة، وإذا وقع ذلك فإن على العالم اللغوي أن يسلم بأن الكلمة مزودة باللاحقة الصفرية. فالأرومة في الهندية

ص: 114

الأوربية إدن، رغم ما لها من أهمية صرفية عظيمة، ليس لها وجود مستقل، فلا شيء غير الموافقة، الموافقة القائمة على نوع من التحليل للحقائق الذي كثيرا ما يكون تحكيما، هذه الموافقة هي التي عودت النحويين الهنود تحليل كلمتهم ليكتشفوا فيها أرومات حتى لنرى القواميس السنسكريتية ترجع الصيغ الفعلية إلى صورة مثالية تسمى الأرومة وتفترض أن جميع الصيغ قد خرجت منها بواسطة اللواحق.

واللاحقة أيضا ليس لها وجود مستقل، وإنما تستمد كيانها جميعه كالأرومة من تبادل الحركات ومن المعنى الذي يسند إليها، وهو معنى محدد في غالب الأحيان. نرى تبادل الأصوات في كلمة عربية مثل كاتب وكاتبون يحدد معنى اللاحقة " ُ-ون في كاتبون" في جميع الحالات التي يمثل فيها.

أما العلامات فيمكن مقارنتها باللواحق من كل وجه، فهي أيضا عناصر تضم إلى الأرومة. ولا يمكن تمييزها عن اللواحق إلا بالاستعمال، فاللاحقة تشير إلى النوع العام الذي تنتسب إليه الكلمة "اسم فاعل، مصدر، اسم آلة، مكبر، مصغر

إلخ" بينما تشير العلامة إلى مجرد الدور الذي تلعبه الكلمة في الجملة، فالعلامات تقوم بدور مخالف لدور اللواحق، ولكنها جميعا، من جهة بناء الكلمة، دوال نسبة من طبيعة واحدة في الهندية الأوربية والسامية على السواء.

ص: 115

الاتجاه وذلك في الفعل zyeuter "يلتهم بعينه""رييُتيه" المأخوذ من z-yeux "عيون" جمع oeil "أُيْ""عين". ويقال في بعض لهجات اللورين zous et zelles "رُوس إي زِلّ" بدلا من eux et elles "هم وهن" و zout "زُوت""إليهم""قياسا على no vout"1.

ولكنها في الفرنسية حالة استثنائية معدومة الأثر، وهناك على العكس من ذلك لغات سامية كاللغة العربية تملك نظاما حقيقيا من التغيير الذي يضاف إلى أول الكلمة، وهكذا نرى الأشخاص في أحد الزمنين اللذين يصرف إليهما الفعل في العربية، وهو المضارع، يشار إليهم بلاصقة تضاف إلى أول الكلمة:

الشخص الأول المفرد أقْتُل الجمع نَقْتُل

الشخص الثاني المذكر المفرد تَقْتُل الجمع تقتلون المثنى تقتلان

الشخص الثاني المؤنث المفرد تقتلين الجمع تقتلن

الشخص الثالث المذكر المفرد يقتل الجمع يقتلون المثنى يقتلان

الشخص الثالث المؤنث المفرد نقتل الجمع يَقْتُلن المثنى تقتلان

ونجد كذلك في الجرجية، وهي من عائلة غير العائلة السامية، أمثلة لافتة للنظر للتغيير الواقع في أول الكلمة. نستنبط من هذا أن مسلك الإلصاق ينحصر في إضافة عناصر صرفية إلى الأصل توضع تارة في رأس الكلمة وتارة في ذيلها دون تفريق.

وفي مقابلة اللغات التي من قبيل الهندية الأوربية والسامية التي فيها تقدم لنا الكلمة المكونة من الأصل واللواصق كلا كاملا قائما بذاته، نجد سلسلة أخرى من اللغات فيها دوال النسبة مستقلة عن دوال الماهية استقلالا قد يكون كبيرا وقد يكون ضئيلا، وأوضح أمثلة هذه النوع تلك اللغات التي تميز بين طائفتين من الكلمات، طائفة الكلمات الفارغة وطائفة الكلمات المليئة على حد تعبير

1 ا. رولان E. Rolland، رقم 8، مجلد 5، ص151.

ص: 116

المصطلحات الصينية. فالكلمات المليئة هي دوال الماهية والكلمات الفارغة دوال النسبة، والكلمات الفارغة لا تنبر إطلاقا فكلمة ti تي التي تشير إلى الإضافة كلمة فارغة: wo tieul-tseu وَوُتي أُول تْسِيَ "ابني" وكلمة وو"أنا" أو على الأصح ياء المتكلم، وأول-نسي "ابن" و"تي" تلعب نفس الدور الذي يلعبه في الفرنسية الحرف de أو s' في الإنجليزية، بل إنها تستخدم أيضا في الإشارة إلى تعلق جملة بجملة، وفي هذه الحال تكون مساوية لحرف الوصل. وليست الكلمات الفارغة في غالب الأحيان إلا صيغا متخصصة "وغير منغمة" من الكلمات المليئة. فالكلمتان المليئتان تسي وأول، ومعناها معا "ابن" تضمان بوصفهما كلمتين فارغتين وتفقدان معناهما فقدانا تاما؛ فكلمة men مَِن "باب" وكلمة tao تاوو "سكين" تصيران بعد إضافة اللاصقة الاسمية: أول أو تسو، men-eul "وتنطق mol مَُول" أو tao-tseu "وتنطق تاوَوزَهْ taoze". والفعل leao "يتمّ" لِياُ ويستعمل بوصفه كلمة فارغة "في صورة la لا" للتعبير عن الماضي. فعبارة lai la ومعناها الحرفي "مجيء إتمام""مصدر" تعبر عن "جيء"؛ ويمكن تركيب صيغتين من كلمة واحدة، مرة تكون مليئة ومرة أخرى تكون فارغة: leao la لِيَاُولا "أُتِمّ".

ص: 117

"على القدم"، "في الألمانية zu fuss"؛! a berlin إلى برلين، "في الألمانية nach berlin"؛ a la cole "على الشاطئ""في الألمانية an der kuste"؛ a l' etroit "في ضيق""في الألمانية in der Enge"؛ a regret "أو بالأسف""في الألمانية mit Bedauern"؛ a mes frais "على نفقتي""في الألمانية auf meine kasten"؛ a part "إلى جانب""في الألمانية bei seite"؛ a six heures في الساعة السادسة" "في الألمانية umsechs uhr"، إلخ. وأفعالنا المساعدة etre "فعل الكون" و avoir "فعل الملك" ليست إلا كلمات فارغة، مثلها في ذلك مثل الأفعال المساعدة الإنجليزية to do "فعل الفعل المطلق" و to chall و to will، كذلك في الدنمركية المساعد mon "مُنْ" الذي بعد أن كان في وقت ما يعبر عن فكرة الاستقبال في شيء من الغموض، صار يصحب الفعل مجرد صحبة، ولا سيما في حالة الاستفهام حتى قيل بأن mou أصبح الآن أداة استفهام أكثر منه فعلا: mon han kommer?، مُن هَن كومر؟ "هل سيأتي؟ " بمعنى "لو يعرف أنه سيأتي! ".

مع أن اللغات الهندية الأوربية قد خلقت لها على هذا النحو كلمات فارغة، فإن الذي يميز الكلمة الهندية الأوربية بوجه عام وكذلك الكلمة السامية إنما هي وحدتها؛ ففيهما دوال النسبة ودوال الماهية متصلة بعضها ببعض بصورة لا تقبل الانفصام. وعلى العكس من ذلك توجد لغات فيها العروة التي تجمع بين دالة النسبة ودالة الماهية مخلخلة إن قليلا وإن كثيرا.

ومع أن مكان الكلمة الفارغة في الصينية محدد بصورة مطلقة وأنه لا يستطاع نقل الكلمة الفارغة فيها من مكانها بأكثر مما يستطاع ذلك في الفرنسية أو الإنجليزية، فإن للكلمة الفارغة فيها مع ذلك شيئا من الاستقلال، أولا من قبل أنه يمكننا إسقاطها. إذ يمكن أن نقول على السواء مَِن men أو men-eul مول "باب"، وثانيا من قبل أنه يمكننا -على عكس الحالة السابقة- تكرارها في بعض الأحيان لإبراز الفكرة التي تعبر عنها وذلك بفصلها عن الكلمة التي تتصل بها: leao la che la، لِيَاوُ لا تشه لا "قد انتهى الشيء".

ص: 118

ولعل اتصال دوال النسبة بدوال الماهية على أقل ما يكون إحكاما في اللغات الفنلندية الأوجرية واللغات التركية التترية. ففي بعض الحالات في اللغة المجرية إذا كان هناك سلسلة متتابعة من الكلمات المتفقة فيما بينها والتي تلعب دورا واحدا في الجملة، لا يوضع دال النسبة إلا مرة واحدة في نهاية الكلمة الأخيرة فيقال:"a jo ember nek آيو آمبر نِك" للرجل الطيب، بدلا من az-nak jo nak ember-nek" "آز-نَك-يَوُ-نَك إمبرنَك" و a nagy veros-ban آنَجي فارُس بَنْ "في المدينة الكبيرة"1، وفي التركية تحشر علامة الجمع lar لَرْ في داخل كلمة مثل kizlari "بناته" حيث توضع بين دال الماهية kiz كِز "ابنة" ولاحقة الملكية i=ي "kizi "ابنته" بالمفرد"2.

وفي التركية أيضا نجد ارتباط العنصرين مخلخلا إلى حد يجعل نظام دوال النسبة غير ثابت. فمثلا لا نستطيع أن نقول في الفرنسية nous avons le vu "نحن رأى هـ نا" بدلا من nous l'avous vu "نحن رأيناه" ولا j' aime te ne pas "أحب كَ لا" بدلا من Je ne t' aime pas "لا أحبك". بينما يقال في التركية دون تفريق: sevmishlerdir "أحبوا" أو sevez ek lerdir sevmishdirler "سيحبون" أو sevezekdirler seviyorlar idi "كانوا يحبون" أو seviyor idiler، و sevdim idi "كنت قد أحببت" أو sevsem idi: sevdi shdim "لو أحببت" أو "sevse idim".

يمكن لكل واحدة من هذه المجموعات أن تحلل وتفرق عناصرها، فالأرومة لها مكانها الثابت في رأس الكلمة، أما باقي العناصر التي تعبر عن الزمان والشخص والعدد فعلى جانب من الاستقلال بالنسبة للأصل وبالنسبة للعناصر المجاورة، لذلك يمكن أن توزع داخل الكلمة في شيء من الحرية. وليس لها على وجه العموم أي

1 شليشر Schleicher وف. تمسن v. thomsen اقتباس عنهما لجسبرسن رقم 134، ص37.

2 جوتيو: رقم 73. ص31-32.

ص: 119

وجود مستقل، فالعنصر لار "lar "ler لا يستعمل منفردا كما لا تستعمل العلامات الإغريقية واللاتينية منفردة. ولكن ارتباطه بدالة الماهية أكثر تخلخلا من ارتباط العلامة الإغريقية بالعنصر المقابل. فالعنصر dir هو الشخص الثاني المفرد من فعل الكينونة؛ وإذا ما أريد بناء الجمع المقابل منه أضيف إليه ler. ولكن قبول هذين العنصرين لتبادل الوضع كان بيّنا في العثمانية الفصيحة القديمة حتى عند استعمالها في دورها الأصيل، يعني في التعبير عن جمع الشخص الثالث من فعل الكينونة.

يكثر عدد استعمال دوال النسبة أو يقل باختلاف اللغات. فالتركية كما رأينا تنقل هذه الدالة أو تلك من مكان إلى مكان دون ضرر، ولكنها لا تكررها أكثر من مرة: فهي تقول دون تفريق seviyor-idiler أو seviyorlar idi ولكنها لا تركب العبارتين قط لتقول seviyorlar idiler وعلى العكس من ذلك فإن مسلك التكرار، هذا الذي ذكرنا سابقا أنه موجود في الصينية، مسلك محبب في بعض اللغات كما في مجموعات لغات البنتو "bantou" التي فيها كل فصيلة نحوية يقابلها معلم يذكر مع كل كلمة مهما كان عدد الكلمات. فجعله مثل "البنات يمشين" تقال في السوبية بَا-كازانا-باإندَا ba-kazana ba-enda أو b-o ba-kazana ba enda بَا-اُبا-كازانا با-إِنَدا، وبا ba هي معلم الشخص في حالة الجمع، "والرجل الجميل" يقال mu-ntu-mu-lotu مؤ نتو مو لُِتو، mu معلم الأشخاص في حالة الإفراد. ويوجد في البنتو من هذا القبيل سبعة عشر معلما؛ ويصل عددها إلى ثلاثة وعشرين في بعض اللهجات.

والسوابق في البنتية يقابلها: لواحق في الفهلية وفي مجموعة اللغات الغربية في إفريقية، التي تسمى مجموعة اللغات الفلتية. ويوجد من ذلك في الفهلية إحدى وعشرون فصيلة منها أربع للجمع. فمن الأرومة لام lam التي تعبر عن فكرة الرئاسة يمكن أن يشتق ما يلي: لام دو lam do "فصيلة الضمير أُِ o""رئيس" ولام- أو l a m-u "فصيلة الضمير نجْوُ ngu" "مُلكُ، لام

ص: 120

-دَِه l a m-de "فصيلة الضمير نْدِه""nde""رياسة أو قيادة" ولام-بِهَ l a m be "فصيلة الضمير بـ""ملوك، رؤساء" إلخ. ولا توجد الأرومات منعزلة في هذه المجموعة من اللغات، بل تكون دائما مصحوبة بما يدل على الفصيلة. وهذا الدال على الفصيلة يتكرر في كل عنصر من عناصر الجملة: dabb-o-dan e-dyo e دَِب-أو دن-إَِي دْيَوُ اَِه "هذه المرأة البيضاء " rew-be ran-e..be be رَِوْ-بِهَ رن-آِي-بِهَ بِهَ "هؤلاء النساء البيض" إلخ.

قواعد الصرف في هذا النوع من اللغات مختلطة اختلاطا دقيقا، ولا يمكن تمييز دوال النسبة فيها إلا بنوع من التحليل في غاية الدقة فيه يشرح الجملة تشريحا تاما ويفتتها حتى تفقد معالمها في نهاية الأمر.

يضاد ذلك على خط مستقيم بعض اللغات الأمريكية التي تدرك دوال النسبة على انفصال وتذكرها منفصلة. فهناك تجمع مقدما، وفي مبدأ الجملة، جميع الدلائل الصرفية فكأنهم يبدءون على نحو ما بملخص جبري للفكرة، فيه كل شيء ما عدا التصورات التي لا تأتي إلا تالية. فلأجل أن يقال: الرجل قتل المرأة بسكين، تصير الجملة على هذا النحو: هو هي هذا بـ ll قَتْل رجل امرأة سكين "لغة الشنوك1".

فكل ما تقدم الخطين الرأسيين إنما يشتمل على دلائل نحوية، أي دوال نسبة، أما دول الماهية فلا تذكر إلا بعد.

لا ينبغي أن ندهش من بنية على هذا النحو من الغرابة. فلغة الكلام في الفرنسية فيها حالات من التركيب تقرب من تلك الحالات كل القرب. فنحن نسمع من الشعب: Elle n' ya encore pas ll voyage،ta cousine، en Afrique "هي لم فيها بعد ll تسافر قريبتك إلى إفريقية" أو ll l'a-ti jamais ll attrape le gendarme، son voleur? "هو أَلْم إطلاقا ll يمسك الشرطي سارقة؟ " فكل ما هو سابق على الخطين الرأسيين لا يشتمل أيضا إلا على دوال نسبة: إشارات إلى الفاعل أو إلى المفعول "مباشرا كان أو غير مباشر".

1 عن بوس boas: رقم 130، المقدمة، ص 38.

ص: 121

أو إلى النوع أو إلى العدد أو إلى الزمن أو إلى صفة الجملة أهي استفهام، أم نفي؛ فلدينا هنا، وقبل أن نعرف عمن وعماذا يدور الأمر، جميع العناصر النحوية للجملة. فلا يبقي إلا تعيين الأشخاص والحدث الذي ساهموا فيه، وبالاختصار الوقائع والفاعلين، وهكذا توضع المعاني التجريدية في رأس الجملة والمشخصات في ذيلها.

تنوع الإجراءات الصرفية يجعل تعريف الكلمة يتنوع على حسب اللغات. وإذا كانت هناك لغات يسهل فيها تحديد الكلمة كوحدة لا تتجزأ فهناك لغات أخرى تذوب فيها التكلمة على نحو ما في جسم الجملة ولا يمكن تحديدها حقا إلا بشرط أن تدمج فيها كتلة من العناصر المتنوعة. ففي الجملة الفرنسية je ne l'ai pas vu، يوجد بالتحليل سبع كلمات مختلفة على رأي النحو الجاري، والحقيقة أن ليس هناك إلا كلمة واحدة ولكنها كلمة معقدة مكونة من عدد من دوال النسبة وقد اشتبك بعضها ببعض، وليس لها وجود مستقل، وإنما قيمتها في أنها لدى العقل قابلة للتبادل ولأن يحل بعضها محل البعض على حسب الحاجة ما دام في الإمكان أن يقال: Je ne t'ai pas vu "لم أرك"، tu ne m'avais pas vu "كنت لم ترني" nous ne vous aurons pas vu "سنكون لم نركم بعد" إلخ، مع تنويع عناصر الإبدال في الكلمة على حسب الإرادة. مما لا ريب فيه أنه لا ينبغي لنا أن نسقط من حسابنا ما بين هذه العناصر من فروق نسبية: فالضمائر je "ضمير الشخص الأول في حالة الرفع" و me "الشخص الأول في حالة النصب" و tu "الشخص الثاني في حالة الرفع"، و te "الثاني في حالة النصب"و le "الثالث المذكر في حالة النصب ما هي إلا مجرد دوال نسبة محرومة من كل وجود ذاتي؛ ولا تستعمل منفصلة إطلاقا. فالـje لا توجد إلا في تراكيب من مثل je parle "أتكلم، حيث je تقابل الهمزة" و je cours "أجري" ولا تستعمل me إلا في مثل je me dis "حرفيا: أقول لي" tu me frappes "تضربني" فلو لم يكن في الإمكان وضع بعض العناصر بين الضمير والفعل.

ص: 122

Je dis "أقول"، Je le dis "أقوله"، je ne le dis pas "لا أقوله" لأمكننا اعتبار Je في Je dis كالنهاية اللاتينية O "أُ" في قوله die-o "أقول" وتصورنا أن الفرنسية فيها تصريف في مبدأ الكلمة: Je dis "أقول" tu dis "تقول"، il dit "وتنطق idi إيدي""يقول" ولكنا لم نصل إلى هذا الحد، وإن كنا نلاحظ أن ضمير الفاعل لا يزاده منذ عدة قرون إلا ميلا إلى اللصوق بفعله. فلن نستطيع اليوم أن تقول كما قال ربليه rabelais؛ "Je dit picrocholem je les prendrai a merci" قال بكروشول: سأضعهم تحت رحمتي "مع وضع عبارة قال بكروشول بين الفاعل وفعله" على العكس من ذلك اللغة العامية فكثيرا ما تستعمل ضمير الشخص الثالث حتى عندما يكون الفاعل اسما صريحا: "الوالد، هو يقول ما يريد"، "البرجوازيون هم لهم حظ سعيد" إلخ. من جهة أخرى دوال النسبة التي مثل nous "نحن، نا مفعولا أو مجرورا" و vous "أنتم، كم مفعولا أو مجرورا" قريبة من الكلمة إلى حد ما إذ إنها تستعمل بصورة واحدة للتوكيد، وتقابل في نفس الوقت je و me من جهة moi" "أنا" أو toi، te، tu "أنت" أو lui، le، il. وذلك يعقد من تحديد الكلمات، على نحو ما يعقده وجود ظروف تتأرجح بين دوال النسبة وبين الكلمات وسط صيغة فعلية. فيمكننا القول بأن الكلمة في اللغة الفرنسية لا تخلو من سوء في التحديد.

ذلك صحيح أيضا بالنسبة للغات من قبيل اللغة التركية حيث تتذبذب العناصر الصرفية بين دالة وأخرى من دوال الماهية، أو تتعلق بعضها ببعض في صورة واضحة من الحرية. والذي يجعل للكلمة التركية وحدتها إنما هي ظاهرة صوتية، هي ائتلاف الحركات، تلك الظاهرة التي تنسق تحريق المقاطع المختلفة وفقا لمقطع مسيطر. أما وحدة الكلمة في لغات البنتو فتتعلق بسبب آخر، هو استعمال المعالم التي تتبع في كل فصيلة صرفية الدور الذي تلعبه الكلمة في الجملة. ولكننا مصطرون إلى أن يجمع تحت مصطلح الكلمة في البتو أو الفرنسية أو التركية، عناصر استبدالية متنوعة، هي عناصر يحسها بصفتها هذه، ولذلك لم ترتبط بدوال

ص: 123

الماهية إلا برباط مخلخل1. كذلك الحال في بعض اللغات الأمريكية كالجرينلندية حيث يعجز الإنسان عن تقسيم الجملة فيها إلى أقسام وحيث يغلب الاتجاه فيها إلى عد كلمات بقدر الجمل وجمل بقدر الكلمات2.

أما اللغات السامية واللغات واللغات الهندية الأوربية القديمة كالسنسكريتية أو الفيدية أو الإغريقية القديمة فللكلمة فيها استقلال مطلق يظهر في كثير من المعاملات الصوتية التي تميزها، مثل معاملتها من جهة الأجزاء الأخيرة، أو مثل ذلك التوازن الدقيق الذي للنبر فالكلمة تحمل في نفسها علامة استعمالها والتعبير عن قيمتها الصرفية، فهي على درجة من الامتلاء لا تحتاج معها إلى مزيد. والكلمة الصينية يمكن تحديدها دون عناء أيضا لأسباب أخرى غير السابقة، ولكنها إذا نزعت من النص التي هي فيه فقدت كل قيمتها التعبيرية ولم يبق فيها إلا معنى غامض مجرد لا يمكن إرجاعه إلى أي استعمال.

ليس للكلمة إذن حد عام يمكن تطبيقه على كل اللغات، اللهم إلا إذا كان هذا الذي يقترحه الأستاذ مييه، وهو يترك الصورة التي يعتبر بها عن الاستعمال النحوي للكلمة:"تنتج الكلمة من ارتباط معنى ما بمجموع ما من الأصوات قابل لأن يستعمل استعمالا نحويا ما"3.

1 جونيو، رقم 73، ص34 و35.

2 فنك Finck رقم 161، ص31.

3 رقم 10، 1913، ص11.

ص: 124