الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جلسة آخرى
"سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلاّ بالله.
أما مشايخي في إفريقيا أولاً، لأنهم هم الذين استفدت منهم كثيرًا:
فمشايخي في إفريقيا الغربية التي هي الآن تسمى (مالي) فهم كالتالي:
أولاً: خالي: أحمد بن محمد بن تقي الأنصاري: هذا أول شيخٍ لي في الكتاتيب إلى أن بلغتُ خمسة عشر سنة، هذا هو أولُ شيخٍ ربّاني.
وبدأت عندَه في المبادي العلمية، وهو رجلٌ عظيم، كان هذا الرجل من مشايخي في ذلك الوقت إلى أن توفي رحمه الله ان معتنيًا كثيرًا بتعليم الأطفال، يجمع أطفال الحي ويفتح لهم مدرسة باسم الكتاتيب، واستمرت المدرسة في الكتاتيب إلى أن تخرّج فيها عددٌ لا بأس به في كلّ العلوم، سواء كانت العلوم اللغوية والفقهية والتوحيدية والتفسيرية.
والشيخ الثاني: عمي اسمه: محمد أحمد -الملقّب بالبحرـ، وعمي هذا يعدّ هو المقدَّم في التعليم، لأنه ما لُقِّب بالبحر إلاّ لتبحره في علوم كثيرة قلَّ من تبحّر فيها في وقته.
وعمي هذا هو الذي درست عنه في الفقه المالكي بجميع المقررات في هذا الفقه التي منها: "مختصر خليل" متنًا، ومنها:(رسالة ابن أبي زيد القيرواني)، ومنها -أيضًا-:(شروح مختصر خليل) التي من أهمِّها: (الحطّاب على مختصر
خليل) ، والخيرشي) ، و (عبد الباقي) ، و (التيتائي) ، و (الموّاق) ، وهذه الشروح تعتبر من كبريّات شروح (مختصر خليل) .
هذا بالإضافة إلى أصول الفقه، ودرست عنه كذلك في أصول الفقه:(الورقات) لإمام الحرمين، وجمع الجوامع) للتاج السبكي بشروحه المعروفة التي منها (البنّائي) والمحلِّي) ، هذه بعض الموادّ التي أملاها علينا؛ لأن التدريس عندنا هناك ليس كالتدريس هنا، التدريس عندنا هناك بالإملاءات، لأنه لا توجد كتب، المشايخ ما عندهم كتب، أغلب الكتب مخطوطات نادرة قليلة، فلذلك هم يُملون علينا في الحلقة، فنكتُب على الألواح هذه الدروس، يُملونها فنكتبها فنحفظها غيبًا، وبعد ذلك يشرحون لنا كل ما يحتاج إلى شرح.
هذا الشيخ الثاني الذي يعدّ -كما أشرت إليه- عد في تلك البلاد مفتيًا وقاضيًا، ويحفظ كثيرًا، يعني: من ناحية الحفظ غيبًا يحفظ مقررات -أو كتبًا- همّة قلَّ أحد يحفظها في زمنه، حتى إنه يحفظ متن البخاري، يحفظه بأسانيدِه، هو رجلٌ نادر في تلك البلاد، هذا ثانيًا.
وثالثًا: البليغ الكبير الذي هو موسى بن الكسائي، وموسى بن الكسائي هذا رجلٌ عظيم اجتمع فيه علومٌ -أيضًا- نادرة، منها: الأدب، فهو أديب، متخصِّص في الأدب، هو الذي درست عنه الدواوين الستّ التي منها:(ديوان امرئ القيس) ، و (ديوان زُهير) ، و (ديوان علقمة الفحل) ، و (طرفة العبد) ، و (عنترة) ، هذه الدواوين سمعتها من هذا الشيخ الأديب الكبير موسى ابن الكسائي.
وكذلك درست عليه في علوم البلاغة: (الجوهر المكنون في الثلاثة الفنون: المعاني، والبيان، والبديع) -هذا مؤلفُه عبد الرحمن الأخضري-، ودرست عليه كذلك:(عقود الجمان) في الفنون الثلاثة أيضًا -في المعاني، والبيان، والبديع- لسيوطي.
هذه هي العلوم التي درست عن هذا الشيخ هناك في إفريقيا.
وكذلك أيضًا الشيخ الرابع: حَمُود بن محمود المعروف بالحسن: هذا الشيخ شريفٌ -من الأشراف-، نسبه يعود إلى عليّ بن أبي طالب، وهذا النسب موجود عندي لأني قيّدته عنه فما زال معي منه نسخة إلى الآن. هذا الرجل درست عليه في الفرائض: درست عليه (الرحبية) في الفرائض، لأنه فرضي -يعني: يحسن الفرائض جيّدًا-، واستفدنا منه في هذا العلم استفادة عزيزة، وقلّ شيخ اجتمعنا به في هذا الفن وجدنا منه مثل ما وجدنا عنده من إدراكه لهذا الفن، ولهذا استفدنا كثيرًا، حتى إنني بعدما درست هذا الفن واعتنيت به كدت أن أكون أنا بنفسي متخصصًا فيه.
هؤلاء أربعة، وهؤلاء هم الذين لهم الأثر الكبير في تربيتي وفي تعليمي، واستفدت منهم كثيرًا، هؤلاء أشهر مشايخي هنا، وإلاّ عندي في إفريقيا كثيرون، ولكن هؤلاء هم الذين عليهم المدار في التعلم بالنسبة لي أو بالنسبة لغيري.
أما مشايخي بعدما جئت إلى هذه البلاد المقدّسة -لأنني لما جئت انخرطت في الحلقات في مكّة المكرمة التي يتقدمها حلقة:
حسن مشّاط: المعروف.
ثانيًا: علوي مالكي.
وثالثًا: التُّبّاني العربي.
ورابعًا: أمين الحنفي.
وخامسًا: عبد الرزاق حمزة.
وكان -أيضًا- من مشايخي هنا في مكة: حامد فقي: رئيس أنصار
السنة –المصري-، كان في ذلك الوقت كلما جاء وقت الحج يأتي في بعثة الحج المصرية، فإذا جاء يَفتح له درسًا عند باب علي في مكة المكرمة في المسجد الحرام، فنجتمع عنده.
ومن مشايخي -أيضًا- الذي استفدت منه كثيرًا في مكة: الشيخ عبد الحق العُمَري الهندي.
هؤلاء بعض المشايخ الذين استفدت منهم كثيرًا في مكة المكرمة في علوم كثيرة لا سيّما في الحديث.
أما في المدينة النبوية لما انتقلت إلى المدينة فقد دخلت في حلقات مشايخ كثيرين كذلك، منهم:
عمّار المغربي، ومنهم -أيضًا-: عمر بَرِّي، ومنهم أيضًا: محمد تركي هذا نجدي، وكذلك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب (تفسير أضواء البيان) .
كل هؤلاء كانوا يدرِّسون في الحرم النبوي وفي دار العلوم، وأنا أحضر دروسهم سواء في الحرم النبوي وفي دار العلوم الشرعية.
هذا فيما يتعلّق بأهم المشايخ في الحرمين الذين جلست إليهم واستمعت منهم واستفدت منهم.
أما في نجد: في الرياض فلقد حضرت -أيضًا كذلك -عند مشايخ كثيرين:
منهم الشيخ محمد بن إبراهيم الشيخ: المفتي الأكبر في أيّامِه، هذا الشيخ شيخٌ عظيم، وعندَه مشاركة قويّة في علوم عديدة منها: التوحيد، ومنها: التفسير، ومنها: الحديث، كان هذا الرجل النشيط، رغم كوني أدركته في آخر
عمره، كان يجلس بعد صلاة الصبح في المسجد ويلقي درسًا، وهكذا بعد المغرب، وبعد أذان العشاء كذلك يجلس ويلقي درسًا في التفسير، فنحن نحضر في هذه الأوقات لهذه الدروس لأنها دروس مفيدة.
وكذلك -أيضًا- أخوه الشيخ عبد اللطيف كذلك فهو فرضي، أعني: في الفرائض ممتاز، وأنا -كما ذكرت سابقًا- درست هذا الفن -هذا العلم- وأنا في إفريقيا، واستفدت من هذا العلم هناك، ولذلك لما كنت أحضر عند الشيخ عبد اللطيف في درسه في الفرائض، لأنه متخصص فيها أفهم أكثر مما يفهمه الحاضرون وأستفيد زيادة على ما أستحضره أنا قبل أن أحضر في هذا الدرس.
وكذلك الشيخ عبد الله -أخوهم -وهو أسنُّ منهم، وهذا الشيخ -أيضًا- استفدت منه فيما يتعلّق بالتنجيم مثلاً معلومات كونية في التنجيم المعروف بتنجيم التسيير، وهو عبارة عن معرفة النجوم التي يستدلّ بها على القبلة وكذلك وقت الزراعة، وكذلك -أيضًا -علم بالفصول الأربعة، وغير ذلك مما يتعلق بهذا النوع، استفدت منه لأنني جالسته مرارًا في مناسبات عديدة، وهو يُملي عليّ وأنا أقيِّد.
هذا بعض المشايخ.
وهناك شيخ يجب أن يكون في المقدمة ولكنني لم أتذكر إلاّ الآن، وهو الشيخ محمد عبد الله المدني، والشيخ محمد عبد الله المدني هذا الرجل أولاً كان من المدينة، وعاش في المدينة أيّام تركيا، وأيّام الشريف، وحتى جاءت دولة الملك عبد العزيز هذه -نصرها الله عز وجل، وهذا الرجل درس في دار العلوم الشرعية، ثم لما أدركته هذه الدولة تعلم زيادةً على ما عنده من المعلومات لاسيما في التوحيد والسنة.
هذا الرجل لما وصل إلينا في إفريقيا استفدنا منه، لاسيما فيما يتعلق بالتوحيد وبالحديث وبرجال الحديث، لأن الرجل عنده معلومات قويّة في هذه الفنون ولا سيّما في السيرة النبوية وفي الأدب كذلك، وهو مشارك في هذه العلوم.
وهذا الرجل الحقيقة مجيئه إلينا في إفريقيا فتح لأنه قبل أن يأتي لتلك البلاد -مالي- ما كان الناس يعرفون أو يذكرون شيئًا يتعلّق بتوحيد السلف أبدًا، بل إن السائدَ في تلك البلاد فيما يتعلق بالتوحيد: علم الكلام، وهذا العلمُ -الذي هو علم الكلام -لا يصح أن يسمّى علمًا، هذا ينحصر فيما يتعلّق بعقيدة الأشاعرة وأيضًا الأشاعرة الكلاّبية فقط التي لا تؤمن إلاّ ببعض الصفات-، فالشيخ لما جاء صار فتحًا عظيمًا في هذا الباب، حيث اتضح -بعد الله أولاً ثم بمجيئه- أن التوحيد غير ما هو مقرّر في تلك البلاد، فإنما التوحيد هو توحيد السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وكانت الكتب التي تُقرَّر قبل أن يأتي الشيخ هي: أولاً: (السنوسية الصغرى) – أم البراهين الصغرى) و (أم البراهين الكبرى) ـ، وبجانبها كتيّبات أخرى، وكلّها عبارة عن فلسفة وكلام، ولكن لما جاء الشيخ تبيّن أن هناك كتبًا في العقيدة السلفية لها منهجٌ مخالف لمنهج كتب الفلاسفة والمتكلمين التي كانت مقرّرة قبلَه.
ومنها -أي: الكتب التي تبيّنت وظهرت بعد مجيء الشيخ عبد الله المدني- منها: أولاً: كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب ابن القيم، بل وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. وكذلك -أيضًا- كتب علماء السلف التي اقتبس منها هؤلاء الثلاثة التي منها أولاً:(خلق أفعال العباد) للبخاري، و (كتاب الشريعة) للآجري، و (كتاب التوحيد) لابن خزيمة،
و (كتاب السنة) للإمام أحمد، و (كتاب السنة) لابنه عبد الله، و (كتاب السنة) لابن أبي عاصم النبيل، وغيرُ ذلك كثير من الكتب التي بيّنت وظهر لكثيرين ممّن يرغبون فيها أنّ العقيدة السلفيّة ما زالت موجودة ويقوم بها رجالٌ ينشرونها كثيرًا، فتغيّر الوضعُ عندنا كثيرًا بعد الله ثم بمجيئه فيما يتعلّق بالعقيدة.
وهذا الشيخ -الشيخ محمد عبد الله- أنا كتبت عنه بعدما توفي، والكتابة موجودة عندي هنا نسخة منها (1) .
وكذلك -أيضًا- من مشايخي في إفريقيا: الأخ عمران بن محمود، هذا الأخ عمران بن محمود كاد أن يكون زميلي ويكون قريني، ولكنه هو أسنُّ مني كثيرًا، فلذلك استفدت منه فيما يتعلّق بالنحو والتصريف، سمعت منه في "الكافية" لابن مالك، و"اللامية" لابن مالك، وكذلك -أيضًا- في شروح "الألفية" كالأشموني والصبّان، والخضري -"حاشية الخضري على ابن عقيل) ، وكذلك (التوضيح) ، و (التصريح) ، وكذلك يس (2) ، هذه كلها شروح (الألفية) ، وهذه الشروح أغلبها سمعتها من الأخ عمران بن محمود. وهو أخو حَمُود ابن محمود الذي درست عنه في الفرائض.
وكذلك -أيضًا- مَلُّول بن محمود: مَلُّول بن محمود هذا رجلٌ عظيم، وكان هذا الرجل يجلس كثيرًا لطلبة العلم ويلقون عليه أسئلة وهو يجاوبهم في
علوم كثيرة، منها: في التفسير، وكذلك أيضًا في اللغة، وكذلك أيضًا في السيرة، وقد استفدنا أيضًا من الرجل فيما يتعلّق بهذه العلوم.
(1) كتاب الوالد هذا موجود ضمن هذا الكتاب الذي ألفتُه في ترجمته (عبد الأول) .
(2)
يس~ على رسم القرآن. وهو أحد شرّاح ألفية ابن مالك (عبد الأول) .
ومنهم أيضًا -من مشايخي في إفريقيا، لأن مشايخي في إفريقيا كثيرون، وعندي الآن قائمة لهم، موجودة عندي هناـ، ومنهم: الشيخ عبد الله بن صالح، الشيخ عبد الله بن صالح هذا رجلٌ فتح الله عز وجل عليه فتحًا فيما يتعلّق بالفقه في الإسلام، فهو فقيه نفسي، بحيث إذا سمع أيَّ مسألة يفتح الله عليه في هذه المسألة ما لا يستحضره أيُّ شيخ أو أيُّ طالب علم حينما يسمعُها، فهو رجلٌ عظيم، لو كان في القرون الوسطى لقُيِّد أنه من أولياء الله؛ لأن الرجل يتكلّم، وكذلك أيضًا إذا سمع فإنه يصدُق عليه ما جاء في الحديث:" رب مبلَّغ أوعى من سامع "، أعني يعي فيما سمعه ما لا يعه الذي بلّغه إيّاه أو سمعه منه.
هؤلاء الذين ذكرتهم سواء في إفريقيا الغربية أو في الحجاز أو في نجد، هؤلاء جملة من مشايخي.
وكذلك -أيضًا- أخذت إجازات عديدة عن مختلف المشايخ من مختلف الأقطار، فهذه الإجازات موجودة عندي في ثَبَتي حيث عندي ثَبت -سمّيته:(إتحاف القاري بِثَبَت الأنصاري)(1) ، هذا موجود عندي، ويحوي الذين أخذت عنهم إجازة، وكذلك -أيضًا- حتى الذين سمعتُ منهم قيّدتهم فيه.
فهذا العدد -فيما أرى- يكفي الآن، فندخُل في مسألة أخرى".
حدثنا يا شيخ عن وصايا لم تنسها من هؤلاء المشايخ علّها تكون نبراسًا للطلاب في هذا الوقت
هؤلاء المشايخ أخذت عنهم وصايا كثيرة، منها -وهي أهمُّهاـ: من الوصايا التي أخذتها لاسيّما عن الشيخ محمد عبد الله المدني، هذا في الحقيقة
(1) هذا الثبت نسختُه بخطي تحت ملاحظته وعنايته. وسألحقه -إن شاء الله- بالترجمة هذه، ولكن في الذيل الذي سَيُطبع بعد إخراج هذا الكتاب للناس. ا. هـ (عبد الأول) .
استفدت من وصاياه ما لم أستفد من غيره، وذلك أن الشيخ محمد عبد الله أوّل اجتماعي به بدأ بالتوصية لأنه جاء الاجتماع طارئًا ما كان على موعد، اجتمعنا على غير موعد، فهو بمناسبة ذلك خاف أن نفترق قبل أن يوصيني بما يريد، فلذلك بادرني بالوصية، فقال لي: يا فلان؟، قلت له نعم لبيّك، قال لي: أنا أوصيك وأوصيي نفسي أولاً بتقوى الله في السر والعلانية، ثم أوصيك بالاشتغال بعلم السلف، عليك بأن تهتم وتحرص على علم السلف، وعلم السلف هو كالتالي:
أوّلاً: اشتغل بالعقيدة السلفية وتعليمِها، وكذلك -أيضًا -قال لي: اشتغل بالحديث، يعني: لا تعتمد على الآراء، قال لي: لا تعتمد على الآراء إلاّ إذا عرفت الدليل الذي استمدت منه هذه الآراء.
قال لي: أما في النقطة الأولى -وهي التوحيد -يقول لي: التوحيد هذه الكلمة لا تُطلق شرعًا ولا في عُرف علماء السلف إلاّ على التوحيد الذي اعتمد على القرآن وعلى السنة النبوية، فلذلك قال لي: أنا أذكر لك الكتب التي ينبغي العناية بها والاشتغال بها حتى تعرف معنى التوحيد، قال لي هكذا، قال لي: أولاً: عليك بكتب الإمام أحمد بن حنبل في التوحيد في العقيدة، وقد ذكرت لك الآن بعضَها: ذكرت لك (كتاب السنة) للإمام أحمد، وكذلك
-أيضًا- (كتاب الرد على الزنادقة والجهمية) للإمام أحمد، وكذلك كتاب (الإيمان) للإمام أحمد، وكذلك (كتاب السنة) لابنه عبد الله، وكذلك -أيضًا- (كتاب الشريعة) للآجرّي، وكذلك كتاب (شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة) للحافظ اللآلكائي، وكذلك كتاب (خلق أفعال العباد) للبخاري -كما ذكرتُه سابقًا-، قال لي: هذه الكتب هي التي إذا اعتنيت بها واشتغلت بها فإنك ستتعلم -أو ستعلم- ما معنى التوحيد.
وكذلك -أيضًا- يقول: لا تُغْفِل كتب المشايخ الثلاثة التي هي: كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب ابن القيم، وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وأملى عليّ منها عددًا كبيرًا، في ذلك الوقت ما كنت أعرف عن تلك الكتب، ولكن أنا قيدتها لما أملاها عليّ، نعم ولما رَحَلْتُ إلى هذه البلاد بحثت عن هذه الكتب وقلّ أحد جمع مثلَها، هذه الكتب موجودة عندي الآن، هذه كلُّها هي الكتب التي وصاني الشيخ محمد عبد الله المدني بدراستها وتدريسها والعناية بها وتعليمها للناس، هذه قيّدت أسماءها، ولما أتيت إلى هذه البلاد المقدّسة أوّل ما بحثت عنه هذه الكتب.
وبتوفيق من الله عز وجل قد تحصلت على جملة كبيرة منها قلّ أن توجد عند أحد في هذه البلاد، هذا من فضل الله، ثم من أثر هذه الوصية.
وكان هناك من الأسباب بعد هذه الوصية حصولي على هذه الكتب التي لو -مثلاً- نظرت هذه الأدراج تجد شيء قلّ أن يوجد اليوم، هذا من الأسباب أنني لما وصلت بعد هذه الوصية إلى الخرطوم -إلى أم درمان كما قلت لك أمس- ونزلت عند أنصار السنة، وأنا نزلت عند أنصار السنة بوصية منه أيضًا؛ لأنه يعرفهم لما خرج من هذه البلدة إلى إفريقيا مرّ على الخرطوم، فهو بوصيته أولاً بعد الله حصل لي الاتصال بهؤلاء، ولما وصلنا إلى أم درمان أضافونا في عمارة على شاطئ النيل في أم درمان، وكانت هذه العمارة الدور الأرضي كلُّه مكتبة، وهذه المكتبة في الحقيقة قلَّ كتاب تعلّق بالعقيدة السلفية أو يتعلّق بالحديث إلاّ وهو موجود فيها.
ولما نزلنا فيه ووجدت في المكتبة كثيرًا مما وصّاني الشيخ به أخذت دفترًا كبيرًا وصرت أكتب أسماءها كلها إضافة إلى ما ذكر لي الشيخ وصرت أكتب طبعاتِها في المكان الفلاني، هكذا حتى جمعت منها دفترًا كبيرًا يحوي شيئين:
أولاً: ما يتعلق بالتوحيد -أسماء الكتب المتعلقة بالتوحيد-، وثانيًا: الكتب المتعلقة بالحديث وعلومه، هذه قيّدت منها عددًا لا يستهان به في تلك المكتبة.
ولما جئت إلى هذه البلاد بدأت أبحث عنها، وبتوفيق من الله قد وجدتها كما ترى، من هنا تبدأ إلى هنا، هذا كله حديث، هذه أغلبها بعد الله بوصية الشيخ، ولهذا هذا الذي ترى الآن فقط الحديث متنًا، وهذه أغلبُها بوصية من الشيخ.
وثانيًا: هذه علوم الحديث والمصطلح، هذا الركن كله، هذا المصطلح، هذا كله بعد الله بوصيةٍ من الشيخ.
وكذلك -أيضًا- مما أوصاني الشيخ قبل أن نفارقه قال لي: أنت حينما تكون هناك -يعني: في الحجاز -فأنت تحتاج إضافة إلى كتب الحديث والعقيدة ستحتاج إلى كتب الرجال، لأن الحديث -يقول لي- لا يمكن أن تعرفه بدون كتب الرجال، ولهذا -أيضًا- لما جئت إلى أم درمان في تلك المكتبة النادرة من جملة ما كنت أقيّده أيضًا: كتب الرجال التي تساعد على هذه الكتب، وقد قيّدت منها جملة، هي هذه، هذا كله رجال، فلهذا انظر الآن كيف كان الوضع، فالحديث شرقًا، والرجال غربًا (1) .
فهذا عندي في الحقيقة من أعظم الوصايا التي سمعتها من جميع مشايخي، لماذا صارت هذه من أعظم الوصية؟، لأن مشايخي أغلبهم أشاعرة، أعني: يعنون بالعقيدة الأشعرية الكلاّبية، هذه واحدة، وثانيًا: أغلبهم لا يشتغلون بالحديث، إنما يشتغلون بالفقه -أعني: بالفقه المالكي-، اللهم إلاّ اثنان منهم فقط، وهما:
(1) هذا وصفٌ لمكتبته الحالية (عبد الأول) .
أولاً: عمي محمد أحمد الملقّب بالبحر، هذا في التوحيد السلفي إمام، هو الذي درست عليه (مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني) ، وهذه المقدّمة من أولها إلى آخرها في العقيدة السلفية، وكذلك خالي محمد أحمد الملقب بأستاذ الأطفال هو كذلك سلفي، ولم يوجد من مشايخي في إفريقيا سلفي إلاّ هذان، نعم، انتبه لذلك، إنهم علماء مشاركون في علوم كثيرة ولكن رغم كونهم علماء لم تكن هناك كتب مقررة في العقيدة السلفية إلاّ قليل.
وكذلك -أيضًا- لم يكن من مشايخي في إفريقيا محدِّث يشتغل بالحديث أيضًا كذلك إلاّ قليل، منهم عمي الملقّب بالبحر الذي ذكرت لك أنه غيّب متن "البخاري" في الحقيقة يعدّ إمامًا في علم الحديث وفي الفقه وفي علومٍ كثيرة، فهذا-أقوله بصراحة -لأن السبب كما ذكرت أنه ما كانت توجد الكتب التي تتعلق بالعقيدة السلفية أو تتعلّق بالتعمّق في علم الحديث متوفرة في تلك البلاد، وإلاّ بمجرد ما وصل الشيخ محمد عبد الله المدني وتبيّن أن هذه الكتب موجودة وأنها توجد مطبوعة وأنها منتشرة في العالم بدأوا يبحثون عنها، فلذلك تغير الوضع وصار العلم في تلك البلاد الآن على غير المنهج الذي كان قبل أن يأتي الشيخ محمد عبد الله،
قبل أن يأتي المقررات كلها في الفقه المالكي واللغة والأدب والسيرة والتفسير والبلاغة وأصول الفقه وغير ذلك من علوم كثيرة، ولكن بعدما جاء الشيخ محمد عبد الله صار طلبة العلم يبحثون عن الكتب الأصلية التي هي كتب السلف، سواء في التفسير والحديث والعقيدة وغير ذلك.
ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علّمنا، ويفقهنا فيما علّمنا".
نريد منك إجراء مقارنة بين طلاّب العلم في القديم والحديث
"ماذا تعني بالقديم والحديث؟ ".
في أيامكم والآن؟
هذه "أعطيتكم إشارة عنها الآن".
يعني: هل قصرت همم طلاّب العلم الآن؟
"الآن أنا أعطيتك الإشارة في الكلمة التي أنهيناها الآن أعطيتك الإشارة. إذا كنت تعني بطلاّب العلم في إفريقيا أو بطلاّب العلم في آسيا، ماذا تريد؟ ".
بصفة عامّة؟
"بصفة عامة: أنا قد عاصرت طلاّب العلم في القارّتين -سواء في إفريقيا أو في آسيا كما تعرف-: الحقيقة أن المقارنة بين طلاّب العلم في إفريقيا في أيامي هناك وفي آسيا في هذه الأيّام هي كالتالي:
أما ما يتعلّق بإفريقيا فهو كما ذكرتُ أن إفريقيا -وخصوصًا مالي بالخصوص-، اعلم: أنَّ إفريقيا تنقسم إلى قسمين: إفريقيا البيضاء وإفريقيا السوداء، وأنا الآن أتكلم عن إفريقيا السوداء لأنه هي التي عشت فيها تلك المدّة القصيرة التي عشتها هناك، وهذه إفريقيا السوداء التي أعنيها أيضًا أخصُّ منها مالي فقط، لأن أفريقيا السوداء بجميع دولها لا يوجد فيها بلد يُعنى بالعلم وبدارسة العلوم إلاّ مالي، أما ما سوى مالي من إفريقيا السوداء فليس عندهم من العلوم ومن الدراسات مثل ما يوجد في مالي، ولذلك جميع إفريقيا السوداء الذين يجاورون مالي يدرسون في مالي، فإذا درسوا في مالي رجعوا إلى بلادهم، ومالي تُعدّ هي القاعدة -هي قاعدة العلم- هي تنبكتوا، وتنبكتوا هذه بلد علم، من حين ما تأسّست في القرن الثامن الميلادي وهي بلد علم إلى أن جاء الاستعمار الفرنسي، ولما جاء الاستعمار الفرنسي نقل العاصمة عن تنبكتوا وجعل العاصمة (قاوا) صارت هذه البلدة خلاف ما كانت عليه سابقًا، انتقل
العلماء إلى (قاوا) ، أولاً كان مركزهم في تنبكتوا، والأثر لهذا النشاط الآن مؤلَّفٌ فيه كتب كثيرة، فمثلاً كتاب عبد الرحمن السعدي عن تنبكتوا وعلمائها، و (فتح الشكور في تاريخ بلاد تكرور) -يعني بتكرور تنبكتواـ، هذه الكتب أعطتنا فكرة عظيمة وكبيرة حول نشاط العلم في تنبكتوا.
هذا هو السبب الوحيد بعد الله في أن إفريقيا السوداء الغربية لا يوجد فيها بلدٌ يُعنى بالعلم والتعليم أبدًا إلا نادرًا، وإنما العلمُ قبل الاستعمار وبعد الاستعمار انحصر تعليم العلم بجميع أنواعه وفنونه في هذه المنطقة التي تسمّى (المنطقة
الشرقية في مالي) التي عاصمتها الآن (قاوا) ، وعاصمتها في الماضي تنبكتوا.
هؤلاء العلماء في تلك المنطقة -مثلما ذكرت سابقًا- العلماء يُعنون بالعلوم التي وجودها في تلك المنطقة التي ذكرتُ لك بعضَها، يعنون باللغة، وهم في علم اللغة أئمّةٌ، سواء في اللغة أو في مفرداتها، وفي الأدب.
وكذلك -أيضًا- يُعنون بالتفسير، ولكن هنا ملاحظة: التفسير الذي يعتني به العلماء في تلك المنطقة هو التفسير الذي يُطلق عليه التفسير بالرأي، ما يُعنون بالتفسير المسند، مثلاً: تفاسير الصحابة المسنَدة والتابعين المسنَدة، بل وكذلك التفاسير المرفوعة، ما يُعنون بها، والسبب في ذلك: قلّة الكتب في هذا الموضوع في تلك البلاد. هذا أوّلاً.
هكذا كان العلم أن العلماء في تلك البلاد يحرصون على دراسة هذه العلوم التي ذكرتُ بعضَها التي منها: التفسير المجرّد، وكذلك أيضًا اللغة بأنواعها، والأدب، والسيرة، وكذلك أيضًا تجد واحدًا من عشرة يدرُس (الموطأ) .
هكذا كان العلم أولاً في تلك البلاد، ولكن تغيّر الوضع -ولله الحمدُ والمنة- وذلك لتيّسر هذه المواصلات التي حصلت من زمن إلى الآن، لما حصلت
هذه المواصلات واتّصل علماء تلك المنطقة بآسيا عرفوا -كما ذكرت- أولاً بوصول الشيخ محمد عبد الله إلى تلك البلاد، وثانيًا بتيسّر المواصلات حتى تمكّن طلبة العلم هناك من الوصول إلى هذه البلاد وإلى مصر وإلى أيّ بلدٍ يريدون في آسيا، هذا كلُّه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تغيّر وضعُ التعليم في منطقة مالي عما كان عليه سابقًا قبل الحرب، صار العلماء بعدما انتهت الحرب صاروا يدرُسون كتب العقيدة السلفية، وصاروا يدرُسون -كذلك -كتب الحديث، وصاروا يدرُسون مصطلح الحديث، وصاروا يدرُسون التفاسير المسنَدة، كـ"تفسير ابن جرير"، و"تفسير البغوي"، وصارت هذه المقرّرات بعد الحرب العالمية الثانية صارت هي العمدة، وصارت هذه الكتب هي التي عليها المدار بعد الحرب الثانية، بخلاف ما كان قبل الحرب حيث إنه كانت العمدة في التفسير عندهم:"تفسير الجلالين" و"تفسير البيضاوي" و"تفسير النسفي" وما إلى ذلك من التفاسير المجرّدة، فلذلك العلم بالنظر إلى التوحيد وإلى التفسير وإلى الحديث في تلك البلاد الآن أحسن من العلم فيما قبل هذا الوقت، وإن كان أولئك الذين قبل الحرب العالمية الثانية عندهم علم، ولكن هذا العلم يُعدّ كوسائل ليس غاية، أما في الوقت الحاضر من الحرب العالمية الثانية إلى الآن العلمُ عند طلبة العلم اشتمل على شيئين:
أحدهما: وسائل التي كانت عند أولئك قبل الحرب.
وثانيًا: الغايات التي تنقص أولئك في زمنهم.
ومن الأسباب في ذلك -كما ذكرتُ- قلّة وجود هذه الكتب بين أيديهم في وقتهم، وإلاّ لو وجدوها في وقتهم لبادروا إليها كما بادروا إليها بعدما وُجدت، هكذا العلمُ في إفريقيا.
أما العلمُ في آسيا -المقارنة بين العلماء في آسيا وإفريقيا-: الحقيقة آسيا
قبل هذه الدولة ما كان العلمُ في آسيا كما ينبغي قبل هذه الدولة، لأن هذه الدولة -دولة الملك عبد العزيز -هذه الدولة جاءت بخير كبير لآسيا أوّلاً ثم العالم الآخر ثانيًا، وذلك أنه قبل هذه الدولة ما كان العلماء يُعنون بالتوحيد في آسيا كما يجب، وما كانوا -كذلك -يُعنون بالحديث كما ينبغي تطبيقًا، قد تجد العلماء قبل هذه الدولة يشتغل بعضهم بالحديث هنا في آسيا ولكنهم لا يطبِّقونه -لا يطبِّقون الحديث-، وإنما يعتمدون على مجرّد ما في المذهب -من المذاهب التي يتقيّدون بها-، فهذا من ناحية.
وكذلك -أيضًا- ما كانوا يُعنون -أي: العلماء قبل هذه الدولة -ما كانوا يُعنون بالسيرة كما يجب، ولكن بتوفيقٍ من الله عز وجل لما جاءت هذه الدولة- وهي الدولة السعودية التي نرجوا أن تكون هي الطائفة المنصورة -لما جاءت هذه الدولة قامت بعملٍ عظيم، وهو أن هذه الدولة نبّهت العالم الإسلامي إلى أنّ العلم لا بدّ وأن يتركّز على شيئين:
أحدهما: العقيدة -وهي الأساس-.
وثانيًا: القرآن والحديث تطبيقًا، ما هو مجرّد قراءة، فلذلك الآن العلماء من أيام هذه الدولة إلى الآن -إن شاء الله إلى آخر الدنيا -يخالف وضعهم قبل هذه الدولة، حيث إنّ الدولة نشرت العقيدة السلفية، وكذلك أيضًا نشرت السنة النبوية، وكذلك أيضًا نبّهت الناس إلى أن القرآن يجب أن يدرَس كما درسه الصحابة وكما درَسه التابعون -رضي الله عن الجميع-".
جزاك الله خيرًا. هنا يا شيخ حملات مسعورة على السنة النبوية تتهمها بضعف الثقة وتدعوا إلى طرحها جانبًا والاكتفاء بالقرآن الكريم. كيف نردّ على هذا؟
هذه الحملات ليست جديدة، هذه حملات قديمة، وهذه الحملات يتبنّاها
ناسٌ ليس عندهم فقهٌ في الإسلام وإلاّ الذي يطرح السنّة بدعوى أنه يكتفي بالقرآن هذا يلزمه أنه لا يصلِّي الظهرَ أربعًا ولا يصلِّي العصر أربعًا، ولا يصلي المغرب ثلاثًا، فمثل ما قال عمران بن الحصين للرجل لما قال له: نحن يكفينا القرآن وما نحتاج إلى السنة، فقال عمران بن حصين -الصحابي الجليل-: إذا كان الأمرُ كذلك كيف تصلي الظهر، وكيف تصلي العصر، والسنة مبيِّنة للقرآن كما قال الله عز وجل:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} ، وكذلك قال الله عز وجل:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم} ، وقال الله عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ، وقال في آية أخرى:{من يطع الرسول فقد أطاع الله} .
الذي يطرح السنة على جانب هذا إنسانٌ عدوٌّ للإسلام، يُعدّ من أعداء الإسلام؛ لأن السنة طرحها لا يمكن بعدما تكون ثابتة، لأن كلمة الإخلاص التي هي:"لا إله إلا الله محمد رسول الله" تشتمل على شيئين:
أحدهما: "لا إله إلا الله" وهذا الشِّقُّ منها معناه: طاعة الله وعبادة الله وحدَه.
والشقُّ الثاني: "محمد رسول الله" وهو اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومَن كان على خلاف ذلك فإنه ليس من أهل "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فلذلك هذه الحملات يجب أن يُضرب بها عرض الحائط ويقدّم أهلُها للمحاكمة إنْ تابوا وإلاّ قُطعت رقابهم. هذا حكم الله فيهم".
يا شيخ هل صحيح أن الأمة الإسلامية عندما بدأت تدوين الحديث على رأس المائة الأولى للهجرة كانت تهدف إلى الجمع لا إلى التمحيص؟
"لا، لا، ما هو هكذا، هؤلاء العلماء من حينما بدأ التدوين بدأ في أيّام النبوة ليس بعد النبوّة، وإنما انتشارُه وتوسُّعه بعد النبوة، وإنما بدايته من زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان العلماء من الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم لما بدأوا يكتبون السنّة ويجمعونها، كما قال عمر بن عبد العزيز للزُّهري وغيره، وهذه السنة التي يجمعونَها بأسانيدِها، والعلماء في ذلك الوقت غير العلماء في وقتنا هذا ولا فيما بعد أولئك، العلماء في ذلك الوقت علماء بحيث إذا قرأ العالم هذا الحديث أو كتبه فإنه يعرف
أن هذا صحيح أم ضعيف أم موضوع أو حسن بسنده الذي معه، فلذلك هم في ذلك الوقت اكتفوا بجمع الحديث بأسانيده ليقدِّموه لمن يعرف هذه الأسانيد،
والذين يعرفون هذه الأسانيد بمجرّد ما يقرؤون الحديث يعرف أن هذا الحديث حسن أم ضعيف أم موضوع أم موقوف أم مقطوع وهكذا.
ولذلك نرى الآن حتى العلماء المتأخِّرين -أترك المتقدِّمين-، لأن المتقدِّمين عندهم من العلم بهذا الباب ما ليس للمتأخِّرين، ولكن رغم هذا فإن المتأخرين من العلماء مثلاً مثل الطبراني، وكذلك -أيضًا- الخطيب البغدادي، وكذلك -أيضًا- تلامذتهم، هؤلاء يكتبون الحديث بأسانيدهم ومع ذلك قلَّ أن يعلّقوا على تلك الأحاديث بأن هذا الحديث صحيح أو ضعيف، لماذا، لأنهم يقولون: كلُّ من ذكر السند فقد كفاك المؤنة، لماذا؟؛ لأن السند لا ينبغي أن يقرأه إلاّ أهلُ السند، هم يذكرون السند لأهل العلم لا يذكرونَه للجهلة، الذي لا يعرف السند لا يجوز له
أن يقرأ الحديث أبدًا، بل إنما يجب عليه أن يسأل أهلَ العلم بالحديث حتى يبيِّنوا له أن هذا السند صحيح أو ضعيف وغير ذلك.
فلذلك قول هؤلاء إن المتقدِّمين عُنوا بجمع الحديث دون تمحيص هذه كلمة قد تكون من جهة صحيحة ومن جهة غير صحيحة:
أما من جهة صحتها: أنه إذا كان هذا الشخص يعني أن المتقدّمين يكتبون الأحاديث بأسانيدهم ويكتفون بذلك دون تعليق هذا صحيح.
أما إذا كان يعني أنهم يجمعون الحديث دون أن يذكروا أسانيدَه فهذا قولٌ باطل، فإنهم لا يذكرون حديثًا بدون سند أبدًا، لأن السند زمام للحديث، الجمل بدون زمام من الصعوبة قيادته، فلذلك هم يذكرون السند ليُعرف أن هذا الحديث صحيح أو غيرُ صحيح".
أيضًا هناك يا شيخ من يقول: الفكر الإسلامي اليوم يعيش في أزمة، وأن المفكرين الإسلاميين المعاصرين اليوم يعيشون عالة على المتقدمين، وأنهم عاجزون عن تقديم حلول إيجابية لقضايا العصر، فما رأيُك؟
"لا، لا، هذه الكلمة لا بد تُبَيَّن تمامًا، هذا السؤال غير واضح".
هناك من يقول: إن الفكر الإسلامي في أزمة، وأن المفكرين الإسلاميين؟
الفكر الإسلامي في أزمة؟.
"ما معنى (الفكر الإسلامي في أزمة) ؟، أولاً: لازم تُشرَح الكلمة هذه؛ لأن هذه كلمةٌ مجملَة، لا يمكن نسلط عليها الأضواء إلاّ بعد تحليلها هي نفسها -نفس الكلمة ـ. ما معنى الفكر الإسلامي:
أولاً: حتى تُشرح كلمة (الفكر الإسلامي) ، ما معنى الفكر الإسلامي، أولاً حتى يُعرف معنى هذه العبارة، والعبارات المحدَثة لا يمكن تسلَّط عليها الأضواء إلاّ بعدما تُرد إلى المصطلحات القديمة الشرعية، لأن في الشريعة لا يوجد كلمة (الفكر الإسلامي) لا يوجد هذا، لا يوجد هذا لا في زمن النبوة، ولا في زمن الصحابة، ولا في زمن التابعين، إلى القرن السادس لم توجد هذه
العبارة، فلذلك الذي ينطق هذه العبارة يجب أن يشرحها أولاً ثم بعد ذلك تسلّط عليها الأضواء. ما معنى الفكر الإسلامي؟، نريد هذا، أولاً: اشرحها أنت أولاً كلمة (الفكر الإسلامي) ، ما هذه الإضافة، نحن نريد أن نعرف أولاً معنى هذه الإضافة ثم بعد ذلك نشرح الكلمة.
هذه كلمةٌ لا تُقال لا لغة ولا شرعًا ولا عُرفًا، إنما هذه كلمةٌ محدَثة مأخوذة من المستشرقين والفلاسفة، مفهوم هذا؟.
فإذا كان هذا الشخص يعني أن علماء الإسلام عجزوا عن حلول للقضايا التي تُطرح عليهم فيما يتعلّق بالإسلام، فهذا له جواب، ولكن بعبارة (الفكر الإسلامي) لا جواب له أبدً.
وإنما هذه الكلمة التي ذكرتها الآن لها إجابة وهي: إذا كان علماء الإسلام عجزوا عن حلول للقضايا التي تُطرح عليهم حول الإسلام. هذا حقٌّ إن كان حصل، وسببُ ذلك: أن علماء الإسلام في وقتنا -أو في وقتٍ مضى- لما تخلّفوا عمّا يجب عليهم نحو الإسلام، لأن الإسلام ليس مجرّد الانتماء فقط، لا، الإسلام لا بدّ وأن يكون بمعناه الصحيح، الإسلام معناه الصحيح هو التمسُّك بما في القرآن وبما في السنة النبوية علمًا وعملًا، يعني: إذا كان علماء الإسلام متمسِّكين بالقرآن والسنة وبسيرة السلف علمًا وعملاً فإنهم يجدون كلّ حلّ لكل قضية إلى ما لا نهاية.
ولكن إذا تخلّف هؤلاء العلماء عن القرآن والسنة وعن السيرة النبوية واعتمدوا على غيرهم من أعدائهم، وتخلّقوا بأخلاق أولئك، وتزيّوا بزيِّهم، وجعلوهم هم القدوة ففي هذا لا يمكن أن يجدوا حلاًّ لأيِّ قضية من قضايا الإسلام، لماذا؟، لأنهم تركوا الطريق التي يوجد فيها الحلول وذهبوا إلى طريق هي ضدّ تلك الحلول.
هذا هو الذي أنا أراه أنه هو السبب فيما طرحتَ الآن".
وما رأيكم في القول بأن علماء اليوم يعيشون عالة على علماء الأمس؟
"أما هذه الكلمة حقًّا أنها تستحق أن تسلّط عليها الأضواء.
علماء اليوم حقًّا أن أغلبيّتهم عالة على من تقدّمهم، وكونُهم عالة على من تقدّمهم هذا ليس عيبًا فيهم، ولكن ينبغي للعالم أن يكون عنده حريّة الرأي (1) وأن يكون عنده التمييز بين الصواب والخطأ، لأن الذي قبله قد يصيب وقد يُخطي، فلذلك يجب على عالم اليوم أن لا يعتمد على ما قاله عالم الأمس إلاّ بعد دراسته طبق القرآن وطبق السنة وطبق الفقه الإسلامي، وإلاّ حقًا أن القصور -أو التقصير -حاصل من كثير من علماء اليوم، حيث إنه تجد أغلبهم يتقيّدون بمذهب من المذاهب: هذا حنفي، هذا شافعي، هذا حنبلي، هذا مالكي، تجد أنه يعتمد على كتبٍ جامدة -الكتب التي في أغلب هذه المذاهب كتب جامدة- يعني: قلّ أن تجد بجانب هذه القضية في هذا الكتاب دليلاً تستطيع أن تعتمد عليه، فتجد هؤلاء يتمسّكون بما وجدوا في هذه الكتب بدون دراسة وبدون تمحيص، فهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يستمر ولا ينبغي أن يكون، بل إن العالم -إذا كان عالِمًا، وأنا أعدّ أولئك غيرَ علماء- أنا أعدّ أولئك الذين لا يدرُسون المسائل على ضوء القرآن والسنة أعدُّهم جهلاء ليسوا بعلماء، العالم هو ذلك الذي إذا درَس مسألة في أيّ مذهب من المذاهب وفي أيِّ قضيّة من القضايا يسلّط عليها الأضواء من القرآن والسنة، ما وافق القرآن والسنة أخذ به، وما لم يوافق القرآن والسنة رفضه وتركه. هكذا يكون العالم.
(1) هذا الفصل وهذا الكلام مهم جدًّا ومفيد (عبد الأول) .
أما مجرّد التقليد هذا المقلِّد ليس بعالم، المقلِّد كما قال ابن عبد البرّ:
لا فرق بين مقلّدٍ وبهيمة
…
تنقاد بين دعافل وجنادل
المقلِّد على خطر، اللهم إلاّ للضرورة، التقليد يجوز للضرورة، إذا كان الإنسان -مثلاً- في غابات إفريقيا التي لا يوجد فيها علماء ولا يوجد فيها كتب الحديث ولا يوجد فيها كتب التفسير المعتبَر، فوجد (مختصر خليل) مثلاً، جاز له أن يقلّد ما وجد لغاية ما يفتح الله عليه، فإذا فتح الله عليه بالعلم الصحيح لا يجوز أن يقلّد (مختصر خليل) إلاّ بعد تسليط الأضواء عليه".
يا شيخ هل يمكن أن يتكرّر أمثال الإمام البخاري والإمام الشافعي ومسلم وغيرهم من أولئك الجهابذة؟
"هذا فضلُ الله، البخاري، ومسلم وغيرهما من أولئك الجهابذة ما أعطوا أنفسَهم، الذي أعطاهم هو الله، الله هو الذي أعطاهم قادرٌ على أن يعطيَ غيرَهم في كلِّ زمان، المدار على الاتصال بالله عز وجل وسؤالِه من فضلِه {واسألوا الله من فضله} اللهم إنا نسألك من فضلك العظيم".
يا شيخ ما رأيك في القول بأن باب الاجتهاد أُغلق؟
"قولهم: باب الاجتهاد أُغلق هذا الكلمة جاءت من عدم فهم معنى الاجتهاد، هؤلاء الذين يُطلقون هذه الكلمة أطلقوها لأنهم لا يعرفون معنى الاجتهاد ففسروا الاجتهاد بغير معناه، وهذا المعنى الذي فسّروا به الاجتهاد حقًّا أن هذا المعنى الذي تبادر إليهم لا وجودَ له.
هم فسّروا الاجتهاد بالاختراع، يعني تخترع شيئًا لم يسبقك أحدٌ إليه لا قرآن ولا سنة ولا اجتهاد عالم من العلماء، هذا معناه الاختراع، الاختراع يكون في الصناعات والحِرَف. أما الاجتهاد الذي هو -كما قاله الأصوليّون، اسمع: ـ
والاجتهاد بذل الوسع في
…
بلوغ الغرض لذي التصرُّف
أما الاجتهاد بهذا المعنى بابُه مفتوح إلى أن تقوم الساعة، الاجتهاد بذل الوسع في بلوغ الغرض. يعني: معناه بذل الجَهد والطاقة لفهم ما دلّت عليه هذه الآية الكريمة أو دلّت عليه هذه السنة النبويّة، وهذا الجَهد وهذا الاجتهاد لا يزال إلى أن تقوم الساعة.
لو فسّر أولئك العوام -أنا ما أسميهم بالعلماء، وحتى كلمة الجُهّال ما أطلقها عليهم، هؤلاء عوام ما يفقهون-، لو فسروا الاجتهاد بهذا المعنى الذي فسّره به جميع العلماء قاطبةً لعرفوا أن الاجتهاد بهذا المعنى الذي هو مراد العلماء بالمعنى الصحيح لا يمكن أن يُغلق إلى أن تقوم الساعة، ولهذا أهل العلم الذين فقهوا وأدركوا مراد هؤلاء العوام ردّوا عليهم وبيّنوا لهم أن الصواب خلافُ ما قلتم أنتم، فكتبوا كتبًا منها: أولاً (جامع بيان العلم) لابن عبد البر، ومنها:(تيسير الاجتهاد) للصنعاني، ومنها:(القول المفيد في الاجتهاد والتقليد) للشوكاني.
وهؤلاء هم الذين وضّحوا لأنهم جاءوا في زمن هؤلاء العوام
-أعني: في زمن المقلِّدين -المقلدون عوام، انتبه لهذا!، ولهذا -كما سمعت في هذا البيت-:
لا فرق بين مقلّدٍ وبهيمة
…
تنقاد بين دعافل وجنادل
العامي لا يجوز أن يطرح كلامُه بين أهل العلم إلاّ للتحذير منه فقط، إنما الذي يجب: أننا نفقّه الناس ونفهمهم أن هنا شيئين: أولاً: اجتهاد، وثانيًا: تقليد.
الاجتهاد هو: أن يعتمد الإنسان على ما فتح الله عز وجل عليه في القرآن والسنة على ضوء ما فهمه مَن قبلَه من الأئمة، هذا هو الاجتهاد.
وأما التقليد فهو: التمسُّك برأيٍ من الآراء دون أن تعرف دليلَه، ولهذا يقولون:
تقليدهم: قَبول قول القائل
…
بدون حجة لدفع الصائل
يعني: التقليد: أن تقبل من أيِّ أحدٍ من الناس قولاً دون أن تسمع منه الدليل على القول، هذا في الحقيقة لا يجوز إلا في الضرورة كما ذكرت لك في غابات إفريقيا، ولكن الإنسان الموجود بين أهل العلم، وموجود في بلاد العلم لا يجوز له أن يكتفي برأي زيدٍ أو عمرو حتى يسألَه عن دليلِه كما قال الله عز وجل:{فاسألوا أهلَ الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر} .
أما من ناحية وجود علماء مجتهدين في عصرنا هذا هذا شيءٌ لا خلافَ فيه إلاّ عند العوام، العلماء في وقتنا هذا فيهم مجتهدون كثيرون، لماذا؟، لما ذكرتُه لك سابقًا: أن تأسيس هذه الدولة السعودية جاء بخيرٍ لم تأت به أيُّ دولة قبلَها بعد الدولة العبّاسية، التي هي آخر الدول الإسلامية المتمسكة بالقرآن وبالسنة. أنا أقول بصراحة: لم أعرف بعد هذه الدولة -الدولة العباسية- دولة قامت بمثل ما قامت به هذه الدولة السعودية من نشر العقيدة السلفية بنصوصها، وكذلك -أيضًا -ما يتعلّق بالسنة النبوية بأدلّتها، فلذلك نستطيع أن نقول: إنَّ هذا الفتح العظيم الذي حصل بعد مجيء هذه الدولة وقبلَها الدولة الأولى التي هي دولة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فتح على المسلمين حتى عرفوا أن العمدة على ثلاثة أشياء:
أولاً: آية من كتاب الله محكَمة.
وثانيًا: سنة عن نبي الله.
وثالثًا: فريضة عادلة.
ومن قبل كان الناس (طلبة العلم) كانوا غافلين عن هذا، ولكن لما جات هذه الدولة الناس بدأوا يفقهون ويفهمون هذا، فلهذا المجتهدون من العلماء في هذا العصر كثيرون، وكلُّ مَن خالف في ذلك يجب عليه أن يتّهم نفسَه ويعترف بأنه جائر ويريد أن يطبِّق ما عليه هو من الجهل على الآخرين، لأن الاجتهاد على المعنى الذي ذكرنا من المستحيل أن يخلوَ منه عالم أبدًا، وإنما الاجتهاد بالمعنى الذي توهمه بعض الناس فإنه لا يكون في الوجود مجتهد.
أنا في الحقيقة (1) لم أشتغل بالتأليف وإنما اشتغلت بالتعليم، حياتي كلُّها تعليم، أنا الآن في هذه الدولة لي أربعون سنة وأنا مدرِّس في جميع مراحل التعليم من الابتدائي -بل من التحضيري والابتدائي-، والمتوسطة، والثانوي، والكليّة، والجامعة، والدراسات العليا، هذه المراحل كلها درّستُ فيها وما زلتُ إلى الآن أدرِّس في الدراسات العليا منذ أربعين سنة إلى الآن، وهذا العمل هو الذي شغلني كثيرًا ما وجدت فراغًا للتأليف، إضافةً إلى كثرة المراجعين وكثرة الطلبة في كل وقت؛ لأن الطلبة عندي ليسوا كالطلبة عند الآخرين، أنا عندي الطلبة الرسميّون -هؤلاء في المدرسة -وعندي الطلبة الإضافيون، هؤلاء في البيت وفي المسجد وفي الشارع وفي أيّ مكان تيسّر، هذا شغلني كثيرًا عما أنا عزمتُ عليه من الاشتغال بالتأليف، فلذلك لم يتسيّر لي أن ألّف الذي أريد ألّفه أو أجمعه، ولكن رغم هذا فإنني قد كتبتُ بعض الرسائل في موضوعات مختلفة في العقيدة، وفي الحديث،، وفي الرجال، وفي النحو.
منها في العقيدة: "البت في الحكم في الطواغيت الست" هذه موجودة عندي.
(1) فصل مهم جدًّا عن سبب قلة مؤلفات الوالد -رحمه الله تعالى- (عبد الأول) .
ومنها: (كشف الستر عما ورد في شدّ الرحال إلى القبر) .
ومنها: الرد على المغربي الغماري أبي الفضل عبد الله الغماري هذا المغربي موجود الآن في طنجة، كتب رسالة -أو رسالتين- سمّى إحداهما:(إتحاف الأذكيا في التوسل بالأنبياء والأوليا)، فرددت عليه برسالة أخرى سمّيتها:(إتحاف القاري بالرد على الغماري) . هذه أصلها-أيضًا- موجودة مطبوعة.
وكذلك -أيضًا- كتبت رسالة في الهجرة، هذه موجودة سميتها:(إعلام الزُّمرة بأحكام الهجرة) ، ما طبعت، ولكن يُمكن أن تُطبع إن شاء الله؛ لأني أنا الآن بدأت أطبع كلَّ ما كتبت بواسطة مطبعة الكويت.
وكذلك -أيضًا- كتبت رسالتين إحداهما سميتها: (تعريف أهل الرسوخ بمن رُمي بالتدليس من الشيوخ) ، هذه -أيضًا- مطبوعة، طبعت.
والرسالة الثانية: "فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدِّثين بالألقاب".
وكذلك -أيضًا- كتبت كتابًا: (بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني) ، هذا موجود أيضًا، طُبع بالآلة، وما قدّمناه إلى الطبع الرسمي إلى الآن.
وبجانب هذه الرسائل كتب تحقيق: حقّقت كتابًا للذهبي، وهو (ديوان الضعفاء) للذهبي.
وكذلك حققت (ذيل ديوان الضعفاء) أيضًا. فهذان أيضًا مطبوعان.
وعندي مجموعة كبيرة من هذا النوع من الرسائل سلسلتها الآن للطبع، يعني: عملت السلسلة الأولى: ثلاث رسائل، والسلسلة الثانية: أربع رسائل، والسلسلة الثالثة: خمسة رسائل، والسلسلة الرابعة: ستّ رسائل، وهكذا الآن
ما زالت على هذا التسلسل في الطبع، وفي الطبع الآن الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة، هذه الآن في الطبع، هذا أهمُّ ما جمعتُ من الرسائل ومن الكتب.
ومنها: (سبيل الرشد في تخريج أحاديث بداية ابن رُشد) هذا أيضًا مطبوع بالآلة وسنقدمه إن شاء الله للطبع الرسمي".
ماذا عن المخطوطات يا شيخ ماذا لديكم منها؟
أما المخطوطات ما بين مصوّر ومخطوط على الطبيعة فعندي منها تقريبًا ألف مخطوطة، وهذا الألف يتكوّن مما يلي:
أولاً: مخطوطات في الحديث، يعني: متون الحديث.
وثانيًا: مخطوطات في رجال الحديث.
وثالثًا: مخطوطات في العقيدة السلفيّة.
ورابعًا: مخطوطات في التفسير السلفي فقط.
هذه هي المخطوطات عندي، فأنت تستطيع أن ترى الآن نموذجًا منها: هذه الغرفة كلّها مخطوطات، كلّها في الحديث، والرجال، والعقيدة".
ما هي أول مخطوطة يا شيخ عثرت عليها؟
"أول مخطوطة حصلت عليها: "التعريف والإعلام بما أُبهم في القرآن من الأسماء والأعلام للسُّهيلي، وهو هذا أمامَك".
سنة كم يا شيخ؟
"انظر إليه، أوّل مخطوطة حصلتُ عليها، وبها بدأت، هي موجودةهنا. هذه وقفت عليها منذ سنين، هذه هي، أحسنت يا شيخ!، انظرها على
الطبيعة، وتُعد هذه المخطوطة أندرُ مخطوطة لهذا الكتاب، رغم أن هذه المخطوطة -هذا الكتاب- قد حُقِّق ثلاث مرّات ولكن أولئك المحققين الذين حققوه لم يعثروا على هذه النسخة النادرة؛ لأن هذه النسخة بخطّ تلميذ المؤلِّف عند المؤلف، المؤلِّف جالس ونسخها تلميذُه، والمؤلِّف لكونه كفيفًا لم يستطع أن يوقّع عليه، ولكن أقرَّها، وهي تُعدّ أقدم مخطوطة عندي أنا".
سنة كم يا شيخ حصلت عليها؟
"هذه حصلت عليها في مكة المكرمة، عثرت عليها في مكة المكرمة سنة واحد وسبعين هجري، وفي ذلك الوقت ما كنت متجهًا للمخطوطات كنت متجهًا للمطبوعات، كنت أشتري المطبوعات الحديثيّة وفي الرواة وفي العقيدة السلفيّة بكل ما أملك أنا، حتى إنه تلك الأيّام، كوّنت مكتبة قيِّمة، من النادر من المطبوعات الهندية وغيرها؛ لأنّ في ذلك الوقت ما كانت المطبوعات العربية بكثرة، إنما أغلب المطبوعات في الحديث هنديّة.
كوّنت مكتبة لا بأس بها جيّدة تصل إلى هذا الحد الذي ترى الآن، وهذه المكتبة أرسلتُها لعمي في إفريقيا في تلك السنة -واحد وسبعين-، كان أرسل يقول: أنا أحتاج إلى كتب، فأرسلت المكتبة كلها كاملة عن بكرة أبيها، ولم يبق من هذه المكتبة إلاّ كتاب واحد الآن أريك إيّاه، الكتاب الوحيد الذي لم أستطع أن أرسلَه له، فأرسلتُ المكتبة كلها، وبعدما أرسلتُها بدأتُ بهذه في تلك السنة.
وهذه المكتبة كما ترى تصنيفَها".
آخر مخطوطة يا شيخ؟
"آخر هناك، تعال، انظر إليها الآن، صغيرة مرّة، ما جاءت إلاّ أول أمس،
أول أمس جات يا شيخ، أريك إياها، وهي صغيرة للغاية، هذه هي، هات المناظر يا شيخ، صغيرة مرّة واحدة، ولكنها في الحقيقة قديمة؛ لأن المولِّف قديم -شيخ الدارقطني-، هذه جات أول أمس، ما جاني بعدها مخطوطة إلى الآن".
من أين أتت؟
"هذه المخطوطة جاءتني من الظاهرية".
الكتاب الذي قلت أنك لم ترسله لعمك؟
"هذا هو، هذا الذي أمامَك، هذا هو، هذا ذاك الوقت اشتريتُه بكم؟، هذا الكتاب، لأنه ذلك الوقت نادر مثل هذا الكتاب، هذا (التقريب) للحافظ ابن حجر في رجال الستّة، وبهامشه: (التقعيب) شرحٌ له، هذا نادر لا يوجد، "التقريب" موجود بكثرة ولكن هذا لا يوجد".
اسمُه يا شيخ؟
"هذا اسمُه: (التقريب) للحافظ ابن حجر في رجال الستّ، وبهامشه (التقعيب) شرحٌ له.
هذا اشتريته في ذلك الوقت سنة واحد وسبعين اشتريته بثمانين ريالاً فضّة من الريالات السعودية في مكة، وكانت الريالات السعودية في ذلك الوقت شحيحة، ولكن لما وجدت هذه النسخة عند واحد، وكان غيرَ مجلَّد يا شيخ، كان غير مجلّد عند هذا الشخص، فاشتريته وجلّدته بهذا التجليد العالي.
وهذا الكتاب لازم يكون معي في كلّ مجلس، كلما جلست في المكتبة هو ما يدخل في الرفوف، حتى الرفوف لا يدخل فيها، لا بد يكون دائمًا في المجلس الذي أجلس فيه في المكتبة، لماذا؟، لأنه كلما أجلس في المكتبة وأنا محتاج إليه، أرجع إليه".
يا شيخ. خاتمة مطافِنا وصايا قصيرة إلى أهل المدينة؟
"أنا الحقيقة أقول:
أولاً (1) : أوصي نفسي أوّلاً بتقوى الله في السرّ والعلانية كما وصّى الله عز وجل نبيَّه وأمتَه.
ثم أوصيك أنت وأوصي الشباب بالخصوص إلى الحرص بتقوى الله في السر والعلانية.
وأوصيهم -أي: الشباب كذلك- بالتعلُّم، وهذا التعلُّم يجب أن يتركّز على ما يلي:
أولاً: يتعلمون لغتَهم أولاً، لأن الطالب إذا تعلم اللغة العربية استطاع أن يتفقّه في الإسلام. يجب تعلُّم اللغة أولاً.
ثم التفقه في القرآن وفي السنة على ضوء ما قال أئمتنا من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة، يعني: يجب أن يكون التركيز على العلم العتيق، لا على العلم المحدَث، العلم المحدَث نحن لا نركِّز عليه، أما العلم العتيق الذي هو علم الكتاب والسنة هذا يجب أن ينحصر في القرآن وفي السنة وفي سيرة السلف لأنهم هم القدوة.
ويجب على الشباب أن لا يشذّوا، لأن الشذوذ آفة، وهذا شيء ملاحظٌ في كثيرٍ منهم.
لا ينبغي -أيضًا- أن يحتقروا علماءهم، بل يحترموا العلماء، ولا يكونوا
(1) فصل مهم جدًّا (عبد الأول) .
كاليهود ولا كالنصارى: اليهود لا يحترمون علماءهم، والنصارى يعبدون علماءهم، فيجب على الشباب أن يحترموا علماءهم ولا يعبدوا علماءهم، وهذا هو قوله عز وجل:{وكذلك جعلنكم أمّة وسطًا} ما معنى {وسطًا} معناه: نحن وسطٌ بين أمتين ضالّتين: إحداهما اليهود والأخرى النصارى، كيف؟، اليهود لا يحترمون العلماء بل يقتلون الأنبياء وغيرهم من الصالحين، هذا عكس الاحترام والتقدير، والنصارى بالعكس، النصارى يعبدون الأنبياء، يعبدون عيسى وغيرَه، يعني: أدّاهم الغلو -الذي هو الاحترام- إلى العبادة -إلى عبادة غير الله-، فالله عز وجل يقول لنا في هذه الآية لا تكونوا مثلَهم، أنتم احترموا العلماء، ولكن لا تغلوا في العلماء ولا تعبدوا العلماء.
هذا الذي أريد من الشباب ومن طلبة العلم أن يحرصوا على أن يمتثلوا هذه الآية الكريمة.
ونسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يجعلنا وإيّاكم هداةً مهتدين، من الذين يستمعون القولَ فيتبعون أحسنَه.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".