المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رحلات الشيخ من المدينة - المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري (رحمه الله) - جـ ٢

[عبد الأول بن حماد الأنصاري]

الفصل: ‌رحلات الشيخ من المدينة

الدعاء الدائم بالخير والترحّم على المجاهد الذي أنعم الله به عليهم حتى أخرجهم من ظلمات الجهل والشرك إلى نور العلم والهدى ألا وهو الشيخ محمد عبد الله المدني المولود سنة 1313هـ المتوفى لثلاث خلت من صفر سنة 1371هـ.

وهو رجل ربعة، أسمر اللون، أصلع الرأس، توفي عن عمرٍ يناهز ثمانية وخمسين سنة، وله مشاركة جيِّدة في العلوم، وقدم راسخ في التفسير، وعلم الحديث، وعلم العقائد، والسير، وله معرفة بالشعر، تخرّج في دار العلوم الشرعية بالمدينة النبوية.

ص: 649

‌رحلات الشيخ من المدينة

النبوية:

أولاً: رحلته إلى الهند:

أما رحلتُه إلى شبه القارة الهنديّة: فقد ارتحل إلى الهند سنة 1353هـ بعد استقالته من إمامة الحرم النبوي بالتناوب مع الشيخ صالح الزغيبي.

ولما وصل إلى الهند انضمّ إلى جمعية أهل الحديث ببنارس، واستفاد من علماء هذه الجمعية، ومنهم: الشيخ عبد الرحمن المباركفوري صاحب (تحفة الأحوذي) ، وشمس الحق العظيم آبادي صاحب (عون المعبود) ، والحافظ زكريا الكاندهلوي صاحب (أوجز المسالك) الذي قرّظه الشيخ بالتقريظ الآتي إن شاء الله تعالى.

ثانيًا: رحلتُه إلى اليمن:

وقد ذهب إلى اليمن من أبها، لما جاء إلى أبها من الهند لملاقاة إمام اليمن يحيى.

وفي مجيئه إلى أبها عام 1353هـ باشر التدريسَ فيها، ومما درسه:(الأصول الثلاثة) ، وتحفيظ القرآن.

ص: 649

ثم تولى القضاء فيها -أي: أبها- نيابةً عن الشيخ فيصل بن عبد العزيز المبارك مدّة شهرين.

وفي رجوعه من صنعاء عاد إلى أبها، وفي أثناء إقامته في أبها تزوّج عمة محمد عبد القادر الحفظي، ولم ينجب منها على ما قاله محمد عبد القادر.

وكان من تلامذته الملازمين له في أبها: محمد أحمد أنور العسيري الذي أفادني هذه المعلومات.

وقال محمد عبد القادر: كان الشيخ رحمه الله يحب التجوال، ولما عاد بتجارة من صنعاء سأله طلبة العلم كيف يشتغل بالتجارة وهو عالِم، فقال:"أنا أحقّ بها لأني أعرف حلالَها من حرامِها".

وفي عام 1357هـ سافر من أبها إلى المدينة ولم يَعُدْ إلى أبها.

وقال في أبها:

ألا سقيًا لأبها من بلاد

عليل نسيمها يشفي العليلا

بلاد ما ألم بها غريب

فودّ مخيرًا عنها الرحيلا

ثالثًا: رحلته إلى أفريقيا:

أعني إلى (مِلّي) التي تسمى الآن (مالي) ، وقد ارتحل إليها سنة 1357هـ، ولما وصل إلى تلك البلاد التكرورية أقام فيها مدّة طويلة تبلغ ستّ عشرة سنة يشتغل فيها بأمرين:

أولاً: تعليم الناس التوحيد السلفي، والحديث النبوي.

ثانيًا: يشتغل بالتجارة، ويذهب فيها إلى النيجر، وإلى نيجيريا، وإلى غانا، وهو على طريقة السلف حيث إنهم يُعلِّمون ويتّجرون لكي يستغنوا عن الناس فيما يتّصل بدنياهم.

ص: 650

وقد استفاد منه عددٌ كبير لا سيّما قبيلته، وكذلك الشباب من غير قبيلته، حتى إنَّ الطوراق تأثّر كثيرٌ منهم بدروسه التي يلقيها في التوحيد.

والحاصل: أن الشيخ محمد عبد الله المدين يستحقّ أن يكتب عنه أكثر من هذه العجالة، لو كان معه هناك طلبة علم متحمسون لدعوته السلفية، وذلك لأن الشيخ ما قصّر في توجيه أهله في (مالي) ولا في توجيه غير أهله هناك.

ولقد رأيته في نيجيريا في عاصمتها الشمالية (كانو) في بلاد (هوسا) يتجوّل فيها يعلّمهم العقيدة السلفية والحديث.

وكذلك في (غانا) التابعة آنذاك لنيجيريا في سنة 1366هـ، ولو كان الشيخ أبو عبد الملك محمد عبد الله المدني غير شديد لانتفع به كثيرون.

وقد قال لي أثناء مفارقتي إيّاه: أرجو من الله عز وجل أن يقضي على شدّتي ويمنحني الرفق بالناس.

نسأل الله عز وجل أن يجعل جهوده التي قام بها في أفريقيا الغربية في ميزان حسناته، ويلحقه بالصالحين.

وأنشد قصيدة دالية ذكر فيها أسماء الأماكن التي مرَّ بها في طريقه إلى مالي، ومطلعُها:

ألمع برق سرى من علو أجياد

فبت ما بين تذكار وتسهاد

تنفك ما بين إنشاء وإنشاد

أم طاف طيف من سعاد فما

يضل فيها القطا الكدري والهادي

أنِّى اهتدت في فيافٍ لا منار بها

ص: 651

جازت ببحر خضم لا قرار له

لا زال يقذف أزبادًا بأزبادِ

عهدي بها غادة هيفاء خُرْعُبة

لا تستطيع الخطا إلا بإسعاد

جازت سواكن (2) فالسلوم (3) عن كثب

فقطر عَطْبَرة (1) من دون إرشاد

فأم درمان فالخرطوم ودمرتِي (5)

منار تَنْدَلْتِي (4) مأوى كل رواد

ثم الأُبَيِّض من قبل النُّهود إلى

جبال حِلّة دون أم كدَّاد

فكبكبية بعد الفاشر اشتبكت

فيها أفانين أزهار وأوراد

ثم الجنية مأوى كل فاكهة

دار المساليت أمجاد وأنجاد

فآدرى (6) ثم ودّاي فآتيةٍ

فبيكرو ثم فَرْلَاميِّ بلد شاد

فأرض كُسْرى (7) فيروى (8) ثم أرض كنو

من بعدها كشنا جبْيا بتعداد

فادخل مُرادى (9) فما داوا بأرض نمي

فسر إلى آيرو سيرا بإجهاد

1- عطبرة: مدينة بين الخرطوم وبورتسودان.

2-

سواكن: ميناء على البحر الأحمر للسودان بجنوب بورتسودان.

3-

السلوم: مدينة من مدن السودان.

4-

تندلتي: منقطة من تشاد.

5-

دمرتي: مدينة من مدن السودان، عاصمة تندلتي.

6-

آدرى فما بعدَها: هي مدن تشاديّة.

7-

من مدن الكاميرون.

8-

من مدن نيجيريا.

9-

مرادى فما بعدها: بلاد النيجر.

ص: 652

فادخل لسينا (1) لذات النور تتبعها

تين فاضماتُ لتيسي أرض إمغاد

سقى مرابعها غر السحائب لا

تنفكّ تهمي بها من دون إفساد

وهي قصيدة دالية طويلة، وبقيّتها:

أتت قصيدتك الغرّاء منبئة

عن الوداد بلا ريب وترداد

لا ذكر للغوث في الذكر الحكيم ولا

للقطب كلا ولن يروى بإسناد

فقل لمن يدعي الإثبات من سفه

هاتوا أدلّتكم وأتوا بأشهاد

بل ذالكم سَنَنُ الماضين من أمم

التابعين لآباء وأجداد

يا عاليًا فوق أضداد وأنداد

لا زلت في أرَبَنْدا ركن إرشاد

وشد أزرك إِغْلَسْ مَن معارفه

دكت قوى كل إضلال وإلحاد

وقل لأحمدُ لا يكتم نصائحه

وينشر السنة الغراء في النادي

واحْدُ الركاب نحو العلم مجتهدًا

تظفر بما شئت من إرشاد شرّاد

إني استعذت برب العرش خالقنا

فلا معاذَ بأغواث وأوتاد

وقد يعوذ رجالٌ لا خلاق لهم

بالإنس والجنّ قد باءوا بإبعاد

آلَ اليماني لا زلتم جهابذة

موضحين لخافي العلم والبادي

أحييتموا سنة الهادي على زمن

يَعِزُّ والله محيو سنة الهادي

صبرًا جميلاً على ما فيه من إحنِ

ومن هناتٍ ومن بغيٍ وحسّاد

1- سينا: بلد يفصل بين النيجر ومالي.

ص: 653