الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يصلي الإمام على من قتل نفسه أو غل من غنيمة وإذا وجد بعض الميت غسل وصلى عليه وعنه لا يصلى على الجوارح وإذا اشتبه من يصلي عليه بغيره استقبلهما ونوى من يصلي عليه.
ويقف الإمام حذاء صدر الرجل ووسط المرأة ومتى اجتمعا سوى بين رأسيهما ووقف تلقاء صدريهما وقيل: يجعل صدره حذاء وسطها وإذا تنوعت الجنائز قرب إلى الإمام الرجل الحر ثم العبد ثم الصبي ثم المرأة وعنه تقديم الصبي على العبد وقال الخرقي يؤخر الصبي عن المرأة ومن مات لم يحضره غير نسوة صلين عليه جماعة وإن اجتمعت جنازة ومكتوبة قدمت المكتوبة إلا أن تكون فجرا وعصرا.
قوله: "ولا يصلي الإمام على من قتل نفسه أو غل من غنيمة".
كذا أطلق أبو الخطاب قاتل نفسه.
قال المصنف يعني متعمدا وهل ذلك واجب أو مستحب كلام الإمام أحمد محتمل وظاهر نهيه التحريم وهو ظاهر كلام ابن عقيل وصرح المصنف في شرح الهداية بالاستحباب وصرح أيضا أنه يجب التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في تركه الصلاة عليهما.
وظاهر كلام الشيخ وجيه الدين الاستحباب.
وقال ابن تميم امتناع الإمام من الصلاة على من تقدم مستحب فلو صلى جاز وفيه وجه يجب ذلك وحكى في الرعاية روايتين.
باب حمل الجنازة والدفن
.
من السنة الإسراع بالجنازة وأن يكون الماشي أمامها والراكب.
قوله: "من السنة الإسراع بالجنازة".
خلفها وأن يحمل الإنسان بقوائمها الأربع يبدأ مما يلي يمين الميت على كتفه اليمنى بالقائمة المقدمة ثم المؤخرة ثم من الجانب الآخر على روايتين وهذا هو التربيع ولو حمل على كاهله بين العمودين جاز ومن تبع الجنازة لم يجلس حتى توضع فإن سبقها فجلس لم يقم لها.
والسنة: أن يتولى دفن الميت غاسله.
قال المصنف وصفة الإسراع بالجنازة الخبب بأن يمشي بها أعلى درجات المشي المعتاد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يخب ويرمل وكذا قال القاضي يستحب إسراع لا يخرج عن المشي المعتاد وقال ابن الجوزي في المذهب يسرع فوق السعي ودون الخبب فإن خيف على الميت من ذلك تأنى وإن خيف عليه التغيير أسرع.
وقال في الكافي ولا يفرط في الإسراع فيمخضها ويؤذي متبعيها وقال في الرعاية يسن الإسراع بها يسيرا وذكر الشيخ وجيه الدين قول القاضي المذكور وقال فإن خيف انفجارها أو كان في التابعين ضعف رفق به وبهم.
قوله: "والسنة أن يتولى دفن الميت غاسله".
كذا قال غير واحد قال المصنف في شرح الهداية إنه متى كان الأحق بالغسل كان هو الأحق بالدفن فالأولى أن يتولاهما جميعا بنفسه أو يستنيب فيهما واحدا لأنه أقرب إلى ستر أحواله وقلة الاطلاع عليه فأما الأحق بالدفن فهو من أوصى إليه الميت بذلك كما قلنا لو أوصى إليه بغسله ثم الأقارب الأقرب فالأقرب كما في غسله فأما المرأة فمحارمها الرجال أحق بدفنها من النساء وهل يقدم الزوج على سائر المحارم كقول مالك والشافعي أو العكس كقول أبي حنيفة فيه روايتان فإن لم يكن محرم فهل النساء أولى بدفنها أم الرجال فيه روايتان إحداهما الرجال أحق فعلى هذا لا مدخل النساء في الدفن
ويعمق قبره قامة وبسطة ولا يسجى إلا قبر المرأة ويدخله الميت من عند رجليه إن سهل وإلا فمعترضا من قبليه ويقول من يضعه بسم الله وعلى ملة رسول الله ويضعه في اللحد على جنبه الأيمن متوجها تحت رأسه لبنة،.
إلا عند الضرورة وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
والثانية النساء أولى اختاره الخرقي.
قال المصنف وهذه الرواية محمولة عندي على ما إذا لم يكن في دفنهن محذور من اتباع الجنازة أو الكشف بحضرة الأجانب أو غيره لأنه المنصوص عن الإمام أحمد في مثل ذلك وهذا معنى كلام الشيخ موفق الدين وغيره لكنهم لم يذكروا حمل الرواية على هذا واختيار ابن عقيل وغيره كاختيار الخرقي وكذلك الشيخ وجيه الدين وزاد وإن كان لها زوج فهو أولى بدفنها كما هو أولى بغسلها فإن لم يكن فأمهاتهم يلينها على الترتيب المذكور في الغسل.
ولعل مراده أن الزوج يقدم بعد محارمها من الرجال ثم بعده محارمها من النساء.
قوله: "ويعمق قبره قامة وبسطة".
يعني أن هذا هو المستحب وفي المسألة خلاف مشهور قال في التلخيص وغيره وأدناه حفرة تستر رائحته وتمنع جثته من السباع ونحوها زاد في الرعاية نص عليه.
قوله: "ويضعه في اللحد على جنبه الأيمن متوجها".
كذا ذكر جماعة ولم يبينوا حكم ذلك وقال ابن عقيل فيما إذا دفن إلى غير القبلة قال أصحابنا أينبش لأن استقبال القبلة مشروع يمكن فعله فلا يترك كما ذكر المسألة ومثله الدفن من قبل الغسل أنه ينبش ويغسل ويوجه إلا أن يخاف عليه أن يتفسخ فيترك ونصب الخلاف مع أبي حنيفة واستدل بأنه
ثم يشرج عليه لبن أو قصب ولا يدخل القبر آجرا ولا خشبا ولا ما مسته النار ثم يحثى عليه التراب باليد ثلاثا ثم يهال عليه ويسنم القبر فوق الأرض شبرا ويرش بالماء ويحلل بالحصا ويكره البناء والكتابة عليه وتجصيصه دون.
واجب فلا يسقطه بذلك كإخراج ماله قيمة.
وقولهم "إن النبش مثلة" قلنا: إنما هو في حق من تغير وهو لا ينبش.
ونصب المصنف في شرح الهداية الخلاف مع أبي حنيفة في المسألتين وقال في مسألة الدفن قبل الغسل لأنه واجب مقدور عليه من غير مانع.
وقال في مسألة الدفن إلى غير القبلة عن قول أبي حنيفة قوله: ههنا أوجه لأن توجيهه سنة وليس بفرض فلا يلزم لتحصيله منهي عنه ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نبشوا لما هو دون هذا فهذا أولى والنبش المنهي عنه هو الذي ليس لغرض صحيح ثم يبطل تعليلهم بالختان عندهم فإنه سنة يلزم له كشف العورة المحرم في الأصل انتهى كلامه.
وعلل الشيخ وجيه الدين مسألة الدفن إلى غير القبلة بأن استقبال القبلة سنة مشروعة وشعار من شعار المسلمين أمكن فعله فلا يترك كما لو ذكر قبل تسوية اللبن قال وذكر الماوردي صاحب الحاوي في كتابه أن أول من وجه إلى القبلة البراء فإنه أوصى بذلك فصارت سنة انتهى كلامه.
وقطع الآمدي والشريف أبو جعفر وغيرهما بوجوب التوجيه إلى القبلة.
وقال القاضي أبو الحسين في مجموعه إذا دفن من غير غسل نبش وغسل سواء أهيل عليه التراب أو لم يهل عليه هذا ظاهر المذهب وبه قال الشافعي وهكذا الحكم إذا دفن غير موجه هذا كله إذا لم يتغير الميت وقال أبو حنيفة إذا أهيل عليه التراب لم ينبش.
دليلنا أنه فريضة مقدور عليه فوجب فعله كما لو لم يهل عليه التراب.
تطيينه ولا يدفن فيه اثنان إلا لضرورة ويقدم أفضلهما إلى القبلة ويحجز.
فظهر من هذا أن في وجوب التوجيه إلى القبلة وجهين فأن قلنا بوجوبه وجب نبشه لأجله في الأظهر وإلا فالأظهر أنه لا يجب لأنه لا يجب التوصل إلى فعل مستحب.
ولو دفن موجها على يساره أو مستلقيا على ظهره هل ينبش على وجهين.
وقال الشيخ وجيه الدين وإن حفر القبر ممتدا من القبلة إلى الشمال فإن دعت الحاجة إلى ذلك لضيق المكان لم يكره وإن كان مع السعة والقدرة كره ولم ينبش بعد دفنه ليدفن على الصفة المستحبة وكان دفنه على الحالة التي يوضع عليها على المغتسل وعند الموت وقال فإن خالف وأضجعه على جنبه الأيسر واستقبل القبلة بوجهه جاز وكان تاركا للأفضل وإن علموا بذلك بعد الدفن وإن كان قبل أن يهال عليه التراب وجه ووضع على جنبه الأيمن ليحصل شعار السنة انتهى كلامه.
وفي وجوب نبشه فيما إذا دفن قبل الغسل وجه أنه لا يجب وقدم ابن تميم أنه يستحب نبشه فيما إذا دفن لغير القبلة.
فهذه ثلاثة أوجه في المسألتين.
وقطع المصنف في مسألة الغسل لا ينبش إذا خيف تفسخه ولم يتبعض1 هذه المسألة في مسألة التوجيه ويصلى عليه كمسألة من لم يجد ماء ولا ترابا.
وظاهر كلامه في المحرر أنه ينبش فيهما ولو خيف تفسخه بخلاف نبشه للصلاة عليه وقال غير واحد لا ينبش إذا خيف تفسخه في المسائل الثلاث وظاهر كلام غير واحد عكسه.
قوله: "ولا يدفن فيه اثنان إلا لضرورة".
قد يقال استثناء حالة الضرورة تدل على التحريم عند انتفائها لأنه.
_________
1-
هكذا بالأصل وكتب فوقها "كذا".
بينهما بتراب وإذا ماتت ذمية حامل بمسلم أفردت عن مقابر المسلمين والكفار.
لا يحسن استثناء الضرورة مع الكراهة وظاهر كلام جماعة من الأصحاب يحتمل التحريم والكراهة وقال أحمد في رواية أبي داود أما في المصر فلا ولا دليل على التحريم وفي الكراهة نظر لأنه أكثر ما قيل إن إفراد كل ميت بقبر هو الدفن المعتاد حالة الاعتبار وهذا يدل على أن هذا هو المستحب والأولى.
وقال المصنف في أثناء بحث المسألة من غير تصريح بتحريم ولا كراهة قال ونقل أبو طالب عن أحمد إذا ماتت المرأة وقد ولدت ولدا ميتا فدفن معها جعل بينهما حاجز من تراب أو يحفر له في ناحية منها وإن دفن معها فلا بأس وظاهر هذا أن دفن الاثنين في القبر من غير ضرورة جائز لا يكره ويحتمل ذلك أن يختص ذلك بما إذا كانا أو أحدهما ممن لا حكم لعورته لصغره.
وقال في أثناء بحث مسألة ينبش الميت إذا دفن قبل الغسل ونبشت الصحابة موتاهم للافراد في القبر ولإحسان الكفن والتحويل إلى خير من البقعة الأولى ونحو ذلك من المقاصد الصحيحة التي ليس فيها فعل فرض ولا سنة مؤكدة فلأن يجوز ذلك للغسل الواجب أولى انتهى كلامه.
وقال الشيخ وجيه الدين الجمع بين الاثنين في القبر والثلاثة لغير ضرورة وحاجة غير جائز لأن السنة أن يفرد كل واحد بقبر وبه قال أبو حنيفة والشافعي فأما مع الضرورة أو الحاجة فإنه جائز في المصر وغيره وبه قال أبو حنيفة والشافعي وروي عن إمامنا أنه لا بأس أن يدفن الإثنان والثلاثة في القبر الواحد.
قال ابن عقيل إفراد كل ميت بقبر مستحب انتهى كلامه.
وهو الذي قطع به ابن عقيل في الفصول.
والذي وجدت في كلام الشيخ تقي الدين القطع بالكراهة وحكى بعضهم احتمالا أنه يختص الجواز بالمحارم وقطع في الرعاية بالخلاف في الجواز وعدمه.
واستدبرت بها القبلة ومن ماتت وفي بطنها ولد يتحرك أخرجنه فإن عجزن تركنه ومن دفن غير موجه أو غير مغسل نبش فغسل ووجه وإن دفن لم يصل عليه نبش مالم يخش تفسخه نص عليه وقال القاضي يصلى على القبر.
وتسن التعزية قبل الدفن وبعده ولا يجلس لها والبكاء على الميت.
قوله: "من ماتت وفي بطنها ولد يتحرك أخرجته القوابل فإن عجزن تركنه".
قال الإمام أحمد في رواية صالح في المرأة تموت وفي بطنها صبي حي يشق عنها قال لا يشق عنها إذا أراد أن يخرجه أخرجه وقيل يشق بطنها إذا ظن خروجه حيا وبه قال أبو حنيفة والشافعي وعن مالك روايتان.
فعلى الأول يدخل النساء أيديهن فيخرجنه إذا طمعن في حياته فإن عجزن أو عدمن فاختار ابن هبيرة أنه يشق بطنها ويخرج الولد وقال صالح في مسائله وسألته عن المرأة تموت وفي بطنها ولد قال إذا لم يقدر النساء فليسنوا عليها رجلا يخرجه وقال بعضهم هل يفعل الرجال ذلك على روايتين قال ابن تميم وينبغي وظاهر كلام غيره أنه يجب أن يكون من ذوي أرحامها فإن لم يخرج لم يدفن ما دام حيا ولو خرج بعض الولد ومات أخرج إن أمكن وغسل وإلا غسل على حاله ولا يحتاج إلى تيمم لما بقي لأنه في حكم الباطن قطع به بعضهم وفيه احتمال.
قوله: "وتسن التعزية قبل الدفن وبعده".
أطلق الاستحباب بعده وليس هو على ظاهره وإنما أراد الإشارة إلى مذهب أبي حنيفة فإن عنده لايسن بعد الدفن لأنه خاتمة أمره.
قال المصنف في شرح الهداية وإلى متى يمتد وقت التعزية لم أجد فيه كلاما لأصحابنا وذكر أصحاب الشافعي أن وقتها يمتد إلى ثلاثة أيام فلا تعزية بعدها لأنها في حد القلة وقد أذن الشارع في الإحداد فيها ثم ذكر.
جائز والندب والنوح وخمش الوجه وشق الجيب منهي عنه.
ويسن أن يصنع لأهل الميت طعام يبعث إليهم ويكره لهم صنع طعام للناس.
أحاديث ذلك ثم قال وهذا يدل على أن ما يهجره المصاب من حسن الثياب والزينة لابأس به مدة الثلاث وقال في مسألة كراهة الجلوس للتعزية وعندي أن جلوس أهل المصيبة من الرجال والنساء بالنهار في مكان معلوم ليأتيهم من يعزيهم مدة الثلاث لا بأس به انتهى كلامه.
وقد ذكر هذه المسألة جماعة منهم صاحب المستوعب أنه تستحب التعزية إلى ثلاثة أيام وقال أبو الفرج الشيرازي المقدسي ويكره فيما زاد عليها لأنه تجديد للمصيبة وقطع به الآمدي وابن شهاب العكبرى وابن تميم وغيرهم.
وقول المصنف أهل المصيبة أعم من أهل الميت فيعزى الإنسان في رفيقه وصديقه ونحوهما كما يعزى في قريبه وهذا متوجه وقطع به ابن عبد القوي في كتابة مجمع البحرين مذهبا لأحمد لاتفقها من عنده.
وقول الأصحاب أهل الميت خرج مخرج الغالب ولعل مرادهم أهل المصيبة ولم يحد جماعة من الأصحاب منهم الشيخ موفق الدين استحباب التعزية بثلاث وإطلاق كلامهم يقتضي الاستحباب بعد الثلاث وهو ظاهر الأخبار ولأن القصد تسلية أهل المصيبة والدعاء لهم ولميتهم وهذا المعنى تستوي فيه الثلاث وغيرها والتعليل بتحديد المصيبة مناسبة مرسلة ليس لها أصل فلا تقبل على أن هذا المعنى موجود في الثلاث وقد حده بعض الأصحاب بيوم الدفن وفيه أيضا ضعف وقال ابن عبد القوي فإن كان المعزى غائبا فلا بأس بها ولو بعد الثلاث مالم تنس المصيبة لأن فيه جبر قلب الأخ المسلم وتسليته عما لم ينسه من معذور في تأخره ولا بأس بالتعزية بالمكاتبة للبعيد لذلك انتهى كلامه
ومن تطوع بقربة وأهدى ثوابها لميت مسلم نفعه ذلك.
قوله: "ومن تطوع بقربة وأهدى ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك".
ظاهره أنه لو أهدى ثواب فرض أو أهدى إلى حي لا ينفعه ذلك.
وذكر القاضي وغيره في المسألتين خلافا وتبعه المصنف في شرح الهداية وغيره.
ولو نوى بالقربة الميت ابتداء فهل يكفي ذلك في حصول ثوابها أم لا بد من إهدائه في كلام المصنف في شرح الهداية إشعار بالأمرين ويؤخذ ذلك من كلام غيره أيضا والأحاديث في هذا الباب ظاهرها مختلف أيضا وقد قال ابن عقيل فيما يفعله النائب عن المستنيب في الحج واجبا كان أو تطوعا مما لم يؤمر به مثل أن يؤمر بحج فيعتمر أو بعمرة فيحج يقع عن الميت لأنه يصح عنه من غير إذنه قال وذلك أن الميت عزى إليه العبادة عندما وقعت عنه ولا يحتاج إلى إذن والحي بخلافه وذلك لأن الحي قادر على الاكتساب والميت بخلافه ويصير كأنه مهدى إلى الميت ثوابها انتهى كلامه.
وفي كلام القاضي إذا جاز أن تقع أفعاله التي فعلها بنفسه عن غيره وهو الحج والصدقة جاز أن يقع الثواب لغيره لأن الثواب تبع للفعل1 فإذا جاز أن يقع المتبوع لغيره جاز أن يقع التبع قال واحتج بعضهم بأن الصلاة والصيام وقراءة القرآن مما لا مدخل للمال فيه فلا يصح أن يفعله عن غيره كصلاة الفرض وصوم الفرض قال والجواب أنا نقول بموجبه وأنه لا يفعله عن غيره وإنما يقع ثوابه عن غيره وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية المروزي إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسي وقل هو الله أحد ثم قولوا اللهم إن فضله لأهل المقابر2 يعني ثوابه.
_________
1-
ليس مطلقا بل هو تبع لرضوان الله وهو تبع لصدق النية وحسن تحري الاتباع لما شرع الله.
2-
لم يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا قولا ولا فعلا.
_________
وإذا ثبت هذا لم يكن فرق بين الأصل والفرض بل نقول لو صلى صلاة مفروضة وأهدى ثوابها لأبويه صحت الهدية.
فإن قيل هذا خلاف الأصول لأنه يفضي إلى أن يعرى عمله عن ثواب وأنه يحصل لمن لم يعمل ثواب عمل لم يعمله.
قيل قولك إنه يفضي إلى أن يعرى عمله عن ثواب غير ممتنع كما قلتم إذا صلى في دار غصب أو امتنع من أداء الزكاة وأخذها الإمام قهرا وقولك إنه يحصل للغير ثواب ما لم يعمل فغير ممتنع كثواب الاستغفار فإنه يحصل للمستغفر له وإن لم يوجد منه عمل وإنما وجد العمل من المستغفر ومعلوم أن المستغفر يستحق الثواب على ذلك لأنه مندوب إليه بقوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} [الحشر الآية10]1.
وقد قيل فيه جواب آخر وهو أن الثواب يحصل لهما للعامل وللمهدى إليه فيضاعف الله للعامل الثواب عند وجود الهدية كما يضاعف ثواب من يصلي في جماعة على من يصلي فرادى فينقسم بينهما ويؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم من فطر صائما فله مثل أجره فجعل الأجر لهما انتهى كلامه.
والأولى أن يقال المهدي ينقل ثواب عمله إلى المهدي اليه وللمهدي الأجر على هذا الإحسان والصدقة والهدية ولا يلزم أن يكون مثل ثواب عمله إلا أن يصح ما رواه حرب في مسائله بإسناده عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب.
1- لكن يقال: أن قياس هذه على الاستغفار دعاء وفرق بين الدعاء والعمل هذا مع أن العبادة توقيفية لا قياسية ونقل ونقل الثواب إلى الله لا إلى العامل والله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الانبياء:47] ويقول {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور الآية21]{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم 39-40-41] وغير ذلك كثير.
_________
عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما على أحدكم إذا أراد أن يتصدق بصدقة تطوعا أن يجعلها عن والديه إذا كانا مسلمين فيكون لوالديه أجرها وله مثل أجورهما من غير أن ينقص من أجورهما شيئا.
وقوله: "في المحرر وأهدى ثوابها".
وكذا لو أهدى بعضه كنصفه وثلثه ونحو ذلك وهذه المسألة قد يعايى بها فيقال اين لنا موضع تصح فيه الهدية مع جهالة المهدي.
قال القاضي أما دعوى جهالته فلاتتم إذا كانت معلومة عند الله تعالى كمن وكل رجلا في أن يهدي شيئا من ماله لا يعرفه المهدي ويعرفه الوكيل صح.
وهل يستحب إهداء القرب أم لا قال القاضي فإن قيل فإذا كان الثواب يصل والإحسان مندوب إليه فلم كره أحمد أن يخرج من الصف الأول ليؤثر أباه به وهي فضيلة آثر أباه بها وقد نقل أبو الفرج بن الصباح البرزاطي قال قلت لأحمد يخرج الرجل من الصف الأول ويقدم أباه في موضعه فقال ما يعجبني هو يقدر أن يبر أباه بغير هذا.
قيل وقد نقل عن أحمد ما يدل على نفي الكراهة فقال أبو بكر بن حماد المقري إن الرجل يأمره والده بأن يؤخر الصلاة ليصلي به قال يؤخرها فقد أمره بطاعة أبيه بتأخير الصلاة وترك فضيلة أول الوقت.
الوجه فيه أنه قد ندب إلى طاعة أبيه في ترك صوم النفل وصلاته وإن كان ذلك قربة وطاعة وقد قال في رواية هارون بن عبد الله في غلام يصوم إذا نهياه.
وقال الشيخ وجيه الدين أبو المعالي بن المنجي في بحث المسألة فإن قيل الإيثار بالفضائل والدين غير جائز عندكم كالإيثار بالقيام في الصف الأول ثم ذكر نحو كلام القاضي.
وهذا منهما تسوية بين نقل الثواب بعد ثبوته واستحقاقه وبين نقل سبب الثواب قبل فعله ولا يخلو من نظر.
ويكره المشي في المقبرة بنعلين إلا من عذر ولا يكره بالخف ويكره الجلوس والاتكاء على القبور ولا تكره عنده القراءة.
والمشهور كراهة إيثار الإنسان بالمكان الفاضل إذا لم ينتقل إلى مثل ثوابه مكانه بالسواء لأنه يؤثر على نفسه في الدين.
وذكر ابن عقيل في الفصول أنه لا يجوز وقيل لا يكره وإلا كره.
وذكر الشيخ تقي الدين في فتاويه أنه لم يكن من عادات السلف إهداء ثواب ذلك إلى موتى المسلمين بل كان عادتهم أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات كما أمر الله بذلك يدعون لأحيائهم وأمواتهم فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل انتهى.
قوله: "ويكره المشي في المقبرة بنعلين إلا من عذر".
نص على ذلك وعنه لا يكره ولا يستحب الخلع كقوله الأئمة الثلاثة.
وظاهر كلامه بالتمشك ونحوه وفيه وجهان أحدهما يكره كالنعل لأنه في معناه ولا يشق خلعه بخلاف الخف والثاني لا يكره اختاره القاضي وقطع به في المستوعب قصرا للحكم على مورد النص وهو حديث بشير بن الخصاصية ورد في النعال السبتية وهو عمدة المسألة وعليه اعتمد الأصحاب والإمام وقطع ابن تميم وابن حمدان بأنه لا يكره بالنعال وهذا غريب ضعيف وهو مخالف للخير والمذهب.
قوله: "ويكره الجلوس والاتكاء على القبور".
قطع المصنف في شرح الهداية بالتحريم إن كان لقضاء حاجة.
وظاهر كلامه هنا أنه لا فرق وترجم القاضي في الخلاف المسألة.
ويستحب زيارة القبور للرجال وتكره للنساء وعنه لا يكره.
بالكراهة كما ذكر غيره وقال نص عليه في رواية حنبل فقال القعود على القبور والحديث عندها والتغوط بين القبور كل ذلك مكروه قال وكذلك نقل أبو طالب وقال في بحث المسألة ولأن في الجلوس عليه استخفافا بحقه واستهانة به وهذا لا يجوز.
وقد عرف أن لأصحابنا وجهين في الكراهة في كلام الإمام أحمد التحريم وكراهة التنزيه وقال الشريف في بحث المسألة بعد أن ذكر الكراهة لأن في ذلك استخفافا بصاحبه واستهانة به أشبه ما إذا قعد عليه للبول.
قوله: "وتستحب زيارة القبور للرجال".
ذكره بعضهم إجماعا وهو أبو زكريا النووي وحكى بعضهم عن طائفة كراهته.
قال المصنف وظاهر كلام الخرقي أنها جائزة لا استحباب فيها لأنه قال ولا بأس أن يزور الرجال المقابر وكذا حكى أبو المعالي عن الخرقي أنه مباح لا بأس به وكذا عبارة الحلواني وفي العمدة لأن الأمر بها أمر بعد حظر والمشهور عندنا أنه للاباحة ومن حمله على الندب فلقرينة تذكر الموت أو الأمر فيه1.
وحكى أبو المعالي عن مالك أنه يكره وظاهر كلام الأصحاب أنه لا يكره الإكثار من زيارة الموتى.
وقال في الرعاية ويكره الإكثار من زيارة قبور الموتى والاجتماع عندها والسفر إليها وحضور القاص لها.
_________
1-
يعني قوله عليه الصلاة والسلام " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ".