الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب البيوع
مدخل
…
كتاب البيوع
ينعقد البيع1 بالإيجاب والقبول المعاقب له.
كتاب البيوع
قوله: "ينعقد البيع بالإيجاب والقبول".
فيقول البائع بعتك أو ملكتك ونحوهما ويقول المشتري ابتعت أو قبلت ونحوهما وذكر القاضي في التعليق رواية أنه عبارة عن بعت واشتريت وحكاها فخر الدين وللشافعية وجهان فإن كان القبول بلفظ المضارع مثل أن يقول بعتك فيقول أنا آخذه بذلك لم يصح نص عليه في رواية مهنى في رجل قال لرجل قد بعتك هذا العبد بألف درهم فقال له الآخر أنا آخذه قال لا يكون بيعا حتى يقول قد أخذته وسيأتى ذلك في قوله: "ولو تقدم عليه في النكاح" ما يتعلق بهذا.
ونص في رواية أحمد بن القاسم فيمن قيل له بكم هذا الثوب قال بعشرة دراهم فيقول المشتري قد قبلت أنه يكفي ولا يحتاج بعد هذا إلى كلام آخر.
قال الشيخ تقي الدين فقد نص على أن قوله "هذا الثوب بعشرة دراهم"
_________
1-
بهامش الأصل في نسخة: الشروط لصحته سبعة: الأول: أن يكون العاقد جائزا التصرف. الثاني: أن يأتيا به باختيار إلا أن يكرها أو أحدهما الثالث أن يكون في العين منفعة مباحة. الرابع: أن يكون مملكة للبائع أو مأذون له في بيعها. الخامس: القدرة على التسليم. السادس: أن يكون المبيع معلوما بذاته أو صفته. السابع: أن يكون الثمن معلوما.
فإن تقدم عليه فعلى روايتين.
إيجاب وإن لم يلفظ بما اشتق من المبيع ولا بصيغة انتقال إلى المشتري وقوله "هذا بعشرة دراهم" جملة اسمية لا فعلية مع احتماله لمعنى السوم وقد نص على أن القبول بصيغة المضارع لا يصح انتهى كلامه.
وقد ذكر الجوزجاني إذا قال بكم قال بكذا وكذا فقال الآخر قد أخذته فهو بيع تام لحديث بكر بن عمرو.
قال الشيخ أبو الفرج فإن قال له بكم تبيع هذا فقال بكذا وكذا فقال شل يدك واتزن الثمن لم يكن ذلك إيجابا ولا قبولا وقال مالك يكون إيجابا وقبولا وقال بعض أصحابنا يكون ذلك إيجابا وقبولا فيما قرب من البضائع كالشيء اليسير ويسقط اعتبار الإيجاب والقبول في هذه الأشياء للمشقة انتهى كلامه.
وقال حرب سألت أحمد عن بيع عيدان المعادن قال إذا كان شيئا ظاهرا يرى يقول أبيعك هذا فلا بأس قيل له إنما هو جوهر غائب في الأرض فلم يرخص فيه.
وظاهر هذا أنه إيجاب بلفظ المضارع ونص أحمد في مسائل مثل هذا.
فإن عقد البيع بلغته صح إذا عرف مقتضاها ذكره ابن الجوزي وظاهره أنه لا يصح إذا لم يعرف مقتضاها وبنبغي أن تكون كنظيرتها في الطلاق إن لم ينو مقتضاها لم يصح وإن نوى خرج على الوجهين.
قوله: "وإن تقدم عليه فعلى روايتين".
يعني إن تقدم بلفظ الماضي أو الطلب والذي نصره القاضي وأصحابه أنه لا يصح قال وهي الرواية المشهورة واختاره أبو بكر وغيره.
وذكر ابن هيبرة أنها أشهرهما عن الإمام أحمد ومما احتج به أبو الحسين
_________
بأن القبول تقدم الإيجاب في عقد يلحقه الفسخ لم يصح دليله لو تأخر الإيجاب عن القبول ساعة وهما في المجلس وهو معنى كلام أبي الفرج وقطع في المغنى والكافي بالصحة فيما إذا تقدم بلفظ الماضي كقول الأئمة الثلاثة وقدم الصحة فيما إذا تقدم بلفظ الأمر خلافا لأبي حنيفة واختار الشيخ تقي الدين الصحة.
وظاهر كلام الأصحاب أنه لو قال بعني عبدك على أن على ألفا أن فيه الخلاف وذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح وقال ابن عقيل إذا قال يعني عبدك هذا ولك ألف فهو بمنزلة قوله: بعني عبدك بألف فإذا قال بعتك صح فيهما ولزم العوض إذا قلنا بتقديم القبول على الإيجاب.
وذكر القاضي في ضمن جعل الدين صداقا في قوله: بعتك بكذا أو على كذا وزوجتك بكذا أو على كذا قال القاضي على بعض البدل كما إذا قال أجرتك على عشرة دراهم اقتضى أن يكون بدلا ذكره محل وفاق فأما إن كان بلفظ الاستفهام كقوله: أبعتني هذا بكذا أو أتبيعني هذا بكذا أو أتبيعني هذا به لم يصح نص عليه حتى يقول بعده اشتريت أو شبهه وهذا قول الأئمة الثلاثة ولم أجد فيه خلافا فإن قال البائع للمشتري اشتره بكذا أو ابتعه بكذا فقال هو اشتريته أو أبتعته لم يصح حتى يقول البائع بعده بعتك أو نحوه قطع به في الرعاية لأن طلب المشتري قد يقوم مقام قبوله لدلالته على رضاه وأمر البائع بالشراء لم يوضع للإيجاب ولا للبدل.
وهذا فيه نظر ظاهر والأولى أن يكون كتقدم الطلب على المشتري لأنه دال على الإيجاب والبدل وللشافعية وجهان.
ولو تأخر الطلب من المشتري لم يصح قولا واحدا.
وقال الشيخ تقي الدين إذا كان المبيع عينا من الطرفين فكلاهما موجب
_________
قابل فينبغي أن يقدم أحدهما على الآخر كالعكس لكن لو قال أحدهما ابتعت هذا العبد بهذا أو قال بعني كان تقدما على ظاهر كلام أصحابنا مع أن الرواية التي ذكرها عن أحمد ليس فيها إلا إذا تقدم بلفظ الطلب والاستدعاء ولا يلزم من المنع هنا المنع إذا كان بلفظ الخبر مثل قوله: اشتريت وابتعت قال وأما إذا كان دينا بعين وهو السلم فهنا المعروف أن يقول أسلمت إليك هذه المائة في وسق حنطة أو أسلمت إليك مائة في وسق حنطة فيقول قبلت فيقدمون لفظ المسلف ويجعلونه بمنزلة الموجب والمستسلف بمنزلة القابل لأن المسلف هو الذي يقدم العين فصار بمنزلة البائع وإن كان في المعنى المستسلف هو البائع فلو تقدم قول المستسلف بصيغة البيع مثل أن يقول بعتك وسق حنطة بعشرة دراهم فهذا جار على الترتيب لكنه بلفظ البيع.
ولو قال المسلم اشتريت منك وسق حنطة بعشرة دراهم فقال بعت فقد استويا من جهة أن السلف تقدم قبوله لكن هناك جاء بلفظ القبول وهو اشتريت وهنا جاء بلفظ إيجاب وهو أسلمت فهنا يجيء أربع مسائل لأن الترتيب بلفظ السلم غير الترتيب بلفظ البيع.
ويجوز أن يقارن القبول الإيجاب إذا تولاهما واحد في مثل قوله: جعلت عتقك صداقك وقول الولي تزوجت فلانة ونحو ذلك ذكره غير واحد من الأصحاب لأن الجملة الواحدة تضمنت جملتي القبول والإيجاب فيكون اشتراط تقدم الإيجاب على القبول حيث افتقر إلى جملتين.
ولو قال إن بعتني عبدك هذا فلك علي ألف فقال بعتك لم يصح البيع بخلاف الخلع لأن البيع يفتقر إلى استدعاء تمليك والخلع لا يفتقر إلى استدعاء تمليك لأن ملكه يزول عنها بغير رضاها ذكره القاضي في الجامع والمجرد.
ولو تقدم عليه في النكاح لم يصح رواية واحدة.
قال الشيخ تقي الدين ومضمونه أن تقدم القبول بصيغة الشرط لا يصح البتة.
قوله: "ولو تقدم عليه في النكاح لم يصح رواية واحدة".
سواء كان بلفظ الماضي مثل تزوجت ابنتك فيقول زوجتكها.
وهو الذي ذكره القاضي وغيره ونص أحمد في رواية علي بن سعيد على التفرقة بين هذه المسألة وبين البيع فقال النكاح أشد.
وحكى الشيخ شمس الدين في شرحه احتمالا أنه يصح سواء تقدم بلفظ الماضي أو الطلب وهو مذهب الأئمة الثلاثة واحتج لعدم الصحة هو وغيره بأنه لو أتى بالصيغة المشروعة متقدمة فقال قبلت هذا النكاح فقال الولي زوجتك ابنتي لم يصح فلأن لا يصح إذا أتى بغيرها أولى.
قال الشيخ تقي الدين وذكر أبو الخطاب أن تقدم القبول على الإيجاب لا يضر في النكاح مثل أن يقول تزوجت فيقول زوجتك صرح به في مسألة النكاح الموقوف قال وكذا ذكر أبو حفص العكبري يعني في كتاب الخلاف له بين مالك وأحمد وقال أيضا واشترط تقدم الإيجاب على القبول فيما إذا كان أحد المتعاقدين موجبا والآخر قابلا سواء أوجب في امرأة أو امرأتين فأما إن كان كل منهما موجبا قابلا مثل مسألة الشغار إذا صححناه إذا قال أحدهما زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك فقد أتى بالقبول بصيغة المضارع المقترن بأن وقد ذكر هذا القاضي وغيره1 وإن تقدم لفظ القبول فيهما بأن يقول زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي أو زوجني بنتك،
_________
1-
بهامش الأصل: الذي قاله الشيخ المحرر: إذا صححنا مع تسمية الصداق.
وإن تراخى عنه صح فيهما ما داما في المجلس ولم يشتغلا بما يقطعه وإلا فلا يصح.
وأزوجك بنتي فهذا قد ذكره الإمام أحمد لكن كلامه محتمل للخطبة والعقد فقياس قولنا أن لا يصح هنا حتى يقول ذلك قد زوجتك ثم يقول الأول قبلت لأنه جعل القبول أصلا والإيجاب تبعا وجعل الإيجاب بلفظة المضارعة المستقبلة ومن جوز تقدم القبول على الإيجاب صححه.
قوله: "وإن تراخى عنه صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه وإلا فلا يصح".
قال في الرعاية مما يقطعه عرفا يعني والله أعلم بكلام أجنبي أو سكوت طويل عرفا ونحو ذلك.
قال الشيخ موفق الدين لأن العقد إذا تم بالقبول فلم يتم مع تباعده عنه كالاستثناء والشرط وخبر المبتدأ الذي لا يتم الكلام إلا به وقاسه القاضي على خيار المجبرة.
وقال الشيخ تقي الدين في أثناء كلامه في اشتراط الاتصال قال وأما في الموالاة وهو الاتصال فإما في كلام واحد كالأيمان والنذور والطلاق والعتق وفيها الروايتان في الأيمان والطلاق وهما في العقود أولى هذا كلامه.
وقال أيضا في موضع آخر والظاهر أنه من كلام أبي حفص العكبري لأنه يعلم له "ك" وفي الموضع علم له "ك" إذا قال بعت أو زوجت ونحوهما وطال الفصل قبل القبول ثم قال البائع ألا تقبل مني هذا البيع اقبله مني فقال قبلت فأفتيت بانعقاد البيع وكذلك لو قال إن أبرأتني هذه الساعة من صداقك فأنت طالق فقالت ما أبريك ثم سكتوا زمانا ثم قال بل ابريني فقالت أبرأتك أفتيت بوقوع الطلاق لأن هذه الصيغ متضمنة
وعنه يصح في النكاح ولو بعد المجلس.
الطلب لأن كل واحد من المتعاقدين طالب من الآخر مقصوده فمتى تكلم بصيغة العقد وطال الفصل ثم طلب مقصوده الذي طلبه أولا طلبا ثانيا كان هذا بمنزلة ابتدائه الطلب حينئذ وكان ترك ذكره للعوض الآخر من باب المحذوف المدلول عليه ويمكن أن تبنى هذه المسألة على الشرط المتقدم على العقد هل هو بمنزلة المقارن وهذا بناء صحيح.
قوله: "وعنه يصح في النكاح ولو بعد المجلس".
قال القاضي قد علق القول في رواية أبي طالب في رجل مشى إليه قوم فقالوا زوج فلانا فقال قد زوجته على ألف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقال قد قبلت هل يكون هذا نكاحا قال نعم قال وظاهر هذا أنه حكم بصحته بعد التفرق عن مجلس العقد قال وهذا محمول على أنه قد كان وكل من قبل العقد عنه ثم أخبر بذلك فأمضاه.
وقال أبو بكر في كتاب المقنع مسألة أبي طالب متوجهة على قولين.
أحدهما لا يجوز باتفاق الولي والزوج والشهود في مجلس واحد قال وعلى ظاهر مسألة أبي طالب يجوز وبالأول أقول وقال ابن عقيل وهذا يعطى أن النكاح الموقوف صحيح وشيخنا حمل المسألة على أنه وكل ذلك في قبوله ولا وجه لترك ظاهر كلام الرجل والرواية ظاهرة ولا يترك ظاهرها بغير دلالة من كلامه فيها لا في غيرها لأنا لو صرفنا رواية عن ظاهرها برواية لم يبق لنا في المذهب روايتان.
قال الشيخ تقي الدين قد أحسن ابن عقيل وهو طريقة أبي بكر فإن هذا ليس تراخيا للقبول عن المجلس وإنما هو تراخ للاجازة والعقد انعقد بقوله: زوجت فلانا فيكون قد تولى واحد طرفي العقد وإن كان في أحدهما
_________
فضوليا لا سيما إن جعل قول أولئك له زوج فلانا قبولا منهم متقدما هم فيه فضوليون قال ويجوز أن يقال إن العاقد الآخر إن كان حاضرا اعتبر قبوله وإن كان غائبا جاز تراخي القبول عن المجلس كما قلنا في ولاية القضاء مع أن أصحابنا قد قالوا في الوكالة إنه يجوز قبولها على الفور والتراخي وفي ولاية القضاء فرقوا بين حضور المولى وغيبته وإنما الولاية نوع من جنس الوكالة.
وقال أيضا مسألة أبي طالب وكلام أبي بكر فيما إذا لم يكن الزوج حاضرا في مجلس الإيجاب وهذا أحسن أما إذا تفرقا عن مجلس الإيجاب فليس في كلام أحمد وأبي بكر ما يدل على ذلك وكذلك قال في المجرد انتهى كلامه.
وهذا موافق لما ذكره الشريف أبو جعفر فإنه قال إذا قال الولي اشهدوا أني قد زوجت ابنتي من فلان فبلغ ذلك فلانا لم يصح وبه قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف يصح وعن أحمد مثله.
دليلنا أن القبول وجد في غير مجلس الإيجاب فلا يصح كما لو كان في مجلس فلم يقبل حتى تفرقا.
ووجه الشيخ زين الدين بن المنجا في شرحه رواية عدم بطلان الإيجاب إذا تفرقا عن مجلس العقد بأنه قد وجه منه القبول أشبه ما لو وجد في المجلس.
وذكر القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول في تتمة رواية أبي طالب المذكورة فقال قد قبلت صح إذا حضره شاهدان.
قال الشيخ تقي الدين وهو يقتضي أن إجازة العقد الموقوف إذا قلنا بانعقاده يفتقر إلى شاهدين كأصله وهو مستقيم حسن لأن العقد إنما يتم بهما بخلاف الإذن للولي فإنه شرط العقد لإتمام العقد والشهادة معتبرة في نفس النكاح لا في شروطه.
ويصح بيع المعاطاة كقوله: أعطنى بدرهم خبزا فيعطيه ما يرضى أو يقول.
قوله: "ويصح بيع المعاطاة إلى آخره".
طريقة الأصحاب أن الشرع قد ورد بالبيع والشراء في الجملة وما ورد به الشرع مطلقا رجع فيه إلى العرف.
والعادة أن الناس يتبايعون بغير إيجاب ولا قبول وعلى هذا قد يعرى بيع المعاطاة عن لفظ إذا كان هناك عرف بوضع الثمن وأخذ الثمن كقطع الحلاوة وجزر البقل أو بمناولة باليد.
قال الشيخ تقي الدين وأصوله تقتضي ثبوت العقود والشروط بالعرف في مسألة الحمام والغسل.
وقد نص أحمد على أن العقد والفسخ لا يكون إلا بكلام في رواية إسماعيل بن سعيد قال سألت أحمد بن حنبل قلت أرأيت لو أعتق المشتري العبد الذي اشتراه وهما في المجلس فأنكر البائع عتقه وأراد أن يرد بيعه هل له ذلك قال عتق المشتري فيه جائز بمنزلة الموت مالم يرجع البائع فيه قبل عتقه ولا يكون الرجوع للبائع فيه إلا بكلام مثل البيع الذي ما يكون إلا بكلام انتهى كلام الشيخ.
ولعل هذا من أحمد على الرواية التي تمنع بيع المعاطاة.
قال الشيخ تقي الدين عبارة أصحابنا وغيرهم تقتضي أن المعاطاة ونحوها ليست من الإيجاب والقبول وهذا تخصيص عرفي فالصواب الاصطلاح الموافق للغة وكلام المتقدمين أن لفظ الإيجاب والقبول يشتمل على صور العقد قولية أو فعلية قال ولهذا قيده القاضي في آخر كلامه حيث قال لم يوجد الإيجاب والقبول المعتاد يعني المعتاد تسميته بذلك.
خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه وعنه أنه لا يصح وقال القاضي يصح في المحقرات خاصة.
وإذا تبايعا فكل واحد منهما بالخيار إلى أن يتفرقا بأبدانهما ما يعده الناس فراقا فإن أسقطاه في المجلس أو في العقد سقط وعنه لا يسقط.
قوله: "إلى أن يتفرقا".
قال القاضي في التعليق ضمن المسألة ولا يتعلق لزوم العقد بالتفرق وحده حتى ينضم إليه اختيار العاقد فلو هرب أحدهما من صاحبه أو فسخ في المجلس ثم تفرقا لم يلزم العقد ذكره الشيخ تقي الدين ولم يزد عليه وهو خلاف كلام الأصحاب.
قوله: "فإن أسقطاه في المجلس أو في العقد سقط وعنه لا يسقط".
أكثر الأصحاب حكى الروايتين في المسألتين منهم أبو الخطاب في الهداية وذكره في الانتصار في ضمن مسألة الأعيان الغائبة ولم أجد في شيء من كلام الإمام أحمد إسقاط الخيار في العقود وإنما فيه التخيير بعد العقد.
وقال القاضي في التعليق نقل الميموني عنه إذا تخايرا حال العقد انعقد الخيار قال أبو بكر وتابعه حرب.
قال القاضي وهذا تنبيه على ما بعد العقد لأن حالة العقد أضعف وقد قطع الخيار بينهما.
قال الشيخ تقي الدين كتبت لفظ رواية الميموني وحرب وليس فيهما أكثر مما في حديث ابن عمر ولفظ رواية الأثرم نص فيمن ذهب إلى حديث ابن عمر يقول إذا خيره بعد البيع وجب البيع قال وهذا منه دليل على أن إسقاطه في العقد لا يسقط به قولا واحدا.
ويجوز خيار الشرط فوق ثلاث وأن يفصح به أحدهما في غيبه صاحبه.
ويتخرج أن لا ينفسخ إذا لم يبلغه في المدة وإذا مضت مدته ولم يفسخا:
لزم العقد وابتداء مدته من حين العقد وقيل: من حين التفرق.
قال القاضي إذا أسقطاه في العقد وقلنا لا يسقط ففي بطلان العقد الروايتان في الشروط الفاسدة.
والذي نصره القاضي وأصحابه ابنه أبو الحسين وأبو الخطاب والشريف وغيرهم وقدمه غير واحد أنه لا يسقط مطلقا.
واختار ابن أبي موسى والشيخ موفق الدين أنه يسقط وقدمه المصنف هنا والقول بالتفرقة إليه ميل أبي الخطاب والشيخ تقي الدين هنا وهو متوجه على المذهب.
قوله: "ويجوز خيار الشرط فوق ثلاث".
لو باع مالا يبقى إلى ثلاثة أيام كطعام رطب بشرط الخيار ثلاثا فقال القاضي يصح الخيار ويباع ويحفظ ثمنه إلى المدة.
وحكى عن أصحاب الشافعي لا يصح كقولهم في الإجارة وعليه قاسوها وكذلك يتوجه على وجهي الإجارة.
وعلى قولنا إن تلف بالعتق وغيره يبطل الخيار فإنا نمنع الشرط لاسترجاع القيمة لكنها هنا أمانة وهناك في الذمة.
قوله: "ويتخرج أن لا ينفسخ إذا لم يبلغه في المدة".
هذا التخريج ذكره أبو الخطاب قال كالموكل هل يملك عزل وكيله من غير حضوره وعلمه على روايتين أصلا لهذه المسألة.
قال الشيخ تقي الدين قياس أن الوكالة إذا قلنا لا تنفسخ قبل العلم أن نقول هنا لا ينفسخ قبل العلم فإذا انقضت المدة فلم يتصرف الآخر حتى بلغه الخبر:
وإذا شرطا الخيار ولم يؤقتاه لم يصح وعنه يصح ويبقى ما لم يقطعاه فإن شرطا إلى الجذاذ والحصاد خيارا أو أجلا في بيع أو سلم فعلى روايتين ولو شرطا الخيار إلى الليل أو الغد سقط بدخوله وعنه بخروجه وإن شرطاه سنة في أثناء شهر استوفى شهر بالعدد وأحد عشر بالأهلة وعنه يستوفى الكل بالعدد وكذلك كل ما علق بالأشهر من إجارة وعدة وصوم كفارة ونحوه ومن.
انفسخ وإن تصرف قبل بلوغ الخبر لم يصح كما قلنا مثل ذلك في الرجعة على إحدى الروايتين أنها إذا تزوجت قبل أن يبلغها خير الرجعة أنعقد النكاح وقال ابن الجوزي إذا كان الخيار لأحدهما كان له الفسخ من أنه لا يفسخ إلا بحضوره.
وظاهر كلامه وكلام غيره من الأصحاب أنه يملك الفسخ من غير إحضار الثمن.
وقال الشيخ تقي الدين ولا يملك الفسخ إلا برد الثمن نص عليه.
قال أبو طالب لأحمد يقولون إذا كان له الخيار فمتى قال اخترت داري أو أرضي فالخيار له ويطالب بالثمن قال كيف له الخيار ولم يعطه ماله ليس هذا بشيء إن أعطاه فله الخيار وإن لم يعطه ماله فليس له خيار.
قال الشيخ تقي الدين فقد نص على أن البائع لا يملك إعادتها إلى ملكه إلا بإحضار الثمن كما أن الشفيع لا يملك أخذ الشقص.
قوله: "وإذا شرطا الخيار ولم يؤقتاه".
المذهب عدم الصحة قال في رواية ابن منصور في الرجل يبيع البيع بشرط ولا يسمى أجلا فلا يعجبني حتى يسمي يوما أو يومين.
وقال أيضا في رواية ابن منصور في رجل اشترى شيئا وهو فيه بالخيار ولم يسم إلى متى فله الخيار أبدا أو يأخذه.
قال الشيخ تقي الدين يتوجه أنه إذا أطلق الخيار ثبت ثلاثا لخبر حبان.
شرط الخيار له ولزيد جاز وكان وكيلا له فيه. وإن قال: لزيد دوني لم يصح وإن شرطه لزيد وأطلق فعلى وجهين.
قوله: "وإن قال لزيد دوني لم يصح".
وكذا قطع به في المستوعب والرعاية وغيرهما.
واختار الشيخ موفق الدين في المغني والكافي أنه يصح ونصب الخلاف فيه مع القاضي لأنه أمكن تصحيحه على هذا الوجه فتعين.
وقال القاضي أبو الحسين إذا ابتاع شيئا وشرط الخيار لغيره صح سواء شرط الخيار لنفسه أو جعله وكيلا له في الإمضاء والرد أو شرطه للوكيل دونه إلا أنه إن شرطه لنفسه وجعله وكيلا كان له دون الوكيل وإن شرطه للوكيل كان الخيار لهما على ظاهر كلامه وقال أصحاب أبي حنيفة يصح ويكون لهما ثم ذكر مذهب الشافعي واستدل على صحته بأنه خيار مستفاد بالشرط فكان لمن شرطه له دليله لو شرطاه لأحد المتبايعين وإذا ثبت أن يكون لمن شرطه له وجب أن يكون للوكيل أيضا لأن هذا فرعه وعنه ملك واستحق أن يكون له كسبه ونماؤه وإن فسخ العقد قطع بهذا مع ذكره الخلاف في نماء المبيع المعيب وقد قطع في المستوعب وغيره بأن حكمه حكم نماء المعيب المردود.
وقال الشيخ تقي الدين أما النماء فإن كان المشترى هو الفاسخ فهو كما لو فسخ بالعيب وفي رد النماء روايتان وإن كان البائع هو الفاسخ فهو كفسخ البائع لإفلاس المشتري بالثمن وفيه أيضا خلاف أقوى من الرد بالعيب فإن المنصوص أنه يرجع بالنماء المنفصل فلا يكون الخيار دون هذا انتهى كلامه.
وقد صرح الشيخ موفق بأن ظاهر المذهب أن الزيادة للمفلس وقال لا ينبغي أن يكون في هذا خلاف لظهوره وقاسه على مسألة العيب والخيار وهذا قوله: جماعة كابن حامد والقاضي.
ويثبت الملك للمشترى في مدة الخيار في أشهر الروايتين ويكون له كسبه ونماؤه وإن فسخ العقد ومتى تصرف فيه البائع بعتق أو غيره لم ينفذ ولم يكن فسخا نص عليه وأما المشتري فلا ينفذ تصرفه إلا بالعتق إلا أن يتصرف.
وعكس هذا وأن الزيادة للبائع لا للمفلس نقله حنبل وتأوله غير واحد وهو قول أبي بكر ونصره جماعة كأبي الخطاب والشريف وقدمه جماعة كصاحب المحرر والخلاصة كما في الزيادة المتصلة والفرق ظاهر.
فأما على رواية أن الملك للبائع ولم ينتقل عنه فالكسب والنماء له.
قوله: "ومتى تصرف البائع بعتق أو غيره لم ينفذ تصرفه".
كذا ذكره جماعة وينبغي أن يقال إن قلنا الملك له وكان الخيار له وحده صح تصرفه كما ذكره المصنف في المشتري.
وذكر الشيخ موفق الدين في بعض كلامه أنا إذا قلنا الملك له وكان الخيار لهما أو للبائع وحده أن تصرفه صحيح نافذ وله إبطال خياره فأما تصرفه بالعتق فينفذ إن قلنا الملك له.
وقد علل الإمام أحمد في رواية ابن القاسم عدم جواز عتق البائع بأنه غير مالك له في ذلك الوقت إنما له فيه خيار.
قوله: "ولم يكن فسخا".
تبع القاضي وأصحابه ومن الأصحاب من ذكر في المسألة وجهين ومنهم من ذكر روايتين.
وقال في الرعاية وقيل تصرف البائع في المبيع فسخ على الأصح فلا يصح.
قوله: "وأما المشتري فلا ينفذ تصرفه إلا بالعتق".
إلا أن يتصرف مع البائع أو يكون الخيار له وحده أما تصرفه بالعتق فينفذ إن قلنا الملك له.
_________
وعند الجوزجاني لا ينفذ عتقه لكن إذا لم يناكره حتى انقضى الخيار مضى كأنه يشبهه بالتصرف في الشقص المشفوع ويتخرج مثله في الرهن ذكره الشيخ تقي الدين.
وذكر القاضي في ضمن خيار المجلس أنه إذا اشترى أباه أو من يعتق عليه فإنه لا يعتق بنفس الشراء بل بعد التفرق وعليه حمل ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: " لا يجزي ولد والده شيئا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ".
وذكر في مسألة انتقال الملك أن من فوائد الخلاف إذا اشترى أباه أو ابنه على أنه بالخيار عتق عليه عندنا وعنده لا يعتق.
وذكر الشيخ موفق الدين وغيره إن اشترى من يعتق1 عليه يجري مجرى إعتاقه بصريح.
قوله: "وأما تصرفه بغير العتق فلا ينفذ".
قطع به جماعة واستثنى الشيخ موفق الدين في بعض كلامه إذا كان الخيار له وحده لأنه لا حق لغيره فيه وكان ينبغي على قياس كلامه السابق تصحيحه وإن كان الخيار لهما كما صح تصرف البائع وإن كان الخيار لهما وعن أحمد ما يدل عليه.
قال محمد بن أبي حرب قيل لأحمد رجل اشتري سلعة بشرط فباعه وربح الربح لمن قال الربح له لأنه قد وجب عليه حين عرضه وكذا نقل يعقوب.
واستثنى في المحرر تصرف المشتري مع البائع وهو مبني على أن التصرف يدل على الرضى وفيه الخلاف المشهور وتصحيح هذا التصرف مع عدم تصحيح تصرف البائع مطلقا فيه نظر وليس بمذهب للإمام أحمد.
1- بهامش الأصل: أي عند أبي حنيفة لأن الملك عنده في مدة الخيار لا ينفل إلى المشتري.
مع البائع أو يكون له الخيار وحده وبكل حال يكون تصرفه وسومه ووطؤه إمضاء.
وظاهر كلام القاضي في موضع أن تصرف المشتري صحيح سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما.
قال الشيخ تقي الدين وأما المشتري فقد أطلق القاضي أن تصرفه ينفذ.
وكأنه والله أعلم يريد إذا لم يفسخ البائع العقد كما بينه أبو بكر في التنبيه فإنه استشهد بقول أبي بكر وكما أومأ إليه الإمام أحمد فيمن باع الثوب فقال يرده إلى صاحبه الأول إن طلبه فمفهومه أنه إذا لم يطلبه مضى البيع.
وهذا هو الذي دل عليه كلام الإمام أحمد وهو قول الجوزجاني وعليه يدل حديث ابن عمر.
ثم صرح بذلك في مسألة عتق المشتري فقال واحتج بأنه لو باعه أو وهبه أو وقفه وقف جميع ذلك على إمضاء البائع كذلك العتق والجواب أنه لا يمنع1 أن لا ينفذ بيعه وهبته وينفذ عتقه لما فيه من التغليب والسراية كما في العبد المشترك.
وقد ذكر في مسألة انتقال الملك أن تصرفه بغير العتق ينفذ انتهى كلامه.
وقال في الرعاية وقيل تصرف المشتري فيه رضى في الأصح فيصح إن ملكه بالعقد وإلا فلا فهذه نحو ستة أقوال في صحة تصرف المشتري بغير العتق.
قوله: "وبكل حال يكون تصرفه وسومه ووطؤه إمضاء".
قال إسماعيل بن سعيد لأحمد أرأيت إن أعتق المشتري العبد الذي اشترى
_________
1-
كذا في كلام الشيخ ولعله "يمتنع".
وفي استخدامه روايتان [إحداهما: لم يبطل خياره وهو المذهب] .
وهما في المجلس فأنكر البائع عتقه وأراد أن يرد بيعه هل له ذلك قال عتق المشتري فيه جائز بمنزلة الموت ما لم يرجع البائع فيه قبل عتقه ولا يكون للبائع الرجوع فيه إلا بكلام مثل البيع الذي لا يكون إلا بالكلام.
قال القاضي وهذا يدل على أن بيعه لا ينفذ ولا يكون فسخا.
ويخرج على هذا جميع تصرفاته بالعتق والوطء لا تنفذ ولا تكون دالة على الفسخ ولا يثبت الفسخ من جهته إلا بلفظ الفسخ لأن ملكه قد زال وتصرفاته باطلة فلم تكن دالة على ملكه وتصرفه ينفذ فلهذا كان دالا على الرضا.
وقد قال أحمد في رواية ابن ماهان إذا ابتاع ثوبا وشرط الخيار لنفسه ثلاثا فعرضه على البيع قبل الثلاث لزمه وفي رواية العباس بن محمد إذا سكن الدار ولبس الثوب لزمه انتهى كلامه.
فمن الأصحاب من يقول تصرف البائع فسخ وتصرف المشتري إمضاء ومنهم من يقول لا ومنهم من يحكي في ذلك روايتين ومنهم من يجعل تصرف المشتري إمضاء ولا يجعل تصرف البائع فسخا كما في المحرر وصاحب هذا القول فرق بانتقاله لملك وعدمه كما ذكره القاضي وقد يعلل ذلك بأن تصرف المشتري يدل على الرضا وقد ينتهض الفعل الدال على الرضى ملزما للعقد كما في وطء المعتقة تحت عبد ووطء الكافر المسلم1 أحد زوجاته ووطء المشتري الجارية المعيبة بخلاف تصرف البائع فإنه رافع للعقد.
قوله: "وفي استخدامه روايتان".
إحداهما يبطل خياره لأن تصرف منه أشبه الركوب للدابة والثانية:
_________
1-
كتب في الأصل فوق كلمة "المسلم" كذا. ولعل معناه: الكافر الذي أسلم جديدا وعنده أكثر من أربع نسوة ولما يختر أربعا.
ولو قبلته المبيعة فلم يمنعها فخياره باق نص عليه ولو أعتقها أو تلفت عنده بطل خياره وللبائع الثمن وعنه له الفسخ وأخذ القيمة.
لا لأنه لا يختص الملك أشبه النظر.
وقيل إن قصد تجربته واختياره لم يبطل كركوب الدابة ليعلم سيرها وإلا بطل كركوبها لحاجته وقيل إن قصد تجربه المبيع لم يبطل وإلا فروايتان وهو الذي في الكافي.
قوله: "ولو قبلته المبيعة فلم يمنعها فخياره باق".
نص عليه كما لو قبلت البائع ويحتمل أن يبطل إذا لم يمنعها كما لو قبلها.
وشرط القاضي وجماعة حصول الشهوة منها وجماعة لم يشرطوا فهذا قول ثالث.
قال القاضي إن أحمد نص على أن مسها إياه لتغيمز رأسه ورجليه لا يبطل خياره وأبطل ذلك بمسه إياها.
قال الشيخ تقي الدين غسل رأسه وتغيمز رجليه هنا كان بأمره ولو قال لها قبليني أو باشريني ففعلت بطل خياره وإنما العلة أن ذلك فعل مباح مع الأجنبي بدليل أن أبا موسى غسل رأسه امرأة من قومه وتغميز الرجل لعلة من وراء حائل ومناط أحمد أنه متى نال ما يحرم على الأجنبي بطل خياره.
فيؤخذ من هذا أن قبلتها له لم يبلغ هو منها مالا يحل لغيره انتهى كلامه.
وقال أيضا فلعله يفرق بين أن ينتفع هو بالمبيع وبين أن ينفعه المبيع بنفسه.
قوله: "ولو أعتقها أو تلفت عنده بطل خياره وللبائع الثمن وعنه له الفسخ وأخذ القيمة".
هاتان روايتان منصوصتان.
_________
وجه الأولى وهي اختيار الخرقي وأبي بكر والقاضي في رءوس مسائله ورجحها أبو الحسين وغيره أنه خيار فسخ فبطل تلف المبيع كخيار الرد بالعيب إذا تلف المبيع ولا يلزم عليه إذا اختلفا في الثمن بعد تلف السلعة وتحالفا وفسخا لأن الفسخ حصل باليمين لا بالخيار.
ولا معنى لقولهم إنه يستدرك النقص ويأخذ الأرش فلهذا لم يملك الفسخ وهنا لا يستدرك لأنه يبطل بخيار الرجوع في الهبة فانه يسقط بهلاك العين وأن يستدرك المقصود وهذا فيه نظر.
وقد ذكر في الرعاية أن بعضهم خرج في خيار العيب أنه ملك الفسخ ويغرم ثمنه ويأخذ قيمته الذي وزنه وقاس أبو الخطاب وغيره على الإقالة.
وعندنا تصح الإقالة مع تلف الثمن وأما المثمن فإن قلنا هي فسخ فوجهان وإن قلنا بيع لم يصلح ويصح مع تلف بعضه فيما بقي.
ووجه الثانية عموم قوله عليه الصلاة والسلام: " البيعان بالخيار مالم يتفرقا " ولأنها مدة ملحقة بالعقد فلم تبطل بتلف المبيع كما لو اشترى ثوبا بثوب فتلف أحدهما ووجد الآخر بالثوب عيبا فإنه يرده ويرجع بقيمة ثوبه كذا ههنا.
وفرق أبو الحسين بأنه في مسألة الأصل تلف بعض المبيع وفي مسألة الفرع تلف كله وفي نظر وهذا اختيار ابن عقيل وغيره وقدمها في الكافي والخلاصة والرعاية وغيرهم.
وذكر القاضي في الخلاف أنها أصح الروايتين وذكر ابنه أبو الحسين أن القاضي اختارها في الخلاف قديما.
وذكر الشيخ تقي الدين أن أحمد صرح في رواية أبي طالب بأنه إذا أعتق العبد أو مات لم يكن عليه إلا بالثمن وإذا باعه ولم يمكنه رده ضمنه بالقيمة وإن كانت أكثر من الثمن ففرق بين ما هو تلف حسيا أو حكميا وبين
_________
ما ليس بتلف وإنما هو جناية فوت بها يد المشتري فيضمنه ضمان الحيلولة فحيثما كان العبد باقيا فعليه القيمة وحيثما كان تالفا فعلى الروايتين.
وفقه ذلك ظاهر فإنه إذا كان باقيا أمكن فسخ العقد لبقاء المعقود عليه وإمكان رجوعه.
وعلى هذا فجميع الفسوخ من الفسخ بالعيب واختلاف المتبايعين ونحو ذلك مما اختلف في جواز فسخها بعد تلف المبيع قد سووا بين الفوت والتلف لأن التفويت هناك كان بغير تفريط من الذي هو في يده بخلاف التفويت هنا فإما أن تكون هذه رواية ثالثة أو يكون الفرق قولا واحدا.
يوضح الفرق أن هناك لم تستحق الفسخ إلا بعد الفوت وهنا كان يملك الفسخ قبل الفوت هذا كلامه.
وهل تعتبر القيمة بيوم العقد أو بيوم التلف والاتلاف فيه وجهان أصلهما انتقال الملك ذكره في التلخيص وقدم في الرعاية يوم التلف والإتلاف وإن كان الإتلاف عند البائع فيما هو من ضمانه بطل خياره.
وأما المشترى فعلى الرواية الأولى يبطل خياره ويلزمه المسمى.
وعلى الثانية يخير المشتري فإن أمضى لزمه المسمى وإن فسخه فمثله أو قيمته.
وذكر الشيخ تقي الدين أن الأب إذا أتلف العين الموهوبة فإنه مخير بين أن يضمنها إبقاء لملك الابن أو لا يضمنها لتمكنه من استرجاعها وكذلك ما أتلفه الأب من مال ابنه ذكره أبو الخطاب قال ولو جنى المشتري عليها أو جنت هي على نفسها عنده مثل شج الرأس فهل يمنع الرد على الروايتين في التلف ذكره القاضي وضعف رواية منعه الرد وهي مذهب الحنفية على ما اقتضاه كلامه.
ومضمون كلامه أن فوات جزء منها كفوات جميعها وعلى هذا فكل
ولا يثبت خيار الشرط في بيع شرط القبض لصحته كالصرف والسلم.
وفي خيار المجلس فيه روايتان [إحداهما: يثبت وهو المذهب] ويثبت الخياران.
في الإجارة إلا خيار الشرط في إجارة تلي مدة العقد ففيه وجهان [أحدهما:.
نقص في العين أو في الصفة يمنع الفسخ في إحدى الروايتين وفي الأخرى له الفسخ واسترجاع الأرش لكن الرواية بالرد هنا مأخذها غير مأخذ العيب انتهى كلامه.
قوله: "ولا يثبت خيار الشرط في بيع شرط القبض لصحته".
قال الشيخ تقي الدين يعني من الطرفين أو أحدهما ويفسد العقد باشتراطه ذكره القاضي في ضمن مسألة خيار الشرط في النكاح انتهى كلامه.
وفساد العقد يخرج على الروايتين في الشروط الفاسدة كما لو شرطا خيار المجلس في ذلك على رواية لأنه لا يثبت.
قوله: "إلا خيار الشرط على إجارة تلي مدتها العقد".
ففيه وجهان:
أحدهما لا يثبت لأنه يفضي إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها أو أستيفائها في مدة الخيار وكلاهما لا يجوز وهو قول الشافعي وله في الإجارة في الذمة قولان.
والثاني يثبت وهو قول أبي حنيفة ومالك لأنه عقد معاونة يصح فسخه بالإقالة لم يشترط فيه القبض في المجلس فهو كالبيع قاله القاضي واحترز بالأول عن النكاح وبالثاني عن الصرف والسلم.
قال الشيخ تقي الدين أما النكاح فقد جعل بعض أصحابنا الخلع فيه كالإقالة وأما القبض في المجلس فظاهر مذهب الشافعي أن الإجارة في الذمة كالسلم في القبض فيمنعون هذا الوصف والقاضي قد سلمه انتهى كلامه.
ولنا وجهان فيما إذا شرطا تأجيل الأجرة إذا كان العقد على منفعة في الذمة.
_________
أحدهما يجوز لأنه عوض في الإجارة فجاز تأجيله كما لو كان على عين.
والثاني لا يجوز أنه عقد على ما في الذمة فلم يجز تأجيل عوضه كالسلم وقطع في الكافي بأنه إذا آجره مدة تلي العقد لم يجز شرط الخيار.
وفي خيار المجلس وجهان أحدهما لا يثبت لما تقدم والثاني يثبت لأنه يسير.
قال ابن منصور قلت للإمام أحمد الرجل يستأجر البيت إذا شاء أخرجه وإذا شاء خرج قال قد وجب بينهما إلى أجله إلى أن ينهدم البيت أو يموت البعير فلا ينتفع المستأجر بما استأجر فيكون عليه بحساب ما سكن.
قال القاضي ظاهر هذا أن الشرط الفاسد لا يبطل الإجازة.
قال الشيخ تقي الدين هذا اشتراط للخيار لكنه اشتراط له في جميع المدة مع الإذن في الانتفاع.
وقال القاضي في التعليق ضمن مسألة الإجارة احتج المخالف بأن بعضه تلف إلى مضي ثلاثة أيام فلا يمكن رده سليما.
فقال القاضي ينتقض بخيار العيب فقال المخالف إذا رد المنفعة بالعيب ضمن منفعة ما مضى من المدة وليس كذلك خيار الشرط فإنه لا يضمن شيئا.
قال القاضي فكان يجب أن يجعل له والضمان لقيمة المنفعة لما مضى.
قال الشيخ تقي الدين حيث جاز للمستأجر الانتفاع فينبغي أن يكون ضمان النفقة عليه وحيث لم يجز لم يضمنها مع الرد لكن إذا مضى العقد تكون عليه جميع الأجرة أو تقسط على ما بعد مدة الخيار وهنا يتوجه أن يكون للمستأجر الانتفاع وإن كان الخيار لهما أو للبائع إذا لا ضرر عليه فيه بخلاف البيع ولئلا تتعطل المنفعة.
ولو قيل أيضا في المبيع إن المشتري يستوفي منفعته ولا يتصرف في عينه لتوجه أيضا وأظنه مكتوبا في موضع آخر انتهى كلامه.
يثبت وهو المذهب] ولا يثبتان في باقي العقود إلا خيار المجلس في المساقاة والمزارعة والحوالة والسبق والشفعة إذا أخذ بها فإنه على وجهين [أحدهما:
قوله: "ولا يثبتان في باقي العقود".
وذكر القاضي أن العبد المكاتب والموهوب لهما الخيار على التأييد بخلاف سيد المكاتب والواهب.
قال الشيخ تقي الدين وهذا فيه نظر وقال ابن عقيل لا خيار للسيد لأنه دخل على أنه باع ماله بآلته وأما العبد فله الخيار أبدا مع القدرة على الوفاء والعجز فإذا امتنع كان الخيار للسيد هذا ظاهر كلام الخرقي.
وقال أبو بكر إن كان قادرا على الوفاء فلا خيار له وإن عجز عنه فله الخيار.
قال ابن عقيل والواهب بالخيار إن شاء قبض وإن شاء منع.
وظاهر كلامه في المحرر أن القسمة إذا دخلها رد ففيها الخياران لأنها بيع وإلا فلا.
وقطع القاضي في الخلاف وغيره بثبوت الخيارين مطلقا وقطع به في الرعاية قال لأن وضعها للارتياء والنظر وهذا يحتاج إليه هنا.
وقال ابن عقيل إن كان فيها رد فهي كالبيع يدخلها الخياران وإن لم يكن فيها رد وتعدلت السهام ووقعت القرعة فلا خيار لأنه حكم وإن كان القاسم المشتركين فلا يدخلها خيار المجلس أيضا لأنها إفراز حق وليست بيعا انتهى كلامه.
وذكر ابن الزاغوني كما ذكر القاضي.
وقال الأزجي في نهايته القسمة إفراز حق على الصحيح فلا يدخلها خيار المجلس وإن كان فيها رد احتمل أن يدخلها خيار المجلس.
قوله: "إلا خيار المجلس في المساقاة والمزارعة والحوالة والسبق والشفعة إذا أخذ بها فإنها على وجهين".
لا يثبت فيما ذكر وهو المذهب] .
الوجهان في المساقاة والمزارعة والسبق قيل هما بناء على الخلاف في جواز ذلك ولزومه وقيل هما على لزومه والحوالة والشفعة لا خيار فيهما في وجه لأن من لا رضى له لا خيار له وإن لم يثبت في أحد طرفيه لا يثبت في الآخر كسائرالعقود.
والوجه الثاني يثبت الخيار للمحيل والشفيع لأن العوض مقصود فأشبه سائر عقود المعارضة.
وقال الشيخ تقي الدين خيار الشرط في هذه الأشياء أقوى من خيار المجلس بدليل أن النكاح والصداق والضمان لنا فيها خلاف في خيار الشرط دون خيار المجلس ولأن خيار المجلس ثابت بالشرع فلا يمكن أن يلحق بالمنصوص ما ليس في معناه بخلاف خيارالشرط فإنه تابع لرضاهما والأصل عندنا أن الشرط تبع رضا المتشارطين والأصل صحتها في العقود وإنما يناسب البطلان من يقول إن خيار الشرط ثابت على خلاف القياس وليس ذلك قولنا.
وقولهم ينافي مقتضى العقد إنما ينافي مقتضى العقد المطلق وكذلك جميع الشروط وقد أبطل الإمام أحمد حجة من استدل بنهيه عن بيع وشرط ولأن خيار الشرط يجوز بغير توقيت ولو كان منافيا لتقدر بقدر الضرورة أو تقدر بالشرع كما ادعاه غيرنا ولا يجوز في عقود العبادات من الإحرام والاعتكاف ما يخالف مقتضى العقد المطلق في المعاملات.
وعلى هذا فلو اشترط في العقود اللازمة الجواز على وجه لا يمنع التصرف في المعقود عليه مثل أن يشترط في الرهن أني متى شئت فسخته أو في الكتابة إذا شئت فسختها أو في الإجارة فهذا اشتراط خيار مؤبد وهو أبعد عن الجواز وللجواز وجه كما لو اشترط في العقود الجائزة من المضاربة ونحوها اللزوم.
وخيار الشرط والشفعة وحد القذف لا تورث إلا بمطالبة من الميت نص عليه ويتخرج أنها تورث.
والضابط أن حقيقة الخيار هو القدرة على فسخ العقد فتارة يشترط ثبوته فيما ليس فيه مؤقتا أو مطلقا وتارة يشترط نفيه فيما ليس فيه مؤقتا أو مطلقا إلا أن اشتراط نفيه مطلقا باطل قطعا مثل أن يشترط أني مضاربك على أنه لا خيار لي في الفسخ فهذا باطل لما فيه من الفساد.
قوله: "وخيار الشرط - إلى آخره".
لأنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار رجوع الولد فيما وهبه لولده.
وقال القاضي في الخلاف وهذه الطريقة أجود الطرق والاعتماد عليها انتهى كلامه.
وفيها نظر لأن ذلك لمعنى في الأب يختص به ولهذا لا يجوز لواهب حي سواه الرجوع فلهذا لم يورث الرجوع فيها.
وقول الأصحاب إن هذا ينتقض بما لو وهب الجد ابن ابنه شيئا ثم مات لا يجوز لابنه الرجوع فيه نظر لأن الجد لا رجوع له ليرثه عنه ابنه وأنه ليس بواهب فلا وجه لرجوعه.
والتخريج بالإرث ذكره أبو الخطاب وجماعة وصرحوا بأنه من مسألة من مات وعليه دين مؤجل هل يحل بموته وفيه خلاف مشهور عن الإمام أحمد والمنصور في كتب الخلاف أنه لا يحل ومذهب الأئمة الثلاثة أنه يحل.
وذكر غير واحد كابن الجوزي هذا التخريج وجها في مذهب مالك والشافعي أن الخيار يورث ووافقنا أبو حنيفة.
وقد جعل الأصحاب مسألة الأصل حجة في مسألة الخيار فقالوا مدة ملحقة بالعقد فلم تورث كالأجل وهذا لا يخلو من نظر.
ومن علق عتق عبده ببيعه فباعه عتق وانفسخ البيع نص عليه وقيل:.
وقد قال الخرقي يورث خيار الوصية وهو ما إذا مات الموصى له قبل الرد والقبول بعد موت الموصي.
قال القاضي ولم يتحصل لي الفرق بينهما وبين خيار الشرط.
قال ابن عقيل ويجوز أن يكون الفرق على ما وقع لي أن الوصية فيها معنى المال فهي كخيار العيب والصفة وخيار الشرط ليس فيه معنى المال وأن الوصية لما كان لزومها يقف على الموت لم تبطل بالموت وخيار الشرط بخلافه.
وتخصيص صاحب المحرر مسألة خيار الشرط بالذكر وكذا غيره من الأصحاب يدل على أن خيار المجلس ليس كذلك تخصيصا لثبوته بمن ثبت له في المجلس.
وقال الشيخ موفق الدين وإن مات في خيار المجلس بطل خياره وفي خيار صاحبه وجهان أحدهما يبطل لأن الموت أعظم من الفرقة والثاني لا يبطل لأن فرقه الأبدان لم توجد.
وقطع في الرعاية بأن حكم خيار المجلس حكم خيار الشرط في الإرث وعدمه لأن الفرقة المعتبرة لم توجد ولهذا لم يبطل خيار الآخر في أحد الوجهين ولأن الخيار قد ثبت لغير من هو في المجلس كما لو طرأ جنون أو نحوه فإن الولي يقوم مقامه كذا في مسألتنا لكن في مسألة الأصل لم يزل الملك.
ونص الإمام أحمد في رواية الأثرم على أن خيار المجلس لا يورث ولم يفرق بين الطلب وغيره ولعل مراده إذا لم يطلب كقوله في خيار الشرط فإنه قال في الثلاثة المذكورة في غير موضع إنها لا تورث فإذا كان قد طلب فللورثة أو يطلبوا في الحد والشفعة والخيار.
وجعل في الرعاية خيار العيب والتحالف كخيار الشرط وفيه نظر وهو خلاف المعروف من مذهبنا ومذاهب العلماء.
قوله: "ومن علق عتق عبده ببيعه فباعه عتق وانفسخ نص عليه
لا يعتق إلا إذا قلنا لم ينتقل الملك من مع الخيار وقيل: يعتق إلا إذا نفيا الخيار في العقد وصححنا نفيه فأنه لا يعتق.
وقيل: لا يعتق إلا إذا قلنا لم ينتقل الملك مع الخيار وقيل يعتق إلا إذا نفيا الخيار في العقد وصححنا نفيه.
هذا القول والذي قبله قطع بكل واحد منهما ابن عقيل في موضعين من هذا الباب وعللهما بالملك وعدمه فهو كما لو قال لمدخول بها أنت طالق ثم طالق إن دخلت الدار فدخلت وقعت طلقة بعد أخرى بخلاف غير المدخول بها لأنه لم تبق له عليها رجعة فقد عرف أن القول عليهما واحدة وإن كان البناء مختلفا.
ولو قال وقيل يعتق في موضع يحكم له بالملك فقط حصل المقصود.
وقد ذكر ابن عقيل في الفصول في غير هذا الباب المنصوص فذكر قول الإمام أحمد في رواية البائع قيل له كيف يعتق وقد زال ملكه فقال كما يملك الوصية بعد الموت.
قال ابن عقيل وهذا صحيح لأن الوصية تستند أن يلفظ بها في حال ملكه.
وذكر الشيخ تقي الدين أن الإمام أحمد نص على هذا في رواية الأثرم ومثنى.
وقد ذكر القاضي قول الامام أحمد في رجلين قال أحدهما إن بعت منك غلامي فهو حر وقال الآخر إن اشتريته فهو حر فباعه منه عتق من مال البائع فقيل له كيف وإنما وجب العتق بعد البيع فقال لو وصى لرجل بمائة درهم ومات يعطاها وإن كانت وجبت بعد الموت ولا ملك له فهذا مثله.
قال القاضي فقد صرح أن العتق يقع بعد زوال ملكه وشبهه بالوصية وقد نص على أن العتق المباشر لا يقع لأن العتق المعلق قد وجد أحد طرفيه في ملك.
_________
وقد ذكر بعضهم في مسألة الأثرم هذه التي نقلها القاضي رواية أنه يعتق على المشتري ولم يذكر على هذه الرواية القول بصحة تعليق العتق بالملك وفيه روايتان مشهورتان فإن قلنا لا يصح عتق على البائع وإن قلنا يصح فهل يعتق على البائع أو على المشتري فيه روايتان.
ووجه المنصوص الذي قدمه في المحرر ما ذكره غير واحد من أن زمن انتقال الملك زمن للحرية لأن البيع سبب لنقل الملك وشرط الحرية فيجب تغليب الحرية كما لو قال لعبده إن مت فأنت حر.
واحتج بعضهم وذكره في المغني بأنه علق حريته على فعله للبيع والصادر منه في البيع إنما هو الإيجاب فمتى قال للمشترى بعتك فقد وجد شرط الحرية فيعتق قبل قبول المشتري وكذا صرح به في المستوعب في كتاب العتق أنه متى أوجب البيع عتق.
وصرح ابن عقيل والشيخ موفق الدين في الأيمان أنه لا يعتق بمجرد الإيجاب بل بالقبول وكذا ذكره القاضي وقد ذكروا فيما إذا حلف لا يبيع أنه لا يحنث بمجرد الإيجاب.
وقال الشيخ موفق الدين لا نعلم فيه خلافا وهذا هو الصواب قال الشيخ وعلله القاضي بأن الخيار ثابت في كل بيع فلا ينقطع تصرفه فيه فعلى هذا لو تخايرا ثم باعه لم يعتق ولا يصح هذا التعليل على مذهبنا لأننا قد ذكرنا أن البائع لو أعتق في مدة الخيار لم ينفذ إعتاقه انتهى كلامه.
ولم أجد أحدا صرح بانفساخ البيع قبل صاحب المحرر وهو حسن لأنه عقد صحيح امتنع استمراره ودوامه.
وقال الشيخ تقي الدين قول الجد انفسخ البيع فيه نظر أو تجوز فإن كلام الإمام أحمد في هذه المسألة يدل على أن هذا عنده مثل الوصية والتدبير،
_________
وأنه كما جاز له أن يملك ويعتق بعد انعقاد السبب المخرج لملكه وهو الموت فكذلك له أن يعتق بعد انعقاد السبب المخرج لملكه وهو البيع وهناك لا نقول إن المدبر ملكه الورثة ثم عتق بل نقول التدبير منع الموت أن يوجب ملك الورثة وكذلك هنا التعليق المتقدم منع البيع أن ينقل الملك إلى المشتري وكأن البيع هنا له موجبان عتق وملك فقدم العتق لانعقاد سببه قبل البيع وعلمنا بقوله إذا بعتك أي إذا عقدت عليك عقد بيع من شأنه أن ينقل الملك لولا هذا التعليق فأنت حر وإن قلنا إن الملك انتقل إلى المشتري لم يخرج عن ملكه لكن يقال الانفساخ إنما يستدعى انعقادا سواء اقتضى انعقاد الملك أو لم يقتضه ولا نقول إن البيع هنا نقل الملك لأنه لو نقله وعتق العبد خرج عن أن يكون ناقلا ولزم الدور فكان لا يصح بيعه ولا عتقه لأنه إذا كان التقدير إذا بعتك بيعا ينتقل به الملك فأنت حر فاذا انتقل الملك عتق وإذا عتق لم يكن البيع ناقلا للملك إلا أن يقال إن الملك زال بعد ثبوته وهذا غير جائز.
وعلى هذا فلو قال إذا ملكتك فأنت حر عتق البيع ونحوه ولو قال إذا خرجت عن ملكي فأنت حر أو إذا صرت ملكا لغيري فأنت حر فهنا ينبغي أن لا يعتق لأنه أوقع العتق في حال عدم ملكه وفي الأولى أوقعه عقب سبب زوال ملكه إلا أن يقال يقع هنا ويكون قوله خرجت عن ملكي أي انعقد سبب حريتك أو يقول في الجميع خرج عن ملكه ثم خرج عن ملك ذلك المالك ويكون التعليق المتقدم منع الملك من الدوام كما منع سبب الملك من الملك.
وعلى قياس هذه المسألة متى علق الطلاق أو العتاق بسبب يزيل ملكه عن العبد أو الزوجة وقع الطلاق والعتاق ولم يترتب على ذلك السبب حكمه.
_________
مثل أن يقال إذا وهبتك أو يقول إذا أصدقتك أو صالحت بك عن قصاص.
وكذلك لو علقه بسبب يمنعه التصرف مثل أن يقول إذا رهنتك إن قلنا لا يجوز عتق الراهن بخلاف ما لو قال إذا أجرتك فإن الإجارة لا تمنع صحه العتق.
وأما في الطلاق فلو قال إن خلعتك فأنت طالق ثلاثا فإنه على قياس هذا يقع بها الثلاث ولا يوجب الخلع حكمه لأنها عقب الخلع إن أوقعنا الثلاث لم يقع بينونة وإن أوقعنا بينونة لم تقع الثلاث.
لكن قد يقال إن الخلع لا يقبل الفسخ ولا يصح وجوده منفكا عن حكمه ولو قال إن خلعتك فأنت طالق فهنا الخلع يصح لأن التعليق المتقدم لا يمنع نفوذ حكمه لكن في وقوع الطلاق هنا تردد فإنه يقع مع البينونة وهذا مبني على أصلين.
أحدهما هو أن شرط الحكم إذا زال قبل حصول سببه لم يثبت الحكم وإن زال بعد ثبوت الحكم لم يقدح فيه مثال الأول إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت بعد البينونة ومثال الثاني إن تبين بعد الدخول وإن ما زال مع السبب أو عقب السبب فالمشهور عند أصحابنا أن الحكم لا يثبت كما لو قال أنت طالق مع موتي أو عقب موتي وكما لو قال لزوجته الأمة إذا ملكتك فأنت طالق فشرط الطلاق يزول عقب السبب قالوا لا تطلق.
الثاني أن السبب إذا كان من فعله أمكنه أن يبطل حكمه مثل أن يقول إذا بعتك فأنت حر أو إذا خلعتك فأنت طالق ثلاثا.
أما إذا كان السبب من فعل غيره أو كان يرتب عليه حكما شرعيا مثل انفساخ النكاح عقب الملك فهنا ليس مثل الأول انتهى كلامه.
ولو قال إن أكلت لك ثمنا فأنت حر فباعه بمكيل أو موزون أو غيرهما أو بنقد لم يعتق قاله في الرعاية.
ولا يحل لأحد أن يبدي للمشتري في مدة الخيار مثل السلعة بدون الثمن ليفسخ ويشتري منه وهو بيعه على بيع أخيه ولا أن يزيد عليه ليفسخ البائع ويعقد معه وهو شراؤه على شرائه فإن فعلا ذلك فهل يصح البيع الثاني على وجهين [أحدهما: لا يصح بيع الثاني وهو المذهب] .
وقال الشيخ تقي الدين قياس المذهب أن يكون الأكل عبارة عن الاستحقاق1 فيكون كقوله إن بعتك أو يكون عبارة عن الأخذ فلو أبرأ من الثمن لم يعتق وإن قبضه عتق ولا يضر تأخر الصفة عن المبيع.
قوله: "ولا يحل لأحد - إلى آخره".
وكذا عبارة غير واحد وعبارة بعضهم بشراء المسلم على المسلم وبيع المسلم على المسلم والمنقول عن إمامنا المعروف في مذهبه أنه لا يحرم على مسلم أن يخطب على خطبة كافر وهو يؤيد العبارة الثانية وهو ظاهر الأحاديث في ذلك.
قوله: "مثل السلعة بدون الثمن أو به أو أجود من السلعة أو أكثر".
قطع به غير واحد وهو صحيح وعلى هذا لو بذل للمشتري أجنبي من المبيع سلعة بأكثر من ثمن التي اشتراها كمن اشترى سلعة بعشرة فبذل له في زمن الخيار سلعة بخمسة عشر جاز ذلك.
وذكر الأزجي في النهاية في جوازه احتمالين وإن رضي البائع أن يبيع على بتيعه وأذن له في ذلك فإطلاق كلام الأصحاب يقتضي المنع والتعليل يقتضي الجواز وهو أولى لأن صورة الإذن مستثناة في الصحيحين أو في أحدهما من عموم النهي وقال في النهاية الصحيح من المذهب أنه لا يجوز.
قوله: "فإن فعلا ذلك فهل يصح البيع الثاني على وجهين".
_________
1-
بهامس الأصل: الذي في شرح المحرر للشيخ تقي الدين "عبارة عن الاستيجاب".
_________
وقال ابن الجوزي فالبيع باطل في ظاهر المذهب وقدمه الشيخ موفق الدين وغيره لظاهر النهي وحكاه في المستوعب عن أبي بكر وحكى عن القاضي وأبي الخطاب أنه يصح لأن المحرم سابق على عقد البيع ولأن الفسخ الذي حصل به الضرر صحيح فالبيع المحصل للمصلحة أولى ولأن النهى لحق آدمي فأشبه بيع النجش.
وقطع بالخلاف في الهداية والخلاصة.
وقال في الرعاية وفي صحة العقد الثاني روايتان أشهرهما بطلانه.
قال الشيخ تقي الدين وهذا القول يعم ما إذا كان أحد المتبايعين وكيلا أو وليا ليتيم أو غيره ويكون بيع المزايدة جائزا في الوقت الذي يجوز فيه الاستيام لأن الرجل الزائد سائم دون ما بعد ذلك وهذا هو التوفيق بين حديث المزايدة وحديث النهي عن السوم ويكون ثبوت الخيار لا يبيح الفسخ في هذه الصورة لما فيه من الضرر كما أنه لا يجوز التفريق خشية أن يستقيله على الرايتين عنه1 وإن كان يملك التفرق إلا بهذه النية ولو قيل إنه في بيوع المزايدة ليس لأحدهما أن يفسخ لما فيه من الضرر بالآخر كان متوجها لأنه لو لم يقبل أمكنه أن يبيع الذي قبله فإذا قبل ثم فسخ كان قد غر البائع بل يتوجه كقول مالك إنه في بيع المزايدة إذا زاد أحدهما شيئا لزمه وإن كان المستام المطلق لا يلزمه فإنه بزيادته فوت عليه الطالب الأول ألا ترى أنه في النجش إذا زاد قد غر المشتري فكذلك هنا إذا زاد فقد غر البائع والفرق بين المساومة التي كانت غالبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيع المزايدة ظاهر وإخراج الصور القليلة من العموم لمعارض أمر مستمر في الأدلة الشرعية وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أنواع من العقود لما فيها من الضرر بالغير فعلى قياسه ينهى عن الفسوخ التي فيها إضرار بالغير انتهى كلامه.
1- بهامش الأصل: في شرح المحرر"على أبين الروايتين عنه".