المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ التعبد بالمباح لذاته بدعة - المحصول في شرح صفوة الأصول

[عبد العزيز الريس]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد:

- ‌علم أصول الفقه يقوم على أُسُسٍ ثلاثة:

- ‌الأحكام التكليفيَّة

- ‌تعريف الواجب

- ‌ التعبُّدُ بالمباح لذاته بدعة

- ‌ الأصل في كلِّ لفظ أنَّه دالٌّ على معنى جديد

- ‌المراد بالشارع:

- ‌«الوسائل لها أحكام المقاصد»

- ‌ما لا يَتمُّ الواجب إلَّا به فهو واجبٌ»

- ‌يعمُّ الحكم بعمُوم علَّته»

- ‌ الرُّخصة»

- ‌ أكثر مسائل الدِّين مُجْمع عليها

- ‌ الأصل في أخبار الأحاد أنها تفيد الظنَّ إلَّا مع القرائن فإنَّها تفيد اليقين

- ‌ حُجِّية مذهب الصحابي

- ‌ حُجِيِّة مذهب الصحابي صورة من صور الإجماع

- ‌ حجية مذهب الصحابي من باب الظنِّ الغالب

- ‌ الأدلة على حجية مذهب الصحابي

- ‌ أقوال الصحابة قسمان:

- ‌حاول بعضهم ردَّ قول الصحابي بأمور منها

- ‌تطبيقات على حجية مذهب الصحابي:

- ‌صيغ العموم سبع:

- ‌(أل) أقسام ثلاثة:

- ‌دلالة الدليل على المطلوب له حالان:

- ‌ المنطوق قسمان:

- ‌ المفهوم قسمان:

- ‌مفهوم الموافقة نوعان:

- ‌الاحتجاج بالقياس الصحيح مجمعٌ عليه

- ‌ يقسِّم العلماء القياس إلى قياس جليٍّ، وقياس خفيٍّ

- ‌تنبيه:إنَّ الكلام في القياس مزلة أقدام

- ‌ قواعد فقهية

- ‌ أفضلَ الذكر بالإجماع القرآن

الفصل: ‌ التعبد بالمباح لذاته بدعة

الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة»

(1)

، وهو معنى قوله في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة:«أنَّ العبادات لا تكون إلَّا واجبة أو مستحبة»

(2)

.

فعلى هذا‌

‌ التعبُّدُ بالمباح لذاته بدعة

، ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية

(3)

، ولا يُتعبد بالمباح إلا إذا استُعِينَ به على طاعة الله، ذكر هذا ابن تيمية

(4)

، وابن القيم

(5)

.

وقد جاء في صحيح البخاري (4341) عن معاذ رضي الله عنه قال: «أحتَسِبُ نَومَتي كما أحتسب قَوْمَتي» .

الأمر الثاني: إنَّ من تحريف الكلِم أن تُفسّر الأدلة الشرعية بالاصطلاحات الحادثة، ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية

(6)

، وابن القيم

(7)

، وعلى هذا أمثلة:

(1)

مجموع الفتاوى (10/ 149).

(2)

(ص 200).

(3)

الاستقامة (2/ 310)، مجموع الفتاوى (27/ 335)، وانظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 25).

(4)

مجموع الفتاوى (10/ 533 - 535).

(5)

إعلام الموقعين (2/ 122).

(6)

قاعدة جليلة (ص 164).

(7)

الصواعق المرسلة (2/ 102).

ص: 17

المثال الأول: إنَّ معنى الواجب اصطلاحًا هو ما تقدَّم ذكره، أما شرعًا فيطلق على المعنى الاصطلاحي وعلى السنَّة المؤكدة، قال صلى الله عليه وسلم:«غسل يوم الجمعة واجبٌ على كلِّ مُحتلم» . والمراد بالوجوب في هذا الحديث السنَّة المؤكدة، ذكر هذا ابن المنذر

(1)

، وابن عبد البر

(2)

، ويُطلق الواجب أيضا على المعنى الاصطلاحي، وذلك كما في صحيح مسلم (412) لما سُئل الرَّسول صلى الله عليه وسلم عن الحجِّ في كلِّ عامٍ؟ فقال صلى الله عليه وسلم:«لو قلت نعم لَوَجَبَت ولما استطعتم» .

المثال الثاني: لفظ المكروه، له معنى اصطلاحي تقدَّم ذكره، أما شرعًا فيطلق بمعنى التحريم غالبًا، كقوله تعالى:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} . قاله ابن القيم.

ويُطلق بمعنى الكراهة الاصطلاحية، وذلك كحديث المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«إنِّي كَرِهْتُ أن أذكرَ الله عز وجل إلَّا على طُهْرٍ. أو قال: على طَهَارة» أخرجه أبو داود (17).

المثال الثالث: الرُّخصة، لها معنى اصطلاحي سيأتي، لكن لابدَّ في المعنى الاصطلاحي للرخصة أن تكون مسبوقة بِحَظْرٍ، وهذا بخلاف المعنى الشرعي، فإنها بمعنى السُّهولة واليُسر، ولا يلزم أن تكون مسبوقة بحظرٍ.

ص: 18

قال ابن القيم: «وقولُكم إنَّ الرُّخصة لا تكون إلا بعد النهي باطلٌ بنفس الحديث، فإنَّ فيه رَخَّصَ رسول الله في القبلة للصَّائم، ولم يتقدَّم منه نهي عنها، ولا قال أحد إنَّ هذا التَّرخِيص فيها ناسخ لمنعٍ تَقدَّم»

(1)

، وبمثله قال الصنعاني

(2)

.

قَوْلُهُ: «وإذا وردَ الأمر في الكتاب والسنَّة فالأصل أنَّه للوجوب» .

دلَّ على هذا الأدلة وإجماع الصحابة، أما الأدلة فقوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، وأما إجماع الصحابة فقد حكاه أبو يعلى

(3)

، وابن قدامة

(4)

، والعلائي

(5)

.

وذلك مثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} فإنَّه أمر، والأصل في الأمر أنَّه يقتضي الوجوب، ولا صارف.

قَوْلُهُ: «إلا بقرينةٍ تصرِفُه إلى النَّدب» .

وذلك مثل: صلاة الوتر فقد أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، أخرج الخمسة عن علي رضي الله عنه أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«أوتروا يا أهل القرآن؛ فإنَّ الله وتر يحبُّ الوتر»

(6)

.

(1)

تهذيب السنن (6/ 364، عون المعبود).

(2)

سبل السلام (2/ 509).

(3)

العدة (1/ 235).

(4)

روضة الناظر (1/ 556).

(5)

تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد (ص 129).

(6)

أخرجه أحمد (2/ 223)، وأبو داود (1416)، والترمذي (453) ، والنسائي (1675)، وابن ماجه (1169).

ص: 19

فهذا أمر للاستحباب؛ لأنَّ له صارفًا، وهو ما أخرجه الشيخان

(1)

عن ابن عباس رضي الله عنه في قصة إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم معاذًا رضي الله عنه لليمن وفيه: «أنَّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلِّ يومٍ وليلة» ، فكلُّ صلاة متعلقة باليوم والليلة غير الخمس المفروضات فهي للاستحباب ومنها صلاة الوتر.

قَوْلُهُ: «أو الإباحة إذا كان بعد الحظر غالبًا» .

أي: أنَّ الأمر بعد الحظر يرجع إلى حكم الأمر قبل الحظر، عزا شيخ الإسلام ابن تيمية هذا إلى السلف والأئمة

(2)

، ورجَّحه ابن كثير

(3)

، وابن رجب

(4)

، والشنقيطي

(5)

.

فقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} هذا أمر بعد حظر؛ وذلك أنَّ الاصطياد مباح، فلما أَحْرَم المسلم صار محرَّمًا، فلما تحلَّل أُمِر به، فرجع إلى حكمه إلى ما قبل الحظر، أي: قبل الإحرام وهو الإباحة، ولَعلَّ قول المصنف هنا:«غالبًا» : يريد أنَّه يرجع إلى حكمه قبل الحظر غالبًا، كما أشار لذلك في تعليقاته على هذه الرسالة.

(1)

أخرجه البخاري (1496)، ومسلم (19).

(2)

الرد على الإخنائي (ص 92).

(3)

تفسير ابن كثير (1/ 587).

(4)

فتح الباري (2/ 62).

(5)

أضواء البيان (1/ 327 - 328).

ص: 20

تنبيه:

قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} هذا على وجه التهديد لا على التخيير، وقد دَرَجَ على هذا العلماء والمفسرون، فمن استدل به على جواز ترك دين الاسلام إلى غيره فقد تزنَّدق؛ ويدلُّ لذلك سياق الآية، فإنَّه قال بعد ذلك {

إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} فهو سِياق تهديد.

قَوْلُهُ: «والنَّهي للتَّحريم إلا بقرينة تصرفه إلى الكراهة» .

ومن القرائن أنَّه إذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ ثم خالفه وفعله، أو أَقَرَّ أحدًا خالفه، فإنَّ النَّهي ينتقل من التحريم إلى الكراهة، وذلك مثل نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائمًا، أخرجه مسلم (2024) عن أنس رضي الله عنه، ثُمَّ فعله وشرب من زمزم وهو قائم، أخرجه البخاري (5615) عن ابن عباس رضي الله عنه، فدلَّ هذا على أن النَّهي للكراهة لا للتَّحريم.

قَوْلُهُ: «ويتعين حمل الألفاظ على حقائقها دون ما قالوا أنَّه مجاز» .

هذا مبنيٌّ على أنَّ في الكلام مجازًا، وتُفهَم هذه القاعدة بمعرفة معنى المجاز، وهو ما جمع أركانا أربعة:

الركن الأول: الوضع الأول، وهو الوضع الحقيقي.

الركن الثاني: الوضع الثاني، وهو الوضع المجازي.

ص: 21

الركن الثالث: القرينة، وهي التي منعت حمل الكلام على المعنى الحقيقي، وكانت سببًا لحمله على المعنى المجازي.

الركن الرابع: العلاقة بين الوضع الأول والوضع الثاني.

فإذا قال قائل: رأيت أسدًا على فرسٍ شاهرًا سيفه. فيُقال: الوضع الأول للأسد هو: الحيوان المعروف، والوضع الثاني للأسد هو: الرجل الشجاع، والقرينة التي منعت حمله على الوضع الأول، وأوجبت حمله على الوضع الثاني هي: أنه على فرسٍ شاهرٌ للسيف، وهذا لا يكون في الحيوان المفترس، فلا بدَّ أن يُحمل على الرجل الشجاع.

أما العلاقة: فهي القوة والإقدام؛ لذا أُطلِق على الرجل الشجاع أنَّه أسد، هذا خلاصة معنى المجاز.

وقد أجمع العلماء على أنه إذا لم يكن هناك قرينة توجِبُ حمل الكلام على المعنى المجازي، فإنَّ الكلام محمول على الوضع الأول وهو الحقيقي، حكاه إجماعًا ابن تيمية

(1)

والرازي

(2)

، وغيرهما.

إذا تبيَّنَ هذا فإنَّه إذا حصل تردد في كلام هل يراد به المعنى المجازي أو الحقيقي، فإنَّ هذا الكلام يُحمل على المعنى الحقيقي، ومن أمثلة ذلك ما أخرجه

(1)

مجموع الفتاوى (6/ 360).

(2)

المحصول (1/ 341).

ص: 22

الشيخان عن ابن عمر وحكيم بن حزام رضي الله عنهم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «البيِّعان بالخيار مالم يتفرقا»

(1)

.

قال بعضهم: المراد بالتفرق هنا: التفرق المجازي، وهو: التفرق بالكلام، وقال بعضهم: المراد بالتَّفرُّقِ هنا: التَّفرُّق الحقيقي، وهو التَّفرُّق بالأبدان، فيحمل هذا الحديث على التَّفَرُّق الحقيقي؛ لأنَّه الأصل، وهو التفرق بالأبدان.

قَوْلُهُ: «وعلى عمومها دون خصوصها» .

أي: أنَّ الأصل في الكلام أن يُحمل على عمومه، ولا يُخَصَّصُ إلَّا بدليل، فقوله سبحانه:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} هذا عامٌّ في كلِّ الإنسان، ولا يُخَصَّصُ منه أحدٌّ إلا بدليل.

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «عُمرة في رمضان حجة» . أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه (1782)، هذا لفظ عامٌّ باقٍ على عمومه؛ لأنَّ لفظ «عمرة» نكِرةٌ في سياق الامتنان فتفيد العموم.

قَوْلُهُ: «وعلى استقلاله دون إضماره» .

أي أنَّ الكلام يُحمل على صورته الظاهرة من غير تقدير محذوف، ولا يُقدَّرُ محذوف إلا بدليلٍ أو قرينةٍ، فقوله تعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ} . محمولٌ على الاستِقْلال،

(1)

أخرجه البخاري (2079) ، ومسلم (1532).

ص: 23