الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصواب: أنَّ بينهما فرقًا، وذلك أنَّ العلة ما تقدَّم ذكره، أما الحكمة فهي معنى من معاني الحُكم، لكن ليس الحُكم معلَّقًا بالحكمة، وذلك مثل السَّفر الطَّويل، فإنَّه علَّة لقصر الصلاة، فإذا انتفى السَّفر الطَّويل وجب إتمام الصلاة، وإذا وُجِد السَّفر الطَّويل استُحِبَّ قَصْر الصلاة، فصار القصر يدور مع السفر الطويل وجودًا وعدمًا، بخِلاف المشقة فإنَّها معنى من معاني قصر الصلاة في السَّفر، فهي حكمة، فلو انتفت المشقة في السفر الطويل فإنَّ الصلاة تقصر، ولو وُجِدَت المشقة في الحضر فإنَّ الصَّلاة لا تُقْصر، فإِذن هي حكمة وليست علَّة.
قَوْلُهُ: «و
يعمُّ الحكم بعمُوم علَّته»
.
معنى هذا: أنَّ اللَّفظ قد يكون خاصًّا، ومع ذلك يعمم؛ لأنَّ علَّته تُفيد العموم، ويُسمى هذا بالعموم المعنوي، وذلك مثل: حكم الشريعة على الهِرَّة بأنَّها طاهرة، بعلَّة وهي أنَّها من الطوَّافين علينا والطوافات
(1)
، هذه العلَّة تُفيد أنَّ كلَّ ما هو غير مأكول اللحم من الطوافين فهو طاهِر، عُمِّم هذا لعموم العِلَّة.
ومن الأمثلة أيضًا: ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَقْضِيَن حكم بين اثنين وهو غضبان»
(2)
، هذا الحكم خاصٌّ بالغضبان من حيثُ الأصل، لكن لعموم العلة، وهو أنَّ الغضبان يكون
(1)
أخرجه أبو داود (75)، والترمذي (92)، والنسائي (68)، وابن ماجه (367) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (7158)، ومسلم (1717) ، واللفظ للبخاري.
مُشَوَّشًا غير حاضِر القلب والفكر، فإنَّه يُعَمَّم في كلِّ من كان كذلك، كالجائع فلا يقضي القاضي وهو جائع.
وبهذا يُعرف أنَّ العموم نوعان:
النوع الأول: العموم اللَّفظي، وهو العموم المعروف، وله صيغه المعروفة كالنَّكرة في سِياق الشَّرط.
النوع الثاني: العموم المعنوي، وهو ما تقدم بيانه، وهو القياس الصَّحيح.
قَوْلُهُ: «كما أنَّ اللَّفظ العام يُخَصَّص إذا علم خصوص علَّته» .
والمراد بهذا أنَّ اللَّفظ يكون عامًا بأَلفاظِ العموم المعروفة، ومع ذلك يُخَصَّص ولا يَبْقى على عُمومه؛ وذلك لأنَّ علَّته تفيد التَّخصيص، وذلك مثل حديث:«لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان» ، فإنَّ ظاهره لفظًا أنَّه عام في كلِّ غضب ولو كان غير مشوش للفكر، لكن بالنَّظر إلى المعنى والعلَّة يُخَصَّص بمن كان غَضَبه مشوشًا للفكر.
ومثل ذلك ما أخرج مسلم (560) عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان» ، بالنَّظر إلى اللَّفظ فإنَّه يفيد العموم في كل طعام حاضر، سواء اشتهاه صاحبه أم لم يشتهه؛ وذلك للعلة، فإنَّ العلَّة خَصَّصت الحكم بمن كان قلبُه متعلقًا بالطَّعام، فمن هنا يتبيَّن أنَّ المعاني مقدَّمة على الألفاظ عند التعارض؛ لأنَّ
المعاني مقصودة لذاتها، والألفاظ مقصودة لغيرها، وهي قوالب المعاني، ذكر هذا ابن القيم
(1)
في مناسبة أخرى، لذا عَمَّمت العلَّة اللفظ الخاص، وخَصَّصت العلَّة اللفظ العام.
قَوْلُهُ: «والسَّبب هو الذي يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم لذاته» .
بدأ المصنِّف بذكر بعض الأحكام الوضعية بعد أن ذكر الأحكام التكليفية؛ فإن السبب والشرط والعزيمة والرخصة من الأحكام الوضعية، وإن السبب يُعرف بالمثال: وذلك أن غروب الشمس سبب لصلاة المغرب، وعدم غروبها سبب لعدم صلاتها، تطبيقًا على تعريف المصنِّف يقال: يلزم من وجود غروب الشمس وجود صلاة المغرب، ومن عدم غروب الشمس عدم صلاة المغرب، أما قوله «لذاته» فسيأتي بيانه إن شاء الله.
قَوْلُهُ: «والشَّرط ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته» .
وهذا يعرف بالمثال: فالوضوء للصلاة شرط لصحتها، وتطبيقًا على هذا التعريف يقال:
(1)
إعلام الموقعين (3/ 78 - 79).