المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في شرط بيع الأجل] - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٥

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب النفقة]

- ‌[باب فيما تجب فيه النفقة على الزوج]

- ‌[باب في اعتبار حال النفقة]

- ‌[باب فيما تكون منه النفقة]

- ‌[باب في اللباس]

- ‌[باب في الإسكان]

- ‌[كتاب الحضانة]

- ‌[باب في مستحق الحضانة]

- ‌[كتاب البيوع]

- ‌[باب الصيغة في البيع]

- ‌[باب العاقد الذي يلزم عقده]

- ‌[باب في شرط المبيع]

- ‌[باب في المعقود عليه]

- ‌[باب في بيع العذرة والزبل]

- ‌[باب في بيع الزيت النجس، وعظم الميتة

- ‌[حكم بيع جلد السبع]

- ‌[باب في بيع الخصي]

- ‌[باب في بيع الكلب]

- ‌[باب في بيع الصور]

- ‌[باب في بيع آلات اللهو]

- ‌[باب في بيع الهر ونحوه]

- ‌[باب في جبر بائع جلد الشاة على ذبحها]

- ‌[باب في بيع المريض وذي مرض السياق]

- ‌[باب في بيع الآبق والشارد]

- ‌[باب في بيع المغصوب]

- ‌[باب في بيع الرَّهن وملك الغير بدون إذنه]

- ‌[باب في من باع جارية حلف بعتقها]

- ‌[باب في بيع عمود عليه بناء، وعلى من يجب قلعه]

- ‌[باب في بيع نصل سيف دون حليته]

- ‌[باب في بيع الهواء]

- ‌[باب في بيع طريق في دار رجل]

- ‌[باب في جهل أحد العوضين في البيع]

- ‌[باب في بيع لحم الشاة الحية]

- ‌[باب في بيع الحب المختلط في أندره]

- ‌[باب في بيع دقيق بحنطة]

- ‌[باب في بيع الحيتان في البرك]

- ‌[باب في الجهل بالثمن]

- ‌[باب في جمع الرجلين سلعتيهما في البيع]

- ‌[باب في عقد البيع على حرام وحلال]

- ‌[باب في الاستثناء من المبيع]

- ‌[باب في جبر مشتري الشاة المستثنى منها على ذبحها]

- ‌[باب في أجرة الذبح]

- ‌[باب في بيع حائط من عنب واستثناء سلل منه]

- ‌[باب في بيع العبد وله مال]

- ‌[باب في شراء مال العبد بعد شرائه]

- ‌[باب في بيع العبد وثمر الحائط

- ‌[باب في بيع أحد الشريكين حظه في عبد]

- ‌[باب في بيع الجزاف]

- ‌[باب في الشراء بمكيال مجهول]

- ‌[باب في الصفة تقوم مقام العيان في الحزر]

- ‌[باب في شرط الجزاف]

- ‌[باب في بيع ما تقدمت رؤيته]

- ‌[باب في بيع ذي ورم تقدمت رؤيته]

- ‌[باب في شرط لزوم بيع الغائب]

- ‌[باب في بيع البرنامج]

- ‌[باب في بيع الأعمى]

- ‌[باب في نقد ثمن الغائب]

- ‌[باب في شرط النقد في بيع الغائب]

- ‌[باب في بيع دار على الصفة من غير البائع]

- ‌[باب في من اشترى غائبًا هل يوقف ثمنه

- ‌[باب في ضمان بيع الغائب غير ذي توفيةٍ]

- ‌[باب في صحة اشتراط الضمان عقب العقد]

- ‌[باب ما يحرم به فضل القدر والنساء]

- ‌[باب ما يحرم فيه النساء]

- ‌[كتاب الصرف]

- ‌[باب في شرط الرد في الدرهم]

- ‌[باب المراطلة]

- ‌[باب المبادلة]

- ‌[باب في الاقتضاء]

- ‌[باب الطعام]

- ‌[باب في شرط المماثلة]

- ‌[باب الاقتناء في الحيوان]

- ‌[باب المزابنة]

- ‌[باب الكالئ بالكالئ]

- ‌[باب في الغرر]

- ‌[باب في بيع الحامل بشرط الحمل]

- ‌[باب في بيع المضامن والملاقيح]

- ‌[باب في بيع الملامسة والمنابذة]

- ‌[باب في بيع الحصاة]

- ‌[باب في النهي عن بيعتين في بيعة]

- ‌[باب بيعتين في بيعة]

- ‌[باب في بيع عسيب الفحل]

- ‌[باب في النهي عن بيع وشرط]

- ‌[باب في البيع بشرط السلف]

- ‌[باب في البيع بشرط أن لا يبيع]

- ‌[باب في بيع الثنيا]

- ‌[باب في هلاك الرَّهن بعد قبضه]

- ‌[باب في استحقاق الرَّهن قبل قبضه]

- ‌[باب في بيع الأمة بشرط رضاع ولدها ونفقته]

- ‌[باب في أرض الجزاء]

- ‌[باب في الأرض المطبلة]

- ‌[باب في بيع العربان]

- ‌[باب في بيع الولد دون أمه أو العكس]

- ‌[باب في التفرقة بين الأم وولدها في البيع]

- ‌[باب في الإيصاء بالولد دون أمه أو العكس]

- ‌[باب في من وهب الولد دون أمه]

- ‌[باب في وسائل إثبات النبوة المانعة من التفرقة]

- ‌[باب في بيع المزايدة]

- ‌[باب في بيع الحلي مزايدة بعين أو أصلها]

- ‌[باب بيع النجش]

- ‌[باب في بيع المقاومة]

- ‌[باب في بيع المقاومة بالحصاة]

- ‌[باب في بيع الحاضر للبادي]

- ‌[باب في البيع زمن نداء سعي صلاة الجمعة]

- ‌[باب في شراء تلقي السلع]

- ‌[باب في الخروج شراء الغلل من الحوائط]

- ‌[باب في التسعير]

- ‌[كتاب بيوع الآجال]

- ‌[باب في شرط بيع الأجل]

- ‌[باب ما يمنع فيه اقتضاء الطعام من ثمن المبيع وما يجوز]

- ‌[باب العينة]

- ‌[كتاب بيع الخيار]

- ‌[باب دليل رفع الخيار]

- ‌[باب في الفعل الدال على إسقاط الخيار]

- ‌[كتاب الرد بالعيب]

- ‌[باب الغش والتدليس]

- ‌[باب البراءة]

- ‌[باب فيما يهده في حق المدلس بسبب تدليسه]

- ‌[باب في قدر مناب العيب القديم من ثمن المعيب]

- ‌[باب في قدر الحادث من العيب في المبيع]

- ‌[باب معرفة قدر زيادة زادها المشتري في المبيع]

- ‌[باب ما يكون فيه المبيع المتعدد كالمتحد في العيب]

- ‌[باب صفة يمين البائع في العيب]

الفصل: ‌[باب في شرط بيع الأجل]

[كتاب بيوع الآجال]

بيوع الآجال، يطلق مضافًا ولقبًا الأول ما أجل العين وما أجل ثمنه غيرها سلم في سلمها الأول يجوز سلم الطعام في الفلوس العين أنه سلم بمجاز التغلب.

في سلمها الأول: من أسلم ثوبًا في عشرة أرادب من حنطة إلى شهر عشرة دراهم لشهر آخر؛ فلا بأس به، ولو اختلف أجلهما وربما أطلق على ما أجل ثمنه غير العين أنه بيع كذلك في الغرر منها: لا بأس ببيع سلعة غائبة بعينها بسلعة إلى أجل أو بدنانير إلى أجل.

[باب في شرط بيع الأجل]

وشرطه كالنقد مع تعيين الأجل نصًا أو عرفًا فمجهول الأجل فاسد، ومعروفه

ص: 351

بالشخص واضح، وبالعرف كاف.

في البيوع الفاسدة منها: لا بأس بالبيع إلى الحصاد والجداد أو العصير أو إلى رفع جرون بئر زرنوق؛ لأنه أجل معروف، وإن كان العطاء والنيروز والمهرجان، وفصح النصارى وصومهم، والميلاد وقتًا معروفًا جاز البيع إليه.

عياض: جرون بئر زرنوق بضم الجيم والراء جمع جرين، وهو الأندر، والرواية فيه بزيادة واو والصواب بدونها جرن، وبئر زرنوق بفتح الزاي فسرها في الكتاب بأنها: بئر عليها زرع وحصاد، وفصح النصارى: بكسر الفاء وإهمال الصاد والحاء: فطرهم من صومهم.

اللخمي: إنما يجوز إلى النيروز والمهرجان والفصح إن علما معًا حساب العجم وإن جهله أحدهما لم يجز.

وفيها: خروج الحاج أجل معروف وهو أبين من الحصاد قلت: فإن اختلف الحصاد في الغلة ذلك العام، قال: إنما أراد مالك إذا حل أجل الحصاد، وعظمه، وإن لم يكن لهم حصاد في سنتهم تلك فقط بلغ الأجل محله، واختصرها البرادعي سؤالًا وجوابًا بالإيهام قوله: إذا حل أجل الحصاد وعظمه لاحتمال إراداته أجل الحصاد بالفعل في عام اختلافه أو في معتاد أعوامه لا في عام اختلافه لقوله: إن لم يكن لهم حصاد في سنتهم تلك فقد بلغ الأجل محله.

اللخمي: وقدوم الحاج البيع إليه جائز، وإن لم يقدم لزم القضاء في وقت معتاد قدومه، وإن افترق القدوم لزم القضاء عند أوله إلا أن يكون القدوم الأول النفر اليسير

ص: 354

كالسابق فلا يراعى، وأول الشهر ووسطه وآخره أجل معلوم، وفي كون في شهر كذا معلومًا أو مجهولًا قول ابن لبابة مع ابن رُشْد عن بعض أهل عصره، وابن رُشْد مع ابن سهل محتجين برواية المبسوط أنه أجل معلوم هو وسط الشهر، وبقولها في الحصاد والجداد وسماع ابن القاسم في الديات.

قُلتُ: هو فيمن صالح من دم عمد على أن يعطي في كل سنة كذا يعطيه في وسطها، وسمع ابن القاسم في السلم والآجال: من باع كرمه على أن ينتقد عشرين دينارًا، ثم يعطيه ثلث الثمن إذا قطف ثلثه ثم يعطيه البقية إذا قطف الثلثين لا خير فيه لا يعرف متى يقطف الثلث أو الثلثين، ولو شرط عليه إذا قطفه لم أر به بأسًا. كأنه جعله كالحصاد والجداد.

ابن رُشْد: وجه تفرقته إنه إذا سمى الثلث أو الثلثين ولو شرط عليه إذا قطفه فقد صرح أنه أراد ثلث ذلك الكرم بعينه وثلثيه، وهو غرر إذ لا يعرف متى يقطف الثلث أو الثلثين، إذ قد يعجل أو يؤخر وإن لم يسم جزءًا منه؛ بل على أن يعطيه ثمنه إذا قطفه كان المعنى في ذلك عنده أنهم لم يقصدوا إلى قطاف ذلك الكرم بعينه، وإنما أراد أن يعطيه ثمنه إذا قطفه حين قطف الناس فجاز كالبيع للجداد والحصاد ولو بين أنه يعطيه ثمنه إذا قطفه بعينه عجله أو أخره ما جاز البيع، وذكر أصبغ: أن أشهب أجازه فيمن شرط إذا جد ثلثه دفع إليه ثلث الثمن، وإذا جد بقيته دفع إليه البقية، وقال مالك: النصف غير معروف، قيل: يعرف بعدة الفدادين، قال: لا أحب ذلك وليبعه إلى فراغه، فحمل أشهب أمرهما في الجد على معتاد الناس، وإليه نحى مالك، إلا أنه رأى النصف والثلث غير معروف إذ لا يعرف إلا بالخرص والتحري إذا تنازعا فيه فلم يجزه، وأجازه في الكل؛ لأنه معروف لا يخفى، وقال التونسي: إذا جاز إلى فراغه جاز إلى نصفه؛ لأن النصف مقدر معروف، وقول مالك: عندي أصح الشَّيخ: روى محمد: لا بأس ببيع أهل الأسواق على التقاضي وقد عرفوا قدر ذلك بينهم وفي الوكالات منها إن اختلفا في حلول الثمن وتأجيله، فإن كان للسلعة أمر معروف تباع عليه فالقول قول مدعيه، وبعيد الأجل جدًا ممنوع وغيره جائز في شراء الغائب منها يجوز شراء سلعة إلى عشر سنين أو عشرين.

ص: 355

وسمع أَصْبَغ جواب ابن القاسم عمن يبيع سلعته بثمن إلى ثلاثين سنة أو عشرين سنة قال: أما إلى ثلاثين فلا أدري، ولكن إلى عشرة وما أشبهه، وأكرهه إلى عشرين ولا أفسخه، ولو كان إلى سبعين لفسخته، أصبغ: لا بأس به ابتداء إلى عشرين، وقال لي: إن وقع به النكاح إلى ثلاثين لم أفسخه وكذا البيع عندي.

قُلتُ: كذا وجدته في العتبيَّة إلى سبعين التي شطرها خمس وثلاثون، ولابن زرقون عن الباجي عن محمد عن ابن القاسم: إن كان إلى ستين فسخته.

وفيها: بيع سلعة بثمن عين إلى أجل شرط قبضه ببلد لغو ولذا إن لم يذكر الأجل معه فسد البيع.

عياض: اتفاقًا.

اللخمي: إن قال أشتري بالعين لأقضي بموضع كذا؛ لأن لي به مالًا، وإنما معي ها هنا ما أتوصل به معي ما أقضي به هاهنا إلا داري أو ربعي ولا أحب بيعه لم يجبر على القضاء إلا بالموضع الذي سمى ويجوز البيع، وإن لم يضربا أجلًا كم باع على دنانير بأعيانها غائبة، وإن شرط البائع القبض ببلد معين لا حتياجه فيه لوجه كذا، فعجلها المشتري بغيره لم يلزم البائع قبولها لخوفه في وصولها إلى هناك، وقد اشترط شرطًا جائزًا فيوفي له به، والثاني: لقب لمتكرر بيع على عاقدي الأول ولو بعوض قبل اقتضائه.

ص: 356

ابن الحاجب: هو لقب لما يفسد بعض صورة لتطرق التهمة بأنهما قصدا إلى ظاهر جائز اليتوصلا به إلى باطن مموع حسمًا للذريعة فأبطل ابن عبد السلام طرده بصرف فضة رديئة من رجل بذهب، ثم يشتري منه بذهبه فضة طيبة أقل من الأولى في

مجلس أو مجلسين قريبين ومثله في الأطعمة كثير وبصور منع الاقتضاء من الطعام طعامًا، وأجاب بما حاصله: إن مراده باللقب جمع المعنى الذي استعملت فيه الصيغة عرفًا، وإن لم يحصل المنع لتحصيل الفائدة بحسب الإمكان؛ لأن هذا إنما يسلك عند تعذر الحد والرسم، ألا ترى كيف أتى به مشتملًا على ما يجوز وما لا يجوز.

قُلتُ: حاصله أن حمله على أنه لم يقصد به تعريفًا، وإنما قصد لبيان مسمى اللفظ عرفًا مع دخول غيره فيه، وهذا خارج عن القواعد العلمية إذ لم يحمله على تعريف ولا على إخبار يصدق، والإعلام بالحقائق منحصر في التعريف الاصطلاحي المشروط بالطرد والعكس، وفي التعريف الشامل لنوع من مسميات اللفظ فقط، وشرطه الصدق بعدم دخول ما ليس من مسمياته تحته، كقولنا في تعريف منون من الأسماء: كل ذي تنوين تمكين اسم، ولو قيل فيه: كل ذي تنوين اسم لم يصلح لدخول الفعل والحرف فيه، والأمر أجلى من أن يقرر، ومن أنصف علم أن ظاهر كلام ابن الحاجب قصد التعريف لا الإخبار بقضية كلية لا تنعكس كنفسها، وما ذكره من عدم طرده يرد بأن

ص: 358

ضمير منها عائد على بيوع الآجال وذلك مانع من نقضه بمسائل الصرف، والاقتضاء من ثمن الطعام طعامًا إذا كان البيع نقدًا، فإذا كان إلى أجل فالنقض فيه ممنوع؛ بل هو من صور المعرف حسبما ذكره ابن رُشْد وغيره في جملة صور بياعات الآجال. وكان بعض الإسكندرانيين أورد أسئلة على مواضع من كلام ابن عبد السلام وبعث بها إليه زمن قراءتي عليه فطلبني بالجواب عن الأسئلة فأجبت عنها فنظرها، وبعث بها مع جالبها إليه منها سؤاله عما يعود عليه ضمير منها قال ما حاصله: إما أن يعود على صور أو على بيوع الآجال لا يخلو عن أحدهما وكلاهما باطل، أما الأول فلأنه تحصيل الحاصل فكان حشوًا، وأما الثاني فلإيجابه الدور؛ لأنها المعرف، وفهم الضمير متوقف على فهم ما يعود عليه وهو المعرف فالتعريف متوقف على فهم المعرف، وكان جوابه منع لزوم الدور لجواز عوده على بيوع الآجال من حيث المعنى الإضافي لا اللقبي، فهو من باب عندي درهم ونصفه ومما أنشد عليه سيبويه:

أري كل قوم قاربوا قيد فحلهم

ونحن جلعنا قيده فهو سارب

فإن قلت: شرط عود الضمير على اللفظ دون المعنى تماثل المعنيين كالدرهمين والفحلين، ولذا جعله بعضهم من باب حذف المضاف والضمير عائد على المذكور لفظًا ومعنى أي ونصف مثله.

قُلتُ: إنما ذلك حيث لا يكون اللفظ في المعنى الذي يعود عليه الضمير أجلى منه في المعنى الذي استعمل فيه أولا كما في المثالين المذكورين، ولفظ بيوع الآجال في المعنى الإضافي أجلى منه في المعى اللقبلي، ويجاب أيضًا بأن فهم ما يعود عليه الضمير يكفي فيه مطلق الفهم بأمر صادق عليه أعم منه، والمستفاد من التعريف فهم حقيقته كالتصور الذي هو شرط في التصديق والتصور المستفاد من التعريف، فلا دور وعلة ممنوعه الذريعة وهي: ظهور جواز يقصد به فاسد لا نادرًا أقوى دليل اعتبارها، نقل الباجي الإجماع على منع بيع وسلف مع جوازهما منفردين ولا علة غيرها، وأثرها، وأثر عائشة قالت: لها محبة أم ولد لزيد بن أرقم: بعت من زيد عبدًا إلى العطاء بثمان مائة فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته منه قبل محل الأجل بستمائة، فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت

ص: 359

أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب قالت: فقلت: أرأيت إن تركت وأخذت الستمائة؟ قالت: نعم (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما ساف)[البقرة:7].

أبو عمر رواه أبو إسحاق السبيعي عن امرأة أم يونس واسمها الغالية أنها سمعت عائشة ولا يحتج به عند أهل العلم بالحديث، وهؤلاء النساء غير معروفات بحمل العلم.

قال ابن عبد السلام: هذه أحسن طرق استدلالهم وهي ضعيفة؛ لأنها بناء على أن الأحكام لا تتبع الذوات ولا دليل عليه وإن قام عليه دليل فهو منقوض بالتعبدات، ولو سلم فما المانع من كون المنع في الصورة المذكورة لتضمنها سلفًا جر نفعًا حقيقة لا احتمالا، فلا يكون المنع للذريعة وذلك؛ لأن البائع قد يغتبط بالسلف والمشتري قد يغتبط بالسلعة يشتريها بأضعاف ثمنها فكيف إذا رضي البائع منه بالسلف، ويحققه أن القائل بأن منعه للذريعة يحكم في فوت السلعة فيه بالأقل من الثمن أو القيمة أو بأكثرهما ومن يجعله سلفًا جر منفعة، وهو ابن عبد الحَكم وغيره يقول فيه بالقيمة مطلقًا، وبالجملة اتفاق عالمين على حكم صورة معينة لا يوجب اتفاقهما على مدركه وقد علمت أن البيع والسلف ممنوع بالإجماع، والحديث الصحيح، فكيف يقال علماء المسلمين مع أن فيهم من ينكر القياس وأكثرهم لا يقول بسد الزرائع ولا سيما في البيع تركوا الإجماع والحديث الصحيح واعتبروا أسباب سد الذرائع، ثم إنا إذا سلمناه فإنما يثبت الحكم في بياعات الآجال بالقياس على منع البيع والسلف، وقد علمت أن المنع فيه إنما نشأ عن اشتراط السلف نصًا، وبياعات الآجال لا نص فيها باشتراط أن البائع يشتري السلعة التي باع، وإنما هو أمر يتهمان عليه ويستند في تلك التهمة إلى العادة والاستدلال بالعادة أضعف من الاستدلال بالتنصيص بكثير، وهب أن تلك العادة وجدت في قوم في المائة الثالثة بالمدينة أو بالحجاز فلو قلتم: إنها وجدت بالعراق، والمغرب في المائة السابعة، وقد علم أن العادة إنما تجري بوقوع أحد الممكنين

ص: 360

دون الآخر، وهؤلاء يجعلونه قانونًا عقليًا مطردا كالقواعد العقلية إلى آخر كلامه، كله راجع إلى ما تقدم.

قُلتُ: وقوله: وهي ضعيفة، إلى قوله: التعبدات حاصله أن التمسك بمنع البيع والسلف إنما هو بناء على عدم تعلق حكم المنع بالذوات، ولا دليل عليه، يرد بأنه إن أراد بقوله: على عدم تعليق الحكم بالذوات أنه بناء عليه ولو لم يقم دليل على كون الحكم معللًا، فواضح بطلانه؛ لأن الدليل المذكور إنما هو بناء على أنه معلل حسبما نص عليه المازري وابن شاس، وغيرهما، وإليه أشار ابن الحاجب بقوله: ولا معنى سواه وإن أراد أنه بناء عليه مع قيام الدليل على كون الحكم معللًا، فقوله: لا دليل عليه ةهم لا يليق به ولا بمن تصور أدنى كلام في القياس في أصول الفقه وقوله: وإن قام عليه دليل فهو منقوض بالتعبدات، قوله: إن قام الدليل على عدم تعلق الحكم بالذوات فهو منقوض بالتعبدات وهم واضح؛ لأن الدليل القائم على ذلك إنما هو عند قيام الدليل على كون الحكم معللًا وبالضرورة أن التعبدات لا يصح النقض بها على الأحكام المعللة، وكلامه إنما يتصور على قول بعض الفقهاء: إن التعبدات هي الأحكام التي لا علة لها بحال، وهو ظاهر كلام ابن رُشْد في كتاب الصيام لا على قول أكثر الأصوليين: إنها الأحكام التي لم يقم على إدراك علتها دليل لا التي لا علة لها في نفس الأمر؛ بل كل حكم له علة في نفس الأمر ارتبط بها شرعًا تفضلًا لا عقلًا ولا وجوبًا قوله: لو سلم، إلى قوله: بالسلف يرد بأنه إن أراد بقوله حقيقة نصًا أو علمًا فلا خفاء في بطلانه، وليس كذلك، وإن أراد به ظنًا رد بالقول بموجبه؛ لأن المنع في صور بيوع الآجال إنما هو عند ظن حصول الوصف الموجب للمنع قوله: ويحققه إلى قوله: مطلقًا يرد بأن قوله: القول بالأكثر من القيمة أو الثمن والأقل منهما بناء على فساده بالذريعة، والقول بالقيمة مطلقًا بناء على أنه سلف جر نفعًا دعوى لا دليل عليها ولا مناسبة لها تنتج التفرقة المذكورة إذ لا مناسبة بين كون الفساد للذريعة والحكم بالأقل من القيمة أو الثمن وإنما القولان بناء على إلزام أحدهما ما التزمه في العقد من رضاه، بما هو أقل من القيمة أو بما هو أكثر منها لقاعدة أن من التزم شيئًا فقد لزمه، وعدم التزامه؛ لأنه إما التزمه في عقد بطل لفساده فيبطل بطلان محله، ولذا اختلفوا لو غاب على السلف

ص: 361

حسبما مر في البيع والسلف.

قوله: وبالجملة اتفاق عالمين على حكم صورة معينة إلى قوله: على مدركه يرد بوضوح العلم بأن الاستدلال بالإجماع على منع البيع مع السلف غيرمتوقف على الاتفاق على مدركه، وما ادعاه فيه أحد من شُيُوخ المذهب، ولا ألم به على تعليله، بمظنة التهمة على ما لا يجوز بالمناسبة الواضحة مع نفي ما سوى ما ادعى عليته، وإليه أشار ابن الحاجب بقوله: ولا معنى سواه قوله: وقد علمت أن البيع والسلف إلى قوله الذرائع.

قُلتُ: حاصله: أن القول بدلالة منع البيع مع السلف على اعتبار الرائع في الأحكام الشرعية ملزوم لترك الإجماع والحديث الصحيح الدالين على المنع المذكور، وهذا وهمٌ شنيعٌ؛ لأنه يلزم منه أن كل قائل بحكم نص أو إجماع أبدا لذلك الحكم علة بأحد طرقها المعروفة أنه تارك للأخذ بذلك الإجماع والنص، وكيف يفهم قائل هذا اختلاف الشافعي مع غيره من الأصوليين في كون حكم الأصل ثابتًا بالعلة أو النص.

قوله: ثم إنا إذا سلمنا ذلك إلى قوله: يتهمان عليه حاصله أن علة منع البيع مع السلف انضمام السلف إليه بالشرط، فقياس بيوع الآجال عليه لا يتم للفرق بأن الانضمام في البيع والسلف اشترط نصًا وانضمام البيعة الثانية في بيوع الآجال الذي ادعى أنه علة ليس مشترطًا نصًا ويرد بوجوه:

الأول: إن المدعى عليته في الأصل والفرع متحد في حصوله بمجرد الفعل دون شرط، وبيانه: إن قصد الانتفاع بالسلف غير قصد، جر السلف نفعًا، والشرط إنما هو متعلق دائمًا أو في الأكثر بالأول؛ لأنه إنما يصدر من آخذ السلف لا من معطيه، وهذا ليس علة في المنع.

والثاني: إنما حصوله دائمًا أو في الأكثر بمجرد الفعل؛ لأنه الصادر من معطي السلف وهو غير مشترط؛ بل مشترط عليه، والشروط إنما يشترطها من هي له لا من هى عليه، وهذا هو علة المنع، وهو السلف من حيث كونه يجر النفع لغيره لا من حيث كونه منتفعًا به فقد اتحدت علة المنع في الأصل والفرع في عدم الاشتراط والحصول

ص: 362

بمجرد الفعل الثاني سلمنا امتياز صورة الأصل بالنص على شرط الانضمام؛ لكن يجب إلغاؤه بالتنقيح، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان، فكما ألغوا وصف خصوصيته الغضب واعتبروا مجرد التشويش كذا يلغي وصف خصوصيَّة الشرط ويعتبر مجرد التهمة على ما لا يجوز الثالث منع كون مراد أهل المذهب بالدليل.

المذكور استنتاج الحكم بالفساد في صور بيوع الآجال بالقياس على منع البيع مع السلف؛ بل مرادهم استنتاج الحكم بسببية وصف الذريعة في مطلق الحكم كقياس المطلق في المرض على قاتل مورثه عمدًا المستنتج به سببيه فعل ما لا يجوز في معاملة فاعله بنقيض مقصوده لا بثبوت الإرث أو نفيه لتناقضهما فيه، وإذا ثبت هذا فشرط السلف إنما هو جزء من محل الحكم بالسببية والمحل، أو جزؤه لا يصح كونه جزءًا من محله، فامتنع الفرق به، قوله: ويستند في تلك التهمة للعادة إلى آخر كلامه حاصله زعمه أن اعتبار التهمة عندهم إنما هو مستند للعادة، وإنما هو مستند إليه لا يطرد في عموم الأمكنة والأزمنة، وما ذكره من عدم اطراد العادة صحيح، وما ذكره من الاستناد إليها وهم وإنما استندوا في اعتبارها بمناسبة وصف الذريعة للحكم بالمنع فحكموا لها بالعلية بحكم المنع أو بحكم السببية عملًا بالمناسبة مع السلامة من المزاحم حسبما مر.

قوله: يجعلونه قانونًا عقليًا إلى آخره لا أعلم من جعله عقليًا بحال، إلا أن يكون أطلق عقليًا مجازًا وهو إيهام غير محتاج إليه فتأمله بمقتضى قول الحق.

فإن قلت: قد وقع في كلام ابن بشير التصريح باعتبار العادة منه قوله: إن ظهر ما تختلف العوائد في القصد إليه كدفع أكثر في أقل مما فيه الضمان ففيه قولان وصرح اللخمي بجرح بجري بعض الأقوال على العادة.

قُلتُ: إنما وقع لهم ذلك في تحقيق اندراج بعض الصور تحت دليل المنع وعدمه، لا في تقرير دليل المنع الكلي الذي زعم المعترض أنه مبني عليه، ولهم في تقرير اعتبار

ص: 363

موجب الفساد طريقان إجمالي وتفصيلي.

أما الأول: فقال ابن بشير وابن شاس، ما حاصله: إن كثر قصده كبيع وسلف جر منفعة اعتبر اتفاقًا، وإن قل كدفع كثير من نوع العين في قليل من نوع الآخر فالمشهور لغوه وإن توسط كدفع أكثر في أقل من مضمونين فقولان مشهوران وقول ابن الحاجب ولو اعتبر البعيد لمنع بالمثل وبأكثر نقدا والتزمه بعضهم وهم تبع فيه ابن بشير وقبله ابن هارون وذكره ابن شاس على الصواب حسبما نذكر لا بن محرز، والتفصيلي يأتي والتهمة في بيعتي النقد لغو، إن لم يكن أحد عاقديهما من أهل العينة ومعتبرة إن كان من أهلها اتفاقًا فيهما لظاهر نقل المازري وعياض وغيرهما، وإلا فقال أصبغ: معتبرة.

اللخمي: يريد ما لم يكن الآخر من أهل الدين والفضل، وتبعه المازري، ونقل ابن محرز قول أَصْبَغ كأنه المذهب غير معزوله، ولم يقيده بشيء. وقوله: إن لم يكن أحدهما من أهل العينة لم يتهما في بيعتي النقد على حال في المذهب الأظهر يشعر بالخلاف، وفي بيعتي الأجل معتبرة اتفاقًا ولو لم يكن أحدهما من أهل العينة، وإن كانت الأولى نقدًا والثانية لأجل فقال المازري: في المذهب في ذلك خلاف.

اللخمي: روى محمد حملها على بيع الأجل، وقال ابن القاسم، وأشهب: لا بأس أن يبتاعها البائع بأكثر إلى أجل قبل أن ينتقد أو بعد.

ابن بشير: المشهور لا يتهم فيهما إلا أهل العينة، والشاذ اتهام عموم الناس، وإن كانت الأ لى إلى أجل فككونهما إليه ولهم في تقرير الممنوع طريقان إجماللاي وتفصيلي:

الأول: قال المازري وغيره: ضابطه إلغاء المبيع ثوبًا كان أو غيره برجوعه لبائعه واعتبار ما خرج من اليد ولم يعد وما أخذ منه فإن صح صحتا وإلا فلا، وقولهما: ثوبًا كان أو غيره، إن أرادا أو غيره من ذوات القيم فواضح وبه عبر ابن الحاجب، وإن أرادا مطلقًا لم يتم.

وأما التفصيلي: فلهم فيه عبارات أقربها عبارة ابن رُشْد قال: صور المبيع المعروف بعينه لأجل بثمن من جنس ثمنه سبع وعشرون؛ لأنه إما لما دون الأجل أو إليه أو إلى أبعد منه بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، هذه تسع وضعفها في شراء بعضه، وكله مع غيره فتسع ما إلى الأجل جائزة لوجوب المقاصة.

ص: 364

قُلتُ: نص غير واحد شرط عدمها يفسدها، قال: وما قبله أربع صور شراؤها أو شراء بعضها بمثل الثمن أو أكثر جائزة لا صورتاهما بأقل وإلى أبعد أربع صورًا شراؤها أو مع غيرها بمثل الثمن أو أقل جائزة، وصورتا شرائها بأكثر، وثلاث شراء بعضها لا يجوز، والغيبة على المبيع لغو، وقال ابن محرز في صورتي شرائها بمثل الثمن أو أقل بعد انتفاع مبتاعها بها، القياس منعهما لسلف المبتاع مع تقدم انتفاعه بالسلعة في الأولى، وسلفه مع شرائه ما انتفع به ببقية الثمن في الثانية، وأجاب بأنما المعتبر عندهم الحاصل بعد البيعة الثانية، وما قبله لغو، قال: زنقل أبي الفرج عن ابن الماجِشُون: لا يجوز شراؤها بمثل أو أكثر إلى أبعد من الأجل لا وجه له إلا اعتبار انتفاع المبتاع بالمبيع.

المازري: لم أجده لأبي الفرج في الحاوي. وقول ابن الحاجب: ويشكل منها بأكثر إلى أبعد وهمٌ لوضوحها نقلًا ووجها.

عبد الحق عن بعض شُيُوخه: لو اشتراها بأقل إلى أبعد فتراضيا على تعجيل الثمن فبل أجله أو بأكثر نقدًا أو إلى دون الأجل فتراضيا على تأخيره إلى أبعد لم يفسخ لعقدهما أولًا على الصحة كمنع شرط النقد في الخيار والمواضعة وصحة الطوع به بعد العقد، ورده عبد الحق ببناء بيوع الآجال على التهمة وذكر المازري المسألة، وقال: اضطراب فيها الأشياخ.

قال ابن عبد السلام: ينبغي أن ينظر لقرب زمن التعجيل من يوم الشراء وبعده منه فيمنع في الأول لا الثاني.

قُلتُ: تحقيق العبارة أن ينظر إلى بعد التعجيل عن الأجل فيمنع وإلى قربه منه فلا يمنع إذ قد يبعد عن زمن الشراء مع بعده عن الأجل فمنع، ولعل مرادهم؛ لأن المنع في الأصل إنما هو للتهمة.

عبد الحق عن بعض شُيُوخه عن الدمياطي عن ابن القاسم: لو مات مبتاعها إلى أجل قبله جاز للبائع شراؤها من وارثه، لحلول الأجل بموته، ولو مات البائع لم يجز لوارثه إلا ما جاز له من شرائها.

ولو أفات السلعة بائعها ببيع أو عطية أو استهلاك غرم لمبتاعها الأكثر من ثمنها

ص: 365

أو قيمتها في فوتها بالبيع، وقيمتها في غيره فإن كان ليس أقل من ثمنها الأول غرمه لبائعها، وإلا ففي غرمه إياه، أو ما قبض لفوتها، ثالثها إن فاتت بغير بيع أو به، والمشتري الأول من أهل الدين والفضل، ورابعها: الأول ما لم يكن أحدهما من أهل العينة فيفسخ البيع اللخمي عن المجموعة وسماع يحيى ابن القاسم واختياره، ونقله عن أصبغ، وقول ابن الحاجب، ولو أفات البائع السلعة بما يوجب القيمة فكانت أقل فقولان مجمل: لشيوع احتمالهما في الأربعة دون مرجح، والأظهر أنه أراد ثاني الأربعة وغير باقيها وهو تأخير قبض المبتاع ما وجب بالإتلاف إلى حلول أجل الثمن لتوقف فهم تالي كلامه عليه وهو قوله: فإن التهمة فيها أبعد لو كانت الأولى نقدًا؛ لأن مراده به والله أعلم توجيه القول بعدم تعجيل الغرم بالقياس الأحروي على القول بالمنع فيمن باع ثوبًا بدينار نقدًا ثم اشتراه بدينارين إلى أجل لاشتراكهما في دفع قليل من كثير، وبيان الأحروية أن التهمة في الفرع أقوى منها في الأصل وهذا؛ لأن أصل معاملتهما في الفرع إنما كان يبيع لأجل والبيع إلى أجل يتهم فيه أهل العينة وغيرهم وهو معنى مناسب للمنع وهو مفقود في الأصل؛ لأن الأصل معاملتهما إنما كان يبيع نقدًا، وقوله: وفرق بقوة تهمة دين بدين توجيه للقول بالتعجيل، وبيانه أنه لا يلزم من عدم التعجيل في الأصل عدمه في الفرع؛ لأن عدمه في الأصل لا يستلزم المفسدة الناشئة عن ذمة بذمة إنما يستلزم منع البيعة الثانية وعدمه في الفرع يستلزمها ضرورة بقاء ذمة البائع المتلف للمبيع عامرة بقيمته لمبتاعه للأجل مع عمارة ذمته للبائع بالثمن، فإن قيل: هذه المفسدة معارضة بمفسدة دفع قليل في كثير إن عجل الغرم، أجيب بأن تهمة الدين بالدين أقوى من تهمة دفع قليل في كثير، ولذا عبر المؤلف بقوة تهمة دين بدين لا بتهمة دين بدين، وقوله: ولذا فسد في تساوي الأجلين إذا شرطا عدم المقاصة هو بيان الدين بالدين على تهمة دفع قليل في كثير، وصح في أكثر إلى أبعد إذا شرطا المقاصة هو بيان لقوة تهمة الدين بالدين على تهمة دفع قليل في كثير، وبيانه مع أنه من المضايق أن نقول: شرط عدم المقاصة يوجب الفساد في ابتياعها بأكثر إلى أبعد من الأجل، وهو مقارن لعلة دفع قليل في كثير، ولعلة عمارة ذمة بذمة، وهذا الوصف الموجب الفساد والمقارن للعلتين المذكورتين مقارنة إحداهما له وهي عمارة ذمة بذمة ألزم من الأخرى؛ لأنه لو عرض

ص: 366

لهذا الوصف وهو شرط عدم المقاصة كون الثمن الثاني ليس أكثر من الأول انتفى عنه علة دفع قليل في كثير، وبقي علة عمارة الذمتين، فعمارة الذمتين ألزم لموجب الفساد الذي هو شرط عدم المقاصة من دفع قليل في كثير له، فالوصف الملازم أقوى من المفارق ضرورة، وتهمة الأقوى معه أقوى من تهمة غير الأقوى معه ضرورة أن المتفاوتين إذا زيد على أحدهما ما هو مساو لما زيد على الآخر لم يزالا متفاوتين وجعل ابن عبد السلام أحد نقلي ابن الحاجب عدم التعجيل حسن ولا يخفى على منصف تقريره كلام ابن الحاجب بقوله، قوله: فإن التهمة فيها أبعد، لو كانت الأولى نقدًا هذا توجبه للقول بمنع المسألة السابقة على ضعفه؛ لأن البيعة الأولى من البيعتين إن كانت مؤجلة اتهم فيها كل أحد وإن كانت نقدًا فالمشهور لا يتهم فيها إلا أهل العينة فكأنه يقول التهمة الضعيفة التهمة في مسألة إفاتة البائع السلعة أقوى منها إذا كانت الأولى نقدًا فإذا روعيت التهمة فأحرى القوية.

قُلتُ: فجعل المستنتج بهذا الكلام منع مسألة الإتلاف بالقياس الأحروي على منع مسألة البيعتين أولاهما نقدًا، ولم يتقدم له في مسألة الإتلاف قول بمنع المسألة بحال، إنما فسر نقلي المؤلف بتمكين المشتري قبض الأقل وعدمه، ويبعد أن يريد بمنع المسألة منع التعجيل ليس العبارة عنه بلفظ منع التعجيل، ثم قال: قوله: ولذا فسد في تساوي الأجلين إذا شرطا إلى آخرة، يعني لمراعاة قوة التهمة وضعفها منع ما أصله الجواز وهو إذا تساوى أجل البيعتين وشرطا عدم المقاصة وأجيز ما أصله المنع، وهو ما إذا كانت البيعة الثانية بأكثر إلى أبعد من الأجل إذا شرطا المقاصة لما أدى إليه في الأولى من الدين، وفي الثانية إلى السلامة من دفع قليل في كثير، ولقائل أن يقول قوة التهمة وضعفها في هاتين الصورتين إنما نشأ عن الشرط، والصورتان المتقدمتان ليس فيهما شرط فلا يصح احتجاجه. انتهى.

قُلتُ: حاصله بيانه قوة التهمة بصورة المنع، وبيان ضعف التهمة بصورة الجواز، وبيانه الثاني بالثانية لا يصح؛ لأن ضعف التهمة إنما يصدق حيث يكون هناك شيء يتهم عليه، والصورة الثانية ليس فيها ما يمكن أن يتهما عليه بحال.

فإن قلت: فيها ما يمكن أن يتهما عليه، وهو قصدهما عمارة ذمتهما بما لكل منهما

ص: 367

على الآخر إلى أجل.

قُلتُ: إن اعتبر هذا أنتج الخلف، وبيانه أن صورة الجواز على هذا التقدير ملزومة لإبقاء التهمة على الدين بالدين، وصورة المنع عنده ملزمة لاعتبارها عملًا بقوله لما أدى إليه في الأولى من الدين بالدين فتكون التهمة على الدين بالدين معتبرة لا معتبرة أو قوية لا قوية، وهذا خلف والتهمة على مبادلة لا تجوز بتقديم الأردأ معتبرة فما باعه بمائة دينار قائمة لشهر لا يجوز أن يشتريه بمائة مثاقيل نقدًا، وما اشتراه بمائة محمدية لشهر لا يجوز بمائة يزيديه نقدًا، وفي منع شرائه إياها للأجل قولان لنص ابن القاسم، وتخريج اللخمي من إجازة ابن القاسم وعبد الملك شراء ما باعه بمائة قائمة لشهر بمائة مثاقيل للشهر، وفيها: ما باعه بمائة محمدية لشهر لا يجوز بمائة يزيدية نقدًا.

المازري: في كون علته اشتغال الذمتين بسكتين مختلفتين أو لأن اليزيدية دون المحمدية طريقان للأشياخ وعليهما منع عكس المسألة، وجوازها.

قُلتُ: عزا ابن محرز الأولى لأكثر الأشياخ والثانية لبعضهم، ولما جعل اللخمي ما تقدم من التهمة على المبادلة قال: وأما المراطلة فلابن القاسم وعبد الملك إن باعها بعشرة عتق إلى شهر ثم اشتراها بعشرة هاشمية نقدًا هي بزيادة عددها مثل العتق أو أكثر فلا بأس وإلا فلا خير فيه، ولو نقصت العتق خروبة خروبة والهاشمية رديئة وازنة، فإن كان في زيادة وزنها ما يحمل وجوه العتق فأكثر جاز وإلا فلا، وهذا خلاف منع ابن القاسم المحمدية باليزيدية، والمنع في المراطلة أقوى؛ لأنها مبايعة، المبادلة تفضل من صاحب المحمدية، وجواز الجميع أحسن؛ لأن التهمة في بيوع الآجال أن يقدم قليلًا في كثير، وفي لغو التهمة على صرف مؤخر، ثالثها إن بان فضل المعجل على المؤخر كشراء ما بيع بأربعين درهمًا لشهر بعشرين دينارًا نقدًا، لتخريج اللخمي على قول ابن القاسم مع عبد الملك ونقله عن أشهب وابن القاسم فيها، ونقل التونسي والمازري كاللخمي، وجعل ابن بشير الأول نصًا ولم يعزه.

وفيها: ما بيع بأربعين درهمًا لشهر جائز شراؤه بثلاثة دنانير نقدًا، والثمنان طعامًا كالعين.

وفي جواز شراء ما باعه بقفيز حنطة بقفيزين مثله كالعين، ومنعه لضمان غير العين

ص: 368

نقل عبد الحق، وقوله: قائلًا؛ فيها تنازع ما علمت فيها رواية ولم يحك ابن محرز غيره وعزاهما المازري للمتأخرين، وجعل ابن شاس شراءها بأقل لأبعد مثلها في الخلاف قائلًا: إن اختلفا بالجودة أو النوع فكالعين، وفي جواز شراء ما بيع بثوبين لشهر بثلاثة من صنفهما نقدًا أو بثبوت لأبعد من شهر نقلا المازري عن المتأخرين على لغو الضمان واعتباره.

ابن شاس: إن كان الثمنان عروضًا من جنسين جازت الصور التسع إذ لا ربا في العروض، وإن كانا من جنس واحد، فاثنتان من الصور التسع ممنوعتان اتفاقا، وجازت خمس كذلك، واختلف في اثنتين كما مر في الطعام للضمان.

قُلتُ: وقول عبد الحق: (لا أعرف فيها رواية) نظر لسماع عيسى ابن القاسم: من ابتاع ثوبين بسلعة موصوفة لأجل ثم باعها من صاحبها بثوب من صنف ثوبيه لا بأس به كشراء سلعة بدينارين نقدًا ممن ابتاعها منه بدينار لأجل.

ابن رُشْد: إذ لا يتهم أحد في دفع ثوبين في ثوب من صنفه، وقول ابن شاس: إن كان الثمنان عروضًا من جنسين جازت الصور التسع تبع فيه ابن بشير وتبعهما ابن الحاجب. وهو وهم لنص سلمها الثالث، إن بعت ثوبًا بمائة درهم لشهر جاز أن تشتريه بعرض أو طعام نقدًا، ولو كان ثمن العرض أقل من المائة ولا يجوز بعرض مؤجل ولو كان لدون أجل المائة لأنه دين بدين.

ابن رُشْد: إن كان المبيع مثليًا ففي شرائه أو بعضه أو أكثر منه بغير مؤخر لأجله بمثل ثمنه أو أقل أو أكثر ثمان عشرة مسطح، الثلاثة الأول والثانية في حالتي الغيبة على المبيع وعدمه وكذا للأجل ما اشتري فيها بأكثر أو بأقل دون مقاصة فيهما أو بها مع الغيبة كذلك ممنوع صوره خمس عشرة، وصورة شراء الأقل بعد الغيبة بمثل الثمن مقاصة في كراهتها أحد قولي مالك، وثانيهما مع ابن الماجِشُون لاعتبار التهمة على بيع عشرة أرادب بخمسة لأجل وإلغائها.

المازري: واضطرب المتأخرون في هذه المسألة أشار بعضهم لمنعها لمفهوم قولها: لا بأس أن يشتري بمثل الثمن فأكثر مثل مكيلة ما باع أولا، وقال الأكثر: مفهومها لغو فاحتج الآخرون بقول سلمها: لا يجوز اقتضاء مثل بعض طعام عن ثمنه لمآله لبيع

ص: 369

قفيز بنصفه، ومثله شراء الأقل بمثل الثمن، فأجاب الأكثر بأن الاقتضاء ملزوم لبراءة ذمة المشتري فلزم كون المقتضي ثمن الأول فجاء بيع طعام بأقل منه، ومثله شراء الأقل ثمن الأول، فيها باق، وبقاؤه يمنع لزوم كون الأقل ثمنه.

قُلتُ: هذا منتزع من جواب للشيخ عن تعقب لمحمد على ابن القاسم.

قال ابن رُشْد: وباقيها جائز علة ممنوعها التهمة على سلف بزيادة أو بيع وسلف أو عين وعرض في عين لأجل كعشرة أرادب بعشرة دراهم لأجل يبتاع منها بعد غيبتها خمسة بخمسة نقدًا.

عبد الحق عن بعض شُيُوخه: لو باعه بثمن لأجل ثم اشترى مثله صفة وقدرًا بعرض نقدًا لم يجز؛ لأن ما أخذ من طعام كسلف اقتضي، والعرض مبيع بالثمن المؤجل فهو بيع وسلف.

الصقلي: الأظهر جوازه إذ لا تهمة فيه.

ابن رُشْد: في شرائه كذلك لأبعد من أجله ثماني عشرة صورة ممنوعها اتفاقًا ثلاث عشرة هي كون المشترى أقل من المبيع بمثل ثمنه أو أقل وكونه بحالاته الثلاث بأكثر من ثمنه بعد الغيبة وقبلها في الخمسة وكونه أكثر بمثل ثمنه أو أقل وكونه كقدر المبيع بأقل من ثمنه بعد الغيبة في الثلاثة، وفي قدره بمثل ثمنه بعد الغيبة قولا ابن الماجِشُون وابن القاسم بناء على اعتبار أسلفني وأسلفك وإلغائه، وباقيها جائز، علة ممنوعها التهمة على بيع بزيادة، أو البيع والسلف.

قُلتُ: وبهذا يتبين فساد إطلاق.

ابن الحاجب: قوله: إن كانت السلعة طعامًا أو مما يكال أو ما يوزن فمثلها صفة ومقدارًا كعينها دون تقييده بعدم الغيبة عليه، وكذلك قوله: فإن اختلفا في المقدار، فاجعل الزيادة والنقص في المردود مثلها في الثمن ولكن على العكس فإن كان الراجع أقل فكسلعتين، ثم اشتريت أحدهما فإن كان أكثر فكسلعة ثم اشتريت مع أخرى وسيأتيان.

اللخمي ومن بعده: الاختلاف بالجودة والرداءة كالكثرة والقلة، وغير صنفه من جنسه كالشعير أو السلت مع القمح أو المحمولة مع السمراء.

ص: 370