المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب ما يمنع فيه اقتضاء الطعام من ثمن المبيع وما يجوز] - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٥

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب النفقة]

- ‌[باب فيما تجب فيه النفقة على الزوج]

- ‌[باب في اعتبار حال النفقة]

- ‌[باب فيما تكون منه النفقة]

- ‌[باب في اللباس]

- ‌[باب في الإسكان]

- ‌[كتاب الحضانة]

- ‌[باب في مستحق الحضانة]

- ‌[كتاب البيوع]

- ‌[باب الصيغة في البيع]

- ‌[باب العاقد الذي يلزم عقده]

- ‌[باب في شرط المبيع]

- ‌[باب في المعقود عليه]

- ‌[باب في بيع العذرة والزبل]

- ‌[باب في بيع الزيت النجس، وعظم الميتة

- ‌[حكم بيع جلد السبع]

- ‌[باب في بيع الخصي]

- ‌[باب في بيع الكلب]

- ‌[باب في بيع الصور]

- ‌[باب في بيع آلات اللهو]

- ‌[باب في بيع الهر ونحوه]

- ‌[باب في جبر بائع جلد الشاة على ذبحها]

- ‌[باب في بيع المريض وذي مرض السياق]

- ‌[باب في بيع الآبق والشارد]

- ‌[باب في بيع المغصوب]

- ‌[باب في بيع الرَّهن وملك الغير بدون إذنه]

- ‌[باب في من باع جارية حلف بعتقها]

- ‌[باب في بيع عمود عليه بناء، وعلى من يجب قلعه]

- ‌[باب في بيع نصل سيف دون حليته]

- ‌[باب في بيع الهواء]

- ‌[باب في بيع طريق في دار رجل]

- ‌[باب في جهل أحد العوضين في البيع]

- ‌[باب في بيع لحم الشاة الحية]

- ‌[باب في بيع الحب المختلط في أندره]

- ‌[باب في بيع دقيق بحنطة]

- ‌[باب في بيع الحيتان في البرك]

- ‌[باب في الجهل بالثمن]

- ‌[باب في جمع الرجلين سلعتيهما في البيع]

- ‌[باب في عقد البيع على حرام وحلال]

- ‌[باب في الاستثناء من المبيع]

- ‌[باب في جبر مشتري الشاة المستثنى منها على ذبحها]

- ‌[باب في أجرة الذبح]

- ‌[باب في بيع حائط من عنب واستثناء سلل منه]

- ‌[باب في بيع العبد وله مال]

- ‌[باب في شراء مال العبد بعد شرائه]

- ‌[باب في بيع العبد وثمر الحائط

- ‌[باب في بيع أحد الشريكين حظه في عبد]

- ‌[باب في بيع الجزاف]

- ‌[باب في الشراء بمكيال مجهول]

- ‌[باب في الصفة تقوم مقام العيان في الحزر]

- ‌[باب في شرط الجزاف]

- ‌[باب في بيع ما تقدمت رؤيته]

- ‌[باب في بيع ذي ورم تقدمت رؤيته]

- ‌[باب في شرط لزوم بيع الغائب]

- ‌[باب في بيع البرنامج]

- ‌[باب في بيع الأعمى]

- ‌[باب في نقد ثمن الغائب]

- ‌[باب في شرط النقد في بيع الغائب]

- ‌[باب في بيع دار على الصفة من غير البائع]

- ‌[باب في من اشترى غائبًا هل يوقف ثمنه

- ‌[باب في ضمان بيع الغائب غير ذي توفيةٍ]

- ‌[باب في صحة اشتراط الضمان عقب العقد]

- ‌[باب ما يحرم به فضل القدر والنساء]

- ‌[باب ما يحرم فيه النساء]

- ‌[كتاب الصرف]

- ‌[باب في شرط الرد في الدرهم]

- ‌[باب المراطلة]

- ‌[باب المبادلة]

- ‌[باب في الاقتضاء]

- ‌[باب الطعام]

- ‌[باب في شرط المماثلة]

- ‌[باب الاقتناء في الحيوان]

- ‌[باب المزابنة]

- ‌[باب الكالئ بالكالئ]

- ‌[باب في الغرر]

- ‌[باب في بيع الحامل بشرط الحمل]

- ‌[باب في بيع المضامن والملاقيح]

- ‌[باب في بيع الملامسة والمنابذة]

- ‌[باب في بيع الحصاة]

- ‌[باب في النهي عن بيعتين في بيعة]

- ‌[باب بيعتين في بيعة]

- ‌[باب في بيع عسيب الفحل]

- ‌[باب في النهي عن بيع وشرط]

- ‌[باب في البيع بشرط السلف]

- ‌[باب في البيع بشرط أن لا يبيع]

- ‌[باب في بيع الثنيا]

- ‌[باب في هلاك الرَّهن بعد قبضه]

- ‌[باب في استحقاق الرَّهن قبل قبضه]

- ‌[باب في بيع الأمة بشرط رضاع ولدها ونفقته]

- ‌[باب في أرض الجزاء]

- ‌[باب في الأرض المطبلة]

- ‌[باب في بيع العربان]

- ‌[باب في بيع الولد دون أمه أو العكس]

- ‌[باب في التفرقة بين الأم وولدها في البيع]

- ‌[باب في الإيصاء بالولد دون أمه أو العكس]

- ‌[باب في من وهب الولد دون أمه]

- ‌[باب في وسائل إثبات النبوة المانعة من التفرقة]

- ‌[باب في بيع المزايدة]

- ‌[باب في بيع الحلي مزايدة بعين أو أصلها]

- ‌[باب بيع النجش]

- ‌[باب في بيع المقاومة]

- ‌[باب في بيع المقاومة بالحصاة]

- ‌[باب في بيع الحاضر للبادي]

- ‌[باب في البيع زمن نداء سعي صلاة الجمعة]

- ‌[باب في شراء تلقي السلع]

- ‌[باب في الخروج شراء الغلل من الحوائط]

- ‌[باب في التسعير]

- ‌[كتاب بيوع الآجال]

- ‌[باب في شرط بيع الأجل]

- ‌[باب ما يمنع فيه اقتضاء الطعام من ثمن المبيع وما يجوز]

- ‌[باب العينة]

- ‌[كتاب بيع الخيار]

- ‌[باب دليل رفع الخيار]

- ‌[باب في الفعل الدال على إسقاط الخيار]

- ‌[كتاب الرد بالعيب]

- ‌[باب الغش والتدليس]

- ‌[باب البراءة]

- ‌[باب فيما يهده في حق المدلس بسبب تدليسه]

- ‌[باب في قدر مناب العيب القديم من ثمن المعيب]

- ‌[باب في قدر الحادث من العيب في المبيع]

- ‌[باب معرفة قدر زيادة زادها المشتري في المبيع]

- ‌[باب ما يكون فيه المبيع المتعدد كالمتحد في العيب]

- ‌[باب صفة يمين البائع في العيب]

الفصل: ‌[باب ما يمنع فيه اقتضاء الطعام من ثمن المبيع وما يجوز]

قال عبد الحق عن بعض شُيُوخ القرويين: كمخالف جنسه لا تهمة فيه وحكاه اللخمي بلفظ: قيل: وفي سلمها الأول: لا يجوز لمن باع طعامًا أن يقبض في ثمنه طعامًا من صنفه أو غير صنفه إلا أن يأخذ منه بعد الأجل مثل ما باعه صفة وكيلًا، إن محمولة فمحمولة وإن سمراء فسمراء فيجوز وهي إقالة هذا لفظ أبي سعيد والصقلي بزيادة بعد الأجل، ومقتضاه منعه قبل الأجل ولا وجه له وليس لفظ بعد الأجل ثابتًا في الأم بحال، ولفظها: وإن افترضته محمولة جاز أخذك مثل كيلها سمراء بعد الأجل ولا خير فيه قبله وإن كنت إنما بعته طعامًا بثمن إلى أجل فلا بأس أن يأخذ منه بالثمن طعامًا مثله في صفته وكيله إن محمولة وإن سمراء فسمراء ونحوه في آخر سلمها الثاني.

قُلتُ: والفرق بين الطعام القرض وثمن الطعام أن بيع الطعام بطعام لأجل ممنوع، وهو لازم أخذه في القرض قبل حلول أجله وبثمن لأجل جائز وهو لازم أخذه في بيع الطعام.

[باب ما يمنع فيه اقتضاء الطعام من ثمن المبيع وما يجوز]

وضابطه جعل المقتضى ثمنًا للمبيع

، ولذا امتنع أخذه عن كراء أرض بعين وعليع سماع عيسى رواية ابن القاسم لمنع باع طعامًا بثمن نقدًا أو لأجل أن يأخذ فيه زيتًا قبل أن يفترقا، فإن تفرقا فلا خير فيه نقدًا كان الثمن أو لأجل، وقول سلمها الثالث: إن بعت حب قضب أو غيره لأجل فلا أحب أن تقبض في ثمنه شيئًا مما ينبت ذلك الحب إذا تأخر لأجل ينبت من ذلك الحب قضب، وإن كان نقدًا أو لأمد لا ينبت

ص: 371

من الحب قضبًا جاز، وقولها في أكرية الدور: ومن أكرى أرضه بدنانير مؤجلة فحلت فلا يأخذ بها طعامًا ولا إدامًا وليأخذ ما يجوز أن يبتدي به كراءها.

قُلتُ: وكذا اللحم عن ثمنه الحيوان وعكسه.

الباجي: إن أخذ أقل من الأول في كيله وهو مثله في نوعه وصفته فاختلف فيه قول مالك في الموَّازيَّة أجازه فيها مرة، وبه قال أشهب وأباه مرة وهو الذي في المدَوَّنة الصقلي عن ابن القاسم: لا يعجبني أن يأخذ إلا مثل كيل حنطته وصفتها بمثل الثمن أو أكثر منه، ولا يجوز بأقل؛ لأنه سلف جر نفعًا، وقال في العتبية: استثقل مالك أن يأخذ أكثر من مكيلته وهو سهل، ولو قاله قائل: لم أره خطأ، وأجازه أشهب ولم يذكر اللخمي في منع أخذ أكثر من الأول خلافًا، ولما ذكر ابن محرز منع ابن القاسم أخذ أقل من الأول قال: وخالفه فيه أشهب وقال: لا تهمة فيه، كما لو أقاله من عروض السلم على أقل من رأس المال وهو ذهب، فكما لم يكن ذهبًا بذهب؛ لأنتفاء التهمة فكذا في الطعام، واتفقا في العروض إذا كانت رأس المال؛ لأنه يجوز أن يأخذ عنها أقل منها، ووجه قول ابن القاسم الفرق بين الذهب والطعام أن الذهب لا ضمان فيه وإن كان فيه الربا، والطعام فيه الضمان والربا، وأجازه في العروض وإن كان فيها الضمان؛ لأنه لا ربا فيها وخالف ابن القاسم أصله في الموَّازيَّة فأجاز أن يأخذ من ثمن طعامه من جنسه مثل كيله أدنى منه، ويحتمل أن يفرق بأن بيع مائة بخمسين لا يجوز، وبيع مائة بمائة أدنى جائز.

قُلتُ: فقول ابن الحاجب: وجاء في بيع أقل منه بمثل: قولان لمالك وابن القاسم، الأردأ مثله الأظهر أن مراده لكل منهما القولان.

أما لمالك فقد صرح بهما الباجي عنه، وأما لابن القاسم فما أشار إليه ابن محرز بقوله: وخالف ابن القاسم أصله إلى آخره، ويكون ابن الحاجب غير معتبر الفرق الذي ذكره ابن محرز، ولذا قال: وإلا روي مثله، إلا أن أحد قولي ابن القاسم على هذا التقدير مخرج لا نص.

اللخمي: إن كان الثاني أدنى صفة وأكثر كيلًا لم يجز.

ص: 372

قُلتُ: ويبعد دخول: قول أشهب الجواز لدوران الفضل من الجانبين قال: وإن كان أدنى في الكيل أو الصفة أو فيهما كان فيها قولان: المنع، والإجازة.

قُلتُ: وظاهر نقل الصقلي عن ابن القاسم لا يعجبني الكراهة فيتحصل فيها ثلاثة أقوال.

اللخمي: والجواز أحسن إذ لا تهمه غالبًا فيما يجد إلى وضيعة إلا أن يقوم دليلها كزمن خوف أو خوف فساده أو رخصه مع رجاء نفاقه فيتهمان على ضمان بجعل إلا أن يكون الآخر تافهًا يسيرًا وإن أخذ محمولة من ثمن سمراء مثل كيلها أوقل فرأى ابن

القاسم مرة في كتاب الصرف أنهما مما تختلف فيهما الأغراض فيمنع للتفاضل إن أخذ أدنى وللنساء إن أخذ مثل المكيلة، ورأى مرة أن المحمولة أدنى فيختلف هل يتهمان على الضمان بجعل حسبما تقدم، وإن أخذ تمرًا أو قطنية فالمعروف لا يجوز، وتجري على القول في بيوع الآجال أجاز ابن القاسم في المدَوَّنة لمن باع ثوبًا بدرهم لأجل شراؤه بدنانير نقدًا إن كانت الدنانير أقل من الأولى بالشيء البين وأجاز مع عبد الملك في المجموعة: إن كانت الدنانير مثل صرف الدراهم بالنقد يوم البيع الأول؛ لأنه يخسر الصبر فجعل التهمة فيما يعود بزيادة فعلى قوله في المدَوَّنة: إن كان ثمن ما أخذ أخيرًا أقل من الأول باشيء البين جاز، إذ لا تهمة فيه وعلى قوله في المجموعة: يجوز إن كانت قيمة الطعام الثاني مثل قيمة الأول يوم وقع البيع، ويمنع إن كانت أكثر والمراعى وقيمة الطعامين يوم البيع الأول ولا يعتبر نقصها بعده، ومن باع ثمر حائطه رطبًا بدين لأجل ففي جواز أخذه إذا صار تمرًا ببعض ثمنه أو كله أو بأكثر منه، ومنعه ثالثها في التفليس ويختص به عن غرمائه لابن رُشْد عن أول قولي مالك ورواية أشهب مع رواية ابن حبيب وآخر قوليه.

قُلتُ: الأول في سماع القرينين بزيادة: لما سئل عنه أطرق طويلًا، ثم قال: لا بأس به إن كان قد استجد التمر ويبس وإلا فلا خير فيه؛ لأنه دين بدين، وذكر اللخمي قوله الأول والثالث قال: والأحسن جوازه مطلقًا؛ لأنه طعامه بعينه، وفي سلمها الثالث: وإن أحلت على ثمن طعام لك من له عليك مثل ذلك الثمن من بيع سلعة أو قرض لم

ص: 373

يجز للمحال به أن يأخذ فيه من الطعام إلا ما كان يجوز لك أن تأخذ من غريمك.

الصقلي: يريد ولو كان ماله عليك إنما هو ثمن طعام مخالف للذي بعت من غريمك لم يجز أن تأخذ من غريمك طعامًا بحال.

قُلتُ: هو نص سماع عيسى ابن القاسم في السلم والآجال.

اللخمي: إن أحال المشتري البائع على غريم له لم يأخذ البائع من المحال عليه إلا ما جاز أن يأخذه من المشتري منه، وهذا حماية ولا أفسخه إن نزل ولم يتعقبه المازري.

وقال ابن بشير: فيه نظر؛ لأن علة منع الاقتضاء من ثمن الطعام طعامًا قد وجد هنا.

اللخمي والمازري: وإن أحال البائع على المشتري رجلًا فأحاله المشتري على آخر جاز أن يأخذ طعامًا أي صنف أحب؛ لأن خروج البائع والمشتري يرفع علة المنع لضعف التهمة.

وسمع أَصْبَغ ابن القاسم: من اشترى بدرهم لحمًا من جازر فأعطاه به حميلًا فغرمه الحميل للجازر فله أن يأخذ به من الغريم ما يشاء من الطعام.

ابن رُشْد: لأن الحميل لم يدفع طعامًا، ولو أراد الجازر أن يأخذ بالدرهم من الحميل طعامًا لم يجز؛ لأنه دفع طعامًا قاله ابن دحون وفيه نظر؛ لأنه أنزل الحميل منزلة المحال عليه في ذلك حسبما يأتي في سماع أَصْبَغ من كتاب الكفالة والحوالة، وليس بمنزلته فإن أخذه من الحميل على وجه الابتياع له بالدرهم الذي له على المشتري جاز اتفاقًا إن كان المشتري حاضرًا مقرًا بالدرهم يتبعه به الحميل لا بتياعه إياه من الجازر بالطعام الذي دفع إليه فيه وإن أخذ الطعام منه صلحًا عن المشتري في الدرهم الذي عليه فقيل ذلك جائز والمشتري بالخيار في إمضاء الصلح فيدفع الطعام الذي صالح به عنه، وبين رده، فيدفع الدرهم الذي تحمل به عنه، وقيل لا يجوز؛ لأنه دفع طعامًا لا يدري هل يرجع به أو بالدرهم من أجل خيار المتحمل عنه، وإن لم يبين على أي وجه دفع الطعام فاختلف على ما تحمل عليه من الوجهين المتقدمين فيجري الأمر على حكم ما يحمل عليه منهما.

قُلتُ: الذي في سماع أَصْبَغ المذكور هو جواز أخذ الحميل بما غرمه من العين من

ص: 374

المتحمل عنه طعامًا قال: وكذا لو لم يكن حميلًا؛ بل طاع بدفع ذلك عنه لبائع الطعام منه ثم قال: وإنما كره من ذلك أن يكون البائع هو المحيل به عليه فلا يجوز للمحال إلا ما كان يجوز للبائع أن يأخذه؛ لأنه بمنزلته.

قُلتُ: فأشار ابن رُشْد بهذه التفرقة بين الحميل والمحال عليه إلى الرد على ابن دحون في تسويته بينهما ويرد بأن الحميل في هذه المسألة إذا طعاما لم يصدق عليه، أنه أخذ طعامًا من ثمن طعام بخلاف أخذ بائع الطعام من الحميل طعامًا يصدق عليه أنه أخذ من ثمن طعامه طعامًا، وفي سماع عيسى ابن القاسم مع الموطأ قال مالك: وإنما نهى سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبو بكر محمد بن عمرو بن حزم، وابن شهاب عن أن يبيع الرجل حنطة بذهب ثم يشتري بالذهب قبل أن يقبض الذهب من بائعه الذي اشترى منه الحنطة، فإما أن يشتري بالذهب الذي به الحنطة إلى أجل تمرًا من بائعه الذي باع منه الحنطة قبل أن يقبض الذهب ويحيل الذي اشترى منه التمر على غريمه الذي باع منه الحنطة بالذهب الذي له عليه في ثمن التمر فلا بأس به، وقد سألت عنه غير واحد فلم ير به بأسًا.

ابن رُشْد: لأنه باع من رجل، واشترى من غيره فلم يكن فيه تهمة، ولو اشترى بالمائة دينار بعينها طعامًا من غيره لجاز أيضًا إذ لم يأخذ الطعام من الذي باع منه الطعام فلا تهمة على أنه باع منه طعامًا بطعام.

قُلتُ: ولما ذكر أبو عمر تمام في السماع وهو قوله: قال عيسى: قال ابن القاسم: ولو

أحال الذي عليه المائة بائع الطعام على غريم له عليه بمائة؛ لم يجز أن يأخذ من الذي أحال عليه بالمائة طعامًا، قال أبو عمر: ولا فرق بين ذلك في قياس، ولا أثر؛ لأنه طعام من ثمن طعام من غير المشتري له.

الباجي: إنما جاز أن يشتري البائع بالمائة طعامًا ثم يحيله بها على المشتري؛ لأنه اشترى بثمن متعلق بذمته ثم أحال به؛ لأن ذمة مبتاع الطعام الأول مشغولة بثمنه فيتميز الثمنان ثم وقعت الإحالة بعد ذلك في الثمنين بعد ثبوتهما في الذمة عينًا، وأما الذي أحاله مبتاع الطعام الأول على رجل فأخذ منه بذلك طعامًا، فإن ثمن الطعام الأول نفسه آل إلى طعام ففسد بذلك.

ص: 375

ابن زرقون: وقعت المسألة في سماع أشهب مبينة أنه اشترى منه بذلك الثمن فقال فيها مالك بعد إطراق لا بأس به، وقد فرق أبو الوليد بين مسألة الموطأ، والمسألة الأخرى بنحو ما تأول عليه مسألة الموطأ وهو منتقض بسماع أشهب، والأظهر عندي ما قاله أبو عمر أنه لا فرق بينهما.

قُلتُ: ذكر المازري بفرقة الأشياخ الباجي معبرًا عنه ببعض الشُيُوخ قال: هذا يقتضي إجراء كلام سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، ومن ذكر معهما على عمومه في النهي عن أن يشتري بثمن الحنطة تمرًا، وظاهر كلامهم في الموطأ أن الشراء وقع بنفس ثمن الحنطة الذي في ذمة مشتريها، وإذا اشترى التمر من غير ما باع منه القمح لم يكن فيه تهمة؛ لكن لو قبل النهي عن الأخذ من ثمن الطعام طعامًا شرع غير معلل ظهر وجه هذه التفرقة التي ذكر هذا الشَّيخ قلت: ظاهر أقوالهم الاتفاق على أنه معلل.

لا متعبد به، وقد اعتبروا في مسائل الباب طرد العلة، وعكسها حسبما تقدم من إجازتهم الاقتضاء من ثمن الطعام طعامًا من غير جنسه في المجلس.

الباجي: لو وكل من يقبض ثمن طعامه فقبضه فأتلفه، جاز أن يأخذ منه به طعامًا قاله ابن حبيب، ولو كان لرجل على البائع مثل الثمن فأحاله به على المبتاع لم يجز للمحال عليه أن يدفع إليه إلا ما يجوز له أن يدفع إلى المحيل وروى محمد هذه المسألة والتي قبلها عن مالك وهما معًا من جهة منع الذريعة ضعيفتان؛ لأنه يبعد أن يبيع من رجل حنطة ليحيله بثمنها إذا حل على رجل يأخذ به منه تمرًا، وقد جوز مالك للمسلمين في صفقة أن يقبل أحدهما من حصته، وقال: لا يتهم أحد أن يسلف ليبتاع غيره، الشَّيخ معه عن ابن حبيب: من أتلف لك طعامًا لا يعرف كيله إن قامت بينه على إتلافه، جاز أن تأخذ بقيمته طعامًا، ولو غاب عليه اتهم أنه أمسكه، ودفع فيه طعامًا تلف بانتفاع المتعدي أو غيره.

زاد الشَّيخ عن ابن حبيب: من باع طعامًا بثمن مؤجل فلا يأخذ فيه جبح نحل إذ لا تخلو من عسل إلا أن يكون فيه عسل لا يعتد به.

وسمع ابن القاسم: من باع من رجل قمحًا بدينار فأتاه فوجد عنده تمرًا فاشترى منه بدينار تمرًا ثم لقيه بعد ذلك فقال: لي عليك دينار ولك علي دينار فقاصصني لا

ص: 376

أحبه، وليرد التمر الذي أخذ منه ابن القاسم: لأنه إن قاصه كان أخذ من ثمن الطعام طعامًا.

ابن رُشْد قوله: يرد التمر على أصله فيمن باع سلعة لأجل ثم اشتراها بأقل نقدًا أنه يفسخ البيع الثاني فقط إلا أن تفوت السلعة فيفسخان معًا، وفي المسألة يقدر على التمر يرد مثله فلا يفسخ إلا الثاني، ويأتي على مذهب ابن الماجِشُون في فسخ البيعتين معًا فسخ بيع الحنطة أيضًا، وقال محمد: تفسخ المقاصة فقط، يأخذ منه الدينار ثم يرده إليه ولا معنى له؛ لأنه إذا رده إليه فكأنه لم يأخذه، وقيل: إنما قاله محمد؛ لأنه لم يتهمهما على أنهما عملا على ذلك ولو اتهمهما فسخ بيع الحنطة أيضًا وهو فاسد؛ لأنه لو لم يتهمهما لأجاز مقاصتهما.

قُلتُ: ما عزاه لمحمد إنما عزاه الشَّيخ والباجي والصقلي لابن القاسم لما ذكر الشَّيخ قول مالك في الموَّازية.

زاد: قال ابن القاسم: قيل يؤدي دينار التمر ويأخذ منه ثمن قمحه وإن رد إليه ذلك الدينار بعينه كما لا تستحمل غريمك بدينار عليه، وتستعمله بدينار تدفعه إليه ثم يقضيك إياه.

الباجي: قول ابن القاسم على تجويز ذريعة الذريعة؛ لأن منع أخذه بالثمن تمرًا لئلا يكون ذريعة لبيع الطعام بالطعام لأجل، فإن منعنا المقاصة فإنما منعناها؛ لأنها ذريعة؛ لأن تأخذ من ثمن الطعام طعامًا.

قُلتُ: تخريجه قول ابن القاسم على إجازته ذريعة الذريعة مع قوله منع المقاصة لذريعة الذريعة يقتضي إجازة ابن القاسم المقاصة وهو لم يجزها حسبما مر في السماع إنما أجاز في المَّازيَّة أخذ الدينار بعد دفعه، وهو إجازة منه لذريعة الذريعة، وهو الذي خالف فيه مالكا، وللشيخ عن المَّوازيَّة إن قبضت ثمن طعام من رجل فلا تبيع منه به في المجلس طعامًا.

قُلتُ: مفهومه جوازه بعد المجلس ولو في يومه وله في الواضحة: لا بأس بأخذ النوى والقضب والتين من ثمن طعام، وكذا في سماع أشهب، وفي صرفها عن ابن المسيب: من باع من رجل طعامًا بدينار ونصف درهم فلا يأخذ من المبتاع بنصف

ص: 377

الدرهم طعامًا ولكن يأخذ منه درهمًا ويعطيه ببقيته طعامًا.

مالك: إنما كرهه سعيد؛ لأنه يصير دينارا وطعاما بطعام ولو كان نصف الدرهم ورقا أو فلوسا أو غير الطعام جاز قلت: قوله: ولو كان نصف الدرهم، ورقًا إلى آخره يريد لو قضاه عن نصف الدرهم ورقًا؛ لأن أصل البيع كان بنصف درهم شائع من درهم لقول سعيد: ولكن يأخذ منه درهمًا إلى آخره وهي حجة للأكثر في الشريكين في مسكوك أن لأحدهما أن يعطي شريكه وزن حصته مسكوكًا عنها، وتقدمت في الصرف. وفي منع الإقالة في نصف الدرهم بما يصيبه من القمح بعد معرفته قبل قبضه وجوازه قولا السَّيخ محتجًا بأن المردود من القمح شائع في نصف الدرهم والدينار فأخذه عن نصف الدرهم فقط بيع الطعام قبل قبضه وابن محرز محتجًا بالقياس على جواز الإقالة في سلم ثوب وعبد في طعام من أحدهما بعد معرفة منابه.

قُلتُ: للشيخ منع حكم الثانية إن لم يكن نصًا واحتج الصقلي على جوازه بإجازة ابن القاسم الإقالة من أحد ثوبين أسلما في طعام إن اعتدلا، ورد قول الشَّيخ بشيوع الطعام في الدينار ونصف الدرهم، بأن الإقالة إنما وقعت في طعام خصص بنصف الدرهم وتخصيصه يمنع شيوعه، ولو لزم معه شيوعه للزم في مسألة الثوبين ويلزمه فيمن باع مد قمح ومد شعير بدينارين، وقيمتهما متساوية أن لا يقيله من الشعير بدينار؛ لأن حصة الدينار نصف مد قمح ونصف مد شعير.

قُلتُ: الدينار المردود ليس مردودًا من حيث كونه عوضًا عن نصف القمح ونصف الشعير؛ بل من حيث كونه قام مقام عوض الشعير وعوضه نصف الدينارين؛ لكن وجب جميعهما في دينار من الدينارين، لتماثلهما حسبما مر في الصرف إذا اطلع على درهم زائد وأخذه قدرًا منه بعد الغيبة عليه.

قال ابن محرز: جائز، وأخذه به طعامًا من صنفه بعد قبضه قبل الغيبة عليه لا يجوز لربا الفضل، ومن غير صنفه كطعام وعرض بطعام جائز قبل الغيبة ولو قبل قبضه مطلقًا إلا على قول من يعتبر في طعام بسلعة وطعام يسارته كالصرف فيشترطها، ولو كانت معه بينة لم تفارقه لم يجز أن يعطيه طعامًا على حال إلا من الطعام بعينه ما يتراضيان به، وإن كان المبيع عرضًا، ففيها مثله كمخالفه يجوز بأقل نقدا ومنعه سَحنون

ص: 378

ومحمد محتجًا بأن أخذه اقتضاء عن الأول سلفًا ودفع الأقل من الثمن، سلف فيه كمنع ابن القاسم من أسلم ثيابًا في حيوان إقالته منه مثلها وزيادة ورده الشَّيخ بما قرره المازري بأن بقاء ما في الذمة في بيوع الآجال يمنع تعيين كون المثل المأخوذ عوضًا عما

وقع أولا فلا يلزم صرف المفقود فيه عن كونه ثمنًا له، فلا يلزم سلف بزيادة، وسقوطه في الإقالة يوجب كون المثل المأخوذ عوضًا عما وقع أولًا فليزم السلف بزيادة وتقريرها الصقلي بأنهما لم يقصدا في مسألة الآجال لنقض البيعة الأولى فوجب عدم ضم الثانية إليها وفي السلم قصدا نقض الأولى فوجب اعتبار ما خرج من اليد ورجع إليها فيه نظر؛ لأن عدم القصد في بيوع الآجال مع تصور التهمة على ما يوجب الفساد لا يلغيه.

وسمع القرينان: من باع سلعة لأجل فأقامت عنده حتى حدث بها عيب، عور أو عرج أو قطع أو أمر حتى يعلم أنهما لم يعملا القبيح، لا يجوز أن يشتريها بأقل من ثمنها نقدًا، وقال سَحنون مثله وهي خير من رواية ابن القاسم.

ابن رُشْد: رواية ابن القاسم وقعت في الموَّازية: من باع دابة أو بعيرًا بثمن إلى أجل فسافر بذلك مبتاعه لحج أو سفر بعيد فأتى به وقد نقص لا بأس أن يشتريه بأقل من ثمنه نقدًا، وذهب كل من ابن القاسم وأشهب في هذه المسألة إلى رواية فيها، وذلك من قولهما في رواحلها، أجاز ابن القاسم أن يستقبل الكري المتكاري بزيادة بعد قبض الكراء والغيبة عليه إن سارا من الطريق ما يرفع التهمة، ولم يجزه أشهب، وقول ابن القاسم وروايته أظهر، وكون ثمن المبيع الثاني مؤجلًا وكون مبيعه بعض الأول أو أكثر

تقدم ضابطه، وفي الموَّازية: لو ابتاع ما باع بخمسة نقدًا وخمسة لأجل وبخمسة نقدًا جاز وبأكثر أقل من عشرة لم يجز؛ لأنه سلف بزيادة وستة نقدًا وبخمسة لأجل جائزإلا أن يكونا من أهل العينة.

التونسي: لأن شراء ما بيع بنقد بعد الغيبة عليه بأكثر منه لا يتهم فيه إلا أهل العينة، وفي سماع عيسى ابن القاسم: لو اشتراه بخمسة نقدًا وستة لأجل لم يجز إلا إن لم يغب على الدنانير؛ لأنه حينئذ باع سلعته بستة لشهر إذا حل قاصه بخمسة مما له عليه واسترجع دينارًا، فكان ثمن السلعة إنما هو دينار، فلا بأس به، التونسي مقتضى ما في الموَّازيَّة جوازه إن لم يكونا من أهل العينة؛ لأن التهمة في زيادة الدنيا إنما هي على كخمسة النقد فإذا

ص: 379

جازت نقدًا فكذا الأجل إلا أن يكون ما في العتبيَّة على لقول ابن القاسم في المجموعة لمن باع سلعة بسبعة نقدًا وخمسة لشهر شراؤها بسبعة نقدًا أو ثمانية لشهرين خمسة منها قصاص عند الشهر، وإنما يتهم في هذا أهل العينة وتلقى ابن رُشْد ما سمعه عيسى بالقبول ولم يحك في منعه خلافًا، ووجهه بقوله: لأن الأمر آل إلى أن رجعت للبائع سلعته ودفع له المبتاع خمسة نقدًا انتفع بها وردها إليه ويعطيه دينارًا إذا حل الأجل فاتهما على سلف خمسة دنانير على أن يعطيه دينارًا إذا حل الأجل فإن لم يغب على الدنانير جاز ذلك؛ لأنتفاء السلف، وقوله: استرجع دينارًا لفظ وقع على غير تحصيل إذا لم يدفع إليه شيء يسترجع منه الدينار، وصوابه أن يقول: إذا حل الشهر قاصه بالخمسة من الستة وأخذ منه الدينار الزائد.

وقوله: فكان ثمن السلعة إنما هو دينار وقع على غير تحصيل، والمراد فكان الذي ربح معه في السلعة إنما هو دينار؛ لأن الدينار إنما هو ربح في السلعة للمبتاع لا ثمن لها.

قُلتُ: لولا لفظ ابن القاسم في المجموعة كان الصواب ما في سماع عيسى؛ لأن الذي لا يتهم فيه إلا أهل العينة إنما هو بيعة النقد السالم عن انضمام مؤجل إليه، وهذه بيعه نقد ومؤجل، والصفقة إذا جمعت حلالًا وحرامًا غلب حكم الحرام.

وفيها: إن بعت عبدين بعشرة لشهر فلا تبتع أحدهما بتسعة نقدًا؛ لأنه بيع وسلف، ولو كان قصاصًا جاز، وتعقب التونسي عموم منعها فيما إذا كان مجموع ما نقده مع قيمة العبد الباقي أزيد من الثمن الأول بكثير جدًا بقوله: ينفي التهمة على الصرف المستأجر بكون الثمن الباقي أقل من المنقود بكثير، وقول ابن القاسم فيها: من باع ثوبًا بعشرة دنانير لشهر وابتاعه بدينار نقدًا، وثوب قيمته مائة دينار لم يجز قيل له التهمة مرتفعة؟

قال: لم ترتفع ويدخله مع ذلك عرض وذهب بذهب قال: إلا أن يكون هذا على قول أشهب بعدم رفع التهمة على الصرف بذلك ونحوه للخمي، وفي صحة البيع في الباقي بيد المبتاع عبد الحق مع بعض شُيُوخه وقول اللخمي مع فرضه أن ثمنهما مائة قائلًا:

يفسخ البيع في العبدين معًا على قول عبد الملك يرد الباقي بيد مبتاعهما لبائعهما، إن كان قائمًا، وقيمته إن فات، ولو كانت أكثر من خمسين؛ لأنكارهما أنهما عقدا على بيع وسلف فإن أقرا به سقط فضلها عن خمسين، وإن أنكراه والقيمة ستون فأكثر مضى بيعه بخمسين

ص: 380

إذ لا يتهم أن يبيع ما قيمته ستون بخمسين وسلف خمسين.

قُلتُ: هذا على اعتبار ما تقدم للتونسي لا على قول ابن القاسم: قال: ولو استرجع العبد بائعه بخمسين لأبعد من الأجل لم يجز، ولو كانت قيمته ستين لتهمته أن يترك العشرة فضل قيمة العبد؛ لأن سلفه المشتري خمسين، ولو كانت قيمته أربعين، جاز.

المازري: إن فات ففي إمضائه بالقيمة ما لم تزد على منابه من الثمن أو مطلقًا؛ لأن ذلك إنما هو إن كان الثمن نقدًا. ثالثها بما ينوبه من الثمن للمازري عن الأشياخ: قلت: وعلى فساده إن لم يفت ففي إمضائه بإسقاط السلف، ثالثها إن أقر بالعقد عليه لتعليلها فساده، بأنه بيع وسلف، ومقتضى القول الأول بالقيمة مطلقًا وما تقدم للخمي.

وفيها: من باع ثوبين بعشرة لأجل لم يجز شراؤه أحدهما بخمسة وثوب نقدًا.

عبد الحق مع بعض شُيُوخنا: لا يفوت الثوب الراجع لبائعه إلا بشديد التغير، وفوته يوجب في الباقي منابه من الثمن لصحة عقده وبفوت الثوب المدفوع فيه بحوالة الأشواق فيجب فيه حكم ما اشتري بشرط سلف من مشتريه.

قُلتُ: لم يتعرض الصقلي لنقل هذا، وحكى أبو إبراهيم في فوته بها خلافًا، والصواب تعقب المازري تفرقة عبد الحق بين الثوبين، الراجع والمدفوع فيه في الفوت بحوالة الأسواق بقوله: إنما وقعت المعاملة الثانية فيهما بعقد واحد، فلا ينفرد أحدهما بحكم عن الآخر كل منهما عقد على شرط السلف، قال: ومقتضى الاقتصار على تعليل الفساد بأنه عرض وفضة بفضة لزوم القيمة مطلقًا، وعلى أنه بيع وسلف يجري على حكمه.

قُلتُ: فيمتنع التعليل بهما على المعية لتنافي لازميهما.

ابن بشير: لو اشترى أحدهما بحكم عن الآخر لكل منهما عقد على شرط السلف بنصف من العين غير صنف الثمن منها للبيع والسلف والصرف المستأخر والبدل المستأخر وتتصور فيه الزيادة.

ابن الحاجب: لو اشترى أحدهما بغير صنف الثمن الأول فقالوا يمنع مطلقًا.

قال ابن عبد السلام: ما حاصله إن قوله: (قالوا) إشارة إلى تعقبه إطلاقهم المنع، ووجوب تقييده المنع بما إذا لم يكن المعجل من العين أكثر مما يقابله من الثمن جدًا حسبما

ص: 381

مر في التهمة على الصرف المستأخر.

قُلتُ: يرد بأن استرجاع كل المبيع يحقق كون المقابل للثمن المؤجل كل الثمن المدفوع ثانيًا،

ونه أكثر منه جدًا ينفي كونه ثمنًا له ولا علة فيه سواه وفي استرجاع بعضه هذا، وعلة عرض وعين مؤخرة والكثرة لا تنفيها.

وفيها: إن بعت ثوبًا بعشرة دراهم لشهر لم يجز أن تشتريه قبله بخمسة نقدًا، وثوب؛ لأنه بيع وسلف، ولو كانت الخمسة مقاصة عند الأجل جاز.

عبد الحق: ما ارتجعه البائع لا يفوت بحوالة الأسواق فإن فات بعيب سقظ الثمن وما دفعه بعينه كبيع قارنه سلف.

قُلتُ: هذا على أصله المتقدم وأصل المازري خلافه.

وفيها: لا يعجبني من باع سلعة بثمن مؤجل شراؤها لمن وكله عليه بأقل من ثمنها لقول مالك لا خير في بيعه إياها عن مشتريها بوكالته إياه على بيعتها.

اللخمي قول أشهب بكراهته ذلك أحسن. قلت فحمل قول ابن القاسم لا يعجبنه على غير الكراهة لاستدلاله بقول مالك لا خير، وتهمته في الوكالة على بيعها أشد منها على شرائها لتعيين الأجنبي في الأولى كذبه إن اشتراها لنفسه وإبهامه في الثانية فيخفى وبه يرد قياس ابن القاسم، وقول اللخمي: الوكالة على بيعها أحق من الوكالة على شرائها.

وشراء السيد ما باعه عبده لأجل بأقل نقدًا، وشراء العبد ما باعه سيده كذلك إن كان تجره لسيده لم يجز، وإن كان لنفسه ففي جوازه وكراهته قولان لابن القاسم فيها واللخمي عن أشهب وفيها لابن القاسم: ما باعه رجل لأجل لا يعجبني أن يشتريه لابنه الصغير بأقل نقدًا ولم ينقلها اللخمي إلا عن أشهب بلفظ الكراهة واختار فسخه إن نزل.

قُلتُ: هو مقتضى قول سلمها من وكل على سلم لم يجز أن يعطيه لابنه الصغير وكون الحق لله آكد.

وفيها: من باع فرسًا بعشرة أثواب لأجل لم يجز تعجيل بعضها مع الفرس أو غيرها عن باقيها للبيع والسلف المعجل سلف وما معه بيع بالباقي، والتعجيل بوضيعة لاحتمال عدل الفرس أقل من الباقي، وحط الضمان بزيادة لاحتمال عدله بأكثر ضعيف،

ص: 382

وخرج اللخمي الجواز من قول ابن القاسم: لمن أسلم في عبدين تعجل مثل أحدهما مع عرض عن الآخر قال: فجعل أخذ المعجل على أنه نفس حقه لا سلف قائلًا: لو كان المعجل سلفًا لحوصص المعجل فيما بقي في ذمته في فلس المعجل له قبل الأجل وخرج ابن بشير الجواز على قول إسماعيل قال: وصوبه المتأخرون وإن كان شاذا، ورد المازري احتجاج اللخمي بلزوم الحصاص بإبطال الملازمة؛ لأن تعجيل المعجل إنما كان على إسقاط حق المعجل له في الباقي في ذمة المعجل الملزوم لاختصاصه به فكان كمحال عليه أو مرتهن له وتبعه ابن بشير مقررًا بكونه رهنًا فقط، ورده ابن عبد السلام بأن المشهور فيمن عليه دين لمدينه أنه ليس أحق بما في ذمته لمدينه في دينه إن فلس يرد بأن ما في ذمته باق على لزوم قضائه عند أجله خلاف من عجل ما في ذمته حسبما مر في تقرير كلام المازري.

ابن محرز: من المذاكرين من عارض هذا الوجه بأنه كما جاز أن يأخذ عن جميع الأثواب قبل الأجل عرضًا يجوز أن يسلم فيها، وإن لم يف بقيمتها ولا يكون (ضع وتعجل) فكذا إذا تعجل بعضها وعاوض عن بقيتها، وقوله: باطل؛ لأن الأخذ عن جميعها لا يبقى ما يتصور فيه تعجيل فلا يتصور كون الوضع له، والأخذ عن بعضها مع تعجيل باقيها يوجبه كون التعجيل للوضيعة.

قُلتُ: ما عزاه لبعض المذاكرين هو قول التونسي وإليه عزاه المازري، وذكر جواب ابن محرز وعزاه لبعض الأشياخ ولم يتعقبه، وضعف علته حط الضمان وأزيدك علله الصقلي بعدم القصد إليه غالبًا وتعقبه التونسي بنحو ما تعقب به ضع وتعجل، وعلى المشهور إن نزل قال اللخمي: خير البائع في رده المعجل فيتم بيع غيره وإلا فسخ فيهما.

المازري: إن نزل فأكثر الشُيُوخ على لزوم الفسخ فيهما، وقال بعض أشياخي فذكر ما تقدم وحيث لزم الفسخ يرد الفرس أو قيمته إن فات وكذا الثياب.

ابن محرز والتونسي واللخمي وغيرهم: لأن فاسد القرض في الفوت كالبيع.

وقال ابن بشير: في القضاء في فاسد القرض بالقيمة أو المثل قولان.

قال اللخمي: إثر كلامه وكذا إن لم ينظر في ذلك حتى حل الأجل فإن الأثواب تمضي بالقيمة.

ص: 383

ابن محرز: إن حل الأجل والأثواب باقية استوفاها من أثوابه وطلب البقية ورد الفرس أو قيمته إن فات ولو كانت الأثواب فاتت غرم قيمتها، وعلل المازري أخذه الثياب إن كانت قائمة بقوله إذ لا فائدة في ردها وأخذها في الحال.

قُلتُ: فائدته نقص ما فعل فاسدًا كفائدة ما تقدم من قول محمد وابن القاسم فيمن قاصص من ثمن طعام عليه كمن له عليه ثمن طعام بما له عليه من ثمن الطعام أنه يفسخ ويقضيه ما عليه، ولو أخذه منه فيما له عليه في الحال حسبما مر.

التونسي: لو كانت الفرس قائمة ففلس دفعها فقابضها أحق بها من غرمائه؛ لأنها مأخوذة من دين أخذًا فاسدًا.

قُلتُ: في هذا الأصل خلاف اللخمي إن أخذ مثل فرسه وبقيت خمسه لأجلها دخله سلف بزيادة والتهمة فيه في أصل عقده بخلاف أخذه نفس فرسه العقد الأول صحيح والفساد فيما عملاه آخرًا.

قُلتُ: فل أخرت أو عجلت فأحرى في المنع. ابن بشير: لو أبقى الثياب لأجلها والمعجل عين فرسه جاز، ولو أخر بها لم يجز اتفاقًا فيهما لحقيقة البيع والسلف، وقول ابن الحاجب: إن كان المزيد مؤخرًا عن الأجل منع؛ لأنه دين بدين وبيع وسلف محقق، وإن كان إلى مثله جاز متعقب بأنه إن أراد أن المزيد مثل المسلم فيه لم يكن دينًا بدين؛ بل محض سلف قارنه بيع وإن أراد أنه ليس مثله بطل، قوله: إن كان لمثله جاز؛ لأنه دين بدين، وجواب ابن عبد السلام بإرادة الأول قال: ويحتمل كون الباقي عما يعدل المعجل أقل من المزيد بعد الأجل ففسخه فيه فسخ دين في دين؛ لأنه دفع أقل في أكثر بعيد؛ لأن عباراتهم في التعليل بمثل هذا إنه سلف بزيادة لا فسخ دين في دين، وفيها لربيعة: من أقال من حمار ابتاعه بعشرة دنانير لأجل على إن عجل منها دينارًا أو بهما نقدًا على إن أخر به لم يجز.

ابن محرز: يدخلها في المؤجل بيع وسلف، والتعجيل على وضع كمسألة الفرس لا حط بزيادة لوجوب قبول العين المؤجلة قبل أجلها فإن نزل رد الدينار والحمار إن كان قائمًا، وخرجها المازري على فسخ البيعتين في بيوع الآجال.

ابن محرز: إن فات الحمار ففي نقض البيعتين أو الثانية إن كانت قيمة الحمار أقل من

ص: 384

عشرة، ثالثها تمضي بالقيمة مطلقًا لاستقلالها بالفساد دون ضمها للأولى.

قُلتُ: الثالث قاله التونسي وأخذه المازري من تعليل مالك بأنه عرض وذهب بذهب.

ابن محرز: الصواب إنه بيع وسلف يقضى بالقيمة ما لم تزد على الثمن وإن كان دينًا.

الحق في أجله لدافعه فصار كحال، والمعتبر ثمنًا فيه العشرة لا التسعة قال: فإن قيل إنما جعل ثمنه تسعة والعاشر سلف، قيل: إنما قدر ذلك تهمة لهما، والمشتري إنما دخل على أن الثمن عشرة.

قُلتُ: إن رد بأن المشتري إنما دخل على الثمن عشرة في عقد شرائه والكلام في عقد بيعه، ونصهم في المسألة على إن عجل دينار ظاهر في أنه من العشرة المؤجلة فالباقي في مقابله الحمار تسعة.

قُلتُ: يرد هذا الظاهر نصهما على الإقالة المقتضية كون الثمن فيها هو الثمن الأول والتعجيل أعم من كون المعجل منها أو زيادة ولو زاده أي المتبايعين دينارًا للأجل جاز؛ لأنه مقاصة، وبعد بيع وسلف، ودراهم نقدًا، خرجه المازري واللخمي على صرف ما في الذمة قبل أجله والبيع والصرف، وللأجل وبعده فسخ دين في دين كعرض كذلك، إما نقدًا فجائز، المازري، واللخمي: إن زاده درهمين جرت على سلعة ودرهمين، بدينار لأجل، وإن كان ثمنه نقدًا فنقد الزيادة جائز مطلقًا إن كانت ورقًا فبيع وصرف ومؤجلها فسخ دين في دين وبيع وسلف الصقلي وقع للشيخ تنبيه أنه لم ينقده ولا أدري ما وجهه.

المازري: تابع الشَّيخ على تقييده بعض الأشياخ، وقال: يجوز للمستري إن نقد أن يزيد؛ لأنها بيعة ثانية، وأنكره بعض المتأخرين.

وقال: يتصور فيه البيع والسلف إن نقد؛ لأنه يقدر إنه اشترى الحمار بتسعة من الدنانير التي قبضها على أن أسلفه قابضها الدنانير العاشر.

قُلتُ: إن كانت الزيادة من المبتاع عينًا فواضح منعها ولو بعد التعديل هو أوضح منه قبل النقد بحيث لا يخفي على من دون الشَّيخ وإن كانت غير عين امتنعت قبل النقد؛ لأنها فسخ دين في دين وجازت بعد النقد على حكم ابتداء البيع فتقييد الشَّيخ إنما هو لعموم سلب جواز الزيادة في العين وغيرها ضرورة عموم ابتداء البيع فتقييد الشَّيخ

ص: 385

سلب الجواز في العين وغيرها قبل النقد وعدم عمومه فيهما بعد النقد ضرورة جوازها في العرض بعد النقد فقول الصقلي لا وجه له ليس كذلك.

وفيها: من باع عبده من رجل بعشرة دنانير على أن يبيعه عبده بمثلها جاز؛ لأن الثمنين مقاصة فإن أضمرا إخراج المال إضمارًا كالشرط لم يجز.

قُلتُ: إن لم يشترطاها فالأظهر على رواية زياد بعدم وجوبها فساد بيعهما.

ابن محرز عن ابن القاسم وكذا إن كان الثمنان لأجل واحد من صنف واحد ولو كان أحدهما أكثر، ولو اختلف أجلهما أو صنفهما لم يجز، ويفسخ ثانيه ما فسد منها، وفي الأولى قولا ابن الماجِشُون، والمشهور وحمله اللخمي على من لم تكن عادتهم الفساد.

المازري: أشار بعض أشياخي أن ابن عبدوس لا يوجب الفسخ، والذي نقله غيره عنه من عدم الفسخ إنما هو في الفوت المبيع ففي فسخهما ومضيهما، ثالثها: الثانية فقط، فإن زاد الثمن على القيمة سقط فضله، ورابعها: إن كان أكثر وإلا فالثانية فقط لابن رُشْد عن سماع عيسى ابن القاسم في رسم القطعان مع تأويل التونسي على ابن القاسم والمازري مع اللخمي على ابن مسلمة ولابن رُشْد عن الآتي على سماع يحيي وسَحنون ابن القاسم ومضى سَحنون مع تأويل عبد الحق عن ابن القاسم.

الباجي: إن هلك المبيع بيد مبتاعه قبل قبضه البائع الأول فسحت الثانية فقط عندي ولم أر فيها نصًا.

قُلتُ: يريد: بفسخها لغوها كهلاك المبيع بيعًا فاسدًا بيد بائعه لا فسخها بلزوم القيمة وهذا على فسخ الثانية فقط واضح، وأما على فسخهما؛ فلأن موجب فساد الأولى إنما هو تمام البيعة الثانية، وهي لم تتم لعدم القبض فيها.

ص: 386