المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[كتاب القضاء] القضاء: صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ حكمه الشرعي، ولو - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٩

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[باب التحويز]

- ‌باب في الحوز الفعلي في عطية غير الإبن

- ‌[باب الاعتصار]

- ‌[باب صيغة الاعتصار]

- ‌باب هبة الثواب

- ‌[باب الهبة بشرط عوض عيناه]

- ‌[باب العدة]

- ‌[كتاب اللقطة]

- ‌[باب الضالة]

- ‌[باب الآبق]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌[كتاب القضاء]

- ‌[باب في شروط صحة ولاية القضاء]

- ‌[باب في الشروط في القضاء التي عدمها يوجب عزل القاضي وتنعقد الولاية مع فقدها]

- ‌[باب ما يقضى فيه بالصفة في الشهادة]

- ‌[باب في الخطأ الموجب لرد حكم العالم العدل]

- ‌[كتاب الشهادات]

- ‌[باب في شروط الشهادة في الأداء]

- ‌[باب العدالة]

- ‌[باب في المروءة]

- ‌باب في التعديل

- ‌باب مانع الشهادة

- ‌[باب فيما تثبت به الحرابة]

- ‌[باب فيما تصير به الأمة أم ولد]

- ‌[باب شهادة السماع]

- ‌باب تحمل الشهادة

- ‌باب أداء الشهادة

- ‌[باب النقل]

- ‌[باب الرجوع عن الشهادة]

- ‌[باب تعارض البينتين]

- ‌[باب الملك]

- ‌[باب الدعوى]

- ‌[باب المدعي والمدعى عليه]

- ‌[(باب النكول]

- ‌[باب الخلطة]

- ‌[باب في القتل]

- ‌[باب العمد في القتل]

- ‌[باب في السبب الموجب للقود]

- ‌[باب في التسبب الموجب للدية في المال]

- ‌[باب في التسبب الموجب للدية على العاقلة]

- ‌[باب الموجب لحكم الخطأ]

الفصل: ‌ ‌[كتاب القضاء] القضاء: صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ حكمه الشرعي، ولو

[كتاب القضاء]

القضاء: صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ حكمه الشرعي، ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين، فيخرج التحكيم، وولاية الشرطة

ص: 85

وأخواتها والإمامة.

وقول بعضهم: هو الفصل بين الخصمين واضح قصوره.

ابن سهل: تلخيص خطط الولاية: القضاء والشرطة والمظالم، والرد والمدينة والسوق، فمتعلق حكم والي الرد ما استرابه القضاة، وردوه على أنفسهم، وصاحب السوق يعرف بصاحب الحسبة؛ لأن أكثر نظره فيها بالأسواق من غش، وتفقد مكيال وميزان.

قال بعض من لقينا: لا يجوز له الحكم في عيوب الدور، ولا مخاطبة حكام البلاد بالأحكام، وعلم القضاء أخص من العلم بفقهه؛ لأن متعلق فقهه كلي من حيث هو كلي، ومتعلق علمه كلي من حيث صدق كليه على جزئيات، وكذا فقه الفقيه من حيث كونه فقيهاً هو أعم من فقه الفقيه من حيث كونه مفتياً؛ ولذا أخبرنا بعض شيوخنا في تدريسه عن الشيخ الفقيه المحصل أبي عبد الله بن شعيب أنه كان ولي قضاة القيروان، ومحل تحصيله في الفقه وأصول الفقه شهير ببلدنا، فلما جلس الخصوم إليه، وفصل بينهم؛ دخل منزله مقبوضاً، فقالت له زوجته: ما شأنك؟ فقال لها: عسر علي حكم القضاء، فقالت له: قد شاهدت سهول أمر الفتوى عليك، فاجعل الخصمين كالمستفتين سألاك، قال فاعتبرت ذلك، فسهل علي.

قلت: وإذا تأملت ذلك؛ علمت أن حال الفقيه من حيث هو فقيه؛ كحال عالم بكبرى قياس الشكل الأول فقط، وحال القاضي والمفتي؛ كحال عالم بها مع علمه بصغراه، ولا خفاء أن العلم بها أشق، وأخص من العلم بالكبرى فقط، وأيضاً فقهاء

ص: 91

القضاء والفتوى مبينيان على إعمال النظر في الصور الجزئية، وإدراك ما اشتملت عليه من الأوصاف الكائنة فيها، فيلغي طرديها، ويعمل مستعيرها؛ ولذا ذكرها ابن الرقيق أن أمير إفريقية استفتي أسد بن الفرات في دخوله بجواريه الحمام دون ساتر له ولهن، فأجاب بجوازه؛ لأنهن ملكه، فأجابه أبو محرز بمنع ذلك قائلاً له: لأنه إن جاز لك نظرهن كذلك، ونظرهن إليك كذلك؛ لم يجز لهن نظر بعضهن بعضاً كذلك، فأغفل أسد إعمال كمال النظر في هذه الصورة الجزئية، فلم يدرك حالهن فيما بينهن، واعتبره أبو محرز فأصاب.

وفيها: قال مالك: ليس علم القضاء كغيره من العلم، ولا أعلم بهذا البلد أحداً أعلم بالقضاء من أبي بكر بن عبد الرحمن، وكان أخذ شيئاً من القضاء من أبان بن عثمان، وأخذ أبان ذلك من أبيه عثمان.

قلت: كذا وقع هذا الكلام في المدونة معزواُ لأبي بكر بن عبد الرحمن، وفيه نظر؛ لأنه إنما كان مشهوراً بالعبادة في كتاب الاعتكاف من المدونة: لم يبلغني أن أحداً من السلف اعتكف إلا أبو بكر بن عبد الرحمن، ووقع في رواية ابن وهب عزو هذا الذي في المدونة لأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، لما عرف ابن الحداء في كلامه على رجال الموطأ عرف بأبي بكر بن عبد الرحمن.

وقال فيه يقال: إنه راهب قريش لفضله، وكثرة صلاحه، ولم يصفه بولاية قضاء، ثم عرف بأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فقال فيه: توفي بالمدينة، وبها كان مسكنه سنة عشرين ومائة، وكان قاضياً بها، وقضى بها ابنه بعده عبد الله.

وقال ابن وهب عن مالك: لم يكن عند أحد من أهل المدينة من العلم بالقضاء ما كان عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وكان فقيهاً، وأمره عمر بن عبد العزيز على المدينة بعد أن كان قاضياً.

قال مالك: ولم يكن على المدينة أمير أنصاري غير أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.

وفي رواية عن ابن وهب: وكان أبو بكر تعلم القضاء من أبان بن عثمان بن عفان،

ص: 92

وتعلم أبان من أبيه، والروايات وأقوال الأشياخ واضحة الدلالة على جلالة خطة القضاء، وندور السلامة فيه.

ابن سهل: قال بعض الناس: خطط القضاء من أعظم الخطط قدراً، وأجلها خطراً لا سيما إذا اجتمعت إليها الصلاة.

قلت: يريد: إمامة الصلاة، ومقتضاه حسن اجتماعهما، والمعروف ببلدنا قديماً وحديثاً منع إمامة قاضي الجماعة بها أو الأنكحة إمامة الجامع الأعظم بها.

وسمعت بعض شيوخنا: أ، هم يعللون ذلك بأن القاضي مظنه؛ لعدم طيب نفس المحكوم عليه به مع تكرر ذلك في الآحاد، فيؤدي إلى إمامة الإمام من هو له كاره.، وقد خرج الترمذي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها ساخط عليها، وإمام قوم وهم له كارهون".

ابن رشد وغير واحد: الحكم بين الناس بالعدل من أفضل أعمال البر، وأعلى درجات الأجر، والجور فيه، وإتباع الهوى من أكبر الكبائر، وهو محنة من دخل فيه ابتلي بعظيم؛ لأنه عرض نفسه للهلاك؛ إذ التخليص منه عسير.

قال عمر رضي الله عنه: وددت أني أنجو من هذا الأمر كفافاً لا لي ولا على، فالهروب منه واجب لاسيما في هذا الوقت.

قال مالك: قال لي عمر بن حسين: ما أدركنا قاضياً استقضي بالمدينة إلا عرفت كآبة القضاء عليه، وكراهية في وجهه إلا قاضيين سماها.

قال ابن عبد السلام: هذا حين كان القاضي يعان على ما وليه، وريما كان بعضهم يحكم على من ولاه، ولا يقبل شهادته إن شهد عنده، وأما إذا صار القاضي لا يعان؛ بل من ولاه ربما أعان عليه من مقصوده بلوغ هواه على أي حال كان، فإن ذلك الواجب ينقلب محرماً، نسأل الله السلامة.

ص: 93

وأكثر الخطط الشرعية في زماننا أسماء شريفة على مسميات خسيسة.

قلت: وحدثني من أثق به، وبصحة خبره أنه لما مات القاضي بتونس الشيخ الفقيه أبو علي بن قداح تكلم أهل مجلس السلطان أبي يحيي بن أبي بكر في ولاية قاض، فذكر بعض أهل المجلس الشيخ ابن عبد السلام فقال بعض كبار أهل المجلس: إنه شديد الأمر، ولا يطيقونه، فقال بعضهم: نستخبر أمره، فدسوا عليه رجلاً من الموحدين كان جاراً له يعرف بابن إبراهيم فقال له: هؤلاء امتنعوا من توليتك؛ لأنك شديد في الحكم، فقال له: أن أعرف العوائد وأمشيها، فحينئذ ولوه من عام أربعة وثلاثين إلى أ، توفي عام تسعة وأربعين وسبعمائة.

وحكم القضاء بالنسبة أسبابه واجب.

قال اللخمي وغيره: إقامة حكم للناس واجب لما فيه من رفع الهرج والمظالم، فعلى الوالي على بلد النظر في أحكامهم إن كان أهلاً لذلك، فإن لم يكن أهلاً، واشتغل عن ذلك؛ وجب عليه أن يقدم لهم من هو أهل لذلك، وإن لم يكن بالموضع وال كان ذلك لذوي الرأي والثقة.

المتيطي: قال مالك: لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن الخلفاء قاض، هم كانوا يقضون بين الناس، أول من استقضى معاوية، وأنكر أن يكون علي استقضى شريحاً.

وحكي ابن شعبان: أن أول قاض استقضي عبد الله بن نوفل ولاه معاوية، العراقيون أول من استقضي عمر وجه شريحاً للكوفة، وكعب بن سوار للبصرة، وقيل: أول من استقضي على لما شغلته الحروب استقضي شريحاً.

وقول مالك: لم يستقض أبو بكر ولا عمر ولا عثمان يعني بدار الهجرة، وسائر البلاد بعثوا لها قضاة، وهو صلى الله عليه وسلم استقضي علياً ومعاذاً وغيرهما.

ص: 94

وقبول ولايته من فروض الكفاية، وإن كان بالبلد عدد يصلحون لذلك، فإن لم يكن من يصلح من ذلك إلا واحد تعين عليه، وأجبر على الدخول فيه.

وروى أبو عمر: إنما يجبر على القضاء من لم يوجد غيره يجبر بالسجن والضرب.

ابن رُشْد: طلبه والحرص عليه حسرة وندامة يوم القيامة، من طلبه وكل إليه، وخيف هلاكه، ومن امتحن به، وهو كاره له أعين عليه؛ فيجب أن لا يولى القضاء من أراده وطلبه، وإن اجتمعت فيه شروط القضاء.

قُلتُ: ظاهره مطلقاً، وزعم بعضهم أنه إن خاف من فيه أهليه أن يولى من لا أهليه فيه، أن له طلبه، وقد تحققت بالخبر الصادق أن بعض شُيُوخنا، وكان ممن يشار إليه بالصلاح لما وقع النظر بتونس في ولاية قاضي الأنكحة تسبب في ولايتها تسبباً ظاهراً علمه القريب منه والبعيد، وما أظنه فعل ذلك إلا لما نقل المازري- والأعمال بالنيات- قال المازري: يجب على من هو من أهل الاجتهاد والعدالة السعي في طلبه إن علم أنه إن لم يله ضاعت الحقوق، أو وليه من لايحل أن يولى، وكذا إن كان وليه من لا تحل توليته، ولا سبيل لعزله إلا بطلبه، ويحرم طلبه على فاقد أهليته.

وققال بعض العلماء: يستحب طلبه لمجتهد خفي علمه، وأراد إظهاره بولايته القضاء، أو لعاجز على قوته، وقوت عياله إلابرزق القضاء.

المازري: ولا يقتصر بالاستحباب على هذين؛ بل يسحب للأولى به من غيره؛ لأنه أعلم منه.

وفي كونه في حق المشهور علمه الغني مكروهاً أو مباحاً نظر

قال: وأصول الشرع تدل على الإبعاد منه.

قُلتُ: هذا كله ما لم تكن توليته ملزومة لما لا يحل من تكليفة تقديم من لا يحل تقديمه للشهادة، ووقد شاهدنا من ذلك ما الله أعلم به، ولا فائدة في كتبه هنا.

وللقضاء شروط، ابن رُشْد: له خصال مشترطة في صحة الولاية، وخصال ليست شرطاً فيها إلا أن عدمها يوجب عزل القاضي وخصال ليست كذلك إلا أنها مستحبة

ص: 95