المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب شهادة السماع] - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٩

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[باب التحويز]

- ‌باب في الحوز الفعلي في عطية غير الإبن

- ‌[باب الاعتصار]

- ‌[باب صيغة الاعتصار]

- ‌باب هبة الثواب

- ‌[باب الهبة بشرط عوض عيناه]

- ‌[باب العدة]

- ‌[كتاب اللقطة]

- ‌[باب الضالة]

- ‌[باب الآبق]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌[كتاب القضاء]

- ‌[باب في شروط صحة ولاية القضاء]

- ‌[باب في الشروط في القضاء التي عدمها يوجب عزل القاضي وتنعقد الولاية مع فقدها]

- ‌[باب ما يقضى فيه بالصفة في الشهادة]

- ‌[باب في الخطأ الموجب لرد حكم العالم العدل]

- ‌[كتاب الشهادات]

- ‌[باب في شروط الشهادة في الأداء]

- ‌[باب العدالة]

- ‌[باب في المروءة]

- ‌باب في التعديل

- ‌باب مانع الشهادة

- ‌[باب فيما تثبت به الحرابة]

- ‌[باب فيما تصير به الأمة أم ولد]

- ‌[باب شهادة السماع]

- ‌باب تحمل الشهادة

- ‌باب أداء الشهادة

- ‌[باب النقل]

- ‌[باب الرجوع عن الشهادة]

- ‌[باب تعارض البينتين]

- ‌[باب الملك]

- ‌[باب الدعوى]

- ‌[باب المدعي والمدعى عليه]

- ‌[(باب النكول]

- ‌[باب الخلطة]

- ‌[باب في القتل]

- ‌[باب العمد في القتل]

- ‌[باب في السبب الموجب للقود]

- ‌[باب في التسبب الموجب للدية في المال]

- ‌[باب في التسبب الموجب للدية على العاقلة]

- ‌[باب الموجب لحكم الخطأ]

الفصل: ‌[باب شهادة السماع]

إياها حوز الأزواج زوجاتهم، وإن لم يولد حين التزويج هذا نوع خارج عن شهادة السماع؛ إنما يطلب فيه الظن القوي المزاحم للعلم اليقيني بقرائن الأحوال كالشهادة بالتفقير، بأن الشاهد يشهد به، ولا يقطع على صحة ما شهد به؛ لجواز أن يكون أن يكون له مال أخفاه؛ لكن إذا بدت قرائن الفقر، والأسعار، والصبر على مضض الجوع، وأدرك ذلك بالمخالطة؛ صح التعويل عليه في الشهادة بقرائن الأحوال، وعلى هذه الطريقة.

قال ابن الحاجب تابعاً لابن شاس: ويعتمد على القرائن المغلبة للظن في التعديل، وفي الإعسار، وضرر أحد الزوجين.

قلت: وهذا الظن الناشيء عن القرائن؛ إنما هو كافٍ في جزم الشاهد بما به يشهد على وجه البت، ولو صرح في أداء شهادته للظن؛ لم تقبل إلا ما تقدم في التعديل من قوله:(أراه عدلا)، فإنه لا يقطع به، بعضهم يقطع به في صيد صيد بمعاينة شهيديه، وما غنم بمعاينتها معترض بجواز كونه يدعي قرب من ربه، وكون الغنيمة مال مسلم.

قلت: وصوره بعضهم بملك مشتري لقطة بشهادة الشهيدين على التقاطهما، وتعريفها سنة، وبيعها بإذن الأمام.

[باب شهادة السماع]

وشهادة السماع، لقب لما يصرح الشاهد فيه بإسناد شهادته من غير معين، فتخرج شهادة البنت والنقل وفيها طرق.

ص: 360

الباجي: قال القاضي: هي مختصة بها لا يتغير حاله، ولا ينتقل الملك فيه؛ كالموت، والنسب، والوقف المحرم، فيشهد على الموت بالسماع فيها بعد من البلاد ما اقرب.

قلت: بشرط أن لا يطول زمن تقدم الموت كالعشرين عاماً، ونحوها هذا لا تقبل فيه إلا البت، قاله بعض من لقيت، صواب؛ لأنه مظنة البت كمن ببلد قريب.

الباجي: ما اقرب، وكان ببلد الموت؛ إنما الشهادة فيه علي البت؛ لحصول العلم بالسماع به المتواتر، كالشهادة، فإن نافعاً مولى ابن عمر كما قيل: قال لابن القاسم: يشهد أنك ابن القاسم، ولا نعرف أباك، ولا أنك ابنه إلا بالسماع.

قال: نعم، ثم حكى عن القاضي في قبول شهادة السماع في النكاح قولين بناء على اعتبار عدم تقيده إذا مات احدهم، واعتبار جواز التنقل فيه، وفي نوازل سحنون: أيشهد على النكاح بالسماع كالموت؟ قال: جل أصحابنا يقولون: إذا انتشر الخبر بالنكاح في الجيران أن فلاناً تزوج فلانة، وسمع الدفاف، وكثر به القول؛ جازت الشهادة به، وكذا في الموت يسمع النائحة، ويكثر القول في الناس شهدنا جنازة فلان؛

ص: 361

جازت الشهادة بالموت. وإن لم يحضره، وكذا النسب يسمع كثرة قول الناس فلان بن فلان، وأن يشهد على نسبه، وكذا ولاية القاضي بما يسمع من الناس، وربما رآه يقضي هذه الأربعة تجوز فيها الشهادة على السماع.

ابن رشد: تجوز الشهادة في هذه الأربعة على القطع من وجهة السماع إذا أفاد العلم باستفاضته، وكذا غير الأربعة؛ لأن الأخبار المتوترة تفيد العلم فيها طريقه العلم، وغلبة الظن فيها طريقه غلبة الظن؛ كالتعديل والتشيد.

وقوله: (جل أصحابنا)؛ يدل أن منهم ما يقول ذلك، ولا خلاف فيه؛ إنما الخلاف في شهادة السماع دون قطع كقوله: سمعنا سماعاً فاشياً من غير أهل العدل وغيرهم كذا.

قيل لا تصح في هذه الأربعة، ولا في غيرها وهو قول ابن القاسم لقوله في المدونة: شهادة السماع لا يثبت بها النسب، ولا الولاء، ويقع له بالمال دون ثوبتهما، ولم يرها عاملة في الحبس إلا مع القطع بمعرفته؛ فإنما تحترم بحرمة الاحباس، ولا في الشراء المتقادم إلا مع الحيازة، والثاني: جوزها في الأربعة وغيرها، وهو دليل حكاية ابن جيب: جواز الشهادة على السماع في الملك دون الحيازة، وهو قول سحنون في غير الجل، لأن معنى قوله: إن الجل يقولون: لأتجوز الشهادة في هذه الأربعة على السماع دون قطع؛ إنما تجوز فيها على القطع؛ لأن شأنها أن تستفيض حتى تصح الشهادة فيها على القطع، وغير الجل يجيزون الشهادة في الأربعة على السماع دون قطع، كما يجيزون ذلك في غيرها، والرابع: أنها تجوز في هذه الأربعة لا في غيرها عكس الثالث، ومضى في آخر رسم الأقضية من سماع يحيى الخلاف فش شهادة السماع في النكاح.

قلت: الذي تقدم له فيه هو قوله: إذا كانت المرأة بائنة منقطعة عن من تقارب معه على النكاح، ولا بينه على أصله، وليسا بطارئين فقيل: لا ميراث بينهما، وإن طال ذلك، وفشا ذكره الجيران، وهو ظاهر قول ابن القاسم، وأشهب في هذا السماع، وهو بعيد؛ لأن النكاح مما يصح فيه شهادة السماع إذا مضى من الزمان ما تبيد فيه الشهود على اختلاف في ذلك، وقيل: يتوارثان إذا طال الزمان، وفا ذكره في الجيران، فشهدوا

ص: 362

فيه بالسماع، وهو قول ابن وهب في هذا السماع، يريد مع طول الزمان الذي تبيد فيه الشهود فالخلاف إنما هو إذا طال الأمر، وشهد الشهود العدول فيه على السماع لا على القطع من ناحية السماع، يحتمل أن يكون قول ابن وهب في السماع المفيد القطع، وقول ابن القاسم وأشهب في السماع القاصر عن القطع، فيرجعان إلى الوفاق، ويحتمل رجوع الخلاف بينهما إلى حد الطول الذي تجوز فيه شهادة السماع.

وسمع أصبغ ابن القاسم: من افتدت من زوجها، ثم قامت بينة تشهد بالسماع أن زجها كان يضربها، أيجوز في شهادة السماع؟ قال: نعم، من يشهد في مثل هذا إلا بالسماع يسمعه الرجل من أهله، ومن الجيران، وشبه ذلك؛ فيكون فاشياً فيجوز.

قلت: يجوز فيه شاهدان على السماع.

قال: السماع ليس في مثل هذا، والأمر بالمعروف أحب إلي، وعيسى هذا أن يجوز، فأرى أن يجوز، ولا حلف عليها، ولو شهد لها شاهد واحد على القطع أنه كان يضربها ويضيق عليها؛ حلفت معه، ورد عليها ما أخذ منها.

ابن رشد: إجازته شهادة السماع في ضرر الزوج دون يمين خلاف أصله في المدونة، في أنها لا يثبت بها نسب، ولا ولاء؛ إنها يستحق بها المال مع يمينه، واختياره ألا يكتفي في ذلك بشاهدين مراعاة لقول ابن الماجشون: أنه لا يجوز في شهادة السماع أقل من أربعة، وقول أصبغ: إن لم يكن مع الشاهد على البنت غيره حلفت معه، ولو كان معه سماع أو منتشر غير قاطع؛ ردت عليها العطية والوضيعة، يدل على أنه انزل السماع منزلة شاهد آخر على البت، فلو انفردت على مذهبه شهادة السماع؛ لم يستحق بها المال دون يمين.

فقوله: على قياس قول ابن القاسم، وروايته في المدونة.

الباجي: وقد قال مالك: يقطع بشهادة السماع في الولاء والنسب والصدقات، التي طال زمانها، والصدقات تكون على غيره وجه الوقف.

ولابن حبيب عن الأخوين عن مالك: تجوز فيما تقادم عهده، والأشرية، والحيازات، والصدقات، والأحباس، وشبهها.

ص: 363

المتيطي: قال ابن الهندي: إن شهد بالضرر صالحات النساء، والخدم اللواتي يدخلن عليهن؛ جاز ذلك.

قلت: الرق مانع من الشهادة في الذكور؛ فأحرى في النساء، وصرف ذلك للخبر يؤدي إلى حكم الحاكم بعلمه.

المتيطي: قال ابن الهندي في نسخته الكبرى: غمز بعض أهل عصرنا شهادة السماع على الضرر، واختار الشهادة على معرفة الضرر، وقد غمز ابن القاسم هذا الذي اختاره وكرهه، وعلله من جهة القطع على أمر لا يعرف إلا بالاستفاضة والسماع؛ لأن الشهود لا يسكنون مع الزوجين، وإنما هو عندهم بلاغ، فترك الغامز العمل بها استحسان.

ابن القاسم: وأجاز ما كرهه، ويجب إذا ثبتت المسألة رواية، إلا ترفع إلا برواية اثبت منها، وهذه المسألة من الثماني عشر مسألة التي تجوز شهادة السماع فيها؛ منها: الأحباس المتقادمة، والنكاح، والأنساب، والولاء، والميراث، والموت، وولاية القاضي، وعزلته، والعدالة، والتجريح، والإسلام، والكفر بالله، والرضاع، والترشيد، والتسفيه، وفي بعض هذا نزاع، وأما العتق؛ فالأكثر لم ينصوا عليه بعينه فيها، وهو عندي لاكتفائهم بذكر الولاء عنه: لأنه مهما ثبت؛ ثبت العتق، ومهما ثبت العتق؛ ثبت الولاء، ومها انتفى أحدهما؛ انتفى الآخر، وما اثبت أحد المتساويين في اللزوم؛ أثبت الآخر.

وقال المازري: ضبط عبد الوهاب ما تجوز فيه شهادة السماع بما لا ينقل ولا ينتقل، وقبله هو والباجي منه، ثم قال المازري: اختلف الناس في العتق؛ منهم من لم يثبته بها، ومنهم من أثبته بها؛ لأنه مما لا يتغير ولا يبقى.

قلت: وهذا مع ضابط عبد الوهاب ينتج أنه يثبت بها وهو الحق، قول ابن عبد السلام: منهم من ألحق العتق بما يثبت بالسماع.

قلت: وللخمي ما نصه بعد قوله: القسامة تصح بستة أوجه، وبالسماع المستفيض.

قال ابن القاسم: مثل ما لو أن رجلاً عدا على رجل في سوق علانية مثل سوق

ص: 364

الأحد، وشبهه من كثرة الناس، فقطع كل من حضر عليه الشهادة، فرأى من أرضى من أرضى من أهل العلم أن ذلك إذا اكثر هكذا، وتظاهر بمنزلة اللوث.

قلت: وينسب للقاضي ابن رشد في عددها نظم هو:

أيا سائلي عما ينفذ حكمه

ويثبت سمعا دون علم بأصله

ففي العدل والتجريح والكفر بعده

وفي سفه أو ضده ذاك كله

وفي البيع والأحباس والصدقات والر

ضاع وخلع والنكاح وحله

وفي قسمة أو نسبة أو ولاية

وموت وحمل والمضر بأهله

واستدرك فيها ولده، فقال:

ومنها الهبات والوصية فاعلمن

وملك قديم قد يظن بمثله

ومنها ولادات ومنها حرابة

ومنها إباق فليضم لشكله

فدونكها عشرين من بعد سبعة

تدل على حفظ الفقيه ونبله

أبي نظم العشرين من بعد واحد

فأتبعتها ستا تماما لفعله

قال ابن هارون: واستدرك عليها الملا، والعدم، والأسر.

وقال اللخمي: تجب القسامة في القتل مع شهادة السماع، فقلت: تتميماً لذلك المقال، ونسجاً على ذلك المنوال:

وفي اليسر والإعسار سمع مقرر

وفي الأسر يروى من يقوم بنقله

أبو الحسن اللخمي قال مقسم

ولاة قتيل بالسماع لقتله

قلت: وتقدم لي نظم لما ذكر المتيطي في خمسة أبيات هي:

شهادة ظن بالسماع مقالتي

لما عد متطيهم في النهاية

فوقف قديم مثله البيع والولا

وموت وارث والقضا كالعدالة

وجرح وإنكاح وكفر وضده

ورشد وتوسيخه وعزل ولاية

ص: 365

وإصرار زوج والرضاع وفي النسب

نفاس حكي اللخمي لوث قسامة

وقد زادنا الكافي سماع تصرف

وإنفاق ذي إيصاء أو ذي نيابة

***** إيصاء لعشر وضعفها

سنين ابن زَرْب زاده في مقاله

قلت: وما نسبوه للقاضي، وابن رشد بعيد من لفظه في البيان؛ ولذا قال ابن عبد السلام: لست أدخل تحت عهدة صحة نسبة صحة القطعتين إلى من ذكر، والبيت الثاني لابن هارون وجدته بخطة بخكة كتبين الأول ما تقدم، والثاني: أبو الحسن اللخمي يقسم قائل إلخ.

وفي الوثائق المجموعة: وتجوز على السماع في الحمل، والولادة، والرضاع.

ابن عات: وكذا في الأنساب إذا نفى من نسبه، ذكره ابن عبد الغفور، وثبتت في الحمل والرضاعة، قال ابن رشد في سماع حسين بن عاصم في الشهادات في بعض الروايات.

وفي الكافي جائز: أن يشهد أنه لم يزل يسمع أن فلاناً كان في ولاية فلان، يتولى النظر له بالإنفاق عليه بإيصاء أبيه إليه، أو تقديم قاض عليه، وإن لم يشهد أبوه، ولا القاضي بالاستفاضة من أهل العدل والرضا وغيرهم.

وفي مفيد الحكام لابن هشام: أفتى ابن زرب في وصى قامت له بينه بعد ثلاثين سنة على تنفيذ وصية أسندت إليه بالسماع من أهل العدل والثقات: أنها جائزة.

الباجي: وشرط شهادة السماع أن يقولوا: سمعنا سماعاً فاشياً من أهل العدل وغيرهم وإلا لم تصح، قاله ابن حبيب عن الآخوين، وقاله محمد قالا: ولا يسموا من سمعوا منه، فإن سموا خرجت عن شهادة السماع إلى الشهادة على الشهادة، وقاله ابن القاسم وأصبغ.

وفي اشتراط العدالة في المسموع منهم: ثالثها: إلا في الرضاع للمازري عن نقل محمد، مع قول ابن حبيب قائلاً: سمعوا سماعاً فاشياً من العدول وغيرهم، وظاهر لفظهما مع غيرها، وحسين بن عاصم عن ابن القاسم.

ص: 366

المازري: لعله إنما استثنى الرضاع في النقل عن شهادة امرأتين عدلتين، ويشترط في شهادتهما الفشو، والانتشار، والفشو لا يشترط فيه النقل عن العدول؛ لأن التواتر يفيد العلم، ولو لم يكن المخبرون مسلمين.

الباجي: يحتمل أن يشهد عدلان بعلمهما ذلك بالخبر المتواتر الذي لا يراعي فيه عدالة ولا إسلام، أو يريد شهادة النساء على فشو ذلك مع شهادة امرأتين على الرضاع.

وأفتى ابن رشد بصحة شهادة السماع من لفيف الرجال والنساء، وإن لم تبن عدالتهم بناء زوج مثله؛ ليثبت إحلاها.

ابن فتوح: شهادة السماع لا تكمل إلا بأن يضمن فيها أهل العدل، وغيرهم على هذا مضي الناس، وليس يأتي آخر هذه الأمة بأفضل مما جاء به أولها.

قلت: فلو اقتصر على كون السماع من أهل العدل دون تسميتهم؛ ففي صحتها نقل الشيخ عن محمد عن أصبغ مع ظاهر نقل ابو الفتوح عن المذهب، ونقله عن بعضهم: أنها ليست شهادة سماع؛ وإنما هي نقل، فيفتقر فيها لتسمية الشهود، ولو اقتصر على كونه من عموم الناس دون ذكر العدول؛ ففي صحتها فيها لا يخرج به من يد نقلا اللخمي قائلاً: وهي فيما يخرج به مريد لغو اتفاقاً، وأفتى بعض قضاة شيوخ بلدنا بلغو شهادة السماع بالموت في تقدم موت ميت على آخر بينهما إرث، وأظن أنه عزاه لفتوى بعض القرويين في موتى بقتل كان نزل بتونس لفتنة نزلت بأهلها أيام كونها تحت إمرة أمير إفريقية بالقيروان، وهو ظاهر قولها في كتاب الولاء: من ماتت امرأته وابنه فقال: ماتت امرأتي قبل ابنها، وقال أخوها: بل بعده، قال: لا يرث الموتى بعضهم من بعض إلا بيقين.

وفي شرطها في الحبس بمعرفة البينة حوزه حوزها واحترامها المذكور في نقل ابن فتوح مع غيره عن المذهب: إن سقط من العقد معرفتها؛ سقطت الشهادة، ولم يقض بها مع قول ابن عات.

وقع لابن رشد في مختصر الحريرية: أنه إذا لم يشهدوا أنها تحترم بحرمة الأحباس إلا على السماع؛ فليست بشهادة عاملة، ونقل ابن عات عن أحكام ابن سهل،

ص: 367

وكتاب الاستغناء.

قلت في أحكام ابن سهل ما نصه: كيفية شهادة السماع في الأحباس: أن يشهد الشاهد أنه يعرف الدار التي بموضع كذا، وحدها كذا، وأنه لم يزل يسمع منذ ثلاثين سنة أو عشرين سنة سماعاً فاشياً مستفيضاً من أهل العدل وغيرهم أن هذه الدار، وهذا الملك حبس على مسجد كذا، أو على المرضى بحاضرة كذا، أو على فلان، وعقبة أو حبس لا غير، وإن لم يشهدوا بسبيله، وأنها كانت محترمة بحرمة الأحباس، ويحوزوها بالوقوف إليها، والتعيين بها كذا جرى العمل في أداء هذه الشهادة.

وقال ابن القاسم في سماع عيسى: إذا شهد رجلان أنهما كانا يسمعان أن هذه الدار حبس؛ جازت شهادتهما، وكانت حبساً على المساكين إن كان لم يسم أحداً.

قلت: قال ابن رشد: إجازة ابن القاسم شهادة السامع في هذه المسألة خلاف مذهبه في المدونة قال فيها: لا تجوز شهادة السماع في الحبس إلا مع القطع بأنها تحترم بحرمة الأحباس، وهو على أصله أنه يقضي بشهادة السماع في المال، ولا يثبت بها نسب ولا ولاء.

قال ابن عبد السلام: قال بعض الأندلسيين: لو شهدوا على أصل الحبس بعينه؛ لم يكن حبساً حتى يشهدوا بالملك للمحبس يوم حبس، وتجوز شهادتهم على السماع، ولا يسمون المحبس، ولا يحتاج إلى إثبات في ملك.

قلت: اقتصاره على هذا النقل يوهم أنه المذهب، أو مشهوره، أو المعمول به، وليس كذلك.

قال المتيطي: ما نصه في في عقد الإشهاد: شهد بذلك من يعرف بملك المحبس فلان الملك المحبس، وأن ملكه، وأن ملكه لم يزل عنه بوجه إلى أن عقد فيه التحبيس المذكور في عمله.

قال: وإن لم يعرف الشهود الملك؛ أسقطت ذكره من العقد، ولا تغفل أن تبين كيف قسم الحبس على السوية أو التفضيل.

وفي ترجمة الشهادة في الحبس على السماع من طرر ابن عات: إذا شهدوا في عبد أنه

ص: 368

حر معتق، فإن كشفوا من أعتقه؛ أعذر إليه أو لوراثه وجوباً، وإن قالوا: هو حر معتق، ولم يزيدوا على هذا؛ تمت الشهادة، ولم يكشفوا عن أكثر، قاله ابن مالك في الأول لابن سهل.

وفيها: من أقامت بيده دار خمسين سنة أو ستين، ثم قدم من كان غائباً، فادعاها، وثبت الأصل له أو قام بينة أنها لأبيه أو جده وثبتت المواريث حتى صارت له، فقال من هي في يده: اشتريتها من قوم قد انقرضوا، وانقرضت البينة، وأتى ببينة يشهدون على السماع؛ فالذي نفعه أن يشهد قوم أنهم سمعوا أن يشهد قوم أنهم سمعوا أن الذي بيده الدار، أو أحد من أقاربه ابتاعها من القائم، أو من أحد من أقاربه، أو ممن ورثها القادم عنه، أو ممن ابتاعها من أحد ممك ذكرنا بذلك يقطع حق القائم فيها، وإن أتى الذي بيده الدار ببينة يشهدون أنهم سمعوا أن الذي بيده الدار، أو أحد من آبائه ابتاعها، ولا يدرون ممن لم ينفعه ذلك.

عياض: قوله: إن كان المدعى حاضر البلد الذي الدار به، وحيزت عنه السنين؛ فلا حق له، وإن كان إنما قدم من بلد آخر، فأقام البينة أنها دار أبيه أو وجده وثبتت المواريث سئل الغائب؛ ذهب بعض الشيوخ إلى أن الحاضر المذكور لا يلزم من الدار بيده كشفه، ومن أين صارت له؟ واحتج بقول مالك فيها، وفي المسألة التي قبلها، وبقول عيسى بن دينار: من الدار بيده أحق إذا ادعاها لنفسه بأمر لا يريد أن يظهره.

وسمع عيسى بن القاسم: الحيازة تبطل دعوى من ترك شيئه؛ يحاز عنه، وهو حاضر، وبهذا أفتى ابن أبي زمنين، وخالفه غيره، وأفتى بتوقيفه للحاضر، كما يوقف للغائب إذا أثبت القائم ملكه، ويكشفه من أن يصير له؟ لعله يقر بما ينتفع به.

قلت: فعلى الأول لا تشمع دعوى الغائب بمجرد دعواه غبية، وهو ظاهر قول ابن محرز حيث قال في تعقبه: تقديم البينة بالملك على البينة بالحوز؛ لأنها أرخت، وبينة الملك؛ لم تؤرخ، فإن قيل: إنما كانت أولى؛ لأنه أخبر أن المحوز عليه كان غائباً في تلك المدة، فعلم كم ذلك أن الشهادة بالملك أقوم من الشهادة بالحوز.

قيل: إنما يكون كذلك لو كانت الغيبة؛ إنما علمت من الذين شهدوا بالملك، وليس في المسألة ما يدل على ذلك؛ لأنه يحتمل أن تكون الغيبة عرفت بغير شهادتهم.

ص: 369

المازري: إنما قال: الدار من يد حائزها ببينة الملك؛ لأنها تقارب القطع، فهي أقوى في الدلالة على الصدق من دلالة الحيازة، إلا أن يقيم الحائز البينة المذكورة على السماع؛ فإنها تقر بيده؛ لأنه اجتمع له دليلان الحيازة، وبينة السماع، ودليلان أقوى من دليل واحد.

ابن رزقون وغيره: لا تجوز شهادة السماع إلا لمن كان الشيء بيده، ولا يستخرج بها من يد حائز.

ولابن حبيب عن الأخوين وابن القاسم وأصبغ: ما يقتضي أنه يستخرج بها من اليد.

قلت: لم يحك المازري غير الأول ثم قال: لو كانت المتنازع فيه عفواً من الأرض ليس بيد أحد؛ لكان المذهب على قولين في تمكينها لمن قال بشهادة سماع.

قلت: زاد اللخمي: يقضي بها لمن شهد له به السماع بعد يمينه على قول ابن القاسم، ودون يمين على قول أشهب؛ كالسماع على الولاء والنسب.

وفيها: لو أقام الحائز بينه يشهدون على السماع أن أباه ابتاعها ممن ذكرنا منذ خمس سنين ونحوها؛ لم ينفعه ذلك، وإنما شهده السماع في بعيد الزمان.

الباجي: إذا قلنا: تختص بما تقادم؛ فلابن حبيب عن الأخوين وأصبغ: تجوز في خمس عشرة سنة، ونحوها لتقاصر أعمار الناس.

وروى ابن القاسم: لا تقبل في خمسة عشرة سنة شهادة على السماع إلا فيما تقادم.

ابن رزقون: ظاهر المدونة في الأربعين سنة، ولابن القاسم في العشرين، وقيل: إن كان وباء؛ قبلت في أقل من ذلك.

قلت: ففي حد الطول خمس مقالات.

الأخوان: خمس عشرة ونحوها.

ابن القاسم: لا تقبل فيها؛ بل فيها تقادم.

ابن رزقون: عن ظاهررها: أربعون سنة.

ابن القاسم: عشرون.

ص: 370

نقل ابن زرقون: إن كان وباء، فأقل من ذلك، ونقل المارزي قول الأخوين خمسة عشر لا بزيادة ونحوها.

قال ابن الحاجب: وتجوز شهادة السماع الفاشي عن الثقات في الملك، والوقف والموت للضرورة؛ بشرط طول الزمان وانتفاء الريبة، فحمله ابن عبد السلام على ظاهر إطلاقه إنما هو في الوقف، والملك، والصدقة، والأشرية القديمة، والنكاح، والولاء، والنسب، والحيازة جميع ذلك يشترط فيه طول الزمان، وأما في الموت فيشترط فيه تنائي البلدان، أو تقادم الزمان.

قلت: مقتضى الروايات والأقوال أن شهادة السماع القاصرة عن شهادة البت في القطع في المشهود به، ويشترط فيها كون المشهود به حيث لا يدرك به القطع، والبت به عادة، وإن أمكن عادة البت به لم تجز فيه شهادة السماع فيما بعد من البلاد، وأما ما قرب أو ببلد الموت، فإنما هي شهادة البت.

وقد شهدت شيخنا القاضي ابن عبد السلام، وقد طلب بتونس منه بعض أهلها إثبات وفاة صهر له مات ببرقة قافلاً من الحج، فأذن له فأتاه بوثيقة بشهادة شهود على سماع لوفاته على ما يجب كتبه في شهادة السماع، وكان ذلك بعد مدة يتقرر فيها بت العلم بوفاته والقطع بها، وأظن أن ذلك كان منه نحو من ثمانية أعوام، فرد ذلك، ولم يقبله.

ولحوق الريبة فيها يطالبها:

الباجي مع الشيخ عن المجموعة لابن القاسم: إذا شهد رجلان على السماع، وفي القبيل مائة من أسنانهم لا يعرفون شيئاً من ذلك، لم تقبل شهادتهم إلا بأمر يفشو، ويكون عليه أكثر من اثنين، إلا أن يكونا شخصين قد باد جيلهما فتجوز شهادتهما.

وفي شرط تمامها بيمين المشهود له بها طرق فيها مسألة الغائب يقدم أن شهادة السماع للحائز يقطع حق القائم عليه، فظاهره دون يمين، وتقدم نقل اللخمي قولي ابن القاسم وأشهب في مسألة العفو من الأرض.

ص: 371