الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الضالة]
والضالة: نعم وجد بغير حوز محترمًا.
[باب الآبق]
والآبق: حيوان ناطق وجد كذلك.
ومقتضى قول ابن الحاجب وابن شاس: كون الجميع لقطة خلاف ظاهرها مع غيرها، والأحاديث لأمره بحفظه عقاص اللقطة، ووكائها ضالة الإبل؛ حيث لا سباع في رجحان تركها على أخذها، وعكسه سماع القرينين معها.
ورواية ابن رشد قال: تقيد عدل الإمام، وعلى الأول إن أخذت؛ عرفت، فإن لم تعرف؛ ردت لمحلها، وعلى الثاني: إن لم تعرف؛ بيعت ووقف ثمنها إن أمن عليه.
ابن رشد: بالأول كان حكم عمر لأمن الناس، وبالثاني كان حكم عثمان لفساد الناس.
قال: وعليه أمر الناس اليوم، فإن خيف على ثمنها؛ ردت لمحلها.
قلت: وللخمي كابن رشد ابن حارث: إن كان الإمام عدلًا، فإن لم تعرف؛ ففي ردها لمحلها وبيعها، ووقف ثمنها رواية ابن القاسم، وقول أشهب.
ابن رشد: في كونها بحيث يخشى عليها السباع؛ كالشاة، وأخذها لتعرف قولان للخمي، تؤخذ لتعرف؛ إذ لا مشقة في بلوغها إلا أن يخاف أخذها السلطان، فتترك، وإذا لزم ردها لمحلها؛ ففي سقوط إشهاده عليه واستحبابه سماع القرينين، وقول ابن نافع ابن رشد معنى السماع في غير المتهم؛ لقوله بعد هذا: أن المتهم يشهد.
قلت: نقل ابن حارث الأقوال الثلاثة مطلقة، لم يقيد الأول بكونه غير متهم والبقر.
قال الباجي في المدونة: هي بحيث يؤمن عليها من السباع والذئاب كالإبل، وقاله أشهب.
ولابن حبيب: روى مطرف: هي بالفلاة؛ كالغنم يأكلها، ولا يضمنها.
قال: والخيل والبغال والحمير.
قال ابن القاسم: من التقطها عرفها، فإن جاء بها، وإلا تصدق بها.
ابن كنانة: لا يأخذها.
زاد أشهب: إن أخذهاح عرفها سنة، ثم تصدق بها.
اللخمي: البقر والخيل وسائر الدواب بحيث لا يخاف عليها من سبع، ولا ناس في مرعى؛ لم تؤخذ، وإلا أخذت وعرفت عامًا، إن تكلف أخذها، حفظها، ولم يصر ربها؛ لنقضها من أجرتها في مأمون، وإلا بيعت.
وقول ابن الحاجب: وفي إلحاق البقر والخيل والبغال ثالثها لابن القاسم: البقر دونها مجمل قاصر؛ لأن عدم إلحاق البقر بالإبل أعم من كونها كالغنم، ومن منع أخذها، ولا أعلم مقابل قولها نصًا إلا قول مطرف أو تخريج قول ابن كنانة، ولفظه في
حكم الخيل والبغال والحمير قاصر عن تمييز قول ابن كنانة من قول أشهب.
وفي الزاهي: البقرة كالشاة، وقيل: هي بحيث لا يخاف عليها من ذئب ولا سبع؛ كالإبل، وبحيث يخاف عليها، ولا قرن بها كالشاة، وقيل: كالإبل على أي حال كانت.
الشيخ: لابن حبيب عن مطرف لواجد ضالة الدواب: ركوبها إلى موضعه لا في حوائجه، فإن فعل؛ ضمنها، وليس لحبسها هي، والماشية على حد اجتهاده وصبره عليها، وتقدم قول أشهب: يعرفها، ومثله للشيخ عن ابن القاسم.
وفيها: لمالك: إن اعترف الإبل ربها، وكان أسلمها؛ فعليه ما أنفق عليها، وإن تركها؛ فلا شيء عليه.
وسمع ابن القاسم: من أسلم دابته في سفر آيسا منها، فأخذها من عاشت عنده، وأنفق عليها؛ فلربها أخذها يغرم نفقتها لا أجر قيامه عليها.
ابن رشد: إن أسلمها على أن يرجع إليها، وأشهد على ذلك، أو لم يشهد، وتركها في أمن وكلأ؛ فله الرجوع فيها اتفاقًا، وإلا بقي تصديقه قولان لغير ابن وهب، وله وعلى الأول في يمينه قولان؛ وهما على أيمان التهم، وإن أسلمها على أنها لمن أخذها؛ فلا رجوع له فيها اتفاقًا، وإن أسلمها ولا نية له؛ ففي حملة على أنها له، أو لمن أخذها قولان لهذا السماع، وقول ابن وهب، وقوله فيه: لا أجرة له في قيامها؛ لأنه إنما قام عليها لنفسه، ولو أشهد أنه إنما يقوم عليها لربها إن أخذها؛ لكان له ذلك، ولو لم يشهد، وادعى ذلك؛ لصدق على اختلافه، قيل: بيمين، وقيل: دون يمين.
وقول ابن شاس وابن الحاجب: ويلتقط الكلب يخص بالمأذون فيه، ويعلم كونه كذلك يعلم الملتقط حال ربه فيه، أو بغلبة صنعة الصيد، وإلا فلا لقولها في الضحايا: من قتل كلبًا من لاب الدور مما لم يؤذن فيه لا شيء عليه؛ لأنه يقتل ولا يترك، وإن كان مأذونًا في اتخاذه؛ فعليه قيمته هذا وجه نقلهما، وفي اختصاصهما به نظر لقولها: من سرق كلبًا صائدًا، أو غير صائد؛ لم يقطع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم غرم ثمنه إلا أن يرعى درء الحد بالشبهة.
وسمع ابن القاسم: إن ماتت راحلته بفلاة، فأسلم متاعه، فحمله رجل لمنزله؛ أخذه بغرمه أجر عمله.
ابن رشد: هذا إن حمله بنية حفظه ربه، أو على تملكه لإسلامه ربه، ولو كان حمله على وجه الاغتيال والتعدي؛ فلا كراء له، والقول قوله بيمينه في نيته في أخذه.
وسمع عيسى كقولها: ما لفظه البحر من متاع المسلمين لقطة ابن رشد: ما ألقوه بأيديهم لنجاة أنفسهم، قيل: هو لواجده كالدابة يسلمها في السفر على وجه الإياس منها على اختلاف تقدم فيه.
قلت: سمع ابن القاسم: أن صاحبه أحق به، وعليهم أجر إخراجه لمن غاص عليه وأجر حمله.
اللخمي: أرى أن حمل المتاع على ربه وتركه على أن لا يعود إليه؛ فهو لمن أخذه ونقله؛ لأن ربه أباحه للناس مما تركه على أن لا يعود، وإن تركه ليعود إليه؛ فهو لربه ولحامله أجر حمله إلا أن يرجع ربه بدوابه لحمله؛ فلا أجر لحامله، والمتاع يؤخذ من البحر إن غرق بمرسى، ومن ربه ليعود لإخراجه؛ فهو له، وإن تركه على أن لا يعود، فهو لمخرجه وهو أبين مما تركه في البر؛ لأنه في البحر مالك كالشاة الذئب لها كالبحر للمتاع مع مشقة الغطس عليه مع الخوف على نفسه، وإن قذفه البحر فقتله؛ كان لربه؛ لأنه لم يخف فساده إن بقي؛ لم يكن لأحد أخذه، وإن خيف فساده كالمتاع؛ فعلى واجده نشره، ثم رفعه، ولو مر قوم بسفينة بمتاع قوم قد انكسروا وهو على الماء؛ كان عليهم رفعه إن كان سيرهم بريح لا يضرهم الإمساك لأخذه، وإن مروا بناس أحياء؛ فعليهم أن يحطوا لرفعهم، وفي حكم أخذ اللقطة اضطراب.
اللخمي: اختلف في أخذها:
روى العتبي: استحبابه في العين، وقولها في رد الكساء أحسن؛ كقول ابن شعبان ينبغي تركها.
ولمالك: لا أحب أخذها إلا ولها قدر.
وفيها: لا يأخذ آبقًا يجهل ربه؛ يريد: والإمام جائر.
وروى ابن القاسم: يستحق أخذه؛ يريد: إن عرف ربه.
قلت: فيها: (من أخذ آبقًا رفعه للإمام يعرفه سنة وينفق عليه، وهو فيما أنفق عليه
كالأجنبي إن جاء ربه، وإلا باعه، وأخذ من ثمنه ما أنفق، وحبس بقيته لربه في بيت المال، ولا يطلق ليعمل ويأكل؛ لأن يأبق ثانية).
قال: وتحصيلها أخذها مأمون كإمامه، ولها قدر بين من لا بأس من بهم مستحب، وبين غي مأمونين واجب، ومع إمام جائز ممنوع، والخوف أن يتملك مأموم بتركها.
وذكر ابن رشد الأولين، وقال في الثالث: الاختيار تركها، وأخذها بين قوم غير مأمونين، والإمام جائز مباح للزوم متعلق أحد الخوفين.
قلت: هذا خلاف قول اللخمي ممنوع، وكلاهما مرجوح، والراجح أخذها؛ لأن ضرر أخذها غير الإمام أشد من أخذه إياها؛ لأنه معروض لاتباعه بهما شرعًا، ورغبته في ردها شفيع، وهذا منفي في غيره لجهله، ورجاء رجوع ربها لها إن تركت كرجاء رجوعه قبل معرفة الإمام بها.
ابن رشد: فما وسع بها ربها، ويطلبها بين مأمونين في أفضلية أخذها أو تركها روايتان، وبين غيرها اتفاقًا، واليسيرة مما لا يطلبها ربها لا يلزم تعريفها، وله أكلها أو الصدقة بها.
ابن زرقون: في أفضلية ترك اللقطة أو أخذها ثالثها: هذا فيما له بال.
لابن شعبان مع ظاهر في رد الكساء وآخر قولي مالك وثانيهما.
قلت: ورابعها: أفضليته في العين فقط لابن القاسم.
وفيها: مع سماع ابن القاسم: من التقط ثوبًا يظنه لقوم يراهم فسألهم، فقالوا لنا: فرده حيث وجده لا بأس به.
ابن القاسم: إن كانت عينًا، فأخذها أحب إلي.
ابن رشد: معناه: لا ضمان عليه إن فعل، والاختيار أن لا يفعل كقوله في العين: إذ لا فرق بينها وبين الثوب.
قلت: يرد وبوضوح خفة الحفظ في العين دون الثوب، ولما يلزم من تفقده.
قال: ومعناه: في أخذه لا على وجه الالتقاطن ورده بالقرب، ولو أخذها عليه فردها؛ ففي ضمانه إياها، ولو بمحلها بالقرب، ونفيه إن ردها به، ولو بالبعد قولا ابن
القاسم وأشهب قائلًا: يقبل قوله في ردها به بيمينه.
قلت: وثالثها: إن ردها إليه بالقرب؛ لم يضمن.
لعياض عن فهم بعضهم قول ابن القاسم فيها قائلًا: إليه نحا اللخمي، وهي بيد ملتقطها كوديعة فيها، ولا يتجر باللقطة في السنة ولا بعدها؛ كالوديعة، وإن ضاعت بيده؛ لم يضمنها، وإن قال ربها: أخذتها لتذهب بها، وقال: ملتقطها؛ بل لأعرفها؛ صدق في سماع ابن القاسم: قال سحنون: قلت له: إن دفع ما التقطع إلى مثله في الأمانة فضاع؛ لم يضمنه، فلم يرد عليه ابن رشد شيئًا، ونقلها اللخمي على أنه دفعها لمن يعرفها مأمونًا لا يقيد كون مثله في الأمانة، وكذا التونسي: وفي إلغائهما المثلية نظر إن كان دفعها اختيارًا.
وظاهر لفظ الباجي: اعتبار المثلية؛ قال: قال ابن القاسم: لو دفعها لغيره ليعرفها وهو مثله في الأمانة؛ لم يضمنها؛ لأن ربها لم يعينه لأمانتها بخلاف الوديعة.
قال ابن كنانة: وكذا لو قال له: اعمل بها ما شئت؛ يريد: وأعلمه أنها لقطة.
قال: وفي قبول قوله: ضاعت دون يمين قولا ابن القاسم والقرينين.
ولأشهب: لو قال ربها: أخذتها لتذهب بها، وقال: لا أعرفها؛ فلا يمين عليه.
قلت: الأظهر كحكم دعوى الغصب ينظر لحال المدعى عليه.
قال ابن الحاجب: وهي أمانة ما لم ينو اختزالها، فيصير كالمغصوب.
قال ابن عبد السلام: إن حدثت هذه النية بعد التقاطه؛ جرى ذلك على تبدل النية مع بقاء اليد.
قلت: يرد بأن القول: بلغوا أثر النية؛ إنما هو مع بقاء اليد، كما كانت لا مع تغير بقائها عما كانت بوصف مناسب؛ لتأثير النية، ويدل الملتقط السابقة عن نية الاغتيال كانت مقرونة بالتعريف، أو الغرم عليه، وهي بعدها مقرونة بنقيض ذلك، فصار ذلك كالفصل، فيجب الضمان اتفاقًا.
وفيها: من التقط عينًا أو حليًا أو عرضًا أو شيئًا من متاع أهل الإسلام؛ فليعرفها سنة.
اللخمي: إن ترك تعريفها سنة، وعرفها في الثانية، فهلكت؛ ضمنها، وإن هلكت في الأولى؛ ضمنها إن بان أن ربها من أول الموضع الذي وجدت فيه، وإن كان من غيره، وغاب قرب ضياعها، ولم يقدم في الوقت الذي ضاعت فيه؛ لم يضمن.
وفيها: يعرف بها حيث وجدها، وعلى أبواب المسجد، وحيث يظن وجود ربها أو خبره، ولا يتوقف على أمر الإمام.
وسمع القرينان أيعرف لها في المساجد؟
قال: لا أحب رفع الصوت في المساجد، ولو مشى إلى الحلق في المساجد يخبرهم بها وجد، ولا يرفع صوته؛ لم أر به بأسًا.
الباجي: روى ابن نافع: يعرفها كل يومين أو ثلاثة، وكا ما تفرغ ليس عليه ترك جوائجه لتعريفها.
اللخمي: اختلف عن مالك في تسمية جنس اللقطة في تعريفها: وترك أحسن.
الباجي: روى ابن نافع: لا يريها أحدًا، ولا يقل من يعرف: دنانير أو دراهم أو حليًا أو عرضًا.
اللخمي: وهو مخير في أربع تعريفها بنفسه، ورفعها للإمام لإجازته في المدونة ذلك، وأجاز ابن القاسم في العتبية: دفعه إياها لمأمون يعرفها.
وأجاز ابن شعبان: أن يستأجر عليها منها؛ يريد: إن لم يلتزم تعريفها، أو كان مثله لا يلي ذلك.
قلت: ظاهر قولها: أو كان مثله لا يلي ذلك؛ أن له ذلك، ولو التزم تعريفها، وليس كذلك لا فيمن التزم شيئًا؛ لزمه مطلقًا.
وتبع ابن الحاجب ابن شاس في قوله: (ثم أجرة تعريفها) منها: إن كان ممن لا يعرف مثله.
وظاهر لفظ اللخمي: أجاز ابن شعبان أن يستأجر عليها منها أنه، ولو كان ممن يلي ذلك إذا لم يلتزمه.
ولفظ ابن شعبان في الزاهي ما نصه: وعلى رب اللقطة ما لزمها من أجرة حمل
ومنزل وعلف ومؤنة، فإن عجز الملتقط عن القيام بها؛ فاستأجر عليها من يقوم بها، فذلك على ربها، وإن ولي القيام بها بنفسه؛ فلا أجر له لو شاء لم يأخذها، وقيل: ذلك كأجر الآبق إن كان ممن يصف نفسه لذلك؛ وجب له حق القيام للجمع على أرباب الأموال، وإن كان من غيرهم؛ فلا شيئ له، وبالأول أقول.
اللخمي: إن وجدها في طريق بين مدينتين عرفها فيهما.
قلت: ظاهر أقوالهم: عدم أمر الملتقط بإشهاده باللقطة قبل تعريفها.
قال ابن العربي: وفي العارضة: لا يلزم الإشهاد بها، وألزمه الشافعي في أحد أقواله.
وفي المقدمات: هو مستحب غير واجب.
قلت: وظاهر كلام الموثقين: أمره بذلك بعد السنة إن لم يعرف بها، ومقتضى المذهب في الأمر بالوصية ندبة لإشهاده بها قبل التعريف خوف موته، ومال إليه ابن العربي في العارضة، وينبغي في إشهاده بها قبل التعريف أن يقول: اللقطة قيمتها كذا وكذا دينارًا أو دراهم، وفي ذكره جنسها قولا مالك المتقدمان، ولفظ ابن فتوح في إشهاده بها بعد السنة: أنه أشهد في صحته أنه التقط صرة فيها كذا وكذا دينارًا أو دراهم بداخل درب، وبموضع كذا في شهر كذا، وإشهاده بها في صحته؛ يوجب إنفاذها مطلقًا.
ابن العربي: روي عن مالك: إن لم توجد في تركته؛ ضمنها، واعترافه بها في مرض موته يوجب إنفاذها إن ورثه ولد، وإلا فهو لغو.
الجلاب: إن مضت السنة. ولم يأت طالبها؛ فهو بالخيار إن شاء أنفقها، أو تصدق بها، وضمنها أو حبسها ليأتي ربها.
اللخمي: إن كانت عينًا؛ ففي جواز استمتاعه بها مطلقًا؛ ليضمنها لربها، وقصره على إبقائها، أو الصدقة بها على تخيير ربها، ففي فدائها وغرمها لربها ثالثها: إن كان غنيًا، ورابعها: إن قلت: وهو فقير لابن القاسم فيها، وقول مالك فيها: لا أحب أن يأكلها مع قول ابن القصار يكره أكله إياها فقيرًا أو غنيًا، وابن شعبان مع أشهب، وابن وهب
في العتبية.
قلت: ذكر ابن رشد هذه الأقوال الأربعة، وعزا الأول للشافعي لا لأحد من أهل المذهب.
ابن العربي: لم أجد لأحد من المسلمين خلافًا في ضمانها مستنفقًا لربها.
قلت: في معلم المازري: اختلف الناس في غرامة ملتقطها إن أكلها، ثم جاء ربها، فعندنا يغرمها، وقال داود: لا غرامة عليه، وله بيع الحيوان والآبق بعد الحول؛ لكلفته والطعام، ويخشى فساده يباع، ولو قبل السنة، وإن لم يخش فساده بعدها؛ ففي جواز بيعه قولا ابن القاسم وأشهب.
قال في أول سماع ابن القاسم: إن وجدها ربها بيد ملتقطها بحالها؛ فلا كراء له في استعماله إياها لقوله صلى الله عليه وسله: "فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها".
قلت: فتصرفه فيها بالصدقة على تخيير ربها جائز اتفاقًا، وينبغي تقييده بعدم فلسه بها غالبًا، ولا بتمليكها ملكًا يرفع غرمها إن قدم ربها اتفاقًا.
قال الباجي: في البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "عرفها سنة، ثم عرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها، فأدها إليه"، فمن استنفقها بعد التعريف؛ فلا إثم عليه، ومتى أتى ربها؛ أدى إليه.
قلت: انظر قوله: لا إثم عليه هل معناه الإباحة، وهو ظاهر سياق كلامه، أو نفي الحرمة الأعم؟
منها: ومن الكراهة؛ لأن المكروه لا إثم في فعله، فإن حمل على الإباحة؛ فهو ظاهر خلاف قولها: ولا يتجر باللقطة في السنة، ولا بعد السنة كالوديعة.
عياض: له استنفاقها بعد السنة على وجه السلف، وقيل: ليس له ذلك إلا أن يكون له وفاء بها، وهو صحيح.
الباجي عن ابن وهب: إن مات مستنفقها، ولا شيء له عنده؛ فهو في سعة، وهذا حكم كل لقطة إلا بمكة لقطتها لا تستباح بعد التعريف سنة، وعلى صاحبها تعريفها أبدًا لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تحل ساقطتها إلا لمنشد".
ابن زرقون: كذا قال اللخمي: وتبعهما ابن رشد ولابن القصار عن مالك لقطة مكة كغيرها خلافًا للشافعي قال: وإنما جاء الحديث: "لا تحل لقطتها إلا لمنشد" تأكيدًا للإعلام ببسنة اللقطة؛ لكثرتها بمكة.
قلت: قال المازري: حكم لقطة مكة؛ حكم لقطة سائر البلاد.
وقال الشافعي: لقطة مكة بخلاف غيرها لا تحل إلا لمن يعرفها تعلقًا بالحديث، ومحمله على أصلنا على المبالغة في التعريف؛ لأن ربها يرجع لبلده، وقد لا يعود إلا بعد أعوام.
قلت: ما ذكره موجهًا للمذهب حجة عليه لا له حسبما يأتي اللخمي.
عياض: قول مالك وأصحابه: أن لقطة مكة كغيرها.
قلت: ظاهر قول ابن زرقون، وكذا قول اللخمي وابن رشد أنهما قالا كقول الباجي، وليس الأمر كما قاله عن اللخمي؛ لأن ظاهر لفظ الباجي أن ما ذكره هو المذهب عنده، ولفظ ابن رشد أقوى منه؛ لأن لفظه لقطة مكة لا يحل استنفاقها بإجماع، وعليه أن يعرفها أبدًا، وأما اللخمي فلم يذكره على أنه المذهب؛ بل على أنه اختاره ولفظه.
قال ابن القصار: حكم اللقطة في الحرة وغيره سواء.
قال أبو حنيفة والشافعي، فذكر ما تقدم، وقال: هو أبين للحديث والقياس، فذكر الحديث من الصحيحين قال: فلو كانت لغيرها؛ لم يكن للحديث معنى، وأما القياس؛ فلأن غالب من حج عدم رجوعه لمكة في عامه؛ بل بعد عشر سنين، فلم يكن مرور السنة دليلًا على الإياس من ربها، وتبع ابن عبد السلام ابن زرقون في عزوه ما للباجي واللخمي وابن رشد.
وزاد ابن العربي: ويرد عزوه ذلك لابن العربي بما رد العزو للخمي؛ لأن لفظه في القبس: قال مالك: لقطة مكة كسائر اللقط، ويتكلم علماؤنا والاحتجاج له، والانفصال عن الحديث، ولا أرى مخالفة الحديث، ولا تأويل ما لا يقبل.
قلت: والانفصال عن التمسك بالحديث على قاعدة مالك في تقديمه العمل على الحديث الصحيح حسبما ذكره الصقلي في كتاب الأقضية، ودل عليه استقراء المذهب واضح ولقطة ما لا يبقى من الطعام يسيرًا فيها أحب إلي أن يتصدق به، فإن تصدق به أو أكله؛ لم يضمنه.
ابن رشد: لقوله صلى الله عليه وسلم: وقد مر بتمرة في الطريق لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها.
قلت: وكذا ذكره اللخمي، ولفظ الحديث خلاف ما ذكراه.
روى البخاري عن أنس بن مالك: قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق فقال: "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها".
وفي المقدمات: ما قل، وله قدر ومنفعة، وشح ربه، ويطلبه يعرف اتفاقًا، وفي تعريفه سنة أو أيامًا قولان لظاهر روايتهما، وسماع عيسى ابن وهب مع رأي ابن القاسم فيها.
وسمع ابن القاسم: لقطة مثل المخلاة والحبل والدل، وشبه ذلك إن وجد بطريق وضع بأقرب موضع إليه، وإن كان بمدينة انتفع، وعرف به، والصدقة به أحب إلي، فإن جاء ربه؛ فهو على حقه، فذكر ابن رشد ما تقدم.
قال: وسماع أصبغ ابن وهب: هو في الدريهمات والدينار أن يعرف أيامًا، وما قل ولا يطلبه ربه عادة.
لابن رشد في رسم طلق من سماع ابن القاسم: هو لمن وجده ليس عليه تعريفه، وإن شاء تصدق به.
وفي المقدمات: يعرفه، فإن لم يفعل؛ فأرجو كونه خفيفًا.
قلت: سمع القرينان: واجد العصا والسوط أيعرف ذلك؟.
قال: لا يأخذه قيل قد أخذه، قال: يعرفه فإن لم يعرف؛ فأرجو خفته.
ابن رشد: معناه: انتفاعه به على وجه التملك له ما لم يجد ربه خفيفه، وإن أبى الانتفاع عليه، وهذا في اليسير الذي لا قيمة له، وتعريفه غير واجب، فقوله: يعرفه؛ يريد على وجه الاستحباب، وما له قدر من الطعام، لا يبقى ويخشى فساده.
اللخمي: إن وجد في غير عمارة ولا رفقة جماعة؛ أكله ولم يضمنه.
الباجي عن مطرف: أكله أفضل من طرحه اللخمي إن وجد بعمران أو حاضرة؛ فللمالك يتصدق به أعجب إلي، وإلا يضمنه بأكله، والتافه كغيره مطرف يتصدق به، ولا يضمنه، وإن أكله؛ ضمنه أشهب يبيعه ويعرف به، وما بقرب العمران كالعمران، وأرى فيما لا يطلبه ربه غالبًا أن لا شيء عليه أكله أو تصدق به، وأما الغالب طلبه على واجده حفظه إبقائه على ملك ربه.
وفي المقدمات: ما كثر، ويخشى تلفه كشاة الفيفاء، والطعام الذي لا يبقى لواجده أكله، ولا شيء عليه، ولو كان عينًا، ولو وجده بحاضرة، وحيث الناس؛ ففي غرمه، ولو تصدق به ونفيه، ولو أكله ثالثها: إن أكله لظاهرها قول أشهب، وظاهر قولها وابن حبيب.
قلت: فعمم اللخمي الأقوال في اليسير والكثير، واختار التفرقة بينهما، وخص ابن رشد الأقوال بالكثير.
وفي النوادر: قال مالك: إن التقط طعامًا في الفيافي، فحمله للعمران باعه، ووقف ثمنه لربه، فإن أكله بعد قدومه للعمران؛ ضمنه.
وفيها: من وجد ضالة الغنم قرب العمران عرف فيها في أقرب القرى إليه، وإن وجدها بالفلاة والمهامة؛ أكلها، ولم يعرف بها، ولا يضمنها لربها لقوله صلى الله عليه وسلم:"هي لك أو لأخيك أو للذئب".
أبو عمر: وقال الطحاوي: ولم يوافق مالكًا أحد على قوله: أكلها في موضع تخوف لا يضمنها، واحتجاجه بالحديث لا معنى له؛ لأن قوله: هي لك ليس على معنى التمليك كقوله: أو للذيب، والذيب لا يملك، وإنما يأكلها على ملك ربها، فكذا واجدها يأكلها على ملك ربها إن جاء؛ ضمنها له.
قال أبو عمر: وقال مالك من اضطر إلى طعام غيره فأكله؛ ضمنه، والشاة الملتقطة أولى بذلك، وأجمعوا أن ربها لو جاء قبل أكلها واجدها أخذها أو ما وجده منها، ولا فرق بين قوله صلى الله عليه وسلم: هي لك، وبين قوله في اللقطة: فشأنك بها، فهذه أشبه للتمليك، والإجماع على أن مستهلكها بعد السنة يضمنها لربها لو جاء بعد السنة يضمنها لربها، فالشاة أولى بذلك.
وقال سحنون في العتبية: إن أكلها واجدها بالفلاة، أو تصدق بها؛ ضمنها.
قلت: ما ذكره عن سحنون قبله ابن عبد السلام وهو وهم، ليس في العتبية شيء من ذلك، وإنما لسحنون في العتبية ضمانه فيما يجب عليه فيه التعريف حسبما يأتي بعد كلام اللخمي قال: إن وجدها على بعد وحده، أو مع من لا يشتريها؛ فله أكلها وهبتها، ولا يغرمها لربها، وإن نقلها الحضر بعد ذبحه إياها؛ فله أكلها.
أصبغ: وإن كان غنيًا، وجلدها مال له؛ ولا غرم عليه إلا أن يأتي ربها وهي بيده؛ فهو أحق بها؛ يريد: ويغرم أجر نقلها.
قلت: فيه نظر؛ لأنه إنما نقلها لنفسه، قال: ولو قدم بها حية كانت لقطة، والقياس أن لا شيء لربها فيها؛ لأنه نقلها بعد أن ساغ له ملكها، ولو ذلك لما نقلها.
قلت: المملوك له منها الانتفاع بها لا ملكها.
قلت: كله هذا قول أصبغ في العتبية.
قال ابن رشد: تعقب التونسي قول أصبغ: إذا قدم بها حية، وقال الأصوب: عدم أكله إياها، وأن يبيعها ويوقف ثمنها؛ لأن الإباحة كانت حيث لا ثمن لها، وهو صحيح.
قلت: مثله تقدم عن النوادر في الطعام: يجده في الفلاة، فيأتي به العمران.
قلت: ففي ملكه: الشاة يجدها في الفلاة، فيأتي بها العمران، ولو قدم ربها وبقائها على ملكه ثالثها: إن أتى بها مذبوحة.
للخمي والتونسي وأصبغ، وفي العتبية لسحنون: من اختلطت بغنمه شاة؛ لم يجد ربها كانت لقطة يتصدق بها، ويضمنها لربها، وشربه لبنها خفيف؛ لأنه يرعاها ويتفقدها.
ابن رشد: له من شرب لبنها قبل قيامه بها، وما زاد عليه كلقطة طعام يفرق بين قليله وكثيره.
قلت: هذا هو الموجود لسحنون في العتبية، لا ما تقدم من نقل أبي عمر عنه ابن رشد قول سحنون: يضمنها لربها إن تصدق بها كقول مالك في سماع أشهب من رسم الأقضية خلاف قوله في رسم الأقضية الثاني منه قال فيه: لا يضمن ثمنها إذا تصدق به بعدما بلغ ما عليه فيها.
ابن رشد: إن كان ملتقطها فاجرًا؛ لم يصدق في صدقته بها، وعليه غرمها، وإنما القولان في غرم غير الفاجر ثمنها إن تصدق لرواية مطرف عن سحنون، وسماع أشهب مع رواية ابن عبد الحكم، وفي أكله جواز إياها؛ ليضمنها رواية ابن عبد الحكم مع رواية مطرف بخلاف لقطة العين، ورواية غيرهما.
اللخمي في المبسوط: لمالك: إن كان لملتقطها غنم؛ ضمها إليه سنة أو أكثر، ولا شيء عليه في حلابها إن ذبحها قبل السنة لخوف عليها، ولا ثمن للحمها؛ لم يضمنها وإلا ضمنها، وعلى قوله: إن مضت السنة؛ جاز له أكلها إن لم يجد من، وهذا أحسن في
الشاة والشاتين؛ إذ لا مشقة في ضمها لغنمه، وإن شق حفظها لكثرتها؛ فله أكلها إن لم يجد من يشتريها، وإن وجدت قرب قرية؛ عرف بها فيها فإن أكلها وتبين أنها لأهل تلك القرية؛ ضمنها، وإن بان أنها لغيرهم؛ ففي ضمانه إياها رواية الواضحة، وقول أشهب: وإن وجدها بين قريتين إحداهما أقرب؛ ففي وجوب تعريفها فيهما، وقصرها على القربى قولان للتخريج على رواية الواضحة مع التخريج على اللقطة كذلك، ومفهوم متقدم قولها: إن وجدها بفلاة أكلها، والتخريج على قول أشهب مع مفهوم قولها عرفها في أقرب القرى إليه.
وسمع القرينان: نتاج الضالة مثلها ولبنها عسى أن يأكل منه.
ابن رشد: لا فرق بينها وبين نتاجها، وخفف أكل لبنها؛ يريد: بقدر قيامه عليها؛ لأنه كالوصي في مال يتيمه، والزائد على ذلك ماله قد ينتج به ربه كلقطة، وما لا ينتج به أكله.
قلت: هو ظاهر قول سحنون في نوازل: له من اختلطت بغنمه شاة، فلم يجد ربها شربه لبنها خفيف؛ لأنه يرعاها ويتفقدها.
أبو عمر: وروى ابن وهب: لا يأكل واجد ضالة الغنم حتى يعرف بها سنة، وبيع صوفها ولبنها، ويرفع الثمن لربها، ولا يصيب من نسلها ولبنها بنحو قيامه بها، وإن كانت تيسًا؛ فلا بأس بتركه ينزو على غنمه ما لم يفسده ذلك الشيخ.
وفي موضع آخر لابن نافع عن مالك: من وجد شاة بفلاة من الأرض أرى أن يحبسها مع غنمه، ولا يأكلها بعد سنة أو أكثر وله حلابها لا يتتبع به إن شاء ربها.
قلت: ظاهر قوله: حلابها؛ أن له سمنها.
ولابن حبيب عن مطرف: لبنها وزبدها؛ حيث له ثمن بياعات، وثمنهما كثمنها، وإن كان له بها قيام وعلوفة؛ فله قدر ذلك، وإن كان بموضع لا ثمن له بها، وأما الصوف والسمن؛ فليتصدق به أو بثمنه.
قلت: فنسل الضالة وصوفها مثلها؛ فليأكله.
وفي كون لبنها وزبدها وسمنها؛ حيث له ثمن كذلك، وجواز أكل ملتقطها من
ذلك بقدر قيامه بها ثالثها: هذا في غير سمنها، ورابعها: يأكل الثلاثة مطلقًا لأبي عمر عن رواية ابن وهب، وظاهر نقل ابن رشد مع سماع القرينين، والشيخ عن مطرف، ونقله مع اللخمي، ورواية ابن نافع، وتقدم نقل اللخمي عن المذهب: مؤاجرة الحمل والبقرة، وسائر الدواب في مأمون لنفقتها، وعزاه الشيخ لمطرف في البقر مع قوله: له أن يركب ضالة الدواب لموضعه لا في حوائجه فإن فعل؛ ضمنها: وليس لقدر حبسه إياها، والمواشي حد إلا باجتهاده وصبره.
قلت: يريد في السنة حسبما تقدم للخمي، قال: وفي متولي بيعها اختلاف لمالك من المختصر؛ إنما يتولى بيع الضالة الإمام.
مطرف: هو أحب إلي أن أمن إلا فيما خف كثلاث شياه وشبهها.
ابن القاسم: إن باعها دون أمر الإمام؛ فليس لربها إلا ثمنها، وإن لم تبت.
أشهب: له أخذها إن قدر عليها، وإلا فثمنها إن بيعت خوف ضيعتها، وإلا فالأكثر منه أو من قيمتها.
قال ابن الحاجب: وله بيع ما يخاف ضيعته بغير إذن الحاكم بخلاف ما لا مؤنة في بقائه.
ابن عبد السلام: يعني: أن يلتقط اللقطة كالوكيل على النظر في أمرها إن خشي ضيعتها باعها دون إذن الحاكم، وهو ظاهر المدونة وغيرها.
وقال أشهب: إن بيعت بغير إذنه بعد السنة؛ فلربها نقض البيع، وإن لم يقدر عليها؛ فلا شيء له غير الثمن إن باعها خوف الضيعة، وإن باع الثياب ولا مؤونة في بقائه ولا ضرورة لذلك؛ فلربه أخذه إ وجده بيد مبتاعه، وإن لم يجده؛ فلربه إن شاء الثمن من بائعه، أو القيمة يوم بيعها، وإن بيع بأمر السلطان؛ مضى البيع، وليس لربه إلا الثمن، فجعل المؤلف ابن القاسم موافقًا فيما لا مؤونة في بقائه مع أنه من كلام أشهب وحده، ويحتمل أن يخالفه فيه ابن القاسم، وأسقط من كلام أشهب ما لا يشك في مخالفة ابن القاسم فيه: له.
قلت: جعله المبيع في كلام ابن الحاجب اللقطة غير صحيح؛ بل هو ضالة البقر،
وما ذكر معها إلا اللقطة لسياق كلامه، وذكره هذا أثناء ذكره حكم الضالة، وذكره حكم بيع اللقطة بعد هذا، وفيه ذكر شهب، ولأن خوف الضيعة إنما يعترض عادة في الضالة لا اللقطة حسبما تقدم للخمي من قوله: إذا أخذت البقر، وسائر الدواب عرفت عامًا إن تكلف أخذها حفظها، ولم يضر ربها؛ لنفقتها من أجرتها في مأمون، وإلا بيعت، ونحوه قول الصقلي.
قال بعض الفقهاء: إن كان لا عمل لها، وكانت النفقة عليها سنة يستغرق ثمنها؛ فلتبع قبل السنة بعد اجتهاد الحاكم؛ لأن ذلك أنفع لربها.
وقوله: وهو ظاهر المدونة يقتضي أن بيع اللقطة خوف ضياعها مذكور في المدونة، وليس كذلك؛ إنما فيما ذكر ذلك في بيعها بعد السنة.
وقوله: يجعل المؤلف قول ابن القاسم موافقًا لما لا مؤونة في بقائه مع أنه من كلام أشهب وحده، ويحتمل أن يخالفه فيه ابن القاسم، وأسقط من كلام أشهب
…
إلخ؛ يقتضي أن ابن الحاجب صرح بالعزو لابن القاسم، وأنه ذكر لأشهب شيئًا أسقط منه بعضه، وليس في نسخ ابن الحاجب شيء من ذلك.
وقوله: فجعل ابن القاسم موافقًا فيما لا مؤونة في بقائه مع أنه من كلام أشهب وحده.
ويحتمل أن يخالفه فيه ابن القاسم يرد بنقل الشيخ في النوادر ما نصه: قال ابن القاسم: إذا باع الدواب بعد السنة؛ فلربها نقض البيع، وإن لم يقدر عليها؛ فلا شيء له غير الثمن إن باعها خوفًا من الضيعة عليها، وإن باع الثياب، ولا مؤونة في بقائه؛ فربه أحق به إن وجده بيد المبتاع، وإن لم يجده؛ فله أخذ الثمن من البائع أو القيمة يوم بيعه إذا لم يبعه بأمر السلطان، ولا لضرورة.
فيها: إما أنفق على الدواب، أو ما التقط من رقيق أو إبل؛ كان أسلمها ربها أو بقر أو غنم، أو متاع أحرى على حمله بأمر السلطان أو دونه؛ فلا يأخذه حتى يدفع ما أنفق عليه، فإن أسلمه ربه؛ فلا شيء عليه.
وفي رهونها: والمنفق على الضالة أحق بها من الغرماء حتى يستوفي.
الشيخ: في كتاب أشهب: وغيرها لرب الدواب والماشية أخذها وإسلامها، فإن أسلمها، ثم بدا له؛ فليس له كذلك، وكذا في الآبق إن أنفق عليه، فإن كان على ربه غرماء؛ لا وفاء لهم بدينهم، فإن بان فلسه؛ فلا كلام له، والخيار لغرمائه على النظر إن أسلموا نفقته؛ فلا قول لربه، إلا أن يكون في افتدائه زيادة؛ فذلك له إن شاء، وأدوا ذلك من ماله، وإن كان في افتدائه ضرر؛ فله إسلامه، ولا قول لهم، إلا أن يضمنوا ما وضعوا فيه، وله ما ربحوا فيه.
القرينان: إذا عرفت الدابة؛ فلم تعرف؛ خليت حيث وجدت، وكذا الآبق إذا عرف، فلم يجد من يعرفه يخليه؛ خير من بيعه، فيهلك ثمنه، ويؤكل أو يطرح في السجن؛ فيقيم، ولا يجد من يطلبه.
ابن رشد: توسيته بين الضالة والآبق في الإرسال إن عرفوا، فلم يعرفوا خلاف قوله فيها: يحبس الآبق سنة ثم يباع؛ والظاهر أنه اختلاف قول، وعليه حمله الشيوخ، والأولى حمله على الوفاء، فيحمل على إن خيف شيعته في السجن بغير نفقة، وتلف ثمنه إن بيع أرسل، وإن لم يخف شيء من ذلك؛ كان بيعه بعد السنة، وإمساك ثمنه أولى، والاختلاف فيه عند من حمله عليه؛ إنما هو إذا خشي ضياعه في السجن، وتلف ثمنه إن بيع بناء على أن الخوفين أشد، وإن لم يخش واحد منهما؛ فلا يرسل اتفاقًا، ولو أمن ضياعه في السجن، وخشي على ثمنه إن بيع سجن سنة ليعرف، فإن لم يعرف؛ سرح، ولم يحبس أكثر من سنة، ولو أمن على ثمنه إن بيع وخشي ضياعه في السجن؛ وجب بيعه ووقف ثمنه.
ويستحق اللقطة بالبينة على ملكها مدعيها أو تقدم اختصاص في سرقتها إن عاينت البينة إخراج المتاع من البيت، ولا يدرون لمن هو؛ فلا تشهد بملكه لرب البيت، ويؤدون ما عاينوا، ويقضى لرب البيت بالمتاع، وكذا في غصب الثوب، وبيعه ممن عرض تفليسه في القضاء به لهما، وبوصفه إياها بالصفة الدالة على صدقه، فمعرفة العفاص والوكاء والعدد والوزن والسكة دليل اتفاقًا.
وفي اعتبار بعضها اضطراب: اللخمي: اختلف فيما يستحق به فيها بمعرفة
العفاص والوكاء لابن القاسم وأشهب بمعرفتهما ومعرفة العدد.
ابن شعبان: بمعرفة الأولين، وما شد عليه الوكاء؛ يريد: العدد والسكة في الدنانير، وهي والوزن في الدراهم.
قلت: في تفسير العفاص والوكاء اختلاف:
ابن عمر: أجمعوا أن العفاص الخرقة المربوط فيها؛ وهي لغة ما يسد به فم القارورة، والوكاء الخيط الذي يربط به.
وعزا الباجي هذا التفسير لابن القاسم، قال: وقال أشهب: العفاص الرباط، والوكاء ما فيه اللقطة.
والأول أصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اعرف عددها ووكاءها ووعاءها"، فجعل بدل العفاص الوعاء.
وفي اقتصاره في العزو لها على معرفة العفاص والوعاء نظر؛ لأن فيها أيلزم دفعها لمن وصف عفاصها ووكاءها وعددها؟.
قال: لم أسمع من مالك فيها شيئًا، ولا شك أنه وجه الشأن، وتدفع إليه، فهذا ظاهره اعتبار العدد خلاف نقل اللخمي عنها، وعلى هذا اللفظ اختصرها البراذعي.
وفيها بعد هذا: إن وصف عفاصها ووكاءها وعددها، ثم جاء آخر، فوصف مثل ما وصف الأول، أو أقام بينة أن تلك اللقطة كانت له؛ لم يضمنها له، لأنها دفعها بأمر كان وجه الدفع فيه، كذا جاء في الحديث: اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن طالبها أخذها ألا ترى أنه إنما قيل له: اعرف العفاص والوكاء، ففي اقتصار اللخمي على هذا، والبراذعي على الأول قصور.
قال اللخمي: ولأشهب: إن عرف العفاص والوكاء دون العدد، أو عرفها دون الوكاء، أو عرف الوكاء فقط؛ أجزأه ويخلف، فإن نكل؛ لم تدفع له، ولا يقبل رجوعه للحلف، فاكتفى بالوكاء، وعليه يكتفى بالعفاص أو العدد، وهو خلاف الحديث، وعادة الناس في معرفة ذلك، وتدفع له بمعرفة الباطن السكة والعدد.
الباجي: المراعى عند ابن القاسم وأشهب العفاص والعدد، وعند أصبغ الأولان فقط.
وفي المقدمات والبيان: لا يضر جهل العدد.
الباجي: قال سحنون: لا تستحق بمعرفة سكتها فقط حتى يذكر علامة أخرى.
قال يحيى بن عمر: لم يتبين لي قوله، وأرى إن اشترطها سحنون.
قلت: اشترط سحنون مطلق زيادة، واشترط سحنون زيادة خاصة متعلقة بجرم المسكوك. صح.
والمطلق غير المقيد: فلو ذكر السكة والوكاء فقط استحقها على قول سحنون، لا قول يحيى.
ونقل اللخمي قول سحنون بلفظ: إن ذكر سكة الدنانير؛ لم يعطها بذلك حتى يذكر علامة أو شقا.
وفي بعض نسخ اللخمي: أو شيئًا بياء وهمزة بعد الشين بدل قاف بعدها، فقوله: أو شيئًا بعد علامة خلاف فرض الباجي الزيادة على علامة.
ولفظها في النوادر من كتاب ابن سحنون: إن وصف سكة دنانير اللقطة؛ لم يستحقها بذلك حتى يذكر علامة فيها غير السكة من أثر أو شق غير السكة، ثم ذكر قول يحيى بن عمر كما ذكره الباجي.
وقال اللخمي إثر قول سحنون: وقال يحيى بن عمر: يأخذه بذلك؛ يريد: إذا كانت دنانير البلد سككًا، فإن كانت سكة واحدة؛ لم تدفع إليه قولًا واحدًا.
وقال الباجي إثر قولهما: وهذا إذا كانت تلك سكة البلد، ولو ذكر سكة شاذة غير
معروفة؛ دفعت إليه.
قلت: ففي كون أدنى ما به تستحق معرفة الوكاء مع يمينه، أو أحد الثلاثة هذا والعفاص والعدد ثالثها: السكة مع علامة أخرى، ورابعها: السكة مع علامة في المسكوك، وخامسها: مطلق السكة مع ذكر نقص المسكوك إن كان ينقص، وسادسها: مطلق السكة إن كان بالبلد سكة أخرى، وسابعها: مطلق السكة إن كانت غير سكة البلد، وثامنها: العفاص والوكاء، وتاسعها: هذان والعدد، وعاشرها: العفاص والوكاء وما شد عليه كما فسر، الحادي عشر: العفاص والوكاء وصفة الدنانير دون عددها، والثاني عشر: معرفة عددها وصفتها ووزنها، والثالث عشر: بمعرفة وصفين فقط، والرابع عشر: بمعرفة العفاص مع الاستيناء وعدم مدع، للخمي عن أشهب، ولتخريج عليه، والباجي عن سحنون، واللخمي عنه، والباجي عن يحيى بن عمر، واللخمي عنه، واختيار الباجي كأنه المذهب، وله عن أصبغ، واللخمي عن أشهب مع ابن القاسم، وعن ابن شعبان، ونقل المقدمات، والبيان، وتخريج ابن رشد من قول أصبغ: إن وصف أحد مدعيها عفاصها ووكاءها، والآخر عددها وصفتها ووزنها، والباجي عن المذهب وعن أصبغ، وظاهر نقل الباجي قول الشيخ: رأيت لبعض أصحابنا لا يأخذها إلا بمعرفة العفاص والوكاء أنه لم يحفظه، عن أصبغ، وعنه نقله الباجي أولًا.
وفي الغلط في بعض صفاتها اضطراب.
ابن رشد: الغلط بالزيادة في عددها لا يضر؛ لإمكان الأخذ منه.
وفي الغلط بالنقص ممن عرف عفاصها ووكاءها قولان، وغلطة في صفة الدنانير؛ يمنع أخذها اتفاقًا، ولو غلط في العفاص دون الوكاء أو بالعكس؛ ففي منعه أخذها مطلقًا، وأخذه إياها بعد الاستيناء إن لم يأت أحد قولان، هذا أعدل.
الشيخ: قال ابن عبد الحكم: لو أصاب تسعة أعشار الصفة، وأخطأ العشر؛ لم يعط إلا في معنى واحد أن يصف عددًا، فيطلب أقل.
الباجي: لا يبعد أن يكون ابن عبد الحكم يوافق أصبغ؛ لأنه إنما منع دفعها إليه إن
أخطأ بأن وصف شيئًا بغير صفته، واختلف في هذا قول أصبغ، فقال: إن قال في خرقة حمراء وخيط أصفر، فوجدت الخرقة حمراء والخيط أسود، فقال: يستبرأ أمره، ثم رجع فقال: هذا أكذب نفسه في ادعائه المعرفة؛ فلا يصدق، إنما يصدق أو أصاب في بعض، وادعى الجهالة في بعض هذا، قال أشهب: يدفع إليه، وقال: لو أخطأ في صفاتها، ثم وصفها مرة أخرى، فأصاب لم يعطها؛ يريد: لأن هذا حزر وتخمين، وفي النوادر في باب لقطة الصبي عن سحنون: إن وصفه مدعي اللقطة بعضها، ولم يصف بعضًا؛ فلا شيء له.
ابن رشد: وأما العفاص والوكاء إن وصف أحدهما، وجهل الآخر، أو غلط فيه؛ ففي حرمانه، وأخذه إياها باستبراء أمره، وعدم ادعائها غيره ثالثها: وفي الإكمال: اختلف مذهبنا في الدينار، هل يعطى لمدعيه أنه سقط له؟ فقيل: لا يعطاه حتى يصف شقًا فيه أو علامة.
قلت: كذا وقع لفظه دون تصريح بالقول الثاني.
وفي وقف أخذها بالصفة الكافية على يمين مدعيها قولا أشهب، والمشهور مع ظاهرها.
الشيخ: ولابن حبيب: إن اعترف اللقطة، فعرف العفاص والوكاء؛ حلف مع ذلك، ولم يذكر غير اليمين.
ابن رشد: أصوب ما فيه قول ابن حبيب حسبما يأتي.
وسمع ابن القاسم: من دخل حانوت رجل، فوجد رب الحانوت دينارًا في حانوته بعد خروج الرجل، فعرضه عليه، وقال: ما دخل إلى اليوم غيرك، فعد الرجل نفقته، فافتقد منها دينارًا، لا أدري إن أيقن أنه ديناره أخذه.
ابن رشد: دليل قوله: أنه لا يأخذه إلا أن يستيقن؛ أنه له بزيادة على ما ذكر له تحصل اليقين، وهذا على وجه النهاية في التورع، وأخذه له سائغ؛ لأن غالب ظنه أنه له يفقده من نفقته دينار، ولو لم يعلم عدد نفقته ساغ له عندي أخذه، وإن كان التورع عن أخذه أولى، ولو قال رب الحانوت: وجدته في مكانك، ولا أدري هل هو لك أو لغيرك
ممن دخل الحانوت، فعد نفقته، ففقد منها دينارا؛ كان له أخذه، ولو لم يعلم الرجل نفقته؛ لم يسغ له أخذه.
الباجي: إن وصفها رجلان، وتساويا فيها؛ تحالفا وتقاسما، ومن نكل؛ فهي للآخر.
زاد اللخمي عن أشهب: إن تكلا؛ لم تدفع إليهما، وأرى أن يقسماها.
قلت: هذا الجاري على قول ابن القاسم بعدم وقف أخذها بالصفة على اليمين، قال: فإن أخذها أحدهما بالصفة، ثم أتى الآخر، فوصف مثل الأول قبل أن يبين بها، ويظهر أمرها؛ قسمت بينهما، هذا هو الصحيح من القول.
قلت: ظاهره: أن في ذلك خلافا.
قال الصقلي: يقسم بينهما على قول ابن القاسم، وعلى قول أشهب تكون للأول، قال هو واللخمي: وإن ظهر أمرها؛ لم يقبل أمرها؛ لم يقبل قول الثاني، فإن أقام بينة انتزعت من الأول، إلا أن يقيم بينة، فيقيم بأحدهما، فإن تكافأتا؛ بقيت للأول بالصفة.
قلت: هو في النوادر لأشهب، وزاد: هذا إن لم تأرخ البينتان، وإن أرختا؛ كانت لأولهما ملكا بالتاريخ، وأشار الصقلي إلى جريها على مسألة كتاب الولاء، فقال: كقوله فيمن ورث رجلا بولاء، وأقام عليه بينة، فأقام آخر بينة أنه مولاه وتكافأتا؛ قسم المال بينهما؛ لأنه مال عرف أصله، وقال غيره: هو لمن بيده، وهو مثل قول أشهب هنا.
اللخمي: وإن زاد أحد واصفيها؛ قضى له بملكها لو وصفا العفاص والوكلاء، وزاد أحدهما العدد أو العدد والسكة.
قلت: كذا في غير نسخة العدد أو العدد والسكة؛ والصواب: أو السكة، ولو وصف أحدهما الباطن العدد والسكة، والآخر الظاهر العفاص والوكاء؛ ففي اختصاص الظاهر بها للحديث وكونها بينهما قولان قسمها أبين؛ لأن بمعرفة الباطن أقوى.
قلت: في نوازل سحنون: إن وصف أحدهما العفاص والوكاء والآخر لبعدد والوزن؛ فهي لدى العفاص والوكاء.
ابن رشد: بعد حبسه اتفاقا.
وقال ابن حبيب: إن وصفها رجلام، ونكل الآخر؛ فهي لمن حلف، وإن حلفا أو نكلا؛ قسمت بينهما، فقوله: ضمنت إن تكلا؛ رد لقوله: لا تدفع له إن جاء وحده إلا بيمين، واستحسن أصبغ في أحد قوليه: إن وصف أحدهما العقاص والوكاء، والآخر عدد الدنانير والدراهم أن تقسم بينهما بعد أيمانهما، كما لو اجتمعا على معرفة العقاص والوكاء.
قلت: ما تعقب به قول ابن حبيب سبقه به فضل فيما ذكره ابن حارث وقال: قول ابن حبيب غلط، وقد يفرق بأن احتمال طروء مدع أقوى من احتمال طروء مدعين فناسبه حلفه في الأقوى دون ما دونه.
وفيها: إن دفعها لمن عرف عفاصها ووكاءها وعددها، ثم جاء آخر فوصفه مثل ما وصفه الأول إذا قام بينة أن ملك اللقطة كانت له؛ لم يضمنها.
الشيخ عن ابن الماجشون: إن دفعها لمن وصفها، ثم ادعاها آخر، ووصفها أو جاء ببينة، وطلب من ملتقطها أن يجمع بينه وبين من أخذها بالصفة، فقال: لم أشهد عليه، ولا أعرفه؛ ضمنها له قلت أو كثرت، وإن ثبت دفعها للأول؛ كانت الخصومة بينه وبين الثاني، وقول اللخمي إثر قول اين الماجشون: ضمنها له؛ يريد: إن لم يعلم دفعها إلا من قوله: ولو علم دفعها له بالصف؛ لم يكن للثاني عليه شيء خلاف عزو الشيخ ذلك لابن الماجشون من قوله.
وفي النوادر من تمام قول ابن الماجشون: لو دفعها على الصفة، ولم يحلفه، واستحقها ثان؛ طلبت من الأول حتى يحكم بينهما فيها، فإن أعدم أو فلس؛ ضمنها دافعها.
قلت: إنها يضمنها إن أنتج الحكم كونها للثاني لا قبل الحكم، وهذا إنما يصح على القول بوقف دفعها على يمين واصفها، وقد تقدم أن المشهور خلافه.
قال ابن عبد السلام: يحتمل قول ابن الماجشون: تقييدا أو خلاف وهو الأظهر؛ لأن ما يقال: أن كل من دفع لغير له من دفع إليه؛ فلابد من قيام البينة على معاينة الدفع
إلا في الوكيل المفوض إليه؛ وهذا المال لم يدفع إليه، ولم يخرج من يد ربه إلى يد ملتقطه؛ ولذا أجاز له دفع اللقطة لمن يتولى تعريفها، ولا يجوز ذلك للمودع ولا للوكيل.
قلت: هذا الذي رجح به كون قول ابن الماجشون: خلافا الأظهر إنتاجه أنه وفاق؛ لأنه هو مقتضي المذهب، فإذا كان قول ابن الماجشون ملزوما لمقتضي المذهب، فيجب كونه تفسيرا للمذهب أو لمشهوره لا خلافا له فإن قلت: قولكم أنه أتى بما يقتضي أن قول ابن الماجشون هو مقتضي المذهب ليس كذلك، وبيانه أنه قرر أن قاعدة المذهب صدق القضية القائلة: من دفع لغير من دفع إليهلغير بينة؛ ضمن، فيصدق مفهومها المخالف؛ وهو من دفع لغيربينة لا لغير من دفع له؛ لم يضمن، وعندنا قضية صادقة؛ وهي الملتقط الدافع دفع لا غير من دفع له، وهذه القضية هي التي احتج عليها بقوله: بأن هذا المال لم تدفع له؛ ولذا جاز للملتقط دفع اللقطة لمن يعرفها، ثم نقول: الملتقط الدافع دفع بغير بينة لا لغير من دفع له، وكل من دفع لغير بينة لا لغيلا من دفع له؛ لم يضمن، وهذا المفهوم المخالف ينتج الملتقط الدافع بغير بينة لا يضمن، وهذا خلاف قول ابن الماجشون وهو مدعي.
الشيخ: أجيب بوجهين: الأول: منع صدق القضية للملتقط الدافع بغير بينة لا لغير دفع له، وبيانه بصدق منافيها؛ وهو قولنا: الملتقط المذكور دفع بغير بينة لغير من دفع له لا من دفع له الملتقط المذكور يصدق عليه أنه غير من دفع له، وإلا لصدق عليه نقيضه، وهو من دفع له، وذه كاذبة ضرورة، فلزم أن يصدق عليه أنه غير من دفع إليه، فثبت صدق منافيها؛ لتكون القضية المذكورة، فلا تصدق النتيجة المذكورة، فيثبت نقيضها؛ وهو أنه كلما كان حكم من قبضها من ربها، كان دفعه إياها بعد السنة كمن دفع شيئا قبضه من ربه، والملازمة واضحة، فجعل اللقطة بعد السنة؛ كدفع ما قبض من ربه وهو المدعي.
ابن رشد في أول سماع ابن القاسم: إن وجدها ربها بعد ملتقطها، وقد نقصها
باستعمال؛ فله أخذها وما نقصها، وإن أنهكها؛ ففي تخييره في أخذ قيمتها أو أخذها، ولا شيء له في نقصها، أو مع قيمة نقصها ثالثها: ليس له إلا ما نقصها.
قلت: الثالث: هو سماع ابن القاسم في مستعير الثوب يلبسه بعد أمد عاريته لبسا أخلقه، وفيه عزا ابن رشد ثاني الأقوال في الملتقط للمعروف من قوله، وأولها لأشهب.
اللخمي: لو كانت عرضا، فباعه ملتقطه بعد السنة، فجاء ربه؛ ففي مضي بيعه مطلقا، ويمكن ربه من نقصه، فيأخذه إن كان قائما، والأكثر من قيمته أو الثمن إن كان فائتا، قولا ابن القاسم وأشهب.
قلت: الأول: هو قولها وقول أشهب، نقله في النوادر من كتابه: بقيد كون البيع بغير إذن الإمام.
وفي النوادر: لابن القاسم: لربها أخذها من مباعها من المساكين، ويرجع على من تصدق بها عليهم، وكذا لو مات قال غيره: يرجع عليه الأقل من الثمن، أو قيمتها يو متصدق بها، ثم إن كانت قيمتها أكثر؛ رجع بالقيمة على المساكين.
قلت: يريد بثمامها.
التونسي: جعل ابن القاسم لربها أخذها من مبتاعها من المساكين لا من مبتاعها من مبتاعها، ولم يجعل المساكين كالوكلاء على بيعها، فيمضي بيعهم، ويغرم الملتقط القيمة، وفي ذلك نظر.
الصقلي: جعل ابن القاسم لربها نقص بيع المساكين، ولم يجعل له نقص بيع الملتقط؛ لأن الملتقط باعها خوف ضياعها؛ لوقف ثمنها، فلم ينقص لقوله صلى الله عليه وسلم:"فشأنك بها"، وباعها المساكين على أنها ملك لهم؛ فلمستحقها نقض بيعها كالاستحقاق، فإن أكلوه؛ فالأولى أن يرجع على ملتقطها الذي سلط أيديهم عليها، كما لو أهلكوها، فيرجع عليه بالأقل من ثمنها أو قيمتها يوم تصدق بها، ويرجع بتمام الثمن على المساكين؛ لأنهم البائعون منه.
اللخمي: لابن القاسم في الدمياطية: من التقط سيفا أو ثوبا، فتصدق به، فباعه
لمساكين، وأكلوا ثمنه؛ لربه أخذه من مبتاعه، ويرجع مشتريه من المساكين على من تصدق به عليهم، ثم قال: إن كان الملتقط عرضا، فتصدق به، فباعه المساكين، ولم يغب به المشتري؛ لم يكن له أخذه على قول ابن القاسم، كما لو باعه ملتقطه لنفسه إلا أن يكون تصدق به عم صاحبه.
قلت: ففي نقص ربه بيع المساكين إياه بأخذه مطلقا، أو إن تصدق به عن صاحبه قولان لابن القاسم.
قال ابن الحاجب: فإن تلفت بعد تمليكها أو تصدقها؛ فعليه قيمتها يوم ذلك أو مثله، فقبله ابن هارون وابن عبد السلام قائلا: هذا صحيح على القول بتأثير النية ولا أعرفه نصا، وتخريجه على القول بتأثير النية مع بقاء اليد فيه نظر؛ لأن ذلك إنما هو في النية المستندة لعقد؛ لأن القول بتأثيرها لا أعرفه إلا لابن بشير، وإنما ذكره في تخريجه جواز صرف الوديعة، ومنعه على تأثير النية مع بقاء اليد في الحكم ولغوها، والنية في الوديعة بقوله: بناء على وقف انتقال ضمانها على قبضها، وحصوله بالعقد، فلم يعلل ضمانها إلا بالعقد لا بالنية، والعقد أقوى منها، وفي وجودها بيد المساكين غير ناقصة طريقان:
اللخمي عن ابن القاسم: له أخذها.
أشهب: ليس له إلا أخذها، تصدق بها عن نفسه أو عن ربها، ثم قال: وكذا إن تصدق بها عن ربها أو عن نفسه وهي عرض.
ولابن رشد في أول سماع ابن القاسم: إن تصدق بها عن نفسه بيد المساكين، وتصدق بها عن ربها؛ فليس له إلا أخذها، وإن تصدق بها عن نفسه؛ فله تضمينه قيمتها إن شاء، ويدعها للمساكين.
قلت: ففي قصر حق ربها، وهي بحالها بيد المساكين، وهي عرض على أخذها مطلقا، وإن تصدق بها عن نفسه؛ فله تضمينه قيمته خير ربها، نقلا اللخمي عن المذهب وابن رشد، وإن وجدها بأيديهم ناقصة، فللخمي عن أشهب: ربها بالخيار بين أخذها، ولا شيئ له على ملتقطها، أو تضمينه قيمتها، فإن
ضمنه، وقد تصدق بها عن ربها؛ فلملتقطها أخذها، وإن تصدق بها عن نفسه؛ لم يرجع بها.
قلت: ظاهره: إن أخذها ربها؛ لم يرجع على ملتقطها بنقصها، وإن تصدق بها عن نفسه، وهو نص في النوادر عن أشهب قال ما نصه: وإن تصدق بها عن نفسه؛ فلربما أخذها على ما وجدها، ولا شيء له على ملتقطها، أو يأخذ بقيمتها إن تغيرت، ثم لا شيء لملتقطها على المساكين.
ولابن رشد في أول سماع ابن القاسم: إن وجدها بأيدي المساكين ناقصة؛ خير في تضمينه قيمتها يوم تصدق بها، وأخذها ناقصة، ولا شيء له في نقصها هذا إن تصدق بها عن ربها، وإن تصدق بها عن نفسه؛ فله مع أخذها ناقصة الرجوع عليه بما نقصها، قال: وإن أكلها المساكين؛ ففيها: لعين ربها تضمينهم، وقال أشهب: له تضمينهم، وإن شاء أغرم الملتقط قيمتها يوم تصدق بها سواء تصدق بها أو عن ربها.
وفيها: إن التقط العبد لقطة، فاستهلكها قبل السنة كانت في رقبته وبعدها، وإن استهلكها بعد السنة؛ لم تكن إلا في ذمته لقوله صلى الله عليه وسلم:"عرفها سنة عرفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا فشأنك بها".
اللخمي: ليس لربها منعه تعريفها؛ لأنه يصح في تصرفه لسيده، ولا يضره ذلك في تصرفه، ولسيده نزعها لوقتها بيد عدل خوف تلفها، أو تصرف العبد فيها، وإن كان غير مأمون؛ كان أبين.
قال الشيخ: من غير كتاب، وكذا المدبر والمكاتب وأم الولد.
الصقلي: إن لزمت ذمته؛ لم يكن لربه إسقاطها عنه؛ لأن ربها لم يسلط يده عليها، ولولا السنة كانت في رقبته.
قلت: الأظهر إن كان ربه علم بالتقاطه، وسكت عنه؛ فهو كما قال الصقلي: وإن كان موجب ضمانه قبل علمه بالتقاطه؛ كان لربه إسقاطها من ذمته، وما علل به.
الصقلي: معارض بعدم إذن ربه له في سبب ضمانه؛ بل إذن التنازع له في التصرف يتنزل منزلة إذن ربه له في وضع يده عليها، ولأنه أولى أن يحمل عليه في التفريط.