الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الموجب لحكم الخطأ]
وإن قصد به حفظ المال لمحل محجوز عنه فخطأ ما بلغ من دم الحر بثلث الدية على عاقلته، وما سواه في ماله، وتفسير يأتي في دياتها من وضع سيفًا بطريق المسلمين أو بموضع لقتل رجل فعطب به الرجل قتل به، وإن عطب به غيره فديته على عاقلته، ونقله الشَّيخ والباجي من المجموعة دونها مرجوح، في ثاني حجها، وهو في التهذيب في ثالثه.
قال مالك: من حفر بئرًا في منزله فسارى أو عمل به ما يتلفه فمات ضمن ديته، وكذا وقع فيه غيره، ومثله في دياتها.
أبو إبراهيم: إن قصد بمثل هذا قتل إنسان بعينه قتل به، وفي غيره ديته على العاقلة كقولها في مسألة السيف، وهي دليل الباب كله.
الباجي والنوادر: روى ابن وَهْب من رش بناء قناة ليزلق من يمر به من آدمي، وغيره ضمنه، وكذا من جعل بالطريق مربطًا لدابة أو كلبًا بداره لغير ضرر أحد أو بغير داره بإذنه أو رش، فإن تبرأ ذا أو تنظيفا أو ربط كلب صيد بداره أو في غنمه للسباع أو نصب حبالات للسباع أو وقف على دابته بطريق أو نزل عنها لحاجة أو وقفها بباب مسجد أو حمام أو بسوق لم يضمن ما هلك بشيء من ذلك، وكذا
إن أخرج روشنا من داره أو عسكرًا.
أشهب: من حفر بئر ماشية قرب أخرى فحفره بغير إذنه فعطب بها آدمي لم يضمنه؛ لأنه جائز له إلا أن يعلم أنه يضر بجاره فيؤمر بردمها، وما هلك فيها بعد أمره ضمنه.
محمد: وما هلك بذلك من آدمي فعلى عاقلته، وغيره في ماله.
ابن القُصَّار: وفي القود بالإكراه بشهادة الزور روايتان، واختار الأولى، وتقدمت في مسائل الرجوع عن الشهادة، وفي تقديم الطعام المسموم القود.
وفيها: من قتل بسقي سم قتل به.
الشَّيخ عن ابن حبيب عن أَصْبَغ: من طرح على رجل حيَّة مسمومة مثل هؤلاء الخولة العارفين الحيات المسمومة فمات قتل به، ولا يصدق أنه على اللعب، إنما اللعب مثل بعض الشباب يطرح الحيَّة الصغيرة التي لا تعرف بمثل هذا فتقتل فهذا خطأ، وكذا طرحه عليه حيَّة يعرف أنها قاتلة، ولا يقبل قوله: لم أرد قتله.
قلتُ: مقتضى قولها إن تعمده بضرب لطمة فمات قتل به عدم شرط معرفة أنها قاتلة ما لم يكن على وجه اللعب، وقول ابن شاس ما لا يقتل من الحيات يقبل فيه قول الملقي لم أرد قتله لتقرر العادة بذلك، صواب، وتجري فيه أقوال اللعب، وروى الباجي إن سحر ذمي أهل ذمته أدب إلا أن يقتل أحدًا فيقتل به.
الباجي: من أشار علي رجل بسيف فمات.
فقال محمد: إن تمادى بالإشارة، وهو يقر فطلبه حتى مات فعليه القود.
ابن القاسم: إن طلبه به حتى سقط فمات فعليه القود بقسامة أنه مات خوفًا منه.
الباجي: لاحتمال موته من السقطة، ولم يكن في مسألة محمد شيء يحمل عليه موته.
ابن حبيب: عليه القود، ولم يذكر قسامة، وبه قال ابن الماجِشُون في هذه المسألة والمغيرة وابن القاسم وأَصْبَغ.
وسمع عيسى ابن القاسم من طلب رجلًا بالسيف فعثر المطلوب قبل أن يضرب فمات قتل به، وقاله المغيرة.
ابن رُشْد: مثله لابن حبيب عن ابن الماجِشُون: ولا أعرف فيه نص خلاف، ويدخله بالمعنى؛ لأنه من شبه العمد المختلف في وجوب القود فيه حسبما مر ابن الحاجب فيمن أشار بالسيف فهرب فطلبه حتى مات، وبينهما عداوة أربعة: القود والدية والقسامة وإلحاقه بشبه العمد.
قلتُ: الثاني هو نقل ابن شاس، وقال ابن ميسر: لا قصاص في هذا، واستحسنه طائفة من القرويين لاحتمال موته من الخوف أو الجري أو منهما.
الباجي: ولو كانت إشارة فقط فمات، فإنما فيه الدية عند محمد على العاقلة، ونحوه لابن القاسم، وروى الدارقطني عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم:((إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك)).
عبد الحق: رواه سفيان الثوري عن إسماعيل بن أميَّة عن نافع ابن عمر كذا، ورواه معمر، وابن جريح عن إسماعيل مرسلا، ولم يتعقبه ابن القطان، وهو في الموطأ من أمسك رجلًا لآخر ليضربه فضربه فمات إن أمسكه، وهو يرى مثله؛ يريد قتله قتلا معًا، وإن كان يرى أنه لا يقتله قتل القاتل فقط، وعوقب الممسك أشد العقوبة ويسجن سنة.
الباجي عن ابن نافع: دليل حبسه للقتل أن يرى القاتل يطلبه وبيده سيف أو رمح، وإن لم ير معه ذلك لم يقتل الحابس، ويجلد بقدر ما يرى السلطان.
وقال عيسى بن دينار: يجلد مائة فقط.
ابن مزين: القول ما قال ابن نافع.
قلتُ: قال ابن القُصَّار: إنما يقتل الممسك إذا علم أنه يقتله ظلمًا.
ابن شاس: وذكر القاضي أبو عبد الله ابن هارون البصري من أصحابنا في وجوب القود من الممسك أن يعلم أنه لولا الممسك لم يقدر على ذلك.
قلتُ: يؤيده قولها: إن حمل رجل على ظهر آخر شيئًا في الحرز فخرج به الحامل،
فإن كان لا يقدر على إخراجه إلا بحمل الحامل عليه قطعًا معًا، وإن كان قادرًا على حمله دونه قطع الخارج فقط.
قلتُ: فإطلاق ابن الحاجب إيجاب الإمساك على القود متعقب، والمذهب قتل الجماعة بالواحد كالواحد.
الباجي عن ابن القاسم وأشهب: إن اجتمع نفر على قتل امرأة أو صبي قتلوا به، وقول ابن الحاجب: لو اشترك المتسببون، والمباشرون قتلوا جميعًا واضح دليله مسألة الإمساك، وقولها في كتاب المحاربين: إن ولي رجل من جماعة قتل رجل، وباقيهم عون له وتابوا قبل أخذهم دفعوا لأولياء القتيل قتلوا من شاؤوا، وعفوا عن من شاؤوا، وأخذوا الدية ممن شاؤوا، ونقل المازري عن المذهب على رواية قود بينة الزور أن القاضي لو حكم عالمًا بتزويرهم، وولي الولي القتل كذلك قتلوا جميعًا.
وقال ابن شاس: يغلب السبب على المباشرة التى ليست عدوانًا كمن حفر بئرًا على طريق أعمى ليس فيها غيره، ولا طريق أخرى له فوقع فيها فمات أو طرح رجلًا مع سبع في مكان ضيق أو أمسكه على ثعبان مهلك.
ابن الحاجب: لو تمالأ جمع على ضرب رجل، وتم وسوط سوط قتلوا جميعًا.
قلتُ: يريد تمالؤوا على قتله.
الباجي عن ابن الماجِشُون: إن اجتمع نفر على ضرب رجل، ثم انكشفوا عنه، وقد مات قتلوا به، وروى ابن القاسم: وعلى ضربه هذا بسلاح، وهذا بعصا وتماديا حتى مات قتلا به إلا أن يعلم أن ضرب أحدهم قتله.
المازري في مسألة زور بينة الرجم: من أكره رجلًا على قتل رجل ظلمًا قتل المباشر إذ لا خلاف أن الإكراه لا يبيح له قتل مسلم ظلمًا، ويقتل المكره أيضًا؛ لأن القاتل كآلة له، ولو كان أحدهما غير مكلف لم يقتل، وكان نصف الدية على عاقلته كقتل رجل وصبي رجلًا عمدًا وتأتي.
ابن شاس: من حفر بئرًا ليقع فيها رجل معين، فوقف الرجل على شفيرها فرداه فيها غير الحافر، فقال القاضي أبو الحسن: يقتلان معًا للاعتدال، وقال القاضي أبو عبد
الله بن هارون: يقتل المردي دون الحافز تغليبا للمباشر.
قلتُ: الأظهر أن علم المردي بتقدم فعل الحافر، وقصده قتلا معًا كبينة الزور مع القاضي العالم بزورهما، وإلا قتل وحده على رواية ابن القاسم في بينة الزور.
وفي كتاب الجعل والإجارة: من أجر على قتل رجل ظلمًا فقتله فلا أجر له، وعلى الأجير القصاص، وعلى الذي أجره الأدب، ولابن رُشْد في سمَاع عيسى ابن القاسم من كتاب القذف: لو قتل عبد رجلًا بأمر سيده ففي قتلهما معًا مطلقًا، وقتل السيد فقط إن كان العبد أعجميًا، والعبد فقط إن كان فصبي قولان لسماع عيسى ابن القاسم مع سماعه أَصْبَغ، وابن حبيب عن ابن وَهْب قائلًا: ويضرب من لا يقتل منهما مائة، ويسجن عامًا، وإن قتل بعض أعوان الإمام رجلًا ظلمًا بأمر الإمام قتلا معًا اتفاقًا، ولو قتل الابن البالغ كذلك بأمر أبيه أو بالغ متعلمي الصانع كذلك بأمره أو المؤدب كذلك بأمره، ففي قتل القاتل والمبالغة في عقوبة الآمر وقتلهما معًا قولا ابن القاسم في روايتي يحيى عنه وسَحنون: ولو كان مراهقًا لم يبلغ الحلم مثله ينتهي عصى ينهى عنه قتل الآمر وعلى عاقلة الصبي نصف الدية عند ابن القاسم، ولو كانوا صبيانا المأمورون كانت الدية على عواقلهم، وإن لم يطر على عاقلة كل واحد منهم إلا أقل من ثلث الدية، وكان ابن القاسم يقول: كل الدية على عاقلة الصبي.
قال أبو محمد: ولا يعجبني.
قال: يريد: ولا يؤدب.
قال أَصْبَغ في هذه الرواية: لا قتل على واحد منهما، وهو من الخطأ كما لو أمر غير ولده بذلك، وفي الموازيَّة: يضرب الآمر مائه، ويسجن سنة، ويضرب الغلام ضربًا بقدر احتماله إلا أن يكون الأب أو المعلم أو المؤدب مباشرًا ذلك مشددًا عليه فيجب حينئذ قتله، وإن كان دون ذلك في السن فلا خلاف في قتل الآمر، وعلى عاقلة الصغير نصف الدية، وفي سمَاع سَحنون أنه أنكر قول أَصْبَغ من قتل عبد رجل بأمره غرم قيمته، وقال: لا قيمة له؛ لأنه ماله أمر بإتلافه، ويضرب القاتل، ويجن ويؤدب السيد.
ابن رُشْد: لأَصْبَغ في الواضحة يضرب السيد أيضًا، ويسجن، وقال: أغرمته لجزمه، وهذا ليس بجيد؛ لأنها عقوبة بالمال فالسيد أحق أن لا يعطى المال عقوبة له، ولو علله بأن السيد أسقط حقه في القيمة قبل وجوبها كان أصوب.
وفيها: إن قتل رجل وصبي رجلًا عمدًا قتل الرجل، وعلى عاقلة الصبي نصف الدية، ولو كانت رمية الصبي خطأ، ورمية الرجل عمدًا، ومات منهما معًا، فأحب إلي أن تكون الدية عليهما معًا؛ لأني لا أدري من أيهما مات.
الصقلي: يريد: نصف الدية على الرجل في ماله.
الباجي: إن قتل صغير وكبير قتل الكبير، وعلى عاقلة الصغير نصف الدية، وقال ابن حبيب: اختلف فيها قول ابن القاسم، فقال مرة هذا، وقال مرة: إن كانت ضربة الصغير عمدًا قتل الكبير، وإن كانت خطأ لم يقتل، وعليهما الدية، وقال أشهب: يقتل الكبير.
محمد: وهو أحب إليَّ.
قلتُ: ظاهره دون قسامة، وكذا نقله الصقلي، ونقله اللخمي عنه أنه لا يقتص منه، ولو مات بالحضرة إلا بعد المعرفة بضربته، والقسامة أنه مات منها، وهو أحسن فإن لم يعرف العمد أو عرف، ولم يقسموا لم يقد منه بالشك.
الباجي: قال أشهب: من فرق بين عمد الصبي وخطئه فقد أخطأ، وحجته بأنه لا يدري من أيهما مات، وكذا الصبي لا يدري من أيهما مات، وهو يري عمده كالخطأ.
قلتُ: قبول الباجي: قول ابن حبيب: اختلف فيها قول ابن القاسم
…
إلخ فيه نظر؛ لأنهما صورتان مختلفتان باختلاف قوله فيهما لا يقال فيه اختلاف إلا مع قيام الدليل على قاتلهما، وقد فرق الصقلي بينهما بقوله بأنهما في مسألة عمد الصبي تعاقدا على قتله، وعزا الباجي التعقب على قول ابن القاسم في ترجمة ما جاء في الغيلة، والسحر لأشهب، وعزا الباجي التعقب على قول ابن القاسم في ترجمة ما جاء في الغيلة، والسحر لأشهب، وعزاه قبل ذلك في ترجمة دية العمد إذا قبلت لمحمد، وقال ما قاله محمد: لا يلزم.
ابن القاسم: لأن حجة ابن القاسم أنه لا يدري هل مات من ضرب عمد أو خطأ فهو كما لو كانا كبيرين، وأما إن كان الكبير والصغير عامدين فقد علم أنه مات من ضرب عمد، وسقط القصاص عن الصغير لمعنى فيه لا لمعنى في الضرب كما لو كانا كبيرين ضرباه عمدًا فعفا عن أحدهما لما سقط القود عن الآخر أو قتل حر وعبد عبدًا عمدًا، ولو قتله أحدهما عمدًا والآخر خطأ سقط القود عنهما؛ لأنه سقط لمعنى في الفعل؛ وهو الجهل من أي الفعلين مات.
ابن عبد السلام: في قول الباجي نظر؛ لأن ظاهر قول ابن القاسم الذي تعقبه محمد قوي في أن القتل لم يكن من مجموع الضربين بل من أحمدهما، وهو مجهول، وأحد الضاربين لا يقتص منه إما لخطئه أو لصغره، وأيا ما كان فلا قود على الكبير لاحتمال أن لا يكون هو الضارب، وعلى هذا التقرير فلا فرق بين كون الصغير مخطئًا أو متعمدًا.
قال: فإن قلت: فعلى هذا لو اجتمع كبيران على قتله عمدًا لم يقتلا؛ لأن القاتل منهما غير متعين بما ذكرتم.
قلتُ: لا يلزم من نفى هذا السبب الخاص نفي سبب آخر للقتل، وهو مباشرة أحدهما، وإعانة الثاني.
قلتُ: لا يلزم من نفى هذا السبب الخاص نفي سبب آخر للقتل، وهو مباشرة أحدهما، وإعانة الثاني.
قلتُ: جوابه عما أورده على نفسه، يرد تعقبه جواب الباجي، وبيانه أنه بنى تعقبه على احتمال كون القتل من غير الكبير، وبنى جوابه عما أورده على نفسه بلزوم كون كل واحد منهما إما مباشرًا، وإما متسببًا بالإعانة، وأن المتسبب كامباشر، وهذا يوجب كون الكبير مع الصغير إما مباشر أو متسبب مع كون المتسبب كالمباشر، وأيا ما كان فهو مناقض لتعقبه قول الباجي باحتمال كون القتل من غير الكبير، وإذا ثبت لزوم إضافة القتل للكبير إما مستقلًا أو معينًا اتضحت تفرقة الباجي بما أشار إليه، وتقريره أن ضرب الصغير عمدًا مقتضٍ للقود ضرورة كونه عمدًا عدوانا، وامتنع فيه القود لقيام مانع، وهو عدم تكليف فاعله، وامتناع القود من بعض الضاربين لمانع لا يقدح في ثبوته على مشاركة السالم عن المانع كالكبيرين يعفى عن أحدهما، وضربه خطأ غير مقتضٍ للقصاص ضرورة لغو الخطأ في القود، وامتناع القود من بعض الضاربين لكون
ضربه خطأ امتناع لعدم قيام المقتضي فكان موجبًا لعدم ثبوته علي مشاركه؛ لأن عدم الحكم لعدم قيام المقتضي أقوى في نفي الحكم من عدمه لمانع مع وجود المقتضي.
الصقلي عن مالك: لو قتل حر وعبد عبدًا عمدًا قتل العبد، وعلى الحر نصف قيمته، ولو قتلا حرًا خطأ فعلى عاقلة الحر نصف الدية، والعبد مرتهن بنصف الدية.
قال مالك في العتيبَّة: ينجم ذلك عليه.
وروى ابن القاسم لو قتل أب ورجلان ابنه عمدًا قتلوا به، وإن كان بالرمي، والضرب لم يقتل الأب.
قال عبد الملك: وعليه ثلث الدية مغلظة، ويقتل الرجلان.
محمد: إن قتل رجل رجلان جرحه أحدهما عمدًا، والآخر خطأ أقسموا على من شاءوا، وإن أقسموا على المعتمد قتلوه، وعلى المخطئ دية الجناية.
محمد: إن عرفت جنايتها من جناية العمد.
أشهب: وإن أقسموا على المخطئ تكون الدية على عاقلته، واقتصوا من العامد جرحه إن كان يقتص منه، وإن كان لا يقتص منه أخذ منه أرشه.
وقال ابن القاسم: إن مات مكانه قتل المتعمد، وعلى المخطئ نصف الدية.
محمد: هذا إن لم يكن جرح الخطأ معروفًا بعينه.
ابن القاسم: إن عاش بعد ضربهم ففيه القسامة إن أقسموا على المتعمد قتلوه، ولا شئ على الآخر، وإن أقسموا على المخطئ فالدية بين العاقلة وبين المتعمد.
ابن حارث: في شركة الصغير والكبير يقتل الكبير، وعلى عاقلة الصغير نصف الدية مطلقًا.
ابن القاسم: إلا أن يكون الصبي مخطئا فعلى الكبير نصف الدية، ولأحمد بن نصر عن ابن القاسم في الكبيرين أحدهما مخطئ يقسمون على أيهم شاؤوا، وقال عبد الملك في مشاركة الصبي والمخطئ والحر والعبد يقتلان عبدًا يقاد ممن يقاد لو انفرد منه، وقاله ابن القاسم في قتلهما ابن احدهما.
ابن حبيب عن ابن الماجِشُون: إن شرك عامدًا صبي أو والد أو مخطئ أو غرق أو
هدم قتل العامد إن مات قعصا، وإن عاش أقسموا علي أيهما شاؤوا، ولو ضربه أحدهما بعد الآخر، وعاش بعده، وإن قتله الثاني قعصا، وهو لا يقاد منه فعلى الأول القود، وقاله أَصْبَغ، وقيل في المخطئ والعامد يقسم عليهما، ويقتل العامد فقط، وقيل فيما شاركه الهدم أو الغرق يقسم على العامد، ويقتل، وقيل عليه نصف الدية.
قلتُ: ففي العامد بشركة صبي أو أب أو مخطئ أو من لا يقتص منه لحريته ستة.
أشهب: يقتل في الأولين.
ابن القاسم: في الثالث، وفي الأول نصف الدية، وله في الثالث يقسم علي أيهما شاؤوا.
عبد الملك: يقتل في الجميع.
ابن القاسم: في ابن أحدهما فقط.
ابن الماجِشُون: يقتل مطلقًا إن مات قعصا، وإلا أسموا على أحدهما، ولو قتله الثاني قعصا، وهو لا يقاد منه أقيد من الأول، وقيل في الثالث: يقسم عليهما، ويقتل العامد فقط.
قلتُ: قوله في قتله الثاني قعصا، وهو لا يقاد منه يقتل الأول مشكل.
وسمع يحيي ابن القاسم إن قامت بينة بأن رجلًا جرحه رجلان أحدهما عمدًا، والآخر خطأ فمات أقسموا على أحدهما إن أقسموا على العامد قتلوه، وعلى الآخر عقل جرحه، وإن أقسموا عليه فكل الدية على عاقلته، واقتصوا من جرح العامد، وكذا لو لم تقم بينة، وادعى الميت ذلك.
ابن رُشْد: قوله في قيام البينة صحيح على أصل ابن القاسم، وروايته فيمن تري في قطع يده فمات أن الأولياء مخيرون في قطع يده قسامة، وقتله بها، وعلى قول أشهب: لا يقتصون من قطع يده إلا باختياره؛ لأن الجناية عادت نفسا ما قاله في سمَاع أبي زيد إن قتلوا العامد فلا شيء على الآخر، وإن أخذوا الدية من العاقلة برئ الآخر وقوله: دعوى الميت كقيام البينة خلاف الأصول؛ لأن الجرح لا يستحق بقسامة عمدًا، ولا خطأ، وهو نص قولها، والصحيح استحقاق ما أقسموا عليه من عمد أو خطأ، ولا
شيء على الآخر، قاله محمد، وعاب سمَاع يحيى، وعابه أيضًا يحيى.
ولو شهد على الجرحين شاهد واحد خير الأولياء إن أقسموا على الخطأ استحقوا الدية على العاقلة، ولا شيء لهم في جرح العمد إذ لا يقتص باليمين مع الشاهد إلا المجروح لا ورثته، وإن أقسموا على العامد قتلوه، وحلفوا مع شاهدهم على جرح الخطأ، واستحقوا أرشه؛ لأنه مال.
ابن الحاجب في شريك المخطئ والصبي والمجنون نصف الدية، والقصاص بقسامة، وبغير قسامة إن كان قريبًا، وعلى الآخر نصف الدية، أما إذا علم قصد القتل بالمشاركة قصاص.
قلتُ: جميع ما تقدم من الأقوال مطلقة غير مقيدة بعدم قصد القتل.
وقال الصقلي في قولها: في قتل الرجل والصبي رجلًا عمدًا يقتل الرجل ما نصه: يريد: إذا تعمدًا جميعا قتله، وتعاقدا عليه، وتعاونا عليه كما لو لم يباشر قتله إلا الصبي والرجل معين له حتى لو كانا رجلين لقتلا معًا، فحينئذ يجب قتل الرجل، وإلا لم يقتل الرجل عند ابن القاسم كما لو كانت رمية الصبي خطأ، ويأتي للخمي نحوه، ولم يفرق ابن الحارث بين معرفة عين ضربة المتعمد وجهلها، وهو ظاهر لفظ المدَوَّنة.
وقال اللخمي: إن افترق ضربهم، وعملت ضربة كل واحد منهم، ولم يقصدوا التعاون فلهم أن يقسموا على بعض الضربات لممات منها، ويثبت القود أو الدية على العاقلة إلا أن يتعمدوا القسامة علي ما هو من دون ما هو أخوف فلذي الضربة أن يمنعهم من ذلك وإن كان الضرب عمدًا، وقصدوا التعاون على قتله فلهم أن يقسموا لمات من كل الضرب، ويقتلوا جميعهم، وليس عليهم تعيين ضربة موته؛ لأن لهم قتل من لم يمت من ضربته لتمالئهم على قتله، وإن لم يقصدوا التعاون، وإحدى الضربات نافذة لا يعلم ضاربها، وقالوا: نشك في أيهما قتله أو لا ندري ضربة هذا من ضربة هذا أقسموا لمات من ذلك الضرب، وفرقت الدية عليهم في أموالهم، وسقط القود، وكذا لو مات قعصا، ولم يعش، وقالوا: نشك في أي ضربة قتلته أو أنفذت إحداهما مقاتله، ولا يدرون من ضربها أو كانت ضربة أحدهما خطأ، ومات قعصا لم يقتل ضارب العمد
بالشك، وعليه نصف الدية، ويختلف في ضارب الخطأ هل تغرم عاقلته نصف الدية أو لا؛ لأنه حمل بالشك لا مكان موته بالعمد، ولا تسقط نصف الدية عن المتعمد؛ لأن الظالم أحق أن يحمل عليه، ويختلف إن كانت الضربتان خطأ وجهل الأولياء أيتهما قتلته هل تفض الدية على عاقلتي الضاربين أو تسقط؛ لأنه حمل بالشك، ولمحمد: من أقر أنه قال: أميت المسلمين رمي فلان بسهمه، وفلان بسهمه فقتل أحد السهمين رجلًا لا يدري راميه منهما أو رمي فلان بسهمه، وفلان بسهمه فقتل أحد السهمين رجلًا لا يدري راميه منهما أو رمي جماعة صيدًا، فقتل سهم منها رجلًا فهو كمن قتل رجلًا، ثم هرب فألقى نفسه في بئر فوجد فيها رجلان كل واحد منهما يقول لصاحبه: أنت طرحت نفسك علي، فقال أشهب: الدم هدر، وقول ابن القاسم في ظني أن الدية عليهما معًا، ولا أظن إلا أن ذلك في العمد، وتكون الدية في أموالهما، وأما الخطأ فهدر؛ لأن العاقلة لا تحمل إلا ما حق عليهما، وثبوت ذلك بالإقرار، وإلا بينة سواء.
ابن الحاجب: وأما شريك السبع وجارح نفسه والحربي والمريض بعد الجرح فالأولان.
قلتُ: تقدم لابن حارث في شريك الهدم قاتل العامد إن مات فعصا، وإن عاش أقسموا على أيهما شاءوا، والقول بالقسامة عليه مطلقًا، ويقتل والثالث عليه نصف الدية، ولا فرق بين الهدم والسبع، وما ذكر معه الصقلي لعيسي ابن القاسم من جرح، ثم ضربته دابة فمات وجهل من أيهما مات فنصف الدية على عاقلة الجارح قيل: بقسامة.
قال: وكيف يقسم علي نصف الدية، وقال: لو جرح ثم سقط من جدار فانجرح فمات وجهل من أي ذلك مات فلهم أن يقسموا لمات من جرح الجارح كمرض المجروح بعد الجرح فيموت.
قال فيه مالك: لهم أن يقسموا لمات من ضربه في الخطأ والعمد.
محمد: ولو طرحه إنسان من فوق البيت بعد جرح الأول أقسموا على أيهما شاءوا، وقتلوه وضرب الآخر وسجن، فنقله ابن عبد السلام، وقال: فلعل المؤلف خرج القولين في شريك السبع، وما عطف عليه مما حكيناه.
قلتُ: ليس فيما تقدم تصريح بالقود في شركة غير الآدمي.
قال ابن رُشْد في سمَاع عيسى في مسألة الدابة معنى المسألة إن جرح الرجل، وضرب الدابة كانا معًا، ومات من حنينه فحمل أمره علي موته من الأمرين لاحتمال موته منهما احتمالًا واحدًا لا يمكن تغليب أحدهما على الآخر، ولابن القاسم في المجموعة أن فيه القسامة كمرض من جرح؛ يريد لهم أن يقسموا لمات من الجرح، ويستحقون الدية أجمع على العاقلة إن كان الجرح خطأ، والقود إن كان عمدًا، فإن لم يقسموا على هذا القول فلا شيء لهم.
قال: ومن شج موضحة فتراضى برؤه حتى سقط عليه جدار مات منه أو قتل أن له نصف عقل الموضحة، وذلك عندي؛ لأنه لا يدري لعله مات من الموضحة.
قلتُ: في تعليله هذا نظر؛ لأن احتمال موته منها لا يوجب سقوط أرشها، وموته من غيرها كذلك، والصواب أن يقول: لاحتمال برئه منها لو لم يقتل فسقط أرشها على هذا التقدير، ويثبت على تقدير نقيضه شطر لذلك عقلها، ولو جرحه ثم ضربته دابة فلم يدر من أيهما مات ثبتت القسامة، والدية في الخطأ، والقود في العمد اتفاقًا؛ لأن الظاهر أنه مات من الأمر الآخر كما إذا جرح، ثم مرض فمات.
قلتُ: كذا وجدته في غير نسخة، وفيه تناقض ظاهر؛ لأنه إذا كان موته من الآخر فكيف يقسم على موته من الأول.