الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللمقضي له ذلك إذا تعذر من المقضي عليه، وقيل: لا يلزمهما إلا بعد غرم المقضي عليه، وضعفه إبن عبد الحكم.
قلت: قوله: (عن المذهب) وللمقضي له ذلك وهم؛ لأنه خلاف المنصوص، ولو ذكره بعد ذكر المنصوص أمكن أن يكون قولا انفرد بمعرفته وقوله.
وقيل: لايلزمهما إلا بعد غرم المقضي عليه، وضعفه ابن عبد الحكم ظاهره أن هذا القول في المذهب، وهو وهمٌ، وما نقله من تضعيفه ابن عبد الحكم قد نقله الشيخ حسبما تقدم.
ابن عبد السلام: إذا وقف غرمهما على غرم المقضي عليه، فغرمهما مشروط بغرمه، فيلزمه تأخير الشرط عن المشروط، وذلك مناقض لأصل المسألة أن للمقضي عليه أن يطالبهما بالدفع للمقضي له قبل غرمه.
ألا ترى أن غرمهما سابق على غرمه، فيكون غرمهما سابقاً لاحقا؛ وهو باطل، فلو صح مانقله المؤلف من تضعيف ابن عبد الحكم لكان وجهه هذا.
قلت: وقفه على غرمه إنما هو في غيبته لا مع حضوره، ولا يتوهم تأخر الشرط عن المشروط إلا في مجموع توقف غرمهما على غرمه مع لزوم غرمهما بمجرد طلبه غرمهما قبل غرمه، ويرد بأنه إنما شرط غرمهما بغرمه في حال غيبته لا في حال حضوره؛ لأنه في غيبته يمكن أن لو حضر أقر بالحق المشهود عليه به، وإذا حضر وطلب غرمهما إنتفى هذا الإحتمال فقوله:(يلزم تأخير الشرط عن المشروط)؛ وهم فتأمله.
وقوله: (لو صح مانقله المؤلف من تضعيف ابن عبد الحكم) يدل على أنه لم يصح، وقد تقدمت صحته، وقوله:(لكان وجهه هذا) يدل على أن ابن عبد الحكم لم يذكر وجه تضعيفه، وقد تقدم توجيهه لو نصّاً.
[باب تعارض البينتين]
تعارض البينتين: إشتمال كل منهما على ما ينافي الأخرى.
عبد الحق: روى النسائي بسنده عن أبي موسى: ((أن رجلين إختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم
في دابة ليس لواحد منهما بينة فقضى بها بينهما نصفين))
وقال: إسناده جيد، وذكر عبد الرازق بسنده إلى سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم ((قضى أن الشهود إذا استووا أقرع بين الخصمين))
عبد الحق: هذا مرسل، وفي سنده إبراهيم بن محمد بن أبي يحي، وهو متروك.
وذكر الدارقطني بسنده عن جابر ((أن رجلين إختصما النبي صلى الله عليه وسلم في ناقة؛ فقال كل واحد منهما: نتجت هذه الناقة عندي، وأقامه بينة فقضر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هي في يده))
فمهما أمكن الجمع بينهما جمع كالدليلين، وتتقرر صورة الجمع مثل قولها: ومن قال لرجل: أسلمت إليك هذا الثوب في مائة أردب حنطة، وقال الآخر: بل هذين الثوبين لثوبين سواه فى مائة أردب حنطة، وأقاما جميعا البينة لزمه أخذ الثلاثة الأثواب في مائتي أردب، ولو قال المسلم إليه: أسلمت لي هذا الثوب الذي ذكرت مع العبد فيما سميت، وأقاما البينة قضي بالبينة الزائدة فيأخذ من الثوب والعبد، وتلزمه المائة لذي الأردب.
وفيها مع غيرها: إذا تعارضت البينتان قضي بأعدلها.
ولابن رشد في سماع يحيى من الشهادات: إن شهدت إحدى البينتين بخلاف ما شهدت به الأخرى مثل أن تشهد إحداهما بعتق، والثانية بطلاق، أو إحداهما بطلاق إمراة، والثانية بطلاق إمرأة أخرى، وشبه هذا فم يختلف قول ابن القاسم، ورواية المصريين في أنه تهاتر يحكم بأعدل البينتين، فإن تكافأتا سقطتا.
وروى المدنيون أنه يقضى بهما معا إذا استوتا في العدالة؛ أو كانت إحداهما أعدل.
وفي نوازل سحنون: إن شهدت بينة بقتل زيد عمراً يوم ذكا، وبينة بأنه كان ذلك اليوم ببلد بعيد عن موضع القتل قضي ببينة القتل.
ابن رُشْد: هذا مشهور المذهب، وقاله أَصْبَغ.
وقال إسماعيل القاضي: يقضي ببينة البراءة إن كانت أعدل، وإن كانتا في العدالة سواء طرحتا، وقال ابن عبد الحكم.
وفي نوازل أصبغ: إن شهدت بينة بزنا رجل بمصر في المحرم يوم عاشوراء، وأخرى أ، هـ كان ذلك اليوم بالعراق حد، ولو شهدت الأخرى بأنه سرق ذلك اليوم بالعراق أو قتل إنساناً بالعراق سقطتا، ولو شهدت الأخرى بأنه زنى ذلك اليوم بالعراق حد، وكذا لو شهدت بينة أنه قتل فلاناً بمصر، وشهدت أخرى أنه قتل فلانًا بالعراق قتل بهما.
ابن رُشْد: تفرقة أصبح هذه هي على قياس مشهور قول ابن القاسم أن البينتين إذا اختلفتا بالزيادة أعملت ذات الزيادة، وإن اختلفت في الأنواع سقطتا إلا أن يكون إحداهما أعدل فيقضي بها، وقال أيضًا: إن اختلفتا بالزيادة سقطتا إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضي بها كاختلاف الأنواع، فيلزم على قياس هذا إن شهدت الأخرى بانه زنى ذلك اليوم بالعراق أن تسقطا إلا أن تكون إحداهما أعدل، فيقضى بها كما لو شهدت أنه سرق ذلك اليوم بالعراق، وهو الذي يوجبه القياس لتكذيب كل بينة الأخرى، وتعليل أَصْبَغ لإقامة الحد والقتل بأنه يعلم صدق إحدى البينتين غير صحيح؛ لأنه إذا علم أن إحداهما كاذبة، واحتمل أن تكون كل واحدة هي الكاذبة احتمل كذبهما معا، وإذا احتمل كذبهما معا أو كذب إحداهما لم يصح أن يحكم بأن إحداهما صادقة إلا أن تكون هي أعدل، وإلى هذا نحا ابن عبد الحَكم على ما ذكرناه عنه في نوازن سَحنون، ويأتي على قياس قول الأخوين عن مالك في أن البينتين إذا شهدت إحداهما بخلاف ما شهدت به الأخرى واستويتا في العدالة أنه يقضى بما شهدتا به معا أنه يُحَدّ للزنا، والسرقة إذا شهدتا بهما، وهو بعيد جدًّا.
قول ابن الحاجب: ومهما أمكن الجمع جمع يدل على أنه إن شهدت إحداهما بأنه
طلق الكبرى، والأخرى بأنه إنما طلق الصغرى، أنه يجمع بينهما، وتقدم من نقل ابن رُشْد أنه خلاف قول ابن القاسم، ورواية المصريين، وحوز أحد المتداعيين، ولا مرجح.
وفيها: من كانت بيده دور أو عبيد أو عروض أو دنانير أو غير ذلك فادعى ذلك رجل وأقام بينة، وأقام ذلك من بيده بينة أنه له قضي بأعدل البينتين، وإن تكافأتا سقطتا، وبقي الشيء بيد ائزه، ويحلف.
عياض: ثبت قول ابن القاسم، ويحلف عند ابن وضاح، وسقط لغيره.
وفي الموازيَّة: لا يمين عليه.
وفي الولاء منها: ومن ورث رجلاً بولاء يدعيه، ثم قام آخر البينة أنه مولاه، وأقام قابض الميراث مثلها، وتكافأتا فالمال بينهما.
قيل: ولم، وقد قال مالك: إذا تكافأت البينتان فالمال الذي هو بيده؟ قال: إنما ذلك إذا لم يعرف أصل المال، وهذا مال عرف أصله، وقال غيره: هو للذي بيده كمن بيده ثوب ادعاه رجل، وأقام بينة أن ذلك الثوب كان لزيد يملكه، وأن المدعي اشتراه منه، وأقام حائزه بينة مثلها، ومات البائع، ولم تؤرخ البينتان، وهم في العدالة سواء سقطت البينتان، وبقي الثور لحائزه ويحلف.
الصقلي: مسألة الولاء بخلاف هذه؛ لأن الولاء لم يحزه أحدهما، وإنما وقع الحوز في مال عرف أصله.
وعبر عنه المارزي بقوله: إن عرف مبدأ حوزه ففي الترجيح به قولان فذكر مسألة الولاء، قال: وكذا لو التقط الرجل لقطة فأخذها منه من أقام بينة أنها له، فقيل: إذا عورضت بينته ببينة مثلها بقيت له.
قلتُ: ومنه مسألة من طلبته امرأته بكسوتها؛ فقال لها: الثوب الذي عليك لي، وقالت: بل هو لي، ففي كون القول قولها أو قوله نقل الطرر عن الاستغناء، وفتوى ابن دحون، وابن الفخار قال: حكى قوليهما الفقيه أبو القاسم البوياني، واختار الأول.
قلتُ: بناء على اعتبار كونها في حوز الزوج أو حوزها في نفسها.
وإن تكافأت بينتا من ادعى ما بيد ثالث: فقال اللخمي: إن ادعاه لنفسه؛ فقيل: ينتزع منه، ويكون بينهما نصفين لاتفاق البينتين على انتزاعه منه، وقيل: يبقى لحائزه لترجيح كل من البينتين الأخرى.
قلتُ: ذكرهما المازري روايتين، والثانية قولها، والأولى هي ظاهر قول الغير فيها.
اللخمي: فإن اعترف بها لأحدهما فعلى القول الأول إقراره لغو، ويقتسمانه، وعلى الثاني هو لمن أقر له به.
المازري: اختلف القول عندنا في رجلين ادعيا عفوا من الأرض لا يد عليه، وأقاما البينة هل يصرفان عنه ويقسم بينهما بعد الاستيناء؟
اللخمي: اختلف إن تنازعا عفوا من الأرض، فقيل: يقتسمانه بمنزلة ما لا يد عليه.
وقال في المدَوَّنة: تبقى كغيرها من عفو بلاد المسلمين.
يريد: لأن العبد والدار لابد لهما من مالك، وعفو الأرض يصح أن يكون لا مالك له.
وفيها: لابن القاسم بلغني عن مالك: إن تكافأت بينتا المتنازعين في عفو من الأرض سقطتا، وبقيت الأرض كغيرها من عفو بلاد المسلمين حتى تستحق ما ثبت من ذلك.
ابن القاسم: مثل أن يأتي أحدهما ببينة هي أعدل من الأولى.
وقال ابن القاسم عن مالك في باب بعد هذا: كل ما تكافأت فيه البينات، وليس بيد واحد منهما، ولا يخاف عليه مثل الدور والأرضين يترك حتى يأتي أحدهما بأعدل مما أتي به صاحبه إلا أن يطول الزمان، ولا يأتيا بغير ما أتيا به، فإنه يقسم بينهما.
ابن القاسم: لأن وقف ذلك يصير إلى الضرر.
قلتُ: ففي ترك العفو مطلقًا، وقسمه بعد الطول رواية ابن القاسم فيها، وقول أبي إبراهيم، وروي ابن نافع أن العفو يوقف أيضاً مثل رواية بان القاسم أولاً.
واقتصار ابن عبد السلام على قوله: روي ابن نافع في العفو أنه يوقف أبدًا، ورواية
ابن القاسم أنه يقسم بينهما بعد إيمانهما يدل على أن لا رواية لابن القاسم إلا القسم، وأنه لا يشترط فيه استيناء طول الزمان، وكلاهما غير صحيح لما تقدم من قول الأمهات.
وإذا وجب قسم المدعى فيه فقال ابن شاس: إن لم يكن في أيديهما قسم على قدر الدعاوي، زاد ابن الحاجب اتفاقاً.
قال ابن هارون، فعليه إن ادعى أحدهما جميع الثوب، والآخر نصفه قسم بينهما أثلاثا.
قلتُ: وذكر المسألة ابن حارث وقال فيها عن عبد الملك وسَحنون: لمدعي الكل النصف بإجماعهما على ذلك، والنصف الثاني الذي تداعيا فيه بينهما نصفين.
قلتُ: وكذا نقله الشَّيخ عن أشهب في كتاب ابن سحنون، وهو خلاف قول ابن الحاجب اتفاقًا.
الشَّيخ في الموازيَّة لابن القاسم: إن قال أحد الشريكين في مال بأيديهما لي ثلثاه، وقال الآخر: لي نصفه، وإنما لك نصفه فلمدعي الثلثين النصف ولمدعي النصف الثلث، والسدس الباقي بينهما نصفين بعد تحالفهما.
وقال أشهب: يقسم بينهما نصفين، فعبر غير واحد عن قوليهما: بكون القسم على الدعاوي أو نصفين.
وفي تعيين المبدأ منهما باليمين خلاف.
قال المازري: ذكرنا الاختلاف في اختلاف المتابعين في الثمن هل يبدأ البائع أو المبتاع؟ وذلك يجري هنا.
قلتُ: إنما يتصور الإجراء لو أمكن اختصاص أحدهما بكونه كالبائع، واختصاص الآخر بكونه كالمبتاع، ولا يخفى تعذر ذلك، ثم قال: وكان شيخنا يختار في هذا الأصل القول بالقرعة، وقيل في هذه المسألة الحاكم بالخيار فيمن يبدئه بالحلف.
قلتُ: الأظهر تبدئة آخرهما دعوى على صاحبه؛ لأنه الأول منا لمدعي عليه منهما، ثم أجرى حلف كل واحد منهما على نفي دعوى صاحبه فقط، أو عليه مع صحة
دعواه رجاء أن ينكل صاحبه عن اليمين على الحكم في ذلك في اختلاف المتبايعين، وعلى كونه على التداعي في كونه على قدر مدعي كل منهما كعول الفرائض، أو على اختصاص مدعي الأكثر بما سلم له، وقسم المتنازع فيه بالسويَّة نقلاً الشَّيخ عن مطرف مع ابن كنانة وابن وهب وأشهب وابن القاسم مع ابن الماجِشُون.
قال ابن الحاجب: ولو زادوا على اثنين فقولان:
أحدهما: اختصاص مدعي الأكثر بما زاد على الدعويين جميعا، وهو الصواب.
والثاني: اختصاصه بما زاد على أكثرهما؛ فلو كان ثالث يدعي الثلث مع مدعي جميعه، ونصفه جاء القولان؛ فعلى الأول يختص مدعي الكل بالسدس، ثم يأخذ من الباقي نصفه، وهو ربع وسدس، ثم يختص مدعي النصف بما زاد على الثلث، وهو نصف السدس، ويقتسمان الثلث، وعلى الثاني يختص مدعي الكل بالنصف، ثم يأخذ من الثاني نصف ما زاد على الثلث، وهو نصف الثلث، ويأخذ مدعي النصف نصف سدس، ثم يقسم الباقي أثلاثاً.
قلتُ: يريد بالأول الاختصاص بما زاد على الدعويين، والثاني الاختصاص بما زاد على أكثرهما، وتقرير كلامه واضح.
وعن الشيخ في النوادر: الأول لمحمد بن الموَّاز، وقال ابن حارث: رأيته لبعض المصريين في كتاب أبي إسحاق البرقي، وعزا الشيخ الثاني لأشهب، وقرره بقوله: يقال لمدعي النصف، ولمدعي الثلث: سلمتما النصف لمدعي الكل؛ فيكون له ستة أسهم من اثني عشر، ويقال لمدعي الثلث: سلمت السدس، وهو سهمان يكون بين مدعي الكل، ومدعي النصف نصفين، ويبقى الثلث، وهو أربعة يدعونه كلهم؛ فيقسم بينهم أثلاثا فيصير لمدعي الثلث سهم وثلث من اثني عشر، ولمدعي النصف سهمان وثلث، ولمدعي الكل ثمانية وثلث.
قال: هو نحو جواب ابن القاسم، وقرر محمد قوله بقوله: يقال لمدعي النصف، والثلث سلما السدس لمدعي الكل، وبقي خمسة أسداس يدعيها صاحب الكل وصاحباه يدعيانها فيعطيانه نصفها، ثم يقتسمان نصفها، وهي عشرة قراريط من أربعة
وعشرين قيراطًا، يقال لمدعي الثلث: أنت لا تدعي في قيراطين منهما فسلمهما لمدعي النصف، وتقسم الثمانية بينهما نصفين.
وقال ابن حارث: وفي هذا الأصل قول ثالث هو أعدل الأقاويل أن القسمة في ذلك على حساب عول الفرائض، وهو من معني قول مالك في الدينار الواقع في مائة دينار، وكثيراً ما كنت أسمعه من شيوخنا، وهو لأصحابنا أيام الدرس لهم، والمناظرة لهم.
قلت: حكاه الشيخ في نوادره من نقل أشهب قال: قال أشهب: وقال بعض أصاحبنا: يقسم بينهم على حسب عول الفرائض فيقسم على أحد عشر سهمًا لمدعي الكل ستة، ولمدعي النصف ثلاثة، ولمدعي الثلث اثنان.
وما به الترجيح أمور الأعدلية في الترجيح بها معروف المذهب، ونقل ابن حبيب عن بعض علمائنا، ونقله ابن عبد السلام رواية عن مالك لا أعرفه، وابن رشد إنما عزاه لبعض أهل العلم، قال: وقاله المخزومي.
قال اللخمي: اختلف في الترجيح بالأكثر، والأعدل على ثلاثة أقوال رجح في المدونة بالأعدل لا بالأكثر.
وروى ابن حبيب: يرجح بهما.
قال ابن حبيب: وسمعت غير واحد من علمائنا يقول: إذا شهد عدلان، ومن هو أعدل منهما أو أكثر عدداً فهما سواء، وتبعه المازري على ذلك.
ابن حارث: اتفقوا في البينتين تتضادان في الأموال، والبياعات أن الأعدل منهما أحق بالقبول، واختلفوا إذا تضادت في النكاح؛ فقال ابن القاسم في المدونة، لا ينظر في هذا إلى الأعدل، ويفسخ النكاح إن كان الشهود كلهم عدولاً، وقال أشهب، ولابن عبدوس عن بعد الملك وسحنون أن يقضى بالأعدل في النكاح.
قال: وقال اصبغ في الشهادات من المستخرجة في باب مسائل النوازل أن الجراح والدماء والعتق والقصاص والحدود كلها لا ينظر فيها تكافأت فيه الشهادات إلى الأعدل بعد أن يكون من شهد عدلاً مرضياً؛ فهو أحق ممن يعرض لترك الشهادة.
قلت: لم أجده في العتبية، وليست هذه المسألة من مسائل الترجيح بل من باب الاختلاف في تعارض البينتين في الإثبات، ولانفي هل هو من باب التهاتر؟ فينظر فيه إلى الترجيح أو البينة المثبتة مقدمة، وليس من باب التهاتر، وعليه يتنزل قول أصبغ هذا فتأمله.
قلت: لغو الترجيح بالكثرة، واعتباره قولها ورواية ابن حبيب.
وفيها لابن القاسم: لو شهد لهذا شاهدان، ولهذا مائة وتكافأوا في العدالة لم يرجح بالكثرة.
اللخمي والمازري، ومحمله على الغايات، ولو كثروا حتى يقع العلم بصدقهم لقضي بهم وذكر في تمام رواية ابن حبيب ما نصه: إن كان كلاهما كثيراً يكتفي بهم الحاكم فيما يلتمسه من الاستظهار بالكثرة لم ينظر إلى الأكثر في الترجيح به، وعزاه الشيخ لرواية الأخوين، ووجه المشهور القرافي بأن المقصود من القضاء قطع النزاع، ومزيد العدالة أشد في التعذر من مزيد العدد؛ لأن كلا من الخصمين يمكنه زيادة العدد في الشهود، ولا يمكنه مزيد العدالة، وتعقبه ابن عبد السلام بقوله زيادة العدد إنما هي معتبرة بقيد العدالة نسلم، ولا نسلم أن زيادة العدد بهذا القيد سهلة، وتقرر في علم الأصول أن الوفاء بهما أن الوصف بهما كان أدخل تحت الانضباط، وأبعد عن النقض، والعكس كان أرجح وزيادة العدد منضبط محسوس لا يختلف، والعدالة مركبة من قيود، فضبط الزيادة فيها متعذر أو متعسر فلا ينبغي أن تعتبر في الترجيح.
قلت: رده أولاً بقوله: (لا نسلم أن زيادة العدد بهذا القيد سهلة)، يرد بأن القرافي لم يتمسك بأنها سهلة؛ بل بأنها ممكنة غير ممتنعة، وكونها ليست سهلة لا يمنع إمكانها عادة، وقوله:(ضبط زيادة العدالة متعذر أو متعسر) يرد بمنع ذلك فإنا نعلم بالضرورة في شهود شيوخنا، وأمثالنا من هو أعدل من غيره منهم، ووجهه المازري بأن الشارع لما قيد شهادة الزنا بأربع والطلاق باثنين، وقبل في المال الواحد مع اليمين دل على أن لا تأثير في العدد.
قلت: الأظهر في الترجيح بالأعدلية دون الكثرة أن ما به الأعدلية دون الكثرة إن
ما به الترجيح في الأعدلية هو وصف حاصل فيما وجب الحكم به، وهو الشاهدان اللذان يجب الإعذار فيهما للمحكوم عليه، والكثرة وصف خارج عما وجب الحكم به.
وسمع أبو زيد ابن القاسم: يقدم الشاهد الأعدل مع يمين القائم به على شهادة عدلين.
ابن رشد: هذا خلاف قوله في سماع أصبغ من كتاب الدعوى، وما حكاه ابن حبيب عن الأخوين من تقديم العدلين عليه، ولو كان أعدل أهل زمانه، وهو أظهر والأول إغراق في القياس.
قلت: تقديم شهادة الأعدل مع امرأتين على رجلين عدلين، ولغو أعدليته بتقدم شهادة الرجلين نقل اللخمي عن ابن القاسم مع المازري عن المذهب، وتخريج اللخمي على أن التقديم تخريج من المقدم لمن قدم عليه، وهو نص محمد، وتبعه المازري، وزاد وحكى هذا الذي خرجناه بعض الأشياخ حكاية مطلقة.
وقال ابن الحاجب في الشاهدين: على الشاهد واليمين والشاهد، والمرأتين قولان ورجع عنه ابن القاسم.
قلت: يريد مع التساوي في العدالة لما يذكره بعد، وكذا قيده ابن شاس بالتساوي، ولفظ ابن الحاجب يقتضي أن أول قولي ابن القاسم تقديم الشاهدين على الشاهد والمرأتين، وقبله ابن عبد السالم وابن هارون، وتقدم أن اللخمي لم يثبته إلا تخريجاً مع قول المازري حكاه بعض الأشياخ حكاية مطلقة، وهذا يضعف نسبته لابن القاسم لاسيما مع قول ابن شاس.
قال أشهب يقدم الشاهدان على الشاهد والمرأتين إذا استووا في العدالة، وقال ابن القاسم: لا يقدمان.
قال ابن الحاجب: وعلى التساوي لو كان الشاهد أعدل من كل منهما فقولان.
قلت: تقديمه هو سماع أبي زيد، ومقابل هذا القول تقدم الشاهدين عليه، وهو متقدم نقل ابن رشد على الأخوين.
قلت: وانظر قول اللخمي: أوقف ابن القاسم شهادة رجلين بشهادة رجل
وامرأتين إذا تكافؤوا.
وفي سماع عيسى قال ابن دينار: لا أرى أن يقضي بمن هو أعدل من المعدلين فيقدم على من هو عدل.
ابن رشد: هذا قول ابن الماجشون، وروى مطرف أنه يؤخذ بأعدل المعدلين، والأول هو الجاري علىق ول ابن القاسم أن الترجيح لا يكون إلا بالعدالة؛ لأن زيادة عدالة المعدلين لا تفيد زيادة عدالة في المعدلين، وإنما تفيد زيادة غلبة الظن بصحة عدالة المعدلين، ورواية مطرف على القول بالترجيح بكثرة العدد.
وفي اعتبار بينة الحائز للمدعى فيه بتعارض بينة المعدي، ولغوها معروف المذهب، ونقل غير واحد عن ابن الماجشون، وهو قول المخالف.
قال بان الحاجب: (فلو ترجحت البينة سقط اعتبار اليد، وفي يمين الخارج حينئذ قولان)؛ يريد: إذا ترجحت بينة المدعي على بينة المدعى عليه الحائز للمدعى فيه قضي للمدعي، وفي وجوب اليمين عليه قولان.
قلتُ: نقل القولين الصقلي قال: قال بعض القرويين: اختلف إذا كانت إحدى البينتين أعدل هل يحلف صاحب الأعدل؟ ففي المدونة أنه يحلف في مسألة عفو الأرض مع أعدل البينتين.
وقال ابن محرز: إن كانت إحدى البينتين أعدل قضي لصاحب الأعدل مع يمينه، وعند محمد: لا يمين عليه.
وقال ابن شاس: تقدم بينة الداخل على بينة الخارج عند التكافؤ مع يمينة على الرواية المشهورة.
وقال ابن محرز: إذا تكافأتا فالقول الحائز مع يمينه.
وقال محمد: لا يمين عليه.
وقال عياض في مسألة عفو الأرض: وقد يقال: إن إلزامه اليمين هنا؛ لأنها في غير يد مالك فاستبرأ باليمين لحق بيت مال المسلمين.
قلتُ: مفهومه إنما هو في حوز حائزه لا يمين عليه، وانظر ما ذكره ابن شاس في
ذلك من الروايتين من حكاهما من المتقدمين.
الشيخ عن ابن عبد الحكم: إذا أُرِّخَت بينتا المتداعيين قضيت لأبعدهما تاريخاً، وإن لم تؤرخا قضيت بأعدلهما.
وذكره اللخمي غير معزو، كأنه المذهب قال: وسواء كان المدعى فيه تحت أيديهما أو تحت يد أحدهما أو تحت يد ثالث.
قالك واختلفا إن أُرِّخَت إحداهما هل يكون لمن أُرِّخَت أو أو بمنزلة من لم يؤرخ؟
وذكرت الروايات على نحو ما وردت.
المازري عن أشهب: إن شهدت بينة بأنه يملك هذا العبد منذ سنة، وشهدت بينة بأنه لآخر يملكه منذ ثلاث سنين قضي به لذي الثلاث، ولو قالت الثانية: بل هو في يد الآخر يملكه منذ ثلاث سنين قضي به لذي الثلاث، ولو قالت الثانية: بل هو في يد الآخر منذ سنتين قدمت شهادة من شهد بالملك منذ سنة حتى يقولوا إنه في يد الآخر يملكه منذ سنتين، فرجح أشهب الشهادة بالملك على الشهادة بالحوز.
وكان بعض أشياخي يرى خلاف هذا، وأن الواجب رد السلعة لمن تقدم حوزه لها، حتى يثبت ما يوجب خروجها من يده.
قال أشهب: لو شهد لمدعي أمة أنها بنت أمته لم تفده؛ لأنها لم تتضمن إثبات ملكه، وقد تكون ولدتها قبل أن يشتريها.
قال المازري: وهذا واضح لكنه لو شهدت له أنها ولدت عنده لم تفده.
واعترضه بعض أشياخنا وقال: إنما أسقطها بالجواز أن تكون ولدت عنده؛ وهي وديعة عنده أو رهن، وتعقبه بأن احتمال الوديعة والرهن بعيد.
قلت: لما ذكر اللخمي قول أشهب هذا قال: وقول ابن القاسم أنها لمن ولدت عنده أصوب، ومحمل الأمر على أنها له حتى يثبت أنها وديعة أو غصب.
وفيها: لو أن أمة ليست بيد أحدهما أتى أحدهما ببينة أنها له ولدت عنده لا يعلمون أنها خرجت من ملكه بشئ، قضي بها لصاحب الولادة.
قال غيره: ولو كانت بينة الآخر أعدل، وليس هذا بتهاتر لكن لما زادت قدم
الملك كانت أولى، كما لو شهدت بينة أحدهما أنه يملكها منذ عام، وبينة الآخر أنه يملكها منذ عامين؛ قضي ببينة أبعد التاريخين، وإن كانت الأخرى أعدل.
المارزي: إلا أن يؤرخ الشهود بالملك دون الولادة عنده بتاريخ، فيعلم قطعاً أنه سبق تاريخ الولادة؛ فتكون هاهنا الشهادتان، وقد تكافأتا وتعارضتا؛ مثل أن يشهد قوم في فتاة لم تبلغ الحلم أنها ولدت عند زيد على ملكه، وشهد آخرون أنها مملوكة لعمرو منذ ثلاثين عاماً فهذا يعلم قطعاً أن إحداهما كذبت، فيقع التعارض، ويعود الحكم إلى ما قدمناه أولاً.
قلت: فرضه أن الأمة لم تبلغ الحلم يوجب سقوط البينة بأنها مملوكة منذ ثلاثين عاماً؛ لأنها مخالفة للضرورة، فيجب سقوطها فلا يقع التعارض الذي زعمه، والعجب منه كيف وقع في هذا.
وقد نبه اللخمي على ما قلناه، وقال: إن شهدت بينة كل منهما بنتاجها عنده، أو أرخت بوقتين مختلفين أو متفقين فهو تكاذب؛ إلا أن يتبين كذب إحداهما؛ لأنها مما تتوالد دون ذلك الوقت أو قبله فتكون لمن أشبه.
وفيها: النسج كالولادة.
اللخمي والمازري: اختلف في ذلك فذكر قولها: قال: وفي كتاب ابن سحنون البينة له بالملك تقدم على البينة بالنسج، ويقضي لمن شهدت له بالنسج بقيمة عمله بعد حلفه ما عمله باطلاً؛ وإنما الخلاف إذا كان الناسج إنما ينسج لنفسه، ومن انتصب لنسج الناس بأجر أو للبيع، فالبينة له بالنسج لغو.
وكذا نسج الكتاب.
اللخمي: وقيل: إن كان مما ينسج مرتين كالخز، فقالت: كل بينة هذا نسجه، وعرف الأول كان له، وللثاني قيمة عمله، وهذا فاسد لا أعلم أحدًا نقض ثوب خز جديد، ثم أعاده.
وأيضاً فلا يعرف لو نقض أن الحرير أو الصوف الذي في هذا هو عين الأول، إنما يعلم ما دام ثوبًا، ويستحيل أن يشهد على حرير أو صوف بعد أن يصنع أنه المتقدم قبل