الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوضوء، ولابن سحنون عنه، وكذا من هو من أهل الصلاة بالتيمم لسفر أو مرض وهو لا يعرفه، وكذا من لا يعرف قدر نصاب المال، وهو ممن تجب عليه زكاته.
قلت: إلا أن يكون ممن ماله كثير لا يفتقر في زكاته لتحقيق قدر النصاب؛ لأنه لا يتوقف إخراجه على معرفة قدره، وهذا في المال العين لا في الماشية والزرع.
ابن حبيب عن الأخوين: الأغلف الذي لا عذر له في الاختتان؛ لا تجوز شهادته، ولو جاءه الإسلام وهو كبير، اختتن إبراهيم وهو ابن عشرين ومائة.
وفي الزاهي: من أدي زكاته؛ فليس ببخيل، فمن بخل بالزائد على الزكاة، لم ترد بذلك شهادته.
وقال بعض أصحابنا: ترد بذلك شهادته، وإن كان مرضي الحال في غير ذلك؛ لأنه ساقط المروءة، ومن ترك المروءة؛ لم تقبل شهادته.
والمروءة: ما سمح به من غير أن يجب عليه: وهو مما أمر الله به، قال الله تعالي:{إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:90]، فالعدل: الحق، والإحسان: ما أضيف إليه، والروايات والأقوال واضحة بأن ترك المروءة جرحه، لأن تركها يدل على عدم المحافظة الدينية، وهي لازم العدالة، وتقرر بأنهها مسببة غالباً عن اتباع الشهوات.
المازري: لأن من لا يبالي بسقوط منزلته، ودناءة همته؛ فهو ناقص العقل، ونقصه يوجب عدم الثقة به.
[باب في المروءة]
وفيها: والمروءة: هي المحافظة على فعل ما تركه من مباح يوجب الذم عرفاً، كشرط المليء الانتعال في بلد يستقبح فيه مشي مثله حافياً، وعلى ترك ما فعله من مباح؛ يوجب ذمة عرفاً؛ كالأكل عندنا في السوق، وفي حانوت الطباخ لغير الغريب.
ابن محرز: لا ترد شهادة ذوي الحرف الدنية؛ كالكناس، والدباغ، والحجام، والحائك إلا من رضيها اختياراً ممن لا تليق به؛ لأنها تدل على خبل في عقله، وشهادة الصبيان الذكور في جراحهم المذهب صحتها.
ابن حارث اتفاقاً.
المازري: هو معروف مذهب مالك وأصحابه إلا ابن عبد الحكم فإن منعها.
ابن زرقون: قال مطرف ومحمد بن صدقة في المبسوطة: لا تجوز شهادة الصبيان بحال، ونحوه لابن عبد الحكم.
قلت: لم يعزه ابن رشد إلا لمطرف.
اللخمي: وشرط القاضي أن يكون ممن يعقل الشهادة.
قلت: كقولها: وتجوز وصية ابن عشر سنين وأقل ممن يقاربها.
اللخمي: في إلحاق النساء بهم فيما يقع بينهن من الجراح في المآتم والعرس والحمام، نقل الجلاب في ذلك قولين، ولو لم يكونا عدلين؛ لأنه موضع لا يحضره العدول، وأري أن يقسم معها في القتل، وتحلف إن جرحت وتقتص، وإن عدلتا؛ أقتص لها في القتل دون قسامة، واقتصت في الجرح بغير يمين، وأجاز محمد في المرأة
تدعي على زوجها أنه بني بها، وأرخي الستر، شهادة امرأتين ويمنيها، لأنه مما لا يطلع عليه إلا النساء، وقيل في هذا الأصل: لا يمين عليها.
قلت: لفظ الجلاب: لا تجزئ شهادة النساء بعضهن على بعض؛ حيث لا يحضرن الرجال كالحمام والعرس والمآتم.
وقال بعض أصحابنا: يجوز في ذلك؛ فظاهرة: أن معروف المذهب سقوطها.
وقال المازري في قبول شهادتهن في ذلك روايتان، وظاهر كلام اللخمي والمازري: الاتفاق على شرط حرييهم.
ابن رشد: في سماع أشهب: أما الصبيان المماليك؛ فلا أحفظ في المذهب خلافاً أن شهادتهم لا تجوز، وكذا صبيان أهل الذمة.
ابن زرقون: حكي القاضي في شرح الرسالة عن بعض متأخري أصحابنا: أن شهادة العبد منهم جائزة، ويشترط تعددهم فيها؛ لا تجوز شهادة واحد منهم.
اللخمي: إن شهد واحد على قتل مجهز، فعلى قول مالك؛ لا يقسم معه، ولابن نافع في كتاب ابن مزين: يقسم معه.
ولابن رشد في سماع أشهب: لا تجوز شهادة الواحد منهم على قول ابن القاسم وروايته، وقيل: تجوز شهادته مع يمين المشهود له، قيل: إذا بلغ، وقيل: يحلف والده عنه، ويستحق ما شهد له به، قاله ابن الماجشون، وابن نافع في المبسوطة.
اللخمي: اختلف إن اختلفت شهادتهم، ولم يخرجوا القتيل عنهم، شهد اثنان أن هذين قتلاه، وقال المشهود عليه: بل أنتما قتلتماه؛ فقيل: تسقطان، وقيل: الدية على عاقلة الأربعة، وفي هذا الأصل في الرجال اختلاف لو اختلف قاتل بآخر، وقال كل منهما لصاحبة: أنت القاتل، قيل: لا شيء عليهما، وقيل: الدية على عاقتلهما، والأول أحسن؛ لأن إحدى العاقلتين مظلومة قطعاً.
ولعبد الملك: إن شهد صبيان أن صبياً قتله، وشهد آخران أن دابة أصابته؛ قضي بشهادة القتل، والصحيح سقوطها باختلافهم، وإن اختلفت شهادتهم بعد أن قيدت أخذ بأول قولهم، وإن بلغوا وعدلوا وشكوا؛ أخذ بأول قولهم.
الصقلي: روى ابن وهب في ستة صبيان لعبوا في البحر، فغرق أحدهم، فشهد ثلاثة على اثنين أنهم غرقاه، والاثنان على الثلاثة أنهم غرقوه: أن العقل على خمستهم، محمد: هذا غلط، ولا تجوز، وقاله ابن حبيب عن مطرف قال: ولو كانوا كباراً، فالدية في أموالهم.
ولابن الماجشون في العتيبة: لو شهد صبيان بقتل صبي صبياً، وآخران بأن دابة أصابته، قضي بشهادة الصبيين على القتل.
بعض فقهائها: تسقط لاختلافهم.
أصبغ: إن شهد صبيان بقتل صبي صبياً الساعة، ورجلان بأنهما كانا حاضرين حتى سقط الصبي، فمات؛ قبلت شهادة الصبيين دون الكبيرين.
ابن سحنون: أنكر سحنون قول أصبغ، وقال: قول أصحابنا شهادة الكبيرين أحق، بعض فقهائنا هذا أصوب؛ لأن حضور الكبار يسقط شهادة الصبيان أثبتت أو نفت، وشرط ابن الحاجب في قبول شهادتهم كونها قبل تفرقهم.
ابن عبد السلام: هذا مراد الفقهاء بقولهم: ما لم يخببوا، فإن افتراقهم مظنة مخالطتهم من يلقنهم ما تبطل به شهادتهم.
قلت: مقتضي قولها: تجوز شهادة الصبيان ما لم يفترقوا، أو يخببوا مع اختصارها أبو سعيد كذلك؛ إنهما غير مترادفين، وكذا اللفظ اللخمي: قبل تفرقهم وتخببهم، ولفظ الجلاب: إذا شهدوا قبل أن يفترقوا ويخببوا، فإن افترقوا وأمكن تخبيبهم؛ لم تقبل شهادتهم إلا أن يشهد الكبار على شهادتهم قبل افتراقهم، ونحوه لفظ ابن فتوح، وقال: معني يخببوا؛ أي: يعلموا.
الباجي: التخبيب: أن يدخل بينهم كبير على وجه يمكنه أن يلقنهم، وسمع أشهب: لا تجوز شهادة الإناث منهم.
ابن رشد: قيل: هي جائزة في الجراح دون القتل وفي القتل؛ وهو قول المخرومي فيها على أحد التأويلين، في قوله: قيل: وحدهن دون صبي؛ كامرأتين دون رجل فيما لا يحضره الرجال؛ وهو قول ابن الماجشون، وقيل: يشرط أن يكون معها صبي؛ وهو
قول مطرف وسحنون في نوازله.
قلت: ولابن حارث: روي ابن حبيب: أن مطرفاً يجيز شهادة الإناث الصبيان، كما يجيز شهادة ذكورهم.
المازري: منع مالك وأشهب شهادة إناثهم، وأجازها المغيرة مطلقاً في القتل والجراح.
وعن مالك، وبعض أصحابه: تقبل مضافة لشهادة صبي ذكر لا دونه.
ولابن زروقون عن التونسي: ظاهر قول ابن القاسم، وقول عبد الملك: أن شهادتهن وحدهن جائزة، وهو الواجب إذا كانت العادة أن الصبايا لا يختلطن بالصبيان في لعبهن، ولعل سحنوناً ومطرفاً؛ إنما منع ذلك؛ لأن العادة انفرادهن عن الصبيان، وفي قبول شهادة الصبيان في القتل بينهم قول ابن القاسم مع روايته، وقول أشهب فيها.
وفي نوازل سحنون: اختلف أصحابنا والروايات في قبولها في القتل، والذي أخذ به جوازها حيث تجوز منهم كباراً.
الباجي: إذا جوزت في القتل، فقال غير واحد من أصحاب مالك: لا تجوز فيه حتى يشهدوا العدول على روية البدن مقتولاً.
ابن رشد: رواه ابن القاسم عن مالك، وقاله غير واحد من أصحابه، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي في شهادة المرأتين في الاستهلال، وقتل الخطأ؛ لضعف شهادة الصبيان عندي.
الباجي: إذا شهد على شهادتهم قبل افتراقهم؛ فلا عبرة برجوعهم عن الشهادة قاله ابن وهب.
وقال سحنون ومحمد: إلا أن يرجعوا قبل الحكم، وبعد أن صاروا رجالاً، فتبطل شهادتهم، كما لو شهد رجلان أن ما شهد به الصبيان باطل، وقاله ابن الماجشون في المجموعة.
الباجي عن محمد: لا يختلف أنه لا ينظر إلى عدالتهم أو جرحتهم.
قلت: الأظهر اعتبار منع الكذب قبول شهادة من عرف به منهم.
وفي لغو مانعية العداوة والقرابة بينهم: ثالثها: العداوة، وتعتبر القرابة لابن زرقون عن محمد وابن القاسم وعبد الملك.
ابن رشد: لا تجوز لكبير على كبير، وفي إجازتهم لكبير على صغير، وعكسه قولاً ابن الماجشون وابن القاسم.
الباجي عن محمد: إن كان معهم كبير مشهود عليه أوله؛ لم تجز شهادتهم إلا كبيراً مقتولاً، لم يبق حتى يعلمهم؛ يريد: قتل قعصاً.
ابن زرقون في المدونة: لا تجوز شهادتهم لكبير على صغير أو كبير.
زاد فيها في الديات: في القتل والجراح، وظاهرة خلاف قول محمد: إلا كبيراً مقتولاً، وعزا قول ابن الماجشون له مع مطرف وروايتهما.
أبو عمر عن أبن حبيب: لا نعلم خلافاً أن شهادة الصبيان لغو حيث يحضر الكبار والعدول، وقاله سحنون، وعنه أجازتها.
الباجي: ولو كان الكبار نساء؛ لأنهم يجزن في الخطأ وعمد الصبي؛ كالخطأ، قاله سحنون.
قلت: هو نصها مع كل المذهب، وهل تراعي عدالة الكبير؟
قال مالك: إن شهد صبيان مع كبير؛ لم تجز شهادتهما.
الأخوان: إن كان عدلاً، وإن مسخوطاً، أو عبداً؛ جازت، وقاله أصبغ، ولابن سحنون عنه: إن كان ظاهر السفة والجرحه، جازت، ثم وقف عن إجازتها.
وروي ابن سحنون وأشهب: لا يقبل صبي أو صبيان، ورجل على صبي، وليأت برجل آخر.
وفي صحة شهادة من لم يكن منهم معهم في لعبهم، نقل ابن زرقون عن ابن مزين: لا أبالي كان الصبيان الشاهدان في جماعة مع الجارح أو المجروح، أو في جماعة ليسوا معهم، وعن مالك: أنها تجوز فيما بينهم.
أبو عمر: أجمعوا أن يعدل، ويعلم، ويجرح بعلمه، وأنه إن علم أن ما شهد به
الشهود على غير ما شهدوا إنه ينفذ علمه، ويرد شهادتهم بعلمه، قالوا: لأنه لو لم يحكم بعلمه لتسلسل، وتعقب بقطعة بمشهور العدالة، وبأنه لا يلزم في التجريح لصحته بمشهور العدالة، ويجاب بأن كونه بمشهور العدالة؛ هو بعض صور كونه بعلمه، وجواب ابن عبد السلام بأن مرادهم هنا بالتسلسل؛ التسلسل الظني لا العقلي، والتسلسل الظني لا يترفع بصورة نادرة يرد بأن هذه الصورة النادرة وجودها يرفع ندورها؛ لأنها بها يوجد غيرها، ثم يوجد بهما صور كثيرة يرتفع بها ندورها، وبأن عدولهم عن عبارة التعليل بأن يؤدي إلى عسر إثبات العلم بالعدالة والجرح إلى عبارة التسلسل قرينة في أنه المعهود إطلاقه في أصول الفقه وهي العقلي؛ ولذا قال المازري في تقرير التسلسل: وهذا كما يقول أهل الأصول في استحالة حوادث لا أول لها.
وللصقلي في أواخر كتاب الأقضية عن سحنون: لو شهد عندي عدلان مشهوران بالعدالة، وأنا أعلم خلاف ما شهدا به؛ لم يجز أن أحكم بشهادتهما، ولا أن أردهما لعدالتهما، ولكن أرفع ذلك إلى الأمير الذي فوقي، وأشهد بما علمت، وغيري بما علم، ولو شهد شاهدان ليسا بعدلين على ما أعلم أنه حق؛ لم أقض بشهادتهما؛ لأني أقول في كتاب حكمي بعد أن صحت عندي عدالتهما، وإنها صح عندي جرحتهما، وقال نحوه ابن الماجشون وبان كنانة، فقتله لابن عبد السلام نقله هنا، وهو من فصل حكم الحاكم بعلمه في غير التعديل والتجريح.
وذكر الأيباري في كتاب الأخبار من شرح البرهان له ما نصه: لو شهد العدول عند الحاكم بأمر يعلم خلافه، هل يحرم عليه الحكم أو يجب؟ ذهب مالك إلى أنه يجب عليه في المشهور عنه إذا لم يعلم تعمدهم للكذب؛ لأنه فسق، وهو يحكم في التجريح بعلمه، وقال غيره: لا يحكم بما علم خلافه، وهو يحكم في التجريح في غيابه.
قال بعض محدثي شيوخ بلدنا الرحالين فيمن أدرك من شيوخ المشرق: منهم الأبياري على بن إسماعيل الصنهاجي، ثم التلكاتي من إبيار قرية بين مصر والإسكندرية تفقه على أبي الطاهر السلفي، وهو من أكابر أصحابه، كان فقيهاً مالكياً حافظاً بالمذهب، وانتهت إليه رئاسة الفقه والحديث، ورحل الناس إليه، له تصانيف
حسان منها: شرح التهذيب، ومنها: شرح البرهان كان ديناً فاضلاً مستجب الدعوة.
المتيطي: لا يقبل القاضي فيمن يعلم جرحته تعديلاً ممن شهد به وقال أبو عمر في كافيه عن محمد: أن يقبل فيه التعديل، وإن علم خلاف ذلك؛ لأنه إن رد الشهادة بتعديله؛ قضي بعلمه؛ وهو لا يقضي بعلمه.
ابن حارث: روي ابن عبدوس: من عرفه القاضي بجرحه، لا يقبل فيه تزكية.
أبن القاسم: إن كانت معرفته جرحته حديثة، وإن قدمت قبلها فيه.
ابن حارث: قديم معرفته عدالته، وكذا قديم معرفته جرحته، إلا أن يعرف جرحته قديمة بأمر باطن، وزكي بأمر ظاهر، فتزكيته لغو.
وفي التهذيب: ومن الناس من لا يسأل عنه، ولا تطلب فيه تزكية؛ لشهرة عدالته عند القاضي والناس.
ولفظها في المدونة: قال مالك: من الناس من لا يسأل عنه، ولا تطلب منه التزكية؛ لعدالتهم عند القاضي.
وفي النوادر: قال محمد بن عبد الحكم: من الناس من لا يحتاج أن يسأل عنه؛ لاشتهار عدالته؛ ومنهم من لا يسأل عنه؛ لشهرته بغير العدالة؛ إنما يكشف عما أشكال عليه، وقد شهد ابن أبي حازم عند قاض المدينة أو أعمالها، قال: أما الاسم، فاسم عدل، ولكن من يعرف أنك ابن أبي حازم، فأعجب ذلك مشايخنا.
قلت: وذكر لي بعض شيوخي عن بعض شيوخه، أن الشيخ الفقيه أبا زكريا البرقي فقيه المهدية شهد في مسيرة للحج عند قاضي الإسكندرية، فلما قرأ أسمه قال: أنت البرقي فقيه المهدية، فقيل له: نعم، فكلف المشهود له البينة على أنه هو، وحكم له بشهادته دون طلب تعديله.
المتيطي: للباجي في وثائقه: التعديل يجوز في كل شيء الدماء وغيرها، وقيل: لا تكون عدالة في الدماء، قاله أحمد بن عبد الملك، ولا يقضي به.
قلت: تقدم نقله، ووهم من نقله بزيادة الحدود، وسمع يحيي سؤال ابن القاسم عن الشاهد لا يعرفه القاضي بعدالة، ولا بحال فاسدة، وهو يشهد الصلوات في
المساجد جوابه: بأنه لا ينبغي له أن يقبل إلا ثابت العدالة.
ابن رشد: قوله: لا يقبل من لا يعرفه بعدالة ولا سخطه، وإن كان ظاهر الصلاح بشهود الصلوات في المساجد، وبأنه لا يعرفه بأمر قبيح هو قول جمهور أهل العلم، ومذهب مالك وجميع أصحابه لا اختلاف بينهم فيه.
وأجاز ابن حبيب شهادة من ظاهرة العدالة بالتوسم فيما يقع في الأسفار بين المسافرين من المعاملات، والتجارات، والأكرية بينهم وبين المكارين مراعاة لقول الحسن، والليث بن سعد، لقول عمر رضي الله عنه: المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حداً، أو مجرباً عليه شهادة زور، أو ظنيناً في ولاء أو قرابة، وحكي ذلك عن مالك وأصحابه، وهو خلاف ظاهر قول ابن القاسم وروايته فيها، إذا لم يجز شهادة الغرباء دون تعرف عدالتهم إلا أنه رخص في تعديلهم، فأجاز فيهم التعديل عل التعديل.
وعن يحيي بن عمر: إجازة شهادة من لم تعرف عدالته في الشيء اليسير، وهو استحسان، مراعاة لقول الحسن والليث، والكافر قرب إسلامه في قبول شهادته مطلقاً، وبعد اختيار حاله، ثالثها إن كانت صفاته قبل إسلامه، لم ينقص منها غير إسلامه؛ لظاهر نقل المازري عن المذهب مع مختصر الشيخ عن سحنون، وبعض تعاليق أبي عمران.
وفي سرقتها: لو حد نصراني في قذف، ثم أسلم بالقرب؛ قبلت شهادته، قلت: هذا يرد القول باختبار حالة، وقول أبي عمران.
وفي الزاهي لابن شعبان: قيل: شهادة الكافر قبل إسلامه مقبولة يجب الإسلام ما قبله، وكذا الصبي قرب احتلامه بخلاف العبد حين يعتق؛ ينظر في حاله قبل عتقه.
وقول ابن الحاجب: وإنما يجب عليها لاستزكاء مهماً شك تفسيره.
ابن عبد السلام: بالشك الأعم من الظن الصادق عليه، وعلى قسيم الشك الأخص حسن، من حيث حمله على أصل المذهب، كما تقدم في سماع عيسي، وتبع ابن الحاجب فيه ابن شاس، وتبع ابن شاس نص وجيز الغزالي، ولفظهما: وإنما يجب عليه
الاستزكاء مهما شك، وإن سكت الخصم إلا أن يقر بعدالته، وسياق كلامهما يدل على أن إقرارهما بعدالته؛ إنما هو بعد أداء شهادته لا قبلها.
وعبر ابن الحاجب عن ذلك بقوله: ولو أقر الخصم بالعدالة؛ حكم عليه خاصة، ولا أعرف هذا الفرع لأحد من أهل المذهب، ونقله ابن شاس، وابن الحاجب عن المذهب؛ يقتضي أنه نص فيه، فالله أعلم هل وقعا عليه في المذهب نصاً، أو إنما وجداه للغزالي، فظناً أنه جار على أصول المذهب؟ وهذا العذر لا يبيح إضافته للمذهب نصاً، ولهما مثل هذا في مواضع كثيرة، وفي جرية على أصل المذهب نظراً؛ لأنه إقرار متناقض، فيجب طرحه؛ لبطلانه بتناقضه، وتقريره أن الخصم إن أقر بحقيه ما شهد به؛ صار موجب الحكم عليه إقراراً، وقد فرضناه بينه، هذا خلف، وإن نفي حقيه ما شهد به؛ كان حاكماً عليه بالكذب عمداً أو تعقلاً، وكلاهما منافي للعدالة المعتبرة في الحكم.
فإن قلت: قد نص عليه أو عمر في آداب القضاة من كافية قال ما نصه: إن شهد عند القاضي شهود لم يعرفهم، واعترف المشهود عليه بعدالتهم؛ قضي بهم عليه إذا لم يكذبهم، ولا يقضي بهم على غيره إلا بتعديل.
قلت: قول أبي عمر: إذا لم يكذبهم، تصير المسألة إلى باب الإقرار لا الحكم بالبينة.
وقال المتيطي: إثر قول أبي عمر قال أصبغ: إذا رضي الخصمان بشهادة من لا يعرفه القاضي، لم يحكم بها.
ولابن عات في الاستغناء عن ابن كنانة: إن شهد من عدله رجل على من عدله؛ لم يكلف تعديله، لأنه رضي بشهادته بتعديله، وزيادة أبي عمر لم يكذبهم لم يذكرها ابن الحاجب.
وفي رسم الشجرة من سماع ابن القاسم في التزام أحد الخصمين شهادة فلان: أنه إن قاله تبكيتاً لخصمه، وإبراء للشاهد من الكذب؛ لم يلزمه ما يشهد به عليه اتفاقاً، وإلا ففي لزومه له فيما تحققه كدين عليه وما لا تحققه كدين على أبيه، أو حدود أرض ثالثها: في هذا المطرف وابن القاسم، مع ابن الماجشون، وأصبغ، وعيسي بن دينار، وابن كنانة مع ابن دينار، واختيار سحنون، كان الشاهد عدلاً أو مسخوطاً أو نصرانياً،
وقيل: إلا النصراني، وإن لم يبين كونه تبكيتًا؛ فهو فيما نازعه فيه من قول أو فعل على التبكيت، وفيما لا علم له به من حدود أرض، أو دين على أبيه على عدم التبكيت.
وفي نوازل سَحنون: ليس كل من تجوز شهادته تجوز تزكيته؛ قد تجوز شهادة الرجل، ولا تجوز عدالته، لا يجوز في التزكية إلا المبرر النافذ الفطن الذي لا يخدع في عقله، ولا يستنزل في رأيه، ولا ينبغي لأحد أن يزكي رجلًا، إلا رجلًا قد خالطه في الأخذ والعطاء، وسافر معه ورافقه.
قال مُطَرِّف بن عبد الله: لا يجوز في الجرحة والتعديل إلا العدل المنقطع، وليس كل من جازت شهادته؛ يجوز في الجرحة.
ابن رُشْد: هذا مما لا خلاف فيه، ومعنى قول مُطَرِّف؛ إنما هو إذا لم ينص على الجرحة ما هي، وإنما قال: أشهد أنه ليس من أهل الرضا والعدالة، ولو شهد عليه أنه شارب الخمر، أو صاحب قيان، أو عدو للمشهود عليه، وشبه لك؛ جازت شهادته بذلك إذا كان جائز الشهادة، وإن لم يكن مبرزا في العدالة وهو نصه ونص أَصْبَغ في الواضحة، ولما ذكر المتيطي قول سَحنون: إن شهود التعديل لا يكونوا كشهود سائر الحقوق، قال عليه أكثر أصحاب مالك، وبه العمل.
قال: وعنه أن شهود التزكية كشهود سائر الحقوق.
اللخمي: لا يقبل التعديل بيسير المخالطة؛ لأنه لا يدرك إلا بطولها؛ لأن الإنسان يزين ظاهره، ويكتم عيبه.
قال محمد: لا يقبل ذلك حتى تطول المخالطة، فليعلم باطنه كما يعلم ظاهره؛ يريد يعلم باطنه في غالب الأمر لا أنه يقطع بذلك.
قُلتُ: هذا مع متقدم قول سَحنون: لا ينبغي أن يزكي إلا من خالطه في الأخذ والإعطاء، وسافر معه ورافقه؛ كالنافي لنقل الشَّيخ عن ابن سَحنون عنه من عدل رجلًا لم يعرف اسمه قبل تعديله، وانظر هذا مع تعقب بعض أهل الزمان تزكية الشاهد بعض العوام مع شاهدته عليه بالتعريف بعد تزكيته إياه قبلها بقريب.
اللخمي: إن علم بمخالطته اجتنابه الكذب والكبائر والوفاء بالأمانة؛ جاز تعديله
إياه، ويقبل تعديله من جيرانه، وأهل محلته لا من غيرهم؛ لأن وقفهم على تعديله مع كونهم أقعد به رتبة في تعديله، فإن لم يكن فيهم عدل؛ قبل من سائر بلده.
المتيطي: لا يزكي الشاهد إلا أهل مسجده وسوقه وجيرانه، رواه أشهب، وقاله الأخوان.
ولما ملك الأمير أو الحسن المريني إفريقيَّة قدم تونس، فوجد الشَّيخ الفقيه القاضي ابن عبد السلام قدم شهودًا بتونس، لم يمض لتقديمهم إلا عدة أشهر، فذكر له بعض من وثق بكلامه ما وجب أن أمر القاضي المذكور بوقفهم إلا إمام الجامع الأعظم منهم، فإنه قدم فيهم لغرض فوقفهم، وطال وقفهم أزيد من عام أو قربه، حتى سعى بعضهم على يدي بعض من كان بتكرر للشيخ أبي عبد الله السطي في أن يكلم السلطان عسى أن يفوض للقاضي في رد من شاء منهم، وكان التناصي وعد الواسطة في أن يقدم معه إذا وقع التفويض، فلما كلم الشَّيخ السطي السلطان، وفوض للشيخ ابن عبد السلام؛ قدم ولده والساعي، ومن شاء منهما، ولم يقدم الواسطة، فبعث الشَّيخ السطي إلى السلطان الساعي، وكلمه في توفيته بما وعد به الواسطة، وأن يكلم عنه الشَّيخ ابن عبد السلام في تقديمه فأتاه عنه، وقال له: يقول لكم: إن ارتهنتم فيه نقدمه، وكانت أسباب الجرح إذا نالت الشَّيخ السطي تصدر عنه شديدة، فأجابه بجواب اللائق من ذكره أنه قال له: قل له: هذا منك غفلة أو استغفال، أم تعلم أن المنصوص أنه لإنما يعدل الرجل أهل محلته وجيرانه، وذكر ما تقدم من نقل اللخمس والمتيطي قال له: وهذا الذي طلبت منه تعديله أنت عالم بأن معرفتي به حديثة لمدة يسيرة، وليس من بلدي، وهو قاطن معك مخالط لك؛ كمخالطة غيره ممن قدمته، فلم يستطع أن يرد إليه جوابًا؛ لأن القول بالعلم نور لا يرده ذو ديانة أنصف.
وفي آخر لقطتها: إن شهد قوم على حق، فعدلهم قوم غير معروفين، وعدل المعدولين آخرون، فإن كان الشهود غرباء؛ جاز ذلك، وإن كانوا من أهل البلد؛ لم تجز؛ لأن القاضي لا يقبل عدالة على عدالة.
وسمع القرينان: أترى المسألة عن الشهود سرًا؟ قال: نعم، ولا يسأل إلا العدول.
ابن رُشْد: المسألة عنهم سرًا؛ هو تعديل السر ينبغي للقاضي فعله، ولا يكتفي بتعديل العلانية دونه، ويكتفي بتعديل السر دون تعديل العلانية.
حكى هذا ابن حبيب عن الأخوين وأَصْبَغ ومعناه: في الاختيار لا اللزوم على ما في المدَوَّنة وغيرها، وتعديل السر يفترق من العلانية في أنه لا إعذار في السر، وفي أنه يجزي فيه الشاهد الواحد، والاختيار اثنان، بخلاف العلانية في الوجهين.
وعن سَحنون: لا يقبل في السر إلا اثنان، وهو ظاهرها ومعناه: في الاختيار، فلا خلاف في إجزاء الواحد في السر، وحمل بعضهم ذلك على أنه اختلاف من القول غير صحيح، وإنما كان تعديل السر أقوى من العلانية؛ لأن الشاهد قد يسأل التزكية، فيستحيي من التوقف عنها.
قال ابن شبرمة: أنا أول من سأل في السر كان الشاهد إذا أتى القوم ليزكوه استحيوا منه، وتعديل السير هو أن يبتدئ القاضي بالسؤال عن الشاهد من يظن أنه خبير بحاله من جيرانه وأهل خلطته، ومكانه أو يتخذ رجلَا يوليه السؤال عن الشهود، فيقبل ما أخبر به وحده، ولا ينبغي له هو أن يكتفي بسؤال واحد خوف أن يكون بينه وبين الشاهد عداوة. هـ.
وتعديل العلانية أن يقول القاضي للمشهود له: لا أعرف شهودك، فعدلهم عندي: لا يجوز فيها إلا اثنان، ويلزم الإعذار بهما للمشهود عليه،
هذا معنى ما فيها، والواضحة وغيرهما من الدواوين لا خلاف في شيء منه هـ.
اللخمي: تقبل التزكية سرَا، واختلف في قبولها علانية، فأجازه فيها، ومنعه ابن الماجِشُون وهو أحسن؛ لأن الناس يتقون أن يذكروا في العلانية سرًا خوف العداوة.
الشَّيخ عن أَصْبَغ: وليكن التعديل سرًا وعلانية، ولا أحب أن يتجزئ بالسر عن العلانية.
الباجي: الأفضل الجمع بينهما، ووجه الاكتفاء بالسر عن العلانية، أنه لا يجتزئ بالسر إلا بالخبر الفاشي المتكرر الذي يقع به العلم؛ ولذا لا يعذر فيه، ويعذر في العلانية للمشهود عليه.
وروى ابن القاسم: لا يجوز في تزكية العلانية أقل من اثنين، وهذا في كل شيء إلا في الزنا، ولابن حبيب.
روى مُطَرِّف: لا يعدل كل واحد من شهود الزنا إلا أربعة.
ولابن الماجِشُون: يجوز فيهم فير غيرهم اثنان على كل واحد منهم، أو أربعة على جميعهم، وعدد المزكين في السر.
روى ابن القاسم في المجموعة: يكفي الواحد، وروي عنه في التعبيَّة: لا أحب أقل من اثنين.
وقال سَحنون: لا يقبل أقل من اثنين.
ابن زرقون: هو ظاهرها.
وحمل أو الوليد المسألة على الخلاف، وهو أظهر.
وقال غيره: ليس بخلاف، والواحد يجزئ في السر اتفاقًا، وإن كان الاختيار اثنين.
قُلتُ: لأن أصل المذهب أن ما يبتدئ القاضي بالسؤال عنه، يكتفى فيه بالواحد كذا عبر بعضهم بأنه أصل المذهب، ونقله ابن المناصف عن ابن الماجِشُون قال: وقيل لابد من اثنين على كل حال، ولو فيما ابتداه، وهو الأولى إن شاء الله.
وعزاه ابن رُشْد لابن حبيب، وأَصْبَغ عن ابن القاسم، ولم يحك فيه الأول خلافًا.
وقال: هو الصحيح على أصولهم.
المتيطي لمُطَرِّف في الواضحة: يجوز تعديل الواحد في الحقوق، وفي موضع آخر منها: لا يكون باثنين إلا أن يكونا من أهل العلم بالعدالة، والشهرة في العدالة.
وعن ابن كنانة: لا يكون التعديل بأقل من ثلاثة، حكاه ابن مغيث عنه في وثائق.
قُلتُ: ففي ثبوت تعديل العلانية باثنين ولو في الزنا، وشرطها فيه بأربعة لكل شاهد معروف المذهب، ورواية مُطَرِّف.
…
ثالثها: وجوبهما، ورابعها: وجوب ثلاثة لوراية ابن القاسم في المجموعة، وسماعه وسَحنون وابن كنانة.
وسمع يحيى ابن القاسم: لا ينبغي لقاض شهد عنده من لا يعرفه أن يكتب في
تعديله إلا لقاضي يثق بعلمه ونظره ودينه، وإلا لم يكتب إليه، فإن كان في الكور رجال ترضى حالهم؛ كتب لهم سرًا أن يسألوا عن الشاهد سؤالًا حثيثًا، فإن كان عندهم مشهورًا بالعدالة، معروفًا بالصلاح؛ كتبوا بذلك، فأجاز شهادته، ولإ لاتركه حتى يعدل.
ابن رُشْد: لم يبين هل يلزم القاضي أن يكتب في هذا التعديل أم لا؟ وأرى لزومه إن كان المكتوب إليه من عمله على ماله.
في رسم الأقضية لابن غانم من سمَاع أشهب من الأقضية، ولا يلزمه إن لم يكن من عمله إلا لأن يكون في حق لله من طلاق أو عتق وشبهه، وما ليس حقًا لله؛ لا يلزمه إلا في موضعه، ويستجب له الكتب لقضاه عمله، وعدول موضع الشاهد؛ لأن الكشف عن البينة على القاضي الذي شهدت عنده، فإن عجز؛ كلف المشهود له تزكيتهم هذا تفسير الروايات بعضها بعضًا، وحمل بعض أهل النظر ما في هذا السماع، وسماع زونان على أنه يلزمه أن يكتب في تعديل من شهد عنده إلى قاضي موضعه: ولو لم يكن من أهل عمله، وهو من التأويل البعيد.
المازري: أنكر سَحنون أن يزكى شاهد عند قاتض؛ ليمض القائم بشهادته إلى بلد آخر، فيشهد له، ثم يأخذ بتلك التزكية، ومن له شاهد لا يعرف عدالته إلا رجلان خاف، فقدمهما قبل تيسر طلبه، فأسمع شهيدين شهادتهما بعدالته؛ ففي قبولها عند قيامه بها قلا سَحنون.
وفيها: ويزكى الشاهد وهو غائب عن القاضي.
الصقلي عن سَحنون: معناه: إن كان مشهورًا، فأما غير المرعوف؛ فلا يزكى إلا بحضرته.
عبد الحق: معناه: إن كان غائبًا عن مجلس القاضي، وهو حاضر البلد، أو قريبًا جدًا، ومن بعدت غيبته؛ جازت تزكيته، كما يقضى عليه، ونحوه لأبي محمد.
اللخمي: يسمع الجرح في المتوسط العدالة مطلقًا، وفي المبز والمعروف بالصلاح والفضل؛ تجريح العداوة أو العجزة، أو القرابة، وشبه ذلك.
وفي قبولها فيه بالإسفاه قولا سَحنون وأَصْبَغ في التعبيَّة والواضحة.
وعلى قبول تجريحه: ففي حال من يقبل منه أربعة:
سَحنون: لا تقبل إلا من مبرز في العدالة.
ابن الماجِشُون: يجرح الشاهد بمن هو مثله بالأسفاه الأيمن هو دونه.
ابن عبد الحَكم: لا يقبل في بين العدالة إلا من هو معروف بالعدالة، وأعدل منه، ويذكر ما جرحه به، فأما ما يلبث بالكشف عنه؛ فلا يقبل تجريحه لأهل العدالة البينة.
مُطَرِّف: يجرح الشاهد بمن هو مثله، ودوه بالإسفاه وهذا أحسن؛ لأن الجرح مما يكتم، والاستحسان ألا يقبل في المبرز إلا من مبرز، ولو كان دونه في التبريز.
قُلتُ: هذا هو قول سَحنون، وإلا لم تكن الأقوال أربعة إلا باختياره هذا، فتأمله.
ولابن رُشْد في رسم الأقضية الثاني من سمَاع أشهب: المبرز في العدالة لا يجرح بالإسفاه، قاله أَصْبَغ في الواضحة؛ وهو تفسير لقول من أجمل القول في ذلك؛ كقول سَحنون في نوازله، وغيره من أصحاب مالك.
وعن مالك: لا يباح تجريح المبرز بعداوة ولا غيرها، وهو بعيد، واختلف في التجريح بالإسفاه؛ فقال ابن الماجِشُون: لا يجرحه به إلا من هو فوقه في العدالة، وهذا إذا نصوا الجرحة في التجريح، ولو قالوا هو غير عدل، ولا جائز الشهادة؛ لم يجز في ذلك إلا المبرز العارف بوجوه التعديل والتجريح.
المتيطي: منع ابن العطار من إسقاط شهادته بالعداوة ممن هو دونه، وأجازها ابن الهندي.
ابن عات: لا أعلم فيه خلافًا.
قال ابن رُشْد: في الرسم المذكور أيجرح الشاهد برجل واحد؟ قال: لا.
ابن رُشْد: لا يجرح المشهود عليه من شهد عليه إلا بشاهدين اتفاقًا؛ وإنما يجرح بالواحد، ويعدل به إذا ابتدأ الحاكم بالسؤال عن الشاهد من يثق به، قاله ابن حبيب وأَصْبَغ عن ابن القاسم.
اللخمي: يستحب كون التجريح سرًا؛ لأن في إعلانه أذى للشاهد، ومن حق
الشاهد والمشهود له أن يعلما بالمجرح، فقد يكون بينه وبين أحدهما عداوة، أو بينه وبين المشهود عليه قرابة، أو غير ذلك مما يمنع التجريح، ويختلف إن كان الشاهد والمشهود له ممن يتقى شره، فقال سَحنون: يعلم بالمجرح، ثم قال: دعني حتى أنظر.
وقيل لابن القاسم: أيجرح الشاهد سرَّا؟ وقد يقول المجرح: نكره عدواة الناس.
قال: نعم، إن كانوا عدولاً.
اللخمي: قول سَحنون أحسن؛ لفساد قضة اليوم، ولو اجتهد ثقات المبرز في العدالة في وجوه الكشف هل بين المجرح والمشهود له عداوة، أو بين المشهود عليه أو المجرح قرابة، والمجرح مبرز في العدل، والآخر ممن يخاف إذا أعلم؟ رأيت أن لا يعلم، وهذا من تغليب أحد الضررين، وإذا علم المجرح أنه يعلم به مثل هذا الذي يخاف لم يجرحه، وقد رأيت من تقبل شهادته، وليس من أهل الشهادة، ولا يجرحون خوفًا منهم.
قال ابن رُشْد في السماع المذكور: واختلف إن أراد الشاهد على الجراحة أن يشهدا سرًا لما يجر ذلك من العداوة بينهما وبين المجرح.
فقال ابن حبيب: لا تقبل إلا علانية؛ إذا لابد من الإعذار في شهادتهما للمشهود له الأولز
ولابن عبدوس عن ابن القاسم: تقبل شهادتهما في السر؛ لعلة العداوة، وهو قول سَحنون قال: التزكية علانية، والتجريح سرًا، ولا آمرهم أن يسبوا الناس.
ولابن حبيب عن الأخوين: ويؤجل المشهود عليه في دعوى جرح الشاهد عليه.
ابن فتوح: كسائر الدعاوي بحسب اجتهاد القاضي، وتقدم لابن رُشْد وغيره كيفيَّة إعطائه الآجال بعد أن يقيم المطلوب حميلاً بالخصومة، قاله ابن فتوح وغيره.