المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وفي شرط عدم الولاية في المال خلاف: سمع أشهب: أتجوز شهادة - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٩

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[باب التحويز]

- ‌باب في الحوز الفعلي في عطية غير الإبن

- ‌[باب الاعتصار]

- ‌[باب صيغة الاعتصار]

- ‌باب هبة الثواب

- ‌[باب الهبة بشرط عوض عيناه]

- ‌[باب العدة]

- ‌[كتاب اللقطة]

- ‌[باب الضالة]

- ‌[باب الآبق]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌[كتاب القضاء]

- ‌[باب في شروط صحة ولاية القضاء]

- ‌[باب في الشروط في القضاء التي عدمها يوجب عزل القاضي وتنعقد الولاية مع فقدها]

- ‌[باب ما يقضى فيه بالصفة في الشهادة]

- ‌[باب في الخطأ الموجب لرد حكم العالم العدل]

- ‌[كتاب الشهادات]

- ‌[باب في شروط الشهادة في الأداء]

- ‌[باب العدالة]

- ‌[باب في المروءة]

- ‌باب في التعديل

- ‌باب مانع الشهادة

- ‌[باب فيما تثبت به الحرابة]

- ‌[باب فيما تصير به الأمة أم ولد]

- ‌[باب شهادة السماع]

- ‌باب تحمل الشهادة

- ‌باب أداء الشهادة

- ‌[باب النقل]

- ‌[باب الرجوع عن الشهادة]

- ‌[باب تعارض البينتين]

- ‌[باب الملك]

- ‌[باب الدعوى]

- ‌[باب المدعي والمدعى عليه]

- ‌[(باب النكول]

- ‌[باب الخلطة]

- ‌[باب في القتل]

- ‌[باب العمد في القتل]

- ‌[باب في السبب الموجب للقود]

- ‌[باب في التسبب الموجب للدية في المال]

- ‌[باب في التسبب الموجب للدية على العاقلة]

- ‌[باب الموجب لحكم الخطأ]

الفصل: وفي شرط عدم الولاية في المال خلاف: سمع أشهب: أتجوز شهادة

وفي شرط عدم الولاية في المال خلاف:

سمع أشهب: أتجوز شهادة المولى عليه وهو عدل؟ قال: نعم، ابن رشد مثله.

روي ابن عبد الحكم في الموازية: وهو قياس المعلوم من قول ابن القاسم في لغو الولاية على اليتيم البالغ في جواز أفعاله وردها، والآتي على مشهور المذهب المعلوم من قول مالك وأصحابه في أن المولى عليه لا تنفذ أفعاله، وإن كان رشيداً في أحواله أن لا تجوز شهادته، ولو كان مثله لو طلب ماله؛ أخذه، وهو نص أشهب في المجموعة، ونحو سماعه أصبغ: لا يجوز أن يكون وليًا في النكاح، ولو كان عدلاً.

ولابن حبيب عن مالك وأصحابه: إن حكم قاض بشهادته أو بشهادة العبد، ثم أنكشف ذلك بعد الحكم؛ ردت القضية بخلاف أن لو انكشفت إنه مسخوط أو سفيه، ورواه أبو زيد عن ابن الماجشون.

وقال أصبغ: إن قضي بشهادته، ثم تبين أن مولي عليه سارقاً فاسداً بين الفساد، أو مسخوطاً بين الفسق والفساد؛ ردت قضيته كما تريد إن تبين أنه عبد.

[باب العدالة]

والعدالة لما كانت شرطاً في الشهادة والرواية تكلم عليها الفقهاء والأصوليون، وابن الحاجب في أصلية وفقيه، وأطال المازري فيها الكلام، والأولى صفة مظنة، لمنع موصوفها البدعة، وما يشينه عرفاً، أو معصية غير قليل الصغائر، فالصغائر الخسيسة

ص: 228

مندرجة فيما يشين، ونادر الكذب في غير عظيم مفسدة؛ عفو مندرج في قليل الصغائر؛ لدليل قولها في آخر شهاداتها مما يجرح به: أنه كذاب في غير شيء واحد، وأطول منه قول ابن الحاجب في الفقهي: العدالة، المحافظة، الدينية، على اجتناب الكذب والكبائر، وتوقي الصغائر، وأداء الأمانة، وحسن المعاملة ليس معها بدعة، ويتعقب بحشو لفظ الدينية لاستقلاله دونه، وإجمال قوله: وتوقي الصغائر؛ لاحتمال جميعها أو أكثرها.

ابن عبد السلام: الضمير في قوله: ليس معها بدعة؛ راجع إلى العدالة، وظاهره: أن السلامة من البدعة أمر زائد على العدالة؛ لكن تعليله اشتراط هذه المعية بقوله؛ فإنها فسق يوجب كونها مضادة للعدالة، فيستغنى بذكر العدالة عنها، كما استغني بذكر العدالة عن سائر أضدادها، وقد يجاب بأن هذا النوع من أضداد العدالة كثر النزاع فيه.

قلت: يرد إعادته الضمير على العدالة، فإن فهم معية الشيء؛ لا تعلم إلا بعد فهم ما نسبت إليه؛ لأن من أمر عبده أن يأتيه بزيد مع عقيلته؛ لا يفهم ما أمر به إلا من يفهم مسمى العقلية، وهي المرأة الشريفة أو المخدرة؛ ولذا تعقب على الشيخ المحدث

ص: 231

الأديب البارع أبي عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي، شهر بالأبار في قصيدته الشهيرة التي بعث بها صاحب بلنسية زيان بن مرد نيس إلى ملك إفريقية أبي زكرياء بن أبي حفص يحرضه على قتال الروم، والأخذ بثأر أهل الأندلس التي مطعلها:

أدرك بخيلك خيل الله أندلسا

إن السبيل إلى منجاتها درسا

قوله فيها:

تقاسم الروم لا نالت مقاسمهم

إلا عقائلها المحجوبة الأنسا

وفي بلنسية منها وقرطبة

ما ينسف النفس أو ما ينزف النفسا

بأنه دعاء للروم بنيل مقاسمهم شريفات النساء ومخدراتها، وجواب بعضهم بأن لا نالت، جواب تقاسم لا دعاء، قال: وتوهم كونه دعاء جهالة؛ يرد بنقل ابن هشام، وابن عصفور، وابن الضايع الآمدي، وغير واحد أن جواب القسم إن كان فعلاً ماضياً؛ لزمته (كما) كقوله تعالي:{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:3]، أو (إن) كقوله تعالي:{إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:41]، والإنصاف أن التعقب غير جهالة لصحة استناده لظاهر نقل الأندلسيين، وأنه غير وارد لقول سيبويه في الكتاب عن الخليل، تقول: والله لا فعلت ذلك أبداً؛ تريد: لا أفعل، وهذا، وإن كان استطراداً؛ فهو مفيد بيان حكم مسألة ذات نظر.

وقول ابن عبد السلام: وظاهرة: أن السلامة من البدعة أمر زائد على العدالة؛ ظاهرة: أن ما هو زائد على حقيقة الماهية المعرفة لا يصح الإتيان بها في تعريفها، وإلا لما حسن إتيانه به، ويرد باتفاقهم على صحة التعريف بالخاصة، وهي زائدة على ماهية المعرف، وقوله: لكن؛ تعليله اشتراط هذه المعية بقوله: فإنها فسق يوجب كونها مضادة للعدالة؛ يستغني بذكر العدالة عنها وهم لا يليق بطبقته؛ لأن العدالة هي المعرف، والمعرف يستحيل أن يستغني به في التعريف ضرورة امتناع تعريف الشيء بنفسه، أو ما يتوقف معرفته عليه، والحق الواضح أن الضمير في (معها) عائد على المحافظة.

والروايات ورادة بذكر بعض ما هو مناف للعدالة في شهاداتها مما يجرح به الشاهد

ص: 232

ثبوت كونه شارب خمراً، أو آكل ربا، أو صاحب قيان، أو كذاباً عن غير شيء واحد.

وفي أولها: لا تجوز شهادة المغني والمغنية إذا عرفا بذلك، ولا النائحة ولا الشاعر الذي يمدح من أعطاه، ويهجوا من منعه، فشرب ما قل من الخمر جرحه، والنبيذ المسكر شرب ما يسكر منه جرحه شرب اليسير منه الذي لا يسكر ممن لا يري إباحته، ولا قلد من رأها؛ كالحنفي، وفي كونه ممن يراها، أو قلد من رآها كذلك أولاً نقل المازري، أن بشربه الحنفي؛ حد عند مالك، وسقطت شهادته مع ظاهر سماع أشهب أن الرجل المرضي في كل حالة لا تعرف له زلة شرب نبيذ التين الذي يسكر؛ ردت شهادته.

وقول ابن رشد هذا: إن شرب؛ صح منه قدراً يسكر أو لا يسكر، وهو غير متمذهب بمذهب من يبيحه، ولو شربه متمذهب بمذهب من يبيحه، وهو معلوم بالصلاح والفضل غير متهم باستباحة ما لا يحل؛ لم ترد شهادته إلا أن يسكر منه، وكذا قرأناه إن كان يسكر بضم الياء وكسر الكاف، ويحتمل إن يقرأ إن كان يسكر بفتح الياء والكاف، ولابن رشد في رسم إن خرجت من سماع عيسي: شرب الخمر جرحه، ويعاقب عقوبة موجعة، وهو نص كتاب الرجم منها.

وفي الموازية والمجموعة: لمالك: ولو باعها عصي؛ لم ترد شهادته.

قلت: زاد الشيخ عن الكتابين: إلا أن يكون تقدم إليه ووعظ، فلم ينته، فترد شهادته، وهذه الرواية مشكلة؛ لأن بائعها إن كان يبيعها ممن يشربها حراماً، وجب رد شهادته، وإن لم يتقدم إليه، وكذا بائع النبيذ، وفي كون مكري بيته ممن يبيع به الخمر كذلك، أو لا ترد شهادته ثالثها: إلا أن يعذر بجهل لسماع عيسي، ومحمد بن إبراهيم بن دينار، وابن القاسم في المدنية والمبسوطة قائلاً: بيع بيته ممن يبيع به الخمر؛ ككرائه منه والربا كل ما حصل لمدعي ملكه بوجه لا يحل كالثمن في المعاملات الفاسدة، ورواتب المكس والظلم، وفي الواقع جزءيات حكمها؛ لزيادة بيان والسعي فيها للغير إعانة عليها.

وقبول بعضهم شهادة بعض من تلبس بشيء لا يخفي على منصف حكمه، وتقدم

ص: 233

في المزارعة نقل قول الشيخ الفقيه أبي عبد الله بن شعيب محتجاً بقوله تعالي: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف:6].

وأما الكذب؛ فنصها: مما يخرج به الشاهد قيام بينة عليه أنه كذاب في غير شيء واحد، ونقلها ابن الحاجب بأنه معروف بالكذب في غير شيء واحد.

قال ابن عبد السلام: كلامه يعطي تكرار الكذب ممن ثبت عليه ذلك، وأنه مشهور به من قوله معروف، ولم يشترط هذا القيد الأخير في المدونة، ويكفي تكرار الكذب.

قلت: قوله: لا يعطي تكرار الكذب لا وجه لتخصيصه به دون المدونة؛ لأن فيها لفظ كذاب وفعال؛ يدل على التكرار ضرورة، وقوله: إنه مشهور من قوله: معروف؛ يرد بمنعه؛ لأن مدلول مشهور أخص من معروف، ولا يلزم من صدق الأعم؛ صدق الأخص.

قوله: لم يشترط هذا في المدونة: إن أراد به كونه مشهوراً؛ فلا يضر لما بينا أن لفظ معروف لا يستلزمه، وأن أراد لفظ معروف؛ لم يشترطه في المدونة إن أراد نصاً، فمسلم وإن أراد ولا ملزوماً منع، وهذا لأن لفظ قولها: قيام البينة العادلة أنه كذاب بصيغة المبالغة؛ يدل على أنه معروف بمطلق الكذب عادة؛ لأن الغالب في العادة أنه لا يثبت بالبينة العادلة على رجل أنه كذاب في غير شيء، إلا وهو معروف، وبمطلق الكذب، فتأمله منصفاً.

قال: ولو لم يشترط التكرار؛ لكان له وجه؛ لأن التجريح بهذه المواقع كلها على كثرتها؛ إنما هو على تحصيل الصدق، وأنه لا يغتفر للشاهد من الأوصاف ما يظن ممن شرب خمراً، أو أكل ربا، أو أخل بمروءته.

قلت: ظاهر قوله: لو قيل: إن المنصوص أو المعروف؛ أنه لا يجرح بثبوت مطلق الكذب بصدوره مرة، ولا أعلم فيه نصاً، ويحصل من نقل الباجي وابن رشد في هذا الأصل خلاف.

ص: 234

قال الباجي: ما نصه: ترد شهادة من ترك واجباً كالصلاة والصوم حتى يخرج الوقت المشوع لها، وترك الجمعة جرحه في الجملة، واختلف في تركها مرة واحدة، فقال أصبغ: جرحه كالصلاة الفريضة يتركها مرة واحدة.

قلت: فاستدلاله هذا نص في أن ترك الصلاة مرة واحدة جرحه، وأنه متفق عليه، وترك الصلاة مرة واحدة؛ كالكذبة الواحدة، وهو خلاف ما يأتي.

لابن رشد: أن ترك الصلاة الواحدة من الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتها بغير عذر؛ لا يوجب رد الشهادة حتى يكثر ذلك من فعله.

والقيان: جمع قينة، وهي المغنية، فجعل في المدونة كسبها جرحه، ولذا نقل عياض عن بعض فقهاء الأندلس: أنه رد شهادة صاحب له، فسأله عن سبب ذلك، فقال له: حضرتك، وقد عرض عليك شراء جارية من جاريتين وقفتا للبيع، وقيل لك: هذا مغنية، فزدت في ثمنها، وتقدمت قضية إبراهيم بن سعيد الذي ذكرها الخطيب عنه في باب الوليمة، وما نقل فيها عن مالك، فتذكره المازري: الغناء لا بآله عندنا مكروه.

وذكر محمد بن عبد الحكم: أن من أدمن على سماعه؛ ردت شهادته، فيمكن أن رأه علماً على سقوط المروءة.

وقال مالك فيها: ترد شهادة المغني والمغنية والنائحة إن عرفوا بذلك، فشرط اشتهارهم بذلك، والاشتهار بذلك يدل على الخساسة، وكذا الرقص بالطاقتين اللتان تسميان عندنا بالشيزانة.

والعناء بآله: فإن كانت ذات أوتار كالعود والطنبور والمعزف والمزمار؛ فالظاهر عند بعض العلماء حرمته، وأطلق محمد بن عبد الحكم أن سماع العود مكروه، وقد يريد به الحرمة، ولما كان ذلك يقارن غالباً شرب الخمر ويبعث عليها؛ انسحب عليه حكم التحريم.

قال ابن عبد الحكم: سماع العود جرحه إلا أن يكون في صنيع لا شرب فيه؛ فلا يجرح، وإن كره على كل حال، وذكر ابن شعبان: الخلاف في رد شهادة قارئ القرآن بالألحان، ولعله يريد الألحان التي تفسد نص القرآن، ومخارج حروفه، وأما الترنم به،

ص: 235

وتحسين الصوت به؛ فلا، قد تسمع رسول الله صلي الله عليه وسلم قراءة أبي موسي الأشعري وقال:"لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داوود".

قلت: ذكر الشيخ قبل نقل قول ابن شعبان ما نصه: وأكره القراءة بالألحان حتى تشبه الغناء، ولا أرد شهادة من فعله.

المازري: وأما الغناء بما لا يطرب كالدف؛ فجائز.

وقال مالك: لا بأس بضرب الدف والكبر، قال بعض أصحابه: يريد في العرس.

واختلف في المزهر؛ فكرهه بعض أصحابه في غير العرس، ويلحق به ضرب الغربال؛ وهو دف يضرب من جهة واحدة، قلت: وتقدم شيء من هذا في الوليمة.

ولبس الحرير الإدمان عليه جرحه، وكذا الجلوس عليه، ووقوعه مرة واحدة من غير عذر؛ الأظهر أنه غير جرحه في مرة تؤذن بأنبس الحرير وتصرفه؛ بحيث يكون علماً على سقوط مروءته، فيكون جرحه، وأغرق بعض الشافعية بقوله: لو جلس شهود عقد النطاح على حرير؛ لم يصح النكاح، ولو بمرة واحدة.

وفي سرقتها: إن قامت ببينة على الشهود أنهم مجان؛ فذلك ما تجرح به شهادتهم.

الجوهري: المجون أن لا يبالي الإنسان بما صنع.

الشطرنج: المازري كره مالك النظر إليها وإن قل، وقال: هي شر من النرد، ولكن لا ترشد شهادة اللاعب إن كان المرة بعد المرة، بل إذا أدمن على اللعب، وربما أطلق لفظ الكراهة على التحريم.

الأبهري: علق مالك رد الشهادة به على الإدمان لا المرة بعد المرة، قال الأبهري في تعليل هذا: لأنه للا يسلم الإنسان من يسير لهو.

وقد قال بعض الشعراء.

أفرد طبعك المجدود بالجد راحة

يجم وعدله بشيء من المزح

ص: 236

ولكن إذا أعطيته المزج فليكن

بمقدار ما يعطي الطعام من الملح

ولابن رشد في سماع عبد الملك من كتاب الوصايا: ابن وهب: إن وجد الوصي الشطرنج في تركه الميت؛ نحت وجوهها، وباعها خطباً بغير أمر السلطان إن كان ممن سمع الأحاديث والعلم، وإن لم يكن كذلك، والوصي يخافه لجهالته ما ورد في ذلك؛ فلا يفعل إلا بأمره.

ابن رشد: لا خلاف بين مالك وأصحابه إن الإدمان جرحه، وقيل: الإدمان اللعب بها في العام أكثر من مرة واحدة.

قلت: عزاه عبد الحق لأحمد بن نصر.

الصقلي عن محمد بن عبد الحكم: من يكثر اللعب بها حتى يشغله عن الصلاة في جماعة طرحت شهادته وإلا جازت.

قلت: ففي كون اللعب بها دون إدمان جرحه بكونه أكثر من مرة واحدة في العام، أو بأكثر من ذلك ثالثها: هذا مع شغلها عن صلاة الجماعة.

لابن رشد عن المذهب: وظاهر لفظها المرة بعد المرة، وابن عبد الحكم، وحكاية المازري عن ابن المسيب: لا بأس باللعب بها، وعن أبي هريرة ما ظاهرة الإباحة، وعن الشافعي عن سعيد بن جبير: أنه كان يلعب بها استظهاراً، وهو أن يولي المتلاعبين ظهره، ويقول لأحدهما: ما الذي دفع صاحبك، فيقول: كذا فيقول له: أدفع كذا، خلاف قول الباجي.

ما روي عن ابن عبد الله بن مغفل، والشعبي، وعكرمة: أنهم كانوا يلعبون بالنرد، وأن الشعبي كان يلعب بالشطرنج، غير ثابت، وكذا عن ابن المسيب، وابن شهاب؛ وإنما هي أخبار يتعلق بها أهل البطالة.

وقال عبد الوهاب: يكره أن يجلس مع اللاعب بها وينظر فيها؛ لأنه يدعو إلى المشاركة فيها.

وفي العتيبة: قيل لمالك: أيسلم على اللاعب بها؟ قال: نعم.

ص: 237

والنرد المازري: ظاهر المذهب: أنه كالشطرنج.

وفيها: الشطرنج شر من النرد، والصحيح من أحاديث الباب حديث مسلم عن بريده: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من لعب بالنرد شير؛ فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه).

ابن سحنون: روي داوود: من كان يبيع النرد، والزمامير، والعيدان، والطنابير؛ لم تجز شهادته.

قلت: وكذا من يشتغل بمطلق الكيمياء.

وأفتي الشيخ الصالح الفقيه أبو الحسن المنتصر: بمنع إمامته.

واللعب بالحمام في سرقتها: يجرح الشاهد بثبوت لعبة بالحمام.

وفي الرجم منها: يجرح الشاهد بلعبه بالحمام إذا كان يقامر عليها.

المازري عن محمد: من فعله على قمار، أو أدمن عليه؛ ردت شهادته، فأجراه مجري الشطرنج.

قلت: روي أبو داوود بسنده عن أبي هريرة: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم رأي رجلاً يتبع حمامة، فقال " شيطان يتبع شيطانة"، وصححه عبد الحق بالسكوت عنه، ولم يتعقبه ابن القطان عليه.

وفي سماع سحنون: كتب لسحنون: من يقبل صلة السلطان، ويأكل طعامه، وسلاطين الزمان من قد علمت أتسقط شهادته، وقد قبل جوائز السلطان من قد علمت من أئمة الهدي والعلم؟ أخذ ابن عمر جوائز الحجاج، والحجاج من قد علمت، وابن شهاب: جوائز عبد الملك بن مروان وغيره من الخلفاء، وأخذ مالك جوائز أبي جعفر، وليس ذلك على وجه الخوف منهم؛ لأن منهم من باين السلطان بترك الأخذ

ص: 238

منهم، فلم ير منهم إلا خيراً، وذكر أن أبا جعفر أمر لمالك بثلاث صرر من الذهب دنانير، فأتبعه الرسول بها؛ فسقطت منه صرة في الزحام، فأتاه بصرتين، فسأله عن الثالثة، فأنكرها؛ فألزمه مالك فيها حتى أتاه بها بعض من وجدها، فرفعها إليه، وجميع القضاة من السلطان يرزقون ويأكلون، فكتب إليه سحنون: من قبل الجوائز من العمال المضروب على أيديهم؛ سقطت شهادته، ومن أكل من الزلة والفلتة؛ فغير مردود الشهادة؛ لأن الأمر الخفيف من الزلة والفلتة لا يضر في العدالة والمدمن على الأكل منهم ساقط الشهادة، وما قلته من قبول ابن شهاب ومالك؛ ليس بحجة؛ لأن ذلك من أمير المؤمنين، وجوائر الخلفاء جائزة لا شك فيها على ما شرط مالك؛ لاجتماع الخلق على قبول العطية من الخلفاء ممن يرضي به منهم وممن لا يرضي، وجل ما يدخل بيوت الأموال مستقيم، وما يظلم فيه قليل في كثير، ولم ينكر أحد من أهل العلم أخذ العطاء من زمن معاوية إلى اليوم، والقضاة أجراء للمسلمين لهم أجرهم من بيت مال المسلمين، وما ذكر عن ابن عمر: سمعت على بن زياد ينكر ذلك عن ابن عمر ويدفعه.

ابن رشد: وله قبولها من العمال المضروب على أيديهم جرحه صحيح؛ ومعناه عندي: إذا قبلوا ذلك من العمال على الجباية الذين؛ إنما جعل لهم قبض الأموال، وتحصيلها دون وضعها في وجوها بالاجتهاد.

وأما الأمراء الذين فوض إليهم الخليفة، أو خليفته قبض الأموال، وصرفها في وجوهها باجتهادهم؛ كالحجاج وشبهه من أمراء البلاد المفوض جميع الأمور فيها إليهم؛ فجوائزهم كجوائز الخلفاء، فإن صح أخذ ابن عمر جوائز الحجاج، فهذا وجهه.

وأما القضاة والأجناد والحكام، فهم أخذ أرزاقهم من العمال المضروب على أيديهم الذي فوض إليهم النظر في ذلك، وضرب على أيديهم فيما سواه.

وروي عن مالك أنه قال: لا بأس بجوائز الخلفاء، فأما جوائز العمال؛ ففيها شيء يريد الذي ظاهر أمرهم أنهم مفوض إليهم من قبل خلفائهم، ولم يتحقق ذلك، ويريد أن الأخذ منهم مكروه، ولو تحقق التفويض إليهم، لم يكن لكراهة أخذ جوائزهم وجه، كما أنه لو تحقق أنه لم يؤذن لهم في إعطاء المال باجتهادهم لمن لم يعمل عملاً لم يكن

ص: 239

لتسويغ أخذ جوائزهم وجه، فإن كان المجبي حلالاً، وعدل في القسم، فاتفق أهل العلم على جواز أخذ الجائزة منه، وإن لم يعدل في قسمه؛ فالأكثر على جواز أخذها منه، وكرهه بعضهم، وأرشد المجبي حلال وحرام؛ فالأكثر على كراهة الأخذ منه، ومنهم من أجازه، وإن كان المجبي حراماً، فمنهم من حرم أخذ الجائزة، والرزق على عمل الأعمال منه، وروي هذا عن مالك: ومنهم من أجازه، ومنهم من كرهه، وإن كان الغالب عليه الحرام؛ فله حكم الحرام، وإن كان الغالب عليه الحلال؛ فله حكم الحلال، وفيه كراهة ضعيفة، وإن كان الخليفة يجبي الحلال والحرام، فمن أخذ مما يعلم أنه حلال؛ فله حكم المال الحلال، ومن أخذ مما يعلم أنه حرام، فله حكم المجبي الحرام.

وسمع عيسي ابن القاسم: الفرار من الزحف من الضعف جرحه، ومن علمت توبته منه وظهرت؛ قبلت شهادته وإلا ردت، والضعف في العدد كما قال تعالي:

ابن رشد: هو كبيرة، وقال بعض الناس: ليس بكبيرة.

قلت: تحقق تبوته عسير؛ لأنها لا تعرف إلا بتكرار جهاده، وعدم فراره، وأنظر هل الفرار من الضعف جرحه مطلقاً، أو ما لم يكن ممن صار العدو في حقه أكثر من الضعف بفرار من فر من الضعف؟ وهذا هو المظنون اعتقاده في بعض من فر في هزيمة الأمير أبي الحسن المريني في وقعة طريف من الفقهاء الذين كانوا معه كشيخنا أبي عبد الله السطي.

وفي كون قطع الدنانير والدراهم جرحه ثالثها: ما لم يعذر بجهل، لابن رشد عن أصبغ عن ابن القاسم.

وظاهر قول سحنون وابن القاسم في الموازية، وهذا إذا قطعها وهي وازنة، فردها ناقصة في البلد الذي لا تجوز فيه ناقصة، وهي تجري فيه عدداً بغير وزن على أن ينفقها، وبين نقصها، ولا يغش بها، وقطعها وردها ناقصة يغش بها، جرحه اتفاقاً، وقطعها وهي مقطوعة أو غير مقطوعة، وهي لا تجوز بأعيانها.

والتبايع بالميزان لا خلاف أنه ليس بجرحه، وإن قطعها عالماً بمكروه ذلك،

ص: 240

ويحتمل أن يكون كلام سحنون على أن قطع الدنانير والدراهم جرحه ثالثها: ما لم يعذر بجهل، لابن رشد عن أصبغ عن ابن القاسم.

وظاهر قول سحنون وابن القاسم في الموازية: وهذا إذا قطعها وهي وازنة، فردها ناقصة في البلد الذي لا تجوز فيه ناقصة، وهي تجزئ فيه المقطوعة التي ليست بمقطوعة، وهي تجري في الميزان، وتكلم ابن القاسم في رواية أصبغ عنه على قطع الدنانير التي تجوز بأعيانها، وردها ناقصة يغش بها، وتكلم في الموازية على أنه فعل ذلك وبين نقصها، فلم يغش بها، فلا يكون ذلك اختلافاً، ومضي القول فيما يجوز من قطع الدنانير والدراهم، وما لا يجوز في سماع ابن القاسم من الصرف.

قلت: بسببه سئل مالك عمن قدم بلداً تجوز فيه الدراهم النقص، ومعه دراهم كبار أيقطعها؟ قال: لا، يكره ذلك.

ابن رشد: خوف أن يذهب بها لبلد لا تجوزا لنقص فيه، فيغش بها؛ فهو أشد كراهة من قطع الدنانير المقطوعة، وأجاز في سماع أشهب قطع الدنانير المقطوعة عند الحاجة لذلك، وأجاز ابن القاسم في سماع أصبغ قطعها إجازة مطلقاً إذا لم تكن صحاحاً مزورة، وأما قطع الوازنة حيث لا تجوز الناقصة، فلا يحمل.

وفي نوازل سحنون: شهادة المنجم المدعي أنه يعرف القضاء لا تجوز، وهذه جرحه بينة.

ابن رشد: معناه: أنه يدعي أنه يعرف من ناحية نظره في النجوم ما قضي الله به وقدره قبل أن يكون، والقول بهذا ضلال لا كفر؛ وهو جرحه ببينة.

وسمع ابن القاسم في كتاب السلطان: من ينظر في النجوم، فيقول: الشمس تكسف غداً، والرجل يقدم كذا، وشبهه يزجر، فإن لم ينته؛ أدب، وإني أري الذين يعالجون المجانين زاعمين أنهم يعالجون بالقرآن قد كذبوا لو علموا ذلك لعلمتهم الأنبياء، قد صنع لرسول الله صلي الله عليه وسلم سم، فلم يعرفه حتى أخبرته الشاة، وأرى هذا

ص: 241

ينظر في الغيب، وأنها لمن حبائل الشيطان.

ابن رشد: ليس قوله: الشمس تكسف غداً، أو القمر ليلة كذا من جهة النظر في النجوم، وعلم الحساب بمنزلة قوله: من هذا الوجه فلان يقدم غداً في جميع الوجوه؛ لأن الشمس والقمر يجريان بأمر الله في أفلاكهما من برج إلى برج على تقدير لا يختلف يبعد فيه القمر عن الشمس، كلما بعد زاد ضوءه إلى إن ينتهي في البعد ليلة أربعة عشر، فتكمل استدارته، وضوءه لمقابلة الشمس، ثم يأخذه في القرب؛ كلما قرب؛ نقص ضوءه إلى أن ينتهي في القرب ليلة أربعة عشر، فإذا قدر الله تعالي على ما أحكمه من أمره، وقدره من منازله في سيره أن يكون بإزاء الشمس في النهار فيما بين الأبصار والشمس ستر جرمه عنا، ضوء الشمس كله إن كان مقابلها أو بعضها، إن كان منحرفاً عنها؛ فكان ذلك كسوف الشمس آية من آيات الله، فليس في معرفته ذلك بما ذكرناه من جهة النجوم، وطريق الحساب ادعاء علم غيب، ولا ضلالة بوجه؛ لكن يكره الاشتغال به؛ لأنه مما لا يعني، وفي الإنذار به ضرر في الدين؛ لأن الجاهل إذا سمعه؛ ظنه من علم الغيب، فيزجر عن ذلك ناقلة، ويؤدب عليه كما قال.

قلت في كلامه تناف؛ لأنه صرح أولاً وثانياً بأن الكسوف من الأمور التي نصب الله تعالي على وجودها سبباً حسياً، فيعلم وجود ذلك الدليل بالحساب المستند لمعرفة حركة النيرين، وهذا أمر واضح، ولفظ قوله: فإذا قدر الله تعالي إلى قوله: آية من آيات الله؛ يقتضي أنه كنزول زلزلة أو صاعقة، ونحوها من الأمور التي لم ينصب عليها دليل، قال: واختلف في المنجم يقضي بتنجيمه أنه يعلم وقت قدوم فلان، أو نزول المطر، وما في الأرحام، أو ما يستسر به الناس والأخبار، وحادث الفتن والأهوال، وشبهه من المغيبات، فقيل ذلك: كفر جيب به قتله دون استتابة، وقيل: يستتاب إن تاب، وإلا قتل، قاله أشهب، وقيل: يزجر، وقيل: يؤدب، وهو له في هذا السماع، والذي أقواله إن هذا الخلاف؛ إنما برغم المنجمين النجوم، واختلاف طلوعها وغروبها هي الفاعلة لذلك كله، وكان مستتراً بذلك، فأسترته بيته؛ قتل بل استتابة؛ لأنه كافر زنديق، وإن كلنا معلناً بذلك غير مستتر به يظهره، ويحاج عليه؛ أستتيب، فإن تاب وإلا قتل، وإن

ص: 242

أقر أن النجوم واختلاف طلوعها وغروبها لا تأثير لها، وأن الله هو الفاعل لذلك إلا أنه جعلها أدلة؛ فهذا يزجر ويؤدب أبداً حتى يكف، ويرجع عن اعتقاده ويتوب عنه؛ لأنها بدعة يجرح بها، وتسقط إماماته وشهادته، ولا يحل تصديقه له في شيء من ذلك، وأني يصح في قلب تصديقه مع قوله تعالي:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن:26]

قلت: بعضهم: بعضهم يجيب عن هذا بأن الغيب ما لم ينصب عليه دليل، ويزعمون أن ما يقولونه هو مما نصب عليه دليل، وهو النصبة الخاصة، وغير ذلك مما تقرر في كتبهم.

وفي نوازل سحنون عن أبن وهب: تارك الجمعة بقرية تجمع فيها دون مرض ولا علة؛ لا تجوز شهادته.

سحنون: إن تركها ثلاثاً متوالياً للحديث.

أصبغ عن ابن القاسم: ترد شهادته إلا أن يكون ممن لا يتهم على الدين؛ لبروزه في الصلاح وعلمه.

اصبغ: ترد شهادته بتركه إياها مرة واحدة دون عذر؛ لأنها فريضة كفريضة الصلاة لوقتها يتركها مرة واحدة لوقتها عمداً، وبلغني عن عمر بن عبد العزيز: أنه كان يأمر إذا فرغ من الجمعة أن من وجد لم يشهدها؛ ربط في عمود وعوقب.

ابن رشد: قول سحنون أظهر من قول أصبغ، ومعني قول سحنون: وإن لم يعلم له عذر، وليس معلوماً بالصلاح، والفضل على ما قاله ابن القاسم، وليس قولها بخلاف لابن وهب وإنما كان قول سحنون أظهر؛ لأن المسلم لا يسلم من مواقعه الذنوب، فلا يجرح بها دون الكبائر من الذنوب التي هي صغائر إلا أن تكثر، ولما قال صلي الله عليه وسلم" من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر ولا علة؛ طبع الله على قلبه بطابع

ص: 243

النفاق"؛ دل على أن ما دون الثلاث بخلافه في عظم الإثم، فوجب أن يلحق بالصغائر، وكذا في ترك صلاة واحدة من الصلوات حتى خرج وقتها لغير عذر؛ لا ترد شهادته حتى يكثر ذلك منه.

وفي نوازل سحنون: من قوي على الحج لا عذر له، في تركه إياه جرحه إن جاوز الستين، ولو كان بالأندلس لا قبل ذلك.

ابن رشد: الذي أقوله: أنه ليس بجرحه إلا بعد السبعين.

قلت: وله في أجوبته: سقوط وجوبه على أهل الأندلس، وفي نوازله: مطل الغني جرحه؛ لأنه إذاية للمسلم في ماله.

وفي نوازل: من وطي جارية قبل أن يستبرئها؛ أدب أدباً موجعاً مع طرح شهادته إن كان عالماً بمكروه ذلك، فإن كانت لم تبلغ المحيض ومثلها يوطأ؛ فكذلك.

ابن رشد: إن كان الحمل مأموناً عليها؛ لم تسقط به شهادته؛ لرواية على بن زياد، إنه لاستبراء فيها، ومعني قول سحنون؛ إنه لا يؤمن حملها، وفي نوازل: خروج الفقيه الفاضل الصالح إلى الصيد متنزهاً؛ ليس بجرحه.

ابن رشد: لأنه مكروه لا حرام، فتركه أحسن.

قلت: وتقدم ذكرنا نقل بعض شيوخنا عن بعض القضاة من شيوخه: أنه أسقط شهادة بعض شهود الجزيرة القبلية مع قائدها في الصيد، فلعله، لأن الجمع الذي خرج معه لا يجوز صحبته طوعاً.

وفي الواضحة عن الأخوين، وابن عبد الحكم، وأصبغ: من يعرف أنه لا يقيم صلبه في رطوعه دون عذر؛ لم تجز شهادته.

الشيخ عن ابن كنانة: من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود دون سهو ولا عذر ولو في النفل؛ لم تجز شهادته.

قلت: الأظهر أن علم إقامته في الفرض؛ جازت شهادته قال: وكذا من لا يحكم

ص: 244