الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب المدعي والمدعى عليه]
المدعي: من عريت دعواه عن مرجح غير شهادة.
المدعى عليه: من اقترنت دعواه به.
فقول ابن الحاجب: المدعي من تجرد قوله عن مصدق يبطل عكسه بالمدعي، ومعه بينه، ونحوه لابن شاس.
وفي كتاب الرواحل من المقدمات عن سعيد بن المسيب المدعي من قال: قد كان والمدعى عليه من قال: لم يكن ومن عرفهما لم يلتبس عليه الحكم.
ابن رُشْد: ليس قوله على عمومه في كل موضع إنما يصح إذا تجردت دعوى المدعي في قوله قد كان من سبب يدل على صدق دعواه؛ فإن كان له سبب يدل على تصديق دعواه أقوى من سبب المدعى عليه القائل: لم يكن بدئ عليه باليمين كمن حاز شيئًا عن غيره مدة الحيازة في وجه مدعي الشراء قبل قوله مع يمينه، وهو يقول: قد كان، والمدعى عليه يقول: لم يكن، وكذا المودع يدعى رد الوديعة، القول قوله، وهو يقول: قد كان والمودع يقول: لم يكن، وقول ابن الحاجب: فلذلك كان مدعي رد الوديعة مقبولًا لائتمانه، ومدعي حريَّة الأصل صغيرًا أو كبيرًا ما لم يثبت عليه حوز الملك بخلاف مدعي العتق هو قولها في الوديعة، وفي عتقها الثاني، ومن حاز صغيرًا حيازة الملك، وعرفت حيازته له وخدمته إياه، ثم كبر فادعى الحريَّة فلا قول له، وكذا إن ادعى الحريَّة في صغره، وإن كان إنما هو متعلق به، ولم يعلم فيه حوز فللصبي مصدق، وفي غير موضع منها لغو دعوى العبد على سيده أنه أعتقه.
ابن شاس: والدعوى المسموعة هي الصحيحة، وهي أن تكون معلومة
صحيحة؟
قُلتُ: هو نقل الشَّيخ عن المجموعة عن عبد الملك قال: إذا لم يبين المدعي دعواه ما هي وكم هي لم يسأل المدعى عليه عن دعواه حتى يبينه الطالب في طلبه، فيسأل حينئذ المطلوب عن دعواه، ونقله المازري عن المذهب وقال: وعندي لو قال الطالب: أتيقن عمارة ذمة المطلوب بشيء أجهل مبلغه، وأريد جوابه بذكره مفصلًا أو إنكاره جملة لزمه الجواب.
ابن شاس: وكذا لو قال: أظن أن له لي عليك فاختصره ابن الحاجب بقوله: وشرط المدعي أن يكون معلومًا محققًا، فقبله ابن عبد السلام، وابن هارون ولم يذكروا فيه خلافًا.
وفي رسم الطلاق من سماع القرينين: من دخل بزوجته، ثم مات فطلبت صداقها حلف الورثة ما يعلم بقي عليه صداق.
ابن رُشْد: أوجب اليمين عليهم، وإن لم تدع ذلك عليهم خلاف ما في النكاح الثاني من المدَوَّنة، وما في الغرر منها في التداعي في وقت موت الجارية المبيعة على الصفة، فإن نكلوا عن اليمين حلفت المرأة أنها لم تقبض صداقها، وتستوجبه لا على الورثة علموا أنها لم تقبضه، فهذه اليمين ترجع على غير ما نَكَل عليه الورثة، ولها نظائر كثيرة.
قُلتُ: ويختلف في توجه هذه اليمين إذا لم تحقق المرأة ذلك على الورثة؛ لأنها يمين تهمه، ولا يختلف في رجوعها على المرأة بمعرفتها بما يحلف عليه كما يختلف في رجوعه يمين التهمة.
وقول ابن الحاجب: ولا يحلف مع البينة إلا أن يدعي عليه طرو ما يبرئه من إبراء أو بيع؛ هو قولها في اللقطة وغيرها، ولا يستحلف طالب الحق مع شاهديه؛ يريد: غير يمين الاستحقاق في غير الربع عن المشهور، وأسقطها ابن كنانة مطلقًا؛ قاله في الطرر، وفي الربع قولان.
ولظاهر عموم قولها: قال ابن دحون في سمَاع ابن كنانة: من شهدت له بينة بموت موروثة، وأنهم لا يعلمون له وارثا غيره، فإنه يستحلف مع بينته بذلك.
قُلتُ: يستحلف حرف سوء لا خلاف أنه لا يحلف مع بينته.
ابن رُشْد: قوله: (لا خلاف أنه لا يحلف) غير بين؛ لأنه لو ادعى أحد أنه وارثه، وادعى عليه علمه ذلك لزمته اليمين اتفاقًا، فصارت يمينه كيمين الاستحقاق.
وسمع عيسي ابن القاسم: من طلب غريم موكله بدين له عليه بذكر حق فادعى الغريم أنه دفع نصف الحق لموكله، ولا بينة له لم ينفعه ذلك، وغرم جميع الحق، ولا يؤخر للقائه الغريم، فلو غرم، ثم قدم رب الحق فأقر بالقبض، والوكيل معدم أو موسر لم يرجع إلا على رب الحق.
ابن رُشْد: لم يفرق بين أن يكون الموكل قريبًا أو بعيدًا، وفرق ابن عبد الحَكم بين قربه وبعده، وهو عندي تفسير لهذه الرواية، ولقول أَصْبَغ في نوازله في كتاب البضائع: وقيل: لا يقضى للوكيل حتى يكتب الموكل فيحلف، وإن كان بعيدًا على مسألة نوازل عيسى في يمين الاستحقاق.
وفرق بعض أهل النظر بين يمين الاستحقاق ويمين دعوى القضاء: وقيل: إن الوكيل يحلف على العلم، وحينئذ يقتضى، ومضى تحصيله في رسم العتق من سمَاع عيسى من الأقضية، وظاهر هذه الرواية، وما في نوازل أَصْبَغ: أنه ليس على الإمام أن يستحلف الموكل على قبض حقوقه الغائبة أنه ما قبض منها شيئًا، ويكتب له دون يمين خرج أو وكل خلاف كا في رسم العتق من سمَاع عيسي من كتاب الأقضية: أنه يستحلف في الوجهين معًا ما اقتضى، ولا أحال ولا قبض، ثم يكتب له، وعلى ظاهر هذه الرواية جرى العمل.
وقيل: يستحلفه إذا وكل لا إذا خرج، وهو أولى الأقوال، ومعنى قوله:(لم يرجع إلا على رب الحق) معناه أنه لا يلزمه أن يرجع عليه، ويترك رب الحق بل له أن يرجع على من شاء منهما.
قُلتُ: قوله: (وفرق بعض أهل النظر) هو قوله في رسم العتق من سمَاع عيسى من كتاب الإقضية: وفرق بعض المتأخرين بأن يمين الاستحقاق من تمام الشهادة، وهى يمين يوجبها الحكم واليمين في مسألة الدين لسيت كذلك، وإنما تجب بدعوى الغريم القضاء، وذهب ابن أبى زيد إلى حمل المسألتين بعضهما على بعض، وهو بين من قول أَصْبَغ لحكاية ابن حبيب عنه أنه يقضى للوكيل في مسألة الاستحقاق في غيبة الموكل إن بعدت، فيتحصل ثلاثة أقوال القضاء وعدمه، والثالث: الفرق بين مسألة الدين والاستحقاق، ورابعها: لابن كنانة أنه يحلف الوكيل.
وقاله ابن القاسم في المدّنيَّة: وكل هذا في الغيبة البعيدة والقريبة لا يقضى لها في المسألتين إلا بعد يمينه.
قال ابن الحاجب تابعًا لابن شاس: فلو قال: أبرأني موكلك الغائب، فقال ابن القاسم: ينظر، وقال ابن كنانة: إن كان قريبًا كاليومين.
قلتُ: وقبله ابن عبد السلام وابن هارون، وهو خلاف ما تقدم من سمَاع عيسى، وظاهر ذكره ابن رُشْد مخرجًا على نوازل عيسى أنه غير منصوص مطلقًا.
قال ابن عبد السلام: ولقول ابن القاسم: ما استعمله المتأخرون من القضاة في تمكين الموكل من الحلف على عدم الإبراء، وما يزيدون معه من الفصول وتسامحوا فيها، وإن كانت يمينًا قبل توجهها، والأصل أن لا يمكن منها.
قلتُ: هذا يقتضى عدم نص المتقدمين هذه اليمين، وقد تقدم ثبوت ذلك في رسم العتق من سمَاع عيسى من كتاب الأقضية.
ابن هارون: من له ديون مؤجلة فأراد سفرًا، ووكل وكيلًا على اقتضائها فهل يمكن من حلف يمين الرغبة أم لا؟
مكنه من ذلك بعض القضاة الأندلسيين، ومنعه بعضهم.
قلتُ: الأظهر أن المنع لعدم حلولها فهي يمين غير مفيدة.
قال ابن رُشْد: ومن ادعى قال: لي بينة قرينة، وطلب منه كفيلًا أخذ منه كفيل لنفسه ما بينه وبين خمسة أيام إلى الجمعة، وكذا إن قامت له البينة فله طلب الكفيل قبل
التعديل.
وقال ابن الحاجب: ومن استمهل لإقامة أو لدفعها أمهل جمعة، ويقضي ويبقى على حجته.
قلتُ: هو مقتضى نقل الشَّيخ عن محمد: لو قال القاضي:
…
للخصم قبل الحكم: أبقيت لك حجة؟
قال: نعم، وقد تبين للقاضي أن حجته نفدت، وأنه ملد فليضرب له أجلًا غير بعيد، فإن تبين لديه أنفذ عليه الحكم، ولو ادعى بينة بعيدة لم يمهل.
وفيها: من ادعى قبل رجل غصبًا أو دينًا أو استهلاكًا، فإن عرف بمخالطته في معاملة أو علمت تهمته فيما ادعى قبله من التعدي والغصب نظر فيه الإمام، فإما أحلفه له أو أخذ له كفيلًا حتى يأتي بالبينة، وإن لم تعلم خلطته أو تهمته فيما ذكر لم يعرف له.
عياض: قال بعضهم: جعل له أخذ الكفيل، ولم يجعله في كتاب الكفالة ولغيرة هناك كما له هنا، وقال آخرون: ظاهره أخذ الكفيل، بمجرد الدعوى لقوله:(وأما الدين فإن كانت بينهما خلطة، وإلا لم بعرض له) يدل أن الوجه الأول بخلافه.
عياض: يحتمل أن يكون الكفيل بمعنى الموكل به، وقول من قال: ألزمه الكفيل بمجرد الدعوى فغير بين، لقوله: إن كان يعرف بينهما خلطة في دين.
قال ابن الحاجب: وللمدعي طلب كفيل في الأمرين.
ابن عبد السلام: الأمران طلب المدعى إقامة بينه بحقه، وطلب المدعى عليه إقامة بينة يدفع بها بينة الطالب.
وقال ابن هارون: يحتمل أن يريد بالأمرين ادعاء المطلوب دفع بينة المدعي أو تجريحها.
قلتُ: لا يخفي بعده.
وسمع القرينان: من أقام بينه على استحقاقه منزلًا، فيسأل المدعى عليه أن يؤجل ليأتي ببينة له فيها حجة، فأؤجله الشهرين والثلاثة، فلا يأتي بشيء، ويذكر غيبة شهوده أيضرب له أجل آخر؟
قال: أما المأمون الذي لا يتهم على المدعي باطلًا فيزيده، والملد الذي يرى أنه قصد إضرار خصمه فلا يمكنه من ذلك إلا بما تقارب شأنه ثم يقضي عليه.
ابن رُشْد: لأن ضرب الآجال مصروف لاجتهاد القضاة بحسب ما يظهر من حال المؤجل، والذي مضى عليه عمل الحكام في التأجيل في الأصول ثلاثون يومًا، عشرة أيام، ثم عشرة، ثم يتلوم له بعشرة أو ثمانية، ثم يتلوم له بأربعة عشر أو خمسة عشر، ثم ثمانية، ثم أربعة، ثم يتلوم له تتمة ثلاثين أو يضرب له أجلًا قاطعا ثلاثين يومًا يدخل فيه التلوم، والآجال كل ذلك مضى من فعل القضاة هذا مع حضور بينته بالبلد، وإن كانت غائبة عن البلد بأكثر من ذلك على ما تضمنته هذه الرواية من اجتهاد الحاكم، وإن امتنع المدعى عليه من أن يقر أو ينكر.
فقال اللخمي: روى عن محمد: المدعى فيه أن يجبر على أن يقر أو ينكر.
محمد: فإن أبى حكمت عليه للمدعي دون يمين، وقال أَصْبَغ: يقال له: إن لم تخاصم أحلفت المدعي، وحكمت له عليك إن كانت الدعوى يستحق بها مع نُكُول المطلوب عن اليمين إذا أثبتت لطخًا؛ لأن نكوله عن الكلام نُكُول عن اليمين، وإن كان مما لا يثبت إلا بالبينة دعاهم بها، ولا يسجنه حتى يتكلم، ولكن يسمع من صاحبه ويحمل الحكم عليه.
اللخمي: المدعى بالخيار بين أخذ ذلك بغير يمين على أنه متى عاد المدعى عليه للإنكار، والخصومة كان ذلك له، وبين أن يحلف الآن وبحكم له به ملكًا بعد إعلام المدعى عليه إن لم يقر أو ينكر حكم عليه كالناكل، ولا ينقض حكم من خاصم بالاحتجاج، وينقض بالبينات وبين أن يسجن فلا أحلف، وهذا كقولهم في الشفيع: يكتمه المشتري الثمن؛ فاختلف هل يسجن له الآن حتى يقرأ أو يقال له: خذ ولا وزن عليك حتى يثبت الثمن، هذا إن كانت الدعوى في معين، دار أو عبد، وإن كانت في شيء في
الذمة وأقام لطخا فكذلك، وإن لم يقم لطخا لم تسمع دعواه.
وإن ادعت الزوجة الطلاق فلم يقر الزوج، ولم ينكر يسجن حتى يقر أو ينكر، وحيل بينه وبينها، وتطلق عليه إن طال الأمر لحقها في الوطء، وإن ادعت عليه النكاح سجن حتى يقر أو ينكر، ولو ادعى عليها نكاحاً فلم يقر، ولم تنكر حيل بينها وبين الأزواج حتى تقر أو تنكر، وكذا السيد يدعي عليه البعد العتق، فإنه يسجن حتى يقر أو ينكر.
الشيخ في المجموعة عن أشهب: إن سأل المدعى عليه طالبه من أي وجه يدعي عليه هذا المال فقد تقدمت بيني وبينه مخالطة فسئل عن ذلك، ولم يقض القاضي بشيء على المدعى عليه حتى يسمي المدعي السبب الذي كان له به الحق أو يقول: لا أعلم وجهه، ولا أذكره، فلا يكون عليه في ذلك يمين أنه لا يذكره، وسأله البينة على دعواه، ومثله في كتاب ابن سَحنون، وزاد: إن أبى الطالب أن يخبر بالسبب، فإن قال: لأني لا أذكر وجه ذلك قبل منه، وإن لم يقل ذلك فلا يقضى له بشيء حتى يذكر سبب دعواه أو يقول لا أذكر سببه، ولا يمين عليه أنه لا يذكر سببه، ويسأله البينة على دعواه، ونقله الباجي بلفظ: إن أبى الطالب أن بين سبب دعواه، وادعى نسيانه قبل منه بغير يمين، وألزم المطلوب أن يقر أو ينكر.
قال الباجي: القيام عندي أن لا يوقف المطلوب حتى يحلف الطالب أنه لا يذكر ما يدعيه، إذ لعله بذكر السبب يجد مخرجاً، وإن امتنع من ذكر السبب من غير نسيان لم يسأل المطلوب عن شيء.
قلت: في دلالة الرواية على ما ذكر الباجي من قوله: (وألزم المطلوب أن يقر أو ينكر) نظر فتأمله، ونقل المازري كالباجي.
وقول ابن شاس: جواب دعوى القصاص على البعد يطلب من العبد، ودعوى الأرش، يطلب جوابه من السيد واضح؛ لأن الجواب إنما يطلب من المدعى عليه، وهو في الأولى العبد؛ لأن إقراره به عامل دون سيده، وفي الثانية السيد؛ لأن إقراره به عامل دون العبد.
ولفظ اليمين في حقوق اللعان والقسامة فيها: يحلف المدعى عليه أو من يحلف مع شاهده بالله الذي لا إله إلى هو، لا يزيد على هذا، ومثله ذكر الشَّيخ من رواية سَحنون بزيادة: لا أعرف غير هذا، ولابن رُشْد في رسم الأقضية من سماَع ابن القاسم من كتاب الأقضية، وفي صفة اليمين اختلاف كثير المشهور قولها، وقيل: يزيد عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، وهو قول ابن كنانة في المدنيَّة.
اللخمي: واختلف إن قال: والله لم يزد، أو قال: والذي لا إله إلا هو؛ فمقتضى قول مالك: أنها يمين جازية، وقال أشهب في الموازيَّة: لا يجزيه اليمين في الوجهين.
قلت: هو ظاهر المَدونَّة، واختار الأول قال: لأنه لا خلاف فيمن قال: والله، ولم يزد، أو قال: والذي لا إله إلا هو، أنها يمين تكفر.
قُلتُ: لا يلزم من أنها يمين تكفر أن يجزئ في الحقوق لاختصاص يمين الخصومة بالتغليظ، ولما ذكر المازري قول أشهب: قال: وحمل بعض أشياخي عن مالك أنه يرى الاكتفاء بقوله: والله فقط، وإنما يتعلق في هذا بقوله في كتاب اللعان يقول: بالله، وليس مقصود مالك في اللعان بيان اللفظ المحلوف به، وذكر المازري في لفظ يمين اللعان خمسة أقوال، فقال في المَدوَّنة: يحلف بالله، وفي الموازيَّة يقول: أشهد بعلم الله.
وقال محمد: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، والرابع زيادة: الرحمن الرحيم، وقال ابن الماجِشُون: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب، والشهادة الرحمن الرحيم، ونحوه للخمي.
المازري في القسامة ثلاثة أقوال: بالله الذي لا إله إلا هو، والثاني أن يقول: الذي أمات وأحيا، والثالث أن يقول: الذي لا إله إلا هو عالم الغيب، والشهادة الرحمن الرحيم.
الباجي عن ابن حبيب عن الأخوين: بالله الذي لا إله إلا هو.
محمد: والعبد كالحر، وهو مشهور قول مالك وابن القاسم وروايته ورواية ابن كنانة بزيادة: عالم الغيب والشهادة.
وقال ابن رُشْد في رسم القبلة من سمَاع ابن القاسم، وعن مالك وابن القاسم
يقول: (أقسم بالذي أمات وأحيا).
وسمع يحيى ابن القاسم في الديات صفة حلف القسامة أن يقولوا: بالله الذي لا إله إلا هو، ليس عليهم أن يقولوا: الرحمن الرحيم، ولا الطالب الغالب المدرك.
ابن رُشد: هذا مشهور مذهبه، وعزا لابن كنانة مثل قول ابن الماجِشون قال: وفي كتاب ابن شعبان: من حلف عند المنبر فليقل: ورب هذا المنبر.
وروى ابن القاسم وابن وَهْب يقول: بالله أمات وأحيا، والزيادة على بالله الذي لا إله إلا هو، عند من رواها استحسان إذا لم يختلف في أنه إن لم يزد على ذلك أجزأته يمينه.
قلتُ: وقاله اللخمي.
وفيها: ولا يحلف النصراني أو اليهودي في حق أو لعان أو غيره إلا بالله، ولا يزاد عليه الذي أنزل التوراة والإنجيل.
اللخمي: قال ابن شعبان: روى الواقدي: أن اليهودي يحلف بالله الذي أنزل التوراة على موسى، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، وقول ابن عبد السلام: النصراني يقر بالتوراة والإنجيل فلعله يغلظ عليه بذكرهما معاً، والمؤلف لم يبينه خلاف ظاهر الرواية.
ابن محرز: قال في الكتاب في النصراني: لا يحلف إلا بالله، وظاهره أنهم لا يحلفون بالله الذي لا إله إلا هو، وقاله ابن شبلون وغيره: قالوا: لأنهم لا يوحدون، ولا يكلفون ما ليس من دينهم، وليس كذلك بل يحلفون اليمين على هذه الصورة، ولا يكون ذلك منهم إيمانا، ونص عليه متقدمو علمائنا، ويدل عليه استحلاف المجوس بالله، وهم ينفون الصانع تعالى الله عن قولهم.
زاد عياض: وفرق ابن شبلون بين اليهود فألزمهم ذلك لقولهم بالتوحد، وبين بغيرهم.
المازري: وفى تمكين المسلم من استحلافه اليهودي يوم السبت قولا القابسي وبعض المتأخرين، فخص بعضهم الخلاف باليهودي؛ لأن النصراني لا يعظم يوماً،
وعممه ابن عات فيهما، قال: لأن يوم الأحد له، والسبت لليهودي.
اللخمي: اختلف في محل اليمين، فقال ابن القاسم: محله في أقل من ربع دينار، وفى ربعه في المسجد الجامع حيث يعظم منه.
الشَّيخ عن محمد: والثلاثة دراهم ربع دينار، وذكره ابن سَحنون رواية، وذكر القاضي عبد الوهاب عن بعض المتأخرين: الاستحلاف في المسجد في القليل والكثير.
المازري: والمعتبر في المعيب قدر قيمة العيب إن فات المبيع، وإلا ففي كونه كذلك قولا أَصْبَغ، وحذاق الأشياخ.
وقال المازري في بعض الروايات: الإشارة إلا أنه لا يشترط اليمين عند المنبر إلا منبره صلى الله عليه وسلم، ولابن حبيب عن بعض أصحاب مالك: أن الاستحلاف عند المنبر، وتلقاء القبلة يشير إلي أن المحراب هو أعظم ما في المسجد، ومعروف المذهب اختصاصه بالجامع الأعظم، وفي المذهب ما يشير إلى مساواة مساجد الجماعات والقبائل للجامع الأعظم.
اللخمي: إن كانت اليمين في مسجده صلى الله عليه وسلم فعند المنبر.
وقال محمد: على المنبر.
قال مالك: ويحلف بمكة عند الركن.
وقال ابن مالك الجلاب: يستحلف الناس في أقل من ربع دينار في سائر المساجد، ولا يحلف عند المنبر إلا منبره صلى الله عليه وسلم في ربع دينار.
الباجي: في سائر منابر البلاد عند المحراب، وأعظم ما في المساجد المحاريب، فيحلف عندها قرب المنبر، ولو كان المنبر في وسط المسجد حلف عند المحراب دون المنبر.
وفيها: وتخرج المرأة فيها له بال من الحقوق، فتحلف في المسجد، فإن كانت ممن لا تخرج نهاراً فلتخرج ليلاً، وتحلف في اليسير في بيتها إن لم تكن ممن يخرج، ويبعث القاضي إليها من يحلفها، ويجزئه رجل واحد.
اللخمي في الموازيَّة: تحلف المرأة في بيتها في أقل من ربع دينار، وفي ربع دينار في
الجامع، فإن كانت ممن تتصرف أحلفت نهاراً، وإلا أحلفت ليلاً، وأجاز سَحنون في امرأتين ليستا ممن تخرج أن تحلفا في أقرب المساجد إليهما.
وقال القاضي عبد الوهاب: إن كانت من أهل الشرف والأقدار جاز أن يبعث الحاكم إليها من يحلفها، ولا مقال للخصم.
ولماذا ذكر عياض حلف المرأة في بيتها حسبما تقدم قال: وهذا فيما تطلب فيه، ولابن كنانة في المدنيَّة قال: يحلف النساء اللاتي لا يخرجن في بيوتهن فيما ادعي عليهن، وأما إن أردن أن يستحققن حقهن فيخرجن إلى موضع اليمين، وقد حلف سَحنون مثل هؤلاء في أقرب المساجد إليهن، وأما شُيُوخ الأندلسيين فرأوا أنه لابد من خروج هؤلاء، ومن امتنعت حكم عليها بحكم الملد.
قال عياض: وليس هذا بصواب.
الشَّيخ في نوادره: روى ابن القاسم تخرج فيما له بال، فمن كانت تخرج بالنهار خرجت، وإلا خرجت بالليل، وفي الموازيَّة مثله.
قلتُ: لمحمد: تخرج في ربع دينار.
قال: لا إلا في الشيء الكثير الذي له بال، ومنهن من هي كالرجل تخرج هذه تحلف بالنهار في المسجد الجامع في ربع دينار، ولابن حبيب عن الأخوين من لا تخرج نهاراً تخرج في الليل في ربع دينار
عياض: قوله: وأما ما سألت عنه من المكاتب، والمدرب، وأمهات الأولاد فسنتهم سنة الأحرار، إلا أني أرى أمهات الأولاد كالحرائر منهن من يخرج، ومنهن من لا يخرج حمل بعضهم أول الكلام على الذكور دون الإناث، وعليه اختصره أبو محمد، وحمله آخرون على الذكور والإناث، وأن ما عدا أمهات الأولاد كالرجال في الخروج لليمين؛ لأن حرمة أمهات الأولاد بحرمة ساداتهن وأبنائهن كالحرائر، وإليه ذهب ابن محرز، ووقع في كلام ابن القاسم في هذه المسألة في كتاب الشهادات، وأما ما سألت عنه من المدبرة والمكاتبة وأمهات الأولاد فسنتهن سنة الأحرار، وهو محتمل.
قلتُ: وللباجي عن ابن القاسم: والحرة والعبد والمدبرة والمكاتبة سواء.
فإن قلت: قولها: (وتحلف في اليسير في بيتها إن لم تكن ممن تخرج) مفهومه أنها تخرج في الكثير، وهو مناقض لما تقدم من أنها لا تخرج في الكثير.
قلتُ: لهذا المفهوم صورتان هذه، وهو غير معمل فيها، والثانية أنها إن كانت ممن تخرج خرجت من بيتها لمحل يقتضي فيه الطالب يمينها، ولا يلزمه الذهاب إلى بيتها لاقتضائه؛ لأن الطالب حقاً في اقتضائه اليمين.
قال الباجي: وعندي لو حلف عند المنبر دون أن يقتضيه صاحب اليمين، لم يبر بها حتى يحلف، وصاحب الحق مقتض ليمينه.
قلتُ: وذكر لنا شيخنا ابن عبد السلام أنه حكم لرجل بيمين على امرأة، وطلب حضورها معها لحلفها فامتنعت هي، وزوجها خوف اطلاعه عليها.
قال: فحكمت بحضوره إياها متباعداً عنها أقصى ما يسمع منها لفظ اليمين.
وفيها: في الحالفة في بيتها، ويبعث القاضي إليها من يحلفها لصاحب الحق، ويجزئه رجل واحد.
قلتُ: ظاهره أنه لا يقضى له بحضور يمينها في بيتها.
عياض: هذا يدل على أحد قوليه في هذا الأصل فيمن يوجهه القاضي للإحلاف، والحيازات، والأعذار، والنظر في العيوب، والترجمان، والقائف أنه يجزئ في ذلك رجل واحد، ولو زعم من وجب حلفه عجزه عن الخروج لمحل الحلف لمرضه، ففي نوازل الشعبي أربعة.
ابن بقيّ: إن أثبت ذلك ببينة حلف ببيته، وإلا أخرج.
ابن حارث: وإلا حلف لا يقدر على الخروج، ولا راكباً، وخير المدعي في حلفه ببيته، وتأخيره لصحته، فإن نّكَل لزمه الخروج أو رد اليمين.
ابن لبابة: إن ثبت مرضه حلف في بيته بالمصحف، وإلا حلف على عجزه، وخير المدعي في الأمرين.
ابن زَرْب: يختبر القاضي صدقه ببعثه له شاهدين، وأنكره محمد بن ميسور.
وفي كون التغليظ بالمكان شرطاً في اليمين طريقان.
الشَّيخ عن ابن حبيب: من نَكَل في ماله بال له أن يحلف في المسجد عند المنبر، وشبهه من المواضع، فقال: أحلف في مكاني فهو كنكوله يغرم إن ادعي عليه، وبطل حقه إن كان مدعياً، وقضى به مروان على زيد بن ثابت.
قاله الأخوان، المازري: في كون التغليظ مستحقاً أو مستحبّاً قولان.
اللخمي: ولا يحلف من الأيمان إلى غير موضعه إلا في القسامة.
قال مالك: يجلب إلى مكة والمدينة وبيت المقدس وغيرهم يستحلفون في مواضعهم، إلا أن يكون قريباً من المصر العشر الأميال ونحوها، وقال أبو مصعب: يجلب إلى الأمصار من كان على ثلاثة أميال، وهو أحسن، ولا يمكن من كان من البوادي من الدماء فتضيع.
اللخمي: اختلف هل يقام الحالف، وهل يستقبل به القبلة؟
فلابن القاسم فيها: ليس عليه أن يستقبل به القبلة، وقال مالك في كتاب ابن سَحنون: يحلف جالساً، وفي كتاب محمد قائماً، وقال الأخوان: يحلف قائماً يستقبل به القبلة إلا أن يكون أقل من ربع دينار، فيحلف في مكانه جالساً، قال مالك في كتاب آخر: ليس على الحالف في غير المسجد أن يقوم؛ يريد: أنه يقوم إذا كانت اليمين في الجامع، وأرى أن يستقبل القبلة في قليل ذلك وكثيره، ولا يقام وإن كانت اليمين في الجامع، وقد يستحسن ذلك في القتل، ولم يقم النبي صلى الله عليه وسلم في اللعان إلا في الخامسة أقام المرأة في موضع الغضب، وقيل: أقام الرجل في الخامسة، وليس في الصحيح.
الشَّيخ: في كتاب ابن سَحنون: قيل لمالك: أيحلف قائماً أو قاعداً؟
قال: قائماً أبين.
قال مالك: يحلف في القسامة قائماً، كذلك اللعان، وقول ابن شاس: حكى ابن عبدوس عن أشهب أن القيام في الأيمان إنما هو في اللعان، وفي القسامة لم أجده في النوادر، وتقدم نقل اللخمي فيه.
وفيها: يحلف اليهودي والنصراني في كنائسهم، وحيث يعظمون، ويحلف المجوس في بيت نارهم، وحيث يعظمون.
الباجي: وهل تغلظ بالزمان؟
وروى ابن كنانة في كتاب ابن سَحنون يتحرى بأيمانهم في المال العظيم، والدماء، واللعان وقتاً يحضر الناس فيه المساجد، ويجتمعون للصلاة، وما سوى ذلك من مال وحق، ففي كل حين، ولابن حبيب عن الأخوين: لا يحلف حين الصلوات إلا في الدماء واللعان، وأما في الحقوق ففي أي وقت حضر الإمام استحلفه، وقاله ابن القاسم وأَصْبَغ، ابن شاس: قال في الكتاب: وشرط اليمين أن تطابق الإنكار.
قلتُ: هو قولها في الشهادات: ومن اشترى منك ثوباً، ونقدك ثمنه، وجحدته الاقتضاء، وطلبت يمينه، فأراد أن يحلف أنه لا حق قبله لم يكن له ذلك.
قال مالك: ولك أن تحلفه أنه ما اشترى منك سلعة كذا بكذا؛ لأن هذا يريد أن يورك.
ابن القاسم: يعني بقوله: يورك الإلغاز.
قلتُ: نقلها الباجي عن مالك في الموازيَّة لا من المدَوَّنة، قال: وقاله مُطّرِّف، وقال ابن الماجِشُون: إذا حلف ما له عليه شيء من كل ما يدعيه، فقد برئ، واختاره ابن حبيب، وفي الموازيَّة والعتبيَّة القولان.
قلتُ: نقل المازري، واختار ابن حبيب الاستظهار بقرائن الأحوال، فإن كان المدعى عليه من أهل الصلاح والفضل، والمدعي من أهل التهم وممن يظن به ادعاؤه الباطل منع في اليمين بقول ابن الماجِشُون:(وشرط اليمين مع الشاهد) موافقتها شهرته معنى ولفظاً.
الباجي: وصفة اليمين مع الشاهد أن يحلف على ما شهد له، فإن شهد بإقرار المطلوب لم يكن له أن يحلف أن له عليه كذا؛ بل يحلف لقد أقر له فلان بكذا.
قاله ابن عبد الحَكم: فإن كان المطلوب غائباً زاد، وإن حقه لباق عليه، وما عنده به رهن، ولا وثيقة ويقضى له.
قال ابن عبد السلام: هذا على أن اليمين مع الشاهد كشاهد آخر، ومنهم من جعلها تقوية له، وعليه لا يبعد كونها على وفق الدعوى كاكتفاء ابن الماجِشُون في يمين
المدعى عليه بالحلف على نفي دعوى المدعي سواء طابق الإنكار أو لم يطابق.
قلتُ: يرد بأن شرط اليمين مع الشاهد موافقتها شهادة الشاهد فيها أثبته في المعنى اتفاقاً أو إجماعاً والحلف مع الشاهد على وفق الدعوى هي أعم من خصوص ما شهد به الشاهد. والأعم لا يستلزم الأخص إثباتاً فلا يستلزم الحلف على الدعوى نفس ما أثبتته شهادة الشاهد، وقول ابن الماجِشُون: إنما هو في الحلف على أمر هو أعم من خصوص الدعوى، وهو في باب النفي، ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص، فاستلزم حلفه نفي الدعوى فتأمله.
وما ذكره من الخلاف في حال اليمين مع الشاهد لا أعرفه على النحو الذي ذكره؛ بل قول المازري: اضطرب العلماء في القضاء بالشاهد واليمين هل القضيَّة مستندة إلى الشاهد واليمين كالتقوية له، أو مستندة إلى اليمين، والشاهد كالمقوي لها أو مستندة إليهما جميعاً.
الشَّيخ: من قول مالك وأصحابه أن من أقام بينة بدين على حاضر أنه لا يحلف على أنه ما قبضه حتى يدعي المطلوب أنه دفعه إليه، أو دفعه عند دافع، ولو كان الحكم بالدين على ميت أو غائب لم يقض للطالب حتى يحلف أنه ما قبضه منه، ولا من أحد بسببه، ولو كان الدين لميت قام به ورثته على ميت أو غائب، فلابد أن يحلف أكابرهم أنهم ما يعلمون أن وليهم قبضه من المقضي عليه، ولا من أحد من مسببه، ولا يحلف الأصاغر، وإن كبروا بعد موته.
قلتُ: قوله: (ولا يحلف الأصاغر) يدل باللزوم على نص قولها: لا يمين على صغير، ولا على من يظن به علم ذلك، وفي سلمها الأول، وإذا أصاب المسلم إليه رأس المال رصاصاً أو نحاساً فردها عليه فقال له: ما دفعت لك إلا جياداً، فالقول قوله ويحلف ما أعطاه إلا جياداً في علمه ألا أن يكون إنما أخذها على أن يريها، فالقول قوله مع يمينه، وعليه بدلها.
التونسي: إن حقق أنها ليست من دراهمه حلف على البت، فإن نكل حلف قابضها على البت؛ لأنه موقن،
قلتُ: ظاهره: ولو كان حلف الأول على العلم، فتكون يمينه تنقل على خلاف ما تتوجه.
قال ابن رُشْد: وهو في مسائل كثيرة.
قلتُ: وذكر غير واحد من شُيُوخ الفاسيين في صفة الحلف ثلاثة أقوال، قولها الثاني: يحلف على البت مطلقاً، الثالث: هذا إن كان صيرفياً دون عزو، وعزاها ابن حارث لابن القاسم، وابن كنانة، وابن الماجِشُون، وقال ابن شاس بعد ذكر الأول: ولو قال: ما أعرف الجيد من الرديء، فقال بعض الأصحاب: يحلف ما أعطيته رديئاً في علمي.
قلتُ: فالأقوال خمسة.
نقل التونسي، والثلاثة، ونقل ابن شاس.
المازري: وينظر في حق الله تعالى في إباحة اليمين مع الشاهد للصغير الذي لم يعاين ما شهد به الشاهد، ولا علمه ضرورة، فإن لم يعلم ذلك إلا من قول الشاهد، وغلب على ظنه صدقه بخبره أو غير ذلك، ففي إباحة اليمين له بذلك، ووقفها على يقينه قولان لكتاب ابن سَحنون والموازيَّة.
واحتج سَحنون بجواز تصرف الولد الصغير في مال شهد له شاهدان بأنه لأبيه، وظاهر قوله: إسناد هذا الاحتجاج لمالك، وفيه إشكال؛ لأن التصرف في الأموال، ورد من الشرع التعويل فيه على الظن للضرورة إلى ذلك، ولو وقف ذلك على اليقين لأدى إلى ضرر عظيم، وأما تعليق التكليف بتعظيم اسم الله، والقسم به بيقين الصدق، فلا يلحق به ضرر عام وبعض أشياخي يضيف هذين القولين لمالك.
قلتُ: وتقدم هذا، وأخذ الأول من ظاهر قولها في الشهادات، وأظهر منه قولها في الوديعة: وإن بعث إليه بمال، فقال: تصدقت به علي، وصدقه الرسول، وأنت منكر للصدقة فالرسول شاهد يحلف معه المبعوث إليه، ويكون المال صدقة عليه.
قيل: كيف يحلف، ولم يحضر؟
قال: كما يحلف الصبي إذا كبر مع شاهده في دين أبيه، واختصرها أبو سعيد سؤالاً
وجواباَ لعدم إفادة الجواب نفي الإشكال؛ لأن حاصله أنه أتى بصورة مماثلة للمسؤول عنها فتستشكل كما استشكلت الأولى.
قال ابن شاس: اليمين على نيَّة القاضي، وعقيدته فلا تصح تورية الحالف، ولا استثناؤه بحيث لا يسمعه القاضي تقدم الكلام في نيَّة الحالف في الأيمان، وأن الخلاف عام في يمين القاضي وغيره حسب ما نص عليه ابن رُشْد قي سمَاع أَصْبَغ منه قال: إلا أن تتضمن نيَّة المحكوم عليه إبطال حق فهي عليه نيَّة المحلوف له اتفاقاَ، وفي لزوم نفي المدعى به في اليمين بعينه والاكتفاء بعموم يشمله خلاف تقدم عزوه.
الباجي عن أشهب: إن بين المدعي السبب فأنكر المطلوب، وقال: أحلف أنه لا شيء له عندي في هذا السبب لم يجزه حتى يقول: ولا أعلم له شيئاً بوجه من الوجوه، قاله أشهب في المجموعة ونحوه في كتاب ابن سَحنون هـ.
والظاهر أنه يجزئه؛ لأن الطالب لم يطلبه بغير ذلك، ومن حق المطلوب أن لا يحلف حتى يقول له الطالب: هذا آخر حقوقي عندك.
قال ابن الحاجب: فإن ذكر السبب نفاه معه على المشهور.
قلت: انظر الضمير في قوله (معه) على من يعود، وفسره ابن هارون بمسألة كتاب الشهادات المتقدمة، قال: يعني قوله: (نفاه معه) أي: نفى السبب مع العدد.
قلتُ: لا يخفى بعده، وفسره ابن عبد السلام بمسألة أشهب وسَحنون، وهو أيضاً بعيد.
ابن الحاجب: قال الباجي: القياس أن يكتفي بذكر السبب، وعن مالك ماله عندي حق.
قلتُ: ظاهر أن قول مالك في نفس الصورة، وفيه نظر؛ لأن الباجي قال بعد ذكر ما تقدم ما نصه: وإن ادعى أنه أسلفه أو باع منه لم يجزه قوله: (لا حق به عندي) حتى يقول: لم تسلفني أو له تبع مني، قاله سَحنون، وهو مقتضى قول مالك قال: وربها قيل منه الجواب ما له على حق، وإلي القول الأول رجع مالك.
قال ابن الحاجب: قال ابن دينار: قلت لابن عبدوس: أيضطر إلى يمين كاذبة أو
غرم ما لا يجب؟
فقال: ينوي شيئاً يجب رده الآن، ويبرأ من الإثم.
قلت: عزوه السؤال لابن دينار خلاف نقل ابن شاس عن ابن حارث عزوه لأحمد بن زياد، وذكر ابن حارث في كتاب المديان، كلفظ ابن شاس، وعزو ابن الحاجب وهمٌ؛ لأن ابن دينار، إما عيسى وإما عبد الرحمن وإما محمد، وكلهم لا يستقيم أن يَسأل ابن عبدون لعلو طبقتهم عنه؛ أما عيسى فهو أكبر من ابن عبدوس.
قال عياض وغيره: أنه أخذ عن مالك ولزم ابن القاسم.
وأما عبد الرحمن فقال عياض: لقي ابن القاسم في رحلته الأخرى، وروى عنه سماعه وعرض عليه المدنيَّة، وفيها أشياء من رأيه وكلاهما من أهل الأندلس، وذكرهما في طبقة سَحنون.
وأما محمد فقال فيه عياض إنه صحب مالكاً، وابن هرمز، روى عنه ابن وهب.
قال ابن عبد البر: كان مفتي أهل المدينة مع مالك وعبد العزيز.
وأما ابن عبدوس فقال فيه عياض: هو محمد بن إبراهيم بن عبدوس كان من كبار أصحاب سَحنون، وهو أحد المحمدين الأربعة الذين اجتمعوا في عصر من أئمة مذهب مالك لم يجتمع في زمان مثلهم؛ اثنان مصريان، ابن عبد الحكم وابن المواز واثنان قرويان؛ ابن عبدوس وابن سَحنون.
والحق ما ذكره ابن حارث وهو أحمد بن أحمد بن زياد الفارسي.
قال عياض: صحب ابن عبدوس وابن سلام والقاضي ابن مسكين، وكان يكتب له السجلات سمع منه ابن حارث وأحمد بن حزم وأبو العرب وغيرهم.
قال أبو العرب: كان عالماً بالوثائق، وضع فيها عشرة أجزاء، أجاد فيها.
ابن شاس: إن ادعى عليه ملكاً فقال: ليس لي إنما هو وقفٌ على الفقراء، أو على ولدي، أو هو ملك لطفل لم يمنع ذلك إقامة البينة للمدعي إن لم يثبت ما ذكر فتقف المخاصمة على حضور من ثبتت له عليه الولاية.
قلت: ما ذكره هو مقتضى أصول المذهب، ومقتضى إقراره بذلك لحاضر أو
غائب، ولا أعلم من ذكر نفس المسألة التي ذكرها إلا الغزالي في الوجيز.
المازري: لو قال: هي لفلان، وهو حاضر فصدقه سلم له المدعى فيه، والخصومة بينه وبين المدعي، وللمدعي إحلاف المقر أنه ما أقر به لإتلاف حقه إذا لو اعترف أنه أقر بالباطل، وأن المقر به إنما هو لمدعيه لزم الغرم، فإن حلف أنه لم يقر إلا بالصدق، ولا حق فيه للمدعي، سقط مقال المدعي، فإن نَكَل عن اليمين فهاهنا اختلف الناس ها يستحق بيمينه غرامة المقر لإتلاف بإقراره ما اقر به أم لا؟
لأنه لم يباشر الإتلاف، وإذا توجهت الخصومة بين المدعي، والمقر له وجبت اليمين على المقر له، فإن نَكَل حلف المدعي وثبت حقه، فإن نَكَل فلا شيء له عليه، وهل تحليف المقر أم لا؟
قال ابن عبد السلام: ليس له ذلك؛ لأنها لو وجبت لكان للمقر النُكُول عنها، وإذا نَكَل عنها لم يكن للمدعي أن يحلف؛ لأنه قد توجه عليه هذا الحلف ونكل عنه.
قلتُ: ونحوه قول عياض فى الوكالات: إذا اطلع بائع السلعة من وكيل على شرائها على زائف في الثمن فأحلف الآمر فنكل فوجبت اليمين للبائع، وليس له أن يحلف المأمور.
عياض: لأن نكوله عن يمين الآمر نٌكٌول عن يمين المأمور.
قال المازري: ولو أقر به لغائب لا يعذر إليه لبعد غيبته لم يستحقه المدعي بذلك اتفاقاً، فإن أراد تحليفه
سئل، فإن قال: رجاء أن ينكل فأحلفه وأغرمه قيمته جرى على ما قدمناه من الخلاف في توجه الغرم عليه بإقراره به لغيره دون مباشرة إتلاف فمن أغرمه يحلفه ومن لا فلا، وإن قال: رجاء أن ينكل فأحلف، وأستحق نفس الثوب، فذكر ابن سَحنون: من ادعي عليه بدار في يده، فقال: هي لفلان الغائب، فإن حلف بقيت الدار بيده، وإن نَكَل أخذها المدعي دون يمين حتى يقدم الغائب بإقرار المقر، واختار بعض أشياخي إسقاط اليمين عن المدعي عليه إن لم يدع عليه المدعي أنه أودعه السلعة أو رهنه إياها؛ لأنه لا يلزمه أن يحلف لإثبات ملك غيره، ومن الناس من قال: إن نَكَل عن اليمين حلف المدعي، وأخذ المدعى فيه حتى يقدم الغائب فيخاصمه؛