الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالجملة لا يبعد إجراء المسألة على القولين في الحكم بشهادة من ظنت عدالته، ثم ثبت فسقه.
المازري: لو أن الشهود الذين حكم القاضي بشهادتهم أكذبوه بعد أن حكم، ففي المجموعة: ينظر السلطان؛ فإن كان القاضي عدلاً أمضى حكمه، وتقدم عن الموازية فيمن حكم لزيد على عمرو بمائة فنسبه الشهود للغلط، وقالوا: إنما شهدنا بها لزيد على عمرو إن تيقن كذبهم لم ينقذ حكمه، ويغرم لزيد المائة للبينة عليه بأنه أثبت مال من حكم عليه.
ومقتضى قوله: لو رفع الحكم لغيره والقاضي فقيراً انتزع المال ممن حكم له به، وقال محمد: لو شك القاضي في صدقهم وحرز أنه غلط نقض حكم نفسه.
ولابن رشد في رسم (يوصي) من سماع عيسى: ولو لم يذكر الأصل شهادته، ولا قطع بأنه لم يشهد بنقلها، وإنما قال: لا أذكرها، وأنا شاك فيها تُخرج على الخلاف، في العمل بالحديث إذا رواه الراوي؛ فتوقف فيه المروي عنه، وشك فيه، ولم يقطع على أنه لم يحدث.
قلت: ظاهر لفظه أنه لا نص فيها.
وقد تقدم عن الموازية: إن شك الأصل في النقل عنه؛ كإنكاره، وكذا ذكره اللخمي.
[باب الرجوع عن الشهادة]
الرجوع عن الشهادة: هو انتقال الشاهد بعد أداء شهادته بأمر إلى عدم الجزم به دون نقيضه، فيدخل انتقاله إلى شك على القولين بأن الشاك حاكم أو غير حاكم.
والأول قول الأصبهاني شارح المحصول.
والثاني قول القرافي.
وقيد بعد أداء شهادته، وهو ظاهر الروايات، وظاهر لفظ المازري صدقه على ما قبل الأداء؛ فعليه بحذف لفظ:(بعد أداء شهادته).
قال في ثاني جوابه عن فصل الرجوع: إن سئل مريض عن شهادة فأنكرها، وقال: ما أشهد به بينكما باطل، ثم أداها واعتذر عن سابق قوله بخوف الوهم لمرضه ونحوه، فالأصل بطلانها.
وقال مالك: تقبل لصدق عذره بقرينة مرضه، وقال أيضاً: من سئل عن شهادة فلم يذكرها، ثم قال: تذكرتها، قيل: إن كان مبرزاً، ولم يمض من الزمان ما ينكر فيه صحة ما اعتذر به.
المازري: في الواجب قبولها على الإطلاق؛ لأن الشك يعرض للعالم، ثم يذهب.
وقال سحنون: إن قال: أنا تذكرتها، ثم قال: ذكرتها؛ قبلت إن كان مبرزاً.
قلت: وقول المازري في هذا أحرى منه في الأولى.
قال سحنون: وإن قال: لا أعلمها، ثم رجع، ثم قال: علمتها، فقول مالك في
ذلك اختلف.
قلت: قوله: الواجب قبولها على الإطلاق؛ لأن الشك يعرض للعالم كالنص على أن ما سئل عنه مالك فيمن سئل عن شهادة لم يذكرها أنه شاك، وما ذكره عن سحنون في قوله: وإن قال: لا أعلمها ظاهر في صدقه على الشك، فيتحصل منه في قبول شهادة من صرح بشكه فيها، أو ملزمه، ثم رجع إلى الجزم بها، ثالثها: إن كان مبرزاً لإحدى روايتي سحنون مع قول المازري: الواجب قبولها مطلقاً، وثاني روايتي سحنون، ورواية المازري.
ومسألة المريض هي سماع ابن القاسم من سئل عن شهادة وهو مريض؛ فأنكرها وقال: كل شهادة أشهدتها بين فلان وفلان باطلة، ثم شهد به، وقال: كنت مريضاً فخفت أن لا أكون أتثبت بها، وشهد هذا القول الذي له وجه يعرف جازت شهادته إن كان عدلاً لا يتهم.
ابن رشد: معناه إن كان مبرزاً في العدالة، وهذا إن سألها لتنقل عنه على ما في سماع يحيى، لو لقيه من عليه الحق، فقال له: بلغني أنك تشهد علي بكذا، فقال: لا أشهد عليك بذلك ولا لي منه علم، وإن شهدت عليك به فشهادتي باطلة، ثم شهد لم يقدح ذلك في شهادته، وإن كان على قوله بينة، قاله ابن حبيب، وهو تفسير لقول مالك هذا.
ولقول ابن القاسم في سماع يحيى، والفرق بين الموضعين أنه يقول في الوجه الثاني: إنما قلت له معتذراً، ولم أزل عالماً بما شهدت به، والوجه الأول لا عذر له فيها أقر به على نفسه من الجهل الشهادة فوجب أن تبطل؛ إلا أن يأتي بما له وجه من أنه خشي أن لا يقوم بها في مرضه فيصدق إن كان مبرزاً.
قلت: سماع يحيى هو قوله من قيل له وهو عند القاضي: إن فلاناً ادعى أنك تشهد في ذكر حق له على فلان، فقال: ما أذكر أنه أشهدني عليه بشيء، وماله عندي علم، ثم انصرف فذكر فعاد إلى القاضي بعد أيام فشهد في ذلك الحق جازت شهادته إن كان مما لا يشك في عدالته، ولا يتهم في شيء من عمله.
في أقضيتها: إن استقال الشاهد قبل الحكم، وادعى وهماً، وجاء بشبهة أقيل، ولا
تبطل شهادته إلا أن يعرف كذبه فيما شهد فيه فترد شهادته في هذا، وفي غيره.
وقال في كتب السرقة: إن رجعا قبل الحكم، ولهما عذر بين يعرف به صدقهما، وكانا بيني العدالة أقيلا، وجازت شهادتهما بعد ذلك، وإن لم يتبين صدقهما لم يقبلا فيما يستقلان، ولو أدبا لكان لذلك أهلا، ولو شهدا على رجل بالسرقة، ثم قالا قيل القطع: وهمنا؛ بل هو هذا الآخر، لم يقطع واحد منهما.
وللشيخ عن الموازية: إن قالا قبل الحكم وهمنا؛ لم يقبلا، وقاله ابن القاسم وأشهب قالا: ولو قالا في آخر على هذا شهدنا، ووهمنا في الأول لم يقبلا على واحد منهما، ورواه ابن القاسم.
قال أشهب: كان ذلك في حق أو قتل أو سرقة أو قتل في إخراجهما أنفسهما عن العدالة بإقرارهما أنهما شهدا على الوهم والشك.
وفي سماع يحيى قال سحنون: وأنا أقول: إذا استقال الشاهد قبل القضاء أو بعده، وادعى أنه غلط، ثم ذكر أو شبه عليه قبل قوله، وأقيل في شهادته فيما يستقلا إذا كان عدلاً مرضياً.
ابن رشد: إن كان ذلك قبل القضاء فلا خلاف في قبول قوله، فتجوز شهادته فيما يستقبل، ولا يؤدب إن كان عدلاً رضى، وإن استقال بعد الحكم؛ فقيل: لا تجوز شهادته فيما يستقبل، وإن شبه عليه، وهو قول مالك في أقضية المدونة خلاف قول سحنون، هذا أنه تجوز شهادته فيما يستقبل إذا شبه عليه، وكذا يختلف في وجوب غرمه إذا شبه عليه، ولا يؤدب.
المازري: إن وقع بعد أدائها تشكك فعاد إلى القاضي، فقال: توقف في قبول شهادتي، ثم قال له: ذهب عني التشكك؛ فذهب بعض الناس إلى أن ذلك على قولين، ولا يبعد أن يكون هذا التشكك كما حكيناه عن المذهب إذا جرى ذلك منه قبل أدائه.
قال ابن الحاجب: فإن قال: تشككت، ثم قال: زال الشك.
فقال المازري: هي مثل التشكك قبل الأداء، ثم يقول: تذكرتها فالواضح قبولها، وثالثها: إن كان مبرزاً قبلت.
قال ابن عبد السلام: قال المازري: فذكر ما نقلناه عنه آنفا، وقال:(وليس في كلام المازري بيان للأقوال الثلاثة) إذا شك قبل الأداء، وذكر ما نقلناه عنه أولاً.
وقوله: (وليس في كلام المازري بيان للأقوال الثلاثة) يرد بما بيناه من دلالة لفظ المازري على تحصيل الأقوال الثلاثة.
ورجوعهما بعد الحكم، وقبل إنفاذه في المال لا يسع إنفاذه.
ابن حارث: إن رجعا بعد الحكم، وقبل قبض المال وجب للمحكوم له قبض المال اتفاقاً.
وفي سرقتها إن رجعا بعد الحكم بدين ضمناه ظاهره، ولو قبل تنفيذه، وهو مقتضى نقل الصقلي عن الموازية: إن رجعا بعد الحكم فهرب المقضي عليه قبل أن يؤدي، فطلب المقتضي له الشاهدين بما كانا يغرمان لغريمه لو غرم؛ لم يلزمه غرم حتى يغرم المقضي عليه، ولكن ينفذ القاضي الحكم للمقضي عليه على الراجعين بالغرم؛ هرب أو لم يهرب؛ فإذا غرم أغرمهما، وكما لو شهدا بحق إلى سنة، ثم رجعا؛ فلا غرم عليهما حتى يغرم هو.
وقال محمد بن عبد الحكم: للمقضي عليه أن يطلب الشاهدين بالمال، حتى يدفعاه عنه للمقضي له به.
الصقلي والشيخ عن الموازية: لو شهدا بقتله عمداً؛ فحكم الإمام بقتله، ودفعه للولي فأقرا بالزور قبل أن يقتل؛ فهذا اضطرب فيه.
قال ابن القاسم: مرة ينفذ الحكم بقتله؛ لأنهما الآن لا تقبل شهادتهما، ثم رجع فقال: هذا القياس، ولكن أقف عن قتله لحرمة القتل، وكذا القطع، وشبهه، والعقل فيه أحب إلي، واختلف فيه قول أشهب كابن القاسم.
أصبغ القياس: القتل، والقطع، والرجم في زنى المحصن وكل شيء، وأستحسن لحرمة الدم خطر القتل أن لا يقتل؛ ولا دية على شاهد، ولا مشهود عليه، وأراه شبهة كبيرة، وقاله محمد.
المازري: قول ابن القاسم: أحب إلي أن يكون فيه العقل، لم يذكر على من يكون
العقل، هل على الشهود؛ لأنهم أبطلوا الدم فيغرموا ديته، وإن أراده فهل عليهم دية من شهدوا عليه أو دية القاتل؛ لأن الدية قد تختلق؛ قد يكون القتيل رجلاً، والقاتل امرأة، والأظهر أن مراده أن العقل على القاتل حتى لا يبطل الدم عنه.
ولو كان رجوعهما ذلك في زنا محصن، ففي تنفيذ رجمه، وسقوطه لا لبدل، ثالثهما: يُحد حد البكر، للخمي عن أحد قولي ابن القاسم مع أحد قولي أشهب، وثاني قولي ابن القاسم والمازري عن محمد.
قلت: إنما نقله الشيخ عن البرقي عن أشهب: ولو كان رجوعهما في زنا محصن، ففي إنفاذه، وسقوطه لعقوبته فقط قولا ابن القاسم مع اللخمي عن محمد واختياره.
وفي القذف منها: وإن قالت البينة بعدما وجب الحد: ما شهدنا إلا بزور درء الحد.
قال ابن الحاجب: الثانية بعد القضاء، وقبل الاستيفاء.
قال ابن القاسم: يستوفي الدم كالمال، وقال أيضاً، وغيره: لا يستوفى لحرمة الدم، ومثله لو رجع شهود الإحصان لجلد جلد البكر.
قال ابن هارون: معناه أنه لا يرجم؛ ويحد حد البكر.
وقال ابن عبد السلام: مثل رجوع شهود القتل، رجوع شهود شرطه بإن شهود الزنا أجبوا مطلق الحد على الزاني، وقيد كونه رجماً وجب بشهود الإحصان، فإذا رجع شهود الإحصان قبل استيفاء هذا الحد، فعلى أحد قولي ابن القاسم في المسألة الأولى لا يعتبر رجوعهم، وعلى القول الآخر يعتبر في إسقاط ما أوجبته شهادتهم، وهو الرجم، ويبق مطلق حد الزنا، وهو صادق بحد البكر.
قلت: مسألة رجوع شهود الإحصان دون شهود الزنا لا أعرفها لغير ابن الحاجب، وتفسيره ابن هارون خلاف تفسيره ابن عبد السلام، والصواب جريها على اختلافهم إذا شهد اثنان بإحصانه، وأربعة بزناه، ثم رجعوا أجمعون فعلى القول الأول ألا غرم على بينة الإحصان لا ينفذ الحكم برجمه اتفاقاً، وعليه يأتي تفسير ابن هارون على القول بغرمهم يأتي تفسير ابن عبد السلام تقدم قولها: إن رجعا بعد الحكم عن شهادتهما بدين ضمنا، وظاهره، ولو لشك.
الشيخ عن سحنون: اختلف أصحابنا في رجوع البينة بعد الحكم، فقال: إن قالوا: أوهمنا أو شبه علينا؛ فلا غرم عليهم ولا أدب، وإن قالوا: زورنا، غرموا ما أتلفوا وأدبوا.
وقال آخرون: يغرمون، ولو في الوهم والشك؛ ويؤدب المعتمد.
قلت: إن قيل: الخطأ في أموال الناس كالعمد اتفاقاً في المذهب، ولذا رجح غير واحد القول الثاني بما وجه القول الأول.
قلت: إنما وقع الاتفاق على أن الخطأ كالعمد في أموال الناس في فعل غير المأذون له في الفعل، والمأذون له في الفعل ليس كذلك كالراعي يضرب الشاة ضرب مثلها فتهلك لا يضمنها، والوكيل على شراء عبد فيشتري أبا الموكل خطأ لا ضمان عليه، والشاهد مطلوب بالشهادة؛ فالقول بعدم ضمانه بناء على أنه يطلب الشهادة منه كالمأذون له في الفعل منضماً إلى أن الأصل عدم التفريط، وعدم الضمان.
وعزا ابن رشد في سماع عيسى القول الأول لسماع عيسى ابن القاسم قال: وهو قول ابن الماجشون حكاه عنه ابن حبيب.
وقال: هو قول جميع أصحابنا المغيرة وابن دينار وابن أبي زيد وغيرهم، وعزا الثاني لقول ابن القاسم في السرقة من المدونة، وهو ظاهر ما في أو رسم من سماع ابن القاسم، ونص قول ابن حبيب عن مُطرف، وابن القاسم وأصبغ.
الشيخ: قول محمد لم يحفظ عن مالك في غرم الشهود جواباً إذا شهدوا بحق فحكم به، ثم رجعوا، ولكن قال ذلك أصحابه أجمع المدنيون والمصريون.
قال ابن القاسم: أخبرني من أثق به عن عبد العزيز بن أبي سلمة في رجوع أحد الشاهدين بعد الحكم قال: يغرم نصف الحق؛ ولا يرد الحكم.
قال ابن القاسم: فسألت عنه مالكاً فقال: يمضي الحكم، ولم يتكلم فيما وراء ذلك.
وقال ابن القاسم وأشهب وابن وهب وابن عبد الحكم وعبد الملك وأصبغ: إنه يغرم نصف الحق.
قال ابن القاسم: ولا شيء عليهما حتى يقرا بتعمد الزور؛ ولو قال ذلك أحدهما،
وقال الآخر: وهمت، أو شبه علي، أو كان قضاه الدين ونسيت، فهذا يغرم، ويغرم الآخر نصف الحق، وكذا قال عبد الملك وابن عبد الحكم وأصبغ وقال أشهب: يضمنان إذا رجعا، وإن لم يتعمدا، واعتذرا بسهو أو غلط.
قلت لابن عبد الحكم: لم لا يلزمهما ما أدخلاه فيه مما لم يكن عليه بجنايتهما، وإن كانت خطأ، فقال لي: ما أقر به، وانظر فيه.
قلت: قد تقدم جوابه.
قال محمد: ولا يمين على المقضي له برجوع أحدهما، ولو كان قبل قبضه حقه.
قال ابن رشد في سماع عيسى: وفي الديات أربعة أقوال:
الأول: الدية في مالهما إن تعمدا الزور أو شبه عليهما لابن القاسم في هذا السماع، وفي الواضحة ومُطرف وأصبغ فيها، وظاهر كتاب السرقة من المدونة.
الثاني: إن تعمدا كان عليهما القصاص، وإن شبه عليهما فالدية في أموالهما، قاله ابن نافع وأشهب، وروي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه.
الثالث: إن تعمدا فالدية في أموالهما، وإن شبه عليهما كانت على عواقلهما، قاله أصبغ في سماعه من الديات.
الرابع: إن تعمدا فالدية في أموالهما، وإن شبه عليهما كان هدراً، قاله ابن الماجشون والمغيرة وابن دينار، وابن حازم وغيرهم.
ففي العمد قولان: القصاص، والدية في أموالهما.
وفي التشبيه في كونها في المال أو على العاقلة، ثالثها: هدر.
عزا المازري القولين في تعمد الزور بالقصاص، وكون الدية في أموالهما لروايتين قال: والأولى: اختيار بعض حذاق البغداديين.
والثانية: أشهر عند أصحاب مالك، والناظر في القولين بغمض وعد هذه المسألة أبو المعالي على استئجار في العلوم الشرعية أصولاً وفروعاً من المعضلات.
قلت: الأظهر أنها غير معضلة لوضوح أمرها، فإن القتل إنما وقع بشهادتهما، وإكراههما القاضي على قتله، وصيرورته بشهادتهما كآلة قتل بهما.
المازري: لو قال الشهود لما رجعوا: لم نتعمد بشهادتنا الكاذبة قتله ظناً منا أن القتل لا يلزمه، وأن القاضي لا يقبل شهادتنا، فقد اضرب فيه العلماء، وربما لحق هذا بمسائل شبه العمد، وهو القتل الذي ليس بعمد محض، ولا خطأ محض.
قال: ولو أن القاضي علم بكذب الشهود فحكم بالجور وأراق هذا الدم، كان حكمه حكم الشهود إذا لم يباشر القتل بنفسه بل أمر به من تلزمه طاعته، ولو أن ولي الدم علم بكذب الشهود في شهادتهم، وبأن القاضي علم ذلك، فقتل قاتل وليه اقتص منه بلا خلاف عند المالكية والشافعية، وقول أبي حنيفة: لا يقتل كالشهود خيال فاسد، وتبع ابن شاس وابن الحاجب المازري فيما ذكره في علم القاضي بكذب الشهود، فقال ابن الحاجب: لو علم الحاكم بكذبهم، وحكم، ولم يباشر القتل فحكمه حكمهم.
فقال ابن عبد السلام: ظاهر كلامه أن الخلاف المتقدم بين ابن القاسم وأشهب جار هنا.
وقد قال في آخر الرجم من المدونة: إن أقر القاضي أنه رجم، وقطع الأيدي أو جلد تعمداً للجور أقيد منه، وهو ظاهر في أن القود يلزم القاضي، وإن لم يباشر، وعليه حمله بعض الشارحين، وما أظنه يختلف في ذلك.
قلت: ما في المدونة مثله في النوادر لرواية ابن القاسم ولان سحنون عنه فيما أقر به من تعمد جور إن قامت عليه بينة فليقتص منه.
قلت: وقد يفرق بين مسألة المازري، وبين مسألة كتاب الرجم، وما وافقهما مما ذكرناه بأن محمل مسألة كتاب الرجم أنه أقر بالعداء، والجور دن استناد منه لسبب ظاهر.
وفي مسألة المازري، وهو مستند في الظاهر لسبب، وهو البينة المذكورة، والاستناد إلى السبب الظاهر، وإن كان كاذباً له أثر وشبهة كقولها: إن لمن قذف، وهو يعلم من نفسه صدق قاذفه، فيما رماه به أن يحده خلافاً لابن عبد الحكم.
سحنون: إن رجعوا عن شهادتهم بشتم أو حد قذف أو زنا بكر، أو لطمة أو ضرب بسوط يوجب الأدب بعد القضاء في ذلك بالأدب، وأقروا بالزور؛ فإنما فيه عند
أصحابنا إلا الأدب من السلطان لا قود ولا حد، ولا تقع المماثلة في اللطمة، ولا ضرب السوط.
قال ابن عبد السلام: وقد يسبق إلى الذهن أن من يرى القود في السوط من أصحابنا يرى للمشهود عليه هنا أن يقتص من الشهد، وهذا إنما يتم لو كان أشهب الذي يوجب للمشهود عليه القصاص من الشهود يقول بالقود من السوط.
قلت: يرد تعقبه التخريج بان الحكم على المشهود عليه بالضرب بالسوط إن كان به فهو عند الحاكم مماثل؛ فيجب الحكم به على الشهود برجوعهم.
والتخريج إنما يتصور على هذا التقدير، وإن لم يحكم على المشهود عليه بالضرب بالسوط لعدم تماثله غيره، وحكم عليه بمطلق الأدب فواضح؛ لأنه لا يحكم على الشهود إلا بالأدب.
وقوله: (وهذا إنما يتم
…
إلخ) يرد بأن القول بعدم القود في السوط بناء في تصور التخريج المذكور، وإنما يتصور على القول بالقود في السوط حسبما بيناه فتأمله.
الشيخ في الموازية عن ابن القاسم: إن شهد رجلان بان هذا الرجل قتل ابن هذا عمداً فقضي بقتله فقتل، ثم قدم الابن حياً غرم الشاهدان ديته في أموالهما؛ إن تعمدوا ذلك، ولا شيء على الإمام، ولا على عاقته، وعلى الأب، وقاله أصبغ إن كان ذلك من الشاهدين عمداً.
ابن القاسم: ولو صالح الأب القاتل بمال لرده؛ فإن كان عديماً لم يتبع الشاهدان بشيء، وقاله ابن سحنون لا بقيد إن تعمدوا ذلك، وزاد عنه: ولا يرجع الشاهدان فيما غرما على القاتل بشيء؛ لأنهما اللذان تعديا، فإن كانا عديمين رجع ولي المقتول على الولي القاتل، فإن أخذ ذلك منه لم يرجع على الشاهدين؛ لأنه الذي أتلف النفس كمن تعدى على مال رجل فأطعمه لآخر لم يعلم بعدائه، فلربه طلب المتعدي، ولا رجوع للمتعدي على الآكل، فإن كان المتعدي عديماً رجع على الآكل، ولا يرجع به الآكل على المتعدي.
المازري: هذا تشبيه صحيح لولا أن الآكل انتفع بالطعام، وربما وفر به ماله،
والمقتص لم ينتفع بالقتل، ولا وفر به نفساً.
سحنون: وروي أن ولي الدم خير إن شاء اتبع الشاهدين، إن اختار ذلك لم يكن له التحول عنهما إل لعدمهما؛ لأنه إن أخذ ذلك منهما رجعا به على الولي، وإن اختار تضمين القاتل؛ فليس له التحول عنه إلى الشاهدين أعدم أو لم يعدم، وإن ودى القاتل إلى الولي لم يكن له رجوع على الشاهدين، وقد روي أنه لا يرجع على الولي بشيء؛ لأن ظهور المحكوم بقتله حياً أبطل الحم، والولي إنما أخذ ما أعطاه الشاهدان على أنهما صدقا عنده، والذي أخذ قصاص لا ثمن فيه، وعلى الشاهدين غرم الدية؛ لأنهما اللذان أتلفا ذلك.
قلت: فحاصله إن قدم من اقتص بقتله ببينة حياً ففي تغيير رجوع ولي من قتل به على الشاهدين عليه بديته في أموالهم إن كانا مليئين؛ وإلا فعلى المقتص، وتخييره في ذلك، وفي رجوعه على المقتص، ثالثها: لا جوع على المقتص بشيء مطلقاً.
لمحمد عن ابن القاسم قائلاً: إن تعمدا ذلك، وإن شبه فالدية على عاقلتهما مع أصبغ وابن سحنون عن أبيه غير قائل ذلك، ونقليه بلفظي، وروي على الأول إن غرم المقتص لعدم الشاهدين لم يرجع عليهما بما غرمه، وعلى الثاني إن اختار إتباع الشاهدين فليس له التحول إل المقتص إلا لعدمهما؛ لأنهما إن غرما رجعا عليه لما غرماه، وإن اختار إتباع المقتص فليس له التحول إلى الشاهدين، ولو كان عديما؛ لأنه إن غرم لم يتبع الشاهدين بما غرم.
قال ابن عبد السلام: والظاهر تخيير المستحق في أخذ الدية ممن شاء، وأخذ البعض من الشهود والبعض من القاتل.
قلت: فيما قاله نظر؛ لأنهما إن تساويا في موجب الغرم لم تجز تعيين أحدهما له دون الآخر؛ فيبطل التخيير، وإن لم يتساويا؛ لانفراد كل منهما بمعنى يناسب الغرم دون صاحبه أمكن التخيير في ترجيح ما اختص به أحدهما على ما اختص به الآخر في إيجاب الغرم؛ لأن البينة اختصت بالعداء، ولم تباشر الإتلاف، والمقتص اختص بالمباشرة دون العداء، وإغرام كل منهما ملزوم لترجيح كل منهما على الآخر، وهو محال وتساويهما
باطل لما مر.
قال ابن الحاجب: قال المازري: لا خلاف في تعلق الغرامة بهم إن شهدوا على قتل عمد فاقتص، ثم ثبت أنه حي، وإنما الخلاف في البداية وفي الرجوع، فقال ابن القاسم: يبدأ بالشهود، وإن كانوا فقراء فمن القاتل، وقيل: المستحق مخير، وفي الرجوع؛ قيل: إنما يرجع الشهود بما أدوا على القاتل، وقيل: بالعكس، وقيل: لا رجوع، فقال ابن عبد السلام: نقله عن المازري الثلاثة الأقوال، وقال ابن هارون: وقوله: (وقيل بالعكس) يقتضي أنه يبدأ بالقاتل، فإن كان فقيراً رجع على الشهود، وهذا القول مما انفرد به، وكذا قوله:(وقيل لا رجوع) يوهم نفي الرجوع مطلقاً عن الولي والشهود، وإنما هو منقول عن الولي فقط.
قلت: قوله: (وقيل بالعكس) يقتضي أن القاتل إذا أدى إما لعدم الشهود.
وإما لاختيار الولي تغريمهم؛ فإنه يرجع على الشهود بما أدى، ولا يرجعون هم عليه إن أدوا مطلقاً سواء أدوا بتبدئتهم في الغرم أو باختيار الولي تبدئتهم، وهذا القول لا أعرفه لا في النوادر، ولا في نقل المازري، إنما نق عن سحنون عدم رجوع الغارم مطلقاً كان الغارم البينة أو القاتل، ونقل على القول بالتخيير رجوع البينة إن غرمت على القاتل.
قال: وهو خلاف ما تقدم لسحنون، وذلك من لفظه واضح لا إجمال فيه، ولا احتمال.
وتفسير ابن هارون قوله: (وقيل بالعكس) بأنه يبدأ بالقاتل، فإن كان فقيراً رجع على الشهود غير صواب؛ لأن هذا العكس إنما هو في التبدئة لا في الرجوع، والعكس في لفظ ابن الحاجب إنما ذكره في الرجوع لا في التبدئة.
الشيخ عن سحنون: ولو كانت الشهادة بقتل خطأ، ثم قدم من شهد بقتله بعدم غرم العاقلة الدية رجعت على البينة بها حالة، فإن أعدمت فعلى الولي، ومن غرمها منهما لم يرجع على آخر بشيء.
وروي أن العاقلة مخيرة إن اتبعت البينة فلا تحول لها عنها إلى الولي إلا في عدمها؛
لأنها لو غرمت رجعت على الولي، وإن اتبعت الولي فلا تحول لها عنه إلى البينة، ولو أعدم، لأنه إن غرم لم يكن له رجوع على البينة، وذكر قبل هذا عن ابن القاسم أن الأب يرد على العاقلة ما أخذ منها، فإن وجد عديما غرمت ذلك البينة بخلاف رجوعهما لاحتمال كذبهما في رجوعهما فلم ينقذ الحكم به، وهذا لما قدم حياً علم كذبهما، ولما ذكر المازري قول ابن القاسم قال: وقيل: يبدأ بالشهود في غرم الدية للعاقلة، فإن كانوا فقراء رجعت على الأب بالدية، ولا يرجع الغارم من الشهود على الأب، ولا الأب على الشهد، ثم ذكر القول بالتخيير على نحو ما ذكره الشيخ.
المازري: فتلخص من هذا أن المذهب لم يختلف في توجه الطلب على الأب، وعلى البينة لكن إن كان أحد الصنفين فقيراً طلب الأب بغير خلاف، وإن كانا مليئين فاختلف هل تخير العاقلة في طلب الأب أو الشهود أو يقع الطلب على الترتيب، وعليه اختلف فيمن يبدأ به هل الأب أو الشهود، ثم رجوع الغارم على المصنف الآخر فيه ما قدمناه من كون الشهود إذا غرموا فيه قولان: هل يرجعون على الأب أو الأب إذا غرم لا يرجع عليهم.
وفيها: وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا، فرجمه الإمام، ثم وجدوه مجبوباً لم يحد الشهود، إذ لا يحد من قال لمجبوب: يا زان، وعليهم الدية في أموالهم مع وجيع الأدب، وطول السجن.
الصقلي لمحمد عن أشهب: الدية على عاقلة الإمام، وعليهم الأدب، وطول السجن إلا أن يقولوا: رأيناه يزني قبل جبابه؛ فتجوز شهادته، ولا حد عليهم بكل حال.
قلت: عزا الشيخ قول أشه له، ولابن عبد الحكم.
قال ابن عبد السلام: لا يبعد تخريج كون الدية على عواقل الشهود من قولها في حريم البئر في منع ذوي بئر ماشية فضل مائها مسافرين عجزوا عن قتال أهل البئر حتى ماتوا عطشاً ديتهم على عواقل المانعين.
قلت: إن صح التخريج ناقض قولاها في البئر، والمجبوب، ويرد التخريج
بوضوح أن تسبب البينة في قتل المجبوب أوقوى من تسبب المانعين لإحتمال إعتقادهم نجاة المسافرين بماء آخر أو عدم إيجاب عطشهم موتهم.
اللخمي: أما السجن والعقوبة فصواب، وأما الدية فلا أراها علي بينة، ولا إمام؛ لأنه قادر على أن يظهر ذلك من نفسه، وذلك كله كالبينة العادلة، يرد بها شهادة من شهد عليه.
قلتُ: فيما قاله نظر على أصل المذهب لقولها: إن شهد على إمرأة بالزنا أربعة عدول، فقالت: أنا عذراء أو رتقاء، ونظر إليها النساء فصدقوها لم ينظر إلى قولهن، وأقيم عليها الحد؛ لأنه قد وجب.
قلتُ: فهذا يرد قول اللخمي؛ لأنه قادر على أن يظهر ذلك من نفسه، وإنما يتمم ما إختاره فى مسألة المرأة أنه ينظر إليها.
الشَّيح عن كتاب محمد بن عبد الحَكم: إن شهد شاهدان أن رجلاً حلف بحريَّة عبده أن فى قيده عشرة أرطال، وقد حلف بحريته أن لاينزع عنه القيد شهراً لفعل فعله العبد يتوجب به ذلك، ثم شهد شاهدان أنه ليس في القيد ثمانية أرطال.
قال عبد الله: أراه يريد: فحكم الحاكم بعتق العبد.
قال فى الكتاب: ثم إن السيد نزع القيد.
قال عبد الله: يريد: بعد الشهر.
قال: فوجد فيه عشرة.
قال: محمد: فلينقض القاضي حكمه لظهور كذب الشاهدين.
قلتُ: مافسر به الشَّيخ قول ابن عبدالحَكم ذكره المازري على أنه من لفظ إبن عبد الحَكم، فقال: مانصه: ذكر إبن الحَكم في رجل قيد عبده بقيد، وحلف أن لاينزع من رجله شهراً، وحلف أيضاً بحريَّة العبد أن في وزن القيد عشرة أرطال؛ فشهد شاهدان أن وزن القيد ثمانية أرطال؛ فحكم الحاكم بحريَّة العبد لأجل شهادتهما بحنث السيد الشاهد فما كمل الشهر وحل الأجل الذي حلف السيد أن لاينزع القيد قبله، وجد فى القيد عشرة أرطال كما حلف عليه السيد؛ فإن الحكم ينقض، ويرد العبد
إلى الرق.
قلت: تفسير الشيخ قول ابن عبد الحكم بأن الحاكم حكم بحرية العبد، وتفسيره، ثم إن السيد نزع القيد بأنه نزعه بعد الشهر، وذكر المازري ذلك على أنه من لفظ إبن عبد الحكم كلام متناقض؛ لأن الحكم بحريته قبل مضي الشهر يوجب تعجيل نزع القيد قبل مضي الشهر؛ لأنه حر، وتأخير نزعه لإنقضاء الشهر يقتضي عدم الحكم بحريته قبل مضي الشهر، والصواب حمل المسألة علي أن البينة بوزن القيد ثمانية إن كانت قامت بعد مضي الشهر، وقبل نزع السيد القيد عن العبد، فكم الحاكم بحريته فنزع السيد قيده فوجده عشرة نقض الحكم بحريته، وإستقام حكم المسألة، وإن قامت قبل مضي الشهر حكم الحاكم بحنث السيد، وحرية العبد، وتعجيل نزع القيد، فإن قلنا بأن الإكراه الشرعي معتبر فى درء الحنث لم يلزم السيد بنزع القيد قبل مضي الشهر حنث، وكذا إن قلنا إن الإكراه الشرعي غير معتبر فى درء الحنث به؛ لأن هذا الإكراه تبين أنه غير شرعي لترتبه على حكم غير شرعي لوجوب نقضه، والإكراه غير الشرعي معتبر في درء الحنث به إتفاقاً، فلا حرية للعبد بحنث، وبالبالحكم لوجوب نقضه، وتقدم الحكم بحد شاهد الزنا لرجوعه، وسواء رجع قبل الحكم أو بعد تنفيذه.
وفيها: إن رجع أحد أربعة شهود الزنا قبل إقامة الحد حدوا كلهم، وإن رجعوا بعد الحكم فكذلك، وإن رجع أحدهم حد وحده.
اللخمي: وإليه رجع أبن القاسم فى الموازية بعد أن قال: يحدون كلهم، ونقل المازري القول الثانى غير معزو، وعقبه بقوله: وأنكر هذا بعض الأشياخ الحذاق، وأشار إلى أنه يقتضي نقض الحكم إذا رجع الشهود بعد إنفاذه، وهذا خلاف مذهب فقهاء الأمصار إلا ماحكيناه عن ابن المسيب، والأوزاعي، ورجحه ابن عبد السلام واحتج عليه بأن حد بعض الشهود عليه ملزوم لعفاف المشهود عليهم، إذ لايحد لا من قذف عير عفيف، وكلما تثبت عفته وجب نقض الحكم بزناه، ويرد بأن حده لإقراره أنه قذف عفيفا، ولا يلزم منه ثبوت عفته شرعاً فلا يرتفع عنه حد وجب عليه.
وفيها: إن علم بعد الجلد أو الرجم أن أحدهم عبد حد الشهود أجمعون، فإن لم
يعلم الشهود كانت الدية في الرجم على عاقلة الإمام، وإن علموا بذلك فذلك على الشهود في أموالهم، ولاشئ على العبد فى الوجهين.
اللخمي: وقال ابن سحنون: قيل: لاشئ على الحاكم، ولا على البينه إن لم يعلموا أن معهم عبداً او علموا وجهلوا رد شهادتهم مع العبد، وإن علموا أن شهادتهم مع لا تجوز فعليهم الدية، وإن علم العبد وحده أن شهاته لا تجوز وجهل ذلك البينة، فكل الدية جناية فى رقبته، وإن علمت البينة مع ذلك فالدية على جميعهم أرباعاً، وهو قول أبي مصعب، واختلف إن كاننت الشهادة بقطع أو قتل؟
فقال ابن القاسم فيها: إن شهد شاهدان على رجل بقطع يد عمداً فاقتص منه، ثم تبين أن أحدهما عبد أو ممن لا تجوز شهادته فلا شئ على المقتص له؛ يرد: إن لم يعلم الحر أن الذي معه عبد.
وقال ابن سحنون: إن تبين أن أحدهما عبد أو ذمي أو مولى عليه حكم المحكوم له بالقصاص فى اليد مع الشاهد الباقي، أو حلف المقضي له بالقتل مع رجل من عصبته خمسين يميناً، وتم ماحكم به ونفذ، وإن نكل عن اليمين فى اليد، ولم يعلم أن شاهده عبد، وكانت الحرية فيه ظاهرة، وحلف المقتص منه فى اليد أن ماشهد عليه به الشاهد باطل، ونكل المحكوم له بالقتل عن القسامة إنتقضت الأحكام حتى كأنها لم تكن.
وقال بعض أصحابنا: لاضمان على الحاكم؛ لأنه لم يخطئ، ولا على المحكوم له بالقصاص؛ لأنه أخذ ما أعطته البينة، والحاكم بإجتهاده، ولم يأخذ مالاً فيرده، وغرم ذلك على الشاهد إذا كان جاهلاً برد شهادة العبد أو الذمي.
وقال بعض أصحابنا: ذلك على عاقلة الإمام.
وقيل: إنه عذر.
قلت: كذا وقع فى بعض نسخ اللخمي، وذكره الشيخ فى النوادر.
وقولها: (إذا كان جاهلاً برد شهادة العبد حكموا به) صوابه: (وإن كان جاهلاً).
قال الشيخ: وقد إختلف في قبول شهادة المولى عليه لسوء نظره في المال دون جرحة.
ولما ذكر الصقلي قولها فى العبد: قال: يريد: أو نصرانياً أو ولد زنا.
وفيها: وإن وجد أحدهم مسخوطاً لم يحد واحد منهم؛ لأن شهادتهم تمت باجتهاد الإمام في عدالتهم، وقد يعدل المسخوط، ويسخط العدول، ولم تتم في العمد وشبهه.
قلت: يريد أن خطأه في المسخوط؛ كمخالفته دليلاً ظنياً، وخطأه فى العبد؛ كمخالفته دليلاً قطعياً.
وفى النوادر من كتاب الشهادات: إن وجد أحدهم مسخوطاً؛ فقال ابن القاسم: ينقض الحكم كما لو كان عبدأ أو ذمياً، ويحد هو ومن معه من حر مسلم حد القذف إن كانت قبل أن يشهد.
وقال أشهب: لا يرد الحكم في المسخوط، ولا حد عليه، ولا على من معه.
قال محمد: ولا أعلم إلا، وقد قاله إبن عبد الملك.
قال أشهب: وكذل لو كان الحكم بمال.
قال محمد: وقول أشهب وعبد الملك أحسن إن كان القاضي غير الذي قضي بشهادته، فإن كان هو الذي قضى بشهادته فلينقضه ما لم يفت كالقطع والقتل والرجم، وأخبرنى بقول ابن القاسم أصبغ وأبو زيد.
وسمع أبو زيد ابن القاسم: إن شهد أربعة بالزنا، ثم نزع واحد بعدما تمت الشهادة، ونفذت لا يحد إلا الذي نزع قبل، فإن كانوا خمسة فنزع واحد؛ قال: فلا شئ على الذي نزع، وإن نزع آخر من الأربعة بعد ما أقيم الحد؛ قال: يضربان الحد، ولا شئ على الثلاثة الذين ثبتوا.
إبن رشد: إن رجع الخامس من الشهود قبل إقامة الحد أو بعده، فلا حد عليه على هذا السماع.
وذكر محمد أن قول ابن القاسم اختلف فى وجوب حده، وأن قول أشهب: إختلف فى ذلك، واختار قوله:(لايحد).
قلت: وهو نقل الصقلي عبد الملك.
أصبغ: وكأن ابن القاسم فى قوله الذي خالف فيه عبد الملك رأى الراجع
مقراً بقذفه عفيفاً، وأنه وبقية الشهود شهدوا عليه بزور، وإنه لقول حسن.
إبن رشد: وإن رجع بعد ذلك أحد الأربعة قبل إقامة الحد حدوا كلهم لدليل هذ السماع أنه لايحد إذا تم نزع أحدهم بعدما تمت الشهادة، وأنفذت إلا الذي نزع وحدفه.
وقيل: إنه لا يحد إذا نزع أحدهم بعدما تمت الشهادة، وأنفذت إلا الذي نزع وحده كان نزوعه قبل إقامة الحد أو بعده، وهو ظاهر قوله في المسألة التي بعد هذه.
قيل له: فإن نزع أحد الأربعة؟ قال: يضرب الذي نزع، وهو الذي يوجبه النظر؛ لأنه يتهم أن ينزع ليوجب الحد على من شهد معه، وإن كان ذلك بعد إقامة الحد حد هو، والخامس الذى رجع قبله إن كان لم يحد، ولاحد على الثلاثه الذين ثبتوا، ولا إختلاف فى هذا.
وقال اللخمي: فى رجوع أحد الخمسة بعد الرجم: أرى إن قال: أخطأت أو تعمدت، ولا علم ليى بما شهد به الآخرون؛ لأني لم أكن معهم أن لاشئ عليه من حد ولادية، وإن قال: شهادتنا واحدة، وأخطأنا جميعا أو تعمدنا؛ كان الجواب على ماتقدم لو كانوا أربعة فرجع أحدهم؛ فإنه يحد إذا قال: تعمدنا، ويختلف فى حده، وعقوبته إن قال: أخطأنا.
وقول المازري: التحقيق عندى أن يكشف الراجع عن شهادته؛ فإن قال: كذبت، وكذا كل من شهد معي حد، وإن قال: إنفردت بالكذب عن الأربعة، ولا أعتقد كذبهم بل الظاهر صدقهم لعدالتهم لم يحد يقتضي إنفراده بهذا، وهو متفضى كلام اللخمي قبله.
المازري عن الموازية: لو شهد ستة بزنا رجل فرجع إثنان، وظهر أن أحد الأربعة الذين لم يرجعوا عبد حد الراجعان، وغرما ربع الدية؛ لأن الحد أقيم بأربعة بطل أحدهم بكونه عبداً، والذي بطلت شهادته لو كان حراً رجع عن شهادته حد؛ وغرم ربع الدية، ولا غرم على العبد؛ لأنه لم يرجع عن شهادته، ويحد لقذفه من لم يثبت زناه بأربعة شهداء، ولا يلزم الثلاثة الأحرار حد ولا غرم، ويعترض هذا بأن العبد لما حد صارت الشهادة غير مستقلة، ولو كانت مستقلة لم يحد العبد؛ ففرق هنا بين شهادة
العبد التي سقطت لكونه عبداً، ولم يرجع عن شهادته فيوهن شهادة الثلاثة، وقد يغمض الفرق بين سقوط شهادة العبد؛ لأنه عبد، وبين سقوطها بالرجوع لاسيما أن المذهب نقض الحكم إذا تبين أن الشاهد عبد، ولاينقض الحكم فى أحد القولين إذا تبين أن الشاهد فاسق.
قلت: فوله: (يغمض الفرق
…
إلخ) يرد بأن الفرق أمر ظاهر جلي، فصار الحكم بالشهادة؛ كحكم خالف نصاً جلياً، فيجب نقضه، والرجوع يحتمل كونه كاذباً فيه كفسق طرأ، فيكون الحكم بشهادته؛ كحكم خالف دليلاً ظنياً فلا ينقض.
قلت: وظاهر كلام المازري إنما هو سؤال الفرق بين ظهور كون أحد الأربعة عبداً، ورجوع أحد الأربعة، وفهم منه ابن هارون ماصرح به ابن عبد السلام من عند نفسه من مناقضة مافي الموازية من عدم حد الثلاثة الباقين من الأربعة الشهداء الباقين من الستة الذين ظهر أن أحدهم عبد لقولها:(إذا شهد أربعة بزنا رجل فظهر أن أحدهم عبد حدوا أجمعون) وأجابا بأن مسألة المدونة إنتفض الحكم فيها بظهور كون الرابع من الشهود عبداً، ونقضه يوجب حد الثلاثة الباقين، ومسألة الموازية لم ينتقض الحكم فيها؛ لأن قصارى الأمر أنه شهد خمسة، وأقيم الحد ورجع منهم إثنان، وذلك غير موجب لنقض الحكم فذا لم يحد الثلاثة الباقون.
زاد ابن عبد السلام: فإن قلت: فعلى هذا التقدير ينبقى أن لا يحد العبد.
قلت: قذف العبد للمشهود عليه سابق على حد الزنا؛ فلعله لما كان مكالبا به، وظهرت الشبهة فى زنا المشهود عليه برجوع بعض الشهود استصحب حكم القذف، ووجب حد العبد لذلك، والمسألة مع ذلك مشكلة.
قلت: لا إشكال في المسألة لما تقدم من جوابها.
وقوله: (ينبغي أن لا يحد العبد) لا موجب لتوهم قوله: (ينبغي أن لا يحد) إلا قياس العبد على الثلاثة الباقين، أو عدم نقض الحكم، وكلاهما غير صحيح.
أما القياس على الثلاثة فيرد على الفرق بأن الثلاثة شهداء لما يقع موجب لرد شهادتهم في أنفسهم والعبد؛ بطلت شهادته في نفسه فصار قادفاً.
وأما أنه عدم نقض الحكم فمردود بحد الراجع من الأربعة مع عدم نقض الحكم برجوعه.
وفى الموازية ما حاصله: إن رجع أحد ستة شهدوا بزنا رجل حده الرجم بعد فقء عينه به وثان بعد موضحة به، وثالث بعد موته فعلى الأول سدس دية عينه لفقئها بشهادته مع خمسة، وكذا على الثاني مع خمس دية الموضحة لكونها بشهادته مع أربعة، وعلى الثاث ربع دية نفسه لموته بشهادته مع ثلاثة.
وفى سقوط ما على الثاني عنه، ولزومه إياه قولان.
قلت: بناء على أن دخول دية فقء عين رجل، ودية موضحته فى دية قتله خطأ في الجميع بإعتبار استلزام دية النفس دية مادونها كلية فى أجزائها أو كلاهما.
قال ابن عبد السلام: هذا الذي قاله محمد بناء على أن الشهود إذا رجعوا بعد الحكم، وقبل إستيفائه أنه لايستوفى.
قلت: هذا واضح بين من تعليل قدر ما وجب على كل منهم.
قال: وأما إن قلنا: إنهم إذا رجعوا حينئذ أنه يستوفى، ولايمنع رجعوهم من إستيفائه فيصير المرجوم كأنه أقيم عليه الحد بشهادة الستة جميعاً، فيكون كمن قتله بعد أن أوضحه وفقأ عينه فكان ينبغي أن لا يكون على هؤلاء الثلاثة الذين رجعوا عن شهادتهم سوى ربع الدية تكون عليهم بالسواء، ويسقط ماعدا ذلك فتأمله.
قلت: قوله: فيكون كمن قتله بعد أن أوضحه وفقأ عينه وهمٌ، بل يكون كمن قتله بعد أن أوضحه وفقأ عينه؛ لأن قتله على هذا التقدير بنفس شهادتهم، ورجوعهم لغو فتأمله.
ومن رجم بشهادة أربع بزناه وإثنين بإحصانه، ثم رجعوا أجمعون، ففي عدم غرم شهيدي الإحصان، وغرم كل منهما سدس الدية، وباقيها على بينة الزنا بالسوية، ثالثهما: على كل من شيهدي الإحصان ربعها، وباقيها على بينة الزنا بالسوية، لأصبغ مع سحنون وإبن القاسم وأشهب مع ابن الماجشون ومحمد، وأشار المازري إلى أن ذلك بناء على حصر حكم الرجم إلى إضافته لوصف زناه، ولغو إحصانه فيه؛ لأنه وصف
كمال له لا وصف نقص فيه، وإضافته إلى وصفي إحصانه، وزناه من حيث عدد مثبتهما أو إضافته إلى الوصفين من حيث ذاتيهما.
المازري: ولو رجع أحد شهيدي الإحصان؛ فعلى الأول: لا غرم عليه، وعلى الثاني: يغرم سدس الدية، وعلى الثالث: يغرم ربعها، ولو رجع أحد أربعة الزنا، فعلى الأول: يغرم ربع الدية، وعلى الثاني: يغرم سدسها، وعلى الثالث: ربع للإحصان، وثمن للزنا.
ولو شهد أربعة بزناه إثنان منهم بإحصانه، ثم رجع أحد شهيدي الإحصان؛ فعلى الأول: لاشئ عليه بالإحصان، ويغرم في الزنا ربع الدية، وعلى الثاني: يغرم سدسها للإحصان، وسدسا للزنا، وعلى الثالث: يغرم ربعا للإحصان، وثمنا للزنا.
قال: وعلى أصل سحنون فى لغو الغرم عن شاهدي الإحصان إذا رجعا.
قال: ولو حكم الحاكم بشهادة رجلين فى مال بتزكية رجلين إياهما، ثم رجع المزكيان عن تزكيتهما لم يغرما شيئاً، وقاله ابن الماجشون مع قوله: بمشاركة شهيدي الإحصان لشهود الزنا فى الغرم، فيحتمل أن يكون إختلاف قول فيهما فيتخرج قول أحدهما فى الأخرى، ويحتمل أن يكون ذلك لفرق بينهما إليه سبيل.
قلت: ولم يذكر فرقاً بوجه، ويفرق بضعف سببية التعديل بالنسبة إلى سببية الإحصان فى الحكم الواقع بهما، وبيانه أن سببية التعديل فى الحكم الواقع به عامة في الحكم الواقع به، وهو الحكم، وهو الحكم بالمال وغيره فدلالتها على الحكم المذكور كدلالة العام على بعض أفراده، وسببية الإحصان فى الحكم الواقع به خاصة بالحكم الواقع به دون غيره، فدلالتها على ثبةت الحكم المذكور كدلالة الخاص على مدلوله.
وتقرر فى أصول الفقه أن دلالة الخاص على مدلوله أقوى من دلالة العام على بعض أفراده لإحتما لغو دلالة العام على بعض أفراده، وإمتناع لغو دلالة الخاص على مدلوله.
الشيخ عن كتابي إبن المواز وإبن سحنون: إن إدعى من حكم عليه بشهيدين رجوعهما عما شهدا به عليه، فأنكرا، فإن لم يأت بلطخ فلا يمين عليهما، وأن أتى به حلفا وبرئا؛ فإن نكلا حلف المدعي، وأغرمهما ما أتلفا عليا؛ فإن نكل فلا شئ له عليهما، ولو أقام بينة بإقرارهما برجوعهما بعد الحكم بهما أنهما شهدا بزور غرما ما أشهدا به، ويغرمان الدية فى النفس والرجم مع حد القذف، ويغرمان أرش الجراح، ولا ينظر لرجوعهما بعد الإقرار.
وقال محمد بن عبد الحكم: إن إدعى عليهما أنهما رجعا عن الشهادة فلا يمين عليهما إن أنكرا، وإن أقام شاهدين برجوعهما قضي عليهما بالمال، وكذا في قيام البينة برجوع أحدهما.
وزعم أو حنيفة وأصحابه أنه لا تقبل عليهما شهادة برجوعهما، وهو خروج من المعقول، لأن من قولهم لو أقر بالرجوع لزمهما الغرم.
ونقل إبن الحاجب توجه اليمين عليهما لا يفيد قيام اللطخ وهم، ونقله إبن شاء فى آخر كلامه مقيداً على الصواب.
وفى الحريرية: من شهد عند حاكم، ثم رجع إليه فقال له: نالني من أجل شهادتي وبالله الذي لا إله إلا هو ماشهدت إلا بحق لكني راجع عن شهادتي فلا يقضى بها، فقال هاشم بن أحمد بن خزيمة: لاتسقط بهذا شهادته، وقاله أصبغ بن سعيد.
وقال ابن زرب: لايقضى يها؛ لأنه إن رجع عن حق علمه سقطت بذلك شهادته.
وقد روي عن مالك أنه قال: كان شريح القاضي يقول للشاهدين: بشهادتكما أقضي، أتشهدان أن الحق لهذا؟ فإن قالا: نعم أجاز شهادتهما، فكيف يقضى بشهادة من يقول: لا تقضى بشهادتى؟.
قلت: الأظهر إن علم نزول ضرر به لشهادته قضى بها، وإلا فلا.
الشيخ عن ابن عبد الحكم: ولو رجعا عن رجوعهما الموجب غرمهما لم يقالا،
وقضي عليهما بما يقضي على الراجع.
قال ابن الحاجب: إثر هذا الفرع أما لو ثبت كذبهم نقض إذا أمكن.
قال ابن عبد السلام: ثبوت كذبهم عسير؛ لأنه راجع إلى تجريح الشهود، والمشهود عليهم بالكذب فى هذه الصورة يشهدون بكذب من شهد عليهم فيها.
قلت: علف المؤلف ثبوت كذبهم على الإمكان، وإليه يعود هذا الشرط، لا إلى نقض الحكم.
ومن هذا المعنى إذا شهدوا على رجل بالزنا، ثم تبين أنه محبوب.
قلت: قوله بثبوت كذبهم عسير، يرد بما أقر به أخيرا من مسالة المجبوب، وعما تقدم من مسألة من شهد بقتله، ثم قدم حياًّ.
وبقولها فى كتاب الاستحقاق فيمن شهدت بينة بموته؛ فقسمت تركته، وتزوجت زوجته، ثم قدم حيّاً، وهو نص ترجمة النوادر بقوله فى الحكم ينفذ، ثم يظهر مايبطل به مثل البينة تقوم بقتل رجل عمداً أو خطأ، فيحكم بذلك، ثم يقدم الشهود بقتله حيّاً، وشبه ذلك مما يظهر فيه الكذب، أو يظهر المرجوم مجبوبا.
قلت: ومثل هذا لايقال فيه عسير، واستدلاله على ذلك بقوله إن الشرط فى قول ابن الحاجب إن أمكن راجع إلى ثبوت كذبهم، لا إلى نقض الحكم، وهم نشأ عن إعتقاده عسر كذبهم، والحق الواضح لمن أنصف أنه راجع إلى نقض الحكم، لا إلى ظهور كذبهم؛ لأن نقضه قد لايمكن، ككونه حكما بقتل أو قطع وقع، وقد يمكن ككونه بإستحقاق ربع ونحوه.
وكقوله فى مسألة كتاب الإستحقاق المتقدمه، فإن لما تأت البينة بما تعذر من شبهة دخلت عليهم بذلكك كتعمدهم الزور، فيأخذ متاعه حيث وجده، وترد إليه زوجته، وله أخذ ما عتق من عبد، أو كوتب أو دبر أو أمة أتخذت أم ولد، وقيمة ولدها من المبتاع كالمغصوبة يجدها بيد مشتر.
ولسحنون من نوازله: من قال لمن شهد عليه: بلغنى أنك شهدت علي بكذا؛ فقال له: إن كنت شهدت عليك بذلك؛ فأنا به مبطل، وكان شهد عليه، فهذا رجوع إن كان على قوله بينة، وتبطل شهادته، ولا يثبت بها شئ، إن كان ذلك قبل القضاء، وإن كانت مقالته هذه بعد القضاء ضمن ما استهلك من المال.
ابن رشد: لابن حبيب فى هذه المسألة عن الأخوين وأصبغ أن قوله هذا لا يضره فى شهادته، وإن قامت عليه بينة إلا أن يرجع عن شهاده رجوعاً، ووجهه أن قوله يحتمل كونه إعتذارا، لا روعا، فلم يبطل الحاكم بشهادته إلا ببينتين.
ولو شهدت عليه البينة أنه قال ذلك ابتدأ دون أن يعاتب على شهادته، كان رجوعا عنها اتفاقاً.
الشيخ عن كتابي ابن المواز وابن سحنون: إن رجعا عن شهادتهما بطلاق البتة، والنكاح ثبت بغير شهادتهما، فإن كان بعد البناء فلا خلاف في أن لاشئ عليهما، وإن كان قبله؛ فقال ابن القاسم: يغرمان نصف المهر.
أصبغ: هذا استحسان، والقياس لا شئ عليهما.
ابن المواز: الصواب أن لا شئ عليهما، وقاله، أشهب وعبد الملك وغيرهما ممن أرضي.
وفيها: إن رجعا بعد قضاء القاضي بشهادتهما بالطلاق قبل البناء، فعليهم نصف الصداق.
عياض: كذا عندنا في الأصل.
قال بعض الشيوخ: لم يبين لمن هذا النصف، وحمله أكثر الشيوخ على أن غرمه للزوج، وكذا جاء مفسراً فى كتاب العشور من الأسمعة، وحمله غير واحد على أن غرمه للمرأة، ليكمل لها صداقها الذي أبطلاه عليها بالفراق قبل الدخول.
وعليه اختصر المسألة القرويون قالوا: وهذا مقتضى النظر والقياس أن غرمه للزوج لا وجه له، إذا النصف عليه متى حصل الفراق قبل الدخول.
وأشهب وسحنون لايريان عليهما المهر شيئاً.
الصقلي عن سحنون: إن رجعا عن شهادتهما بعفو ولي الدم عن قاتل وليه، أو مجروح عن جارحه عن جارحه بعد الحكم بإسقاط القود لم يضمنا شيئاً، ولا قصاص على القاتل، وشبهه في الموازية برجوعها فى الطلاق.
سحنون: ويحد القاتل مائة، ويحبس سنة، ويؤدب الشاهدان.
وقال محمد بن عبد الحكم: يغرمان الدية؛ لأن له في أحد قولي مالك أن يأخذ الدية.
سحنون: ولو شهد بعفوه على أخذ مائة درهم، وهو ينكر، والجاني يدعي ذلك، ثم رجعا بعد الحكم بذلك فلا شئ لولي القصاص، ولا شئ على الشاهدين؛ لأن الجاني يخرج المال مقر بأنه عفي عنه بذلك، وولي القصاص إنما أبطلا عليه القصاص الذي لا ثمن له.
ولو كان المنكر الجاني، وولي القصاص يدعي مصلحة بذلك أو بالدية، فقضي بذلك، ثم رجعا فعليهما أن يغرما للجاني ما أخرجا من يده، وقول إبن الحاجب: ولو رجعا في شهادة الدخول فى مطلقة غرما نصف الصداق هو نص الجلاب.
ولو شهدا على رجل في زوجته أنه دخل بها؛ فطلقها بعد الدخول، وهو مقر بالنكاح والطلاق، ومنكر للدخول، ثم رجعا عن شهادتهما؛ غرما له نصف الصداق الذي لزمه بشهادتهما.
المازري: لو شهد شاهدان بطلاق من ثبت نكاحها بغير شهادتهما، وآخران بأن الزوج دخل بها، وأرخى الستر عليها، ولم يعلم شاهد الطلاق كان قبل البناء أو بعده، ولم يعلم شاهدا الدخول بطلاقه؛ فلا غرم على شاهدي الطلاق على قولي أشهب وعبد الملك.
قلت: وابن المواز.
قال سحنون هذا مذهب أصحابنا، وأكثر الرواة، وبعض الرواة خالف فيه وإسقاط غرمهما؛ لأنهما إنما أتلفا منافع بضع، وذلك لايتقوم، وما غرمه الزوج من نصف الصداق واجب عليه بعقد النكاح فو رجع شاهدا الدخول غرما نصف الصداق؛ لأن شاهدي الطلاق لو اقتصر على شهادتها لم يلزم الزوج أكثر من نصف الصداق، وغرامة النصف الزائد عليه إنما هو بشهادة من شهد عليه بالبناء، فإذا رجعا عن شهادتهما غرما هذا النصف بينهما بالسواء، وإن رجع أحدهم غرم ربع الصداق.
قال ابن الحاجب: وإن شهد إثنان بالطلاق، وإثنان بالدخول، ثم رجعوا؛ فالأكثر
لاغرامة على شاهدي الطلاق.
وقيل: كما لو انفردوا.
قلت: إن أراد بقوله: كما لو انفردوا مجرد الإشارة إلى قول بعض الرواة فواضح، وإن أراد به ذلك مع تعليله بتقدير إنفرادهم رد بأن تقدير إنفرادهم باطل في نفسه ضرورة ثبوت نقيضه؛ لأن الواقع عدم إنفرادهم.
على هذا فهمه إبن عبد السلام؛ لأنه قال مانصه: أكثر أهل المذهب على أنه لا غرامة شاهدي الطلاق.
قال ابن سحنون وبعض الرواة على خلافه؛ ولعله يريد أن الصداق يكون على جميعهم، وكان ينبغي أن يقول: كما لو انفردوا.
قلت: فقوله: وكان ينبغى أن يقول: (كما لو انفردوا) نص منه على تعليل قول بعض الرواة بالتقدير المذكور.
والبحث فيها يشبه قول الجد في المسألة المسماة بشبه المالكية: لو كنتم دوني لم ترثوا شيئاً.
المازري مع الشيخ عن كتاب ابن سحنون: لو غرم شاهدا البناء لرجوعهما، ثم ماتت الزوجة رجعا على الزوج بما غرما له؛ لأن إنكاره طلاقها والبناء يوجب أن موتها في عصمته قبل البناء، وذلك موجب عليه كل الصداق.
المازري: قال عبد الملك فى كتابه: لو شهدا بطلاقه قبل البناء؛ فغرم الزوج نصف الصداق، ثم مات، ورجع الشاهدان غرما للزوجة ما حرماها من ميراثه، وما أسقطا من صداقها بالطلاق قبل البناء؛ لأن الموت أوجب إكماله.
ولو ماتت الزوجة؛ غرما للزوج مايرثه منها فقط لاشئ مما غرم من الصداق، وهذا إن كان الزوجان ينكران ماشهد به الشاهدان من الطلاق، وذكر ابن الحاجب هذا في مسألة شهادة إثنين بالطلاق، واثنين بالدخول، ولا يتم ذلك فيها على قول بعض الرواة بغرم شاهدي الطلاق.
وفي النوادر ظاهر من كتاب ابن عبد الحكم: ومن له أمة ذات زوج شهد شاهدان
بطلاقها، والسيد يدعيه يقضى له، ثم شهد شاهدان على الشهدين بما أسقط شهادتهما من أنهما زورا شهادتهما، أو كانا غائبين عن البلد الذي شهدا به، فأثبت القاضي النكاح، وصح حكمه بالفراق، ثم رجع الشاهدان أخيرا فعليهما غر مابين قيمتها ذات زوج، وقيمتها خالية منه.
الصقلي عن الموازية: قال أبن عبد الملك: إن رجعا عن شهادتهما بخلع على ثمرة لم يبد صلاحها بعد الحكم؛ غرما قيمتها على الرجاء والخوف.
محمد: بل قيمتها يوم جدها الزوج.
وكذا لو شهدا أنه خالعها على آبق أو شارد أو جنين في بطن أمه، ثم رجعا لم يلزمهما غرم إلا بعد خروج الجنين وقبضه، وبعد وجدان الآبق والشارد، وقبضهما، وإلى هذا رجع محمد ولعبد الملك قول تركته.
قلت: ذكر الشيخ قول عبد الملك، وقول محمد في الثمرة، وفي الجنين حسبما تقدم.
قال عنه: ولو كانت شهادتهما بخلعها بعبدها الآبق أو جملها الشارد كان عليهما لها قيمة ذلك على أقرب صفاته؛ فإن ظهر أنه كان ميتاً قبل الخلع لم يكن عليهما شئ، ولو ظهر أنه أصابه عور أو قطع يد قبل الخلغ لم يلزمهما إلا قيمته كذلك، هذا قول عبد الملك، وأحب إلى أن رجي أخذ ذلك قريباً إن رجي أخذ ذلك قريباً لم يعجل بغرمهما حتى يقبض ذلك الزوج، وإن لم يرج تعجيل وجدانه؛ غرما قيمة صفتهما على ماكانا يعرفان به قبل الإباق والشرود، فمتى ظهر نفص بعد ذلك أو موت رجعا بما زيد عليها، ثم رجع محمد عن هذا كله؛ فذكر ما ذكر الصقلي عنه.
المازري: من أقام على دعواه نكاح امرأة شاهدين، وهى تنكر فقضي عليها بأن تمكنه من نفسها؛ فإن عملت بطلان دعواه، وشهادة الشاهدين بالزور، وجب عليها أن تمنعه من نفسها إذا قدرت؛ لأنه كزان على إعتقادها؛ فإن جبرت على تمكينه، ثم رجع شاهد النكاح، فقد استحقت الصداق المسمي الذي شهد به الشاهدان، وأقر به الزوج، ولا رجوع لها على الشاهدين إلا أن يثبت أن صداق مثلها أكثر من المسمى؛ فيغرمان لها فضل صداق مثلها على المسمى، ولو طلقها قبل البناء فلا صداق لها عليه على مقتضى
إنكارها، وله أن يرجع إلى تصديقها في إنكارها، ويسقط عنه ما كان أقر لها به من نصف الصداق، وإن رجعت هي عن إنكارها وصدقت الزوج، فلها أخذ نصف الصداق منه إن إعتذرت عن إنكارها لكراهتها فيه وندمها على نكاحه، ويحلف على ذلك؛ كامرأة إدعت طلاق زوجها فأنكر ولم تقبل دعواها، فلما مات زعمت أنها كانت كاذبة في دعواها طلاقه، فإن ذلك يقبل منها إن إعتذرت بكراهتها للزوج وترثه.
قال ابن أبي زيد: وتحلف، وكذا على تأويله تحلف المنكرة للنكاح.
ولعبد الملك مثل هذا في رجلين شهدا بطلاق امرأة، فقضي به وزوجها منكر، ثم تزوجها أحد الشهيدين؛ فإن رجع عن شهادته طلقت عليه؛ وغرم نصف الصداق، وإن كان لم يبن بها لإقراره أنه تزوج زوجة غيره، ولو كان رجوعه بعد البناء لم يحد، ولو كان قبل تزويجها؛ منعه الإمام من تزويجها إلا أن يرجع عن رجوعه عن الشهادة، ويحلف على أن الحق في شهادته الأولى؛ فقبل عبد الملك رجوعه عن قول إقتضى تحريمها عليه، وهو كأحد قولي المدونة فيمن شهد على رجل بعتقه عبده، فلم يقض بشهادته، ثم إشترى العبد؛ فقال غير ابن القاسم: لا يعتق عليه إلا أن يتمادى على إقراره بعد شرائه أن العبد حر.
وقال ابن القاسم: يعتق عليه، وإن لم يتماد على شهادته، وقول ابن القاسم هذا قد يتحرج منه أن لايقبل من هذا الشاهد بالطلاق المتزوج لهذه المرأة رجوعه عن شهادته، وهو ظاهر إطلاق إبن المواز فى هذه المسألة، وكذا في مسألة التى أنكرت النكاح، ثم رجعت عن إنكاره إلا أن يقال: إنما قال ابن القاسم حرمة العتق.
قلت: ماذكره ولو كان رجوعه بعد البناء لم يحد هو نقل الشيخ عن ابن الماجشون فى الموازية إذا تزوجها أحدهما، ثم رجع عن شهادته؛ فلها الصداق، ويفرق بينهما بطلاق، ولا حد عليه، والوهم والعمد في ذلك سواء إلا أنه يؤدب فى العمد لا في الوهم.
وذكر قبل قوله قول عبد الملك عن محمد ما نصه: لو رجع قبل أن يتزوجها، ثم جهل فتزوجها فلا صداق عليه إلا أن يبنى بها، فيلزمه مهرها، ولا يقر معها، وهو يقر أنها.
ذات زوج.
وفيها: وسقوط حد العامد في ذلك لوقوع الحكم بالطلاق مع عدم نقضه برجوعه.
قال المازري: ولو كانت الزوجة هي المدعية للنكاح، والمدعى عليه ينكر العقد عليها، ورجع الشاهدان بعد بنائه، وصداق مثلها أقل من المسمى، ففي رجوعه بفضله على صداق مثلها على الشاهدين قولان بناء على تقرر غرمه عوض البضع بنفس وطئه فقط، أو بأن وطأه رضى بما شهد به عليه لقدرته على تركها بطلاقها.
وفيها: لا يحل له القدوم على وطئها مادام معتقدأ كذب البينه عليه فى العقد كما قالوا في المرأة المنكرة العقد عليها: لا يحل لها تمكينها نفسها طوعاً لب الواجب حده؛ كمن وطئ أمة إبتاعها، وهو يعلم أنها حرة إلا أن يراعي شبهة حكم الحاكم.
وفي سرقتها: وإن رجعا بعد الحكم، وقد شهدا بعتق ضمنا قيمة العتق.
الصقلي: وفي كتاب ابن سحنون: وكذا لو كانت أمة غرما قيمتها إلا أنها لا يحل لها أن تبيح فرجها إن علمت أن البينة شهدت بزور، وإن لم تعلمه فذلك لها.
قلت: وذكر الشيخ مسألة المدونة من كتاب ابن سحنون بلفظ: فإن كان السيد مقيماً عل الجحد فله قيمة العبد على الشاهدين، ويبقى ولاؤه له؛ لأن من أعتق عبداً عن رجل فالولاء للرجل، وعلله المازري بقوله: لأن الشاهدين معترفان بأن الولاء لسيده لا لهما، والسيد يستحق ماله على مقتضى إنكاره لكونه ملكاً له؛ فإن لم يكن له وارث أخذ السيد ماله على مقتضي قوله وقول الشاهدين.
قلت: الصواب كونه على مقتضى ظاهر ما حكم به عليه، ولو كان على مقتضى قوله وقول الشاهدين من حيث رجوعهما لم يكن مشروطاً بعدم الوارث، وعلى ظاهر قول المازري.
قال ابن عبد السلام: ينبغي أن يرد لهما من تركة العبد قدر قيمته التي أخذ منهما؛ لأنه إنما أخذها بمقتضى الملك فيما يزعم لا بمقتضى الولاء والجمع بين الملك وأخذ القيمة باطل.
قلت: ما ذكره غير لازم على تعليل المازري لا بنفس حكم المسألة لجواز تمسك السيد بأنه أخذه بمقتضى ظاهر ماحكم به عليه؛ إلا أنه يأتي في الشهادة بالعتق إلى أجل ما يقتضى رجوعهما عليه بما غرما له مطلقاً.
الشيخ عن كتاب ابن سحنون: لو رجعا عن شهادتهما بعتق عبد إلى أجل بعد القضاء به؛ غرما قيمته حالة، وأخذاها فى خدمته يؤاجرانه، أو يستخدمانه؛ فإن إستوفياها قبل تمام أجله كانت بقية خدمته إلى الأجل لسيده، وإن تم الأجل قبل إستيفائها؛ فلا شئ لهما، فإن مات العبد بيد سيده عن مال أو قتل، فأخذت قيمته أو مات بعد الحريه عن مال أخذ الشاهدان من ذلك ما بقي لهما.
قلت: لم يقيدالشيخ أخذها فى موته حرا بشئ، والصواب تقييده بأن لا وارث له، وهذا يقتضي رجوعهما على سيده في المسألة السابقة حسب مابيناه.
قال الشيخ: وذكر ابن الماجشون هذه المسألة وقال: إن أعتقه السيد قبل قبض الشاهدين من خدمته ما غرماه بعد عتقه، ورد لهما ما أخذ منهما أو ما بقي لهما منه.
وذكر ابن المواز مثل ما ذكر سحنون، وزاد: لو قال السيد بعد أن أغرمهما قيمته لا آمنهما عليه، وإنما نستخدمه، وندفع لهما ما يحل علي من خدمته، فذلك له، وربما كان ذلك فى الجارية النفسيه، وذات الصنعة فذلك له.
وقاله عبد الملك: وقال لي عبد الله بن عبد الحكم: يغرمان قيمته مسقطاً منها قيمة خدمته للأجل فلم يعجبنا، وقد تجاوز قيمة عمله إلى الأجل قيمته.
وقال عبد الملك: لو كانا عديمين حكم عليهما بقيمة العبد، ثم إن شاء السيد حبسه، وحسب عليه قيمة خدمته؛ فمتى ما أيسرا رجع عليهما بباقى خدمته معجلاً، ويدفع إليهما فيما يستقبل قيمة خدمته شهراً بشهر أو سنة بسنة على قدر ما يرى، وله دفع العبد لغيره بإجارة يستوفيها السيد فى قيمته إن تمت السنون قبل تمام القيمة تبعهم بما بقي.
وتعقب المازري قول محمد قد تجاوز قيمة عمله إلى الأجل قيمته بما نصه: هذا صحيح من جهة الفقه لو أمكن تصوره؛ لكنه ممتنع عادة فى جهة العقلاء؛ لأنه إذا حكم
بقيمة الرقبة على بقاء العبد مملوكا طول حياته علم قطعا أن تلك المنافع المؤجلة دخلت في هذا التقويم فلا يصح أن تكون أكثر منه.
وقال ابن عبد السلام: ماقاله المازري صحيح لو كان الناس يلتفتون في تقويم العبد إلى مدة حياته، وأكثرهم يقطعون النظر عن ذلك.
قلت: يرد قوله: (أكثرهم يقطعون النظر عن ذلك) بأن قطع النظر عن ذلك إنما هو فى تقويم ما لم يعتبر فيه قيمة خدمته لمدة مؤقتة، أما ما يعتبر فيه قيمة خدمته لمدة كما في مسألتنا هذه، فلا يقطع النظر عن ذلك فتأمله.
الشيخ عن الموازية: لو رجعا عن شهادتها بتعجيل معتق إلى أجل بعد القضاء بتعجيل عتقه غرما قيمة خدمته إلى الأجل على غررها، ولو كان إلى موت فلان غرما قيمته على اقصر العمرين عمر العبد، وعمر الذي يعتق إلى موته.
المازري: قد يعارض هذا الذي ذكره محمد وغيره بإقتضائه أن من أعتق عبدأ بعد موته أنه يلزمه كما لو كان في هذه المسألة العبد شيخاً، والمعلق عتقه عليه صبي صغير.
وأجاب: بإمكان موت الصغير قبله فاعبتر في لزوم العتق، واعتبر في لزوم غرم قيمته العادة؛ لأنها أمر مالي.
قلت: ونقل الشيخ في باب المدبر عن أصبغ أن يقول بغرم الراجعين عن شهادتهما بتعجيل المعتق إلى أجل قيمة رقبته لا خدمته.
قال محمد: نحا به أصبغ إلى طريقة ابن القاسم في أم الولد.
الشيخ لابن سحنون عنه: إن رجعا عن شهادتهما بتدبير عبده بعد الحكم على سيده به تعجل منهما قيمته، وإقتضيا من خدمته ما وديا، ويرجع باقي خدمته لسيده.
محمد: يغرمان قيمته يوم الحكم، ويخير السيد فى إسلامه لهما ليأخذا من غلته ما وديا مادام سيده حياً، وإختصاصه بخدمته، ويدفع لهما قيمة تلك الخدمة.
ابن عبد الحكم: يتعجل قيمته منهما، ويختدمانه في القيمة، ويرجع بعد إستيفائهما ما غرما لسيده، وإن مات المدبر قبل إستيفائهما لم يتبعا السيد بشئ؛ فإن كانا عديمين ضمنا فضل ما بين قيمته عبدأ، وقيمته مدبراً أن لو جاز بيعه مدبراً أولاً أخرج العبد من
يده بغير شيء، ولا أقول بقول بعض أهل الحجاز يختدمه سيده قي قيمته إن إستوفاها لم يتبع الشاهدان بشئ إن أيسرا، وإن مات قبل أن يختدمه بوفاء القيمة يتبعهما بما بقي منها إذا أيسرا، ولو قال قائل: يقضي عليهما بما نقص التدبير من قيمته كانا موسرين أو معسرين لم أعبه، وهو أقوى من القول الآخر.
محمد: فإن مات السيد قبل أن يستوفيا من الخدمة ما وديا، فإن خرج من ثلث سيده عتق، ولا شئ لهما غير ما أخذا، وإن رق بعضه فالشاهدان أحق بما رق منه حتى يستوفيا بقية ما غرما، وما فضل عن ذلك هو لوارثه.
وكذا ذكر سحنون فى موت السيد قال: ولو مات المدبر عن مال أخذا منه ما بقي لهما، وكذا من قيمته إن قتل، ولو مات سيده، وعليه دين يرقه بيه لهم قبل الدين، كما لو جنى جناية والدين محيط أهل الجناية أولى برقبته.
ولابن سحنون عنه: لو كان المرجوع عن الشهادة بتدبيره جارية لا تخارج كما نهى عثمان عن مخارجة الأمة التي لا صنعة لها خوف كسبها بفرجها غرما قيمتها، وعتقت إذا ليس فيها ما يستوفى منه ما غرما إلا أن يتفقوا عليها إلى أن يدركا شيئاً من رقها بموت السيد عاجزا ثلثه عن عتقها، وقاله ابن الماجشون في كتابه؛ فإن لم يتفقا عليها خرجت حرة، ولم يلزم سيدها نفقتها.
الشيخ: لابن سحنون عنه، وفي الموازية: إن رجعا عن شهادتهما بكتابة عبد بعد الحكم على سيده غرما له قيمته ناجزة.
محمد: يوم الحكم ويقتضيانها من الكتابة وباقيها إن كان لسيده، فإن وداها عتق وإلا رق لسيده، ولو عجز قبل قبضهما ما غرما بيع لهما منه تمام ما بقي لهما؛ فإن عجز عن تمامه لهما فلا شئ لهما هذا قول عبد الملك.
وقال ابن القاسم: توقف قيمته بيد عدل، ويتأدى السيد الكتابة؛ فإن تأداها.
وفيها: تمام القيمة ردت القيمة للشاهدين، فإن كانت الكتابة أقل أو مات المكاتب قبل الإستيفاء؛ دفع للسيد من تلك القيمة تمام قيمة عبده.
ابن المواز: وهذا غير معتدل، وبقول عبد الملك أقول، وعليه أصحاب مالك.
والسيد في قول ابن القاسم مظلوم منع من التصرف في عبده دون شئ وصل إليه، ولا راحة للشاهدين في وقفهما؛ ولعلها تتلف فيغركتمخت ثانية، ولو استحسنت قول ابن القاسم لقلت: كلما قبض السيد من الكتابة شيئاً دفع مثله للشاهدين من القيمةم الموقوفة خلاف ظاهر جوابه.
سحنون: وقال بعض أصحابنا: إذا رجعا بيعت الكتابة بعرض؛ فإن كان فيه وفاء القيمة أو أكثر فهو للسيد، وإن كان أقل رجع عليهما بتمام القيمة، والقول الأول أكثر.
وفي كتاب ابن الماجشونك تباع الكتابة بعرض؛ فإن شاء السيد أخذه، وإن شاء بيع العرض؛ فإن وفى ثمنه بالقيمة أو زاد فهو له، وإن كان أقل تبعهما بتمام القيمة.
قال عنه ابن مهران: فإن أبى السيد من بيع الكتابة لم يغرم له الشاهدان شيئاً.
قلت: فالأقوال أربعة: قول الأكثر، وقول ابن القاسم، وقول بعض أصحاب سحنون، وقول ابن الماجشون، وفي عد قول محمد: لو استحسنت قول ابن القاسم
…
إلخ، خامساً: نظر.
وقال ابن عبد السلام: أتفق المذهب على إلزام الشاهدين قيمة المكاتب.
قلت: في صحة هذا الاتفاق مع القولين الأخيرين نظر.
ومن كتاب ابن سحنون والموزاية قال سحنون: إن شهدا أنه أعتق مكاتبه.
قال في الكتابين: شهدا أنه أخذ منه ماعليه من الكتابة.
قال في الموازية: أو أسقطه عنه، وخرج حراً، وثبتت كتابته بغيرهما، أو بإقرار به؛ فكم القاضي بذلك، ثم رجعا غرما لربه ماكاتبه به عيناً أو عرضاً.
قال فى الموازية: يؤديانه على نجومه، وقاله عبد الملك.
قال سحنون إن شهدا على رجل أن فلانه كاتبه بمائتي دينار، وقيمته مائة، والمشهود عليه يجحد فقضي عليه وخرج حراً، ثم رجعا غرما له مائتين، ولا ينظهر إلى قيمته.
قلت: لأنه حر الأصل.
الشيخ: إن رجعا عن شهادتهما على رجل أنه أولد جاريته هذه بعد الحكم عليه
بشهادتهما أن أم ولد له غرما قيمتها لربها، ولم يبق فيها خدمة يرجعان فيها بما غرما إلا أن يؤخد فيها أرش من جراحها أو فيمة من قاتلها؛ فيرجعان في ذلك بما غرما، وما فضل عنه لربها.
سحنون: وكذا يرجعان فيما أفادت من مال بعمل أو هبة بما وديا فقط.
وقال محمد: لارجوع لهما فيه.
المازري: ولا مرجع لهما في سعيها وخدمتها.
وقال ابن عبد الحكم: يخفف عنهما فيما يغرمانه من قيمتها لما بقي لربها فيها من استمتاع؛ ولذا لو كانت حاملاً غرما قيمتها على التخفيف، وإن كان لها ولد شهدا أنه أقر أنها ولدته منه، فألحق به، ثم رجعا غرما له قيمته.
الشيخ: وروي عن بعض مشايخنا أن لاشئ عليهما إذا شهدا أنه إتخذها أم ولد، وهى رواية ما أدري حقيقتها، ولا أرى ذلك.
المازري: والأمر كما ذكر؛ لأن هذا القول يخرم الأصول التي عقدناها في أمثال هذه المسألة، ولو كان ذلك مراعا للقول لجواز بيع أم الولد لكان في المدبر أولى؛ لأن الخلاف فى بيع المدبر أشهر منه فى بيع أم الولد، وإن رجعا عن شهادة بعتق أم ولد بعد الحكم به؛ ففي غرمهما قيمتها وعدمه، ثالثها: قيمة مخففة.
للشيخ عن محمد عن ابن القاسم محتجاً بأنه كقتلها، وعن قول محمد مع عبد الملك وأشهب محتجاً بأنه كرجوعهما عن شهادة بطلاق مدخول بها، وصحة عتق السفيه إياها، وإبن عبد الحكم قائلاً: يخفف عنهما بقدر ما أبقيا له من الوطء، ونقل ابن عبد السلام، وقال أصبغ: لاقيمة على قاتل أم الولد، لا أعرفه له بل لسحنون.
قال ابن رشد فى أول رسم من سماع عيسى من كتاب الضحايا مانصه: واختلف في أم الولد إن قتلت، فقيل: لاقيمة على قاتلها، وهو قول سحنون.
وقال ابن القاسم: وروي أن عليه قيمتها.
قلت: وقال ابن حارث فى باب جناية أم الولد مانصه: واتفقوا في أم الولد يجنى
عليها فتقتل أن قيمتها قيمة أمة، وكذلك جراحها، وأن جميع ذلك لسيدها.
وقال ابن عبد السلام: وانظر على قول ابن القاسم: لو شهدا باستيلاد أمة فرجعا عن شهادتهما، وغرما القيمة لسيدها، ثم شهد آخران بتبتيل عتقها، ورجعا عن شهادتهما، وغرما القيمة ما الحكم فى ذلك؟
قلت: الحكم فى ذلك واضح مما ذكره الشيخ.
قال: لابن سحنون عنه: لو رجعا عن شهادتهما بعتق عبد في محرم عام أول بعد الحكم به فغرما قيمته، ثم شهد آخران أنه أعتقه في صفر عام أول لم ينفع ذلك الراجعين؛ لأنه بشهادتهما عتق.
وقيل إن القاضي يقبل الشاهدين بعتقه في صفر على سيده، ويلزمه رد القيمة على الراجعين، وهذا أعم، وأكثر من الأول، وقاله إبن عبد الحكم، وفرض أن شهادة الأولين يعتقه في رمضان، وشهادة الآخرين يعتقه فى ذي الحجة من عام أول، وزاد إن كان السيد يختدمه فيما بين رمضان وذي الحجة، فللعبد طلبه بقيمة ذلك بشهادة الراجعين في قول أشهب لا في قول ابن القاسم، وبقول أشهب أقول: فإذا قضى له الحاكم بذلك رجع به السيد على الراجعين؛ لأن شهادتهما أوجبت ذلك.
قلت: فعلى قول ابن عبد الحكم يزول الغرم عن الشاهدين بإيلاد الأمة الراجعين عن شهادتهما لبرائتهما بشهادة الأخيرين بعتقها، ويعود الغرم على الشاهدين بعتقها، ويعود الغرم على الشاهدين بعتقها لرجوعهما؛ لأن بشهادتهما برئ الأولان، وعلى القول الأول من نقلي ابن سحنون، وهو قول سحنون أن الغرم لا يزول عن الأولين بشهادة الأخيرين لا يكون على الأخيرين غرم برجوعهما فتأمله.
الشيخ عن كتاب ابن سحنون: من ادعى أنه ابن رجل، والأب ينفيه؛ فأقام بينه أن الأب أقر أنه إبنه فكم بذلك الحاكم، ثم رجعا وأقرا بالزور بقرب ذلك، ولم يمت الأب فلا شئ عليهما في تثبيت النسب قبل أن يؤخذ بشهادتهما المال بالميراث؛ فيرث
المقضي له، ويمنع العصبة؛ فحينئذ يغرمان للعصبة ما أتلفا عليهم، وكذا إن كانت الشهادة على من مات، وترك عصبة فقضي للإبن بالميراث.
وفي الموازية: لو رجعا عن شهادتهما على رجل في عبده أنه أقر أنه أبنه بعد القضاء بإلحاقه به، وحريته غرما له قيمته عاجلاً؛ فإن مات الأب وترك ولداً آخر معلوم النسب قسما تركته إلا قدر قيمة المستلحق يختص بها المعلوم النسب؛ لأن المستلحق مقر أن أباه ظلم فيها البينة، وأنه لا إرث له فيهان ويغرم الشاهدان للثابت النسب قدر ما أخذه المستلحق من التركة.
محمد: وإنما إختص الثابت النسب بالقيمة؛ لأنا لو قسمناها بينهما رجع الشاهدان على المستلحق فيما أخذ منهما لإقراره أنه لا رجوع لأبيه عليهما لصحة نسبه عنده، فإذا أخذا ذلك منه قام عليهما الابن الأول النسب فأخذ ذلك منهما؛ لأنه يقول: لو بقي بيد المستلحق رجعت بمثله عليكما لوجوب غرمكما كلما أخذ من التركة من ألحقتماه بأبي.
الصقلي عن الموازية: ولو طرأ على الميت دين مائة دينا لرجل أخذ من كل من الولدين نصفها؛ فإن عجز عن ذلك أتم قضاء الدين من القيمة التي إنفرد بها المعلوم النسب، ورجع الشاهدان عليه بمثل ما غرمه الملحق؛ لأنهما غرما له مثل ما أخذ الملحق، وما أخذه الملحق قضي به دين الأب، ولا ميراث للمعلوم إلا مافضل عن الدين، وأيضاً فهو كما لم يأخذ الملحق شيئاً، وكان يجب عليهما غرم ذلك للثابت نسبه؛ فلذا وجب أن يرجعا عليه.
قال: ولم لم يترك ولداً غير الملحق، وترك مائتي دينار؛ يريد: إحداهما قيمة الولد الملحق فالمائة الواحده له فقط، والأخرى للعصبة أو لبيت المال، ويغرم الشاهدان مائة أخرى للعصبه أو لبيت المال؛ لأنهما لولا شهادتهما أخذ العصبة مائتين فلو طرأ على الميت دين مائة دينا أخذت من الملحق وحده ورجع الشاهدان فأخذ المائة التي وديا للعصبة أو لبيت المال، وإنما غرم الدين الملحق وحده؛ لأنه مقر أن الذي ترك أبوه مائة، والمائة التى هى قيمته أخذت من الشهيدين ظلماً؛ فوجب أن يؤدي المائة التي ورث إذ لا ميراث قبل الدين، وإنما رجع الشاهدان بالمائة على العصبة؛ لأنهما غرما لهم
ما أخذ الملحق، وما أخذه قضي به دين وليهما، ولا إرث إلا بعد الدين.
الشيخ عن كتاب ابن سحنون: لو رجعا عن شهادتهما في إمرأة ورجل أنهما لفلان، وهما يجحدان ذلك بعد القضاء بذلك، وأقرا بالزور فلا ضمان في ذلك.
قلت: هذا يناقض ما نقله إبن رشد واللخمي.
قال ابن رشد فى سماع عبد الملك من جامع البيوع: من باع حراً، وغاب فعليه طلبه حتى يرده، فإن عجز عن رده؛ فقيل: يغرم ديته لورثته؛ وكتب بها للقاضي إبن بشير بقرطبة، فجمع أهل العلم، وكتب لقاضيه الذي سأله أن أغرمه ديته كاملة.
قلت: وحكاه اللخمي رواية لإبن حبيب في ترجمة غصب ما لا يجوز بيعه، وكان يجرى الجواب عن المناقضة بأن تسبب الشاهدين في رقة أضعف من تسبب البائع في رقه؛ لإستقلال بائعة برقه، وعدم إستقلال الشاهدين برقه لمشاركة مدعي رقه لهما فى ذلك.
ابن عبد الحكم: إن شهدا على رجل أنه عبد فلان، وهو يدعي الحرية؛ فقضي برقه، ثم رجعا فلا قيمة عليهما، ويغرمان للعبد كلما أستعمله سيده وخراج عمله، وما أنتزعه منه، وليس لمن قضي له بملكه أخذ ذلك منه؛ لأنه عوض ما أخذه منه، ولو مات العبد لم يرث ذلك السيد، ولكن يوقف ذلك حتى يستحق ذلك مستحق، ثم يرثه بالحرية، فإن أعتق العبد قبل موته منه عبداً جاز عتقه، وكان ولاؤه بعد لمن كان يرث عنه الولاء لو كان حراً، ولايرثه العبد إن مات، ومعتقه حي.
قلت: كذا وجدته في نسخة عتيقة من النوادر أنه لايرثه العبد إن مات، ومعتقه حي، وهو مشكل إن كان المراد بالعبد المرجوع عن الشهادة برقه، وقد عتق إلا أن يريد بقوله:(ومعتقه حي) أن المعتق هو من أعتق العبد المرجوع عن شهادته فتأمل ذلك، وإن أوصى منه العبد كان ذلك فى الثلث، وإن وهب منه أو تصدق جاز ذلك، ويرث باقيه ورثته إن كان له من يرثه إن كان حراً، وليس للعبد أن يتزوج منه؛ لأن النكاح ينقص رقبته.
ومن كتاب ابن سحنون: إن شهدا على رجل أنه عبد لمن ادعاه، والمدعى عليه
يجحد، فحكم برقه، ثم قاطعه المحكوم له بما أخذه منه، وأعتقه أو كاتبه عليه؛ فأدى وعتق، ثم أقرا بالزور غرما للمشهود عليه ماودى إلى السيد، والحكم ماض، والولاء قائم.
الشيخ عن ابن عبد الحكم إن شهدا على رجل أنه أقر لفلان وفلان بمائة دينار، ثم رجعا بعد القضاء، وقالا إنما شهدنا بها لأحدهما وعيناه، رجع المقضي عليه بمائة بخمسين عليهما، ولا تقبل شهادتهما للآخر بكل المائة لجرحتهما برجوعهما، ولا يغرمان له شيئاً؛ لأنه إن كان له حق فقد بقي على من هو عليه، وليس قول من قال: يغرمان له خمسين بشئ؛ لأنهما إنما أخذا خمسين من المطلوب أعطياها لمن لاشئ له عليه، ولو كان عبداً بعينه شهدا أنه أقر به لفلان وفلان فرجعا بعد القضاء به لهما، وقالا: إنما أقر به لفلان منهما فهاهنا يغرمان لمن أقرا له قيمة نصفه؛ لأنهما أتلفاه عليه هذا إن أقر من كان العبد بيده أنه لمن شهدا له أخيرا، وإن إدعاه لنفسه، وأنكر شهادتهما غرما نصف قيمته للمشهود عليه، وليس للمقر له أخيرا إلا نصفه.
قال ابن عبد السلام: لم يضمن أهل المذهب الشاهدين للمشهود له أخيرا، وعذروهما بالنسيان، واختلف في ضمان المودع بالنسيان، وضمنوا من أقر بثوب لزيد، ثم أقر به لعمرو، ولم يعذروه بالنسيان، وقد يفرق بأن الشاهد قد يكثر تحمله للشهادات فلو ضمن بالنسيان كان عليه ضرر عظيم، ولو أقر بتعمد الزر لا نبغى أن يتفق على تضمينه.
قلت: قوله: (وعذروهما بالنسيان) يرد بأن النسيان فى هذا الباب عند الفقهاء إنما هو عدم ذكر الإنسان ما كان ذاكراً كودع شيئين لرجلين، ثم لايذكر ما لأحدهما منهما بعينه لا فعل ما يعتقد جوازه، أو قوله، وهو فى الواقع غير جائز؛ لأن هذا إنما يعبر عنه بالخطأ الذي هو في أموال الناس كالعمد، ومن البين أن الصادر من الشاهدين في هذه المسألة إنما هو المعنى الثاني لا الأول، وإنما أوجب عدم تضمينها م قاله ابن عبد الحكم، وهو صواب فتأمله، ويقوم منه أن مافي الذمة لا يتعين بحال مادام في الذمة، وأن التعرض إليه بغير الواجب لايوجب فيه حكماً.
ونزلت في أوائل هذا القرن مسألة هي أن رجلا له دين على رجل فعدا السلطان على رب الدين فأخذه من غريمه، ثم تمكن رب الدين من طلب المدين بدينه، فإحتج المدين بجبر السلطان على أخذه منه من حيث كونه حقا لرب الدين، فأفتى بعض الفقهاء ببراءة المدين، وأفتى غيره بعدم براءته محتجاً بأن ما في الذمة لا يتعين.
وقوله: (فلو ضمن بالنسيان كان ضرر عظيم) مقابل بأن عدم تضمينه ضرر بالمشهود عليه، وهو غير مفرط والشاهد هو المفرض فكان أولى بالخسارة.
وقوله: (لو أقر متعمداً لزور) لا نبغى أن يتفق على تضمينه فيه نظر؛ لأن مقتضى قول إبن عبد الحكم: (ولا يغرمان له شيئاً؛ لأنه إن كان له حق
…
إلخ) أن تعمدهما الزور، وعدمه سواء فتأمله.
الشيخ فى الموازيه: إن رجع أحدهما عن شهادتهما بحق بعد الحكم غرم نصفه فقط، وقاله عبد الملك، وابن عبد الحكم، وأصبغ.
محمد: ولو رجع أحدهما عن نصف ماشهدا به غرم الربع، وإن رجع عن الثلث غرم السدس، ولو رجع أحدهما عن نصف ما شهدا به غرم الربع، وإن رجع عن الثلث غرم السدس، ولو اختلف رجوعهما غرم كل واحد منهما ما شهد به.
الصقلي عن ابن القاسم: لو كانت البينه ثلاثة فرجع أحدهم بعد الحكم فلا شئ عليه لبقاء من يثبت الحق به؛ فإن رجع ثان غرم هو، والأول نصف الحق.
وقال ابن عبد الحكم: يغرم الراجع أولاً من الثالثة ثلث الحق، وذكر أن أشهب قاله فى أربعة شهدوا بدرهم فرجع ثلاثة أن عليهم ثلاثة أرباعه.
محمد: لو شهد ثلاثة بثلاثين فرجع أحدهم عن الجميع، وآخر عن عشرين وآخر عن عشرة فقد بقيت عشرة إجتمع عليها رجلان، وإجتمعوا في الرجوع عن عشرة فهي عليهم أثلاثا والعشرة الثلاثه رجع عنها إثنان، وأثبتها واحد فعلى الاثنين نصفهما إثنان، ونصف على كل واحد، وهما الراجع عن الجميع، والراجع عن عشرين.
قال: ولابن سحنون عنه لو رجع رجل وثلاث نسوة عن شهادة بحق غرم الراجل نصفه، والنسوة نصفه، ولو رجع من النسوة، وهن عشرة واحدة إلى ثمانية فلا غرم
عليهن، فلو رجع منهم تسع فعليهن ربع المال بينهن بالسواء.
قلت: لأن التسع كامرأة من إمرأتين.
وقد قال الشيخ عن ابن الماجشون: لو شهد رجل وإمرأتان بمال، ثم رجعت المرأتان فعلى كل واحدة ربعه، وغن لم ترجع إلى واحدة فعليها الربع.
قال ابن الحاجب فلو كان مما يقبل فيه إمراتان كالرضاع وغيره، ورجعوا فعلى الرجل سدس، وعلى كل إمرأة نصف سدس، فلو رجعوا إلا إمرأتين فلا غرم فلو رجعت أخرى فالنصف على جميع من رجع.
قلت: يريد أن الشهود رجل، وعشر نسوة كذا صورها إبن شاس، وذكر فيها من الحكم مثل ما ذكر ابن الحاجب.
قال ابن هارون: جعلوا على الرجل ضعف ماعلى المرأة، وفيه نظر، والقياس إستواء الرجل والمرأة في الغرم في هذا الفصل؛ لأن شهادة المرأة فيه كشهادة الرجل، وقاله ابن عبدد السلام، ثم قال: ولعل وجهه أن الشهادة لما آلت إلى المال حكم بالرجوع فيها بحكم الرجوع عن شهادة الأموال.
قلت: هذا التوجيه وهمٌ؛ لأن رجوع الرجل مع نسوة في الأموال يوجب عليه غرم نصف الحق لا ضعف ما يجب على المرأى حسبما تقدم؛ وعندي أنه يتوجه على غير المشهور في إضافة الغرم إلى عدد الشهود من حيث عددهم لا على أقل النصاب منهم، وهو قول ابن عبد الحكم وأشهب في أربعة رجع ثلاثة منهم أن عليهم ثلاثة أرباع الحق خلاف المشهور أن عليهم نصفه فتأمله، ثم تعقب توجيهه المذكور بقول ابن شاس وابن الحاجب: لو رجعوا إلا إمرأتين فلا غرم.
قال: فهذا مما يقوي ما نقلناه أن الرجل في هذا الباب كالمرأة فلذا استقل الحكم بالمرأتين، ويرد بأن بقاء المرأتين يثبت حكم الرضاع، وكلما ثبت فلا غرم فهذه الصورة التى نقض بها علة الحكم في صورة النزاع مباينة لصورة النزاع، فلا ترد نقضا فتأمله، ولا أعرف هذه المسألة لأحد من أهل المذهب، ولقد أطال الشيخ والصقلي في هذا الباب بذكر مسائل كثيرة، ولم يذكراه.
قلت: ذكره الغزالي في وجيزه بلفظ ما ذكره ابن شاس فأضافه ابن شاس إلى المذهب على عادته في ذلك ظناً منه أنها جارية على أصول المذهب، وعليه في ذلك تعقب عام، وهو إضافته ما يظنه أنه جار على المذهب إلى المذهب؛ كأنه نص فيه، وتعقب خاص، وهو حيث يكون الإجراء غير صحيح كهذه المسألة؛ فتأمل ذلك منصفاً.
ولما ذكرها الغزالي قال: وتنزل كل امرأتين منزلة رجل؛ لأن هذا يثبت بشهادة النسوة فلا يتوقف شطره على الرجل.
قلت: وهذا التوجيه يعم لقوله في كتاب الرضاع: والشهادة فيه بأربع نسوة، وشهادة الرجل عندنا في الرضاع كالمرأة، قاله في النكاح الثاني منها.
وقول ابن الحاجب: وقياس قول أشهب خلافه؛ يريد أن رجوع بعضهم يوجب عليه غرم منابه، ولو بقي من يتم الحكم به حسبما تقدم.
الشيخ عن الموازية: إن رجعا بعد الحكم بشهادتهما، وهرب المقضي عليه قبل الغرم فليس للمقضي له تغريم الراجعين بما يغرمانه للمقضي عليه إذا غرم ما شهدا به عليه؛ ولكن ينفذ الحكم عليهما للمقضي عليه؛ فإذا أغرم أغرمهما كما لو شهدا بحق مؤجل، ثم رجعا فلا يرجع عليهما حتى يحل الأجل، ويغرم وله طلب الحكم له عليهما الآن، ولا يغرمان الآن.
قال ابن عبد الحكم: للمقضي عليه طلب الشاهدين بينة دفع المال عنه للمقضي له.
وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يحكم على الراجعين بشئ حتى يغرم المقضي عليه، وفي هذا تعرض لبيع داره فإتلاف ماله، واللذان أوجبا ذلك عليه قيام؛ أرأيت لو حبسه القاضي في ذلك أيترك محبوساً، ولا يغرم الشاهدان؟ بل يؤخذان بذلك، حتى يخلصاه، فإن أبيا حبسا معه، ولو شهدا عليه بمائة دينا فحكم عليه بها، وأجله الإمام فيها عشرة أيام، ثم رجعا قبل تمام الأجل غرما ذلك الآن وبرئ المطلوب، وكذا نقله ابن شاس.
وقال ابن الحاجب: وللمقضي عليه مطالبتهما قبل غرمه ليغرمه للمقضي له،