الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعضها، وإن انخرم بعد ولايته؛ سقطت ولايته.
[باب في الشروط في القضاء التي عدمها يوجب عزل القاضي وتنعقد الولاية مع فقدها]
والثانية: كونه سميعاً بصيراً متكلما عدلا، إن ولي من لم تجتمع فيه؛ وجب عزله
متى عثر عليه: وماضي أحكامه جائز إلا في غير العدل في إجازة ماضي أحكامه، وردها قول أَصْبَغ والمشهور؛ فعليه العدالة شرط في صحة الوكالة كالإسلام، وتبعه ابن زرقون، وعبر عن القول برد أحكام الفاسق بأنه أشهر من إمضائها.
وزاد عن ابن أبي مريم عن ابن القاسم: جواز ولاية المرأة.
ابن زرقون: وأظنه فيما يجوز فيه شهادتها.
قال ابن عبد السلام: لا حاجة لهذا التأويل؛ لاحتمال أن يكون ابن القاسم قال كقول الحسن والطبري بإجازة ولايتها مطلقاً.
قُلتُ: الأظهر قول ابن زرقون؛ لأن ابن عبد السلام قال في الرد على من شذ من المتكلمين، وقال: الفسق لا ينافي القضاء ما نصه: وهذا ضعيف جداً؛ لأن العدالة شرط في قبول الشهادة، والقضاء أعظم حرمة منها.
قُلتُ: فجعل ما هو منافياُ للشهادة منافيا للقضاء، فكما أن النكاح والعتق والطلاق والحدود لايقبل فيها شهادتها، فكذا لايصح فيها قضاؤها.
قال الباجي: ولا نص في الأصم، وعندي أنه ممنوع لحاجته لسماع الدعاوى والبينات، ولايمكن جميعهم الكتب.
قُلتُ: ينبغي على وقفه القضاء على السماع أخذه من قولها، ولايقضي القاضي بين الخصمين حتى يقول لها: أبقيت لكما حجة، فإن قالا: لا، حكم بينهما.
المازري: أشار بعض الأشياخ إلى منع ولاية الأصم؛ لأنه لايسمع ألفاظ الخصمين والشهود.
الباجي: ولا نص في الأمي، وللشافعية فيه قولان: الجواز والمنع، والأول أظهر اعتبارا به، ووجه المنع أنه معصوم من المنع.
وتبع ابن رُشْد الباجي في هذا نقلاً وتعليلاً.
قُلتُ: الأظهر جري توليته عللى ولاية الأعمى؛ لأن إبصار الأمي في الأحكام القضويةكالعدم.
قال الباجي: لا خلاف في منع ولاية الأعمى.
ابن زرقون: روى المارودي: جوازه.
عياض: لا يصح هذا عن مالك.
وذكر المتيطي رواية الماوردي ولم يتعقبها، وزاد: وحكى أبوعبيد من رواية ابن أبي مريم عن مالك: منع شهادته.
قُلتُ: وللمازري مانصه: ذكر عن محمد أنه قال: لاينبغي أن يولى القضاء أعمى ولامحدود في قذف ولا عبد يسعى في قيمته، ولا مكاتب، وقال: ألا ترى أنه لاتجوز شهادة أحد من هؤلاء، فالحكم أعظم من الشهادة.
قُلتُ: نظائر هذا التعليل عدم قبول شهادته، وإن كان المازري ذكر عن الطبري، فظاهر هذا التعليل؛ لأن العبد تجوز شهادته، وكونه واحداً عده.
عياض: من الشروط الثانية وهو الأظهر؛ لأن مانع التعداد إنما هو خوف تناقضها، ولا تتصور إضافة الحكم لهما إلا مع اتفاقهما؛ فيجب حينئذ إمضاؤه لانتفاء علة المنع، ولا معنى لكونه من الشروط الثانية إلا هذا.
ووجه قول ابن رُشْد: أن معنى تعددهما إنما معلل بأنه مظنة لاختلافهما لابعين اختلافهما، والتعليل بالظنة لا يبطل بانتفاء مظنونها في بعض الصورعلى ما ذكر الأصوليون، ومسائل المذهب تدل عللى اختلاف ذلك؛ كمسألة استثناء جلد الشاة المبيعة في السفر إذا كان له قيمة، وغير ذلك من المسائل.
واستدل الباجي على منعه بالإجماع، وبتأديته إلى تعطيل الأحكام لاختلاف المذاهب، وغالباً لا أرى اختلافها.
قال: ولا يعترض على هذا بحكمي الصيد والزوجين؛ لأنهما إن اختلفا؛ تيسر الانتقال عنهما لغيرهما، وهذا في القضاة متعذر.
المارزي: لامانع من تعددهما في نازلة معينة إن دعت لذلك ضرورة، فإن اختلفا؛ نظر السلطان في ذلك، ويستظهر بغيرهما.
وذكر الباجي: أنه ولي في بعض بلاد الأندلس ثلاث قضاة على هذه الصفة، ولم ينكر ذللك فقهاء ذلك البلد.
المازري: وقد يظهر وجه المصلحة في ذلك في قصص خاصة، وأما في قصص عامة فينظر في ذلك.
قُلتُ: إنما الكلام في القضاء العام، وأما في نازلة معينة بمعنى وقف نفوذ الحكم فييها على اتفاقهما؛ فلا أظنهم يختلفون فيها، وهذه توضح قضية تحكيم رجلين رجلين، وقد فعله علي ومعاوية في تحكيمهما أبا موسى وعمرو بن العاص، وتعددهما في بلد واحد كل واحد منتقل بالقضاء في جهة معينة، أو نوع خاص يأتي.
وأما العلم، فقال الباجي: لا خلاف في اعتبار كونه عالما مع وجوده، والذي يحتاج إليه من العلم أن يكون مجتهداً.
وروى ابن القاسم في المجموعة: لا يستقضى من ليس بفقيه.
قال أشهب فيها، والأخوان وأَصْبَغ في الواضحة: لا يصلح كونه صاحب حديث لا فقه معه، ولا صاحب فقه لا حديث معه، ولا يفتي إلا من هذه صفته إلا أن يخبر بشيء سمعه، فإن لم يوجد إلا عالم غير مرضي، ومرضي غير عالم، فروى أَصْبَغ: يولى العدل؛ لأنه يستشير أهل العلم.
وجعل ابن زرقون كونه عالماً من القسم المستحب، وكذا ابن رُشْد إلا أنه عبر عنه بأن يكون عالماً يسوغ له الاجتهاد.
وقال عياض وان العربي والمازري: شرط كونه عالماً مجتهداً أو مقلداً إن فقد المجتهد كشرط كونه حراًً مسلماً.
ابن الحاجب: وقال الباجي: العلم من الثالث.
قُلتُ: يعني المستحب، وعزوه للباجي وهم؛ إنما هو لابن رُشْد، وغيره في ذلك، عزوه ابن شاس للشيخ أبي الوليد فظنه الباجي، ومراد ابن شاس أنه ابن رُشْد، وقد تقدم هذا، والكلام فيه في المغارسة.
المازري: اختلف في انعقاد ولاية المقلد، ونفوذ أحكامه، فمنعه الشافعي، وهو الذي حكاه أئمتنا عن المذهب، وأجازة أبو حنيفة قال: ويستشير المجتهد، قال: وزماننا عار من الاجتهاد، وفي إقليم المغرب فضلاً عن قضائه، فمنع ولاية المقلد تعطيل
الأحكام، وأحوال المقلدين مختلفة قد يولى عامي لغناه وتحليه بتسمية العدالة والوقار، ولا له من حظ من مجالسة العلماء ما يميز به ما يجب قبوله من أحد الخصمين، وما لا يوجب على خصمه حقاً أوجواباً وما لا، وإن كتب له عما سأل عنه؛ لم يفهم موانع الجواب، وما يعرض فيه من احتمال بحيث يعيد السؤال عنه، فمثل هذا لا تجوز ولايته، ومن يفتي في هذا الزمان أقل حاله أن يكون مطلعاً على روايات المذهب، وتأويل الأشياخ لها، وتوجيههم ما اختلف ظواهر بعضها مع بعض، وتشبيههم مسائل بمسائل قد يسبق للفهم تباعدها إلى غير ذلك، مما بسطه الأشياخ، فهذا لعدم المجتهد يقتصر عل نقله.
واختلف أصحاب الشافعي في جواز إفتاء المفتي إذا كان مجتهداً في مذهب إمام، وبجوازه أخذ القفال، وهو مبني على جواز تقليد الميت.
قُلتُ: في هذا الإجراء نظر، والأقرب فهمه علي أن الجواز تقليد الميت يمنع إفتاء المجتهد الخاص، ومنعه تخبيره خوف التعطيل.
ابن العربي: قبول المقلد الولاية مع وجود المجتهد جور وتعد، ومع عدم المجتهد جائز، ويحكم بنص مقلده، فإن قاس عليه، أو قال: يجيء هذا من كذا فتعد.
قُلتُ: يرد كلامه بأنه يؤدي إلى تعطيل الأحكام؛ لأن الفرض عدم المجتهد؛ لامتناع تولية المقلد مع وجوده، فإذا كان حكم النازلة غير منصوص عليه، ولم يجز للمقلد المولى القياس على قول مقلده في نازلة أخرى؛ تعطلت الأحكام، وبأنه خلاف عمل متقدمي المذهب كابن القاسم في المدونة في قياسه على أقوال مالك، ومتأخريهم كاللخمي، وابن رُشْد، والتونسي، والباجي، وغير واحد من أهل المذهب؛ بل من تأمل كلام ابن رُشْد وحده يعد اختياراته بتخريحاته في تحصيله الأقوال أقوالاً، ففي صحة قول المقلد مع وجود المجتهد قولان لابن زرقون مع ابن رُشْد، وعياض مع ابن العربي والمازري قائلا: هو محكي أئمتنا عن المذهب، ومع فقده جائز، ومع وجود المجتهد أولى اتفاقاً فيهما 0
وأما شرط الفتوي؛ ففيها: لا ينبغي لطالب العلم أن يفتي حتى يراه الناس
أهلاً للفتوى.
قال سَحنون: الناس هنا العلماء.
قال ابن هرمز: ويرى هو نفسه أهلاً لذلك.
قُلتُ: وقع هذا في رسم الشجرة تطعم بطنين من جامع العتبية لابن هرمز فما ذكره مالك عنه، ولييس فيه، ويرى هو نفسه أهلا لذلك، فقال ابن رُشْد: زاد في هذه الحكاية في كتاب الأقضية من المدونة: ورأيت نفسك أهلاً لذلك، وهي زيادة حسنة؛ لأنه أعرف بنفسه، وذلك أن يعرف من نفسه أنه كملت له آلات الاجتهاد، وذلك علمه بالقرآن، وناسخه ومنسوخه، ومفصله من مجمله، وعامه من خاصه، وبالسنة مميزاً بين صحيحها وسقيمها، عالما بأقوال العلماء، وما اتفقوا عليه، وما اختلفوا فيه، عالما ببوجوه القياس، ووضع الأدلة مواضعها، وعنده من علم اللسان ما يفهم به معاني الكلام.
وفي نوازل ابن رُشْد: أنه سئل عمن قرأ الكتب المستعملة مثل المدونة والعتبية دون رواية، أو الكتب المتأخرة التي لا توجد فيها رواية، هل يستفى وإن أفتى، وقد قرأها دون رواية هل تجوز شهادته أم لا؟ فأجاب من قرأ هذا الكتب، وتفقه فيها على الشُيُوخ، وفهم معناها، وأصول مسائلها من الكتاب والسنة والإجماع، وذكر ما نقلناه عنه في البيان قال: فهذا يجوز له أن يفتي فيما ينزل، ولا نص فيه باجتهاده، قال: ومن لم يلحق هذه الدرجة لم يصلح أن يستفتى في المجتهدات التي لا نص فيها، ولا يجوز له أن يفتي برأيه إلا أن يعلم برواية من عالم، فيقلد فيما يخبر به، وإن كان فيه اختلاف أخبر بالذي ترجح عنده إن كان ممن له فهم ومعرفة بالترجيح.
قُلتُ: وهذا حال كثير ممن أدركناه، وأخبرنا عنه أنهم كانو يفتون، ولا قراءة لهم في العربية فضلاً عما سواها من أصول الفقه، وقد ولي خطتى قضاء الأنكحة والجماعة بتونس من قال: ما فتحت كتاباً في العربية على أحد، ومثله ولي القضاء في أوائل هذا القرن ببجاية، وقد رأيت بعض هؤلاء يقرءون التفسير، وأخبرت أن بعضهم كان منعه قاضي وقته، فلما مات أقرأه، وأفتى ابن عبد السلام بوجوب منع من لم تكن له مشاركة
في علم العربية من إقراء التفسير، ثم كان في حضرته من يقربه؛ بل ولاه محل إقرائه، وهو ممن لم يقرأ في العربية كتابا، والله أعلم بحال ذلك كله.
وفي المقدماتك ينبغي للقاضي أن يكون عالماً بما لا بد منه من العربية، واختلاف معاني العبارات لاختلاف المعاني باختلاف العبارات في الدعاوى والإقرار والشهادات.
وقال القرافي: ما حاصله لمن حفظ روايات المذهب، وعلم مطلقها ومقيدها، وعامها وخاصها أن يفتي بمحفوظة منها، وما ليس محفوظاً له منها لايجوز له تخريجه على محفوظه منها إلا إن كمل علم أصول الفقه وكتاب القياس، وأقسامه وترجيحاته، وشرائطه وموانعه، والإ حرم عليه التخريج، قال: وكثير من الناس يتعرضون على الترجيح دون هذه الشرائط؛ بل صار يفتي من لم يحط بالتقييدات ولا التخصيصات من منقول إمامه، وذلك لعب وفسق شرط، التخريج على قول إمامه أن يكون القولل المخرج عليه ليس مخالفاً الإجماع، ولا نص ولا قياس جلي؛ لأن القياس عليه حينئذ معصية، وقول إمامه ذلك غير معصية؛ لآنه باجتهاد إن أخطأ فيه، فلا يأثم.
وتحصيل حفظهم القواعد الشرعية إنما هو بالمبالغة في تحصيل مسائل الفقة بأصولها، وأصول الفقه لا تفيد ذلك؛ ولذا ألفت هذا الكتاب المسمى بالقواعد.
قُلتُ: قوله: (ليس مخالفاً لإجماع، ولا نص)؛ أما الإجماع؛ فمسلم، وأما النص؛ فليس كذلك؛ لنص مالك في كتاب الجامع من العتبية، وغيره على مخالفته نص الحديث الصحيح إذا كان العمل بخلافه.
قال ابن الحاجب: فإن لم يكن مجتهد فقلد؛ فيلزمه المصير إلى قول مقلده، وقيل: لايلزمه.
قال ابن عبد السلام: ينبغي أن يختار أعلم المقلدين ممن له فقه نفيس، وقدره على الترجيح بين أقاويل أهل مذهبه، ويعلم منها ما هو أحرى على اصل إمامه مما ليس كذلك، ومن لم يكن بهذه المرتبة يظهر من كلام الشُيُوخ اختلاف ففي جواز توليته، وهذه المسألة مفرعة على جواز تقليد الميت.
قُلتُ: قوله: اختلاف في جواز توليته إن أراد مع وجود ذي الرتبة الأولى؛ فصحيح، وإن أراد مع فقده، فظاهر أقوالهم صحة توليته؛ خوف تعطيل الحكم بين الناس دون خلاف في ذلك، وقول ابن الحاجب، وقيل: لايلزمه، وقيل: لا يجوز له إلا باجتهاد.
ابن عبد السلام: يعني: إن ولي المقلد لعدم المجتهد فهل يلزمه الاقتصار على قول إمامه أو لا؟ والأصل عدم اللزوم؛ لأن المتقدمين لم يكونوا يجبرون على العوام اتباع عالم واحد، ولا يأمرون من مال أحدهم عن مسألة أن لا يسأل غيره؛ لكن الأول من حق القاضي لزوم طريقة واحدة، وإنه وإن قلد إماما لا يعدل عنه لغيريه؛ لان ذلك يؤدي لتهمته بالميل، ولما جاء من التخلي عن الحكم في قضية بحكمين مختلفين.
قُلتُ: حمله كلام المؤلف على أن في لزوم المقلد اتباع قول إمامه، وجواز انتقاله عنه إلى قول غيره قولين فيه نظر؛ لأن القولين على هذا الوجه ليسا بموجودين في المذهب فيما أدركت، والصواب تفسير القولين بما قدمناه من قول ابن العربي، ويحكم بنص قول مقلده، فإن قاس عليه، أو قال: يجيء من هذا كذا فمتعد، وبقول التونسي، واللخمي، وابن رُشْد، والباجي، وأكثر الشيوخ بالتخريج من قول مالك، وابن القاسم وغيرهما، حسبما قدمناه عنهم، قال ابن عبد السلام: وقوله: وقيل: لايجوز إلا باجتهاده؛ يعني أنه لا يجوز تولية المقلد البتة، ويرى هذا القائل أن مواد الاجتهاد موجودة لزمن انقطاع العلم، كما أخبر به، وإلا كانت الأمة مجتمعة على الخطأ.
قُلتُ: حمله على عدم تولية المقلد مطلقاً؛ هو ظاهر لفظه، وقبوله إياه يقتضي وجوده في المذهب، ولا أعرفه إلا ما حكاه المازري عن الباجي في تعليله منع تولية قاضيين لاينفذ حكم أحدهما دون الآخر، فإن ذلك يوجب التعطيل؛ لأن غالب المجتهدين الخلاف، والمقلدان توليتهما ممنوعة، كذا نقل المازري عن الباجي، ولم أجده له في المنتقي، ولا في كتاب ابن زرقون، وما أشار إليه من يسير الاجتهاد هو ما سمعته يحكيه عن بعض الشُيُوخ: أن قراءة مثل هذه الجزولية والمعالم الفقهية، والإطلاع على أحاديث الأحكام الكبرى لعبد الحق، ونحو ذلك يكفي في تحصيل آلة الاجتهاد.
قلت: يريد مع يسر الاطلاع على فهم مشكل اللغة بمختصر العين، والصحاح للجوهري، ونحو ذلك من كتب غريب الحديث، ولاسيما مع نظر كلام ابن القطان، وتحقيقه أحاديث الأحكام، وبلوغ درجة الإمامة، أو ما قاربها في العلوم المذكورة غير مشترطة في الاجتهاد إجماعًا، وقال الفخر ابن الخطيب: في المحصول، وتبعه السراج في تحصيله، والتاج في حاصله في كتاب الإجماع ما نصه: ولو بقي من المجتهدين والعياذ بالله واحد؛ كان قوله حجة، فاستعاذتهم تدل على بقاء الاجتهاد في عصرهما، والفخر بن الخطيب توفي يوم عيد الفطر سنة ست وستمائة، ولكن قالوا في كتاب الاستفتاء ما نصه: انعقد الإجماع في زمننا على تقليد الميت؛ إذ لا مجتهد فيه، والأظهر تفسير كلام ابن الحاجب بجعل الضمير المخفوض في قوله باجتهاد عائد على مقلده بفتح اللام، ومعناه: أنه يجوز للقاضي المقلد لمالك مثلًا في المسألة التي لا نص فيها أن يجتهد فيها باجتهاد إمامه؛ أي: بقواعده المعروفة في طرق الأحكام الكلية؛ كقاعدته في تقديم عمل أهل المدينة على خبر الواحد العدل وعلى القياس، وكقوله بسد الذرائع إلى غير ذلك من قواعده المخصوصة به في أصول الفقه، ولا يجوز له أن يجتهد في القياس على قوله اجتهادًا مطلقًا من غير مراعاة قواعده الخاصة به، فيتحصل من نقل ابن الحاجب في اجتهاد المقلد فيما لا نص فيه لمقلده ثلاثة أقوال المنع مطلقًا، وهو نص ابن العربي، وظاهر ما تقدم من نقل الباجي، ولا يفتي إلا من هذه صفته إلا أن يخبر بشيء سمعه، والثاني جواز القياس له مطلقًا من غير مراعاة قواعده الخاصة به، وهو قول اللخمي وفعله؛ ولذا قال: قال عياض في مداركه: له اختيارات خرج بكثير منها عن المذهب، والثالث جواز اجتهاده بقيد مراعاة قواعد إمامه الخاصة به، وهذا هو مسلك ابن رشد، والمازري، والتونسي، وأكثر الإفريقيين والأندلسيين.
وأما الملازمة في قوله: وإلا كانت الأمة مجتمعة على الخطأ، ففي صدقها نظر أن تقريرها إن خلي الزمان عن مجتهد اجتمعت الأمة على الخطأ، وهذه مصادرة؛ لأنه لا يلزم كونها مخطئة إلا إذا ثبت عدم الاكتفاء بالتقليد، وأما إذا كان جائزًا؛ فلا، والمسألة مشهورة في أصول الفقه.
قال ابن الحاجب: يجوز خلو الزمان عن مجتهد خلافًا للحنابلة.
زاد الآمدي وغيره، وجوزه آخرون: وهو المختار، وعد ابن الحاجب كونه فطنًا من القسم الأول، وهو ظاهر كلام الطرطوشي لا يكتفى بالعقل التكليفي؛ بل لا بد أن يكون بين الفطنة بعيدًا من الغفلة، وعده ابن رشد، وابن شاس من الصفات المستحبة غير الواجبة، والحق أن مطلق الفطنة المانع من كثرة التغافل من القسم الأول، والفطنة الموجبة للشهرة بها غير النادرة ينبغي كونها من الصفات المستحبة، فعلى هذا طريقة ابن رشد أنسب؛ لأن فطنًا من أبنية المبالغة كحذر والمبالغة فيها مستحبة لا لازمة، والمعروف أن كونه معتقًا غير مانع، ومنعه سحنون استحقاقه بملك.
قال سحنون: ولا بأس بولاية ولد الزنا، ولا يحكم في حده.
الباجي: الأظهر منعه؛ لأن القضاء موضع رفعة؛ فلا يليها ولد الزنا كالإمامة.
الصقلي عن أصبغ: لا بأس أن يستقضى من حد في زنا إن تاب، ورضيت حاله، وكان عالمًا، ويجوز حكمه في الزنا، وإن لم تجز شهادته فيه؛ لأن المسخوط يجوز حكمه ما لم يحكم بجور أو خطأ، ولا تجوز شهادته، وعزاه الباجي لكتاب أصبغ ابن رشد خصاله المستحبة كثيرة منها كونه من أهل البلد.
قلت: قيل: ليس علمه بحال من يشهد عنده، فيقبل العدل، ويرد غيره، فقضاة بلدنا يجعلون ذلك في قضاة الكور موجبًا للرغبة عنه لفساد القضاة بالميل إلى قرابتهم ومعارفهم.
ابن رشد: ومنها: أن يكون غنيًا ليس بمحتاج، ولا مديان.
اللخمي وابن رشد عن سحنون: إن كان فقيرًا أغني.
ابن رشد: وقضي عنه دينه قبل أن يجلس قال: ومنها أن يكون معروف ليس بابن لعان غير محدود في زنا ولا قذف ولا سرقة.
قال عمر بن عبد العزيز: وأن يكون ذا نزاهة عن الطمع مستخفًا باللائمة؛ يريد: أنه يدير الحق على من دار عليه لا يبالي من لامه على ذلك، وقيل: بالأئمة مستشيرًا لأهل العلم.
اللخمي: روى ابن حبيب: لا أرى خصال القضاء تجتمع اليوم في أحد، فإن اجتمع فيه منها خصلتان؛ رأيت أن يولى العلم والورع.
ابن حبيب: فإن لم يكونا فعقل، وورع بالعقل يسأل، وبالورع يقف إذا طلب العلم وجده، وإن طلب العقل؛ لم يجده.
ابن رشد: يريد بالعقل: العقيل الحصيف، وأما عقل التكليف، فشرط في صحة الولاية، وقال الطرطوشي وزاد: وليس بحسن الزيادة في عقله المفضية إلى الدهاء والمكر، فإن هذا مذموم، وقد عزل عمر رضي الله عنه زياد بن سمية، وقال له: كرهت أن أحمل الناس على فضل عقلك، وكان من الدهاة، وقال ابن الحاجب في الصفات المستحبة: كونه سليمًا من بطانة السوء.
قلت: الذي في المعونة أخص من هذا، وهو أن يستبطن أهل الدين والأمانة، والعدالة والنزاهة، فيستعين بهم، وهذا أخص من كونه سليمًا من بطانة السوء، وأما نفس السلامة من بطانة السوء، فمقتضى قول أصبغ أنها من الشروط الواجبة، قال الشيخ عنه: ينبغي للإمام أن يعزل من قضاته من يخشى عليه الضعف والوهن، وبطانة السوء، وإن أمن عليه الجور، ولما ذكر ابن عبد السلام قول ابن الحاجب الدهاء فقد عزل عمر زيادًا لذلك، قال: أعلم بصحة هذه الحكاية، وما رأيت من ذكر زيادًا من قضاة عمر رضي الله عنه، فقد ولى عمر عمرو بن العاص، وهؤلاء هم دهاة العرب، وكان عمر إذا استضعف عقل رجل قال له: سبحان من خلقك، وخلق عمرو بن العاص.
قلت: إنكاره هذه الحكاية، وقوله: ما رأيت من ذكر زيادًا في قضاة عمر إلى آخره لا يليق بما أعلم من مشاركته في علم السير والأخبار، فإن هذه الحكاية موجودة في غير كتاب واحد، قال أبو عمر في الاستيعاب: زياد بن أبي سفيان، ويقال: زياد بن أمية، وزياد بن سمية، ويقال له قبل الاستلحاق: زياد بن عبيد الثقفي؛ أمه سمية جارية الحارث بن كلدة، واختلف في مولده؛ قيل: عام الفتح، وقيل: عام الهجرة، وقيل: يوم بدر، يكنى أبا المغيرة لا صحبة له ولا رواية، كان داهية، خطيبًا له قدر وجلالة عند
أهل الدنيا، اشترى أباه عبدًا فأعتقه، كان عمر بن الخطاب استعمله على بعض صدقات البصرة، أو بعض أعمال البصرة، فلما شهد على المغيرة مع أخيه أبي بكرة وأخيه نافع، وشبل بن معبد، وحدهم ثلاثتهم عمر دونه؛ إذ لم يقطع الشهادة زياد، وقطعوها عزله، فقال له زياد: يا أمير المؤمنين أخبر الناس أنك لم تعزلني لخزية، وقال بعض الأخبار: أنه قال له: ما عزلتك لخزية، ولكني كرهت أن أحمل الناس على فضل عقلك، فالله أعلم إن كان ذلك كذلك، ثم صار زياد مع علي رضي الله عنه، فاستعمله على بعض أعماله، فلم يزل معه إلى أن قتل.
قلت: وهذا نص بنقل الحكاية والمقالة المذكورة، فإن قيل: إنما أنكر الشيخ حكاية أنه قدمه قاضيًا، والحكاية المذكورة ليست في القضاء.
أهل الدنيا، اشترى أباه عبدًا فأعتقه، كان عمر بن الخطاب استعمله على بعض صدقات البصرة، أو بعض أعمال البصرة، فلما شهد على المغيرة مع أخيه أبي بكرة وأخيه نافع، وشبل بن معبد، وحدهم ثلاثتهم عمر دونه؛ إذ لم يقطع الشهادة زياد، وقطعوها عزله، فقال له زياد: يا أمير المؤمنين أخبر الناس أنك لم تعزلني لخزية، وقال بعض الأخبار: أنه قال له: ما عزلتك لخزية، ولكني كرهت أن أحمل الناس على فضل عقلك، فالله أعلم إن كان ذلك كذلك، ثم صار زياد مع علي رضي الله عنه، فاستعمله على بعض أعماله، فلم يزل معه إلى أن قتل.
قلت: وهذا نص بنقل الحكاية والمقالة المذكورة، فإن قيل: إنما أنكر الشيخ حكاية أنه قدمه قاضيًا، والحكاية المذكورة ليست في القضاء.
قلت: تولية عمر رضي الله عنه من ولاه مستلزمة توليته القضاء فيما ولاه عليه، يؤيده قول الشيخ، فقد ولى عمر عمرو بن العاص والمغيرة ومعاوية، وما كانت تولية هؤلاء إلا مطلقة، لا مخصوصة بولاية القضاء؛ بل عامة، فيها وفي غيرها، وتولية الإمام قاضيه تثبت بإشهاده بها نصًا، قال المازري: والأصح ثبوتها بالاستفاضة الدالة بتواترها والقرائن على علم ذلك، ومنع بعضهم ثبوتها بكتاب يقرأ على الإمام إن لم ينظر الشهود في الكتاب المقروء بجواز أن يقرأ القارئ ما ليس في الكتاب، ولو قرأه الإمام؛ صحت.
قلت: سماع الإمام المقروء عليه سماعه، وسكوته يحصل العلم ضرورة بتوليته إياه، ونقل المتيطي وغيره عن المذهب ثبوت ولايته بشهادة السماع.
المازري: ويصح في ولاية القضاء التحجير لو ولاه قضاء بلد إلا في رجل سماه صح ذلك، والقاضي إن أذن في استخلافه؛ جاز استخلافه، ومن نهى عنه؛ منع، وإلا منع لغير عذر، وفي منعه لمرضه أو سفره نقلا الشيخ عن سحنون في المجموعة والأخوين، وأصبغ والمتيطي، وغيره: للقاضي أن يقدم على المناكح من ينظر فيها، ويتولى عقد فضولها، ويستبد المقدم فيما قدم فيه دون مطالعة من ولاه، ونقل ابن شاس: شرط علم المستخلف بأحكام ما استخلف فيه هو مقتضى اتفاق المذهب على وجوب علم الحاكم بما به يحكم، وفي النوادر عن الواضحة: وظاهره لابن الماجشون: ليس
للقاضي أن يستخلف بعد موته.
الشيخ عن ابن عبد الحكم: إن كان عمل القاضي متسعًا؛ استأذن الأمير في أن يولي على ما يرى من عمله من يحكم فيما لا ينظم من الأمور في الموضع الذي يشق على أهله الشخوص منه إليه ممن ولاه؛ جاز حكمه، فيكون القاضي مستشرفًا عليه، ويعزل من رأى عزله، وإن لم يأذن له الإمام في ذلك؛ لم يكن له توليته، وخصل من يكاتبه في الكشف ونحوه، ولم يحك الشيخ غير هذا.
وقال المتيطي وابن فتحون: إن كان نظر القاضي واسعًا، وأقطار مصره متباينة؛ فلا يرفع الخصم إلى المصر إلا فيما قرب من الأميال القليلة، وليقدم في الجهات البعيدة حكامًا ينظرون بين الناس هذا مشهور المذهب، ومنع منه ابن عبد الحكم إلا بإذن الإمام.
المتيطي: ولا ينعزل مقدم القاضي على يتيم بموته، ولا خلاف فيه.
ابن العطار: اختلف فيها فقهاؤنا؛ ولذا استحسنوا ذكر إمضاء الثاني تقديمه فيما ينفقد من تصرف ولي التيتيم، وقد وجد ذلك في قديم الوثائق، وإن كان القول بعدم توقفه على إمضاء الثاني هو الصواب.
الشيخ عن ابن حبيب عن أصبغ: إن منع الإمام قاضيه الحكم بين خصمين، فإن كان قيل أن يتبين له الحق؛ أطاعه وإلا أنفذه، إلا أن يعزله رأسًا، وشرط المستخلف على مستخلفه الحكم بمذهب معين، وإن خالف معتقد المستخلف اجتهادًا أو تقليدًا؛ يخرج على شرط ذلك الإمام في توليته قاضيه عليه في صحته، وبطلان توليته بذلك ثالثها: يبطل الشرط فقط؛ لظاهر نقلهم عن سحنون أنه ولى رجلًا سمع كلام بعض العراقيين، وشرط عليه الحكم بمذهب أهل المدينة.
المازري: مع احتمال كون الرجل مجتهدًا مع نقل الباجي: كان الولاة عندنا بقرطبة يشترطون على من ولوه القضاء في محله إلا أن يخرج عن مذهب ابن القاسم ما وجده، والطرطوشي لقوله فيما حكاه الباجي: هذا جهل عظيم، ونقل المازري عن بعض الناس مع تخريجه عل أحد الأقوال بإبطال فاسد الشرط في عقد البيع مع صحة العقد
قال: وقال بعض الناس: إن كان القاضي على مذهب مشهور عليه عمل أهل بلده؛ نهي عن الخروج عن ذلك المذهب، وإن كان مجتهدًا؛ أداه اجتهاده إلى الخروج عنه؛ لتهمته أن يكون خروجه حيفًا أو هوى، وهذا القول عمل بمقتضى السياسة، ومقتضى الأصول خلافه، والمشروع اتباع المجتهد مقتضى اجتهاده، وتجوز تولية قاضيين ببلد على أن يخص كل واحد منهما بناحية من البلد، أو نوع من المجكوم فيه؛ لأن هذه الولاية يصح فيها التخصيص والتحجير، أو استثنى في ولايته أن لا يحكم على رجل معين مع ذلك.
قال ابن فتحون: وقد تفرد القضاة في بعض البلاد بخطة المناكح فيولاه على حدة.
قلت: كما في بلدنا تونس قديمًا وحديثًا من تخصيص أحدهما بأحكام النكاح ومتعلقاته، والآخر بما سوى ذلك.
قال: وكذا على عدم التخصيص مع استقلال كل منهما بنفوذ حكمه، ومنعه بعض الناس بمقتضى السياسة؛ خوف تنازع الخصوم فيمن يحكم بينهم، ومقتضى أصول الشرع جوازه؛ لأن لذي الحق استنابة من شاء على حقه، ولو تعددوا، والتنازع يرتفع شغبه باعتبار قول الطالب، وإن تطالبا؛ قضى لكل منهما فيما هو فيه طالب بمن يريده. فإن تنازعا في التبدية؛ بدي الأول، فإن اقترعا؛ ففي القرعة، وترجيح من دعا إلى الأقرب خلاف، واستدل على جواز التعدد بالقياس على تولية الواحد؛ لبقاء حكم الإمام معه، وفرق يسير رفع التنازع عند اختلاف حكمهما بعزل الإمام قاضيه، وتعذر عزل أحد القاضيين الآخر، وجواز تعددهما بشرط وقف نفوذ حكمهما على اتفاقهما، منعه ابن شعبان وقال: لا يكون الحاكم نصف حاكم، وغلا فيه الباجي؛ فادعى الإجماع على منعه، وأجاب عن الاعتراض بتعدد حكمي الصيد والزوجين بأنهما: إن اختلفا؛ انتقل لغيرهما، والقاضيان هما بولاية لا يصح التنقل فيها بعد انعقادهما، واختلافهما يؤدي لتضييع الأحكام، والغالب اختلاف المجتهدين، وإن كانا مقلدين؛ فولاية المقلد ممنوعة، وعندي أنه لا يقوم دليل على المنع إن اقتضت ذلك مصلحة، ودعت إليه ضرورة في نازلة؛ ليرى الإمام أنه لا ترتفع التهمة والريبة إلا بقضاء رجلين فيها، فإن
اختلف نظرهما في ذلك؛ استظهر بغيرهما.
قلت: منع الباجي وابن شعبان؛ إنما هو في تولية قاضيين ولاية مطلقة لا في مسألة جزئية كما فرضه المازري قال: وذكر أبو الوليد أنه ولي في بعض بلاد الأندلس ثلاث قضاة على هذه الصفة، ولم ينكره من كان بذلك البلد من الفقهاء به.
وفيها مع غيرها: لو أن رجلين حكما بينهما رجلًا، فحكم بينهما؛ أمضاه القاضي، ولا يرده إلا أن يكون جوارًا بينًا.
قلت: ظاهره: ولو كان مخالفًا لما عند القاضي، وليس بجور؛ ابن حارث لسحنون عن ابن القاسم: ليس له فسخه إن خالف رأيه، سحنون: وأنا أرى أن له رده.
اللخمي: إنما يجوز التحكيم لعدل مجتهد، أو عامي يحكم باسترشاد العلماء، وتحكيم غيرهم خطر، والغرر في الحكم أشد منه في البيع.
المازري: تحكيم الخصمين غيرهما جائز، كما يجوز أن يستفتيا فقهيًا يعملان بفتواه في قصتهما.
قلت: ظاهر قولهما جوازه ابتداء، ولفظ الروايات؛ إنما هو بعد الوقوع، وإنما يجوز فيما يصح لأحدهما ترك حقه فيه.
اللخمي وغيره: إنما يصح في الأموال، وما في معناها.
سحنون: لا ينبغي في لعان ولا جد؛ إنما هو لقضاة الأمصار العظام، أصبغ: ولا في قصاص ولا طلاق، ولا عتق ولا نسب ولا ولاء؛ لأنها للإمام، ولو قال: اضربني حدك، واستوف قودك؛ لم يصلح في القود، وكذا النفس.
وأما الجراح: فإن أقاده في الجرح من نفسه؛ فلا بأس إن كان نائبًا عن السلطان.
قلت: كذا اذكره اللخمي، والمازري، والشيخ في النوادر، وفي عطف النفس والجراح: على القود، نظر؛ لاقتضائه أنه غيرهما، وقوله: إن كان نائبًا عن السلطان؛ يخرج المسألة عن كونها تحكيمًا، كذا وجدته في نسخة عتيقة من النوادر، وفي بعض نسخ اللخمي: إن كانا نائبين؛ وظاهره: إنه من تأمى إذا بعد؛ فلا تخرج عن التحكيم، ورجوع أحدهما بعد حكمه لغو، ابن رشد: اتفاقًا وقبله فيه طرق.
الصقلي: في منعه: ولو لم يقاعده وصحته مطلقًا ثالثها: إن أقيمت أبنية، لابن الماجشون، وسحنون، وابن القاسم.
ابن رشد في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم في الشهادات في صحة نزوعه قبل الحكم قولا مطرف وابن الماجشون.
الشيخ: في صحة رجوع أحدهما: ولو لم يقاعده ثالثها: قبل النظر في شيء من أمرهما لا بعده، لسحنون وابن الماجشون ومطرف قال أصبغ: كما ليس له إن تواضعا الخصومة عند القاضي أن يوكل وكيلًا أو يعزله.
قلت: فالأقوال أربعة، وعزوها واضح، ولابن الماجشون ولابن حارث: إن نظر المحكم بينهما؛ لم يكن لأحدهما رجوع اتفاقًا.
الشيخ لابن سحنون عنه: إن حكم المحكم، ولم يشهد على حكمه؛ لم يصدق على ذلك الحكم، وإذا حكم؛ كتب للمقضي عليه: قضيت لفلان بن فلان على فلان بن فلان، كما يكتب القاضي.
الشيخ عن أصبغ: إن حكماه بحكم فيما ذكرنا أنه لا يحكم فيه؛ أنفذ السلطان حكمه لقود أو لحد، ونهاه عن العود، وإن كان أقام هو ذلك؛ فقتل، واقتص، وضرب الحد، ثم رفع للإمام زجره وأدبه، وأمضى صواب حكمه، وكان محدوده بالقذف محدودًا، والتلاعن عنده ماضيًا.
المازري: كل من جاز للإمام توليته؛ جاز تحكيمه.
اللخمي: اتفقت أقوال من يذكر بعد على أن لا يحكم جاهل بالحكم؛ لأنه تخاطر، ولا يجوز تحكيم كافر ولا مجنون ولا موسوس اتفاقًا، والعبد والمرأة، والمسخوط والصبي في لغو حكمهم ثالثها: في الصبي فقط، ورابعها: والمسخوط، لمطرف، وأصبغ، وأشهب، وابن الماجشون: وشرط الثلاثة علم المحكم بالقضاء، وللشيخ عن أصبغ كأشهب.
ابن الحارث: لا يجوز تحكيم صبي ولا معتوه ولا موسوس.
اللخمي: إن حكم مالكيان مالكيًا؛ لم يلزمهما حكمه بغير مذهب مالك.
المازري: ولأحد الخصمين تحكيم خصمه في خصومتهما إن كان المحكم عدلًا عارفًا، زاد اللخمي: عارفًا مجتهدًا أو عاميًا، واسترشد العلماء، وهو هنا أشد تخاطرًا إن دخل على الحكم بالجهل، أو على حكم غير عدل منه إن كان المحكم أجنبيًا.
الشيخ عن أصبغ: لا أحب لخصم القاضي أن يحكمه فيما بينهما، فإن نزل؛ مضى، وليذكر رضاه بذلك، ثم ذكر عن ابن حبيب للأخوين: لو حكم أحد الخصمين صاحبه، فحكم لنفسه أو عليها؛ مضى ما لم يكن جوارًا أو خطأً بينًا.
قلت: ينبغي إن كان جوارًا عليه ماليًا أمضاه؛ لأنه منه معروف لخصمه، قال: أوليس تحكيم الخصم خصمه؛ كتحكيم خصم القاضي للقاضي.
قلت: ظاهره: عدم نفوذه حكمه إن حكم لتفرقته بينه وبين من ليس قاضيًا، ففي جواز تحكيم الخصم خصمه مطلقًا، وكراهته إن كان القاضي ثالثها: لا ينفذ حكمه إن كان القاضي كنقل المازري واللخمي عن المذهب، والشيخ عن أصبغ، وظاهر قول الأخوين: قال ابن الحاجب: ولو حكم خصمه؛ فثالثها: يمضي ما لم يكن المحكم القاضي.
قلت: القول بعدم مضيه مطلقًا، وإن قبله، ابن هارون وابن عبد السلام: لا أعرفه، ولم يحكه ابن شاس.
وقوله ابن عبد السلام: أشار بعض الشيوخ أو صرح أنه لا خلاف أن حكم القاضي بتحكيم خصمه غير ماضٍ لا أعرفه، وقد تقدم نص أصبغ: إن نزل؛ مضى، ويجب تفقد الإمام حال قضاته، فيعزل من في بقائه مفسدة وجوبًا فورًا، أو من يخشى مفسدته استحبابًا، ومن غيره أولى؛ عزله له راجح.
الشيخ عن ابن حبيب عن أشهب ومطرف: ينبغي للإمام أن لا يغفل عن تفقد قضاته، كان عمر رضي الله عنه يقدم كل عام أمراءه ومعهم من عملهم رجال، فإن أرادوا بدل عاملهم؛ عزله وأمر غيره.
أصبغ: يعزل من يخشى ضعفه، ووهنه، وبطانة السوء، وإن أمن جوره في نفسه، ولا بأس إن عزل لغير دنية أن يخبر الناس ببراءته، كما فعل عمر بشر حبيل بن حسنة،
وإن عزله عن سخطة؛ حق عليه شهرته، وإذاعته، وعزله بالشكاية به إن لم يكن مشهورًا بالعدالة حتى وجوبه بها أو الكتب إلى صالحي بلده؛ ليكشفوا عن حاله، فإن كان على ما يحب وإلا عزل ثالثها: إن وجد بدله، وإلا فالثاني للشيخ عن أصبغ، وغيره ومطرف قائلًا: لا يعزل بها مشهور العدالة، وقال أشهب: يعزل، وإن كان مشهورًا بالرضى معها إذا وجد منه بدلا في حاله، وقد عزل عمر سعدًا بالشكية، وسعد أنفذ حجة، وأظهر براءة ممن بعده إلى يوم القيامة، وإن تظاهرت الشكية؛ وقفه بعد عزله للناس، فيرفع من يرفع، ويحقق من يحقق، فقد وقف عمر سعدًا، فلم يصح عليه مكروه وبرأه الله، وكان عند الله وجيهًا.
المازري: إن علم علم القاضي وعدالته، ولم يتقدم فيه قادح؛ لم يعزل بالشكية، وسئل عن حاله بسببها سرًا، فإن ثبت فيه مطعن؛ عزل وإلا أقر، ومن لم يتحقق عدالته في عزله بمجردها قولا أصبغ وغيره، واحتج أصبغ بعزل عمر سعدًا.
قلت: تخصيصه الخلاف بمن لم يتحقق عدالته مع قبوله الاحتجاج بقضية سعد متناقضة؛ لأن سعدًا ممن علم علمه وعدالته.
ابن عبد السلام: في النفس شيء من احتجاج الفقهاء في مسألة القضاة بقضية سعد وشبهها عن الأمراء؛ لأن نظر الأمراء أوسع؛ لأن له الاعتماد على علمه، وعلى ما سئل عنه خفية، وعلى ما يظنه ويتوهمه، فيتطرق إلى الكلام فيه بسبب ذلك، فللخليفة عزله بمجرد الشكوى، والقاضي نظره مقصور على مسائل الخصام، وهو مستند فيها إلى الإقرار والبينة وشبه ذلك، فيظهر عدله وجوره؛ فلا ينبغي أن يقتصر في عزله على مجرد الشكوى، ولاسيما مشهور العدالة؛ ولذا لم يحفظ أن عمر عزل قاضيًا بمجرد الشكوى، ولاسيما مشور العدالة؛ ولذا لم يحفظ أن عمر عزل قاضيًا بمجرد الشكوى، قلت: حاصله ترجيح القول التالي، ولا ينفق مطلقًا؛ بل الصواب بين مجرد الشكوى بقاضي بلد الخليفة، وغيره ليسر الاطلاع على حال من ببلده، وعسر الاطلاع على حال غيره.
المازري: إذا كان في العزل مصلحة للعامة؛ أمر الإمام بالمبادرة إليه، وعن عمر أنه قال: لا يسألني قوم عزل أميرهم إلا عزلته، وإن وجد الإمام أفضل ممن ولي؛ فله
عزله لتولية الأفضل، وإن لم يجد إلا من هو دونه؛ فلا يعزله، فإن عزله؛ لم تنفذ عزلته.
قلت: في عدم نفوذ عزلته نظر؛ لأنه يؤدي إلى لغو توليته غيره، فيؤدي ذلك إلى تعطيل أحكام المسلمين.
ابن الحاجب: إن عزله عن سخطه؛ فليظهره، وعن غيره؛ فليبرئه، وقد عزل عمر شرحبيل فقال: أعن سخطة يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا، ولكن وجدت أقوى منك، قال: إن عزلك عيب، فأخبر الناس بعذري ففعل، وتعقبه ابن عبد السلام احتجاجه بقضية شر حبيل؛ لأن تبرئته كانت بطلب ذلك لا ابتداء من عمر؛ يرد بأن إجابته توجب كونه حقًا له فيجب؛ بل يرد بعموم دعواه في كل واد، وخصوص حجته بالإمام المعلوم؛ كون أفعاله لا عن هوى كعمر، ولا يلزم من لزوم تبرئته المبرأ؛ حيث العزل من مثل عمر لزومه من حيث كونه من غيره؛ لجواز كونه عن هوى، ولا يخفى حال الولاة في ذلك، وقد انتهى الأمر؛ لكون العزل لتولية الغير بالرشا.
الشيخ: لابن حبيب عن أصبغ: لا ينعزل القاضي بموت موليه الإمام أو أميره.
المازري: ذكر أصحاب الشافعي: إن ولى القاضي رجلًا على أمر معين؛ كسماع بينة؛ انعزل عن ذلك بانعزال القاضي، وإن ولاه حكومة مستقلة؛ ففي انعزاله بانعزاله ثالثها: إن لم يكن بإذن من ولاه؛ قلت: لم يعز المذهب منها شيئًا، ومفهوم ما تقدم لأصبغ انعزال نائب القاضي في حكم بموته أو عزله.
وفيها: إذا مات القاضي أو عزل، وفي ديواه شهادة البينات وعدالتها؛ لم ينظر فيه من ولي بعده، ولم يجزه إلا أن تقدم عليه بينة، وإن قال المعزول: ما في ديواني شهدت به البينة عندي؛ لم يقبل قوله، ولا أراه شاهدًا، فإن لم تقم بينة على ذلك؛ أمرهم القاضي المحدث بإعادة البينة، وللطالب أن يحلف المطلوب أن هذه الشهادة التي في ديوان القاضي ما شهد عليه بها أحد، وتمامها يأتي في الشاهد واليمين، وعبر ابن الحاجب عن ذلك بقوله: ولو قال بعد العزل: قضيت بكذا، أو شهد بأنه قضى؛ لم يقبل، ومفهوم قوله: بعد العزل؛ أنه قبل العزل يقبل قوله مطلقًا، وليس كذلك، وسمع أصبغ ابن القاسم: شهادة القاضي بقضاء قضى به وهو معزول أو غير معزول؛ لا يقبل.
ابن رشد: في هذه المسألة معنى خفي؛ وهو أن قول القاضي قبل عزله: قضيت لفلان بكذا؛ لا يقبل إن كان بمعنى الشهادة؛ كتخاصم رجلين عند قاض، فيحتج أحدهما بأن قاضي بلد كذا قضى له بكذا، وثبت عنده كذا، فسأله البينة على ذلك، فيأتيه من عنده بكتابه: أن حكمت لفلان بكذا أو أنه ثبت عندي لفلان كذا؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه شاهد، ولو أتى الرجل ابتداء للقاضي، فقال له: خاطب لي قاضي بلد كذا بما ثبت لي عندك على فلان، أو بما حكمت لي به عليه، فخاطبه بذلك قبل ذلك؛ لأنه مخبر لا شاهد، كما يقبل قوله، وينفذ فيما يسجل به عن نفسه، وشهد به من الأحكام ما دام في قضائه، ووقع للأخوين ولأصبغ ما يعارض هذا السماع حسبما تقدم في سماع ابن القاسم.
قلت: هو قوله في سماع ابن القاسم بعد ذكره نحو ما تقدم ما نصه: وذكر ابن حبيب أيضًا: أن القاضي إذا كتب بعدالة شاهد من عمله إلى القاضي الذي شهد عنده الشاهد؛ جاز وإن كان المشهود له سأله ذلك، فكتب له ذلك دون أن يكتب إليه القاضي الذي شهد عنده الشاهد؛ جاز، وإن كان المشهود له سأله ذلك، فكتب له ذلك دون أن يكتب إليه القاضي الذي شهد عنده الشاهد يسأله عنه، وحكاه عن الأخوين وأصبغ وهو بعيد.
المازري: إذا ولى الإمام قاضيًا على بلد؛ انبغى قبل خروجه بحثه عن عدول البلد الذي يقدم عليه، إن كان بمكانه من يعرف حالهم؛ ليكون على بصيرة بحالهم، وقد يفتقر للاستعانة في حال قدومه بأحد منهم.
قلت: ولهذا المعنى كنت أفهم من بعض من لقيت ممن يقتدى به أنه ينبغي لمن هو بحيثية ولاية القضاء أو الشورى فيما يعرض من الولايات الشرعية أن يسمع ما يذكر في أبناء الزمان ممن يعتبر قوله وحده أو مع غيره، نبه البناء عليه أحكام التعديل والتجريح الأبنية التفكه، وليس ذلك من سماع الغيبة، ومنع ذلك يوجب تعطيل الأحكام، أو تولية من لا تحل توليته، ولولا هذا؛ ما صح ثبوت تجريح في راو ولا شاهد ولا غيره.
المازري: قال بعض أهل العلم: ينبغي أن يبدأ القاضي بالنظر في المحبوسين، فيعلم من يجب إخراجه ومن لا يجب؛ لأن ذلك أشد من النظر في الأموال، ثم ينظر في الأوصياء في المقامين؛ لكون من يكون له مطالبة عليهم قد لا يعرف عن نفسه، ثم اللقط والضوال، ثم بين الخصوم.
المتيطي وغيره: أول ما يبدأ به القاضي النداء عن إذنه أنه حجر على كل يتيم لا ولي له، وعلى كل سفيه مستوجب للولاية عليه، وأن من علم منكم أحدًا من هذين؛ فليرفعه لنا لسؤلي عليه، ومن باع منهما بعد النداء؛ فهو مردود.
وفيها: لا يتخذ القاض كاتبًا من أهل الذمة، ولا قاسمًا، ولا عبدًا، ولا مكاتبًا، ولا يتخذ في شيء من أمور المسلمين إلا المسلمين العدول.
اللخمي عن محمد: لا يستكتب القاضي إلا عدلًا حرًا يكتب بين يديه، وينظر فيما كتب، وإذا اضطر لغير عدل؛ كتب بين يديه، ونظر فيما كتب، ولم يجز أن يوكل ذلك إليه، ولا يبعد حمل قول محمد نظر القاضي فيما كتب على الوجوب، وإن كان الكاتب عدلًا؛ ليحمل أمر الخصمين على أمر قطعي، وحمله على أمانة الكتب؛ حكم بغلبة الظن دون ضرورة، وليس كالمكشف؛ لأنه مضطر إليه.
المازري: وإن كان عدلًا؛ فالمذهب أنه مأمور بالنظر إلى ما يكتب، وترجيح بعض أشياخي في وجوبه، ولا يبعد وجوبه عليه إلا أن يشق عليه؛ فيسقط، ويثبت الاستحباب، وينبغي أن يكون من يصرفه القاضي في أمور قضائه مأمونًا على ما يصرفه في ثقة عدلًا؛ كالحاجب والعون وغيرهما، وينهى عن اتخاذ من يحمي الناس عنه في وقت حاجتهم إليه، ويسوغ له اتخاذ من يقوم بين يديه لصرف أمره، ونهيه وزجره، وكف أذى الناس عنه وعن بعضهم لبعض، ولا يتخذ لذلك إلا ثقة مأمونًا؛ إذ قد يطلع من أمر الخصوم على ما لا ينبغي أن يطلع عليه الخصمان، وقد يرشى على المنع والأذى، وأمين على النساء إن احتجن إلى خصام.
الشيخ عن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال أشهب: ينبغي للقاضي اتخاذ رجل صالح مأمون منبه، أو رجلين بهذه الصفة يسألان عن الشهود في السر في
مساكنهم وأعمالهم.
سحنون: يتخذ لذلك من هو منه على يقين من حسن نظره في دينه، وإن كانا رجلين؛ فهو أحسن.
اللخمي: وينبغي أن لا يعرف مكشف القاضي؛ لأن فيه فساد.
الشيخ عن أشهب: ولا ينبغي للمكشف أن يسأل رجلًا واحدًا أو اثنين، وليسأل ثلاثة فأكثر إن قدر، ومثله لابن حبيب عن الأخوين: ولا ينبغي للمكشف أن يسأل رجلًا إلا أنهما قالا أو يسأل الاثنين والثلاثة، ولا يقتصر على واحد.
أشهب في المجموعة: خوف أن يزكيه من أهل وده، أو يجرحه عدو له.
وسمع القرينان: إن احتكم للقاضي خصوم يتكلمون بغير العربية، ولا يفقه كلامهم؛ ينبغي أن يترجم عنهم رجل ثقة مأمون مسلم، واثنان أحب إلي، ويجزئ الواحد، ولا تقبل ترجمة كافر، ولا عبد، ولا مسخوط، ولا بأس بترجمة المرأة إن كانت من أهل العفاف والحق مما تقبل فيه شهادة النساء، وامرأتان ورجل أحب إلي؛ لأن هذا موضع شهادات.
ابن رشد: هو كما قال؛ لأن كل ما يبتدئ فيه القاضي بالبعث والسؤال؛ كقياس الجراحات، والنظر للعيوب، والاستخلاف، والقسم، واستنكاه من استنكره سكره، وشبه ذلك من الأمور يجوز فيه الواحد.
قال في المدونة في الذي يحلف المرأة: أنه يجوز فيه رسول واحد، وسمعه أصبغ من كتاب الحدود في الاستنكاه، ولا اختلاف فيه، والاختيار في ذلك اثنان عدلان، ويجزئ فيه الواحد العدل، وقوله: لا تقبل ترجمة كافر، ولا عبد، ولا مسخوط؛ معناه مع وجود عدول المؤمنين، ولو اضطر لترجمة كافر أو مسخوط؛ لقبل قوله، وحكم به كما يحكم بقول الطبيب النصراني، وغير العدول فيما اضطر فيه لقوله من جهة معرفته بالطب، وقد حكى فضل عن سحنون أنه قال: لا تقبل ترجمة الواحد، واحتج بقول مالك في القاضي: إذا لم يفقه لسانهم؛ كانوا بمنزلة من لم يسمع؛ ومعناه أنه لا ينبغي له أن يكتفي بترجمه الواحد ابتداء؛ لأنه إن فعل؛ لم يجز، ورد هذا لا يصح أن يكون إفادة.
قلت: ظاهر السماع: صحة ترجمة المرأة، ولو وجد من الرجال مترجم، وساق الشيخ معنى هذا الكلام لابن حبيب عن الأخوين بعبارة: لا بأس بترجمة المرأة إذا لم يجد من الرجال من يترجم له، ولابن عبدوس مع ابن سحنون عنه: لا تقبل ترجمة النساء، ولا رجل واحد، ولا من لا تجوز شهادته؛ لأن من لا يفهم كالغائب.
الشيخ: لابن كنانة عن مالك في العتبية: إن لم يجد القاضي لجراحات الناس عدلين؛ أجزأه عدل واحد.
ابن حبيب عن ابن الماجشون: للقاضي أن يأخذ فيما يبعث إلى النظر فيه؛ لتحقيقه من العيوب فيما لم يفت من عبد أو أمة بمخبر واحد، وإن كان كافرًا أو مسخوطًا، ويكتفى في عيوب النساء بالمرأة الواحدة؛ لأنه خبر، وإن غاب العبد أو مات؛ لم يقبل فيه إلا ما يقبل في الشهادة، وإن غابت الأمة؛ لم يقبل فيها إلا امرأتان، وذلك فيما هو من عيوبهن تحت الثياب من برص وحيض وعذرة وغير ذلك، والمرأتان فيه كرجلين.
وفي نوازل سحنون: لا يقضي بقول قائف واحد فإن لم يجد القاضي غيره؛ كتب إلى البلدان حتى يأتيه قائف آخر، فإن لم يجد؛ انتظر أبدًا، ولا يقضي بقائف واحد، وأخبرني ابن نافع عن مالك: لا يجوز م القافة إلا اثنان، ولا يكون القائف إلا عدلًا، وإلا لم يجز، وفي سماع محمد بن خالد: لابن القاسم كان مالك يقول: لا يقبل إلا عدلان، وأرى أن العدل الواحد مقبول.
ابن رشد: القياس على أصولهم أن نحكم بقول القائف الواحد، وإن لم يكن عدلًا؛ لأنه علم يؤديه، وليس شهادة، كما يقبل قول النصراني في الطب فيما يحتاج إلى معرفته من ناحية الطب؛ كالعيوب والجراحات، فاشتراط ابن القاسم فيه العدالة استحسان، وروى ابن وهب: إجازة القضاء بقول واحد منهم، ولم يشترط فيه عدالة، وفي سماع أشهب من كتاب الاستلحاق مثل رواية ابن نافع.
وفيها: قال مالك: القضاء في المسجد من الحق، وهو من الأمر القديم؛ لأنه يرضى فيه بالمدون من المجلس، وتصل إليه المرأة والضعيفو وإن احتجب؛ لم يصل إليه الناس.
اللخمي: في استحباب جلوسه بالمسجد، أو برحابه خارجة عنه ثالثها: لا بأس به في منزله، وحيث أحب لها.
ورواية ابن حبيب قائلًا: كان من مضى يجلس لنا عند موضع الخمائر، أو في رحبة مروان، وما كانت تسمى إلا رحبة القضاء، ولأشهب: والثاني أحسن لقوله صلى الله عليه وسلم: "جنبوا مساجدكم رفع أصواتكم وخصوماتكم"، ولا يعترض باللعان؛ لأنها أيمان يراد بها الترهيب.
المازري عن بعض أشياخي: قول أشهب ثالثًا بتساوي الأمكنة في الاستحباب، ويمكن حمله على التساوي في الإباحة لا الاستحباب.
اللخمي عن ابن شعبان: من العدل كون منزل القاضي بوسط مصره، ويستحب استقبال القبلة، ولأنه بطرف المصر مضر بالناس هذا في المصر الكبير، وذلك في الصغير أخف، وتبعه المتيطي على أن الأقوال ثلاثة، ونقله المازري غير معزو لابن شعبان كأنه المذهب غير مفرق بين مصر كبير وصغير، وأخبرني بعض من لقيت عن بعض من ولي قضاء توزر أنه تحرى منزلًا بطرق البلد؛ لأنه رآه الوسط بالنسبة إلى الكور التي يتحاكم أهلها إليه، وقول ابن عبد السلام: مال بعض الأندلسيين إلى قول الشافعي بكراهة القضاء في المسجد.
قلت: هو قول اللخمي، وهو خلاف اختيار ابن رشد قال في سماع أشهب من كتاب الصلاة: قال عمر بن الخطاب: يقعد بعد الظهر في المسجد يحتمل أنه كان يجلس للحكم بين الناس، والنظر في أمور المسلمين، فقد روي عنه: أنه بلغه عن أبي موسى الأشعري أنه يقضي في العراق بدار سكناه، فبعث إليه رسولًا بأن يضرمها عليه نارًا، فأتى الرسول العراق، فوافى أبا موسى في الدار يقضي، فنزل عن بعيره، وأوقد النار ببابها، فأخبر أبو موسى بذلك، فخرج فزعًا فقال له: ما بالك؟ فقال: أمرني أمير المؤمنين أن أضرمها عليك نارًا لالتزامك القضاء فيها، ثم انصرف الرسول فلم يعد أبو
موسى إلى القضاء في داره؛ فلا ينبغي للقاضي أن يقضي إلا في المسجد، فإن ضمته ضرورة للقضاء في داره؛ فتح بابه، ولم يحتجب عن أحد.
وفيها: لا بأس بيسير الأسواط أدبًا في المسجد، وأما الحدود وشبهها؛ فلا.
قلت: أكره مالك للقاضي إن دخله هم أو نعاس أو ضجر أن يقضي إلا في المسجد، قال: سمعته يقول: لا ينبغي له أن يكثر جدًا؛ يريد: أن لا يحمل على نفسه لا يقضي، وبه هم يقضي عن الفهم إلا ما خف مما لا يضر به.
اللخمي والصقلي عن الأخوين: لا بأس أن يتخذ أوقاتًا يجلس إلى الناس فيها، وينظر في ذلك بما هو أرفق به وبالناس.
الصقلي عن الأخوين: ولا يجلس للقضاء بين المغرب والعشاء، ولا بالأسحار ما علمنا من فعله من القضاة إلا لأمر يحدث بتلك الأوقات؛ فلا بأس أن يأمر فيها، وينهى ويسجن، ويرسل الأمين والشرط، أما الحكم؛ فلا، ولأشهب: لا بأس أن يقضي بين المغرب والعشاء إن رضي الخصمان، أما إن تكلف الكاره الخصوم؛ فلا، ولا بأس أن يقضي بعد الأذان بالظهر والعصر، والمغرب والعشاء والصبح، ويرسل إلى الخصم ليحضره في بعض هذه الساعات، فيقضي عليه، ونقله المتيطي بلفظ يقضي عليه شاء أو أبى، وهو مناف لأول قوله.
اللخمي: لا يجلب إلى الخصومة بين العشاء ولا بالأسحار، ولا فيما يخاف فواته، والضرر لتأخيره، أو ليمين يخاف حنث حالفها، ولا يجلس أيام العيد.
قال محمد بن عبد الحكم: ولا قبلها كيوم التروية وعرفة؛ يريد: وإن لم يكونوا في حج، ولا يوم خروج الحاج بمصر؛ لكثرة من يشتغل يومئذ بمن سافر، وكذا في الطين والوحل، وكل هذا ما لم يكن ضرورة بمن نزل به أمر، فعلى القاضي أن يبعث وراء الخصم وينظر في مسألته.
اللخمي: لا بأس أن يحكم، وهو ماش في مسألة نص، وما تحته من مسائل
الاجتهاد، ولا يجوز فيما يحتاج لروية.
الصقلي: اختلف هل يقضي في الطريق؟ فقال أشهب: لا بأس بقضائه، وهو ماش إن لم يشغله المسير، وزحمة الناس، والنظر إليهم، وقال سحنون: لا يقضي وهو ماش، ولا يكلم أحدًا من الخصوم، ولا يقف معه.
قلت: ففي جوازه ماشيًا ثالثها في مسألة نص أو خفيف اجتهاد لأشهب وسحنون.
واللخمي عن المذهب قال: ولا يجلس للقضاء، وهو على صفة يخاف بها أن لا يأتي بالقضية صوابًا، وإن نزل به في قضائه تركه؛ كالغضب والضجر والهم والجوع والعطش والحقن، وإن أخذ من الطعام فوق ما يكفيه؛ لم يجلس.
قلت: يريد: إن أدخل عليه تغييرًا قال: وأصل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان"، أخرجه البخاري، قلت: ومسلم من حديث أبي بكرة.
قلت: اتفق العلماء على إناطة الحكم بأعم من الغضب، وهو الأمر الشاغل، وإلغاء خصوص الغضب، وسموا هذا الإلغاء، والاعتبار بتحقيق المناط.
المتيطي في كتاب القرويين: إن حكم وهو غضبان؛ جاز حكمه خلاف الداودي، وفرق ابن حبيب بين الغضب الكثير واليسير.
اللخمي: اختلف إن دخله ضجر، فقال ابن عبد الحكم: لا بأس أن يحدث جلساءه إذا مل يروح قلبه، ثم يعود للحكم، وقال ابن حبيب: يقوم والأول أحسن، وهو أخف من قيامه، وصرف الناس.
قلت: هذا إن ناله ذلك في أول مجلسه، ولأن ما مضى له ما له بال؛ فالثاني أصوب، وعن الصقلي: الأول لأشهب، والثاني للأخوين.
اللخمي: لا يحكم متكئًا؛ لأن فيه استخفافًا وللعلم حرمة.
المتيطي: ينبغي أن يكون جلوسه في مجلس حكمه متربعًا أو محتبيًا.
وروى محمد: لا بأس أن يقضي، وهو متكئ، وعزاه الباجي لأشهب.
زاد الشيخ في النوادر: ولسحنون قيل لإسماعيل القاضي: هل ألفت كتابًا في آداب القاضي؟ قال: إذا قضى القاضي بالحق؛ فليقعد في مجلسه كيف شاء ويمد رجليه.
اللخمي والجلاب: ينبغي أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود؛ ليحكم بشهادتهم لا بعلمه.
اللخمي: وإن كان ممن يقضي بعلمه، فأخذه بالمتفق عليه أحسن، قال: واختلف فيه جلوس أهل العلم معه، فقال أشهب ومحمد: لا أحب أن يقضى إلا بحضرتهم ومشورتهم، وكان عثمان رضي الله عنه إذا جلس للقضاء أحضر أربعة من الصحابة، ثم استشارهم، ومنعه الأخوان، وإذا قام من مجلسه استشارهمـ واختار إن لم يدركه الخصمان بحضورهم، فحضورهم أحسن، وإلا لم يحضرهم إلا أن يكون مقلدًا؛ فلا يقضي بغير حضرتهم.
محمد: ولا يدع مشاورة أهل الفقه.
المازري: ينبغي أن يستشير، ولو كان عالمًا، واختار بعضهم كونه ذوي مذاهب مختلفة؛ لأنه ادعى للعثور على الأوضح، ثم قال: إن كان حضورهم يوجب حصره؛ لم يختلف في عدمه، وإن كان بليدًا ببلادة لا يمكنه بها ضبط قولي الخصمين، وتصور حقيقة دعواهما؛ لم يختلف في حضورهم إياه، وكان عندنا قاض اشتهرت بالأمصار عدالته ونزاهته، ولم يطعن في عدالته ونزاهته عما في أيدي الناس طاعن يحضر إلى محاضر حرثه بين خصمين عنده كلف أحدهما إثبات دعواه، فأثبتها ببينة، فجرحها خصمه، فأتى ببينة اعتذروا عن التجريح، وطال خصامهم، فوجدت المحاضر تتضمن أن الخصمين متفقان في المعنى، مختلفان في العبارة، ولم يفطن القاضي لهما حتى كلفهما ما تقدم ذكره، فنبهته على ذلك، فخجل منه، وارتفع الخصام، فمثل هذا لا بد أن يحضر أهل العلم أو كاتب يؤمن معه مثل هذا.
قلت: قبول من هذه صفته القضاء جرحة، وقبل ابن عبد السلام قول ابن
الحاجب: لا يفتي الحاكم في الخصومات، وقال ابن عبد الحكم: لا بأس به كالخلفاء الأربعة، وهو اختصار قول ابن شاس، ولا يجيب من سأله فيما يتعلق بالخصومات، واختار محمد بن عبد الحكم: أنه لا بأس أن يجيب بالفتيا في كل ما سئل عنه بما عنده فيه علم، واحتج بأن الخلفاء الأربعة كانوا يفتون الناس في نوازلهم.
قلت: فحملوا قول ابن عبد الحكم على الخلاف، وعزا ابن المناصف القول بعدم جوابه فيما يتعلق بالخصومات إلى مالك، وابن حارث إلى سحنون، ثم ذكر قول ابن عبد الحكم إلى آخره، وقال: الكلام الأول النهي فيه عن فتيا القاضي في نفس الخصومات لأحد الخصمين، وكلام ابن عبد الحكم في فتياه في جملة الأشياء لم يعين الخصومة بعينها.
وفي الواضحة للأخوين: لا ينبغي أن يدخل عليه أحد الخصمين دون صاحبه لا وحده، ولا في جماعة.
الصقلي عن الأخوين: لا يشتغل في مجلس قضائه ببيع، ولا ابتياع لنسفه.
أشهب: ولا لغيره إلا ما خف شأنه، وقل شغله، والكلام فيه، سحنون: وتركه أفضل، قالوا: لا بأس بذلك في غير مجلس قضائه له ولغيره، وما باع أو ابتاع في مجلس قضائه لا يرد إلا أن يكون أكره على ذلك أحدًا أو هضمه؛ فليرد، ولو كان بغير مجلس قضائه.
المتيطي عن أشهب: إن اشترى الإمام العدل، أو باع من أحد شيئًا، ثم عزل أو مات؛ فالبائع والمبتاع منه مخير في الأخذ منه والترك، كذا وجدته في نسختين، ولم أجده في النوادر؛ بل فيها عنه إن عزل، والبائع والمبتاع مقيم بالبلد لا يخاصمه ولا يذكر مخاصمته لأحد، فلا حجة عليه والبيع ماض.
الشيخ عن ابن حبيب: كتب عمر بن عبد العزيز: تجارة الولاء لهم مفسدة، وللرعية مهلكة، قال عبد الله بن عمرو بن العاص: يقال: من أشراط الساعة تجارة السلطان.
ابن شاس: الأدب السابع أن لا يشتري بنفسه، ولا بوكيل معروف حتى لا
يسامح في البيع.
قال محمد بن عبد الحكم: لا فرق بين شرائه بنفسه، وبين وكيله بذلك، قال: ولا يوكل إلا من يأمن على دينه؛ لئلا يسترخص له بسبب الحكم وما أشبه ذلك.
قلت: ظاهر أقوال أهل المذهب ورواياته جواز شرائه وبيعه في غير مجلس قضائه، وما ذكره ابن شاس لا أعرفه لغيره، وذكره المازري عن الشافعي لا عن ابن عبد الحكم، ولا أحد من أهل المذهب، وما تقدم للمتيطي عن أشهب: أن من بايعه في ولايته له؛ عليه الخيار بعد عزله هو نحو من نقل ابن شاس عن ابن عبد الحكم، وللشيخ عن الأخوين: وليتنزه عن طلب الحوائج والعواري من ماعون ودابة والسلف، وأن يقارض، أو يبضع مع أحد، أو يبايعه إلا ما لا يجد منه بدًا، والأمر الخفيف ما لم يكن ممن يخاصم عنده، أو من تجر إلى من يخاصم عنده، وقاله أصبغ.
الشيخ عن الأخوين: لا ينبغي له أن يجيب الدعوة إلا في الوليمة، وتركه الأكل أحب إلينا من غير تحريم ولا تضييق عليه إن أكل، ولأشهب: لا بأس أن يجيب الدعوة العامة كانت لوليمة أو صنيع عام لفرح، فأما لغير فرح؛ فلا، وكأنه دعي خاصة، وغيره وسيلة له.
سحنون: يجيب العامة لا الخاصة، والتنزه أحسن.
وفي الموازية: كره له أن يجيب أحدًا، وهو في الدعوة الخاصة أشد من دعوة العرس، وكره مالك لأهل الفضل أن يجيبوا كل من دعاهم.
الشيخ عن أشهب: لا يقبل هدية من خصم، ولو كان قريبه وغير الخصم.
قال سحنون: يجوز من ذي رحم أبويه، وابنه وخالته، وعمته وبنت أخيه، ومن لا يدخل عليه به ظنه، ومثله في الموازية والواضحة للأخوين: لا ينبغي أن يقبل هدية من أحد، ولو ممن كانت تجري بينه وبينه قبل ذلك، ولا من قريب، ولا من صديق، وإن كافأ بأضعافها إلا مثل الوالد والولد، وأشباههم من خاصة القرابة.
أشهب في المجموعة: لا ينبغي أن يقبلها من غير خصم إلا أن يكافئه بمثلها، وذو الرحم كغيره لا يقبلها إلا أن يكافئه بمثلها.
وقال ابن عبد الحكم: لا بأس بقبولها ممن عرف قبوله منه قبل ولايته من إخوانه.
قلت: ففي جواز قبوله إياها من شبه الوالد والولد فقط، وإلحاق الخالة والعمة وبنت الأخ بهم ثالثها: كمن يكافئه بمثلها قرب أو بعد، ورابعها: ممن عرف قبوله من قبل ولايته.
للأخوين وسحنون وأشهب وابن عبد الحكم في طرر ابن عات إثر هذا الفصل: ابن حبيب: للإمام أخذ ما أفاده العمال، ويضمه إلى ما جبوا قال: وكل ما أفاده الوالي من مال سوى رزقه في عمله، أو قاض في قضائه، أو متولي أمرًا للمسلمين؛ فللإمام أخذه للمسلمين، وكان عمر رضي الله عنه إذا ولى أحدًا أحصى ماله؛ لينظر ما يزيد، ولذا شاطر العمال أموالهم حيث كثرت، وعجز عن تمييز ما زادوه بعد الولاية، قاله مالك، وشاطر أبا هريرة وأبا موسى وغيرهما.
ابن عبد الغفور: ما أهدي للفقيه من غير حاجة؛ جائز قبوله، وما كان لرجاء العون في مسألة على خلاف المعمول به؛ لم يحل قبولها، وهي رشوة، وكذا ما أهدى له ذو خصومة ليعينه فيها، وقال بعض المتأخرين: ما أهدي للمفتي إن كان ينشط للفتيا أهدي له أم لا؟ فلا بأس به، وإن كان إنما ينشط إذا أهدي له؛ فلا يأخذها، وهذا ما لم تكن خصومة، والأحسن أن لا يقبل من صاحب فتيا؛ وهو قول ابن عيشون، وكان يجعل ذلك رشوة.
قلت: قد يخفف قبولها لمن كان محتاجًا، ولاسيما إن كان اشتغاله بأصولها يقطعه عن التسبب، ولا رزق له عليها من بيت المال، وعليه يحمل ما أخبرني به غير واحد عن الشيخ القيه إلى علي بن علوان أنه كان يقبل الهدية، ويطلبها ممن يفتيه.
وفي الطرز: وظاهره لابن عيشون، ومن هذا انقطاع الرغبة للعلماء والمتعلقين بالسلطنة؛ لدفع الظلم عنهم فيما يهدونه لهم، ويخدمونهم هو باب من أبواب الرشوة؛ لأن دفع الظلم واجب على كل من قدر على دفعه عن أخيه المسلم وعن الذمي.
قال ابن عيشون: أجاز بعضهم إعطاء الرشوة إذا خاف الظلم على نفسه، وكان محقًا.
قلت: يقوم من هذا من قولها: وإن طلب السلابة طعامًا، أو ثوبًا، أو شيئًا خفيفًا رأيت أن يعطوه.
ابن عبد الغفور في كتاب الأوائل: أول من رشى في الإسلام.
المغيرة بن شعبة قال: إن كان ليفرق الدرهم في يدي أعطيته؛ فلا يستبان لي على عمر، ويروى أول من قبل الرشوة في الإسلام، وفي اختصار الواضحة عن الأخوين: لا ينبغي له أن يكثر الدخال عليه، ولا الركاب معه، ولا المستحقون له في غير ما خاصته كانت منهم به قبل ذلك إلا أن يكونوا أهل أمانة ونصيحة وفضل، فلا بأس بذلك، ويمنع أهل الركوب معه في غير حاجة، ولا رفع مظلمه، ولا خصومة، ويقام من جلس مجلسه مدعيًا أنه يريد التعلم أقضيته؛ لأنه من حيل مستأكلي الناس إلا من كان مأمونًا مرضيًا، وينبغي أن لا يتضاحك مع الناس، وأن يكون فيه عبوسة بغير غضب، ويلزم التواضع في غير وهن ولا ضعف، ويتقدم إلى أعوانه، ولو استغنى عنهم؛ كان أحب إلي، ولم يكن لأبي بكر ولا عمر أعوان، وكان عمر يطوف وحده إلا أن يضطر إلى الأعوان، فليخفف منهم ما استطاع.
وفي الزاهي: ينبغي أن يتفقد من يركب خلفه؛ لئلا يدلس بهم على الناس أو يدلسوا، ولا يقبل الإسرار إلا عن الأخيار، ولا يطرق له إذا ركب، ولا يسرع المسير؛ فإنه يذهب بهاء الوجه.
ولابن حبيب عن الأخوين: إن شتم أحد الخصمين صاحبه عند القاضي، أو أسرع إليه بغير حجة كقوله: يا ظالم يا فاجر؛ فعليه زجره وضربه إلا إذا مروءة في فلتة منه، فلا يضربه؛ لأنه إن لم ينصف الناس في أعراضهم؛ لم ينصفهم في أموالهم.
قلت: ظاهره: انحصار الحق للخصم، والحق أن فيه حقًا لله؛ لأنه إهانة لمجلس الشرع.
سمع ابن القاسم: إن ألد أحد الخصمين بصاحبه، وتبين ذلك ونهاه؛ فللقاضي أن يعاقبه.
ابن رشد: لأن إلداده إذاية وإضرار توجب على الإمام أن يكفه، ويعاقب عليه بما
يراه، ومثله في سماع أشهب وأصبغ، وفي حفظي عن بعضهم إن قال لخصمه: ظلمتني أو غصبتني ونحوه بالفعل الماضي أو تظلمني؛ فلا شيء عليه، وإن قال: يا ظالم ونحوه باسم الفاعل؛ أدب إن لم يترجم.
وسمع أيضًا: أرأيت من يقول للقاضي: ظلمتني، قال مالك: يختلف، ولم يجد فيه تفسيرًا إلا أن وجه ما قال: إن أراد أذاه، والقاضي من أهل الفضل عاقبه، وما ترك ذلك حتى خاصم أهل الشرف في العقوبة في الإلداد.
ابن رشد: للقاضي الفاضل العدل أن يحكم لنفسه، والعقوبة على من تناوله بالقول، وأذاه بأن ينسب إليه الظلم والجور مواجهة بحضرة أهل مجلسه بخلاف ما شهدته عليه أنه آذاه وهو غائب؛ لأن مواجهته من قبيل الإقرار، وله الحكم بالإقرار على من انتهك ماله، وإذا كان له الحكم بالإقرار في ماله؛ كالحكم لغيره، كأن جرى أن يحكم بالإقرار في عرضه، كما يحكم به في حكم عرض غيره؛ لما في ذلك من الحق لله؛ لأن الاجتراء على الحكام بمثل هذا توهين لهم، فالمعاقبة فيه أولى من التجافي، وهو دليل قوله: وما ترك ذلك حتى خاصم أهل الشرف في العقوبة في الإلداد؛ ولذا قال ابن حبيب: العقوبة في هذا أولى من العفو.
الشيخ: لابن سحنون عنه: إن قال الخصم لمن شهد عليه: شهدت علي بزور، أو بما سألك الله عنه، أو ما أنت من أهل الدين، ولا من أعمل العدالة؛ لم يكن ذلك لأهل الفضل، ويؤدب المعروف بالإذاية بقدر جرمه، وقدر الرجل المنتهك حرمته، وقدر الشاتم في إذاية الناس، وإن كان من أهل الفضل، وذلك منه فلتة تجافى عنه، ولابن كنانة: إن قال له: شهدت علي بزور، فإن عنى أنه شهد عليه بباطل؛ لم يعاقب، وإن قصد أذاه أو الشهرة به؛ نكل بقدر حال الشاهد والمشهود عليه.
ابن عبد الحكم: إن قال للقاضي: اتق الله؛ فلا ينبغي أن يضيق لذلك، ولا يكثر عليه، وليثبت ويجيبه جوابًا لينًا يقول رزقني الله تقواه، أو ما أمرت إلا بخير، أو من تقوى الله أن آخذ منك الحق إذا بان لي، ولا يظهر لذلك غضبًا.
الشيخ عن ابن عبد الحكم: وأحب إلي أن يجعل القاضي رجالًا من إخوانه يثق بهم