الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمل، وإن كان الأول قديمًا، والثاني جديدًا فهو أبين أن لا يعرف.
[باب الملك]
الملك: استحقاق التصرف في الشئ بكل أمر جائز فعلًا أو حكمًا لا بنيابة،
فيدخل ملك الصبي ونحوه لاستحقاقهما ذلك حكمًا، ويخرج تصرف الوصي والوكيل وذو الإمرة، وتقدم قول بعضهم بعسر إدراكه، وتعذره فيذكر.
اللخمي: قال سحنون: من حضر رجلًا اشترى سلعة من السوق، فلا يشهد أنها ملكه، ولو أقام رجل بينة أنها ملكه، وأقام هذا بينة أنه اشتراها من السوق كانت لذي الملك، وقد يبيعها من لا يملكها، والشهادة بالملك أن تطول الحيازة، وهو يفعل ما يفعل المالك لا منازع له، وسواء حضروا بدء دخولها في يديه أم لا، وإن لم تطل الحيازة لم يثبت الملك إلا أن يشهدوا أنه غنهما من دار الحرب وشبهه. انتهي.
قوله: وإلى هذا ذهب أشهب أن لا يثبت الملك بمجرد ولادة الأم إلا أن تطول الحيازة؛ لأنه لو كانت المنازعة في الأم؛ فشهدت بينة أحدهما بملكه إياها، وللآخر بينة أنها كانت في يده يومًا أو يومين ترجح الملك، وهذا يحسن في عدم التاريخ، فإن علم أن يد هذا تقدمت، ثم ملكها الآخر، ردت لمن تقدمت يده.
وقال ابن القاسم: من شهد له شاهد في مسكن أنه ملكه، وآخر أنه حيزه فملكه وحيزه سواء؛ يريد: في حيزه إذا طال.
وفي لغو شهادة الشاهد في دار بأنها في ملك فلان حتى يقول: ومال من ماله، وقبولها مطلقًا، ثالثها: إن كان الشهود لهم نباهة ويقظة لابن سهل عن ابن ملك قائلاً: شاهدت القضاء به، وأبي المطرف وابن عتاب، ونقل الصقلي عنها، قال مالك: من ادعى عينًا قائمة من رقيق أو طعام أو عرض أو ناض أو غير ذلك، وأتى ببينة على ملكه ذلك، فمن تمام شهادتهم أن يقولوا: وما علمناه باع، ولا وهب، ولا خرج عن ملكه، ونحوه لأبي سعيد، والذي في «المدونة» ما نصه: سمعت مالكاً غير مرة يقول في الذي يدعي العبد أو الثوب، ويقيم بينة أنه شيئه لا يعلمه باع، ولا وهب، فإذا شهدوا بهذا استوجب ما ادعاه.
وسمع ابن القاسم في كتاب الاستحقاق إذا شهدوا في السرقة قال: يشهدون أنهم ما علموه باع، ولا وهب على العلم.
ابن رشد: معناه يزيدون ذلك في شهادتهم على معرفة الملك بالبت، وهذه الزيادة هي كمال الشهادة، وينبغي للقاضي أن يسأل الشاهد عن ذلك؛ فإن لم يزده ذلك في شهادته بطلت، ولم يحكم بها، وإن لم يسأله القاضي حتى مات الشهود أو غابوا؛ حكم بشهادتهم مع يمين الطالب؛ إذ لا يصح للشاهد أن يشهد بمعرفة الملك إلا مع غلبة ظنه أنه ما باع، ولا وهب فهي محمولة على الصحة.
قلت: ووقعت في نوازل عيسى، ولم يزد فيها زيادة.
ولما ذكر الصقلي قولها في كتاب الشهادات قال: وقال أشهب مثله: إن لم يقدر على كشف البينة، وإن وجدوا سئلوا.
قال ابن القاسم: فإن أبوا أن يقولوا ما علموه باع ولا وهب ولا تصدق، فشهادتهم باطلة.
وفي العارية منها: فإن شهدوا، ولم يقولوا ما علموه باع ولا وهب ولا تصدق حلف على البت كما ذكرنا ويقضي له.
قلت: ظاهر قول الصقلي وابن رشد: (أن زيادة البينة لا يعلمون أنه باع
…
إلخ)، إنما هي كمال في الشهادة لا شرط، وهو نص قولها في العارية، وكان ابن هارون، وابن
عبد السلام من شيوخنا يحملون المدونة على قولين في كونها شرط إجزاء أو شرط كمال لقولها في الشهادات والعارية، وهو ظاهر نقل ابن عات في الطرر عن ابن سهر، والأظهر عدم حملها على الخلاف، وأن ما في العارية تفسير.
قال عياض في كتاب العارية: قوله (إذا شهدوا على البت أنه ما باع ولا وهب على البت) هي غموس، وشهدوا بباطل وزور.
قالوا: معناه أنه كذب وباطل إذا شهدوا على ما لم يحققوه من علم الغيب؛ لا أن حكمهم حكم شاهد زور؛ ثم اختلف هل هي عامله أم لا؟ لأن لفظها مشكل في الكتاب.
وقال في كتاب الشهادات: قوله: شهادتهم زورن ثم قال: وأرى أ: ن يحلف الإمام الذي شهدوا له أنه ما باع ولا وهب، ولا أخرجه من يده بشئ مما يخرج به من ملكه.
قال بعضهم: انظر أطلق عليها باطل وغموس، ثم جعله يحلف معها فلم يبطلها.
فتأول بعضهم: أنها عند مالك مع قوله: هذا ماضية، يحكم بها، ونحى إليه ابن لبابة، وقال ابن أبي زَمَنَيْن: هو بعيد، وقال بعضهم: في المسألة تقديم وتأخير، وقوله:(أرى أن يحلفه الإمام) راجع للمسألة الأولى في الشهادة الصحيحة، ونحى إليه ابن أبي زَمَنَيْن.
وقال بعضهم: لا يرد القاضي شهادتهم حتى يسألهم أيشهدون على البت أو على العلم؟
فإن أثبتوها سقطت شهادتهم، وإن ماتوا قبل كشفهم حكم بها، وقال بعضهم: إنما زور، فيها شهادة أهل العلم بما يلزم في ذلك، وأما الجهال فلا، ويعذرون في ذلك، ونحوه لأبي محمد وأبي عمران، ولا يختلف أنه لا يلزمهم ما يلزم شاهد الزور من العقوبة.
قُلتُ: لما كانت الشهادة أحد أنواع العلم، والعلم ضروري، ونظري استبان لمن تأمل أن حصول العلم للشاهد بالملك إنما هو نظري حسبما تقدم في تفسير سحنون حقيقة الملك، والعلوم النظرية معروضة للتحول عنها، فلزم من ذلك تكليف الشاهد
بتلك الزيادة في شهادته بالملك، وسائر متعلقات الشهادة غير الشهادة بالعدالة، والعدم من المدين هي من لعلوم الضرورية أو القريبة منها فلم يحتج فيها لتلك الزيادة، وشرط الشهادة بالعدالة، والعدالة نص إضافتهما إلى حال أدائها.
فقول ابن رشد: لو شهدت بينة بملكة بالأمس، ولم تتعرض للحال لم تسمع حتى يقولوا إنه لم يخرج من ملكه في علمهم، ولو شهدت أنه أقر له بالأمس ثبت الإقرار، ويستصحب موجبه كما لو قال المدعي عليه: هو ملكه بالأمس، وكما لو قال الشاهد: هو ملكه بالأمس، واشتراه من المدعى عليه بالأمس لم يأخذه بذلك، ولو شهدوا أنه انتزعه منه أو غصبه أو غلبه عليه كانت الشهادة جائزة، ويجعل المدعي صاحب اليد.
قلت: أعيان هذه المسائل لا أعرفها نصا لغيره من أهل المذهب إلا لمن تبعه كابن الحاجب.
وفي الوجيز للغزالي: لهو شهدوا بأنه أقر له بالأمس ثبت الإقرار، وإن لم يتعرض الشاهد للملك في الحال، ولو قال المدعى عليه: كان مالكاً بالأمس فالظاهر أنه ينزع من يده؛ لأنه يخبر عن تحقيق فيستصحب بخلاف الشاهد، فإنه يخبر عن تخمين، ولو قال الشهد: هو ملكه بالأمس اشتراه من المدعى عليه بالأمس، أو أقر له المدعى عليه بالأمس سمعت في الحال؛ لأنه استند إلى تحقيق، ولا خلاف أنه لو شهد على أنه كان في يد المدعي بالأمس قبل، وجعل المدعي صاحب يد.
ابن شاس: لو شهدت بينة أحدهما بالملك، وبينة الآخر بالحوز قضي ببينة الملك، ولو كان تاريخ الحوز متقدمًا.
قُلتُ: قد تقدم هذا الفرع لأشهب.
اللخمي: من أقام بينة في ثوب بيد رجل أنه رهنه عنده، وأقام الآخر بينة أنه اشتراه منه، فقال ابن القاسم: هو لمدعي الشراء إلا أن يقيم الآخر بينة بأن الرهن كان بعد الشراء.
سحنون: وقال بعض أصحابنا: يقضى بأعدلهما، وكذا لو لم تقم بينة الراهن مصدق مع يمينه؛ لأن المرتهن أقر له بالملك، وادعى الشراء.
وقوله: (في عدم البينة) صحيح، ومع بينة لكل منهما قول ابن القاسم أحسن؛ لأنا لا نحمل البينتين على التكاذب مع إمكان صدقهما فقد اتفقا على ملك القائم، وكان بيده البيع والرهن، فيمكن أن يكون رهن ثم باع، فتصح الشهادتان إلا أن تكون الشهادتان عن مجلس واحد ولفظ واحد فيقضى بالأعدل، فإن تكافأت في العدالة قضي بالرهن، لأن البينتين تسقطان، ويبقى إقراره.
وقال مطرف: إن شهدت للقائم على الحائز أنه غصبه، وشهد للحائز بالشراء منه قضي ببينة الشراء؛ لأنه إن تقدم الغصب بطل حكمه بما وقع بعده ومن شراء، وإن تقدم الشراء كان قد غصب ملكه.
قال ابن الحاجب: وتقدم الناقلة على المستصحبة.
قلت: هو قولها في الشهادات من المدونة وغيرها.
من قدم وادعى دارًا بيد غيره، وثبت الأصل له أو لأبيه.
وفي شهاداتها وولائها: قال ابن القاسم، من مات وترك ولدين مسلمًا ونصرانيًا كلاهما يدعي أن الأب مات على دينه، وأقاما بذلك بينة مسلمين، وتكافأت في العدالة أو لم تكن لهما بينة، فالميراث بينهما نصفين، وإن كان المسلم صلى على أبيه، ودفنه في مقابر المسلمين فليس الصلاة بشهادة، ولو لم يأتيا ببينة، وكان يعرف بالنصرانية فالنصراني أحق بإرثه حتى يقيم المسلم بينة على ما ذكر.
وقال غيره: إن تكافأت البينتان قضي بالمال للمسلم بعد حلفه؛ لأن بينة المسلم زادت حين زعمت أنه مسلم.
قال اللخمي في كتاب الولاء: إن تداعيا ذلك، ولا بينة حلفا، والإرث بينهما نصفين، وإن أر المسلم أنه كان نصرانيا ثم أسلم، حلف النصراني أنه لم يزل على دينه، واختص بالإرث إلا أن يصلي عليه المسلمون، ويدفن عندهم بحضرته ولا ينكر، فيسأل عن عذره في ذلك، وإن أقر النصراني أنه كان مسلما، ثم مات على النصرانية اختص المسلم بإرثه دون يمين؛ لأنه على قوله: مرتد، فهو مدع لغيره فلا يقبل قوله؛ لأنه غير عدل هذا إن قال: أسلم بعد أن كبرت، وإن قال: وأنا صغير كان النظر في
بقائه على الكفر؛ وإن لم يعلم أصله.
ففيها لابن القاسم: ليس صلاة المسلمين عليه بشهادة، وقال الأخوان وأصبغ: إن كان ذلك بحضرة النصارى قطع دعوى النصراني؛ وهو أبين، إلا أن يعلم للنصراني عذر، وهو أبين، ولو صلى عليه النصارى ودفنوه عندهم بحضرة المسلم اختص النصراني بإرثه.
قلت: للشيخ عن الأخوين في الواضحة: إن دفن في مقابر المسلمين فليس بحجة على الآخر إلا أن يكون حاضرًا لا ينكر، فذلك يقطع حجته.
اللخمي: وإن أقام كل وادح بينة على دعواه، فإن كانت بأنه لم يزل على ذلك إلى موته، ولا يعرفونه انتقل عنه كان تكاذباً، وقضي بأعدلهما، فإن تكافأتا كان الإرث بينهما، وكذا إن كانت البينتان على ما مات عليه، ولا علم عندهما بما كان عليه، وإن كان معروفًا بأحد الدينين أو أقر بذلك الولدان، ففي كون ذلك تكاذبا، والقضاء بالبينة التي نقلته عن الحالة الأولى؛ لأنها زادت حكما قولان، وعلى الثانية إن كانت الحالة الأولى كفرًا فالإرث للمسلم، وفي العكس لبيت مال المسلمين، وإن قالت إحدى البينتين: لم يزل يعرف على كذا، ولم ندر ما مات عليه، وشهدت الأخرى بما مات عليه، ولم تدر حاله؛ قيل: يقضى بالأخيرة إن كانت بإسلامه ورث المسلم، وفي عكسه بيت المال.
الصقلي: قال بعض فقهائنا: لو شهدت إحداهما بأنا رأيناه يصلي بالمسجد، والأخرى بأنا رأيناه يؤدي الجزية، ولم يؤرخا قضي بالإرث للمسلم؛ لأنه يمكن أن يكون كافرًا فأسلم، ويحتمل أن يكون له نصفه ونصفه للمسلمين؛ لأن الأرث يكون له تارة، وتارة للمسلمين.
اللخمي: قال أصبغ: فلو كان معهما أخ صغير فكلاهما مقر له بالنصف فله النصف كاملًا، ويجبر على الإسلام، والنصف لهما بعد إيمانها.
سحنون: فإن مات الصبي قبل البلوغ حلفا وقسما ماله.
اللخمي: أصل قولهم أن يكون المال بينهم أثلاثا، فإن خلف الميت ستين دينارًا كان لكل من الأولاد عشرون؛ لأن المسلم يقول: المال بيني وبين الصغير نصفين،
والنصراني غاصب لنا، والغصب علي وعليه على قدر أنصبائنا، وذلك يؤدي إلى تساويهم فيه.
وفي كتاب ابن سحنون: يحلفان، ويوقف ثلث ما بيد كل منهما حتى يكبر الصبي فيدعي مثل دعواهما؛ فيأخذ ما وقف له من سهمه، ويرد إلى الآخر ما وقف من سهمه، فإن مات قبل أن يبلغ حلفا واقتسما ميراثه، فإن مات أحدهما قبل بلوغه، وله ورثة يعرفون؛ فهم أحق بميراثه ولا يرد، فإذا كبر فادعاه كان له.
قلت: قول سحنون: فيأخذ ما وقف له من سهمه، ويدر إلى الآخر ما وقف له من سهمه، فإن مات قبل أن يبلغ حلفا وقسما ميراثه، وإن مات أحدهما قبل بلوغه وله ورثة يعرفون؛ فهم أحق بميراثه ولا ترد، فإن كبر فادعاه كان له؛ خلاف قوله المتمم قول أصبغ؛ فتأمله.
ابن شاس: ولو كان عوض الابنين جماعة، واختلفت الدعوى بينهم فعلى القول بالقسم يقسم المال بينهم نصفين، وإن تفاوتت أعدادهم.
وفي الموازية: وظاهره عن كتاب ابن ميسر: إن ترك ولدين مسلمين، وولدين نصرانيين كافرين يدعي أن الأب مات على دينه قسم الإرث بينهم أرباعا بعد إيمانهم، فإن نكل فريق اختص الفريق الحالف بالإرث، ولو رجع أحد المسلمين أو أحد النصرانيين قسم الراجع مسلم للطائفة الأخرى، وقول ابن الحاجب: إن كان مع الولدين طفل.
فقال سحنون: يحلفان ويوقف ثلث ما بأيديهما، فإذا كبر فمن ادعى دعواه شاركه ورد الآخر ظاهره أنه يأخذ نصف تركته، وهو وهم إنما يأخذ الثلث الذي وقف له كذا نقله المازري، وابن محرز، والشيخ، وغير واحد، وابن شاس.