الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحقيق تقديم الجرح، ولو كثر عدد المعدلين لما تقدم من كون متعلق بالتجريح إثباتًا بخلاف التعديل، ولو كان اختلافهما باعتبار متعلق واحد، كقول المجرحين: رأيناه عاكفًا على شرب الخمر ليلة كذا، وقال المعدلون: رأيناه تلك الليلة عاكفًا على الصلاة، فيقدم الأرجح عدالة، أو بكثرة العدد على قول بعض أصحاب مالك: ولو شهد شاهد بأنه زنى، وآخر بأنه سرق؛ ففي ثبوت جرحته بهما قلا سًحنون قائلًا: لو أشهد أحدهما بأنه خائن، وآخر بأنه أكل مال اليتيم، جرح بذلك؛ لتباين متعلقي شهادتي الأولين، وعدمه في شهادتي الأخيرين.
|
باب مانع الشهادة
|
؟؟؟ ما قام دليل على إيجابه، رفع ما ثبت مقتضى ثبوته، وذكروا منه في قبول شهادة عددًا الأول التغفل.
الشَّيخ عن محمد بن عبد الحَكم: لا تقبل إلا شهادة العدل المأمون على ما يقول، وقد يكون عدلًا، ولا يؤمن التغفل أو يضرب على خطه، ويشهد على الرجل، ولا يعرفه، يتسمى له بغير اسمه، فمن كانت هذه حاله؛ لا تقبل شهادته.
قُلتُ: قوله: أو يضرب على خطه؛ يريد: ثم يؤدي شهادته على أنه حطه؛ لتغفله وهو ليس خطه.
وفي طرر ابن عات" قال إياس بن معاوية: ما بالبصرة أفضل من عطاء السلمى، وما أقبل شهادته على درهم واحد.
قُلتُ: ولذا أخبرني بعض من لقيت عن بعض ِشُيُوخنا" أن الشَّيخ الفقيه ابن الخباز: كان ولي القضاء ببلده بالمهديَّة في أوائل أمره، فكان يخرج لزيارة بعض صلحاء ساحل المهدية، ويتبرك به، وإذا شهد عنده شهادة لا يحكم بها؛ لتغفله عنده، وهذا شأن أهل الحق، ونحوه قول ابن شعبان في زاهيه" والعابد الذي لا يميز بين الألفاظ، وشغلته عبادته من معاني أفعال الناس، ينبغي أن يتوقف عن الحكم بشهادته حتة تختبر كيفيتها.
قُلتُ: ولهذا يجب لغو ارتهان من هو من هذا النمط فيمن يطلب تقديمه للشهادة، وينبغي إعلامه ذلك، وإنه لا يحل له طلب ذلك؛ لأن فيه تعريضًا بنفسه، وابن الخباز هذا قال: الشَّيخ الفقيه المحدث الرحال أبو العباس؛ عرف بالعشاب هو أبو عبد الله محمد بن علي بن إبراهيم العواتي، تفقه بالمهديَّة على أبي زكرياء البرقي، رحل إلى المشرق سنة أربع وعشرين وستمائة، أخذ بمصر عن عز الدين ابن عبد السلام وغيره، وقرأ الحاصل على مؤلفه تاج الدين الأرموي، ورجع إلى المهديَّة بعلم كثير فدرس وأفتى، ثم نقله الخليفة للحضرة، وقلده قضاء الجماعة بتونس سنة ستين وستمائة، كان موصوفًا بدين وعقل، توفي في جمادى الأخرى سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة.
قُلتُ: وأخبرني بعض من لقيت عن من أخبره من بعض اهل داره انه سمعه ليلة، وهو يقول مشيرًا إلى نفسه: أي علم هاهنا لم أجد من ألقه إليه، وقول ابن الحاجب إثر قول ابن عبد الحَكم، وقيل: إلا فيما لا يكاد يلبس فيه، وقبوله ابن عبد السلام، وابن هارون لا أعرفه إلا تقييدًا.
قال المازري: إطلاق المتقدمين رد الشهادة بالبله والغفلة، قيده بعض المتأخرين بما كثر من الكلام والجمل المتعلق بعضها ببعض لا في نحو قوله: رأيت هذا الشخص أو سمعته قال: هي طالق، وقال الأصوليون: رواية من قل تغفله مقبولة إلا فيما لاح
فيه تغفله، ومن كثر تغفله في كونه كذلك، وردها مطلقًا ثالثها: لابن أمان مع القاضى يصرف ذلك للاجتهاد، وله أيضًا من تقارب حال غفلته ويقظته، أو تساوت قبل فيما لم تلح فيه غفلته، ولم يذكر فيه خلافًا، وفى هذا الحظر لمتقدم تقييد بعض الأشياخ، الثانى: جر شهادة الشاهد له نفعًا؛ لأنه بها متهمًا فى الموطأ عن عمر لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين.
الباجى: لابن مزين عن يحيى بن سعيد: هو المتهم الذى يظن به غير الصلاح، ونجوه لابن كنانه، فشهادة المتهم مردودة، وإن كان مبرزًا فى العدالة.
عبد الحق: ذكر أبو أحمد من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» لاتجوز سهادة متهم ولا ظنين»، وعبد الله بن محمد بن عقيل: ضعفه الناس إلا أحمد بن حنبل، والحميدى، وإسحاق بن راهويه، فإنهم كانو يحتجون بحديثه، وتعقبه ابن القطان بأن قال: ترك من إسناده قيس بن الربيع، وهو عنده ضعيف، ومحمد بن الحسن: وهو لا تعرف حاله.
الصقلى: قال ابن القاسم: لو شهد أربعة على أبيهم بالزنا؛ ردت شهادتهم، ولا يرجم؛ لأنهم يتهمون على إرثه ويحدون.
وقال أشهب: إن كان الأب عديمًا؛ جازت شهادتهم إن كانوا عدولاً، ورجم الأب، وكذا إن شهدوا أنه قتل فلانًا عمدًا.
وقال ابن اللباد: لا تجوز شهادتهم، وإن كان معدمًا؛ لتهمتهم على سقوط نفقته عنهم برجمه.
قلت فى سمَاع سَحنون: قال أشهب: يرجم الأب بشهادتهم إلا أن كان موسرًا؛ فترد شهادتهم؛ لتهمتهم فى الميراث.
قال: وكا لو شهدوا عليه أنه قتل فلانًا عمدًا، والمعسر أيضًا ترد شهادتهم عليه؛ لأنهم يريدون والراحة منه لأجل النفقة عليه.
ابن رُشْد: فى تسوية أشهب بين شهادتهم بزناه، وشهادتهم بقتله نظر؛ لأن شهادتهم بقتله واجبة إن دعوا إليها، ومستحبة إن لم يدعوا، فواجب قبول شهادتهم بذلك، ومالم يتهموا على إرثه، أو الراحة من النفقة عليه، وشهادتهم بزناه مكروهة؛ لأنهم مأمورون بالستر على أنفسهم، وعلى الناس؛ فالصواب رد شهادتهم بزناه؛ لأنها عقوق إلا أن يعذورا بجهل، أو لأنهم دعوا إلى الشهاده عليه، مثل أن يقوم بحد على من قذفه بالزنا، فسأل القاذف بنيه أن يشهدوا له بزناه؛ ليسقط عنه حد قذفه، وعليه فينبغى حمل قول أشهب.
وقال ابن لبابة: شهادتهم بما يوجب قتله جائزة، ولو كان معدمًا، ولا يتهم العدول بالميراث، ولا بطرح النفقة، وهو قول وجه فى المبرز فى العدالة الفائق فى الفضل حيث تتعين عليه الشهادة، ويأتى على قياس قول ابن القاسم فى الإمام: يشهد عنه فى المرأة المحصنة أربعة بالزنى؛ أحدهم: زوجها فلا يعلم بذلك حتى رجمها أنه يرثها ويحد، إلا أن يلاعن خلاف قول أصْبَغ: لا يرثها.
قُلتُ: كذا وقع فى غير نسخه من البيان قول أشهب: أولاً فى شهادته بزناه ترد إن موسرًا، وإجازتها إن كان معدمًا، وقوله ثانيًا فى شهادتهم بقتله عمدًا: أنها ترد، وإن كان معدمًا للراحة منه لأجل النفقة عليه، وهو كلام ظاهر تناقضه، والعجب من ابن رُشْد فى عدم تعرضه إليه، ويمكن رفعه بحمل المعدم فى قوله: أولاً على العدم الذى لا ينتهى لإيجابه نفقته عليهم، أو على أنهم لا فضل مال لهم؛ يجب عليهم فيه نفقته، ويحمل العدم فى قوله ثانيًا على أنه الموجب نفقته عليهم، وأنهم أملياء بها، وظاهر ما نقله الصقلى عن ابن اللباد: أنه لا يحفظه لمتقدم قبله، وهو نص أشهب المتقدم الشهاده بقتله.
ونقل الشَّيخ فى نوادره كنقل الصقلى لا تناقض فيه.
ابن رُشْد: وإذا سقطت شهادتهم بأى وجه؛ وجب حدهم، وقال سَحنون: إذا سقطت بالظنة، ولا فرق بين سقطها أو بالجرحة.
قُلتُ: بل هى بالجرحة أحرى.
قُلتُ: ففي سقوط شهادة البنين بما يوجب؛ قتل أبيهم مطلقًا، وصحتها. ثالثها: صحتها فى قتله عمدًا إن لم يتهموا، وزناه إن عذروا بجهل، أو كانت لإسقاط حد من قذفه، ورابعها: إن كان مليًا لابن القاسم مع ابن اللباد وابن لبابه، واختيار ابن رًشْد وأشهب.
وفى ثانى عتقها: إن شهد وارثان أن الميت أعتق هذا العبد، فإن كان معهما نساء، والعبد يرغب فى ولائه؛ لم تجز شهادتها، فإن كان لا يرغب فى ولائه، أو لم يكن معهم نساء؛ جازت شهادتهما.
وقال ابن الحاجب فى الموانع: وكمن شهد أنه جرح موروثه، فقبله ابن عبد السلام وابن هارون، وقيداه بأن الجرح مخوفًا.
قُلتُ: لا أعرف هذا الفرع بعينه من فروع المذهب، وإنما تبع فيه ابن الحاجب ابن شاس على عادته فى إضافته أعيان فروع الشافعيَّة لنصوص المذهب فى وجيز الغزالى ما نصه: لتهمه أسباب منها كمن يشهد أن فلانًا جرح موروثه؛ فظاهره: كيف كان الجرح، ولا يصح إضافته للمذهب إلا حيث تجر للشاهد نفعًا؛ حيث يوجب قصاصًا أو مالاً حسبما ذكر فى شهادة الأخ لأخيه.
وفيها: لا تجوز شهادة الوصى بدين للميت، إلا يكون الوراثه كبارًا عدولاً.
الجلاب: لاتجوز شهادة الوصى لمن تلى عليه، وعن مالك فى الشهادة الوصى: على من يلى عليه روايتان.
وفى أوئل الثلث الآخر من أجوبة ابن رُشْد: شهادة المشرف لمن يشرف عليه جائزة؛ إذ لا تهمة فى ذلك.
وفى أول شهادتها لمالك: لا تجوز شهادة من هو فى عيال الرجل للرجل.
للصقلى عن ابن حبيب: إن كان المشهود له فى عيال الشاهد؛ جازت شهادته له؛ إذ لا تهمة.
قال بعض المتأخرين: إن كان المشهود له فى عيال الشاهد؛ جازت شهادته له من قرابة الشاهد كالأخ ونحوه؛ انبقى أن لا تجوز شهادته له بمال؛ لأنه وإن كانت نفقته لا
تلزمه، فإنه يلحقه بعد نفقته عليه وصلته معرة، ولو كان المشهود له أجنبيا؛ جازت شهادته له.
الصقلى: هذا استحسان، ولا فرق بين القريب والأجنبى فى رواية ابن حبيب، ونقل ابن الحاجب عدم صحتها من المنفق على المنفق عليه مطلقا لا أعرفه.
وفى شهادة الشاهد بوصية له فيها نصيب؛ اضطراب.
ابن رشد فى أجوبته: تحصيلها إن كانت فى الوصية مكتوبة، وما للشاهد فيها يسير، ففى صحتها له ولغيره ثالثها: لغيره فقط، ورابعها: إن كان معه شاهد آخر، وإلا فالثالث لابن القاسم فيها مع رواية مطرف، ورواية ابن وهب فيها، وابن الماجشون فى الواضحة، ويحيى بن سعيد فيها، فعلى الأول إن كان وحده؛ حلف للموصى لهم مع شهادته أن ما شهد به من الوصية حق، فتثبت الوصية، وأخذ ماله فيها، وإن كان معه غيره ممن أوصى له فيها بيسير، ثبتت الوصية بشهادتهما، وأخذ كل منهما ما له دون يمين، وإن كان الشاهد معه فيها؛ لم يوص له فيها بشئ فأحرى، وعلى الثالث إن كان وحده؛ حلف الموصى لهم مع شهادته، وتثبت وصاياهم، ولا شئ له إن كان معه غيره، فمن أوصى له فيها بيسير؛ ثبتت الوصية بشهادتهما لمن سواهما دون يمين، وحلف كل منهما مع شهادة صاحبه، وأخذ وصيته، وإن كان معه شاهد لم يوص له فيها بشئ؛ ثبتت الوصية لمن سواه، وحلف مع شهادة صاحبه، وأخذ حقه، وعلى الرابع إن شهد معه غيره؛ ثبتت الوصية بشهادتهما، وأخذ حقه بغير يمين، وإن لم يكن معه غيره؛ حلف غيره مع شهادته، وأخذ وصيته ولا شئ له، وإن كان ما للشاهد فيها كثيرا؛ ففى سقوط شهادته له ولغيره وصحتها لغيره المشهور، والمخرج على قول أصبغ فى عبدين شهدا بعد عتقهما أن من أعتقهما غصبهما من رجل مع مائة دينار شهادتهما بغصب المائة صحيحة لا بغصبهما؛ لتهمتهما على إرقاق أنفسهما، فأمضى بعض الشهادة المردود باقيها للتهمة.
قلت: كذا قاله فى البيان فى غير موضع منه، ويرد التخريج بمنع كون الإبطال لمجرد التهمة؛ بل هو للسنة، لأنه لأمر شرعى جار على قاعدة عقلية، وهى أن قبول
شهادتها في غصبهما يؤدى تبوته؛ لنفيه ضرورة بطلان شهادتهما برقتهما المسبب عنها.
قال: وإن كانت شهادته لا فى وصية مكتوبة؛ بل على إشهاده الموضى لفظا كقول الموصى لفلان كذا ولفلان كذا، والشاهد أحدهم، وما أوصى له به بيسير؛ لم يجز لنفسه اتفاقا، وجازت لغيره، إن كان وحده؛ حلف الموصى له مع شهادته، وإن كان معه غيره ممن شهد لنفسه بيسير؛ حلف كل منهما مع شهادة الآخر، وأخذ حقه، وأخذ من سواهما بشهادتهما حقه بغير يمين، وإن كان معه من لم يشهد لنفسه؛ حلف معه، وأخذ حقه، وأخذ غيره حقه بشهادتهما دون يمين، وقد يقال: لا تجوز شهادته لغيره بتأويل ضعيف، وإن كان ما شهد به لنفسه كثيرا؛ لم تجز له اتفاقا، ولم تجز لغيره على قول الأخوين، ويجوز على ما فى سماع أشهب من كتاب الشهادات، فعلى الأول إن لم يكن معه غيره؛ حلف الموصى له واستحق، وإن كان معه غيره ممكن شهد لنفسه بكثير؛ حلف كل منهما مع شهادة صاحبه، وأخذ وصيته، وإن لم تكن شهادة كل منهما لصاحبه فى مجلس واحد على مذهبهما فى أن شهادة الشهود بعضهم لبعض فى مجلس واحد على شخص واحد؛ لا تجوز، وأخذ من سواهما وصيته بشهادتهما دون يمين.
اللخمى: قيل: يبطل جميعها، وقيل: ما يخصه فقط، وقيل: إن قل؛ مضت لغيره، وإن كان له قدر؛ سقطت لهما.
ولمالك فى المبسوط: تجوز لغيره، فيحلف معه، ويستحق، وإن شهد معه غيره؛ جازت لأهل الوصايا، وحلف هو مع الشاهد الآخير، ولم يفرق بين يسير وكثير، وذكر ابن الجلاب فى ذلك روايتين.
وللأخوين فى الواضحة: إن لم يشهد بالوصية إلا رجلان أوصى لهما فيها بشئ، وفيها عتق وديون، فإن أشهدهما لفظا نسقا، أو مفرقا، فشدا بذلك، أو وضعاها فى كتاب، ولم يعلم الميت؛ سقطت لهما، وصحت لغيرهما، وإن أشهدهما فى كتاب؛ لم تجز إن كان ما أوصى لهما به.
قال المازرى: إن كان ما يخص الشاهد أو للشاهدين له بال؛ فالمعروف بطلان شهادتهما ولو لغيرهما، ووقع فى المذهب ما يدل على اختلاف فيه، كذا أشار بعض
الأشياخ أن المذهب على قولين، ومقتضى ظاهره: صحتها لغيره فقط، ثم ذكر ما تقدم للخمى عن الأخوين وقال: وبعض أشياخى يرى أن لا وجه لهذا التفصيل بين كون الوصية نطقا أو مثبتتا فى كتاب.
قلت: هو قول اللخمى فى تبصرته، قال: والفرق عندى أن الشهادة على لفظ الميت؛ إنما هى على جمل أوردها الميت، لا ارتباط لبعضها ببعض كل جملة مستقلة بنفسها، أو الخبر بانفرادها؛ صدق بها أشهد لها به لا ارتباط له بما أشهدهما به لغيرهما، وإن أشهدهما على كتاب كتبه بلفظ واحد؛ لم يتبعض، فردت الشهادة فى الجميع، وإن كان ما يخص الشاهد يسيرا، ففى صحتها واو فيما يخصه وسقوطها مطلقا ثالثها: لغيره دونه ثلاث روايات أولاها لها.
وفيها: ليحيى بن سعيد: من شهد لرجل بوصية أوصى له فيها بشئ؛ جازت لغيره دونه إن شهد واحده، وإن شهد معه غيره؛ جازت لهما.
المازرى: أطلقه فى كون الشاهد قليلا أو كثيرا، فتأول سحنون قوله على أن الشاهد يأخذ ما يختص به إذا شهد معه غيره دون يمين، وهذا خلاف الأصول من أن المدعى يأخذ دعواه؛ لكنه مطابق لقولها بإمضاء شهادته لنفسه ولغيره، وقول يحيى على تأويل سحنون متناف؛ لأنه إذا أخذ حقه مع شهادة غيره دون يمين؛ وجب أخذه وصيته بشهادته وحده، إلا أن يقال شهادة غيره معه نفت تهمته، وانسحب استثقال الشهادة لغيره على وصيته، فإن انفرد؛ لم يصح أن يقضى له بشهادته له مع يمينه هذا أقرب ما يعتذر به.
قلت: وعبر اللخمى عن تعقبه تأويل سحنون بقوله: هذا قول مخالف للأصول، وليس يأخذ أحد لنفسه بشهادته.
قال المازرى: على أن تأويل سحنون لم يسلمه بعض الأشياخ، فذكر قول ابن محرز إثر ذكره تأويل سحنون قول يحيى بن سعيد، والذى يجرى على ألسنة المذاكرين أن معنى قوله: إن كان وحده؛ جازت شهادته لغيره، أى: مع يمين القائم بشهادته، ولا يأخذ هو شيئا؛ إذ لا يصح أن يأخذ شيئا بدعوى نفسه، وإن كان معه غيره؛ جازت
لغيره بلا يمين؛ لأنه حصل على حقه شاهدان، وجازت له بيمينه؛ لسقوط شهادته لنفسه، فيحلف مع الشاهد الآخر.
اللخمى: اختلف إن شهدا بدين لهما فيه يسير، فقال فى كتاب محمد: تمضى.
وفيها لمالك: من شهد فى ذكر حق له فيه شئ؛ لم تجز له ولا لغيره.
وفى المجموعة: لأن أحدهما لا يأخذ منه شيئا حتى يدخل عليه صاحبه، ولو اقتسماه قبل الشهادة؛ جازت شهادته، فعلى هذا تجوز شهادته فى الوصية لغيره، ولو كثر حظه منها إذا كانت الوصية بشيئين مثل أن يوصى له بعبد ولآخر بثوب؛ لأنه لا يدخل أحدهما على الآخر، وهى كشهادتين؛ فلا ترد شهادته للأجنبى، وإن قال: إنما أقصد بالشهادة للأجنبى لا لنفسى؛ لأنها لا تجوز، وذكرت ما أوصى لى به لأؤدى المجلس حسبما كان أبين أن لا ترد للأجنبى، وإن كان جميع الوصية لعبد أو دار رد جميعها؛ لأنه لا يخلص للأجنبى شئ إلا دخل عليه الشاهد فيه.
قلت: فى دخول من سقطت شهادته على من صحت له فى العبد أو الدار فى حظه منه نظر؛ إذ لا موجب لشركتهما؛ إذ لو باع أحدهما حظه منه؛ لم يدخل عليه الآخر بحال بخلاف الدين لشركتهما فيه ضرورة دخول أحدهما على صاحبه فيما أخذه من الغريم عوضا عن حظه من دينه عليه، كما لو ثبت رجوع الموصى عن وصيته لأحدهما دون الآخر؛ لو يرجع من سقطت وصيته على من بقيت له.
المازرى: فعلى كون الدين كالوصية لا سواه، وعلى المعروف فى الفرق بينهما طريقان:
الأولى: أن الموصى به بالموت ضعف ملك مالكه؛ لأنه للميت بالموت سقط ملكه إياه، ونقله لوارثه يضعفه معارضة الوصية إياه، فقيل فيه: شهادة من ضعفت تهمته، وبراءة الذمة لا موجب لضعفها، فلفوتها سقطت معارضتها بشهادة من ضعفت تهمته.
الثانية: أن الوصية يخشى فوتها، فاكتفى فيها بشهادة من ضعفت تهمته كشهادة الصبيان، وهو موجب رعى القول بقبول الكافر فيها.