الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباجي: إن ادعى المودع تلف الوديعة، وادعى المودع تعديه عليها صدق المودع إلا أن يتهم فيحلف، قاله أصحاب مالك.
قال ابن عبد الحكم: فإن نكل ضمن، ولا ترد اليمين هنا.
ابن رزقون: وفي توجيه يمين الاستحقاق على المستحق أنه ما باع، ولا وهب، ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه على البت كان المستحق ربعا أو غيره، ثالثها: إن كان المستحق غير ربع للمشهور، وابن كنانة، وبعض شيوخ ابن أبي زمنين، وهذا الخلاف على قولي المدونة في استحقاق بعض الورثة داراً من سبب مورثه، فبقول ابن القاسم يقضى لهذا القائم بحصته فقط، وعلى القول أنه لابد من يمين المستحق، وقول مالك وأشهب تنزع الدار من المطلوب لبقية الورثة على أنه لا يحلف على استحقاق الربع، وقول ابن كنانة: إنما يصح والمطلوب حاضر لا يدعي شيئاً، فإن غائباً فما أراه يقول ذلك.
[باب الخلطة]
الخلطة: حالة ترفع بعد توجه الدعوى على المدعي عليه لا لسوء غرضه،
فتخرج حالة توجه دعوى السرقة والعداء.
المازري: قال المتقدمون كابن القاسم: الخلطة أن يبايع إنسان إنساناً بالدين مرة واحدة، أو بالنقد مراراً، وقال البغداديون من أصحابنا: إنما المعتبر كون الدعوى تشبه.
قال القاضي عبد الوهاب: من أصحابنا من قال: هي أن تكون الدعوى تشبه أن يدعى بها على مثل المدعي عليه.
وقال بعضهم: هي أن يشبه أن يعامل المدعي المدعي عليه في مثل ما ادعى عليه به، وهذان الحدان متقاربان، أحدهما راعى الشبه في جنس المدعي فيه، والآخر راعاه في جنس المدعي والمدعي عليه والمدعي فيه، والتحقيق اعتبار قرائن الأحوال في النوازل ولابن رشد في سماع أصبغ قوله في هذا السماع المبايعة الواحدة ليست بخلطة حتى يبايعه مرة ومرة، وفي سماع يحيى من الشهادات ما ظاهره أن المعاملة الواحدة خلطة، وقيل: معنى رواية يحيى أنها مضافة لمعاملة قبلها، ولا أقوال أنها مخالفة ولا مفسدة، بل معنى هذا السماع أنهما قابضاً وتناجزاً، وسماع يحيى على أن المعاملة بالدين والمبايعة بالنقد مع التناجز ليست خلطة وبالدين خلطة، وبالنقد دون مناجزة في شهادات المدونة أنها ليست بخلطة، وفي الموازية أنها خلطة قال: وثبوتها بما ثبتت الحقوق من شاهدين أو شاهد وامرأتين، وفي ثبوتها بشاهد واحد، ثالثها: مع اليمين، ورابعها: شاهد وامرأة لهذا السماع مع نوازل سحنون، وابن كنانة مع ابن القاسم أيضاً، وابن
نافع، وسماع حسين بن عاصم.
الباجي عن المغيرة وسحنون: لا تثبت بين أهل الأسواق حتى يتبايعوا، والاجتماع بالمسجد للصلاة، والأنس، والحديث لا يثبتها، وفي الموطأ أن عمر بن عبد العزيز كان إذا جاءه الرجل يدعي حقاً على رجل آخر، فإن كان بينهما مخالطة أو ملابسة أحلف المدعي عليه.
قال مالك: وعليه الأمر عندنا، ومثله في كتاب ابن سحنون.
قال سحنون: حدثني ابن نافع عن حسين بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" إذا كان بينهما خلطة.
قال أبو عمر: ليس في شيء من الآثار المسندة اعتبار الخلطة.
ابن رشد في سماع أصبغ مذهب مالك، وكافة أصحابه الحكم بالخلطة.
قلت: ومثله عمل القضاة عندنا عليه، ونقل لي شيخنا ابن عبد السلام عن بعض القضاة أنه كان لا يحكم بها إلا إن طلبها منه المدعي عليه.
الباجي: إن كانت الخلطة بتاريخ قديم، وانقطعت، فقال أصبغ وسحنون: حكمها باق، وقال محمد: لا يحلف إلا بخلطة ثانية مجددة، وإن قضى عليه بمائة اليوم أقام عليها بينة ثم ادعى عليه من الغد بحق آخر، فلا يمين عليه بسبب تلك الخلطة لانقطاعها حتى يثبت خلطة، ثم ينقطع أمرها.
عبد الحق عن أصبغ: خمسة يجب عليهم الإيمان دون خلطة: الصائغ والمتهم بالسرقة، ومن قال عند موته: لي على فلان دين، ومن يمرض في الرفقة فيدعي أنه دفع ماله لرجل، ولو كان المدعي عليه عدلاً غير متهم، ومن ادعى عليه رجل غريب نزل بمدينة أنه استودعه مالاً، وكذا نقلها ابن سهل، ونقلها ابن رشد غير معزوة
كأنها المذهب.
الباجي: عن يحيى بن عمر: الصناع تتعين عليهم اليمين لمن ادعى عليهم في صناعتهم دون خلطة، لأنهم نصبوا أنفسهم للناس، يلزمه مثله في تجار السوق.
قال اللخمي في الصانع: هذا إن ادعى المدعي ما يشبه أن يتجر به أو لباسه أو لباس أهله، وإلا لم يحلفه، ويراعي في الوديعة ثلاثة أوجه: أن يكون المدعي يملك مثل ذلك جنساً وقدراً، وثبوت ما يوجب الإيداع ليس الغالب من المقيم ببلده أن يودع ماله إلا لسبب خوف أو طلب سلطان أو سفر بخلاف الطارئ، وأن يكون المدعي عليه ممن يودع مثل ذلك.
عبد الحق: قال بعض شيوخنا: لا تعتبر الخلطة في الأشياء المعينة إلا مثل أن يعرض رجل سلعته في السوق للبيع، فيقول رجل: بعتها مني هذا تجب فيه اليمين، وقيل: تجب وإن لم تكن خلطة، وهذا عندي أبين، وعزاه الصقلي لابن مناس، وبعض القرويين.
قال يحيى بن عمر: وعليه تدل مسائلها في الشفعة منها إن أنكر المشتري الشراء، وادعاه البائع تحالفا، وفي سرقتها إن ادعى السارق شراء السرقة حلف له ربه، وفي القذف إذا ادعى شراء الأمة التي شهد عليه بوطئها حلف ربها، ولم يشترط في ذلك خلطة، وقال بعض شيوخنا: الخلطة معتبرة في المعينات، وغيرها إلا مثل أن يعرض الرجل سلعتها في السوق للبيع، فيأتي الرجل، ويقول: بعتها مني فيحلف دون خلطة.
وفيها: من أقامت بيده دار سنين ذوات عدد يحوزها، ويمنعها، ويكريها، ويهدم ويبنى فأقام رجل بينة أنها له أو لأبيه أو جده، وثبتت المواريث، فإن كان حاضراً يراه يبني، ويهدم ويكري فلا حجة له، وإن كان غائباً، ثم قدم فقد تقدم الجواب فيها.
ابن القاسم: وكذا من حاز على حاضر عروضاً أو حيواناً إذا كانت الثياب تلبس وتمتهن والدواب تركب، والأمة توطأ، ولم يحد لي مالك في الحيازة في الربع عشر سنين ولا غير ذلك.
قال ربيعة: حوز الحاضر عشر سنين تقطع دعوى الحاضر إلا يقيم بينة أنه إنما
أكرى أو أسكن أو أعار ونحوه، ولا حيازة على غائب.
قال بن رشد في رسم يسلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق: الحيازة لا تنقل الملك عن المحوز عليه للحائز اتفاقاً لكنها تدل على الملك كإرخاء الستر، ومعرفة العفاص، والوكاء، فيكون القول قول الحائز مع يمينه لقوله صلى الله عليه وسلم:"من حاز شيئاً عشر سنين فهو له" واختلف إن كان الحائز وارثاً.
قيل: هو كمورثه في مدة الحيازة، وأنه لا ينتفع بها دون أن يدعي الوجه الذي تصير به إلى موروثه، قاله مطرف وأصبغ، وقيل: مدته في الحيازة أقصر، وليس عليه أن يسأل عن شيء، لأنه يقول: ورثت ذلك، ولا أدري ما يصير ذلك إليه، وهو ظاهر سماع عيسى ابن القاسم، وقول ابن الماجشون: وهو أبين والمدة ينبغي أن يستوفي فيها الوارث والموروث، وتضاف مدة حيازة أحدهما للآخر، واختلف على القول بأن العشرة الأعوام ليست بحوز، ولو مع الهدم، والبنيان إن طالت مدة يبيد فيها الشهود، وهي العشرون عاماً على اختلاف في ذلك، فقيل: القول قوله في البيع والهبة والصدقة، وهو سماع عيسى ابن القاسم في القسمة، وقيل في البيع فقط لا في الهبة، والصدقة والنزول، وهو سماع عيسى ابن القاسم في هذا الكتاب، وأضعف الحيازة حيازة الأب على ابنه وابنه عليه فحيازة أحدهما على الآخر بالسكني، والازدراع لغو وهي أضعف وجوه الحيازة، ومعتبرة بالتفويت بالبيع والهبة والصدقة والعتق والتدبير والكتابة اتفاقاً فيهما، وفي لغوها بالهدم والبناء والغرس، وهي المرتبة الثانية في الحيازة قولان:
أحدهما: لا حيازة له بهما، قاله مالك في هذه الرواية، والمشهور، يريد: إلا أن يطول الأمر جداً لما تهلك فيه البينات، وينقطع فيه العلم.
والثاني: أنها حيازة قام عليه في حياته أو على سائر ورثته في مماته، وهو قول ابن دينار في كتاب الجدار، والواضحة، وقول مطرف:(وحوز الأقارب الشركاء بإرث وغيره)، وهي الموالية في الضعف لحوز الأب على ابنه، وعكسه لا تكون بالسكنى،
والازدراع اتفاقاً، إلا على ما تأوله بعضهم على قوله في المدونة، وهذا من وجه الحيازة التي أخبرتك من أنه لا فرق في الحيازة بين الأقارب والأجنبيين، وهو بعيد، وتكون بالتفويت بالبيع والهبة والصدقة والعتق والكتابة والتدبير والوطء، وإن لم تطل المدة اتفاقاً على الجملة، وتفصيل ذلك أنه إن فوت الكل بالبيع، والمحوز عليه حاضر للصفقة فسكت حتى انقضى المجلس لزمه بيع حصته وله ثمنها، وإن سكت بعد انقضاء المجلس حتى مضى العام ونحوه، استحق البائع الثمن بالحيازة مع يمينه أنه انفرد به بالوجه الذي يذكر من ابتياع أو مقاسمة أو شبه ذلك، وإن لم يعلم بالبيع إلا بعد وقوعه، فقام حين علم أخذ حقه، وإن لم يقم إلا بعد العام ونحوه لم يكن له إلا الثمن، وإن لم يقم حتى مضت مدة أخذه لم يكن له شيء، واستحقه الحيازة بما ادعاه لحيازته إياه، وإن فوته بالهبة والصدقة أو العتق أو التدبير، فإن كان حاضراً وسكت حتى انقضى المجلس فلا شيء له، فإن لم يكن حاضراً، وقام حين علم فهو على حقه، وإن لم يقم إلا بعد العام ونحوه فلا شيء له، وإن فوته بالكتابة تخرج على الخلاف في الكتابة هل تحمل محمل البيع أو العتق، وكذا إن حاز الكل بالوطء، والاتخاذ بعلم المحوز عليه من الورثة فهي حيازة، وإن لم تطل المدة، فإن حاز بشيء مما ذكرناه الأكثر، فالحكم فيه على ما تقدم، ويختلف في الباقي على قولين: أحدهما: أنه تبع للأكثر يستحقه مع يمينه على ما ادعاه، وهو سماع يحيى ابن القاسم إلا أنه لم يذكر اليمين.
والثاني أنه لا يكون تبعاً فيكون للمحوز عليه حقه بعد يمينه على تكذيب صاحبه في دعواه، وهو ظاهر سماع سحنون ابن القاسم إذ لم يفرق فيه بين قليل وكثير بحيازته، فحمله الشيوخ على الخلاف لسماع يحيى، وإن حاز بشيء مما ذكرناه الأقل، فقيل: يستحقه بحيازته ويكون تبعاً لما لم يحز يأخذ المحوز عليه حقه فيه إن كان عبداً فأعتق كان له قيمة حظه على الذي أعتقه، وإن بيع كان له حظه من الثمن الذي بيع به، وإن وهب أو تصدق أخذ حظه منه إلا أن لا يجده، فيكون له قيمة حظه منه على الذي وهب
أو تصدق، وهو سماع يحيى ابن القاسم، وإن فوت بشيء من ذلك النصف أو ما قاربه لم يكن ذلك بعض تبعاً لبعض، فاستحق الحائز ما حاز منه، وما لم يحز بينهما على الإرث، ويحتمل أن يؤول سماع سحنون على أن الذي حازه الوارث بهذه المعاني متناصف أو متقارب فلذلك قال: لا يكون القليل تبعاً للكثير لا فيما حاز، ولا فيما لم يحز، فلا يكون على هذا سماع سحنون مخالفاً لسماع يحيى، ولا يكون خلافاً في أن القليل تبع للكثير لا فيما حاز، ولا فيما لم يحز، فلا يكون على هذا سماع سحنون مخالفاً لسماع يحيى، ولا يكون خلافاً في أن القليل تبع للكثير فيما حيز، وما لم يحز على ما في سماع يحيى، وهو أولى مما حمله عليه الشيوخ من الخلاف، وكذا القول فيما حازه الوارث على وارثه بالهدم والبناء أو الاستغلال العشرة الأعوام على أنها حيازة بين الورثة يختلف هل يكون القليل تبعاً للكثير فيما حيز، وما لم يحز على ما ذكرناه، ولا فرق في حيازة الوارث على وارثه بين الرباع والأصول والثياب والحيوان والعروض إنما يفترق ذلك في حيازة الأجنبي مال الأجنبي بالاعتمار والسكني والازدراع في الأصول والاستخدام والركوب واللباس في الرقيق والدواب والثياب.
قال أصبغ: السنة والسنتان في الثياب حيازة إن كانت تلبس وتمتهن، والسنة والسنتان حيازة في الدواب إن كانت تركب، وفي الإيماء إن كن يستخدمن، وفي العبيد والعروض فوق ذلك، ولا يبلغ في شيء من ذلك كله بين الأجانب إلى عشرة أعوام كالأصول.
قال: وما أحدثه الحائز الأجنبي فيما عدا الأصول من بيع أو عتق أو تدبير أو كتابة أو صدقة أو إصداق أو وطء بعلم مدعيه أو بغير علمه، ولم ينكر حين بلغه استحقه الحائز بذلك هذا كله معنى قول أصبغ دون نصه، واختلف قول ابن القاسم في حيازة الشركاء بالإرث بعضهم على بعض بالهدم والبناء، فقال مرة: العشر سنين في ذلك حيازة، ومرة قال: لا إلا أن يطول ذلك أزيد من أربعين سنة كالأب على ابنه، وهو عليه وقع اختلاف قوله في سماع يحيى.
وحيازة بعض القرابة على بعض فيما يشرك بينهم فيه، جعلهم ابن القاسم مرة كالقرابة الأشراك فرجع عن قوله إن الحيازة بينهم في العشرة الأعوام الهدم والبناء، إلا
أنه لا حيازة بينهم في ذلك إلا مع الطول الكثير، ومرة يراهم بخلاف القرابة الأشراك فلم يرجع عن قوله: الحيازة بينهم في العشرة الأعوام مع الهدم والبناء، وهو دليل قوله في سماع يحيى، ثم رجع ابن القاسم فيما يحوزه الوارث على اشتراكه بالهدم والبناء، لأن فيه دليلاً أنه لم يرجع عن قوله فيما سواهم من الموالي والأصهار والقرابة الذين لا شرك بينهم، فيتحصل فيهما ثلاثة أقوال:
أحدهما: العشرة الأعوام مع الهدم والبناء حيازة فيهما.
والثاني: ليست حيازة فيهما إلا مع طول المدة.
والثالث: الفرق بينهما.
وحيازة: الموالي والأصهار والأختان فيما لا شرك بينهم فيه، فمرة جعلهم ابن القاسم كالأجنبيين تكون الحيازة بينهم بالعشرة الأعوام دون هدم وبناء، وهو سماع عيسى ابن القاسم في هذا الكتاب، ومرة جعلهم كالقرابة الذين لا شركة بينهم، فيتحصل فيهم ثلاثة أقوال:
أحدهما: كون الحيازة بينهم في العشرة الأعوام، وإن لم يكن هدم ولا بناء.
والثاني: لا تكون بينهم في العشرة الأعوام إلا مع الهدم والبناء.
والثالث: لا تكون الحيازة بينهم بالهدم والبناء إلا أن يطول الزمان جداً.
والأجنبييون الأشراك: لا حيازة بينهم في العشرة الأعوام إن لم يكن هدم ولا بناء، ويكون فيها مع الهدم والبناء، ولا يدخل في ذلك اختلاف قول ابن القاسم المذكور في سماع يحيى بدليل قوله فيه بين الورثة فخص، وقيل: يدخل فيه اختلاف قوله، وهو تأويل عيسى بن دينار في كتاب الجدار: وحيازة بعض الأجنبيين على بعض فيما لا شركة بينهم فيه، فالمشهور أن الحيازة بينهم في العشرة الأعوام، وإن لم يكن هدم ولا بناء.
وفي كتاب الجدار لابن القاسم: لا تكون حيازة إلا معها، ورواه حسين بن عاصم عنه، ودليل ما في رسم إن خرجت من سماع عيسى من هذا الكتاب، ويشهد لهذا قول عبد الرحمن بن عوف في الموطأ في الأرض التب مكثت في يد أبيه سنين فما كنت أراها
إلا لنا من طول ما مكث في يده، وصدر الشيخ باب الحيازة بتقريره أن مدلول عوائد الناس كالإقرار.
قلت: ومسائل المدونة واضحة به، وتقدم الكلام على اعتبار العادة الفعلية والقولية في كتاب الإيمان والنذور، فلذا قال ابن شاس في أثناء الحيازة مستدلاً على اعتبارها بقوله: لأن كل دعوى ينفيها العرف، وتكذبها العادة مرفوضة، قال الله تعالى:"وامُرْ بِالْعُرْفِ"] الأعراف: 199 [، وأوجب الشرع الرجوع إليه عند الاختلاف في الدعاوي كالنقد الحمولة والسير والأبنية ومعاقد القمط، ووضع الجذوع على الحائط.
وفي تحديد مدة الحيازة بعشر أو سبع، ثالثها: لا تحديد بمدة بل باجتهاد الإمام للشيخ عن ابن القاسم مع ابن وهب وابن عبد الحكم واصبغ وابن القاسم قائلاً: وما قارب العشرة مثلها، وسمعه يحيى.
قال ابن رشد: يريد بما قرب منها بالشهر والشهرين والثلاثة، وما هو ثلث العام فأكثر، وقيل: بالعام والعامين، ولابن سحنون عنه من أقام بينة أن قناته تجري على جاره مقدار سنة، فليس بحوز، ولو جرت عليه أربع سنين كانت حيازة.
قال: ومن لهما داران بينهما زقاق مسلوك بإحداهما كوة يرى منها ما في دار الآخر فبني جاره في داره غرفة، وفتح كوة قبالتها، فطلب صاحب القديمة سدها عليه فطلب الآخر سد القديمة، وهي منذ خمس سنين حلف صاحب الحديثة ما تركها إلا على معنى الجوار، وتسد الكوتان.
قلت: جوابه هذا خلاف جوابه في القناة، ولم يتعرض الشيخ، ولا الصقلي بمنافاته إياه، وقد يفرق بينهما بأن في الاطلاع حقاً لله بخلاف القناة.
الشيخ عن أصبغ: روى ابن كنانة وأما الدين يقيم عليه الزمان الطويل، فلا حوز فيه، ولا ينقطع بذلك ملكه.
قلت: ولابن أبي زمنين في اختلاف المتبايعين عن أصبغ إذا كان القول قول البائع في عدم قبضه الثمن، فالقول قوله ما لم يطل الزمان كثلاثين سنة، وكذا الديون، وإن عرف أصلها، ومن هي له، وعليه حاضر لا يقوم بدينه إلا بعد هذا الزمان، فيقول له:
قضيتك وباد شهودي.
قلت: لعل رواية ابن كنانة فيما ذكر حق الدين باق بيد ربه، وقول أَصْبَغ فيما لم يكن باقيًا بيده، وإلا فهو خلاف.
الشَّيخ عن أَصْبَغ: الغيبة علي مثل تسعة أيام ونحوها بعد، وما دونها قرب.
قلتُ: ووقع في سماَع يحيى تمثيل الغيبة البعيدة بالأندلس من مصر، وانظر ما تقدم في القرب والبعد في الحكم علي الغائب، ومن قرب كمن هو على أربعة أيام أو ثمانية في كونه بعلم الحوز عليه كقريب أو كبعيد الغيبة قولا ابن القاسم في سماعه عيسى أولًا، وثانيا قائلا: للناس أعذار في عدم القيام في مثل بعد الثمانية الأيام، وإن لم تعرف.
ابن رُشْد: حكى عيسى في كتاب الجدار قولى ابن القاسم، قال: وأحب إلي أن يكون علي قوله إلا أن يقدم وحقه في يد من حازه في غيبته، فعلم بذلك ثم رجع، ولم يذكر شيئًا حتى قام اليوم، وقد طال الزمان بعد أن علم فهو كالحاضر.
ابن رُشْد: وهذا الخلاف في القريب إنما هو إذا علم، وإن لم يعلم فلا حيازة عليه، وإن كان حاضرًا غير أنه في القريب محمول علي غير العلم حتى يثبت عليه، وفي الحاضر محمول على العلم حتى يتبين أنه لم يعلم، والقريب الذي فيه هذا الاختلاف ما كان على مسيرة ثمانية أيام ونحوها، والبعيد مثل الأندلس من مصر أو مصر من المدينة على ما في رسم الأقضية من سمَاع يحيى ابن القاسم.
الشيخ لابن سَحنون عنه: من أدخل من زقاق المسلمين شيئًا في داره، ولم يرفع ذلك إلى الحاكم إلا بعد عشرين سنة هدم ورد إلى الزقاق، ولا تملك الأزقة، ولا تحاز.
قال: وما أحدث في طريق المسلمين من كنف وحمامات، ولم يرفع ذلك إلى الحاكم إلا بعد عشر سنين فلا حوز فيه إلا أن يأتي من ذلك أمر قديم كستين سنة ونحوها فيترك؛ لأنه لا يعلم بأي وجه وضع، وتقدم الكلام في توجه يمين التهمة، فانظر الشَّيخ في كتاب ابن سَحنون: من ادعى على رجل جرحًا عمدًا أو خطأ، ولم يأت ببينة حلف المدعى عليه؛ يريد: إن كان لطخ، فإن حلف برئ، وإن نَكَل اقتص منه، وقال بعض العلماء: لا يقتص منه.
اللخمي: من ادعى على رجل أنه جرحه، فإن أتى بأثر الجرح، وهو متعلق به كان لطخًا وسجن، وإن ادعى ذلك عن يوم فرط لم يسجن إلا أن يأتي بلطخ.
وسمع أشهب: من أتى بشاهد واحد على رجل أنه شتمه لم يحلف في هذا مع الشاهد، فإن كان الشاتم معروفًا بالشتم والسفه عزر. قيل له: أترى على المدعى عليه يمينًا قال: نعم، ولعساني أن أكون أراه، ولكن ليس كل ما رأى المرء أراد أن يجعله سنة يذهب بها إلى الأمصار.
ابن رُشْد: تفسير قول مالك أنه إن لم يكن المدعي عليه معروفًا بالشتم استحلف إلا أنه ضعف اليمين بقوله: (ولعساني وأن أكون
…
إلخ)، والأظهر على أصولهم إيجاب اليمين فتضعيفها ضعيف، وقيل: يستحلف المدعى عليه إن كان للمدعى شاهد على دعواه عرف بالشتم والسفه أو لم يعرف بذلك، وهو ظاهر ما في رم الشجرة من سمَاع ابن القاسم من كتاب الحدود، وما في رسم الحدود من سمَاع أَصْبَغ منه، فإن حلف برئ، وإن نَكَل ففي سمَاع ابن القاسم المذكور يسجن أبدًا، حتي يحلف، وفي سمَاع أَصْبَغ المذكور إن طال سجنه جدَّا أو لم يحلف خلي سبيله ولم يؤدب، وقال أَصْبَغ: إن كان معروفًا بالأذى والفحش أدب، وإلا فأدبه حبسه الذي حبس، فهذه الرواية موافقة لما في السماعين المذكورين من كتاب الحدود من أن المدعي لا يحلف مع شاهده مخالفة لما فيهما من إيجاب اليمين على المدعى عليه على ضعفه في حال دون حال، وقيل: يحلف مع شاهده، ويحد له، قاله مُطَرِّف، وهو شذوذ، وتخرج فيهما قول ثالث أنه لا يحلف معه في الفرية، ويحلف معه فيما دونها من الشتم الذي يجب فيه الأدب.
وكذا اختلف في القصاص من جراح العمد بالشاهد مع اليمين في ثبوته به وعدمه مطلقًا، ثالثها: قصره على ما صغر منها دون ما عظم كقطع اليد لمالك في أقضيتها، وابن القاسم في شهادتها، وابن الماجِشُون مع روايته، واختيار سَحنون، وكذا اختلف إن لم يأت المدعي بشاهد، ولا سبب على دعواه في الشتم أو جراح العمد على ثلاثة أقوال:
أحدها: لا حلف علي المدعى عليه، وهو سمَاع ابن القاسم في كتاب الحدود، قاله في الفرية.
والثاني: عليه اليمين، قاله مالك في رسم العقول من كتاب الجنايات.
والثالث: لا يمين عليه إلا أن يكون مشهورا بذلك، وهو سمَاع أَصْبَغ ابن القاسم من الجنايات، فإن حلف علي رواية أشهب أو رواية أَصْبَغ إن كان مشهورًا بذلك برئ، وإن نَكَل سجن حتى يحلف ما لم يطل، فإن طال خلى سبيله، ولم يؤدب، وقال أَصْبَغ: إنه يؤدب إن كان معروفًا بالأذى علي أصله قال: وإن كان مبرزًا في ذلك؛ أي مشتهرًا به مبرزًا فيه جلد في السجن.
وفيها: إن حلف المطلوب، ثم وجد الطالب بينة، فإن لم يكن علم بها قضى له بها، وإن استحلفه بعد علمه ببينته تاركًا لها، وهي حاضرة أو غائبة فلا حق له، وإن قدمت بينته.
عياض: قوله: تاركًا لها هذا الترك عند أكثرهم هو ترك القيام بها مع علمه، ويدل عليه قوله: قيل في الحاضرة، وقال آخرون: لا يكون تركًا إلا بتصريحه بترك القيام بها.
قال فضل: ولو حلفه، ولم يذكرها، وعلم بعلمه بها، فقدمت فإن كانت حين حلفه بعيدة الغيبة بحيث لو رفعه للحاكم قضى له باليمين، ولم ينتظرها قضي له الآن بها، ونحوه لابن حبيب، وهذا يدل على صحة التأويل الثاني.
قال أبو إبراهيم: سقط تاركًا في بعض المواضع، فقيل: اختلاف.
الشَّيخ في كتاب ابن سَحنون: روى ابن وَهْب أن عمرًا رضي الله عنه ادعى عنده يهودي على مسلم فدعاه بالبينة، فقال: ما حضر في اليوم بينة فأحلف المطلوب، ثم جاء المدعي بعد ذلك بالبينة فقضي كمن بينته بعيدة الغيبة.
ابن سَحنون: روى ابن نافع إن أحلف وبينته حاضرة، وهو عالم بها فله القيام بها، وقاله أشهب في غير كتاب، وقاله آخر المسألة.
قال سَحنون: والقول قول صاحب الدين أنه لم يعلم ببينته صح في كتاب ابن
سهل لأحمد بن خالد، وابن أنس عن ابن وضاح لا عند غيرهم، ولا في كتاب ابن عتاب، وهو صحيح على الأصل.
قلتُ: قول أشهب هو سماعه في كتاب المديان.
ابن رُشْد: مثله في الموازيَّة لرواية ابن عبد الحَكم، وفي الثمانية للأخوين، وزاد ابن الماجِشُون أنه أثم حين أحلفه على الباطل، وبينته حاضرة يعلمها، وللأخوين في الواضحة خلاف قولهما في الثمانية مثل ما في المدَوَّنة.
الشَّيخ لابن حبيب عن الأخوين، وابن عبد الحَكم، وأَصْبَغ في المدعى عليه يحلفه المدعي حين لم يجد بينة، ثم أتى المدعي بشاهد، وأراد أن يحلف معه فليس له ذلك؛ لأنه لا تسقط يمين قد درئ بها حق بشاهد، ويمين، ولكن بشاهدين، وذكرها الصقلي، ولم يذكر فيها خلافًا، وذكرها اللخمي، وقال: قال ابن القاسم وغيره: يحلف مع الشاهد ويستحق، وقال ابن كنانة في الواضحة: ليس ذلك له، وعلله بما تقدم.
وسمع ابن القاسم: من اقتضى غريمه حقه فجحده بعضه وقال: إنما لك علي مائة دينار، وقال الطال: بل مائتا دينار وضاع كتابي، ولا أحفظه، وأشهدت عليك فصالحه على أن زاده على المائة وحطه من المائتين، ثم وجد كتابه بأسماء شهوده، فقام به، فإن عرف هذا من قوله فله نقض الصلح، ويغرم له بقيَّة حقه.
ابن رُشْد: قوله: إن عرف هذا منه؛ أي: عرف قوله قبل الصلح أن له ذكر حق وضاع، وما يعرف شهوده، ودليله إن لم يعرف ذلك منه لم ينتقض الصلح، وهو خلاف قولها في كتاب الصلح إذا صالحه، ولا يعرف له بينة أن له القيام ببقيَّة حقه إذا وجد بينة مثل قول مالك في كتاب الجدار، ويحتمل أن يكون معني قوله إذا عرف هذا من قوله رجع ببقيَّة حقه دون يمين، وإن لم يعرف ذلك منه فعليه اليمين أنه إنما صالحه، وكتابه قد ضاع، ولا يعرف شهوده فلا يكون هذا السماع خلاف ما في المدَوَّنة؛ بل يكون مفسرًا لها في إيجاب اليمين، وقرن في كتاب الجدار بين المسألتين، فيتحصل في نقض الصلح بالرجوع عليه في مسألتي وجود ذكر الحق والعثور علي البينة وعدم نقضه، ثالثها: في مسألة وجود ذكر الحق، ويحتمل حمل هذا السماع على ظاهره أنه ليس بخلاف
لما في المدَوَّنة، وإنما فرق بين المسألتين فيأتي على هذا التأويل، وهو تأويل ظاهر قول رابع: وهي التفرقة بعكس ما في كتاب الجدار، ولا خلاف أنه إن صالحه، ثم أقر له بحقه أن له الرجوع، ولا في أنه إن صالحه، وله بينة غائبة قريبة الغيبة يعلم بها أنه لا رجوع له عليه إذا قدمت بينته، واختلف إن كانت بعيدة الغيبة فاستحلفه أو صالحه، ثم قدمت بينته في صحة قيامه بها فيهما، ثالثها: في استحلافه لا في صلحه، وهذا قولها، ولم يُحَدّ ابن رُشْد القرب والبعد، وكأنه اكتفى بما تقدم في الحكم على الغائب.
وفيها: أولًا إن كانت بينته قريبة الغيبة على مثل اليومين والثلاثة، لم يحلفه إلا على إسقاطها.
وقال في باب الذي يدعي العبد في يد رجل أن الخمسة الأيام والسبعة والجمعة قريبة، وتقدم نحو هذا في فصل الحيازة، وفي فصل نقل الشهادة؛ فتذكر ذلك، وما به الترجيح في قياس الشبه.
[حفظ الدماء وموجب جناياتها]
روى مسلم عن أبي بكر عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان))، ثم قال:((أي شهر هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال:((فأي بلد هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال:((أليس هذا البلدة الحرام؟)) قلنا: بلى، قال:((فأي يوم هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال:((أليس يوم النحر؟)) قلنا: بلى يا رسول الله، قال:((فإن دماءكم وأموالكم)) قال: وأحسبه قال: ((وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه يكون له أوعي من بعض من سمعه))، ثم قال:((ألا هل بلغت؟))، وفي أخرى:(وأعراضكم من غير شك)).
ابن رُشْد: عمد قتل المسلم عدوانا كبيرة ليس بعد الشرك أعظم منه، وفي قبول التوبة منه وإنقاذ وعيده مذهب الصحابة، وإليه ذهب مالك لقوله: لا تجوز إمامته.
قُلتُ: لا يلزم منه عدم قبول توبته لعدم علم رفع سابق جرئته، وقبول التوبة أمر باطن، وموجب منصب الإمامة أمر منه ظاهر.
وقال في سمَاع عيسى: قول مالك ليكثر العمل الصالح والصدقة والحج والجهاد، ويلزم الثغور من تعذر القود منه دليل على الرجاء عنده في قبول توبته خلاف قوله: لا تجوز إمامته.