الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتفاضل وذهب شيخ الإسلام كأبي حنيفة إلى الجواز فوزع الأفراد على الأفراد فصار الدرهم يقابل درهما من غير زيادة والمد يقابل الدرهم الآخر فجعلت المماثلة والتساوي في الجنس وهو مشكل والله أعلم
الرسالة الثالثة والعشرون
…
بسم الله الرحمن الرحيم
"23"
من عبد الرحمن بن حسن إلى الأخ جمعان منحه الله من العلوم أنفعها ومن الفضائل أرفعها آمين:
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد وصل إلينا كتابك فاستبان به مرامك وخطابك وسررنا به غاية السرور جعله الله تعالى من مكاسب إلا جور وقد سألت فيه أمدك الله عن اثنتي عشرة مسئلة0
" أولها " قول العلماء رضي الله عنهم فيمن حرم زوجته الخ
" فالجواب" وبالله التوفيق ومنه استمد العون والتحقيق تحريم الزوجة ظهار ولو نوى به طلاق أو يمينا نص عليه إما منا رحمه الله: في رواية الجماعة وهو المذهب ونقل عنه ما يدل على أنه يمين وفاقا للثلاثة رحمهم الله تعالى وجزم شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات والفتاوى المصرية في باب الظهار بالأول لكن قال ابن القيم رحمه الله: في الإعلام إنه إن وقع التحريم كان ظهارا ولو نوى به الطلاق وإن حلف به كان يمينا مكفرة وهذا اختيار شيخ الإسلام وعليه يدل النص والقياس فإنه إذا أوقعه كان قد أتى منكرا من القول وزورا وكان أولى بكفارة الظهار ممن شبه امرأته بالمحرم وإذا حلف به كان يمينا من الأيمان كما لو التزم الإعتاق والحج وهذا محض القياس والفقه انتهى.
قلت: قوله: وإذا حلف كان يمينا إلى آخره بناء على ما ذهب إليه من أن المعلق للطلاق على شرط يقصد بذلك الحض أو المنع أو الالتزام فإن يجزئه فيه كفارة يمين إن حنث وإن أراد الإيقاع عند وجوب المعلق عليه طلقت وصرح به الشيخ رحمه الله تعالى: في باب تعليق الطلاق بالشروط قال: كذا
الحلف بعتق وظهار وتحريم.
"المسئلة الثانية" إذا أحال إنسان على آخر ولم يعلم بذلك حتى قضاء دينه أو قضاء من أحاله عليه ثانيا الخ.
"فالجواب" قد برئت ذمه المدين من الدين إذا دفعه إلى صاحبه أو إلى من أذن له أن يدفعه إليه لوجوب القضاء بعد الطلب فورا ولا تلزم المدين غرم ما قضاه من الدين لان الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم فلا تبعة عليه فيما لم يعلم وقد أفرد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقدس روحه هذه القاعدة وقرر أدلتها فعلى هذا يرجع من أحيل أولا بدينه على المحيل كما قبل الحوالة والله أعلم.
"المسئلة الثالثة" إذا رهن إنسان زرعه أو نخله ونحوه فاحتاج الراهن لما يصلح الرهن فطلب من المرتهن أن يداينه لذلك أو يطلق الرهن لمن يداينه لا صلاحه فامتنع وعلى الراهن ضرر.
"فالجواب" أن الصحيح من أقوال العلماء أن القبض والاستدامة شرط للزوم الرهن قال في الشرح ولا يلزم الرهن إلا بالقبض ويكون قبل قبضه رهنا جائزا يجوز للرهن فسخه وبهذا قال: أبو حنيفة والشافعي وقال بعض أصحابنا في غير المكيل والموزون رواية أنه يلزم بمجرد العقد ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى: وفي رواية الميموني وهو مذهب مالك رحمه الله: ووجه الأول قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} فعلى هذا إن تصرف الراهن فيه قبل القبض بهبة أو بيع أو عتق أو جعله صداقا أو رهنه ثانيا بطل الرهن الأول سواء قبض الهبة أو المبيع أو الرهن الثاني أو لم يقبضه فإن أخرجه المرتهن إلى الراهن باختياره زال لزومه وبقي العقد كأنه لم يوجد فيه قبض انتهى.
قال في الأنصاف هذا المذهب وعليه الأصحاب وعنه أن استدامته في المعين ليس بشرط واختاره في الفائق انتهى ملخصا فقد عرفت إلا صح من الأقوال الذي عليه أكثر العلماء رحمهم الله تعالى فعليه لا ضرر على الراهن:
لبطلان الرهن بالتصرف إذا لم يكن في قبضة المرتهن وقد ذكر العلماء أيضا أن المرتهن لا يختص بثمن الرهن إلا إذا كان لازما عدا هذا القول لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ويترتب على الفتوى به من المفاسد مالا يتسع لذكره هذا الجواب وليس مع من أفتى إلا محض التقلد وأن العامة تعار فوه فيما بينهم ورأوه لازما وأنت خبير بأن هذا بحجة شرعية وإنما الحجة الشرعية الكتاب والسنة والإجماع وهو اتفاق مجتهدي العصر على حكم ولا بد للإجماع من مستند والدليل الرابع القياس الصحيح وكذا الاستصحاب على خلاف فيه. فلا إله إلا الله كم غلب على أحكام الشرع في هذه الأزمنة من التساهل في الترجيح وعدم التعويل على ما اعتمد المحققون من القول الصحيح وقد ادعى بعضهم أن شيخنا الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: كان يفتي بلزوم الرهن وإن لم يقبض فاستعبدت ذلك على شيخنا رحمه الله تعالى: ولو فرضنا وقوع ذلك فنحن بحمد الله متمسكون بأصل عظيم وهو أنه لا يجوز لنا العدول عن قول موافق لظاهر الكتاب والسنة القول أحد كائنا من كان. وأهل العلم معذورون وهم أهل الاجتهاد كما قال الإمام مالك رحمه الله: تعالى: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعد زعم هذا الزاعم من الله علي بالوقف على جواب شيخنا الإمام رحمه الله تعالى: فإذا هو جار على إلا صح الذي عليه أكثر العلماء.
وصورة جوابه أن الراجح الذي عليه كثير من العلماء رحمهم الله أو أكثرهم أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض وقبض كل شيء هو المتعارف فقبض الدار والعقار هو تسلم المرتهن له ورفع يد الراهن عنه هذا هو القبض بالإجماع ومن زعم أن قوله: مقبوض يصيره مقبوضا فقد خرق الإجماع مع كونه زورا مخالفا للحس.
إذا ثبت هذا فنحن إنما أفتينا بلزوم هذا الرهن لضرورة وحاجة فإذا أراد صاحبه أن يأكل أموال الناس ويخون في أمانته لمسألة مختلف فيها فالرجوع إلى الفتوى بقول الجمهور في هذه المسألة فإن رجعنا إلى كتاب الله وسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيجاب العدل وتحريم الخيانة فهذا هو الأقرب قطعا وإن رجعنا إلى كلام غالب العلماء رحمهم الله تعالى فهم لا يلزمون ذلك إلا برفع يد الراهن وكونه في يد المرتهن انتهى المقصود.
فذكر رحمه الله تعالى: في هذه الفتيا أن الراجع الذي عليه أكثر العلماء أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض وأنه إنما أفتى بخلاف لضرورة وحاجة وأنه رجع إلى قول الجمهور لما قد ترتب على خلافه من الخروج من العدل ومن الخيانة وهذا الذي أشار إليه رحمه الله: من الخروج عن العدل وأكل أموال الناس بالباطل والخيانة في الأمانة قد رأيناه عيانا وسببه الإفتاء بخلاف قول الجمهور في هذه المسألة وقد قرر رحمه الله تعالى: في هذه الفتيا أن قول الجمهور أقرب إلى العدل فلا يجوز أن ينسب إليه غير هذه القول المقرر هنا والله أعلم.
"المسألة الرابع" إذا ستأجر إنسان أرضا للزرع ونحوها ثم رهنه فقصرت الثمرة عن الدين والأجرة وعن الحداد والخراز إلى آخره.
فالجواب إذا انتفى لزوم الرهن لعدم القبض أو الاستدامة تحاصوا في الثمرة وغيرها على قدر الذي لهم لان محل ذلك ذمة المدين وتقديم أحدهم على غيره ترجيح من غير مرحح وما اشتهر بين الناس من تقديم العامل في الزرع ونحوه بأجرته فلم نقف له على أصل يوجب المصير إليه والله أعلم.
"المسألة الخامسة" إذا دفع إنسان إلى آخر عروض مضاربة وجعل قيمتها رأس مال المضاربة هل يجوز هذا أم لا؟
"الجواب" يشترط في المضاربة وشركة العنان أن يكون رأس المال من النقدين أو أحدهما وهو المذهب وعنه رواية أخرى أنها تصح بالعروض اختاره أبو بكر وأبو الخطاب وصاحب الفائق وغيرهم قال في الأنصاف قلت وهو الصواب فعلى هذه الرواية يرجع عند المفارقة العروض عند العقد كما جعلنا نصابها قيمتها وسواء كانت مثلية أو غير مثلية والله أعلم:
"المسألة السادس" إذا إنسان مالا مضاربة وعمل فيه المضارب ثم.
تلف من المال شيء بخسارة أو نحوها ثم فسخ المضارب هل عليه أن يعمل فيه حتى يكمل رأس المال أم لا "الجواب" ذكر في القواعد الفقهية عن ابن عقيل ما حاصله انه لا يجوز للمضارب الفسخ حتى ينض رأس المال ويعلم به ربه لئلا يتضرر بتعطيل ماله عن الربح وأما المالك لا يملك الفسخ إذا توجه المال الربح ولا يسقط به حق العامل قال: وهو حسن جار على قواعد المذهب في اعتبار المقاصد وسد الذرائع ولهذا قلنا إن ضارب الآخر من علم الأول وكان عليه في ذلك ضرر رد حقه من الربح في شركة الأول انتهى أقول مراده بقوله: حتى ينض رأس المال يعني به إذا لم ينقص أما إذا نقص فليس على المضارب إلا تنضيض ما بقي في يده من رأس المال لان المضاربة عقد جائز ولا ضمان على المضارب فيما تلف من غير تعد منه ولا تفريط والله أعلم.
"المسألة السابعة" هل يلزم صاحب الأصل إذا أكرى أرضه أو شجرة عند من يجوز ذلك ما يلزمه في عقد المساقاة من سد حائط أو أجراء نهر ونحوه أم لا.
"فالجواب" لم أقف في هذه المسئلة للعلماء رحمهم الله تعالى على نص والله أعلم.
"المسألة الثامنة" ما حكم مال المسلم إذا أخذه الكفار ثم اشتراه بعض التجار من آخذة ثم باعه على آخر الخ.
"فالجواب" ما حكم مال المسلم إذا أخذه الكفار الأصليون فذكر القاضي أبو يعلى رحمه الله تعالى: إنهم يملكونه بالقهر وهو المذهب عنده.
وقال أبو الخطاب ظاهر كلام أحمد أنهم لا يملكون يعنى ولو حازوه إلى دراهم قال في الإنصاف وهي رواية عن أحمد اختارها الآجري وأبو الخطاب في تعليقه وابن شهاب وأبو محمد الجوزي وجزم به ابن عبدوس في تذكر ته قال في النظم لا يملكونها في الأظهر وذكر ابن عقيل في فنونه ومفرداته روايتين:
وصحح فيها عدم الملك وصححه في نهاية ابن رزين ونظمها انتهى.
قال في الشرح وهو قول الشافعي وابن المنذر لحديث ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه مال معصوم طرأت عليه يد عادية فلم يملك بها كالغصب ولأن من لا يملك رقبة غيره لا يملك ماله به أي بالقهر كالمسلم مع المسلم ووجه الأول أن القهر سبب يملك به المسلم مال الكافر فيملك به الكافر مال المسلم كالبيع فعلى هذا يملكونها قبل حيازتها إلى دراهم وهو قول مالك. وذكر القاضي أنهم إنما يملكونها بالحيازة إلى دارهم وهو قول أبي حنيفة وحكي عن أحمد في ذلك روايتان قال ابن رجب ونص أحمد أنهم لا يملكونها إلا بالحيازة إلى دراهم فعليها يمتنع ملكهم لغير المنقول كالعقار ونحوه لأن دار الإسلام ليست لهم دارا وإن دخلوها لكن ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: أن أحمد لم ينص على الملك ولا على عدمه وإنما نص على أحكام أخذ منها ذلك قال: والصواب أنهم يملكونها ملكا مقيدا لا يساوي أملاك المسلمين من كل وجه انتهى.
قلت قد صرح في كتاب الصارم والفتاوى المصرية وغيرها أن القيد المشار إليه هو إسلام أخذها ونصه: ولو أسلم الحربي وبيده مال مسلم قد أخذه من المسلمين بطريق الاغتنام ونحوه كان له ملكا ولم يرده إلى الذي كان يملكه عند جماهير العلماء من التابعين ومن بعدهم وهو معنى ما جاء عن الخلفاء الراشدين وهو مذهب أبي حنيفة ومالك ومنصوص أحمد رحمهم الله وهو قول جماهير أصحاب أحمد بناء على أن الإسلام والعهد أقرا ما بيده من المال الذي كان يعتقده ملكا له فلم يؤخذ منه كجميع ما بيده من العقود الفاسدة التي كان يستحقها قال في الاختيارات: قال أبو العباس: وهذا يرجع إلى أن كل ما قبضه الكفار من الأموال قبضا يعتقدون جوازه فإنه يستقر لهم بالإسلام قال ومن العلماء من قال يرده على مالكه المسلم كالغضب ولأنه لو أخذه منهم المسلم أخذا لا يملك به مسلم من مسلم بأن يغنمه أو يسرقه فإنه يرد إلى مالكه المسلم لحديث ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وهو مما اتفق الناس عليه فيما نعلمه،
ولو كان قد ملكوه لملكه الغاتم منهم ولم يرد إلى ملكه انتهى واختار أن الكافر بملكه بالإسلام عليه.
أقول تأمل ما ذكره شيخ الإسلام من حجة الشافعي وموافقيه على أن الكفار لا يملكون أموال المسلمين فلو كان الكافر يملك مال المسلم بالاستيلاء أو بالحيازة إلى داره لم يرد النبي على ابن عمر عبده وفرسه التي كان أخذها العدو لما ظهر عليهم المسلمون فلو لم يكن باقيا على ملك ابن عمر لم يرد إليه وليس لتخصيصه بذلك دون شائر الغانمين معنى غير ذلك وعمل بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده والأحاديث في ذلك مشهورة في كتب الأحكام وغيرها قال البخاري رحمه الله: في صحيحه "باب إذا غنم المسلمون مال مسلم ثم وجده المسلم" قال ابن نمير حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذهب فرس له فأخذه بالروم فظهر عليهم المسلمون فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي ثم ساقه بسنده متصلا. وما استدل به القائلون بأنهم يملكونها بالقهر من أن القهر سبب يملك به المسلم مال الكافر فملك به الكافر مال المسلم فهذا قياس مع الفارق لا يصح دليلا لو لم يكن في مقابلة الأحاديث فكيف والأحاديث تمنعه؟ ولو لم يكن مع الشافعي وأبي الخطاب وابن عقيل فيما صححه من الروايتين ومن وافقهم كابن المنذر إلا حديث مسلم: إن قوما أغاروا على سرح النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا ناقته وجارية من الأنصار فأقامت عندهم أياما ثم خرجت في بعض الليل قالت فما وضعت يدي على ناقة إلا رغت حتى وضعتها على ناقة ذلول فامتطيتها ثم توجهت إلى المدينة ونذرت إن نجاني الله عليها أن أنحرها فلما قدمت المدينة استعرفت الناقة فإذا هي ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأخذها فقلت يا رسول الله إني نذرت أن أنحرها فقال: "بئس ما جازيتها لا نذر في معصية الله" وفي رواية "لا نذر فيما لا يملك ابن آدم" هذا هو الحديث المشار إليه فيما تقدم. وقد عرفت من كلام شيخ الإسلام المتقدم أن من العلماء من قال يرده على مالكه المسلم ولو أسلم عليه وعزاه إلى الشافعي
وأبي الخطاب وذكر ما يدل لهذا القول وأنا اذكر ما يدل لذلك أيضا وإن لم يذكره شيخ الإسلام وهو ما رواه مسلم في صحيحه عن وائل بن حجر قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجلان يختصمان في أرض فقال أحدهما أن هذا انتزى على أرضي يا رسول الله في الجاهلية وهو امرؤ القيس بن عباس الكندي وخصمه ربيعة بن عبدان قال "بينتك؟ " قال ليس لي بينة قال: "يمينه" قال إذا يذهب بها؟ قال: "ليس لك إلا ذلك" الحديث.
وأما حكم ما أخذه المسلمون منهم مما قد أخذوه من مال المسلم فالجمهور من العلماء يقولون إذا علم صاحبها قبل قسمها ردت إليه بغير شيء قال في الشرح في قول عامة أهل العلم منهم عمر وسلمان بن ربيعة وعطاء والنخعي والليث والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وحجتهم ما تقدم من قصة ابن عمر قال في الشرح: وكذلك إذا علم الإمام بمال مسلم قبل قسمه فقسم وجب رده وصاحبه أحق به بغير شيء لأن قسمته كانت باطلة من أصلها فهو كما لو لم يقسم فأما إن أدركه بعد القسم ففيه روايتان "إحداهما" يكون صاحبه أحق به بالثمن الذي حسب به على آخذه وكذلك إن بيع ثم قسم بثمنه فهو أحق به بالثمن وهذا قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك لئلا يفضي على حرمان آخذه من الغنيمة أو تضييع الثمن على المشتري يعني من الغنيمة وحقهما ينجبر بالثمن فيرجع صاحب المال في غير ماله بمنزلة مشتري الشقص المشفوع "والرواية الثانية" أنه لا حق له فيه بعد القسمة بحال نص عليه أحمد في رواية أبي داود وغيره وهو قول عمر وعلي وسلمان بن ربيعة وعطاء والنخعي والليث وقال الشافعي وابن المنذر يأخذه صاحبه قبل القسمة وبعدها ويعطي مشتريه ثمنه من خمس المصالح لأنه لم يزل عن ملك صاحبه فوجب أن يستحقه بغير شيء كما قبل القسمة ويعطي من حسب عليه القيمة لئلا يفضي إلى حرمان آخذه حقه من الغنيمة وجعل من سهم المصالح لأن هذا منها فإن أخذه أحد الرعية بهبة أو سرقة أو بغير شيء فصاحبه أحق به بغير شيء. وقال أبو حنيفة لا يأخذه إلا بالقيمة وهو محجوج بحديث
ناقة النبي صلى الله عليه وسلم المتقدم ولأنه لم يحصل في يده بعوض فصار صاحبه أحق به بغير شيء كما لو أدركه في الغنيمة قبل القسمة.
فأما إن اشتراه رجل من العدو فليس لصاحبه أخذه إلا بثمنه وهذا كله إنما هو في الكافر الأصلي.
وأما المرتد فلا يملك مال المسلم بحال عند جميع العلماء ولا يعلم أحد قال به وقد تتبعت كتب الخلاف كالمغني والقواعد والإنصاف وغيرها فما رأيت خلافا في أنه لا يملكه وإنما الخلاف فيما أتلفه إذا كان في طائفة ممتنعة أو لحق بدار حرب والمذهب أنه يضمن ما تلف في يده مطلقا فافهم ذلك فالمسلم يأخذ ماله من المرتد أو ممن انتقل إليه بعوض أو غيره بغير شيء.
وما تلف في يد المرتد من مال المسلم أو تلف عند من انتقل إليه من جهة المرتد فهو مضمون كالمغصوب.
ثم أعلم أنه قد يغلط من لا تمييز عنده في معنى التلف وإلا تلاف فيظن أنه إذا استنفق المال أو باعه أو وهبه ونحو ذلك يعد إتلافا وليس كذلك بل هذا تصرف وانتفاع.
وقد فرق العلماء رحمهم الله بين هذا وبين الإتلاف. ومن صور الإتلاف والتلف أن يضيعه أو يضيع أو يسرق أو يحرق أو يقتل ونحو ذلك فإن كان بفعله فهو إتلاف وإن كان بغير فعله فهو بالنسبة إليه تلف يترتب عليه أحكام ما تلف بيده وبالنسبة إلى الفاعل إتلاف.
وضابطه فوات الشيء على وجه لا يعد من أنواع التصرف.
إذا عرفت أن حكم المرتد يفارق حكم الكافر الأصلي.
فاعلم أنه قد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فيمن اشترى مال مسلم من التتر لما دخلوا الشام أن لم يعرف صاحبه صرف في المصالح وأعطى مشتريه ما اشتراه به لأنه لم يصر له إلا بنفقته وإن لم يقصد ذلك انتهى من الإنصاف.
وسئل أيضا عمن اشترى فرسا ثم ولدت عنده حصانا وأخذ السلطان الفرس وأهدى الحصان لرجل فأعطاه عوضه ثم ظهرت الفرس أنها كانت مكسوبة نهبا من قوم فهل يحرم ثمن الحصان.
فأجاب إن كان صاحب الحصان معروفا ردت إليه فرسه ورجع المشتري
بالثمن على بائعه ويرجع عليه بقيمة الحصان أو قيمة نصفه الذي يستحقه صاحبه لكونه غره وإن كانت مكسوبة من التتر أو العرب الذين يغير بعضهم على بعض فيأخذ هؤلاء من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء ولم يعرف صاحبهما لم يحرم على مهدي الحصان عوض هديته والله أعلم.
وقد صرح شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: بأن هذا المنهوب يرد إلى صاحبه أو قيمته إن تصرف فيه ويرجع المشتري بالثمن على البائع وإنه إن لم يعرف صاحب ما أخذ من التتر والعرب لم يحرم عليه عوضه. فمفهومه أنه إن عرف صاحبه فعوضه حرام على من اعتاص عنه لكونه ظهر مستحقا لمسلم معصوم وهذا أيضا يفيده ما تقدم من قوله: فيمن اشترى مال مسلم من التتر لا يملكون مال المسلم بالاستيلاء والحيازة. ومن المعلوم أن التتر من أعظم الناس كفروا لما جمعوه من المكفرات في الاعتقادات والأعمال ومع ذلك قال شيخ الإسلام ويرد ما أخذوه لصاحبه المسلم من غير أن يدفع إلى مشتريه منهم شيئا كما يفيده الجواب الثاني ولم يقل فيه إنه لا يحرم على من اعتاض عن الحصان شيئا إلا بقيد عدم معرفة صاحبه بناء على أصله في الأموال التي جهلت أربابها ولذلك قال في المكوس إذا اقطعها الإمام الجند هي حلال لهم إذا جهل مستحقها. وبذا يظهر الجواب عن المسألة "التاسعة" وهو أن ما وقع في هذه السنين من النهب والظلم يرد ما وجد منه إلى مالكه من غير أخذ ثمن ولا قيمة. وحكم يد المشتري منهم حكم إلا يدي المترتبة على يد الغاصب لما تقرر من أن الخلاف إنما جرى في الحق الكافر الأصلي وأما المرتد ونحوه فالقول بأنه لا يملك مال المسلم مسألة وفاق. وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: في الفتاوى المصرية مايفهم به الفرق بين الكافر الحربي والمرتد فقال: وإذا قدر على كافر حربي فنطق بالشهادتين وجب الكف عنه بخلاف الخارجين عن الشريعة كالمرتدين الذين قاتلهم أبو بكر رضي الله عنه والتتر وامتثال هؤلاء الطوائف ممن نطق بالشهادة ولا يلتزم شعائر الإسلام. وأما الحربي فإذا نطق بها كف عنه
وقال أيضا ويجب جهاد الكفار واستنقاذ ما بأيديهم من بلاد المسلمين وأموالهم باتفاق المسلمين ويجب على المسلمين أن يكونوا يدا واحدة على الكفار وأن يجتمعوا ويقاتلوا على طاعة الله ورسوله والجهاد في سبيله انتهى. فيعلم مما تقرر أن الأموال المنهوبة في هذه السنن غصوب يجري فيها حكم الغصب وما يترتب عليه.
وبهذا أفتى شيخنا الشيخ عبد الله ابن شيخنا الإمام محمد رحمهم الله. وافتى به الشيخ محمد بن علي الشوكاني قاضي صنعاء اليمن وما ظننت أن أحدا له أدنى ممارسة في العلم يخالف ذلك والله أعلم.
"المسئلة العاشرة" قال السائل وجدت نقلا عن الاقناع وشرحه إذا ذبح السارق المسلم أو الكتابي المسروق مسميا حل لربه ونحوه أكله ولم يكن ميتة كالمغصوب انتهى قال السائل وهل هذا إلا مغصوب ويعارضه حديث عاصم بن كليب عن أبيه الخ.
"الجواب" لا معارضة إذا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا كل منها لا يدل على إنها ميتة من وجوه "منها" إنها ليست ملكا لهم ولا لمن ذبحها فهي وإن حرمت عليهم فلا تحرم على مالكها ولا من أذن له مالكها في إلا كل منها ويتحمل أنه ترك الأكل منها تنزها ويدل على حلها بهذه الذكاة قوله: "أطعميه الأسارى" وهو لا يطعمهم ميتة وقوله: كالمغصوب راجع لقوله: حل لا لقوله: ميتة شبهه بذبح الحيوان المغصوب في الحل لا في الحرمة والله أعلم
"المسئلة الحادية عشرة" إذا كان لإنسان على آخر دين من طعام أو نحوه فأشفق في الوفاء فطلب غريمه أن يعطيه الثمرة عن ماله في ذمته فهل يجوز ذلك أم لا؟.
"فالجواب وبالله التوفيق" قال البخاري رحمه الله: في صحيحه "باب إذا قاص أو جازفه في الدين فهو جائز" زاد رواية كريمة تمرا بتمر أو غيره وساق حديث جابر رضي الله عنه أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود فاستنظره جابر فأبى أن ينظره فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالذي له فأبى الحديث وبه.
استدل ابن عبد البر وغيره من العلماء رحمهم الله على جواز أخذ الثمر على الشجر عما في الذمة إذا علم أنه دون حقه إرفاقا بالمدين وإحسانا إليه وسماحة بأخذ الحق ناقصا وترجم البخاري رحمه الله: بهذا الشرط فقال "إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز" ساق حديث جابر رضي الله عنه أيضا فاما إذا كان يحتمل أنه دون حقه أو مثله أو فوقه فهذا غير جائز أن يأخذ عما في الذمة شيئا مجازفة أو خرصا لا سيما إذا كان دين سلم لما روى البخاري وغيره عن ابن عمرو رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم قال "من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم" ومضمون هذا الحديث عام وبه اخذ الجمهور وقد يقال أن قضية جابر قضية عين لا عموم لها ويترجح المنع سدا للذريعة لا سيما في هذه إلا وقات لكثرة الجهل والجراءة بأدنى شبهة والله أعلم.
"المسألة الثانية عشرة" ما حكم الباطل والفاسد عند أهل الأصول الخ.
"الجواب" هما مترادفان عند الأصوليين والفقهاء من الحنابلة والشافعية وقال: أبو حنيفة أنهما متباينان "فالباطل" عنده ما لم يشرع بالكلية كبيع المضامين والملاقيح "الفاسد" ما شرع اصله ولكن امتنع لاشتماله على وصف محرم كالربا وعند الجمهور كل ما كان منهيا عنه إما لعينه أو وصفه ففاسد وباطل لكن ذهب بعض الفقهاء من الحنابلة إلى التفرقة بين ما أجمع على بطلانه وما لم يجمع عليه فعبروا عن الأول بالباطل وعن الثاني بالفاسد ليتميز هذا من هذا لكون الثاني تترتب عليه أحكام الصحيح غالبا أو أنهم قصدوا الخروج من الخلاف في نفس التعبير لأن من عادة الفقهاء من أهل المذاهب رحمهم الله تعالى مراعاة الخروج من الخلاف وبعضهم يعبر بالباطل عن المختلف فيه مراعيا للأصل ولعل من فرق بينهما في التعبير لا يمنع من تسمية المختلف فيه باطلا فلا اختلاف ومثل ذلك خلافهم في الفرض والواجب قال في القواعد الأصوليه إنها مترادفان شرعا في اصح الروايتين عن أحمد اختارها جماعة منهم ابن عقيل وقاله الشافعية وعن أحمد الفرض آكد اختارها جماعة.