الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمر الله به ورسوله ويقتدي باليهود والمجوس والمتكبرين وعلى الإمام أن يأمر النواب من رأو تاركا للأمر أن يقوموا عليه ويلزموه الطاعة حتى تظهر طاعة الله ورسوله في المسلمين ويمتازون بذلك عمن خالفهم في الدين من أهل الجفاء والغلظة والغفلة والإعراض نسأل الله العفو والعافية فإنها قد عمت البلوى بهذا بكثير لما قام بقلوبهم من ضعف الإيمان وعدم الرغبة فيه.
وكذلك يجب على الإمام النظر في أمر العلم وترغب الناس في طلبه وإعانة من تصدى للطلبة لقلة العلم وكثرة الجهل وإن كان قد قام ببعض الواجب فينبغي له أن يهتم بهذا الأمر لفضيلة العلم وكثرة ثواب من قام به وأعان عليه وطلب العلم اليوم من الفرائض كما لا يخفى على الإمام وغيره وفي الحديث "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم" وهذا ما يحصل إلا باعتناء الإمام وتأليفه للطلبة فإذا كثر العلم وقل الجهل بسببه حصل له من الخير والحسنات ما لا يحصيه إلا الله إن قبله الله وبالغفلة عن طلبه العلم تضعفف هممهم ويقل طلبهم وفي مناقب عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أنه إذا أراد أن يحي سنة أخرج من العطاء مالا كثيرا فإذا نفروا من هذا رغبوا إلى هذا فلله دره ما أحسن نظره لنفسه ولمن والاه الله عليهم وعلى كل من نصح نفسه أن يحذر من كبائر القلوب التي هي من أعظم الذنوب ولا يأمن مكر الله وليكن لنفسه أشد مقتا منه لغيره وليكن معظما للأمر والنهي مفكرا فيما يحبه الله ويرضاه متدبرا لكتابه محبة لربه ورغبة في ثوابه وخوفا من غضبه وعقابه.
ومن الواجب على كل أحد أن يحب في الله ويعادي في الله ويوالي في الله ويحب أولياء الله أهل طاعته ويعادي أعداءه أهل معصيته وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وصلى الله على محمد1
1 الدرر 11/36.
الرسالة الثامنه والثلاثون
…
بسم الله الرحمن الرحيم
"38"
من عبد الرحمن بن حسن إلى من يصل إليه هذا الكتاب من الإخوان
وفقنا الله وإياهم لإقامة شرائع الدين واستعملنا فيما استعمل فيه أهل الإيمان واليقين وجعلنا من الشاكرين لنعمة الإسلام المثنين بها عليه ونسأله أن يتقبلها منا ويتمها علينا رغبة فيما يوجب الفوز لديه سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فأوصيكم وإياي بتقوى الله تعالى في الغيب والشهادة قال الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ} الآية. قال طلق بن حبيب رحمه الله: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
ولا وصية أعظم ولا أنفع مما وصى الله به عباده المؤمنين قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ *وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ* وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وينبغي أن نشير إلى بعض ما ورد عن السلف رحمهم الله تعالى في معنى هذه الوصية العظيمة المتضمنة لأصول الدين.
حق تقاته أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر.
وأصل الإسلام وأساسه أن ينقاد العبد لله تعالى بالقلب والأركان مذعنا له بالتوحيد مفردا له بالآلهية والربوبية دون كل ما سواه مقدما مراد ربه على كل ما تحبه نفسه وتهواه وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكات وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" الحديث. وحبل الله دينه أمركم به وعهده إليكم في كتابه في الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله قال أبو جعفر
ابن جرير رحمه الله تعالى: وهو جامع لكل ما ورد عن السلف في معناه كما روى عن ابن مسعود وقال: حبل الله الجماعة وعن أبي العالية اعتصموا بالإخلاص لله وحده وعن ابن زيد قال: حبل الله الإسلام وقيل هو القرآن لما روى ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين وهو الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه" ثم قال تعالى: {وَلَا تَفَرَّقُوا} عن عبد الله بن مسعود أنه قال: يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به وأن ما تكرهون في الطاعة والجماعة هو خير مما تحبون في الفرقة وأخرج محمد بن نصر المروزي وغيره من حديث عبد الله بن يحيى بن عامر أن معاوية رضي الله عنه قام حين صلى الظهر بمكة فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين فرقة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة" يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة والله يامعشر العرب إن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى الا يقوم به وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم كل بدعة ضلالة.
ثم قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي أذكروا ما أنعم به عليكم من الألفة والإجتماع على الإسلام حيث كنتم أعداء على شرككم يقتل بعضكم بعضا عصبية في غير طاعة الله ولا طاعة رسوله فألف الله بين قلوبكم تواصلوا بألفة الإسلام واجتماع كلمتكم عليه وذكر عن قتادة: كنتم تذابحون بأكل شديد كم ضعيفكم حتى جاء الله بالإسلام فألف به قلوبهم فو الله الذي لا إله إلا هو إن الإلفة رحمة وإن الفرقة عذاب وقوله: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} يقول تعالى وكنتم على طرف جهنم بكفركم الذي كنتم عليه فأنقذكم الله بالإيمان الذي هداكم به وذكر عن قتادة في الآية: كان هذا الحي من العرب اذل الناس ذلا وأشقاه عيشا وأبينه ضلالة واعراه جلودا وأجوعه بطونا مكفوفين على رأس حجر بين إلا سد من فارس والروم لا والله ما في.
بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه من عاش منهم عاش شقيا كانوا فيها أصغر حظا وادق شأنا منهم حتى الله بالإسلام فورثكم به الكتاب واحل به دار الجهاد ووضع لكم به الرزق وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس وبالإسلام اعطى الله ما رأيتم فاشكروا نعمه فان ربكم منعم يجب الشاكرين وان أهل الشكر في مزيد من الله فتعالى ربنا وتبارك وقوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي يعرفكم في كل ذلك مواقع وصنائعه فيكم ويبين لكم حججه في تنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم لتهتدوا إلى سبيل الرشاد وتسلكوها فلا تضلوا عنها.
وقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} الآية قال ابن كثير في تفسيره: المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وفي المسند عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم"
قلت وروى محمد بن نصر من حديث يزيد بن مرشد مرسلا قال قالرسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل رجل من المسلمين على ثغره من ثغر الإسلام الله الله يؤتى الإسلام من قبله" وروى بسنده عن الحسن بن حي: إنما المسلمون إخوة على الإسلام بمنزلة فإذا أحدث المسلم حدثا ثغر في الإسلام من قبله فإن أحدث المسلمون كلهم فأثبت أنت على الأمر الذي لو اجتمعوا عليه لقام الدين لله بالأمر الذي أراده من خلقه.
وقوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ
وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قال ابن عباس في الآية أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله قلت فتأمل كيف نهى الله سبحانه في هذه الآيات عن التفرق في موضعين وأخبر أنه من مواجبات العذاب العظيم وأرشد إلى أسباب الإجتماع على دينه وشرعه ومن أعظمها الاعتصام بكتابه ودينه علما وعملا وأداء شكره والقيام بما فرضه على عباده من الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن هنا تعلم أن من أعظم الفساد: الإعراض عن كتاب الله وما بعث الله به رسوله من الهدى والعلم واتباع الأهواء والآراء المضلة نعوذ بالله من ذلك –فإذا وقع ذلك ترتب عليه من أنواع الفساد ما لايكاد يبلغه الوصف: فمن ذلك الاختلاف في الدين والتحاسد والتدابر والتقاطع فلا تكاد ترى إلا من هو معجب برأيه متنقص لغيره مخلد إلى الأرض عن تعلم العلم وتعليمه.
من النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم وعلى الخاصة والعامة أن يعظموا كتاب ربهم ودينه وشرعه ويقبلوا بكليتهم على ما ينفعهم من تعلم دينهم وطاعة ربهم وترك معاصيه وأن يقوموا بما وجب عليهم مع ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على علم وبصيرة وأن يهتموا بما يصلح ذلك من الإخلاص لله تعالى في أمور دينهم.
وعلى من نصح نفسه أن يكون حذرا من الأسباب التي تضعف الإيمان وتجلب أسباب المآثم والعصيان من الهلع والطمع والرضا بالدنيا والاطمئنان بها وفي الحديث: "حب الدنيا رأس كل خطيئة" وأخرج البخاري في صحيحه وغيره من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم: جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال: "إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها" فقال رجل يا رسول الله أفيأتي الخير بالشر فسكت النبي صلى الله عليه وسلم: فقيل له ما شأنك تكلم النبي صلى الله عليه وسلم: ولا يكلمك فرأينا أنه ينزل عليه قال: فمسح
عنه الرحضاء فقال: أين السائل وكأنه حمده: فقال: "إنه لا يأتي الخير بالشر: وأن مما ينبت الربيع ما يقتل أو يلم إلا أكلة الخضر إذا أكلت حتى إذا امتدت خاصرتها استقبلت عين الشمس فتطلت وبالت ورتعت وإن هذا المال خضرة حلوة فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل" أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع فيكون شهيدا عليه يوم القيامة " انتهى فهذا مثل ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين فيه أن من جمع الدنيا أو طلبها وأخذها من حلها وأدى حق الله فيها ولم يشتغل بها عن طاعة مولاة فإنها تكون في حقه نعمة وعطية ولغيره نعمة وبلية.
هذا وقد أعطاكم الله من أصناف نعمة ما تحبون وصرف عنكم ما تكرهون ابتلاء وامتحانا لتعرفوا نعمه وتشكروها وأن تعدوا نعمة الله لا تحصوها فانظروا رحمكم الله بماذا تقابلونها؟؟ أباستعمالها في طاعته ودينه ومراضيه؟ أم تجعلونها سلما إلى الاعراض عن دينه وارتكاب معاصيه من الظلم والبغي والأشر والبطر واللهو واللعب وقول الزور والسخرية ونحو ذلك مما لا يحبه الله ولا يرضاه؟ نسأل الله السلامة من أسباب التغيير قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.
الله الله عباد الله قيدوا نعم الله بشكره واتباع ما يرضيه وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فإن الله خولكم نعمه لتطيعوه ولا تعصوه وتعلموا بدينه وشرعه وتعظموه لا لتشغلوا بها عن ذلك أو تمتهنوه اللهم أوزعنا شكر ما أنعمت به علينا من هذا النعم الظاهرة والباطنة واستعملنا فيما يرضيك عنا وعافنا عنا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.