الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث عائشة رضي الله عنهما "من التمس بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله عليه وأسخط عليه الناس" وقد قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ*إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} ونظائرها في المائدة والكهف وطه والنجم وغيرها من القرآن.
جدد هذا الدين الذي أخلولق لما أقدرك الله على ذلك والتمس من أهل الخير عددا يدعون إلى هذا الدين ويذكرونه الناس ويعلمونه الجاهل والغافل وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيد المرسلين وأمام المتقين محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وأنت سالم والسلام.1
1 الدرر السنية 11/30.
الرسالة السادسة والثلاثون
…
بسم الله الرحمن الرحيم
"36"
من عبد الرحمن بن حسن إلى الأخ المكرم فيصل بن تركي سلمه الله تعالى آمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد لا يخفاك أن حقك على كبير وأكبر منه حق الله تعالى علي وعليك ويجب علي النصح لك وللمسلمين باطنا وظاهرا وأنت بارك الله فيك أحسنت أحسن الله عليك ولا لك مكافأة إلا بالدعاء والنصح باطنا وظاهرا وأنت اليوم حاجتك إلى العلم ضرورة في خاصة نفسك وفيما ابتليت به من أمور الخلق والعلم بالنظر إلى أحوال الناس ما بقي معهم إلا رسمه كما قال عبد العزيز ابن الماجشون وهو من أكبر علماء القرن الثاني:
قد والله عز المسلمون الذين يعرفون المعروف وبمعرفتهم يعرف
وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر فإذا كان هذا حال القرن الثاني فما ظنك بأهل هذه القرون الذين عاد المعروف فيهم منكرا والمنكر معروفا نشأ هذا الضغير وهرم عليه الكبير والبدع فشت فيمن يدعي العلم حتى اعتقدوا في ربهم وخالقهم ما يتقدس عنه ويتعالى سبحان الله عما يصفون وهذا في حق من عرفه إذا كان جازما ناصحا لنفسه استيقظ في طلب ما ينجيه ويسعده في دنياه وأخراه من العلم النافع والعمل الصالح ويكون مبني أقواله وأفعاله على الإخلاص والمتابعة على علم ومعرفة ويقين فمبنى العبادة على محبة المعبود غاية المحبة في غاية الذل والخضوع كما قال ابن القيم رحمه الله:
وعبادة الرحمن غاية حبه
…
مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر
…
ما دار حتى قامت القطبان
ومداره بالأمر أمر رسوله
…
لا بالهوى والنفس والشيطان
فالمحب لله قلبه يخشع وعينه تدمع يحاسب نفسه بالأخلاص والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم: بفعل ما أمر به وترك مانهى عنه وهذا هو دليل المحبة كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ} وهذا هو الصراط المستقيم لا يعرفه السالك ولا يهتدي إليه إلا بالكتاب والسنة علما وعملا ومحبة وطلبا كما في حديث عبد الله بن عمر وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" وهذا لا يدرك إلا بالعلم النافع والعلم النافع لا يدرك إلا بالدخول من باب التواضع والاعتراف بالجهل والتفريط وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستعين على ماحمل من أمور الناس بقرب أهل العلم وتقريبهم إليه وكان يقرب ابن عباس على صغر سنه لعلمه بالتأويل وقد كان وقافا عند كتاب الله تعالى.
ومن سعادة العبد أن يتخذ له إخوان صدق ممن لهم علم ودين يذكرونه إذا نسي ويعينونه إذا ذكر كما قال بعض السلف: عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم: يعني بالعلم النافع والعمل الصالح فإنهم زينة في الرخاء عدة في
البلاء يأنس بهم أصحابهم في هذه الدار وفي القبور ويوم البعث والنشور وهم الحجة بين يدي الله تعالى حال العرض على الله وهم الذين قرن الله توليهم بتوليه رسوله كما قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ*وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ} وهذه أمور متلازمة لا يكون الله تعالى وليا لعبد حتى يكون الرسول له ويكون المؤمنون هم أولياءه دون كل من عداهم.
وقد وصى الله تعالى نبيه بالصبر معهم فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}
ولهذا كان الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان لما في الحديث الصحيح: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله" وفي الحديث الآخر "من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك" وهم الذين وصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم إذا جاءوه: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} بشرهم عن ربهم بالمغفرة من ذنوبهم إذا تابوا إليه وأنابوا ووصاه بهم ف يقوله: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} وبه تتم مصالح الدنيا والدين وقال: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} وفي العلم بما وصى الله به نبيه من ذلك صلاح أمر الدنيا والآخرة فارغب وفقك الله فيما رغب الله به نبيه صلى الله عليه وسلم.
وأنت اليوم تستعين بكل صانع في صنعته التي يحسن وتدور الطيب من السلع والطيب من العلم والإيمان والدين وأنت له أحوج من جميع ما تحتاج إليه واختر لنفسك من تستعين به على طاعة الله وبراءة ذمتك بالعمل بالمشروع