الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الثالثة والثلاثون
…
بسم الله الرحمن الرحيم
"33"
من عبد الرحمن بن حسن إلى الإخوان الأمير محمد بن أحمد والشيخ عبد اللطيف بن مبارك وأعيان أهل الإحساء وعامتهم رزقنا الله وإياهم الاعتصام بالكتاب والسنة وجنبنا وإياهم سبل أهل البدع والأهواء ووفقنا وإياهم لمعرفة ما بعث الله به رسوله من النور والهدى سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فإن الباعث على هذا الكتاب هو النصيحة لله ولكتابه ولرسله ولأئمة المسلمين وعامتهم "وأوصيكم" بما دلت عليه شهادة لا إله إلا الله وما تضمنته من نفي الإلهية عما سوى الله وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له والبراءة من كل دين يخالف ما بعث الله به رسله من التوحيد كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} وقال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ*إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ اللَّه} َ وهذه الآية وما في معناها تتضمن النهي عن الشرك في العبادة والبراءة منه ومن المشركين من الرافضة وغيرهم والقرآن من أوله إلى آخره يقرر هذه الأصل العظيم فلا غناء لأحد عن معرفته والعمل به باطنا وظاهرا قال بعض السلف: كلمتان يسأل عنهما الألون والآخرون ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ*وَأُمِرْتُ ِلأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} وهذا هو مضمون شهادة أن محمد رسول الله وجوب إتباعه والرضى به نبيا ورسولا ونفي للبدع والأهواء المخالفة لما جاء به صلى الله عليه وسلم فلا غناء لأحد عن معرفة ذلك وقبوله ومحبته والإنقياد له قولا وعملا باطنا وظاهرا.
الرسالة الرابعة والثلاثون
…
بسم الله الرحمن الرحيم
"34"
وبه نستعين وعليه نتوكل ونعتمد.
من عبد الرحمن بن حسن إلى إمام المسلمين وخليفة سيد المرسلين
في إقامة العدل والدين وهو سبيل المؤمنين والخلفاء الراشدين فيصل بن تركي جعل الله في عدادهم متبعا لسيرهم وآثارهم آمين..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد أعلم أن الله أنعم علينا وعليكم وعلى كافة أهل نجد بدين الإسلام الذي رضيه لعباده دينا وعرفنا ذلك بأدلته وبراهينه دون الكثير من هذه الأمة الذين خفي عليهم ما خلقوا له من توحيد ربهم الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه ولإصلاح للعباد في معاشهم ومعادهم إلا بمعرفة هذا الدين وقبوله والعمل به ومحبته واستفراغ الوسع في ذلك علما وعملا والدعوة إليه والرغبة فيه وأن يكون أكبر هم الإنسان ومبلغ عمله ليحصل له النعيم المقيم الأبدي والسرور السرمدي.
وقد وقع أكثر من أنعم الله عليهم بهذه النعمة في التفريط في شكرها والتهاون بها وعدم الرغبة فيها والإشتغال بما يشغل عنها من الرغبة في الدنيا والإقبال عليها والتحدث بها والعمل بموجبها وقد وقع بالغفلة عن شكر هذه النعمة من التفريط فيها والإشتغال بما يشغل عنها من الرغبة في الدنيا والإقبال عليها مالا يخفى على ذوي البصائر وقد ذم الله تعالى في كتابه أهل الغفلة والإعراض أعاذنا الله وإياكم من اتباع سبيلهم قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} فعلينا وعليكم أن نقوم على من قدرنا على القيام عليه ببذل الجهد والاجتهاد بالنصيحة لجميع المسلمين بتذكيرهم ما أنعم الله به عليهم ببذل من الدين وتعليمهم ما يجب عليهم تعليمه مما فيه صلاحهم وفلاحهم ونجاحهم وسعادتهم ونجاتهم من شرور الدنيا والآخرة وقد قال تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} فإذا كان هذا في أناس في عهد النبوة والقرآن ينزل فمن بعدهم أحرى بأن يكونوا كذلك.
فيجب على من أقدره الله من المسلمين أن يقوم بنصيحة العباد بهذا الدين علما وعملا ودعوة إليه وتعلما وتعليما ولا يخفى أن العامة تتبع الخاصة فيما أحبوه وقالوه وعملوا به وقد حذر الله عباده من عقوبات الدنيا والآخرة وعن الإعراض عما خلقوا له كما قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} وقال تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وعلينا أن نحذر ونحذر عما حذرنا الله تعالى عنه من التفريط في طاعة الله وطاعة رسوله والقيام بدينه كما ينبقي.
وبسبب الغفلة عن هذه الأمور الواجبة وقع كثير من الناس في أشياء مما لا يحبه الله ولا يرضاه كما لايخفى على من ينظر بنور الله وقد قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} والفساد المعاصي وآثارها في الأرض ولكن كما قيل إذا كثر الإمساس قل الإحساس نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وموجبة الغفلة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه لا صلاح للعباد في دينهم ودنياهم إلا بالقيام بحقه واليوم ما فيه من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا على ضعف وفي يتركه الوعيد الشديد وفعله علامة الإيمان وهو من فروض الكفايات إذا قام بها البعض سقط الوجوب عن الباقين وإذا لم يحصل القيام بذلك أثموا كلهم قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} قال بعض العلماء فروض الكفاية أشد على الناس من فروض العين لأن فرض العين تخص عقوبته تاركه وفرض الكفاية تعم عقوبته كل من كان له قدرة.
فأوصيكم معشر الأخوان من الخاصة والعامة أن ترغبوا فيما رغبكم الله فيه وأن تهتموا به كاهتمامكم لدنياكم لتسعدوا وتسلموا وتغنموا والشأن كل
الشأن في الإهتمام بما يرضي الله عنكم ويفع الله به عنكم عقوبات الدنيا والآخرة.
وعلى الإمام وفقه الله أن يبعث للدين عمالا كما يبعث للزكاة عمالا ليعلموهم دينهم ويأمروهم وينهوهم وهذا مما يجب على الإمام أعانه الله على ذلك ووفقه للقيام بوظائف الدين نصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين سنة الخلفاء الراشدين.
وأوصيكم بالتوبة إلى الله عما فرطتم فيه من العمل بدينه وتعليمه وتكميله فإن الله تعالى أكمله لكم وهو أعظم نعمة أنعم بها عليكم فالله الله في الأخذ بأسباب الفلاح والنجاة وعلى كل منكم أن يحاسب نفسه لربه قبل القدوم عليه والرجوع إليه. ولا ينفع قول إلا بعمل ولا عمل إلا بنية وعلم فاشكروا الله تعالى على ما أعطاكم ومن به عليكم من دين الإسلام وما حصل به من النعم التي لا تحصى وقد خطب نبيكم صلى الله عليه وسلم أصحابه وأنذرهم وحذرهم فقال: "إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" فأحذروا واحذروا فإن الأمر عظيم قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} قال بعض العلماء في قوله: {أَنْ تَقُومُوا} فيه وجوب القيام لله فيما شرعه وأمر به وقوله: {لِلَّهِ} فيه التنبيه على إخلاص العبد في قيامه لربه وطاعته فجمعت هذه الآية العمل بالتوحيد وحقوقه ولوازمه والقيام بذلك جدا واجتهادا،
ويشبه هذه الآية قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} إلى قوله: {وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ} فجمع تعالى الدين كله في هاتين الكلمتين: نجب دعوتك: فيه التوحيد لانه الذي دعا إليه ودعت إليه رسله وفي قوله: {وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ} العمل بكتابة واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم لأن من اتبع كتابه ورسوله فقد اتبع الرسل جميعهم فمن عمل بهاتين الكلمتين فيما كان طاعة لله ولرسوله فقد فاز ونجا وحصل ما تمناه المفرطون يوم القيامة فالله