المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحديث الآخر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه فإن كان - المطلب الحميد في بيان مقاصد التوحيد

[عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المقامات

- ‌مدخل

- ‌المقام الأول:

- ‌المقام الثاني:

- ‌المقام الثالث:

- ‌المقام الرابع:

- ‌المقام الخامس:

- ‌المقام السادس:

- ‌المقام السابع:

- ‌المقام الثامن:

- ‌ المقام التاسع:

- ‌المحجة

- ‌الرد على احمد بن علي بن احمد بن سليمان المرائي

- ‌المراسلات

- ‌مدخل

- ‌الرسالة الأولى

- ‌الرسالة الثانية

- ‌الرسالة الثالة

- ‌الرسالة الرابعة

- ‌الرسالة الخامسة

- ‌الرسالة السادسة

- ‌الرسالة السابعة

- ‌الرسالة الثامنة

- ‌الرسالة التاسعة

- ‌الرسالة العاشرة

- ‌الرسالة الحادية عشر

- ‌الرسالة الثانية عشر

- ‌الرسالة الثالثة عشر

- ‌الرسالة الرابعة عشر

- ‌الرسالة الخامسة عشر

- ‌الرسالة السادسة عشر

- ‌الرسالة السابعة عشر

- ‌الرسالة الثامنة عشر

- ‌الرسالة التاسعة عشر

- ‌الرسالة العشرون

- ‌الرسالة الواحده العشرون

- ‌الرسالة الثانية والعشرون

- ‌الرسالة الثالثة والعشرون

- ‌الرسالة الرابعة والعشرون

- ‌الرسالة الخامسة والعشرون

- ‌الرسالة السادسة والعشرون

- ‌الرسالة السابعة والعشرون

- ‌الرسالة الثامنه والعشرون

- ‌الرسالة التاسعه والعشرون

- ‌الرسالة الثلاثون

- ‌الرسالة الواحدة والثلاثون

- ‌الرسالة الثانية والثلاثون

- ‌الرسالة الثالثة والثلاثون

- ‌الرسالة الرابعة والثلاثون

- ‌الرسالة الخامسة والثلاثون

- ‌الرسالة السادسة والثلاثون

- ‌الرسالة السابعة والثلاثون

- ‌الرسالة الثامنه والثلاثون

- ‌الرسالة التاسعة والثلاثون

- ‌الرسالة الأربعون

- ‌الرسالة الواحدة والأربعون

- ‌الرسالة الثانية والأربعون

- ‌الرسالة الثالثة والأربعون

- ‌الرسالة الرابعة والأربعون

- ‌الرسالة الخامسة والأربعون

- ‌الرسالة السادسة والأربعون

- ‌الرسالة السابعة والأربعون

- ‌الرسالة الثامنة والأربعون

- ‌الرسالة التاسعة والأربعين

- ‌الرسالة الخمسون

- ‌الرسالة الواحده والخمسون

- ‌الرسالة الثانية والخمسون

- ‌الرسالة الثالثة والخمسون

- ‌الرسالة الرابعة والخمسون

- ‌الرسالة الخامسة والخمسون

- ‌الرسالة السادسة والخمسون

- ‌الرسالة السابعة والخمسون

- ‌الرسالة الثامنة والخمسون

الفصل: الحديث الآخر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه فإن كان

الحديث الآخر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه فإن كان أحد مشكل عليه وجوب قتاله لما في الحديث إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار.

فظاهر الحديث أن المراد ما يجري بين القبائل إما عند ضربة عصا من قبيلتين أو فخذين أو طعنة فكل قبيلة أو فخذ يكون منهم حمية لمن كان منهم من غير خروج على الإمام ونقض لبيعة الإسلام ولا شق عصا المسلمين وأهل العلم من الفقهاء وغيرهم ذكروا قتال العصبية وحكمه وقتال الباغي وحكمه فذكروا أنه يجب على الإمام في قتاله العصبية أن يحملهم على الشريعة وأما البغاة فحكمهم أنهم يقاتلون حتى يفيؤا أو يرجعوا ويدخلوا في جماعة المسلمين فالفرق ظاهر بين والله الحمد فاستعينوا بالله على قتال من بغي وطغى وسعى في البلاد بالفساد وهذا أمر فساده ظاهر ما يخفي على من له عقل واحتسبوا جهادكم وأجركم على وأنتم سالمون والسلام. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعي1ن.

1 المجموعة 2/7.

ص: 229

‌الرسالة الثلاثون

بسم الله الرحمن الرحيم

"30"

من عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الأخ عبد الله بن محمد: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وما ذكرت أنا ننصركم فبلدكم بعيد لا يستطاع الوصول إليها وأما نصرتكم بالحجة والبيان فالله تعالى وقد قال في كتابه {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} والخصومة بينكم وبين الضد في عبادتهم غير الله تعالى من الأموات الذين لا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا كما قال تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وقد كان جل عبادتهم لهم في الرغبات والرهبات بالدعاء والاستعانة وقد قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} وأجد نكرة في سياق النهي تعم كل مدعو من دون الله كالأنبياء ومن دونهم وقد أمر الله نبيه أن يعبد ربه وحده بالدعاء وغيره من أنواع

ص: 229

العبادة قال الله تعالى: آمرا نبيه أن يدعوا أمته أن يخلصوا الدعاء لربهم وخالقهم فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَاّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَاّ فِي ضَلَالٍ} فبين تعالى أنه المستحق لدعوة الحق وإن الذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء وأ، دعوة غيره ضلال والضلال ضد الهدي وكفرهم بذلك وقال تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} فكفر من يدعوا غيره في هاتين الآيتين وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ*وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} وقال تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} فهذه الآيات تقصم ظهر المشرك الملحد فمن تمسك بها غلب خصمه المشرك كما قال شيخنا رحمه الله تعالى: والعامي من الموحدين يغلب ألفا من علماء هولاء الشياطين وما ذكرت من أنهم يأتون بفتاوى من علماء مكة فليس مع من عارض أدلة التوحيد إلا شبهات شياطين وقد كتبنا نسخة في هذا المعنى ردا على من زعم أن الاستمداد بالاموات جائز وفيها كفاية لأهل الحق.

وأما ما سئلت عنه فيمن أنكر الحكم برجحان العمل بالحديث الصحيح في مقابلة المذهب الملتزم.

فهذا من محدثات الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} الآية وهذا أصل عظيم من اصول الدين قال العلماء رحمهم الله "كل يؤخذ من قوله: ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا قول الإمام مالك رحمه الله".

ص: 230

وهذا القول الذي يقوله: هؤلاء يفضي إلى هجران الكتاب والسنة وتبديل أحكام النصوص كما فعل أهل الكتاب من اليهود والنصارى والكتاب والسنة شفاء وهدى لمن أصغى إليهما.

ومن طلب الحق منهما ناله وفهمه وقد قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} والأمر بتدبره والتذكر ليس مخصوصا بالعلماء المجتهدين بل عام لكل من له فهم يدرك به معنى الكلام والتقليد المفضي إلى هذا الإعراض عن تدبر الكتاب والسنة فيه شبه بمن قال اله فيهم {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه} ِ وقوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} وأهل الاجتهاد من العلماء وإن كانوا معذورين بإجتهادهم إنما هو في معنى أدلة الكتاب والسنة وينهون عن تقليدهم فالأئمة رحمهم الله اجتهدوا ونصحوا قال الإمام الشافعي إذا جاء الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط فهو مذهبي وأما قولكم الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر كيسير الرياء والحلف بغير الله وقول الرجل أنا في حسبك ولولا الله وأنت وأن يجاهد بالمعروف لطلب رياسة أو مال أو وظيفة كمن يتعلم العلم لوظيفة المسجد أو يقرأ القرآن ليسئل الناس به أو يبيع الختمات أو يحج ليأخذ المال أو يتصدق ليكثر ماله أو نحو ذلك وهذا إنما يتبين بالتمثيل والحد لا بالعد وأما الشرك الأكبر فهو إتخاذ الأنداد من أرباب القبور والغائبين ومخاطبتهم بالحوائج والذبح لهم والنذر واعتقاد أنهم ينفعون ويدفعون وكاتخاذ الأشجار والأحجار والأصنام لجلب الخير ودفع الضر بها وغير ذلك وهو كثير جدا وهو أن يرغب إلى شيء أو يدعوه أو يخافه أو يرجوه أو يعكف عند القبر تعظيما له ونحو ذلك وأمور الشرك أكبره وأصغره لا تدرك بالعد لكن الشرك الأكبر يخرج من الملة ويحبط الأعمال لأنه أعظم ذنب عصي الله به وهو أظلم الظلم لأن المشرك أخذ حق الله ووضعه فيمن لا يستحقه وأما الشرك الأصغر فهو أكبر من الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن رأى في يده حلقة من صفر فقال: ما هذه قال: من الواهنة فقال: "إنزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا فإنك لو مت وهي

ص: 231

عليك ما أفلحت أبدا" ولا يكفر الشرك أكبره وأصغره إلا بالتوبة منه قبل الممات والأصغر لا يكفره في الدار الآخرة ألا كثرة الحسنات لأن الأصغر لا يحبط إلا العمل الذي وقع فيه خاصة.

وأما قولكم في الذهاب إلى المقابر التي بنى عليها القباب وأوقد فيها المصباح.

فالجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن اليهود والنصارى وقال: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وقال: "لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" وبناء القباب على القبور وإسراجها وسيلة إلى عبادتها والخضوع لها والتذلل والتعظيم وسؤالها ما لا يقدر عليه إلا الله وفي الحديث الذي رواه مالك في الموطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد إشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

وأما مسألة استغاثة الأحياء بالموتى في طلب الجاه وسعة الرزق والأولاد مثل أن يقال عند القبور نسألك أن تدعوا الله في رفع فقرنا وبسط رزقنا وكثرة أولادنا وشفاء مريضنا لأنكم سلف مستجابوا الدعوات عند الله.

فالجواب هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله وهذا شرك في الربوبية والإلهية وقد كان شرك المشركين في جاهليتهم بطلب الشفاعة والقربة به.

وأما طلب الرزق والأولاد وشفاء المرضى فقد أقروا بأن آلهتهم لا تقدر على ذلك كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} فأقروا لله تعالى أنه الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور وقال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} أي يفعل ذلك فأقروا لله بذلك وصابر إقرارهم حجة عليهم في اتخاذهم الشفعاء. وقال قال تعالى: في فاتحة الكتاب

ص: 232

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك فهو المعبود وحده وهو المستعان وقد تقدم ما بين أن الدعاء مخ العبادة لأن الله تعالى نهى عن دعوة غيره وأخبر أن المدعو لا يستجيب لداعيه وأنه شرك وضلال وأنه كفر بالله وقد أوضحنا ذلك في الجواب في إبطال دعوة المدعي جواز الاستمداد بالا موات ومن قال: أن الميت يسمع ويستجيب فقد كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للمتكبرين وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} فأخبر تعالى أن لا أضل ممن يدعو أحد من دون الله غير الله وأخبر أن المدعو لا يستجيب وأنه غافل عن ودعوته وأنه عدوه يوم القيامة.

فأهل التوحيد أعداء أهل الشرك في الدنيا والآخرة قال الله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ*فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} فأخبر تعالى أن آلهتهم تبرء منهم بين يدي الله ومن عبادتهم ويستشهدون الله على أنهم في حال دعوتهم لهم غافلون لا يسمعون ولا يستجيبون وهذا كتاب الله هو الحاكم بيننا وبين جميع من أشرك بالله من الأولين والأخيرين وليس فعل أحد من الناس ولو من يظن أنه عالم يكون حجة على كتاب الله بل القرآن هو الحجة على كل أحد فلا تغتروا بقول بعضهم قال فلان وفعل فلان.

وأما السؤال عن دلائل الخيرات فيكفي عن دراستها ما وردت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن كيفية الصلاة قال: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد" الخ وقد قال: بعض العلماء لما قيل له إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب احرق دلائل الخيرات استحسن ذلك فقال.

وحرق عمدا للدلائل دفترا

أصاب ففيها ما يجل عن العد

غلو نهى عنه الرسول وفرية

بلا مرية فاتركه إن كنت تستهدي

ص: 233

أحاديث لا تعزى إلى عالم فلا

تساوي فليسا إن رجعت إلى النقد

وأما السؤال عن البردة للبوصيري والهمزية وأمثالها في المديح فالمنكر سواك فدعا غير الله ولاذ به من دون الله والدعاء مخ العبادة واللياذ نوع من أنواع العبادة كالعياذ وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير ما كان عليه أهل الجاهلية من الإستعاذة بالجن إذا هبطوا واديا يقولون نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه كما قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أي طغيانا فشرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته قصر الاستعاذة على الله وأسمائه وصفاته فقال في حديث خولة بنت حكيم وهو في الصحيح من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك وكذلك قول صاحب البردة.

إن لم تكن في معادي آخذا بيدي

فضلا وإلا فقل يازلة القدم

وقوله:

فإن من جودك الدنيا وضرتها

ومن علومك علم اللوح والقلم

فكل هذا شرك محرم بالكتاب والسنة فما كان من جنس ذلك وجب إنكاره والنهي عنه وتغييره بطمسه وهذا يتبين بما تقدم من الآيات المحكمات في النهي عن دعوة غير الله والرغبة والتوكل عليه ورجاه.

وأما الإجماع فقد حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فقال: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر إجماعا وأما البدعة المنهي عنها فكل ما حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا دل عليه قول من النبي ولا فعل وكذلك أصحابه الذين هم أحرص الأمة على فعل الخير فكل ما حدث بعدهم في العبادات وغيرها من أمور الدين فهو بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في خطبته: وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وبسط القول في هذا يستدعي كتابا ضخما لكن في أصول الأدلة ما يكفي المسافر إلى الله

ص: 234

على صراط مستقيم وكل ما لم يفعله أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم مما حدث بعدهم فالجواب أن يقال لو كان خيرا سبقونا إليه.

وأما السؤال عن السفر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" فالنهي عن شد الرحال إلى غير الثلاثة لفظ عام يتناول المساجد وغيرها وفحوى الخطاب يدل عليه لأن غير المساجد من باب أولى ولكن إذا نوى الإنسان السفر إلى مسجده حصلت زيارة القبر الشريف تبعا فإنه إذا وصل إلى المسجد سلم على النبي صلى الله عليه وسلم من قرب فيكون قد أخذ بعموم الحديث وحصلت له الزيارة من غير أن يخصها بشد الرحال المنهي عنه.

وأما السؤال عن الرسوم والعادات التي شاعت وذاعت في الأعاجم سيما في مشايخهم إذا مرض أحدهم يحفون ويحيطون به فيقرءون شيئا من الآيات بحساب وإعداد معلومات فإذا انتهى قالوا يا قاضي الحاجات ويا كاشف الكربات ثم يأتون بالاطعمة النفيسة فيأكلونها بأجمعهم.

فالجواب أن الذي وردت به السنة دعاء العائد له وحده من غير تكلف ولا اجتماع فإن شاء رقاه بما وردت به السنة كما قال: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لامرأته لما نخستها عينها إنما يكفيك أن تقولي اذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما هذا جنس المشروع.

وأما على هذه الكيفية التي ذكرها السائل فبدعة تجري مجرى ما ذكره تعالى ردا على من ابتدع في دينه فقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}

وأما ما ذكره السائل من أنه إذا مات أحدهم يتصدق أقاربه وعشائره ويذبحون الذبائح ويطبخون الطعام ويفرشون الحرير ويدعون الناس كلهم الغني والفقير فليس هذا من دين الإسلام بل هو بدعة وضلالة ما أنزل الله بها

ص: 235

من سلطان وهذا من جنس ما أحدثه اليهود والنصارى من التغيير والتبديل في شريعتهم خالفوا به ما جاءت به أنبياؤهم فيجب اجتناب ذلك المأتم وما في معناه.

وأما ماسألت عنه من شد الرحال إلى مكانات مشرفة للأنبياء والأولياء هل هو ممنوع ومحذور أم لا.

فالجواب لا ريب أن هذا مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي تقدم وهو قوله: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" فإذا كان بترك للمحمل المزور فهو من الشرك لأنهم قصدوا بذلك تعظيم المزور كقصد النبي صلى الله عليه وسلم أو الولي لتعود بركته عليه بزعمهم وهذا حال عباد الأصنام سواء كما فعله المشركون باللات والعزى ومنات فإنهم يقصدونها لحصول البركة بزيارتهم لها وإتيانهم إليها وفي الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى إجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال: إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم" فجعل التبرك بالأشجار مثل قول بني إسرائيل إجعل لنا إلها وهذا هو جنس عبادة الأشجار والأحجار.

وأما قول بعضهم أن أمور التعظيمات خصصه الله تعالى للذات وسماه بالعبادة كالسجود والركوع والقيام كقيام الصلاة والتصدق بالصدقات والصيام باسمه وقصد السفر إلى بيته من المكانات البعيدات فهذا من وحي الشيطان وزخرفته التي ألقاها على ألسن المشركين فجمع لهم الشرك وتعظيمه والغلو فيه والبدع والضلالات.

وكل هذا باطل ما أنزل الله به من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى.

وأما سؤاله عن رجل بنى في جوار قبر صالح لإفاضة الفيوضات عليه

ص: 236

وإصابة البركات ورجل جلس مراقبة على قبر صالح

فالجواب من أخبر هذا المغرور أن هذا المدفون تفيض عليه وهذا من جنس ما قبله مما زين الشيطان وأجراه على السن المغرورين المفتونين الذين أعرضوا عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولما قال رجل للنبي: ما شاء الله وشئت قال: "أجعلتني لله ندا قل ماشاء الله وحده وقال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وقد صان الله قبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن صار قبره في حجرته حذرا من هذه الأمور التي نهى عنها. قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو" والضابط أن ما كان يفعل مع الميت من رفع الأصوات على جنازته والتبرك به وبتربته والنذر له وغير ذلك من الشرك كالذبائح والنذور التي يقصد بها الميت حرام وهي مما أهل به لغير الله كما صرح به القرآن قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}

وقد تضمنت هذه الأفعال التي ذكرت الشرك والبدع والغلو في الدين وخالف أهلها وصادموا ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه من إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله تعالى وتوجيه الوجه والقلب إلى الله تعالى بجميع الإرادات الشرعية والأحوال الدينية وقد أبطل الله في كتابه التعلق على غيره كائنا من كان قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ} وقال تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} إلى قوله: {يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ*يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} الآية. وقال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ

ص: 237

سَحِيقٍ} {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} إلى قوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ*أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}

إذا عرفت ذلك وما في معناه من الآيات المحكمات فهذه الشبهات التي أعتمدها كثير من جملة المشركين كلها باطلة تصادم كتاب الله وسنة رسوله وأول من زخرف هذه الشبهات وزين للجهال التعلق على الأموات زنادقة الفلاسفة الكفار الدعاة إلى الخلود في عذاب النار كابن سينا والفارابي فإنهم أدخلوا على كثير ممن ينتسب إلى العلم كثيرا من الفلسفة وزخرفوا هذه الشبهات التي صارت في أيدي المشركين وحاولوا بها إبطال ما في الكتاب والسنة من توحيد المرسلين وخالص حق رب العالمين فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا فمن التفت إلى الأموات يستمد منهم نفعا وتبركا بهم فقد اتخذهم أربابا من دون الله قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} إلى قوله: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وقد أخبر تعالى عن عيسى ابن مريم أنه قال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} وهو دليل على أن من مات فلا اطلاع له على الأحياء ولا علم له بهم1 فكيف يدعو من لا يعلم ماله ولا يدري ما يفعله وما يقوله: وقد تقدم في الآيات المحكمات مايدل على ذلك وأن المدعو لا يسمع ولا يستجيب فما هذه التعلقات الشركية التي هي أضل الضلال وأمحل المحال الا من وحي الشيطان وزخرفة أعداء المرسلين كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا

1 إذا كان هذا قول عيسى وقد رفعه الله حيا فكيف بالأموات.

ص: 238

يَفْتَرُونَ} وكل هذه التعلقات على الأموات والغائبين هي أعمال الشرك من المشركين قديما وحديثا وهو شرك قوم نوح لما صوروا الأصنام على صور صالحيهم قال من بعدهم: ما عظم أولنا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم فعبدوهم أي بطلب الشفاعة منهم واستمداد البركة بهم وهذا هو شرك العالم وهم في آخر هذه الأمة أشد وأعظم فاستمسك بأدلة القرآن وسبيل أهل الإيمان.

وقد عرفت أن عبادة الأشجار والقبور والأحجار بدعائهم لها باستمداد البركة منها في زعمهم أنه أبطل الباطل وأمحل المحال كما دل عليه الكتاب والسنة.

وهذا الجواب يكفيك عما تقدم من السؤالات فكل ما كان يفعل عند القبور من التعظيم لها ولأربابها وقصدها والتبرك بها والدعاء عندها أولها كل هذا شرك وضلال.

فتأمل قوله: عن خليله عليه السلام {يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ*إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} والحنيف هو المقبل على الله المعرض عن كل ما سواه فهذه الأدلة التي ذكرنا تبطل كل ما تعلق به المشركون مما كانوا يفعلونه مع العزى ومناة ومن إدعى جواز شيء من ذلك أو أنه يحتمل الجواز فيطالب بالدليل من كتاب الله وسنة رسوله على أن هذا جائز ولا يخفي أنه ينافي الإخلاص لما فيه من الإقبال على غير الله والرغبة إليه وجلب النفع والدفع منه وكل هذا مردود بالآيات المحكمات والأحاديث الصحيحة كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله" وكل ما كان يفعل هؤلاء مع الأموات فليس فيه مستحب ولا مباح إلا زيارة القبور من غير شد رحل لتذكر الآخرة والاستعداد لما بعد الموت من الإخلاص والعمل المشروع من غير تحر لإجابة الدعاء عندها والصلاة إليها ولو كانت لله فهذا محرم سدا لذريعة الشرك وحماية لجناب التوحيد.

ص: 239

وأما قولهم: بعصمة الأنبياء فالذي عليه المحققون أنه قد تقع منهم الصغائر لكن لا يقرون عليها وأما الكبائر فلا تقع منهم وكل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ثبت عنه فهو حق كما قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} كذلك تقريراته حق.

وأما قول أبي الوفا بن عقيل رحمه الله تعالى: فهو حق وأعظمه خطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها يامولاي إفعل كذا وكذا وأخذ تربتها والتبرك بها فهذا الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله وقد كتبنا الأدلة على ذلك في الرد على الذي يقول بالامداد من الموتى فطالعه وفيه ما يكفي ويميز الحق من الباطل.

وأما ما ذكره ابن عقيل رحمه الله: من أفاضه الطيب على القبور وشد الرحال إليها فهو من إفراطهم وغلوهم في الآلهة التي يعبدونها من دون الله وكلامه عندنا رحمه الله: مسلم لأنه اشتمل على إنكار الشرك من التعلق بالأموات واعتقاد أن لهم قدرة على قضاء الحاجات وتفريج الكربات ويخاطبونهم بذلك من قريب وبعيد لإعتقادهم أن لهم تصرفات وأنهم يعلمون الغيب وإن لهم قدرة على ما أرادوا والقرآن كله من أوله إلى آخره ينكر ذلك عليهم ويبين أنه شرك وكفر وضلال ودليله من الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة وإجماع أهل السنة والجماعة مذكور على صاحب الرد في الإمداد.

وإما قول الأئمة الأربعة فذلك مذكور في مذاهبهم في باب حكم المرتد في كل مذهب وأما مسح الرقبة فقول أبو حنيفة وجمهور الفقهاء بخلافه لا يرون ذلك وفيه حديث ضعيف.

وأما دعاء القنوت فبعد الركوع ورفع اليدين فيه جائز والتكبير قبله محدث.

وأما الرسالة التي أرسلتموها إلينا فالجواب عليها يصل إليكم إن شاء الله ويظهر بطلانها بالتمسك بالآيات المحكمات والوقوف عندها ويكفي في ردها ما في سورة الفاتحة في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} من قصر العبادة

ص: 240

والاستعانة على الله دون كل ما سواه فإن غالط فأدلة النهي عن دعوة غير الله وإنها شرك وكفر تكفي المتمسك بها وذكرنا من الأدلة ما فيه كفاية ولو تتبعنا ما في كتاب الله وسنة رسوله من دلائل التوحيد وكلام السلف والخلف من أهل السنة لاحتمل مجلدا ضخما ومجلدات.

وأما السؤال عن رجل لا يتكلم بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس وبعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس فالجواب ما ذكرتموه من قصة أبي بكر مع المرأة الأحمسية وقال لها إن هذا لا يحل فتكلمت.

وأما ما أحدثه المشايخ من المراقبات واللطائف فإن كانت مما جائت به السنة وفعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقبلوه وما لم يفعلوه ولم يقم عليه دليل فدعوه فإن "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"

وأما قول أهل التأويل للصفات إن الله تعالى منزه عن الجهات فهذه شبهة أرادوا بها نفي علو الرب على خلقه واستوائه على عرشه وقد ذكر استواءه على عرشه في سبعة مواضع من كتاب الله تعالى {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} في آية الكرسي وغيرها من القرآن فأثبت لنفسه العلو بأنواعه الثلاثة: علو القهر، علو القدر، علو الذات ومن نفى علو الذات فقد سلب الله وصفه وقد قال تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} وقال {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} وقال {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} وحديث المعراج الذي تواترت به السنة يدل على علو الله على خلقه وأنه على عرشه فوق سماواته.

وهذا مذهب سلف الأمة وأئمتها ومن تبعهم من أهل السنة والجماعة يثبتون لله ما أثبت لنفسه وما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفات كماله ونعوت جلاله على ما يليق بجلال الله وعظمته إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل.

تعالى الله عما يقول المحرفون المخرفون عن الحق علوا كبيرا والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيد المرسلين وإمام المتقين وعلى آله وصحبه أجمعين آمين1

1 المجموعة 2/33.

ص: 241