المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرسالة السادسة والعشرون - المطلب الحميد في بيان مقاصد التوحيد

[عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المقامات

- ‌مدخل

- ‌المقام الأول:

- ‌المقام الثاني:

- ‌المقام الثالث:

- ‌المقام الرابع:

- ‌المقام الخامس:

- ‌المقام السادس:

- ‌المقام السابع:

- ‌المقام الثامن:

- ‌ المقام التاسع:

- ‌المحجة

- ‌الرد على احمد بن علي بن احمد بن سليمان المرائي

- ‌المراسلات

- ‌مدخل

- ‌الرسالة الأولى

- ‌الرسالة الثانية

- ‌الرسالة الثالة

- ‌الرسالة الرابعة

- ‌الرسالة الخامسة

- ‌الرسالة السادسة

- ‌الرسالة السابعة

- ‌الرسالة الثامنة

- ‌الرسالة التاسعة

- ‌الرسالة العاشرة

- ‌الرسالة الحادية عشر

- ‌الرسالة الثانية عشر

- ‌الرسالة الثالثة عشر

- ‌الرسالة الرابعة عشر

- ‌الرسالة الخامسة عشر

- ‌الرسالة السادسة عشر

- ‌الرسالة السابعة عشر

- ‌الرسالة الثامنة عشر

- ‌الرسالة التاسعة عشر

- ‌الرسالة العشرون

- ‌الرسالة الواحده العشرون

- ‌الرسالة الثانية والعشرون

- ‌الرسالة الثالثة والعشرون

- ‌الرسالة الرابعة والعشرون

- ‌الرسالة الخامسة والعشرون

- ‌الرسالة السادسة والعشرون

- ‌الرسالة السابعة والعشرون

- ‌الرسالة الثامنه والعشرون

- ‌الرسالة التاسعه والعشرون

- ‌الرسالة الثلاثون

- ‌الرسالة الواحدة والثلاثون

- ‌الرسالة الثانية والثلاثون

- ‌الرسالة الثالثة والثلاثون

- ‌الرسالة الرابعة والثلاثون

- ‌الرسالة الخامسة والثلاثون

- ‌الرسالة السادسة والثلاثون

- ‌الرسالة السابعة والثلاثون

- ‌الرسالة الثامنه والثلاثون

- ‌الرسالة التاسعة والثلاثون

- ‌الرسالة الأربعون

- ‌الرسالة الواحدة والأربعون

- ‌الرسالة الثانية والأربعون

- ‌الرسالة الثالثة والأربعون

- ‌الرسالة الرابعة والأربعون

- ‌الرسالة الخامسة والأربعون

- ‌الرسالة السادسة والأربعون

- ‌الرسالة السابعة والأربعون

- ‌الرسالة الثامنة والأربعون

- ‌الرسالة التاسعة والأربعين

- ‌الرسالة الخمسون

- ‌الرسالة الواحده والخمسون

- ‌الرسالة الثانية والخمسون

- ‌الرسالة الثالثة والخمسون

- ‌الرسالة الرابعة والخمسون

- ‌الرسالة الخامسة والخمسون

- ‌الرسالة السادسة والخمسون

- ‌الرسالة السابعة والخمسون

- ‌الرسالة الثامنة والخمسون

الفصل: ‌الرسالة السادسة والعشرون

وأما الرجل الذي ذكرت لي عنه فالذي ذكرت عنه من طرف الشيخ رحمه الله: والثناء عليه ودعوته التي أنعش الله بها الخلق الكثير والجم الغفير في آخر هذا الزمان والمشار إليه ما نظن فيه إلا بحسن الرأي في ذلك بقي أن هنا أمورا فالسالم منه قليل نادر نسأل الله التوفيق لحسن المتاب وأما ما يقول الناس من الكذب والافتراء لاجل أغراضهم الدنيوية فهذا طبعهم خصوصا في هذه الأوقات والذي يصدق الناس فيما نقلوه من الأوهام والاكاذيب يتعب ويأتم وبلغ إخوانك السلام ومن لدينا الإمام ومن ذكرنا وكاتبه عبد العزيز بن موسى ينهون السلام وأنت السلام1.

1 المجموعة 1/404.

ص: 201

‌الرسالة السادسة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

"26"

من عبد الرحمن بن حسن إلى الإمام الاكرم فيصل بن تركي سلمه الله وهداه آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته "وبعد" فالواجب علينا وعليكم التناصح في دين الله والتذكير بنعم الله وأيامه فإن ذلك من المصالح الخاصة والعامة ما لا يحيط به إلا الله وفي الحديث "مانزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة" ولله حق وعبودية على خلقه بحسب وسعهم وقدرتهم ولذلك كان على ولاة الامور ورؤساء الناس المطاعين فيهم ما ليس عامتهم وسوقتهم وكل خير في الدنيا والآخرة إنما حصل بمتابعة الرسل وقبول ما جاؤا به وكل خير في الدنيا والآخرة إنما حصل بمتابعة الرسل وقبول ما جاؤا به وكل شر في الدنيا والآخرة إنما حدث ووقع بمعصية الله ورسله والخروج عما جاءوا به من النور والهدى. وهذه الجملة شرحها يطول وتفاصيلها لا يعلمها إلا الله الذي {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} والسير والاعتبار والاستقراء والقصص والأمثال والشواهد النقلية والعقلية تدل على هذا وترشد إليه وبعض الأذكياء يعرف ذلك في نفسه وأهله وولده ودابته قال بعضهم: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق أهلي

ص: 201

ودابتي واللبيب يدرك من الأمور الجزئية والكليية ما لايدركه الغبي الجاهل ويكفي المؤمن قوله تعالى {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} فهذه الآية يدخل فيها كل نعيم باطنا وظاهرا في الدنيا والآخرة وفي البرزخ وقد قال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} الآية. ويدخل في هذا كل شيء من المصائب والجزاء حتى الشوك والهم والحزن لكن المؤمن يثاب على ذلك ويكفر عنه بإيمانه كما دل على ذلك الحديث.

إذا عرف هذا فكثير من الناس يعرف أن المصائب والابتلاء حصل بسبب الذنوب ويقصد الخروج منها والتوبة ولا يوفق- نعوذ بالله من ذلك – وذلك لأسباب منها جهله بالذنوب ومراتبها وحالها عند الله ومنها جهله بالطريق التي تخلصه منها وتنقذه من شؤمها وشرها وتبعتها.

ولا سبيل لأحد إلى معرفة ذلك وما يخلص منه إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعرفة ما جاء به من الهدى ودين الحق إجمالا وتفصيلا فإنه الواسطة بين العباد وبين ربهم في إبلاغ ما يحبه الرب ويرضاه ويريده من عباده ويوجب السعادة والنعيم والفلاح في الدنيا والآخرة وفي إبلاغ ما يضرهم ويسخط ربهم ويوجب الشقاوة والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة فكل طريق غير طريقه مسدود على سالكيه وكل عمل ليس عليه رسمه وتقريره فهو رد على عامليه.

وقد عرفتم أرشدكم الله تعالى أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل وأهل الأرض قد عمتهم الجهالة وغلبت عليهم الضلالة عربيهم وعجميهم إلا من شاء الله من بقايا أهل الكتاب.

فأول دعوته صلى الله عليه وسلم ورسالته وقاعدة قوله: رد الخلق إلى الله وأمرهم بعبادته وحده لا شريك له وخلع ما سواه من الأنداد والآلهة والبراءة منهم وهذا هو الذي دلت عليه كلمة الإخلاص وهو أودعوة الرسل وأول الواجبات والفرائض.

ومكث عليه الصلاة والسلام مدة من الدهر نحو العشر بعد النبوة يدعو إلى هذا ويأمر به وينهى عن الشرك وينذر عنه وفرض الفرائض وبقية يدعوا إلى هذا ويأمر به وينهى عن الشرك وينذر عنه وفرض الفرائض وبقية

ص: 202

الأركان بعد ذلك منجما.

إن هذا هو أهم الأمور وأوجبها على الخلق كما في الحديث "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد" وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يبعث عماله ويرسل رسائله إلى أهل الأرض ويدعوهم إلى هذا يبدأ به قبل كل شيء ولا يأمر بشيء من الأركان إلا بعد التزامه ومعرفته كما دل عليه حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن وغيره من الأحاديث.

وفي أوقاتنا بعد العهد بآثار النبوة وطال الزمن وكاد يشبه زمن الفترة لغلبة الجهل وشدة الغربة. وقد من الله على هذه الأقطار بشيخ الإسلام رحمه الله: فقام بتجديد الدين وتمهيد قواعد الملة أتم قيام حتى ظهر بحمد الله منار التوحيد والإسلام ووازره على ذلك من أسلافكم وأعمالكم من وازره رحمة الله عليهم أجمعين وبعدهم حصل من الناس ما لا يخفى من الأعراض والإهمال وعدم الرغبة والتنافس فيما أوجبه الرب من توحيده وفرضه على سائر عبيده وقل الداعي إلى ذلك والمذكر به والمعلم له في القري والبوادي والتساهل في هذه الأمور العظام التي هي آكد مباني الإسلام يوجب للرعية أن يشب صغيرهم ويهرم كبيرهم على حالة جاهلية لا يعرف فيها الأصول الإيمانية والقواعد الإسلامية والله سائلنا وسائلك عن ذلك كل بحسب قدرته وطاقته والجهل والظلم غالب على النفوس ولها وللشيطان حظ كبير في ذلك والنفوس الجاهلية المعرضة عن العلم النبوي يسرع إليها الشرك والتنديد أسرع من السيل إلى منحدره.

والواجب مراعاة هذا الأصل والقيام فيه وبعث الدعاة إليه وجعل أموال الله التي بأيديكم آلة له ووقاية وحماية وإعانه فإن هذا من أفرض الفرائض والزمها ولم تشرع الإمامة والإمارة إلا لأجل ذلك والقيام به.

وبقاء الإسلام والإيمان في استقامة الولاة الأئمة على ذلك وزوال الإسلام والإيمان وانقضاؤه بانحرافهم عن ذلك وجعل الهمة والأموال والقوة مصروفة في غيره مقصودا بها سواه من العلو والرياسة والشهوات ولذلك وقع في آخر بني العباس ما وقع من

ص: 203

الخلل والزلل واشتدت غربة الإسلام وظهرت البدع العظام واظهر الكفر أعلامه وشعاره وبنيت المساجد على القبور وأسرجت عليها السرج وأرخيت عليها الستور وهتف أكثر الناس في الشدة بسكان القبور وذبحوا لها القرابين ونذرت لها النذور وبنيت الهياكل للنجوم وخاطبها بالحوائج كل مشرك ظلوم وسرى هذا في الناس حتى فعله من يظن أنه من الأخيار والأكياس وكثير منهم يظن أن هذا هو الإسلام وإنه مما جاء به سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام وهل وقع ذلك وصار على تطاول الدهر والاعصار إلا بسبب إهمال الرؤساء والملوك الذين استكبروا في الأرض ولم يرفعوا رأسا بما جاءت به الأنبياء وقنعوا بمجرد الإسم والانتساب من غير حقيقة قال الله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} الآية.

فأهم المهمات وآكد الأصول والواجبات التفكر في هذا وتفقد الرعية الخاصة والعامة البادية والحاضرة لأنك مسؤول عنهم والسؤال يقع أولا عن الدين قبل الدنيا وفي الحديث "كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته" وفي الحديث الصحيح " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون" قالوا فما تأمرنا قال: "أوفو بيعة الأول أعطوهم حقهم فإن الله عز وجل سائلهم عما استرعاهم عليه ففتش عقائدهم وانظر في توحيدهم وإسلامهم خصوصا مثل أهل الإحساء والقطيف اشتهر عنهم ما لا يخفاك من الغلو في أهل البيت ومسبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم التزام كثير من أصول الدين وفروعه وكونهم يسرون ذلك ويخفونه مما لا يسقط عنك وجوب الدعوة والتعليم والنصح لله بظهور دينه وإلزامهم به وتعليم صغارهم وكبارهم فإنك مسؤول عن ذلك والحمل ثقيل والحساب شديد.

وفي الطبراني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل بشر بن عاصم على صدقات هوزان فتخلف بشر فلقيه عمر فقال ما خلفك أما لنا عليك سمع طاعة؟

قال: بلى ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من ولي شيئا من أمر المسلمين

ص: 204

أتى به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم فان كان محسنا نجا وان كان مسيئا إنخرق به الجسر فهوى فيه سبعين خريفا" فرجع عمر كئيبا حزينا جعلك الله من الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب.

ومن الدعوة الواجبة والفرائض اللازمة جهاد من أبى أن يلتزم التوحيد ويعرفه من البادية أو غيرهم وكثير من بادية نجد يكفي فيهم المعلم وأما من يليهم من المشركين مثل الضفير وأمثالهم فيجب جهادهم ودعوتهم إلى الله. وقد أفلح من كان لله محياه ومماته وخاف الله في الناس ولم يخف الناس في الله. وفي الحديث "مثل المجاهد في سسبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثله الصائم القائم وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع اجر وغنيمة" 1

وكذاب يجب على ولي الأمر أن لا يقدم من نسب عنه طعن وقدح في شيء من دين الله ورسوله أو تشبيه على المسلمين في عقائدهم ودينهم مثل من ينهى عن تكفير المشركين ويجعلهم من خير أمة أخرجت للناس لأنهم يدعون الإسلام ويتكلمون بالشهادتين.

وهذا الجنس ضرره على الإسلام خصوصا على العوام ضرر عظيم يخشى منه الفتنة وأكثر الناس لا علم له بالحجج التي تنفي شبهة المشبهين وزيغ الزائغين بل تجده والعياذ بالله سلس القياد لكل من قاده أو دعاه كما قال فيهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لم يستضيؤا بنور العلم ولم يلجؤا إلى ركن وثيق أقرب شبها بهم الأنعام السارحة.

فإذا تيسر لكم إن شاء الله الإهتمام والقيام بهذا الأصل العظيم فينظر بعد هذا في أحوال الناس في الصلوات الخمس المفروضات فإنها من آكد الفروض والواجبات وفي الحديث "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وأخر ما تفقدون الصلاة" وكل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء وقد قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} الآية فيلزم جعل نواب يأمرون بما أمر الله به ورسوله من إقام الصلاة في المساجد في

1 هذا لفظ البخاري وفي مسلم وغيره زيادة عليه.

ص: 205

أوقاتها ويؤدبون من عرف منه كسل أو ترك أو إهمال أدبا يردع أمثاله وعلى أئمة المساجد تعليم ما يشترط لها وما يجب فيها من الأعمال والأقوال.

وبعد هذا يلتفت إلى النظر في أمر الزكوات الشرعية وجبايتها علىالوجه الشرعي من الأنعام والثمار والنقود والعروض ويكون مع كل عامل رجل له معرفة بالحدود الشرعية والأحكام الزكوية ويحذر عن الزيادة عما شرعه الله ورسوله فلا يؤخذ إلا مما وجبت فيه الزكاة وتم نصابه وحال حوله وكثير من العمال يخرص جميع الثمار وإن لم تنصب وأخذ الزكاة من شيء لم يوجبه الله ولا رسوله فيه ظلم بين وتعد ظاهر حمانا الله وإياكم منه.

وكذلك ما يتبع الزكاة من النائبة قد أغنى الله عنها وجعل فيما أحل غناء عما منع وحرم ومن الواجبات على ولي الأمر ترك ذلك لله وفي بيت المال ما يكفي الضيف ونحوه إن حصل تسديد ومن الله بتوفيق من عنده.

وكذلك ما يؤخذ من المسلين في ثغر القطيف من الأعشاب لا يليق ولا يجوز التعشير في أموال المسلمين ويلزم ولي الأمر أيده الله أن يلزم التجار الزكوات الشرعية قهرا ويدع مالا يحل.

ومن الواجب تتميز الأموال الداخلة على ولي الأمر فإن الله ميزها في كتابه وقسمها فلا يحل تعدي ذلك وخلطها بحيث لا يمكن تمييز الزكاة من الفيء والغنائم فإن لهذا مصرفا ولهذا مصرفا ويجب على ولي الأمر صرف كل شيء في محله وإعطاء كل ذي حق حقه أهل الزكاة من الزكاة وأهل الفيء من الفيء ويعين ذلك في الأوامر التي تصدر من الإمام لوكيل بيت المال.

ويجب تفقد من في بلاد المسلمين من ذوي القربى في الفيء والغنيمة فإن هذا من أكد الحقوق والزمها لمكانهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد بهم من عرف التوحيد والتزمه وأهل الإسلام ما صالحوا من عاداهم إلا بسيف النبوة وسلطانها خصوصا دولتكم فإنها ما قامت إلا بهذا وهذا أمر يعرفه كل عالم وفي الحديث "إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بحقه بورك له فيه

ص: 206

ورب متخوض في مال الله بغير حق ليس له يوم القيامة إلا النار" عفانا الله وإياكم من النار وأعمال أهل النار.

وكل من أخذ مالا يستحقه من الولاة والأمراء والعمال فهو غال كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول وعظمه وعظم أمره حتى قال: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغتك لا الفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها يعار فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رغبته نفس لها صياح فيقول: يا رسول الله فأقول: لا ملك لك من الله شيئا قد بلغتك لا الفين أحدكم يجيء يوم على رقبته رقاع تخفق فيقول يا رسول الله أغثني فأقول: لا املك شيئا وقد بلغتك لا الفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا املك لك شيئا قد بلغتك" وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هدايا العمال غلول فقال: "هدايا العمال غلول" فينبغي التفطن لهذه الأمور لئلا يقع فيها وهو لا يدري.

وكذلك ينبغي تفقد أمر الناس في الحج والقيام على من تركه وهو يستطيعه وهو ركن من أركان الإسلام ويذكر عن عمر أنه قال لقد هممت أن أضع الجزية على من ترك الحج. وبعض السلف يكفر من تركه. وأمر الرعية بذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لا يسع أحدا تركه.

وكذلك القيام على الناس ومنعهم عن التعدي في الدماء والأموال وقطع السبيل فهذا من الفساد في الأرض والمحاربة لله ورسوله فإن لم ينتهوا إلا بغزوهم لزم الإمام أن يبعث السرايا لحربهم. ولما تعرض الفجاء السلمي للناس يأخذ ويقتل من مسلم وكافر بعث أبوبكر رضي الله عنه جيشا فظفروا به فأحرقه بالنار. ويذكر عن حسان أنه قال.

ص: 207

وما الدين إلا أن تقام شريعة

وتأمن سبل بيننا وشعاب

وكذلك ما حدث من الدفنان للبادية إذا أخذوا المسلمين وقتلوا لما فيه من ترك حقوق المسلمين في الدماء والأموال مع القدرة على استيفائها والقيام بالعدل الذي أمر الله به ورسوله كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} الآية.

فتأمل هذه الموعظة وما ختمها به من هذين الوصفين العظيمين وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية.

فالواجب على من نصح نفسه أن لا يحكم إلا بحكم الله ورسوله فإن لم يفعل وقع في خطر عظيم من تقديم الآراء وإلا هواء على شرع الله ورسوله قال العلامة ابن القيم رحمه الله.

والله ما خو في الذنوب فإنها

لعلى طريق العفو والغفران

لكنني أخشى انسلاخ القلب من

تحكيم هذا الوحي والقرآن

ورضا بآراء الرجال وخرصها

لا كان ذاك بمنة الرحمن

ومما يجب على ولي الأمر تفقد الناس من الوقوع فيما نهى الله عنه ورسوله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن بإزالة أسبابها وكذلك بخس الكيل والميزان والربا فيجعل في ذلك من يقوم به من له غيرة لدين الله وأمانة.

وكذلك مخالطة الرجال للنساء وكف النساء عن الخروج إذا كانت المرأة تجد من يقضي حاجتها من زوج أو قريب أو نحو ذلك وكذلك تفقد أطراف البلاد في صلاتهم وغير ذلك مثل أهل النخيل النائية لأنه ربما يقع فيها فساد ما يدري عنه وأكثر الناس ما يبالي ولو فعل ما نهى عنه وفي الحديث "ماتركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء" وفي الحديث أيضا "ما ظهرت الفاحشة في قوم إلا ابتلوا بالطاعون والأمراض التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا" نعوذ بالله من عقوبات المعاصي ونسأله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

ص: 208

وكذلك التوسع في لبس الحرير وما زاد على المباح وهو ما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ونص على تحريمه ولا يجوز تتبع الرخص.

ومن الأصول التي تدور عليها الأحكام حديث "إنما الأعمال بالنيات" وحديث "من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وحديث "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه" فكل أمر ينبغي لذوي العقول أن يتركوا ما تشابه منه قد يقع فيه خلاف من بعض العلماء فلا ينبغي أن يرخص لنفسه في أمر قد ظهرت فيه أدلة التحريم فاجتنابه من تقوى الله وخوفه وتركه مخافة الله من الأعمال الصالحة التي تكتب له الحسنات.

ومما يجب النهي عنه الاسبال كما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث الصحيح "ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار" وفي الحديث "بينما رجل يجر إزاره خيلاء أمر الله الأرض أن تأخذه فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة".

وكذلك التشبه باليهود والمجوس في ترك الشوارب وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحفائها مخالفة لليهود والمجوس فقال: صلى الله عليه وسلم "أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا اليهود" والذي فيه دين ورغبة في الخير ما يرضى لنفسه أن يخالف ما أمر الله به ورسوله ويقتدي باليهود والمجوس والمتكبرين.

وكل ما أمر الله به ورسوله فينبغي للعبد أن يتمثل ويسمع ويطيع لما في ذلك من المنافع الكثيرة وما في خلافه من الإثم قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا} فعلى الإمام أن يأمر النواب من رأوه تاركا للأمر أن يقوموا عليه ويلزموه لطاعة حتى تظهر طاعة الله ورسوله في المسلمين

ص: 209

ويمتازون بذلك عمن خالفهم في الدين من اهل الجفاء والغلظة والغفلة والإعراض.

نسأل الله العفو والعافية فإنها قد عمت البلوى بهذا بكثير لما قام بقلوبهم من ضعف الإيمان وعدم الرغبة فيه.

وكذلك يجب على الإمام النظر في أمر العلم وترغيب الناس في طلبه وإعانة من تصدى للطلب لقلة العلم وكثرة الجهل وإن كان قد قام ببعض الواجب فينبغي له أن يهتم بهذا الأمر لفضيلة العلم وكثرة ثواب من قام به وأعان عليه فإن أكثر من يطلب العلم فقراء ويحتاجون إلى الإعانة على فقرهم لما يكون لهم فيه سعة وطلب العلم اليوم من الفرائض كما لا يخفى على الإمام وغيره وفي الحديث الصحيح "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم" وهذا ما يحصل إلا باعتناء الإمام وتأليفه للطالب فإذا كثر العلم وقل الجهل بسببه حصل له من الخير والحسنات مالا يحصيه إلا الله إن قبله الله وبالغفلة عن طلبة العلم تضعف هممهم ويقل طلبهم وفي مناقب عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إنه إذا أراد أن يحي سنة أخرج من العطاء مالا كثيرا فإذا نفروا من هذا رغبوا إلى هذا فلله دره رحمه الله: ما أحسن نظره لنفسه ولمن ولاه الله عليهم.

وهذا الذي ذكرنا من الأمور البينة التي ينبغي التنبيه عليها بخصوصها وأما الأمور التي بين الله وبين العبد التي فيها صلاح القلوب ومغفرة الذنوب منإتعاب النفس فيما يحبه الله ويرضاه مما يقع له عليه فهذا باب واسع ولا يدرك هذا إلا من جعل الله له رغبة في تدبر كتابه ومعرفة صفة أهل الإيمان والتقوى الذين أعد الله لهم الجنة ويجاهد نفسه على ذلك فعلا وتركا.

وعلى كل من نصح نفسه أن يحذر من كبائر الذنوب التي هي من أعظم الذنوب ولا يأمن مكر الله وليكن لنفسه أشد مقتا منه لغيره وليكن معظما للأمر والنهي مفكرا فيما يحبه الله ويرضاه متدبرا لكتابه محبة لربه ورغبة في ثوابه وخوفا من غضبه وعقابه ومن الواجب على كل أحد أن يحب في الله ويبغض في الله ويعادي في الله ويوالي في الله ويحب في أولياء الله أهل طاعته

ص: 210