الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقتلكم معه قتل عاد وإرم"1. ولما ذكرهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور ونفر آخرون بدعواهم تلك، وبظهور النبي العربي بقولهم لهم: "يا معشر يهود، اتقوا الله، واسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد، ونحن أهل شرك، وتخبروننا إنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته"، فكان جواب يهود لهم ما جاء على لسان سلام بن مسكم أحد بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكره لكم، وقد أشير إلى ذلك في القرآن الكريم {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} 2.
واستفتاح اليهود على المشركين، هو للتفريج عن أنفسهم ولتخويف الأوس والخزرج ولاعتقادهم حقًّا بظهور مسيح منهم، أي من بني إسرائيل. ولهذا أنكروا نبوة الرسول، وأبوا التسليم بها، لأنه لم يكن منهم، ولأن النبوة لا تكون -على رأيهم- إلا في بني إسرائيل. فكيف يصدقون بنبي عربي من الأميين "نبي أموت ها عولام "Nebie Ummot ha Oiam.
1 ابن هشام "2/ 166"، "طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد"، تفسير الطبري "1/ 324".
2 البقرة، الآية 89، تفسير الطبري "1/ 324"، روح المعاني "1/ 289".
يهود اليمن:
والموضع الثاني الذي عششت فيه اليهودية وباضت، هو اليمن. ففي هذه الأرض من جزيرة العرب ظهر التهود فيها ظهورا واضحا، وصارت اليهودية ديانة البلاد الرسمية. أما كيفية مجيئها وانتشارها هناك، ومتى كان ذلك، فليس لدينا علم واضح دقيق عن ذلك. ويزعم أهل الأخبار أن تبعا، وهو التبع "تبان أسعد أبو كرب"، اهتدى إلى هذه الديانة عند اجتيازه بيثرب وهو عائد إلى اليمن من حرب قام بها في الشمال وفي إيران، وذلك بتأثير بعض الأحبار عليه، ومنذ ذلك الحين صارت هذه الديانة ديانة رسمية للبلاد1.
وتجعل بعض روايات الإخباريين اسم هذا التبع "تبع بن حسان" أو "حسان"،
1 الطبري "2/ 105 وما بعدها"، "طبعة دار المعارف بمصر".
وهو "تبع الأصغر"، أو "أبو كرب بن حسان بن أسعد الحميري" أو غير ذلك. وتزعم أن حبرين من أحبار اليهود من بني قريظة عالمين راسخين في العلم، هما اللذان هديا التبع إلى اليهودية، وأبعداه عن عبادة الأوثان1.
وقد يكون لهذه الروايات شيء من الصحة، غير إني أرى أن دخول اليهودية إلى اليمن مرده أيضًا إلى اتصال اليمن من عهد قديم بطرق القوافل التجارية البحرية والبرية ببلاد الشأم. وفي قصة سليمان وملكة سبأ إشارة إلى تلك الصلات، وإلى هجرة جماعات من اليهود إلى هذا القطر عن طريق الحجاز، بعوامل متعددة، منها: التجارة والهجرة إلى هذا القطر عن طريق الحجاز بعوامل متعددة، منها: التجارة والهجرة إلى الخارج، وهروبهم من اضطهاد الرومان لهم، وعوامل أخرى جعلتهم يتجهون من الحجاز إلى اليمن، فأقاموا هناك.
وأما يهود اليمن المحدثون فإن أخبارهم ورجال العلم والفهم منهم يرجعون وجودهم في اليمن إلى أيام السبي، أي إلى أيام "بخت نصر"، وهم يزعمون أنهم بقوا في اليمن منذ ذلك اللحين ولم يعودوا إلى فلسطين2. وقد غادروا اليمن بعد التقسيم.
وقد أشار حبر يسمى "ربي عاقبة""رباي عقيبة" Rabbi Aqiba، في حوالي سنة "130م"، إلى زيارته لملك عربي كوشي "مليخ عرابيم" كانت زوجته كوشية كذلك، وإلى تحدثه معه. ويراد بـ"كوشي" الأحباش غير أن بعضهم كان يقصد بها العربية الجنوبية كذلك. ولا يستبعد أن يكون مراد الحبر بذلك اليمن، أو منطقة أخرى من العربية الجنوبية كان الحبش قد استولوا عليها3. وربما قصد منطقة ساحلية كان يحكمها ملك عربي في ذلك الوقت.
وتدل رحلة "ربي عقيبة" Raqiba هذه إلى اليمن على وجود يهو فيها، إذ لا يعقل سفره هذا إلى تلك البقعة النائية وتجشمه مشقته، لو لم تكن هناك
1 الأغاني "1/ 109 وما بعدها"، "13/ 120 وما بعدها".
Caussin de Perceval، Essai، I، 91، Nallino، Raccolta، III، p. 88.
2 Travels and adventure of the Rev. Poseph Walf. London، 1861، p. 509، R. dozy، Die Israeliten zu mekka von David Zeit Bis In's Funfte Jakrhundert unsrer Zeirechung، 1864، s. 135.
3 Islamic Culrure، III، 2، p. 190 1929، Josephus، Antiqultate، XV، 3، 29، Die Araber، III، s. 22. Talmud Babli، in Rosh Hashnah، 26a، Kraus، in ZDMG، S. 331، 1916.
جالية يهودية فيها. وقد يجوز أن تكون سفرته إلى اليمن مجرد سفرة استطراق وعبور، لغاية الذهاب من اليمن إلى الحبشة، ولكني لا أستبعد مع ذلك وجود اليهود في اليمن في هذا العهد، إذ كان "أوليوس غالوس" قد جاء بجمع منهم معه في حملته على اليمن، فيجوز أن يكون بعضهم قد فضل البقاء في اليمن والسكن فيها لطيبها ولخصب أرضها وتعبهم من السفر، ففضلوا لذلك البقاء على الرجوع وتحمل المشقات والجوع والعطش والهلاك. وقد هلك بالفعل القسم الأكبر من رجال الحملة بسبب صعوبة الطريق والحر الشديد والجوع والعطش1.
وقد عثر على كتابة من كتابات في "بيت شعا ريم" Beth She arim في جنوب شرقي حيفا، ورد فيها:"منحم قولن حميرن" Mnhm Kwin hmyrn أي "مناحيم قيل حمير". والموضع الذي وجدت هذه الكتابة فيه، هو مقبرة من مقابر كبار الأحبار، وقد وجدت معها كتابات أخرى، تشير إلى أسماء أحبار معروفين قبروا فيها. لذلك فإن "مناحيم""قيل حمير" هو يهودي، قد كان جاء إلى فلسطين للزيارة أو للاتصال بعلماء اليهود الذين كانوا قد تجمعوا في "بيت شيعا ريم"، فمرض ومات هناك. ودفن في مقبرة هذا الموضع. ويرجع الباحثون تأريخ الكتابة المذكورة إلى حوالي سنة "200م"2.
واستدل بعض المستشرقين بنص دونه "شرحبيل يعفر بن أبي كرب أسعد" على سد مأرب، وردت فيه جملة "بعل سمن وارضن"، أي" رب السماء والأرض"، على تهوده بحجة أن هذه العبارة تشير إلى التوحيد الخالص، والتوحيد الخالص هو عقيدة يهود3.
وقد ذكر المؤرخ النصراني "فيلوستورجيوس" PhiIostorgius في حوالي سنة 425م، أن أهل سبأ كانوا يتبعون في "السبت" سنة "إبراهيم"، ولكنه ذكر أيضًا أنهم كانوا يعبدون الشمس والقمر ومعبودات أخرى، وأن بعضًا منهم كان على دين يهود، وإنه قاوم رسالة "ثيوفيلس" TheophiIus في حوالي سنة 425/، أن أهل سبأ كانوا يتبعون في "السبت" سنة "إبراهيم"، ولكنه ذكر أيضًا أنهم كانوا يعبدون الشمس والقمر ومعبودات أخرى، وأن بعضًا منهم كان على دين يهود، وإنه قاوم رسالة "ثيوفيلس" TheophiIus الذي أرسله القيصر
1 Uliendorff، in Journ of Sem. Stud، Vol، I، Num. 3، July 1956، p. 221
2 S. D. Goitein، Jew and Arabes، New York، 1955، p. 47، Die Araber، III، S. 16 ff، Corp. Inscript، Iudaic، 2، 1952، 207، Nr. 1137، Driver، in Hebrew and Semific Studies، 1963، 151. F.
3 Islamic Culture، 1929، III، 2، p. 191، Margoliouth، Relations. P 68.
قسطنطين "340-361م" للتبشير بين الحميريين. وذكر المؤرخ "ثيودور لكتور" Theodorus Lector، وهو من رجال النصف الأول للقرن السادس للميلاد، أن الحميريين كانوا في بادئ أمرهم على دين يهود، دخلوا فيه في أيام ملكة سبأ المعروفة بقصتها مع سليمان، بدعوتها إياهم إلى هذا الدين. ولكنهم كما يقول هذا المؤرخ عادوا فارتدوا إلى الوثنية، ثم دخلوا بعدئذ في النصرانية في أيام القيصر "أنسطاس" Anastasius "491-518م". ولم يشر ها المؤرخ إلى وجود اليهودية بين الحميريين، كما إنه لم يشر ولا المؤرخ الآخر إلى تهود أحد من ملوك حمير1.
ويفهم من الجمل: "وأن اليهود الكائنين في طبرية يرسلون سنة فسنة ووقتًا فآخر كهنة منهم إلى هناك لإثارة الحس بين نصارى الحميريين. فلو كان الأساقفة نصارى وليسوا بشركاء لليهود، ويودون أن تستقيم النصرانية، لرغبوا إلى الملك وعظمائه، ليلقوا القبض على رؤساء كهنة طبرية وبقية المدن، ويلقوهم في السجن. ولا نقول هذا لنجازي سيئة بسيئة، بل ليتوقفوا منهم بكفلاء حتى لا يعودوا يرسلون رسائل وأشخاصا وجيهين إلى ملك الحميريين، فيصب صاعقة الأرزاء على شعب المسيح في حمير
…
"، وهي جمل أقتبسها من رسالة "شمعون" عن تعذيب نصارى نجران، أن يهود اليمن لم يكونوا بمعزل عن يهود فلسطين، بل كانوا على اتصال بهم، وأن أحبار طبرية كانوا يرسلون رجالا منهم إلى اليمن ومعهم أمال ووجوه إلى يهودها وملكها وكبارها للتأثير فيهم ولتوثيق صلاتهم وروابطهم بهم. وقد نسب شمعون إلى أحبار طبرية، إنهم كانوا يحرضون ملك حمير ويهود حمير على الضغط على نصارى اليمن وعلى اضطهادهم انتقاما منهم، فطالب الحكومة والنصارى على الضغط على يهود فلسطين وعلى أحبار طبرية بصورة خاصة، ليكتبوا إلى يهود حمير بالكف عن التحرش بنصارى اليمن، وعن تهديدهم بانزال العقوبات بهم انتقاما منهم إلى لم يسدوا لهم النصح.
وورد في أخبار الشهداء الحميريين: أن أحبارا من فلسطين من "طبريا" Tiberias كانوا قد جاءوا إخوانهم في الدين يهود اليمن وسكنوا معهم2. ومعنى
1 Margoliouth، P. 62 F، Migne، Partologia Graeca، XXXV، P. 211، Islamic Culture، 1929، III، 2، p. 190، Philostorgius، Hist. Eccl، III، 5.
2 MargIiouth p 68.
هذا أن الصلات بين يهود اليمن ويهود فلسطين كانت موجودة، وأن يهود اليمن لم يكونوا بمعزل عن يهود فلسطين، ويجب أن يقال مثل ذلك عن يهود الحجاز، إذ لابد وأن يكون ليهود الحجاز اتصال بيهود فلسطين وبيهود اليمن. وكيف لا يكون لهم اتصال بهم، وهم جيران فلسطين ولهم تجارات معهم، ثم إنهم على طريق اليمن وفلسطين، فإذا أراد يهود فلسطين الذهاب إلى اليمن، أو يهود اليمن الذهاب إلى فلسطين فلا بد من المرور بأرض يهود الحجاز والنزول بهم.
وقد عثر في اليمن على نص مكتوب بالمسند، وردت فيه كلمة "يسرائيل" و"رب يهود". ويدل هذا على أن صاحبه كان على دين يهود. عتر عليه المستشرق "كلاسر" ونشره المستشرق "ونكلر"، وهذا هو:"تبرك سم رحمنن ذ بسمين" سمن" ويسر ال والهمو رب يهود. ذ هرد عبد همو وشحرم وامهوبم "؟ " وحشكهتو شمسم واولهمو ذمم "ظ" وابشعر ومار وكل ابه"1.
وأما كتابته بلهجتنا، فعلى هذا المنوال:"تبارك اسم الرحمان الذي في السماء وإسرائيل وإلهه رب يهود الذي ساعد عبده شحرًا وأمه بم"؟ " وزوجته شمسًا وأولاده ذمم "؟ " وأبشعر ومئارًا وكل أهل "بيته".
غير أن من الباحثين من يشك في صحة نقل هذا النص نقلا صحيحًا تامًّا، ولم يتأكد من صحة نقل كلمة "إسرائيل"2.
واليهودية وإن ضعفت في اليمن بدخول الحبشة فيها، بقيت مع ذلك محافظة على كيانها، فلم تنهزم، ولم تجتث من أصولها، وبقيت قائمة في هذه البلاد في الإسلام كذلك فلم يجل أهلها عنها كما أجلي أهل خيبر، وظلت بقيتهم هناك إلى سنيات قريبة حيث غادروها على أثر حوادث فلسطين.
وقد كانت "نجران" من المستوطنات المهمة التي نزل بها اليهود في اليمن3. وهي مكان خصب، وقد عاش اليهود فيها مع غيرهم من العرب من نصارى وعبدة أصنام.
ووجد اليهود في مواضع أخرى من جزيرة العرب. وجدوا في العربية الشرقية
1 Glaser 394-395، Revue des Etudes Juives، 1891، VOl.، 23، P. 122، Winckler AOF، I، S. 337
2 MargIiouth p 68
3 معجم "1/ 327".
وفي نجد وفي مواضع من العربية الجنوبية، ولما ارتد "بنو وليعة" والأشعث بن قيس بن معد يكرب بن معاوية الكندي، وتحصن "الأشعث" في النجير"، وهو حصن لهم، كانت فيه امرأة من يهود، عرفت بشماتتها بوفاة الرسول، اسمها "هند بنت يامين" اليهودية1. مما يدل على وجود اليهود في هذا المكان. وكان بالبحرين قوم من اليهود، صالحوا المسلمين مثل النصارى على دفع الجزية عن رءوسهم2. وقد كتب "المنذر بن ساوى" العبدي، يخبر الرسول أن بأرضه يهود ومجوس، فكتب إليه الرسول: "من أقام على يهودية، أو مجوسية فعليه الجزية"3.
1 البلاذري، فتوح "111"، "ردة وليعة والأشعث بن قيس ين معد يكرب بن معاوية الكندي.
2 البلاذري، فتوح "89، 91""البحرين".
3 ابن سعد، طبقات "1/ 263".