المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الحادي والثمانون: التنظيم الديني ‌ ‌مدخل … الفصل الحادي والثمانون التنظيم الديني وكان لنصارى - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٢

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني عشر

- ‌الفصل الرابع والسبعون: الكعبة

- ‌مدخل

- ‌الكسوة:

- ‌المال الحلال:

- ‌بقية محجات العرب:

- ‌المزارات:

- ‌الفصل الخامس والسبعون: الحنفاء

- ‌مدخل

- ‌الاعتكاف:

- ‌الفصل السادس والسبعون: اليهودية بين العرب

- ‌مدخل

- ‌يهود اليمن:

- ‌الفصل السابع والسبعون اليهود والإسلام

- ‌الفصل الثامن والسبعون شعر اليهود

- ‌الفصل التاسع والسبعون: النصرانية بين الجاهليين

- ‌مدخل

- ‌النصرانية في بقية مواضع جزيرة العرب:

- ‌الفصل الثمانون المذاهب النصرانية

- ‌الفصل الحادي والثمانون: التنظيم الديني

- ‌مدخل

- ‌أعياد النصارى:

- ‌الفصل الثاني والثمانون: أثر النصرانية في الجاهليين

- ‌الفصل الثالث والثمانون: المجوس والصابئة

- ‌مدخل

- ‌الصابئة:

- ‌الفصل الرابع والثمانون: تسخير عالم الأرواح

- ‌مدخل

- ‌طعام الجن:

- ‌الحية:

- ‌الغول:

- ‌ الشيطان

- ‌شق:

- ‌والهاتف والرئي

- ‌الرئي:

- ‌الملائكة:

- ‌السحر:

- ‌الفصل الخامس والثمانون: في أوابد العرب

- ‌مدخل

- ‌العراف:

- ‌الراقي:

- ‌الاستقسام بالأزلام:

- ‌الأحلام:

- ‌الفصل السادس والثمانون: الطيرة

- ‌مدخل

- ‌التثاؤب والعطاس:

- ‌بعض من أنكر الطيرة

- ‌الفأل:

- ‌الفصل السابع والثمانون: من عادات وأساطير الجاهليين

- ‌مدخل

- ‌عقيدتهم في الحيوان:

- ‌فهرس الجزء الثاني عشر

الفصل: ‌ ‌الفصل الحادي والثمانون: التنظيم الديني ‌ ‌مدخل … الفصل الحادي والثمانون التنظيم الديني وكان لنصارى

‌الفصل الحادي والثمانون: التنظيم الديني

‌مدخل

الفصل الحادي والثمانون التنظيم الديني

وكان لنصارى العرب تنظيمهم الخاص بدور العبادة وبالتعليم والإرشاد، وهو تنظيم أخذ من تنظيم الكنيسة العام، ومن التقاليد التي سار عليها آباء الكنيسة منذ أوائل أيام النصرانية حتى صارت قوانين عامة. فللكنيسة درجات ورتب، وللمشرفين عليها منازل وسلالم، وقد اقتبست هذه التنظيمات من الأوضاع السياسية والاجتماعية التي عاشت فيها النصرانية منذ يوم ولادتها، والتي وضعها رؤساؤها لنشر الديانة ولتنظيم شؤون الرعية، حتى صارت الكنيسة وكأنها حكومة من الحكومات الزمنةي، لها رئيس أعلى، وتحته جماعة من الموظفين، لها ملابس خاصة تتناسب مع درجاتهم ومنازلهم في مراتب الحكومة، ولهم معابد وبيوت وأوقاف وسيطرة على أتباعهم، جاوزت أحيانًا سيطرة الحكومات.

ومن الألفاظ التي لها علاقة بالدرجات والرتب الدينية عند النصارى لفظة "البطرك" و"البطريق". وقد وردت لفظة "البطريق" في شعر ينسب إلى "أمية بن أبي الصلت"1.

1 من كل بطريق لبطريق نقى الوجه واضح - تاج العروس "6/ 296"، النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزءالثاني، القسم الأول "ص191"، تاج العروس "7/ 111""الطبعة الأولى بمصر، مطبعة مصر"، اللسان "10/ 212، 401"، "دار صادر""بيروت 1956"، البستان "11/ 157"، "بيروت 1927"، محيط المحيط "1/ 102" بيروت 1868/"، مروج "2/ 199"، صبح الأعشى "5/ 472"، "القاهرة 1915م"" المطبعة الأميرية".

ص: 214

وقد ذهب علماء اللغة إلى أن "البطرك"، هو مقدم النصارى، وهو في معنى "البطريق" أيضًا. وقالوا أيضًا إن البطريق مقدم جيش الروم. و"البطرك" من أصل يوناني هو "Patriakhis""بثريارخيس"، ومعناه "أبو الآباء"، وذلك لأنه الأب الأول والأعلى للرعية، فهو أب الآباء ورئيس رجال الدين. أما لفظة البطريق، فإنها من أصل لاتيني، هو Patrikios، وهو يعني وظيفة حكومية وتعني درجة "قائد" في المملكة البيزنطية1. فلا علاقة لها إذن بالتنظيم الديني للنصرانية.

وبين البطريق "البطرك" والأسقف منزلة يقال لشاغلها "المطران"، وقد عرف بأنه دون البطرك وفوق الأسقف. وقد وسمه "القلقشندي"، بأنه القاضي الذي يفصل الخصومات بين النصارى2. واللفظة من الألفاظ المعربة عن اليونانية، أخذت من "متروبوليتيس "MitropoIitis" أي مختص بالعاصمة، أو المدينة3. وقد ذكر علماء اللغة أن لفظة "المطران"، ليست بعربية محضة4.

والأسقف من الألفاظ التي تدل على منزلة دينية عند النصارى، وقد وردت في كتب الحديث. وقد ذكر بعض علماء اللغة إنه إنما سمي أسقف النصارى أسقفا لأنه يتخاشع5. واللفظة من الألفاظ المعربة المأخوذة عن اليونانية، فهي "ابسكوبوس" Episkopos" في الإغريقية، وقد نقلت منها إلى السريانية، ثم نقلت منها إلى العربية6. وقد وردت في كتب التواريخ والسير، حيث ورد في شروط الصلح التي عقدها الرسول مع أهل نجران، شرط هو:"لا يغير أسقف عن أسقفيته ولا راهب عن رهبانيته".

1 النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص190 وما بعدها"، غرائب اللغة "ص255".

2 صبح الأعشى "5/ 472".

3 محيط المحيط "2/ 1987"، غرائب اللغة "ص269".

4 تاج العروس "3/ 546"، "مطر"، النصرانية "191"، البلدان "4/ 122""ديارات الأساقفة".

5 اللسان "11/ 56"، البلدان "4/ 122"، تاج العروس "6/ 141"، صبح الأعشى "5/ 472"، مقدمة ابن خلدون "234"، تأريخ ابن خلدون "27، القسم الأول ص297" اللسان "9/ 156""صادر".

6 النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص119"، غرائب اللغة "ص252" محيط المحيط "1/ 970"، البستان "1/ 111"، النهاية في غريب الحديث "4/ 237".

ص: 215

والقس من الألفاظ الشائعة بين النصارى، ولا تزال مستعملة حتى الآن. ويقال لها "قسيس" في الوقت الحاضر أيضًا. وهي من أصل آرامي هو "Gachecho" ومعناه، كاهن وشيخ1. وقد جمعها "أمية بن أبي الصلت" على "قساقسة"2. وذكر بعض علماء اللغة أن "القس والقسيس العالم العابد من رءوس النصارى" وأن "اصل القس تتبع الشي وطلبه بالليل. يقال تقسست أصواتهم بالليل، أي تتبعتها"3. وقد وردت لفظة "قسيسين" في القرآن الكريم: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} 4. ويدل ذلك على أن موقف النصارى تجاه الإسلام كان أكثر مودة من موقف يهود. وقد نسب ذلك إلى القسيسين والرهبان.

وترد لفظة "شماس" في جملة الألفاظ التي لها معان دينية عند نصارى الجاهلية. وهي من الألفاظ الحية التي لا تزال تستعمل في هذا اليوم أيضًا. وتعد من الألفاظ المعربة عن السريانية. وهي "Chamocho" في الأصل، وتعني خادم، ومنها البيعة. فهي إذن ليست من الوظائف الدينية الكبيرة، وإنما هي من المراتب الثانوية في الكنيسة5. وقد ذكر بعض العلماء بأن الشماس يحلق وسط رأسه ويجعل شعره من جوانب رأسه على شكل دائرةن وهو الذي يكون مسؤولا عن الكنيسة، ويكون مساعدا للقسيس في أداء واجباته الدينية، وفي تقديس القداس أيام الآحاد والأعياد. يعمل كل ذلك للتعبد. وليس لأخذ المال والتكسب6.

1 غرائب اللغة "ص201"، النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص192".

2

لو كان منفلت كانت قساقسة

يحييهم الله في أيديهم الزبر

تاج "4/ 207".

3 تاج العروس "4/ 216"، محيط المحيط "1/ 1221"، تأريخ ابن خلدون "جـ2 قسم 1 ص297".

المفردات، للأصفهاني "ص412"، اللسان "6/ 174""صادر" صبح الأعشى "5/ 472"، مقدمة ابن خلدون "233".

4 المائدة، الآية 85، أسباب النزول "152"، تفسير الطبري "7/ 2".

5 النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص193"، غرائب اللغة "ص191".

6 اللسان "6/ 114""صادر محيط المحيط "1/ 1221"، صبح الأعشى "5/ 472"، ابن خلدون "29، القسم الأول، ص297"، البستان "1/ 1259".

ص: 216

وورد في كتاب رسول الله إلى سادة نجران: "لا يغير أسقف عن سقيفاه، ولا راهب عن رهبانية، ولا واقف عن وقفانيته"1. ويظهر من هذا الكتاب أن الواقف منزلة من المنازل الدينية التي كانت في مدينة نجران. والظاهر إنها تعني الواقف على أمور الكنيسة، أي الأمور الغدارية والمالية والمشرف على أوقافها وأملاكها. فهو في الواقع مسؤول إداري، اختصاصه الإشراف على الأمور المتعلقة بسير غدارة الكنيسة وأموالها. إذ لا يعقل أن يكون الواقف بمعنى خادم البيعة الذي يقوم بالخدمة بمعنى التنظيف والأعمال البسيطة الأخرى، إذ لا يعقل النص على مصل هذه الدرجة في كتاب صلح الرسول مع سادة نجران. وقد ذكر بعض علماء اللغة:"الواقف خادم البيعة، لأنه وقف نفسه على خدمتها"2. ولا يعني هذا التفسير بالضرورة الخدمة على النحو المفهوم من الخدمة في الاصطلاح المتعارف. فقد كان الملوك والسادات يلقبون أنفسهم بـ "خادم الكنيسة" و"خادم المعبد"، أي بالمعنى المجازي. ولا يكون خادما صارفا وقته كله في تنظيف الكنيسة وفي القيام بالأعمال التي يقوم بها الخادم الاعتيادي.

وهناك لفظة أخرى لها علاقة بالكنيسة وبالبيعة وبالنواحي الإدارية منها، هي لفظة "الوافه" و"الواقه". وقد عرفوا صاحبها بـ "قيم البيعة التي فيها صليب النصارى"، وفي هذا المعنى أيضًا لفظة "الواهف"، حيث قالوا:"الواهف سادن البيعة التي فيها صليبهم وقيمها، كالوافه وعملها الوهافة"، والوهفية والهفية. والظاهر إنها كلها في الأصل شيء واحد، وإنما اختلف علماء اللغة في ضبظ الكلمة، فوقع من ثم هذا الاختلاف بينهم3. فالوظيفة إذن، هي بمنزلة الخازن القيم على شؤون الصليب، يحفظه من السرقة، ويضعه في خزانة أمينة، فإذا حانت أوقات العبادة وضعه في موضعه. فالصليب ثمين، وفيه ذهب

1 ابن سعد، الطبقات "1/ 358""طبعة صادر"، "لا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا وافه من وفاهيته"، النهاية في غريب الحديث "4/ 237"، "واقه من وقاهيته"، البلاذري "فتوح "72"، "صلح نجران"، اللسان "17/ 459"، تاج العروس "9/ 421"، الفائق "2/ 317"، النهاية "4/ 240".

2 تاج "6/ 269"، النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص193" اللسان "9/ 360"، "صادر".

3 تاج "6/ 373"، "9/ 421"، المخصص "13/ 600"،اللسان "13/ 561" "صادر.

ص: 217

في الغالب، لذلك يكون هدفا للسراق1.

ويلاحظ أن علماء الحديث والتأريخ والسير، ليسوا على اتفاق فيما بينهم في تدوين نص كتاب الصلح الذي أعطاه الرسول لأهل نجران، إذ تراهم يختلفون في ضبط نصه: وفي جملة ما اختلفوا فيه جملة: "ولا واقه من وقاهيته"، فقد كتبوها بصور شتى كما رأيت، كما كتبوا النص بأشكال متباينة، مما يدل على أن الرواة قد اعتمدوا على نسخ متعددة للكتاب، وعلى أن أهل نجران كانوا قد نسخوا منه نسخا، تحرفت نصوصها بالاستنساخ، لعدم تمكن الناسخ من ضبط العبارات ضبطا صحيحا. فلما دون العلماء صورة النص تباينوا في تدوينه، وأوجدوا لهم تفاسير للفظة "واقف" و"وافه"و"واقه"، وهي لفظة واحدة في الأصل، قرأها النساخ ثلاث قراءات، فظهرت وكأنها ألفاظ مختلفة. وحاروا في تعليل المعنى، فقال بعضهم الوافه: قيم البيعة بلغة أهل الجزيرة، وقال بعض آخر بلغة أهل الحيرة، وقال بعض: كلها في معنى واحد2.

وهناك مصطلحات دينية أخرى استعملها النصارى للدلالة على درجات رجال دينهم، مثل "بابا"، وهي كلمة "رومية" وهو أعلى مرجع في نظر النصارى "الكاثوليك"3، و"الجاثليق"، وهو رئيس أساقفة بلد ما، والأعلى مقاما بينهم، وقد أطلقت اللفظة على رئيس نصارى بغداد في العهد العباسي4، وهي من أصل يوناين هو "كاثوليكوس" KathoIikos ومعناه عام5.

والساعي من الألفاظ التي تتناول المنازل والدرجات عند النصارى، وتشمل اليهود أيضًا. ويقصد بها الرئيس المتولي لشؤون اليهود أو النصارى، فلا يصدرون رأيا إلا بعد استشارته، ولا يقضون أمرا دونه. وقد ورد في حديث حذيفة في الأمانة:"إن كان يهوديا أو نصرانيا ليردنه على ساعيه"6.

1 النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص194".

2 اللسان "17/ 459"، تاج العروس "9/ 421"، النهاية "4/ 240".

3 صبح الأعشى "5/ 472"، تأريخ ابن خلدون "جـ2 القسم الأول، ص297". مقدمة ابن خلدون "ص234"، غرائب اللغة "ص277".

4 تاج العروس "6/ 305"، صبح الأعشى "5/ 472"، محيط المحيط "1/ 214"، البستان "1/ 309".

5 غرائب اللغة "ص256".

6 تاج العروس "10/ 178""سعى"، اللسان "14/ 387"، محيط المحيط "1/ 960"، النصرانية"192".

ص: 218

ولفظة "بابا" وما بعدها، هي من الألفاظ التي شاع استعمالها في العربية في الإسلام، وليس لدينا ما يفيد استعمالها بين الجاهليين.

وذكر علماء اللغة أن من الألفاظ المعروفة بين النصارى لفظة "العسطوس"، ويراد بها القائم بأمور الدين، وهو رئيس النصارى1.

أما "الراهب"، فهو المتبل المنقطع إلى العبادة، وعمله هو الرهبانية. وقد ذكر بعض علماء اللغة أن الرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة2. وقد ذكرت الرهبانية في القرآن الكريم3، وذكرت في الحديث. وقد نهى عنها الإسلام: "لا رهبانية في الإسلام". وقد ندد القرآن الكريم في كثير من الأحبار والرهبان، فورد:{إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} 4. ويظهر من ذلك أن جماعة منهم كانت تتصرف بأموال الناس التي تقدم إلى الأديرة والبيع، فيعيشون منها عيشة مترفة، لا تتفق مع ما ينادون به من التقشف والزهد والعبادة. كما أن منهم من عاش عيشة رفيهة وبطر، فتكبر عن الناس وترفع، حتى جعلوا أتباعهم يحيطونهم بهالة من التقديس والتعظيم، إلى درجة صيرتهم أربابا على هذه الأرض. فتقربوا إليهم وقدسوهم قدسية لا تليق إلا للخالق. {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} 5. ذلك إنهم كانوا يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه ويحرمون ما أحل الله لهم فيحرمونه. "أما إنهم لم يكونوا يصومون لهم ولا يصلون لهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه وإذا حرموا شيئًا أحله الله لهم حرموه، فتلك

1 تاج العروس "4/ 192"، اللسان "6/ 141"، محيط المحيط "1/ 1396".

2 المفردات، للأصفهاني "ص203"، اللسان "جـ1/ 437""صادر القاموس "1/ 76"، تاج العروس "1/ 281"، الصحاح، للجوهري "1/ 140".

3 المائدة، الآية 82،التوبة، الآية 31، 34، سورة الحديد، الرقم 57، الآية 27، مجمع البيان "7/ 158"، تفسير الفخر الرازي "12/ 66 وما بعدها"، روح المعاني "6/ 8 وما بعدها"، النهاية، لابن الأثير "2/ 120".

4 التوبة، الرقم 9، الآية 34، مجمع البيان "10/ 48"، تفسير الطبري "7/ 8 وما بعدها" تفسير الخازن "7/ 233 وما بعدها"، تفسير أبي السعود "4/ 141 وما بعدها"، المقريزي، السلوك من معرفة سير الملوك "1/ 182"، "دار الكتب المصرية "1936"، السيوطي، الدر المنثور "10/ 75".

5 التوبة، الرقم9، الآية 31، جامع البيان "10/ 80"، الكشاف "2/ 31" روح المعاني "10/ 75"، تفسير الخازن "2/ 216".

ص: 219

كانت ربوبيتهم"1. وكانوا يطيعونهم طاعة عمياء، ويأخذون عنهم، ويقدسونهم، ويقبلون أيديهم ولا يعصون أمرا لهم. وذكر أن "عدي بن حاتم" الطائي، قال لرسول الله لما سمعه يقرأ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، "يا رسول الله! إنا لسنا نعبدهم. فقال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله، فتحلونه! قال: قلت بلى: قال فتلك عبادتهم"2.

ويظهر من روايات أهل الأخبار، أن من الرهبان من بالغ في الترهيب وفي التزهد، فخصى نفسه ووضع السلاسل في عنقه أو في يديه أو رجليه ليحبس نفسه، وامتنع عن المآكل والأطايب، مكتفيا بقليل من الماء وبشيء من الخبز الخشن، وأن منهم من امتنع عن الكلام وصام معظم أوقاته، وابتعد عن الناس متخذا من الكهوف والجبال والمواضع النائية الخالية أماكن للتأمل والتعبد. وذلك كما يظهر من نهي الرسول عن الرهبة والرهبانية، وحمل الإسلام عليها. لأنها تبعد الناس عما أحل الله وقد عوض الإسلام عنها بالجهاد في سبيل الله3.

ومن عادات الرهبان وتقاليدهم التي وقف عليها أهل الجاهلية، الامتناع عن أكل اللحوم والودك، أبدا أو أمدا، وحبس النفس في الأديرة والصوامع، والكهوف، والاقتصاد على أكل الصعب من الطعام والخشن من الملبس، ولبس السواد والمسوح. وهي عادة انتقلت إلى الأحناف أيضًا وإلى الزهد من الجاهليين الذين نظروا نظرة زهد وتقشف إلى هذه الحياة4. كما كانوا لا يهتمون بشعورهم فكانوا يطلقونها ولا يعتنون بها ولذلك كانت شعروهم شعثا، وعبر عن الراهب

1 تفسير الطبير "10/ 80 وما بعدها"، تفسير أبي السعود "5/ 142"، تفسير الطبرسي "5/ 22".

2 تفسير الطبري "10/ 80 وما بعدها"، "بولاق".

3 النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير "ص163""2/ 120""المطبعة الخيرية"، اللسان "1/ 437 وما بعدها"، تاج العروس "1/ 280 وما بعدها"، القاموس المحيط "1/ 76"، محيط المحيط "1/ 806" مجمع البيان "7/ 158"، "6/ 176"، جامع البيان "27/ 238"، "10/ 117"، الكشاف، للزمخشري "4/ 69". "2/ 31"، "1/ 43"، روح المعاني "27/ 165"، "10/ 75"، "7/ 3"، الدر المنثور "10/ 75"، صحيح مسلم "8/ 229""كتاب الزهد"، اللسان "1/ 437""صادر".

4 تفسير الطبري "7/ 8""الطبعة الثانية 1957م"، تفسير أبي السعود، "4/ 141 وما بعدها"، تفسير الرازي "12/ 67 وما بعدها".

ص: 220

بالأشعث، لأنه كان يطلق شعر رأسه ولا يحلقه ولا يعتني به1.

ومن الرهبان من ساح في الأرض، فطاف بلاد العرب وأماكن أخرى، وهام على وجهه في البوادي وبين القبائل، لا يهمه ما سيلاقيه من أخطار ومكاره، ومنهم من ابتنى له بناء في الفيافي وفي الأماكن النائية، واحتقر الآبار وحرث البقول، وعاش عيشة جماعية، حيث يعاون بعضهم بعضًا في تمشية أمور الدير الذي يعيشون فيه2. ومنهم من عاش في قلل الجبال، بعيدا عن المارة والناس. قال الشاعر:

لو عاينت رهبان دير في القلل

لانحدر الرهبان يمشي ونزل3

وقد وقف بعض أهل الجاهلية على أخبار هؤلاء الرهبان وعرفوا بعض الشيء عنهم، وبهم تأثر بعض الحنفاء على ما يظهر فأخذوا عنهم عادة التحنث والتعبد والانزواء والانطواء في الكهوف والمغاور والأماكن النائية البعيدة للتنسك والتعبد مبتعدين بذلك عن الناس منصرفين إلى التأمل والتفكر في خلق هذا الكون دون أن يدخلوا النصرانية.

وقد نهى الرسول بعض الصحابة مثل "عثمان بن مظعون"، وهو من النصارى في الأصل من تقليد الرهبان في الإخصاء وفي الامتناع عن الزواج ومن التشدد في أمور أحلها الله للناس4. ويظهر أن هذا التشدد إنما جاء إليه وإلى أمثاله من وقوفهم على حياة الرهبان وعلى رأيهم وفلسفتهم بالنسبة لهذه الحياة. وفي حق هؤلاء نزلت الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ

1 تاج العروس "1/ 638".

2 تفسير الطبري "27/ 124"، روح المعاني "6/ 8 وما بعدها"، تفسير الطبري "7/ 9وما بعدها"، تفسير الخازن "7/ 233 وما بعدها"، تفسير أبي السعود "4/ 141 وما بعدها".

3 تفسير الطبري "7/ 4".

لو أبصرت رهبان دير في الجبل

لانحدر الرهبان يسعى ويصل

تفسير القرطبي، الجامع "6م 258".

4 الدر المنثور "2/ 307"، مجمع البيان في تفسير القرآن "7/ 6 وما بعدها"، تفسير القرطبي "6/ 260 وما بعدها"، مجمع البيان "27/ 158"، "طبعة دار الفكر. بيروت"، الدر المنثور، للسيوطي "2/ 307"، روح المعاني "7/ 3"، "27/ 165".

ص: 221

وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} 1. وذكر أن الرسول لما سمع بابتعاد "عثمان" من أهله، دعاه، فنهاه عن ذلك. ثم قال: "ما بال أقوم حرموا النساء والطعام والنوم! ألا إني أنام وأقوم وأفطر وأصوم وأنكح النساء، فمن رغب عن سنتي، فليس مني". فنزلت الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} . يقول لعثمان لا تجب نفسك، فإن هذا هو الاعتداء"2.

وورد في الحديث: "لا صرورة في الإسلام"، والصرورة التبتل وترك النكاح، أي ليس ينبغي لأحد أن يقول لا أتزوج، لأن هذا ليس من أخلاق المسلمين، بل هو من فعل الرهبان. وهو معروف في كلام العرب. ومنه قول النابغة:

لو أنها عرضت لأشمط راهب

عبد الإله صرورة متعبد

يعني الراهب الذي ترك النساء3.

وقد أشير إلى الرهبان في شعر امرئ القيس، إذ أشار فيه إلى منارة الراهب التي يمسي بها يتبتل فيها إلى الله، وعنده مصباح يستنير بنوره4. كما أشار فيه إليه وهو في صومعته يتلو الزبور ونجم الصبح ما طلعا5، دلالة على تهجده وتعبده في وقت يكون الناس فيه نياما. كما أشير إليهم في شعر شعراء جاهليين آخرين مثل "النابغة الذبياني"، الذي أشار إلى ركوع الراهب يدعو ربه فيه ويتوسل إليه6. كما أشار إلى موقف الراهب من رؤية امرأة جميلة، وكيف سيرنو إليها

1 المائدة، الآية 87.

2 تفسير الطبري "7/ 6"، روح المعاني "7/ 7".

3 تاج العروس "3/ 331"، "صور".

4

تضئ الظلام بالعشاء كأنها

منارة ممس راهب متبتل

النصرانية "الجزء الثاني، القسم الأول، ص175".

5

كأنه راهب في رأس صومعة

يتلو الزبور ونجم الصبح ما طلعا

النصرانية "جـ 2، قسم2، ص392".

6 سيبلغ عذراء أو نجاحا من امرئ

إلى ربه رب البرية راكع

دائرة المعارف الإسلامية "الترجمة العربية""10/ 9"،النصرانية "الجزء الثاني، القسم الثاني "ص394".

ص: 222

حتى وإن كان راهبا اشمط1. وقد أشار إلى "ثوبي راهب الدير" وإلى الحلف بثوبيه2.

وورد في الشعر ما يفيد بانقطاع الرهبان في الأماكن الصعبة القصية مثل قلل الجبال وذراها، حيث لا يأتيهم الناس، فيعيشون في خلوة وانقطاع عن البشر3. ومن الأماكن التي اشتهرت بوجود الرهبان فيها أرض مدين4. ووادي القرى ومنازل تنوخ وصوران وزبد5.

وقد سبح الرهبان ورجال الدين، الله، في الكنائس وفي الأديرة بألحان عذبة جميلة، ورتلوا الزبور والأسفار المقدسة الأخرى. وقد عرف الجاهليون ذلك عنهم، وأشاروا إلى ذلك في شعرهم، وربما كان بعضهم يحضر تلك التراتيل ويستأنس بها على الرغم من وثنيته وعدم اعتقاده بالنصرانية.

ويقال للراهب الزاهد، الذي ربط نفسه عن الدنيا: الربيط. وقيل له: الحبيس. وذكر أن الربيط، هو المتقشف الحكيم6، وأن الحبيس هو الذي حبس نفسه في سبيل الله، فقبعوا في الأديرة وابتعدوا عن الناس. فصاروا كالحبساء7.

1 تفسير القرطبي، "6/ 258".

لو أنها عرضت لاشمط راهب

عبد الإله صرورة متعبد

كرنا لرؤيتها وحسن حديثها

ولخاله رشدا وإن لم يرشد

2 تاج العروس "1/ 281".

3 لو كلمت رهبان دير في القلل

لانحدر الراهب يسعى فنزل

اللسان "1/ 437""صادر"، تاج العروس "1/ 281"، المقريزي، السلوك في معرفة سير الملوك "1/ 182" تفسير الطبري "27/ 158"، "البابي"، الكشاف "2/ 31"، الدر المنثور "6/ 177"، تفسيرالخازن "2/ 216". "4/ 232".

لو أنها عرضت لاشمط راهب

في رأس مشرفة الذرى متبتل

الأغاني "19/ 92""دار الثقافة بيروت"، وقد نسب هذا الشعر إلى ربيعة بن مقروم الصيفي. وقد مر النصف الأول من هذا البيت من شعر نسب إلى النابغة الذبياني في تفسير القرطبي "6/ 258"ز

4 قال جرير:

رهبان مدين، لو رأوك تنزلوا

والعصم، من سعف العقول، الغادر

اللسان "1/ 437""صادر"، تفسير الطبري "7/ 4".

5 النصرانية، الجزء الثاني، القسم الأول "196 وما بعدها".

6 تاج العروس "5/ 143"، القاموس المحيط "2/ 361"، المقريزي، سير "1/ 182" البلدان "2/ 213""صادر".

7 النصرانية، الجزء الثاني، القسم الأول "197"، البلدان "2/ 213".

ص: 223

ويقال للراهب: المقدسي. والمقدس الراهب. وصبيان النصارى يتبركون به، ويتمسحون بملابسه تبركا1. كما قيل له: المتعبد، والأعابد2 ونسب إلى "امرئ القيس" هذا البيت:

فأدركنه يأخذن بالساق والنسا

كما شبرق الولدان ثوب المقدسي

ويروي المقدسي، وهو الراهب ينزل من صومعته إلى بيت المقدس، فيمزق الصبيان ثيابه تبركا به3.

وأما "النهامي"، فهو صاحب الدير، أو الراهب في الدير4.

ومن الألفاظ التي شاعت بين النصارى ووصل خبرها إلى الجاهليين، لفظة:"الأبيل"، وقد اتخذوها للدلالة على رئيس النصارى. وذكر بعض أهل الأخبار أنها تعني أيضًا "المسيح". وقد كانوا يعظمون الأبيل فيحلفون به كما يحلفون بالله. وهي من الألفاظ المعربة عن السريانية "ابيلو" AbiIo"، ومعناها في السريانية الزاهد والناسك والراهب. وكانوا يتخذون عادة رؤساءهم من الرهبان المتبتلين5. وقد وردت لفظة "الأبيل" في الشعر الجاهلي، في شعر: الأعشى وفي شعر عدي بن زيد. وورد "أبيل الأبيلين"، وأريد بذلك المسيح6. وذكر أن "الأبيل" هو صاحب الناقوس، والراهب أيضًا7. وأن "الأبيلي"، هو ضارب الناقوس. و"الأيبل"، العصا التي يدق بها الناقوس8. قال الأعشى:

1 اللسان "6/ 169""صادر".

2 اللسان "3/ 272".

3 تاج العروس "6/ 390"، "شبرق".

4 تاج العروس "9/ 88"، نهم"، المخصص "13/ 100".

5 النصرانية، الجزء الثاني: القسم الأول "190"، غرائب اللغة "172".

6 قال ابن عبد الجن، وقيل عمرو بن عبد الحق:

أما ودماء ماثرات تخالها

على قنة العزى أو النسر عندما

وما قدس الرهبان في كل هيكل

أبيل الأبيلين، المسيح بن مريما

لقد ذاق منا عامر يوم لعلع

حساما، إذا ما هز بالكف صمما

اللسان "11/ 6 وما بعدها"، "أبل"، صادر".

7 اللسان "11/ 6 وما بعدها"، تاج العروس "7/ 199". الأب مرمرجي، معجميات عربية سامية "131 وما بعدها"، شعراء النصرانية، لشيخو "453"، المخصص "13/ 100".

8 ديوان الأعشى "53""المطبعة النموذجية"، 1950م".

ص: 224

وما أيبلي على هيكل

بناه وصلب فيه وصارا

يراوح من صلوات المليك

طورا سجودا وطورا جؤارا

يعني بالجؤارالصياح. إما بالدعاء وإما بالقراءة1.

والساعود من أسماء المسيح وهو من أصل "سوعورو" So ouro، بمعنى زائر. وتطلق اللفظة على من يزور القرى ويطلع على أحوالها وذلك بأمر من الأسقف2. وذكر علماء اللغة أن اللفظة من الألفاظ المعربة عن السريانية، وأن الأصل "ساعورا"، ومعناه متفقد المرضى، وتطلق اللفظة على مقدم النصارى في معرفة علم الطلب3.

ويقال لخادم البيعة: الجلادي4. وذكر أن "الجلذي" الراهب والصانع والخادم في الكنيسة. قال ابن مقبل:

صوت النواقيس فيه ما يفرطه

أيدي الجلاذي جون ما يغضبنا5

و"الكنيس" و"الكنيسة" موضع عبادة اليهود والنصارى، فهما في مقابل "المسجد والجامع" عند المسلمين. والكلمة من الألفاظ المعربة عن الآرامية، وتعني لفظة "Knouchto""كنشتو""كنشت" في السريانية، اجتماع، ومجمع وأطلقت بصورة خاصة على كنيس اليهود6. ولهذا نجد العرب يطلقونها على معبد اليهود كذلك. ويقال في العبرانية للكنيس "كنيستا"، بمعنى محل الصلاة. ونجد الكتب العربية تفرق بين موضع عبادة اليهود وموضع عبادة النصارى، فتطلق "الكنيس" على موضع عبادة اليهود و"الكنيسة" على موضع عبادة الأصنام. وقد ذهب بعض علماء اللغة، إلى أن الكنيسة، هي متعبد اليهود، وأما "البيعة"،

1 تفسير الطبري "14/ 82".

2 غرائب اللغة "187".

3 تاج العروس "3/ 468""الخيرية"، النصرانية، القسم الأول "194"،القاموس "2/ 48".

4 اللسان "5/ 14""المطبعة الأميرية"، "3/ 483""صادر"، تاج العروس "2/ 557".

5 تاج العروس "2/ 557"، "ما يعفينا"، اللسان "3/ 482"، "صادر".

6 غرائب اللغة "ص204"، النصرانية وآدابها، شيخو "2/ 201 وما بعدها"، "الطبعة الثانية بيروت 1933".

ص: 225

فهي متعبد النصارى1. وقد عرف علماء اللغة العرب، إنها من الألفاظ المعربة، فقالوا: وهي معربة، أصلها كنست2.

وقد زوق النصارى كنائسهم، وجملوها، وزينوها بالصور وبالتماثيل، ووضعوا الصلبان على أبوابها وفي داخلها. ووضعوا بها المصابيح لإنارتها في الليل، وكانوا يسرجون فيها السرجن وجعلوا بها النواقيس، لتقرعن فترشد المؤمنين بأوقات الصلوات، ولتشير إليهم بوجود مناسبات دينية، كوفاة، أو ميلاد مولود، أو عرس وأمثال ذلك. ومن الكنائس التي اكتسبت حرمة كبيرة عند النصارى العرب: كنيسة القيامة، وكنيسة نجران، وكنيسة الرصافة. وقد أشير في شعر للنابغة إلى "صليب على الزوراء منصوب"، أي على كنيسة.

والتمثال الشيء المصنوع مشبها بخلق من خلق الله، أي من إنسان أو حيوان أو جماد3. وأدخل العلماء الصور في التماثيل. وقد كانت الكنائس مزينة بالتماثيل والصور، تمثل حوادث الكتاب المقدس وحياة المسيح. ونظرا إلى محاربة الإسلام للأصنام، وإلى كل ما يعيد إلى ذاكرة الإنسان عبادة الأصنام والصور، ورد النهي عنها في الإسلام. جاء في الحديث:"أشد الناس عذاب يوم القيامة المصورون"4.

وقد كان الروم يمدون الكنائس والمبشرين بالمال وبالفعلة وبالمساعدات المادية لبناء الكنائس والأديرة. والكنائس والأديرة وإن كانت بيوت تقوى وعبادة، كانت بيوت سياسة ودعوة وتوجيه. ونشر النصرانية مهما كان مذهبها ولونها، مفيد للروم، فالنصراني مهما كان مذهبه لا بد أن يميل إلى إخوانه في العقيدة والدين، ففي انتشار النصرانية فائدة من هذه الناحية كبيرة للبيزنطيين.

وفي العربية لفظة أخرى للكنيسة، إلا أنها لفظة خصصت بكنيسة معينة، هي الكنيسة التي بناها أبرهة بمدينة صنعاء، واللفظة هي:"القليس". وللأخباريين آراء في معناها وفي أصلها، بنيت على طريقتهم الخاصة في إيجاد التفاسير للكلمات القديمة من عربية ومن معربة، التي لا يعرفون من أمرها شيئًا. وهي لذلك

1 تاج العروس "4/ 235".

2 اللسان "6/ 199"، تاج العروس "4/ 235".

3 تاج العروس "8/ 111"، "مثل".

4 تفسير الطبري "22/ 49"، تفسير القرطبي "4/ 273 وما بعدها".

ص: 226

لا تفيدنا شيئًا. والكلمة أعجمية الأصل، عربت، وشاع استعمالها، حتى ظن إنها اسم تلك الكنيسة. أخذت هذه اللفظة من أصل يوناني هو "أكليسيا""EkkIesia"، ومعناه في اليونانية المجمع، أي الكنيسة، فصيروها اسم علم على هذه الكنيسة، ولم يدروا أنها تعني الكنيسة، أي موضع عبادة1.

والصوامع والبيع هما من الألفاظ التي استعملها الجاهليون للدلالة على مواضع العبادة عند النصارى. وقد ذهب العلماء إلى أن البيعة من الألفاظ المعربة2. أخذت من السريانية. وأصل اللفظة في السريانية، هو "بعتو" بمعنى بيضة، وقبة، لأنها كانت قبة في كثير من الكنائس القديمة3. وقد استعملت في الحبشة كذلك ولذلك ذهب بعضهم إلى أنها من الحبشة4. وقال علماء اللغة العرب: الصومعة كل بناء متصمع الرأس، أي متلاصقة، والأصمع اللاصقة إذنه برأسه5. وقد أشير إلى "البيع" في القرآن:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ} 6. وقد ذهب بعض علماء اللغة، إلى أن البيعة متعبد اليهود7.

ولكن أغلبهم على أنها متعبد النصارى.

وقد وردت لفظة "بيعة" في نص "أبرهة" الشهير الذي دونه على سد مأرب. ففي هذا النص جملة: "وقدس بعتن"، أي "وقدس البيعة"8.

وذكر أن لفظة "البيعة" قد وردت في شعر ينسب إلى ورقة بن نوفل، حيث زعم إنه قال:

أقول إذا صليت في كل بيعة

تباركت قد أكثرت باسمك داعيا9

1 "القليس"، "القليسة"، اللسان "6/ 180"، "قلس".

Ency II p 144 RacciIta III p 127

2 المعرب "ص81".

3 معجميات "ص109 وما بعدها"، النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص213"، غرائب اللغة "175".

4 النصرانية "الثاني"، القسم الأول "213"""طبعة ثانية".

5 المفردات "288"، اللسان "8/ 208"، تاج العروس "7/ 411"

6 الحج: الآية 40.

7 تفسير الطبري "15/ 175""البابي"، اللسان "8/ 26""صادر".

8 رجع النص في مجلة المجمع العلمي العراقي "4/ 215".

9 الأغاني "3/ 16".

ص: 227

كما ذكر إنها وردت في كلام أناس من الجاهليين والمخضرمين1.

وقد أشير إلى ورودها في الشعر الجاهلي وفي بعض الأخبار المنسوبة إلى الجاهليين. وردت في شعر منسوب إلى "عبد المسيح بن بقيلة"، وهو كما يظهر من اسمه من النصارى2. ووردت في بيت منسوب إلى لقيط بن معبد3. وفي شعر ينسب إلى الزبرقان بن بدر التميمي4. ولا بد أن تكون هذه الكلمة من الكلمات المألوفة عند الجاهليين المتنصرين، وعند غيرهم ممن كانوا على الوثنية، غير إنهم كانوا على اتصال بالنصارى، ذلك لأنها من الألفاظ الشائعة المعروفة عند النصارى.

وقد كانت البيع منتشرة في المدن وفي القرى والبوادي، وطالما قصدها الأعراب للاحتماء بها من الحر والبرد وللاستعانة برجالها لتزويدهم بما عندهم من ماء أو زاد أو للتنزه بها واحتساء الشراب.

والصومعة من أصل حبشي هو "صومعت" على رأي بعض المستشرقين. وقد خصصت بـ "قلاية" الراهب5. أي مسكن الرهبان. وبهذا المعنى وردت في القرآن. ويقول علماء اللغة، أنها على وزن فوعلة، سميت صومعة، لأنها دقيقة الرأس. وهي صومعة النصارى6. وذكر بعض منهم أن الصومعة كل بناء متصمع الرأس، أي متلاصقة7. وقد سميت صومعة لتلطيف أعلاها8. ويدل ورود هذه اللفظة بصورة الجمع في القرآن الكريم، على وقوف الجاهليين على

1 ابن هشام "935""طبعة ليدن"، تاج العروس "5/ 285"، النصرآنية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص201 وما بعدها".

2

كم تجرعت بدير الجرعة

غصصا كبدي بها منصدعه

من بدور فوق أغصان على

كثب زرن احتسابا بيعه

البلدان "4/ 120""دير الجرعة"، النصرانية، القسم الثاني، الجزء الثاني "202 وما بعدها".

3

تامنت فؤادي بذات الخال خرعبة

مرت تريد بذات العذبة البيعا

تاج العروس "5/ 285"، النصرانية، القسم الثاني، الجزء الثاني "202".

ابن هشام "1/ 935"، النصرانية، القسم الثاني، الجزء الثاني "202".

4

نحن الكرام، فلاحي يعادلنا

منا الكرام، وفينا تنصب البيع

ابن هشام "1/ 935"، النصرانية، القسم الثاني، الجزء الثاني "201".

5 معجميات "ص109 وما بعدها"، RaccoIta III P 127

6 اللسان "10/ 76"، معجميات "ص153"، تاج العروس" 7/ 411"، النصرانية، القسم الثاني، الجزء الثاني "174، 213".

7 مفردات، الأصفهاني "ص288".

8 اللسان "8/ 208""صادر".

ص: 228

الصوامع ووجوها بينهم1. وقد كان الرهبان قد ابتنوا الصوامع وأقاموا بها للعبادة بعيدين في مختلف أنحاء جزيرة العرب، ومنها الحجاز. وقد وقف الجاهليون عليها، ودخلوا فيها. أما تجارهم ممن قصد بلاد الشام والعراق، فقد رأوا في طريقهم إلى تلك الأرضين، وفي تلك الأرضين بالذات، حيث انتشرت فيها النصرانية صوامع كثيرة. ونجد في كتب الأخبار أمثلة عديدة تشير إلى دخول تجار مكة الصوامع في بلاد الشام وفي وادي القرى، للحصول على ملجأ أو عون.

والقلاية، وهي كالصومعة، يتعبد فيها الرهبان، وهي من الألفاظ المعربة، عربت من أصل يوناني هو "KeIIiyon"، ومعناه غرفة راهب أو ناسك2. ومن هذا الأصل انتقلت اللفظة إلى السريانية فصارت "قليتا"، فانتشرت بين نصارى بلاد الشام بصورة خاصة ثم بقية النصارى، منها دخلت العربية. وقد عرف علماء العربية إنها من الألفاظ المعربة، فقالوا: هي تعريب كلاذة، وهي من بيوت عباداتهم، أي عبادات النصارى. وقد وردت في الحديث، كما ورد ذكرها في صلح عمر مع نصارى الشام، حيث كتبوا له كتابا: إنا لا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا قلية3. والظاهر أن النصارى توسعوا في المعنى، فأطلقوها على المنازل التي يسكنها الرهبان، ثم توسعوا فيها فأطلقوها على دور المطارنة والبطارقة، وأصلها بمعنى الأكواخ4.

ولفظة "الدير" شيء من الألفاظ النصرانية الشهيرة المعروفة بين العرب. وهي أكثر اشتهارا من الألفاظ الأخرى التي لها علاقة بمواضع العبادة أو السكن عند النصارى، وذلك لانتشارها ووجودها في مواضع كثيرة من العراق وبلاد الشام وجزيرة العرب، ولمرور التجار وأصحاب القوافل والمارة بها، واضطرارهم إلى الاستعانة بأصحابها وباللجوء إليها في بعض الأحيان. كما كانت محلا ممتازا للشعراء ولأصحاب الذوق واليكف، حيث كانوا يجدون فيها لذة ومتعة تسر العين والقلب، من خضرة ومن ماء بار عذب ومن خمر يبعث فيهم الطبر والخيال، ولذلك

1 سورة الحج، الرقم22، الآية 40، النهاية، لابن الأثير "2/ 120"، تفسير الطبري "15/ 175".

2 غرائب اللغة "ص265"، النصرانية، الجزء الثاني، القسم الأول "ص213".

3 النهاية "3/ 309"، البكري، معجم "2/ 583"، اللسان "20/ 63"، تاج العروس "8/ 86"، "قل".

4 معجميات "ص180 وما بعدها".

ص: 229

أكثر الشعراء في الجاهلية والإسلام من ذكر الأديرة في شعرهم. حتى الشعراء النصارى مثل "عدي بن زيد العبادي"، يترنم في شعره بذكر الدير، لأنه نادم فيه "بني علقما"، وعاطاهم الخمر ممزوجة بماء السماء1.

ولفظة "الدير" هي مثل أكثر الألفاظ النصرانية من الألفاظ المعربة. عربت من أصل سرياني، هو "دير" Dayr "، بمعنى دار، أي بيت الراهب2. ومسكنه، ولا سيما المحصن، ثم خصوا بها مسكن الرهبان3. وقد عرف علماء العربية أن الدير هو مسكن النصارى، يتعبد فيه الرهبان ويسكنون به، وقد ذكر "ياقوت الحموي" أن الدير يتعبد فيه الرهبان، ولا يكاد يكون في المصر الأعظم، وإنما يكون في الصحاري ورءوس الجبال، فإن كان في المصر الأعظم فإنه كنيسة أو بيعة4 غير أن الأديرة تكون في كل مكان، تكون في القرى وتكون في المدن كما تكون في البوادي وفي رءوس الجبال5.

و"الديراني"، صاحب الدير، وقد ذكر بعض العلماء أن الديراني صاحب الدير الذي يسكنه ويعمره. نسب على غير قياس. ويقال للرجل إذا رأس أصحابه هو رأس الدير6.

ولا تقتصر الأديرة على الرجال، فللراهبات أديرة أيضًا. ويقضي أصحاب الأديرة وقتهم في الزهد والتقشف والعبادة. والقيام بالأعمال اليدوية التي يوكلها رئيس الدير إليهم7. وقد عرف الراهب المعتكف بالدير بـ "الديراني" و"الديرانية"، هي الراهبة8. وقد عرفت أديرة الراهبات بـ "أديرة العذارى" كذلك.

1

نادمت في الدير بني علقما

عاطيتهم مشمولة عندما

كأن ريح المسك من كأسها

إذا مزجناهما بماء السما

البلدان "2/ 639، 680"، "2/ 449""بيروت"، النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص212"، المخصص "13/ 100 وما بعدها".

2 غرائب اللغة "ص182".

3 النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص212".

4 معجم البلدان "2/ 639"، "6/ 639".

5 اللسان "5/ 287"، النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص212"ز

6 اللسان "5/ 387"، تاج العروس "3/ 231"ز

7 البلدان "2/ 639"، "4/ 451".

8 النصرانية، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص212"، الشعر، لابن قتيبة "229".

ص: 230

وإذ كان لهذه الأديرة حرمة في نفوسهم، فقد كانوا يعقدون فيها عقودهم ويحلفون بها على ما كان يفعله الوثنيون في معابدهم حيث كانوا يقسمون الإيمان ويعاقدون أمام الأوثان، فكان للنصارى في الحيرة دير السوا، وفي هذا الدير كانوا يتناصفون ويحلفون بعضهم لبعض على الحقوق1.

وفي الآرامية لفظة هي "عمرو" Oumro"، وقد صارت "العمر" في العربية. ويراد بها البيعة والكنيسة والدير ودار2. وقد وردت في شعر "المتلمس"، حيث جاء:

ألك السدير وبارق ومبايض ولك الخورنق

والعمر ذو الأحساء واللذات من صاع وديسق3

وعرفت العربية لفظة "الكرح"، و"الأكيراح"، وقد عرفها علماء العربية بقولهم:"الأكيراح: بيوت ومواضع تخرج إليها النصارى في بعض أعيادهم"4. واللفظة من أصل سرياني هو "كرحو" "Kourho"، بمعنى كوخ، ومسكن حبيس، وبيت ناسك وراهب5. وذكر ياقوت الحموي: أن الأكيراح بيوت صغار تسكنها الرهبان الذين لا قلالي لهم"6 وهناك دير اسمه "الأكيراح"، ورد في شعر لأبي نؤاس، ويقع بظاهر الكوفة كثير البساتين والرياحين، وبالقرب منه ديران، يقال لأحدهما دير عبد، وللآخر دير هند7.

والمحراب من الألفاظ التي استعملها النصارى في أمور دينهم كذلك، إذ أطلقوها على صدر كنائسهم. وقد استعملت في الإسلام أيضًا، حيث يشير إلى القبلة، ويؤم الإمام فيه المصلين، وقد ذكر بعض علماء اللغة، أن محاريب

1 البلاذري، فتوح: 292".

2 غرائب اللغة "ص196".

3 البكري، معجم "696"، النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص213"، تاج العروس "3/ 320".

4 سا دير حنة من ذات الأكيراح

من يصح عنك فإني لست بالصبح

اللسان "3/ 405"، البكري، معجم "4/ 575"، المخصص "13/ 102".

5 غرائب اللغة "ص203"، النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص212،214".

6 البلدان "1/ 345".

7 البلدان "1/ 345".

ص: 231

بني إسرائيل مساجدهم التي كانوا يصلون فيها1. وقد وردت لفظة المحراب في أشعار بعض الجاهليين2. كما وردت في القرآن الكريم3. وفي الشعر الجاهلي4.

وذكر علماء التفسير أن المحراب كل موضع مرتفع. وقيل للذي يصلي فيه: محراب، وذكروا أن المحاريب دون القصور، وأشرف بيوت الدار. قال عدي بن زيد العباد:

كدمى العاج في المحاريب أو كالـ

ـبيض في الروض زهره مستنير5

وذكر علماء العربية لفظة "التامور" التأمور"، في جملة الألفاظ المتعلقة بالرهبان والرهبنة، وقد عرفها بعضهم بأنها صومعة الراهب وناموسه6.

وذكر أن "القوس"، بمعنى الدير والصومعة أو موضع الراهب. أو معبد الراهب7. وذكر أن أصل الكلمة من الفارسية8.

وذكر أن "الغربال"، هو مكان أيضًا من أمكنة الرهبان، وأنه كهيئة الصومعة في هندسة بنائه وارتفاعه، وأنه كان بناء مرتفع. ويظهر أنها من الألفاظ المعربة9.

والإسطوانة، وهي السارية من الألفاظ النصرانية التي وقف عليها الجاهليون. وقد اتخذها العرب بمعنى العمود الذي كان يتعبد فوقه بعض الرهبان المعروفين بالعموديين StyIites. وقد أشير إلى "أسطوان" في شعر نسبوه إلى "ذي الجدن". وفسرت لفظة "الاسطوان" و"الاسطوانة"، بأنها موضع الراهب المرتفع10.

1 النصرانية، الجزء الثاني القسم الأول "174".

2 اللسان "1/ 305"، النصرانية، الجزء الثاني، القسم الأول "174"، اللسان "7/ 17".

3 آل عمران، الآية 37، 39، مريم، الآية 11، ص، الآية 21.

4 النصرانية، الجزء الثاني، القسم الأول "174".

5 تفسير الطبري "22/ 48" تفسير القرطبي "14/ 271".

6 النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص212"، تاج العروس "3/ 20"، "أمر".

7 اللسان "8/ 69"، معجم البلدان "4/ 200".

8 النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول، "ص214".

9 تاج العروس "7/ 416"، البلدان "3/ 525"، النصرانية، الجزء الثاني، القسم الأول "213".

10 النصرانية، الجزء الثاني، القسم الأول "211"، البلدان "1/ 345"، المخصص "13/ 100 وما بعدها".

ص: 232

و"المنهمة" مسكن النهام، والنهامي، هو الراهب. وأما المنهمة فموضع الراهب1.

ووردت في شعر للأعشى لفظة "الهيكل". إذ قال:

وما أيبلى على هيكل

بناه وصلب فيه وصارا2

ويذكر علماء اللغة، أن الهيكل: بيت النصارى فيه صورة مريم وعيسى، وربما سمي به ديرهم. وأن الهيكل العظيم واستعمل للبناء العظيم، ولكل كبير، ومنه سمي بيت النصارى الهيكل3. واللفظة المعربة، وهي ترد في العبرانية "هيكل" وفي الآرامية "هيكلو". وتعني في اللغتين المعبد الكبير ومعبد الوثنيين4.

وقد كان الرهبان وبقية رجال الدين وكذلك الأديرة والكنائس يستعملون المصابيح. والقناديل للاستضاءة بهما. ويعبر عن المصباح بالسراج كذلك5. وقد تركت مصابيحهم وقناديلهم أثرًا ملحوظا في محلية الشعراء فأشير إليها في شعر "مزرد بن ضرار الذبياني" حيث قيل إنه قال:

كأن شعاع الشمس في حجراتها

مصابيح رهبان زهتها القنادل6

وذكر علماء اللغة أن الزيت الذي له دخان صالح ويوقد في الكنائس، هو "السليط"7.

ولفظ: قنديل من الألفاظ المعربة، أصلها يوناني هو "CandeIa"، أي شمعة8. وقد دخلت إلى العربية قبل الإسلام، عن طريق الاتصال التجاري بين جزيرة العرب وبلاد الشام.

1 النصرانية، الجزء الثاني، القسم الأول "214".

2 اللسان "6/ 144"، الاضداد "24"، النصرانية، الجزء الثاني، القسم الأول "203"

3 المخصص "13/ 100 وما بعدها"، اللسان "14/ 225"، العقد الثمين "18"، النصرانية، الجزء الثاني، القسم الأول "202".

4 النصرانية، الجزء الثاني، القسم الأول "202"، غرائب اللغة "209".

5 المفردات، للأصفهاني "ص674".

6 تاج العروس "5/ 158"، اللسان "7/ 320"، "سلط".

8 غرائب اللغة "279".

ص: 233

وكان النصارى العرب يتقربون إلى رجال دينهم ويتبركون بهم ويحترمونهم حتى قيل إن الصبيان منهم كانوا إذا رأوا الراهب ينزل ليذهب إلى بيت المقدس أو غيره خرجوا له فتمسحوا به ولثموا ثيابه، حتى يمزقوا أثيابه. وإلى ذلك أشير كما يقول أهل الأخبار - في شعر امرئ القيس:

فأدركنه يأخذن بالساق والنسا

كما شبرق الولدان ثوب المقدس1

ولبس رجال الدين ملابس خاصة لتميزهم عن غيرهم، غلب عليها السواد. وقد اختصت لفظة "المسح" و"المسوح" بالملابس التي كان يلبسها الزهاد والرهبان.

ومن أهم العلامات الفارقة التي ميزت معابد النصارى عن معابد اليهود والوثنيين: "الناقوس"، الذي ينصب فوق سطح الكنائس وفي منائرها، للإعلان عن أوقات العبادات ولأداء الفروض الدينية، وهو عند الجاهليين خشية طويلة يقرع عليها بخشبة أخرى قصيرة يطلقون عليها لفظة "الوبيلة" و"الوبيل". وهو في مقابل البوق عند يهود يثرب، إذا أرادوا الإعلان عن موعد العبادة. وقد عرف هذا البوق بين عرب يثرب بـ "القنع" أيضًا2، وبـ"الشبور"3. وقد ذكر علماء اللغة أن الشبور "شيء يتعاطها النصارى بعضهم لبعض كالقربان يتقربون به". وقال بعضهم: هو القربان بعينه، وذكروا أن الشبور شيء ينفخ فيه، فهو البوق عند اليهود، وهو معرب وأصله عبراني4.

وقد وردت كلمة "الناقوس" في الشعر الجاهلي: وردت في بيت للشاعرالمتلمس5،

1 المعاني الكبير "2/ 764".

2 القنع، وورد القبع والقتع والقثع، اللسان "10/ 131"ز

3 عمدة القاري "5/ 102 وما بعدها"، اللسان "8/ 126".

4 اللسان "6/ 59"، تاج العروس "3/ 289"، "شبر"، وقد نقس بالوبيل الناقوس"، تاج العروس "4/ 262 وما بعدها".

5

حنت قلوصي بها والليل مطرق

بعد الهدو وشاقتها النواقيس

ديوان المتلمس "178"، "طبعة فولرس""لايبزك 1903".

ص: 234