المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل السادس والثمانون: الطيرة ‌ ‌مدخل … الفصل السادس والثمانون: الطيرة وقد كان للطيرة شأن - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٢

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني عشر

- ‌الفصل الرابع والسبعون: الكعبة

- ‌مدخل

- ‌الكسوة:

- ‌المال الحلال:

- ‌بقية محجات العرب:

- ‌المزارات:

- ‌الفصل الخامس والسبعون: الحنفاء

- ‌مدخل

- ‌الاعتكاف:

- ‌الفصل السادس والسبعون: اليهودية بين العرب

- ‌مدخل

- ‌يهود اليمن:

- ‌الفصل السابع والسبعون اليهود والإسلام

- ‌الفصل الثامن والسبعون شعر اليهود

- ‌الفصل التاسع والسبعون: النصرانية بين الجاهليين

- ‌مدخل

- ‌النصرانية في بقية مواضع جزيرة العرب:

- ‌الفصل الثمانون المذاهب النصرانية

- ‌الفصل الحادي والثمانون: التنظيم الديني

- ‌مدخل

- ‌أعياد النصارى:

- ‌الفصل الثاني والثمانون: أثر النصرانية في الجاهليين

- ‌الفصل الثالث والثمانون: المجوس والصابئة

- ‌مدخل

- ‌الصابئة:

- ‌الفصل الرابع والثمانون: تسخير عالم الأرواح

- ‌مدخل

- ‌طعام الجن:

- ‌الحية:

- ‌الغول:

- ‌ الشيطان

- ‌شق:

- ‌والهاتف والرئي

- ‌الرئي:

- ‌الملائكة:

- ‌السحر:

- ‌الفصل الخامس والثمانون: في أوابد العرب

- ‌مدخل

- ‌العراف:

- ‌الراقي:

- ‌الاستقسام بالأزلام:

- ‌الأحلام:

- ‌الفصل السادس والثمانون: الطيرة

- ‌مدخل

- ‌التثاؤب والعطاس:

- ‌بعض من أنكر الطيرة

- ‌الفأل:

- ‌الفصل السابع والثمانون: من عادات وأساطير الجاهليين

- ‌مدخل

- ‌عقيدتهم في الحيوان:

- ‌فهرس الجزء الثاني عشر

الفصل: ‌ ‌الفصل السادس والثمانون: الطيرة ‌ ‌مدخل … الفصل السادس والثمانون: الطيرة وقد كان للطيرة شأن

‌الفصل السادس والثمانون: الطيرة

‌مدخل

الفصل السادس والثمانون: الطيرة

وقد كان للطيرة شأن كبير في حياة الجاهليين. وهي معروفة عند جميع الشعوب، ويقال لها في العبرانية: طير "Tayyar"، فهي من نفس الأصل الذي أخذ العرب منه التسمية1. ويقال لها في الإنكليزية "Augury"، ويرى بعض الباحثين أن الطيرة انتقلت إلى العبرانيين من العرب2. وهناك نوع آخر من التطير يقال له "Haruspicy" في الإنكليزية، ويقصد به الطيرة من الحيوانات الميتة، أو مراقبة الحيوان في أثناء لمعرفة المستقبل من حركاته وهو يرتجف رجفة الموت3.

ويقول علماء الأخبار، إن الطيرة من زجر الطيور ومراقبة حركاتها، فإن تيامنت دل تيامنها على فأل، وإن تياسرت دل على شؤم4. فهي إذن تشمل التيمن والتشاؤم، إلا أنها خصصت بالتشاؤم فيما بعد. فصارت تعني هذا المعنى عند الاستعمال. قال "الجاحظ": "وأصل التطير إنما كان من الطير ومن جهة الطير، إذا مر بارحا أو سانحا، أو رآه يتفلى وينتف، حتى صاروا

1 Ency. ReIigi.، 4، p. 807.

2 Ency. ReIigi.، 4، p. 778، Hastings، p. 568.

3 Ency. ReIigI.، p. 778.

4 اللسان "4/ 512 وما بعدها"، مفردات، للأصفهاني "312" صبح الأعشى "1/ 399".

ص: 362

إذا عاينوا الأعور من الناس أو البهائم، أو الأعضب أو الأبتر، زجروا عن ذلك وتطيروا، كما تطيروا من الطير إذا رأوها على تلك الحال. فكان زجر الطير هو الأصل، ومنه اشتقوا التطير، ثم استعملوا ذلك في كل شيء"1.

قال أحدهم:

عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى

وصوت إنسان فكدت أطير

كأن الذي يرى ما يكره أو يسمع يطير

وقد عد العلماء الطيرة والزجر في معنى واحد، لأن أصلهما إنهم كانوا إذا أرادوا فعل أمر أو تركه زجروا الطير حتى يطير، ثم يحكمون من حركاته على ما سيحدث ويقع. فالزجر والطيرة من ثم شيء واحد2. وقد قيل لمن يزجر الطير "زاجر":"لأنه إذا رأى ما يظن إنه يتشاءم به زجر بالنهي عن المضي في تلك الحاجة برفع صوت وشدة"3.

والطيور هي مادة التطير، وذلك بمراقبة حركاتها وسكناتها. وهو ما يقال له في العبرانية:"نيحوش""نحوش""Nihush" من أصل "نيحيش""نحش". وتقابل لفظة "نحش" كلمة "حنش" في العبرانية وتعني "الثعبان". وقد ذهب بعض علماء التوراة أن لكلمة "نحش"، صلة بالثعبان، ذلك لأن الثعبان كان بعض علماء التوراة أن لكلمة "نحش"، صلة بالثعبان، ذلك لأن الثعبان كان من الآلهة القديمة، بينما يرى بعض آخر عدم وجود صلة ما للثعبان بهذا الموضوع، لأن العبرانيين لم يتعبدوا البتة للثعابين، فلا صلة للثعبان به4.

ويدخل في باب الزجر، زجر الطير والوحش. ويذكر بعض العلماء أن الأصل في الطيرة، هو زجر الطير، ثم صار في الوحش، وقد يجوز أن يغلب أحد الشيئين على الآخر فيذكر دونه ويرادان جميعًا5.

وقد يراد بالطيرة "التشاؤم" الذي هو خلاف التيامن، غير أن "التشاؤم"

1 الحيوان "1/ 438"، "هارون"، العمدة "2/ 259 وما بعدها".

2 صبح الأعشى "1/ 399".

3 تاج العروس "3/ 364"، اللسان "5/ 407"، "طير".

4 Ency. ReIigI.، 4، p. 807، Hastings، p. 568.

5 العمدة "2/ 260".

ص: 363

هو في الواقع أوسع مجالا وأكثر ساحة من الطيرة، لأن التشاؤم طيرة وزيادة، وأعني بالزيادة تشاؤم المتشائمين من أمور أخرى كثيرة مثل التشاؤم من ذوي العاهات أو القبح من البشر، والتشاؤم من سماع الكلام السيء أو الأخبار السيئة عند الصباح أو من رؤية ميت أو سماع نياحة أو مشاهدة مخلوق مشوه أو سماع اسم موضع يدعو للتشاؤم أو اسم شخص فيه معنى التشاؤم وأمثال ذلك، فتكون كل هذه الأمور مدعاة للتشاؤم عند المتشائمين. "حتى صاروا إذا عاينوا الأعور من الناس أو البهائم، أو الأعضب أو الأبتر، زجروا عند ذلك وتطيروا عندها كما تطيروا من الطير إذا رأوها على تلك الحال"1.

ويقول علماء اللغة: الشؤم: خلاف اليمن. ورجل مشؤوم على قومه2. وأصل ذلك هو أن العرب تتفاءل بالجهة اليمنى، وتتشاؤم من الجهة اليسرى، ولذلك كانت إذا أرادت أن تعمل عملا عمدت إلى "الزجر" وهو رمي الطير بحصاة، ثم يصيح الرامي، ليفزعها ويزجرها، وعندئذ يراقب حركة طيرانها، فإن تيامنت أي جرت يمنة تفاءل به، وإن تشاءمت أي تياسرت، تشاءم به. فالتيمن هو بالتيامن والتشاؤم هو بالتياسر. ولذلك قيل للكاهن "زاجر" أيضًا، "لأنه إذا رأى ما يظن أنه يتشاءوم به زجر بالنهي عن المضي في تلك الحاجة برفع صوت وشدة"3. ولاعتماد الزاجر على الطيور في الغالب في هذا النوع من التكهن قيل له:"الطيرة". قال علماء اللغة: "وقيل للشؤم طائر وطير وطيرة، لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير وزرجها والتطير ببارحها ونعيب غرابها وأخذها ذات اليسار إذا أثاروها، فسموا الشؤم طيرا وطائرا وطيرة لتشاؤمهم بها"4.

ولا بد أن يكون للتطير صلة بعقيدة استحالة الأرواح طيورا بعد مفارقتها الأجساد، فقد كان من المتعارف عليه عند كثير من الشعوب القديمة أن بعض فصائل الطيور هي أرواح الموتى بعد مفارقتها الأجساد، وإنها لذلك تعي وتفهم، وأن في استطاعة بعض الناس فهم منطقها وتكليمها، ومن هنا ظهرت فكرة

1 الحيوان، للجاحظ "1/ 438""تحقيق محمد عبد السلام هارون".

2 اللسان "12/ 314".

3 تاج العروس "3/ 364"، اللسان "5/ 407"، "12/ 314""شأم".

4 تاج العروس "3/ 364"، "طير".

ص: 364

"منطق الطير". وقد كان "سليمان" يحادث الطير1. فإذا كانت الطير على هذه الصفة، ففي حركاتها وسكناتها منطق لمن لا يحسن منطقها، يشير إلى ما يجب على الإنسان أن يفعله أو يتركه من أعمال.

وقد كان للتطير والتفاؤل شأن كبير في حياة الجاهليين. كما كان لهما مثله في حياة شعوب أخرى عديدة: ومن بينهم اليونان والرومان والفرس. والتطير هو نظير التشاؤم في المعنى كما قلت. أما نظير الطيرة وقعت لبعض القبائل عند إقدامها على الحرب، فخسرت لتطيرها، ويحدث من التطير النحس، وأما من التفاؤل فيكون السعد.

وفي الأخبار: "كانت العرب إذا خرج أحدهم من بيته غاديا في بعض الحاجة، نظر: هل يرى طائرا يطير، فيزجر سنوحه أو بروحه، فإذا لم ير ذلك، عمد إلى الطير الواقع على الشجر، فحركه ليطير، ثم نظر إلى أي جهة يأخذ، فزجره. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أقروا الطير على مكناتها: لا تطيروها ولا تزجروها"2. وذكر "إنهم كانوا في الجاهلية إذا خرج أحدهم لحاجة، فإن رأي الطير طار عن يمينه تيمن به واستمر، وإن طار عن يساره تشاءم به ورجع، وربما كانوا يهيجون الطير، ليطير فيعيدون ذلك"3.

وقد أبطل الرسل الطيرة. "وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يتفاءل ولا يتطير. وأصل الفأل الكلمة الحسنة يسمعها عليل، فيتأول منها ما يدل على برئه، كأن سمع مناديا نادى رجلا اسمه سالم، وهو عليل، فأوهمه سلامته من علته، وكذلك المضل يسمع رجلا يقول يا محمد يا واجد، فيجد ضالته. والطيرة مضادة للفأل. وكانت العرب مذهبها في الفأل والطيرة واحد. فأثبت النبي الفأل واستحسنه وأبطل الطيرة ونهى نها"4.

وروي أن أهل الجاهلية كانوا يقولون: "إن الطيرة في المرأة والدار والدابة"5

1 Ency. ReIigi،. 4، p. 808.

2 جامع الأصول "8/ 458".

3 إرشاد الساري "8/ 396".

4 تاج العروس "3/ 364 وما بعدها".

5 أمالي المرتضى "2/ 2020".

ص: 365

و"الكدس" التطير، و"الكدسة" عطسة البهائم، وقد تستعمل للإنسان: ومنه الحديث: إذا بصق أحدكم في الصلاة، فليبصق عن يساره أو تحت رجله، فإن غلبته كدسة أو سعلة ففي ثوبه. والكادس ما يتطير به من الفال والعطاس وغيرهما. ومنه قيل للظبي وغيره إذا نزل الجبل وغيره كادس1.

ومن الألفاظ المستعملة في الى "الزجر""سنح" و"برح". وللفظة "برح" معان عديدة، وهي من الكلمات السامية الواردة والباقية في عدد من لهجاتها. بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك، والعرب تتيمن به، لأنه أمنك للرمي والصيد. والبارح ما مر من يمينك إلى يسارك والعرب تتطير به، لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف"2.

وقد ذكر بعض اللغويين عكس المعنى، كا ذكر أن أهل نجد كانوا يتشاءومون بالبوارح ويتيمنون بالسانح. أما غيرهم من العرب، فقد كانت تتيمن بالبارح، وأن بعضًا منهم لم يكن له رأي في شيء من هذا3.وذكر أن أهل "العالية" يتشاءمون بالسانح ويتيمنون بالبارح4.

قال ذو الرمة وهو من نجد:

خليلي لا لاقيما ما حييتما

من الطير إلا السانحات وأسوأ

وقال النابغة، وهو نجدي أيضًا، يتشءوم بالبارح:

زعم لا لاقيما البوارح أن رحلتنا غدا

وبذاك تنعاب الغراب الأسود

وقد عبر "كثير" عن رأي أهل الحجاز بقوله:

أقول إذا ما الطير مرت مخيفة

سوانحها تجري ولا استثيرها5

وذكر أن هذيلا كانت تتشاؤم بالسنيح. أما غيرها، فكانت تتشاءم بالبارح6.

1 تاج العروس "4/ 230"، "كدس".

2 النهاية "1/ 85" المعاني الكبير "3/ 1187".

3 الأغاني "9/ 157""أخبار النابغة ونسبه"، Reste، S. 202.

4 العمدة "2/ 263".

5 البرقوقي "ص19 وما بعدها".

6 المعاني "3/ 1186".

ص: 366

ويقال للمتطيرين من الرجال "الخثارم"1.

وذكر أن "بني لهب"، "هم أعيف العرب وأزجرهم للطير"2. وهم بطن من العرب يعرفون بالعيافة. ولأهل الأخبار قصص عن عيافتهم وعن زجرهم للطير3.

ومن الطيور التي تطير منها أهل الجاهلية: الغراب وطيور الليل، وهي البومة، والصدى، والهامة، والضوع، والوطواط، والخفاش، وغراب الليل4.

وقاعدتهم في الطيرة، إنهم يشتقون من اسم الشيء الذي يعاينون ويسمعون من ذلك قول سوار بن المضرب:

تغنى الطائران ببين ليلى

على غصنين من غرب وبان

فكان البان أن بانت سليمى

وفي الغرب اغتراب غير دان

فاشتق الاغتراب من الغرب، والبينونة من البان.

وقال عنترة:

ظعن الذين فراقهم أتوقع

وجرى بينهم الغراب الأبقع

حرق الجناح كأن لحيي رأسه

جلمان بالأخبار هش مولع

فزجرته ألا يفرخ بيضه

أبدا ويصبح خائفا يتفجع

إن الذين نعبت لي بفراقهم

هم أسهروا ليلى التمام فأوجعوا

فقال: وجرى بينهم الغراب، لأنه غريب، ولأنه غراب البين، ولأنه أبقع. ثم قال: حرق الجناح تطيرا أيضًا من ذلك. ثم جعل لحيي رأسه جلمين، والجلم يقطع. وجعله بالأخبار هشا مولعا، وجعل نعيبه وشحيجه كالخبر المفهوم5.

وأشأم الطيور عند الجاهليين، "الغراب": "ليس في الأرض شيء يتشاءم

1 المعاني "3/ 1187".

2 الاشتقاق "ص288"، صبح الأعشى "1/ 339 وما بعدها".

3 صبح الأعشى "1/ 399 وما بعدها".

4 الحيوان "2/ 298"، "هارون".

5 الحيوان "3/ 442 وما بعدها"، "هارون".

ص: 367

به إلا والغراب أشأم منه"1، ولذلك قالوا إذا تعب: خيرًا خيرًا، وذلك من باب التفاؤل بالأضداد2. "والعامة تتطير من الغراب، إذا صاح صيحة واحدة، فإذا ثنى، تفاءلت به"، "وإذا صاح الغراب مرتين، فهو شر، وإذا صاح ثلاث مرات، فهو خير"3. وورد "غراب البين" و"الغراب الأبقع" و"الغراب الأسود"4. ويراد بذلك التشاؤم بفراق الأحبة، ويقال للغراب الأسود "حاتم"، والحتمة السواد، وهو مشؤوم، لأنه يحتم بالفراق5. "والعرب تتشاءم من الغراب، ولذا اشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب والغريب"6. "فالغراب أكثر من جميع ما يتطير به في باب الشؤم، ألا تراهم كلما ذكروا ما يتطيرون منه شيئًا كروا الغراب معه؟ وقد يذكرون الغراب ولا يذكرون غيره، ثم إذا ذكروا كل واحد من هذا الباب لم يمكنهم أن يتطيروا منه إلا من وجه واحد، والغراب كثير المعاني في هذا الباب، فهو المقدم في الشؤم"7. وروي أن "ابن عباس" كان إذا صاح الغراب، قال: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك. قال الجاحظ: "وليس في الأرض بارخ ولا نطيح، ولا قعيد، ولا أعضب ولا شيء مما يتشاءمون به إلا والغراب عندهم أنكد منه، يرون أن صياحه أكثر أخبارا، وأن الزجر أعم قال عنترة:

1 تاج العروس "1/ 407"، "عزب"، قال رؤبة:

فأزجر من الطير الغراب الغاربا

اللسان "2/ 438"، الحيوان للجاحظ "2/ 316".

2 الحيوان للجاحظ "3/ 457، 458"، طبعة عبد السلام محمد هارون".

3 الحيوان، للجاحظ "3/ 457 وما بعدها"، حياة الحيوان، للدميري "2/ 255"

4 قال عنترة:

ظعن الذين فراقهم أتوقع

وجرى بينهم الغراب الأبقع

خرق الجناح كأن لجى رأسه

جلمان بالأخبار هش مولع

اللسان "16/ 210"، القاموس "4/ 204"، "غراب البين"، الحيوان للجاحظ "3/ 431"، البيان والتبيين "1/ 83""لجنة"، قال النابغة:

زعم البوارح أن رحلتنا غدا

وبذاك خبرنا الغراب الأسود

الحيوان للجاحظ "3/ 442".

5

إذا ما رأت عبس من الطير جاثما

شديد سواد الزف ظلت تفزع

الاشتقاق "2/ 166"، اللسان "15/ 3"، الحيوان للجاحظ "3/ 436"، "هارون"، بلوغ الأرب "2/ 338 وما بعدها".

6 الحيوان للجاحظ "2/ 316"، حياة الحيوان، للدميري "2/ 190".

7 الحيوان للجاحظ "2/ 316"، حياة الحيوان "2/ 244".

ص: 368

حرق الجناح كأن لحيي رأسه

جلمان، بالأخبار هش مولع1

وفي الغراب وشؤمة يقول الأعشى:

ما تعيف اليوم في الطير الروح

من غراب البين أو تيس برح2

وقد كنوا عنه بكنى عديدة، دلالة على مقدار اهتمامهم به. فقالوا له: أبو حاتم، وأبو جحادف، وأبو الجراح، وأبو المرقال، وأبو حذر، وأبو زيدان، وأبو زاجر، وأبو الشؤم، وأبو غياث. ووضعوا الأمثلة على لسانه وعنه. وقصوا عنه الحكايات. من ذلك، إنه أراد أن يقلد القطاة في مشيها، فحاكاها، لكنه لم يفلح في المشي مشيها، فلما أراد العود إلى مشيته الأولى، أضل مشيته، إذ نسيها، فنسي المشيتين: فلذلك سموه: أبا المرقال3. وضربوا المثل بالغراب الأعصم، فقالوا: أعز من الغراب الأعصم، للشيء القليل الوجود4. وأوردوا له قصصًا مع الديك ومع حيوانات أخرى. ورموه بالفسق والفجور5.

وفي الشعر الجاهلي وشعر المخضرمين إشارات إلى شؤم الغراب. جاء في شعر "حسان بن ثابت".

وبين في صوت الغراب اغترابهم

عشية أو في غصن بان فطربا

فصوت الغراب، يشير إلى الغربة والاغتراب، لذلك كره6.

وهو من ألأم الطير وأخبثها، وهو من عبيد الطير، وليس من أحرارها، فهو دنئ النفس، إذا صادفته جيفة، نال منها، وهو لا يتعاطى الصيد. فهو حيوان خبث الفعل وخبيث المطعم، لذلك عد العرب أكله عارا يعبر من يقدم

1 الحيوان "2/ 316"، "هارون".

2 العمدة "2/ 260"، تاج العروس "6/ 207"، "عاف"، اللسان "9/ 261"، "عيف".

3 الحيوان، للجاحظ "3/ 129"، حياة الحيوان، للدميري "2/ 172".

4 حياة الحيوان "2/ 173".

5 الحيوان "3/ 131"، حياة الحيوان "2/ 273 وما بعدها"، "3/ 317"، "هارون"، "فسق الغراب وتأويل رؤياه.

6 البرقوقي "ص19"، بلوغ الأرب "2/ 334 وما بعدها".

ص: 369

عليه. وكانوا يتعايرون بأكل لحمه1. وليس ذلك "لأنه يأكل اللحوم ولأنه سبع"، لو كان ذلك منهم "لكانت الضواري والجوراح أحق بذلك عندهم"2 إنما امتنعوا عن أكله، لأنه يأكل الجيف والقاذورات، ولذلك عدة العبرانيون من الحيوانات النجسة، والحيوانات هي في الغالب الحيوانات التي لا يجوز أكل لحومها، والظاهر أنه كان على هذه النظرة عند أغلب الساميين.

ونعت الغراب بـ "الأعور"، قيل إنه نعت بذلك لحدة نظره3، وقيل إنما سموه "الأعور" تفاؤلا بالسلامة4. ووصف بالحذر، فقيل: أحذ من غراب، وقيل إنه نعت بذلك على التشاؤم به، لأن الأعور عندهم مشؤوم، وقيل لخلاف حاله، لأنهم يقولون: أبصر من غراب، ويقال سمي الغراب أعور، لأنه إذا أراد يغمض عينيه5.

ويذكر أهل الأخبار أن غراب البين نوعان: أحدهما صغار معروفة بالضعف واللؤم. أما الآخر، فإنه ينزل في دور الناس، ويقع على مواضع إقامتهم إذا ارتحلوا عنها وبانوا منها، ولذلك سمي بغراب البين6.

وللعرب عادات بالنسبة إلى الغراب، ترى إنه إذا علق منقار الغراب على إنسان، حفظ من العين. اما إذا علق طحاله على إنسان، هيج الشبق. وأن دمه إذا جفف وحشي به البواسير، أبرأها. وإذا أكل مشويا، نفع القولنج. وإذا غمس الغراب الأسود بريشه في الخل، وطلي به الشعر، سوده وإذا طلي بها إنسان مسحور، بطل عنه السحر. وإذا جفف لسان الغراب "الزاغ"، ثم أكله إنسان عطشان، ذهب عشطه7.

1

ما بالعار ما عيرتمونا

شواء الناهضات مع الخبيص

فما لحم الغراب لنا بزاد

ولا سرطان أنهار البريص

الحيوان، للجاحظ "2/ 314 وما بعدها"، "2/ 313"، "لؤم الغراب وضعفه".

2 الحيوان للجاحظ "2/ 317"، "التعاير بأكل لحم الغراب".

3 المفردات، للراغب الأصفهاني "ص258".

4 الحيوان، للجاحظ "2/ 314 وما بعدها".

5 تاج العروس "3/ 428"، "عور".

6 الحيوان، للجاحظ "2/ 315" حياة الحيوان، للدميري "2/ 246".

7 حياة الحيوان، للدميري "2/ 245، 255".

ص: 370

ونسب إلى المرقش السودسي، ذكر الغراب في شعره، إذ قيل إنه قال:

ولقد غدوت وكنت لا

أغدو على واق وحاتم

وإذا الأشائم كالأيا

من والأيامن كالأشائم1

ويبين هذان البيتان رأي هذا الشاعر في التيامن والتشاؤم.

وكا العرب إذا أرادوا أن يصفوا أرضا بالخصب والسواد، قالوا: وقعوا في أرض لا يطير غرابها، فهذا يعني أن الأرض كلها خصبة مزروعة سوداء، لا ترى فيها قطعة بيضاء، ولا ترى إلا الزرع والخيرات والثمر. وإذا أرادوا التعبير عن انتقال مرحلة الشباب إلى مرحلة الشيخوخة، وعن التهام الشيب لسواد الرأس: قيل: طار غراب البين2.

وقد يكون في جملة أسباب تشاؤم العرب من الغراب، إنه كان يضر بإبلهم. فهم يذكرون إنه إذا وجد دبرة في ظهر البعير، أو قرحة في عنقه، سقط عليها ونقره وعقره. ولذلك كانوا إذا رأوا دبرة بظهر البعير، غرزو في سنامه إما قوادم ريش أسود، وإما خرقا سودا، لتفزع الغربان فلا تتقرب منه ولا تسقط عليه. وقد يضعون الريش في اسنمتها وتغرز فيها3. والعرب تسمي الغراب لذلك "ابن دأية"، لأنه ينقر دبرة البعير أو قرحة عنقه، حتى يبلغ إلى دايات العنق وما اتصل بها من خرزات الصلب، وفقار الظهر4.

والغراب من الطيور التي ورد ذكرها في التوراة. والعبرانيون مثل العرب اعتقدوا بالطيرة منه، أي بتأثير حركاته وسكناته في إحداث الفأل والشؤم5.

وقد ذكر "الجاحظ" جريدة بأسماء الجهات التي يقف عليها "الغراب" فينعب، وما سيقع من وقفته تلك ومن نعيبه، وما يجب أن يفعله أو يتجنبه

1 المعاني "3/ 1187".

2 تاج العروس "1/ 407".

3 الحيوان، للجاحظ "3/ 416 وما بعدها"، "هارون".

4 الحيوان "3/ 415، 439"، "هارون".

5 الملوك الأول، الاصحاح السابع عشر، الآية 6: التكوين، الاصحاح الثامن، الآية 7، Ency. ReIigI، 4 p. 808.

ص: 371

الإنسان في هذه الحالات. كما ذكر أمورا أخرى تخص التطير أو التفاؤل من أصوات الحيوانات أو من رؤيتها1.

وكان "أمية بن أبي الصلت" ممن يتطير من الغراب، ويذكر أهل الأخبار أنه بينا كان يشرب مع إخوان له في قصر "عيلان" بالطائف، إذ سقط غراب على شرفة القصر، فنعب نعبة، فقال أمية:"بفيك الكثكث"، أي التراب وتشاءم منه، وقد مات فعلا في مكانه بعد نعيبه للمرة الثالثة2.

وفي شعر أمية قوله:

بآية قام ينطق كل شيء

وخان أمانة الديك الغراب

وذلك أن من أحاديث العرب، أن الديك كان نديما للغراب، وأنهما شربا الخمر عند خمار ولم يعطياه شيئًا، وذهب الغراب ليأتيه بالثمن حين شرب، ورهن الديك، فخاس به، فبقي محبوسا، وأن نوحا حين بقي في اللجة أياما بعث الغراب، فوقع على جيفة ولم يرجع، ثم بعث الحمامة لتنظر هل ترى في الأرض موضعا يكون للسفينة مرفأ، واستجعلت على نوح الطوق الذي في عنقها، فرشاها بذلك. وفي جميع ذلك وغيره قال "أمية" ذلك البيت وأبياتا أخرى، تطرق فيها إلى قصص إسرائيلي آخر، أخذ علمه به من أهل الكتاب. "فقد كان داهية من دواهي ثقيف، وثقيف من دهاة العرب، وقد بلغ من اقتداره في نفسه أنه قد كان هم بادعاء النبوة، وهو يعلم كيف الخصال التي يكون الرجل بها نبيا أو متنبيا إذا اجتمعت له، نعم وحتى ترشح لذلك بطلب الروايات، ودرس الكتب، وقد بان عند العرب علامة، ومعروفا بالجولان في البلاد، روابة"3.

ومن رأي العرب أن الغراب لا يشيب، وضربوا به المثل في ذلك، فقالوا:"حتى يشيب الغراب ويبيض القار"، ضربوا به مثلا في الاستمرار على العمل

1 نهاية الأرب "3/ 134 وما بعدها".

2 نهاية الأرب "3/ 139"، حياة الحيوان "2/ 173"، الحيوان "3/ 131".

3 الحيوان "2/ 320".

ص: 372

وعدم الملل من شيء1. ويقولون: ذهب الغراب يتعلم مشي العصفور أو القطاة، فلم يتعلمها، ونسي مشيته. فلذلك صار يحجل ولا يقفز قفزان العصور، أو مشية القطاة2.

والبوم من الطيور التي يتشاءم منها بعض الناس، ولعل ذلك بسبب منظرها الكئيب ولصوتها الحزين وظهورها في الليل، والليل هو رمز الشر. ويدل وصفها بـ "أم الخراب" و"أم الصبيان" على النظرة السيئة التي كان يراها العرب لها3. ويقال إن من أنواعها الصدى والهامة. ولعل اعتقادهم أن الصدى والهامة أو ذكر البوم منها، هي روح الميت المرفرفة على القبر هو الذي حمل أولئك المتشائمين على التشاؤم منها.

والعاطوس، وهي سمكة في البحر أو دابة من الحيوانات التي كان العرب يتشاءمون منها4. وكذلك "الأخيل" وهو "الشقراق"، "يتطيرون منه ويسمونه مقطع الظهور: يقال إذا وقع على بعير، وإن كان سالما يئسوا منه، وإذا لقي المسافر الأخيل تطير وأيقن بالعقر إن لم يكن موت في الظهر"5. وهم يتشاءمون من الثور الأعضب أي المكسور القرن6. ويتشاءمون من "العراقيب"، الشقراق. وتقول العرب: إذا وقع الأخيل على البعير ليكشفن عرقوباه. وقيل: كل طائر يتطير منه الإبل، فهو طير عرقوب لأنه يعرقبها7.

ويتطيرون بالصرد، ومن أسمائه الأخطب، ويقال "الأخيل" كذلك. و"الواق" أيضًا الصرد8. ويتشاءمون من "الأفكل"، وهو الشقران، فإذا عرض لهم كرهوه وفزعوا منه وارتعدوا9.

1 اللسان "11/ 629"، الحيوان "3/ 131"، حياة الحيوان "2/ 177".

2 الحيوان "4/ 325".

3 حياة الحيوان "1/ 1818 وما بعدها".

4 قال طرفة بن العبد:

لعمري لقد مرت عواطيس جمة

ومر قبيل الصبح ظبي مصمع

تاج العروس "4/ 192"، حياة الحيوان، للدميري "2/ 121، 221"، العمدة "2/ 260"، اللسان "6/ 142".

5 بلوغ الأرب "2/ 37"، البرقوقي "348"، ديوان حسان "ص22""هرشفلد".

6 بلوغ الأرب "2/ 338"، العمدة "2/ 262".

7 تاج العروس "1/ 378"، "عوقب".

8 العمدة "2/ 261".

9 تاج العروس "8/ 65"، "افتكل".

ص: 373

والثعلب والأرنب من الحيوانات التي استعان بها الزاجر، في الزجر1. والواقع أن أهل الزجر قد توسعوا في علمهم حتى شمل كل المخلوقات، فحركات الإبل والخيل وسكناتها كلها ذات معان ومفاهيم يعرفها المشتغلون بالطيرة، وكانوا يستعينون بغيرها من الحيوانات.

وقد ذكر بعض الإخباريين أن العرب تتشاءم من الأفراس بالأشقر2. وذكروا أيضًا أنها تطيرت من: "المراة، والدار، والفرس". وفي الحديث: "إن كان الشؤم، ففي الدار والمرأة والفرس"3. وورد: "إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار". وذكر أن "عائشة"، قالت:"وإنما قال: أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك"، أي أن الرسول إنما قال ذلك حكاية عن أهل الجاهلية فقط4.

وكما يتغلب الإنسان على الأمراض بالأدوية والعلاج، كذلك يمكن التغلب على النحس وشؤم ناصية المرأة وعتبة الدار بالذبائح في بعض الأحيان، ولهذا جرت العادة بذبح ذبيحة أو عدة ذبائح عند زفاف العروس إلى بعلها ووصولها عتبة بيته طردا للأرواح الشريرة وإرضاء لها، كما جرت العادة بذبح الذبائح حين الانتقال إلى دار جديدة، أو حين الشعور بوجود أرواح فيها، ويقال لهذه الذبائح "ذبائح الجان"5.

وقد ابتدع الجاهليون طرقا لإبعاد الطيرة من تفكيرهم، من ذلك إنهم تجاهلوا بقدر إمكانهم، المسميات التي تبعث على التشاؤم بتسميتها بضدها من الكلمات التي لا يتشاءم منها، فسموا اللديغ بالسليم، والبرية بالمفازة، وكنوا الأعمى أبا بصير والأعور ممتعا، والأسود أبا البيضاء، وسموا الغرب بحاتم، وذلك لتشاؤمهم من الغراب6. والتسمية بالأضداد لدفع الطيرة عن الأذاه، ليست عادة جاهلية حسب، إنما هي معروفة في الإسلام كذلك. كما إنها معروفة عند غير العرب من الأمم قديما وحديثا.

1 Reste، S. 202.

2 مجمع الأمثال "2/ 86".

3 "لا عدوى ولا طيرة، إنما الشؤم في ثلاث في القرس والمراة والدار"، جامع الأصول "8/ 396"، عمة القارئ "21/ 289".

4 القسطلاني، إرشاد "5/ 73 وما بعدها".

5 تاج العروس "2/ 138".

6 الحيوان "3/ 439"، "عبد السلام هارون"، بلوغ الأرب "2/ 338 وما بعدها".

ص: 374