الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن "أبا الحباحب" رجل كان لا ينتفع بماله لبخله فنسبوا إليه كل نار لا ينتفع بها1.
ومن النيران الأخرى: نار البرق، ونار البراعة، ونار الخلعاء والهراب، ونار الوسم، وهي النار يسم بها الرجل منهم أبله. فيقال له: ما سمة إبلك؟ فيقول كذا2.
وقد ذكر علماء اللغة ان العرب استعملوا النار في معنيين: معنى حقيقي، ومعنى مجازي. وقصدوا بالنيران الحقيقة، النيران التي كان يوقدها العرب حقًّا، وحصروها في أربعة عشر نارًا أو أكثر من ذلك، أو أقل3. وقصدوا بالنيران المجازية، استعمال الكلمة في معان مجازية، مثل قولهم نار الحب ونار المعدة، ونار الحمى، ونار الشوق4.
1 بلوغ الأرب "2/ 161 وما بعدها".
2 الحيوان "4/ 486 وما بعدها"، صبح الأعشى "1/ 410"، نهاية الأرب "1/ 109 وما بعدها".
3 بلوغ الأرب "2/ 161 وما بعدها"، خزانة الادب، للبغدادي "3/ 212"، "بولاق"، نهاية الأرب "1/109 وما بعدها"، الحيوان "5/ 107 وما بعدها"، نزهة الجليس "2/ 406".
4 نهاية الأرب "1/ 109 وما بعدها".
الصابئة:
ونجد في القرآن الكريم إشارة إلى الصابئين، وقد ذكروا بعد اليهود والنصارى في موضع من سورة البقرة1، وذكروا وسطا بين اليهود والنصارى في موضع من سورة المائدة وفي سورة الحج2. ويظهر أن معارف أهل الأخبار عنهم نزرة، فليس لديهم شيء مهم مفيد يفيدنا عن عقائد أولئك الصابئة وآرائهم.
وقد ربط أهل الأخبار بين هؤلاء الصابئة المذكورين في القرآن وبين صابئة حران وصابئة العراق، وجعلوها طائفتين في الأصل: طائفة هم صابئة حنفاء
1 البقرة، الآية 62.
2 المائدة، الآية 69، الحج، الآية 17، تفسير الطبري "2/ 144"، "دار المعارف"، مجمع البيان، الطبرسي "1/ 278"، الملل والنحل، للشهرستاني "2/ 98"، نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، للدمشقي "1/ 44""بطرسبورغ"، ابن خلدون "2/ 32""دار الكتاب اللبناني 1959م"، المسعودي، مروج "2/ 247"، الفهرست "332"، رسوم دار الخلافة "5".
وهم في نظرهم أصحاب إبراهيم ممن كان بحران وممن كان على دعوته، وصابئة مشركون وهم من فسدوا من الصابئة فأشركوا واعتقدوا بالكواكب1.
ولكن الذي يفهم من القرآن الكريم أن الصابئة جماعة كانت على دين خاص، وإنها طائفة مثل اليهود والنصارى، أي أن الكلمة مصطلح ولها مدلول معين مفهوم. فما ذهب إليه المفسرون من هذا الترعيف للصابئة ومن هذا التقسيم، إنما تكون عندهم في الإسلام، بعد وقوفهم على أحوال الصابئة واتصالهم بهم.
ويفهم من المواضع التي ورد فيها ذكرهم في القرآن الكريم، ومن ورود اسمهم مع اليهود والنصارى فيه، إنهم كانوا يعبدون إلها، ويتوجهون في دينهم إليه2.
ولا استبعد أن يكون من بين سكان مكة أناس كانوا من الصابئة، جاءوا إليها تجارا من العراق، أو جاء بهم الحظ إليها، حيث أوقعهم في سوق النخاسة، فاشتراهم تجار مكة وجاءوا بهم إلى مدينتهم، وعرفوا منهم أنهم صابئة.
ونحن إذا ما تتبعنا ما ورد عن لفظة صبأ وصابئ في الموارد الإسلامية نرى أن هذه الموارد تفسر ما ورد عن لفظة صبأ وصابئ في الموارد الإسلامية نرى أن هذه الموارد تفسير لفظة صبأ بمعنى خرج من شيء إلى شيء، وخرج من دين إلى دين غيره. وتذكر أن قريشًا كانت تسمي النبي صابئا، والصحابة الصباة3. أي الخارجين على دين قومهم. وهي تستعمل لفظة الصابئة في كثير من الأحوال في معنى حنفاء، كالذي نراه في ربطهم إبراهيم بهاتين الديانتين، وعدهم قدماء الصابئة في جملة الحنفاء، فإن هذا يدل على أن المراد من الصابئة بين العرب عند ظهور الإسلام هم المنشقون الخارجون على ديانة قومهم، أي على عبادة الأوثان والمنادين بالتوحيد. وأما ما نراه من إطلاق الصابئة على الصابئة المعروفين في الإسلام، فإنما حدث في الإسلام.
واطلاق قريش لفظة الصابئ والصباة على المسلمين بدلا من تسميتهم بمسلمين قضية مهمة جدا، يجب الاهتمام بها، وفي الأخبار أمثلة كثيرة على ذلك. فقد
1 التهانوي، كشاف اصطلاحات الفنون "1/ 887"، بلوغ الأرب "2/ 223 وما بعدها".
2 Dicttonary of IsIam
3 النهاية "2/ 369"، اللسان "1/ 102"، "وكانت العرب تسمي النبي صلى الله عليه وسلم الصابئ، لأنه خرج من دين قريش إلى الإسلام، ويسمون من يدخل في دين الإسلام مصبوا.. ويسمون المسلمين الصباة"، تاج العروس "1/ 306"، "طبعة الكويت"، القاموس المحيط "1/ 20".
ذكرت كتب الحديث والسير واللغة أن قريشًا دعت النبي صابئا، وفي جملة من دعاه بذلك عمر قبل إسلامه، ثم رمي عمر بها بعد إسلامه أيضًا. ولما أسلم أبو ذر الغفاري، انهال عليه أهل مكة بالضرب، لأنه صبأ وفتن وخرج عن دينهم. ولما أرادت زوج مطعم بن عدي خطبة ابنة أبي بكر إلى ابنها، ذكرت له أنها تخشى أن يؤثر على ولدها، فيكون من الصباة. وقد كانت لفظة الصباة والصباء بمعنى مسلمين عند المشركين، ففي معركة حنين نجد "دريد بن الصمة" يخاطب أحد رءوس القوم ويقول له في جملة ما قاله:"ثم ألق الصباء على متون الخيل"1. ولما أرسل بنو عامر لبيدا إلى النبي ليرى خبره وعلمه، أسلم، وأصابه وجع شديد من حمى، فرجع إلى قومه بسبب تلك الحمى، وجاءهم بذكر البعث والجنة والنار، فقال صرافة بن عوف بن الأحوص:
لعمر لبيد إنه لابن أمه
…
ولكن أبوه مسه قدم العهد
دفعناك في أرض الحجاز كأنما
…
دفعناك فحلا فوقه قرع اللبد
فعالجت حماه وداء ضلوعه
…
وترنيق عيش مسه طرف الجهد
وجئت بدين الصابئين تشوبه
…
بألواح نجد بعد عهدك من عهد
وإن لنا دارا زعمت ومرجعا
…
وثم إياب القارضين وذي البرد
فكان عمر يقول: "وايم الله إياب القارضين وذي البرد2". فقصد الشاعر بجملة "دين الصابئين" الإسلام، فالصابئون في نظر المشركين هم المسلمين.
ولما ذهب سعد بن معاذ إلى معركة، أنبه أبو جهل على قدومه إليها بعد أن دخل في دين الصابئين. ولما قدم خالد بن الوليد على بني جذيمة، نادوه بأنهم صبئوا، أي دخلوا في الإسلام3. ويلاحظ أن الوثنيين أطلقوا هذه التسمية على كل من أسلم، وعلى كل من شكوا فيه ورأوا أنه ميال إليهم، فكانوا يرمونه بهذه التهمة. أما المسلمون، فلم يرتاحوا إليها. والظاهر إنها كانت سبة بالنسبة إليهم في ذلك العهد، بدليل إنهم كانوا يكذبون من كان يطلقها من المشركين عليهم ويرد عليهم ردا شديدا، فلما نادى جميل بن معمر الجمحي في قريش:
1 الطبري "1/ 126"، "معركة حنين".
2 الأغاني "15/ 131 وما بعدها""خبر لبيد في مرثية أخيه".
3 لقد جمع "ولهوزن" أكثر المواضع التي أطلق الوثنيون فيها هذه اللفظة على المسلمين، راجع كتابة: Reste S 236
ألا، إن ابن الخطاب قد صبأ، وذلك حين دخل في الإسلام، وشهد بذلك أمام النبي، نادى عمر من خلفه: كذب، ولكني أسلمت، وقالت قريش: صبأ عمر1. ولا بد أن يكون لتكذيب عمر وغيره الوثنيين لتسميتهم المسلمين بهذه التسمية من سبب. وهو سبب يشعر أن أهل مكة إنما أطلقوها عليهم إهانة لهم وازدراء لشأنهم وعلى سبيل السبة، لأنها كانت سبة عندهم وذلك قبل الإسلام. وإلا لما انزعج المسلمون منها، وردوا على قريش بسببها ردا قبيحا. وقد رأيت أن المسلمين كانوا يفتخرون باطلاق الحنيفية عليهم، وإنهم كانوا يرون أن الحنفاء هم سلف المسلمين، وأن إبراهيم كان حنيفا وكان أول المسلمين.
فالصابئون إذن هم أولئك الخارجون على عبادة قومهم المخالفون لهم في ديانتهم شأنهم في ذلك في نظر قريش شأن من يسميهم المسلمون في أيامنا بالملحدين أو الهدامين، أو أي مصطلح آخر يراد به الرمي بالخروج على مثل المجتمع القائم وتقاليده، وذلك ازدراء بهم، وتنفيرا للناس عنهم.
1 ابن الأثير "2/ 34 وما بعدها""ذكر إسلام عمر بن الخطاب".