المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل السابع والثمانون: من عادات وأساطير الجاهليين ‌ ‌مدخل … الفصل السابع والثمانون: من - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٢

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني عشر

- ‌الفصل الرابع والسبعون: الكعبة

- ‌مدخل

- ‌الكسوة:

- ‌المال الحلال:

- ‌بقية محجات العرب:

- ‌المزارات:

- ‌الفصل الخامس والسبعون: الحنفاء

- ‌مدخل

- ‌الاعتكاف:

- ‌الفصل السادس والسبعون: اليهودية بين العرب

- ‌مدخل

- ‌يهود اليمن:

- ‌الفصل السابع والسبعون اليهود والإسلام

- ‌الفصل الثامن والسبعون شعر اليهود

- ‌الفصل التاسع والسبعون: النصرانية بين الجاهليين

- ‌مدخل

- ‌النصرانية في بقية مواضع جزيرة العرب:

- ‌الفصل الثمانون المذاهب النصرانية

- ‌الفصل الحادي والثمانون: التنظيم الديني

- ‌مدخل

- ‌أعياد النصارى:

- ‌الفصل الثاني والثمانون: أثر النصرانية في الجاهليين

- ‌الفصل الثالث والثمانون: المجوس والصابئة

- ‌مدخل

- ‌الصابئة:

- ‌الفصل الرابع والثمانون: تسخير عالم الأرواح

- ‌مدخل

- ‌طعام الجن:

- ‌الحية:

- ‌الغول:

- ‌ الشيطان

- ‌شق:

- ‌والهاتف والرئي

- ‌الرئي:

- ‌الملائكة:

- ‌السحر:

- ‌الفصل الخامس والثمانون: في أوابد العرب

- ‌مدخل

- ‌العراف:

- ‌الراقي:

- ‌الاستقسام بالأزلام:

- ‌الأحلام:

- ‌الفصل السادس والثمانون: الطيرة

- ‌مدخل

- ‌التثاؤب والعطاس:

- ‌بعض من أنكر الطيرة

- ‌الفأل:

- ‌الفصل السابع والثمانون: من عادات وأساطير الجاهليين

- ‌مدخل

- ‌عقيدتهم في الحيوان:

- ‌فهرس الجزء الثاني عشر

الفصل: ‌ ‌الفصل السابع والثمانون: من عادات وأساطير الجاهليين ‌ ‌مدخل … الفصل السابع والثمانون: من

‌الفصل السابع والثمانون: من عادات وأساطير الجاهليين

‌مدخل

الفصل السابع والثمانون: من عادات الجاهليين

ولأهل الجاهلية عادات وأساطير كثيرة، وقد اختص العرب بقسم منها، أما القسم الثاني فهو عام معروف، عرف عند الساميين والعجم، وهي مما يقال له "الشعبيات" أو "الفلولكلوريات" في مصطلح الإفرنج لهذا العهد.

فمن ذلك ما كانوا يفعلونه في أسفارهم إذ كان أحدهم إذا خرج إلى سفر عمد إلى شجرة من "الرتم"، فعقد غصنا منها، فإذا عاد من سفره ووجده قد انحل، قال: قد خانتني امرأتي، وإن وجده على حالته قال لم تخني1. ويقال لذلك العقد "الرتم"و "الرتمة". وذكر أن الرجل منهم كان إذا سافر عمد إلى خيط فعقده في غصن شجرة أو في ساقها، فإذا عاد نظر إلى ذلك الخيط، فإن وجده بحاله علم أن زوجته لم تخنه، وإن لم يجده أو وجده محلولا قال: قد خانتني. ويقال: بل كانوا يعقدون طرفا من غصن الشجر بطرف غصن آخر2.

وتستعمل "الرتمة" لتذكير الإنسان بشيء. يستعلمها من يكثر نسيانه. وهي خيط يعقد في الأصبع للتذكير. وقد يعقد على الخاتم3.

ومن اعتقادهم في السفر أن من خرج في سفر والتفت وراءه لم يتم سفره.

1 المستطرف "2/ 78".

2 بلوغ الأرب "2/ 316 وما بعدها"، نهاية الأرب "3/ 125"، اللسان "15/ 116". صبح الأعشى "1/ 408".

3 تاج العروس "8/ 303"، "رتم".

ص: 382

فإن التفت تطير، وفسره بالعودة. فلذلك لا يلتفت إلا العاشق الذي يريد العود1.

ومنها التصفيق: كانوا إذا ضل الرجل منهم في الفلاة، قلب ثيابه، وحبس ناقته، وصاح في أذنها كأنه يومئ إلى إنسان، وصفق بيديه: الوحا الوحا، النجا النجا، هيكل، الساعة الساعة، إلي إلي، عجل، ثم يحرك الناقة فيهتدى. قال الشاعر:

وأذن بالتصفيق من ساء ظنه

فلم يدر من أي اليدين جوابها2

وذكر إنه كان يقلب قميصه ويصفق بيديه كأنه يومئ بهما إلى إنسان فيهتدي3.

وكان أحدهم إذا أراد دخول قرية، فخاف وباءها أو جنها، وقف على بابها قبل أن يدخلها، فنهق نهيق الحمار، ثم علق عليه كعب أرنب، كأن ذلك عوذة له ورقية من الوباء والجن. ويسمون هذا النهيق التعشير.

وروي أن "عروة بن الورد" خرج إلى "خيبر" ليمتار، فلما قربوا منها، عشر من معه، وعاف "عروة" أن يفعل فعلهم. فيقال: إن رفقته مرضوا، ومات بعضهم، ونجا "عروة" من الموت والمرض4.

وكان مسافرهم إذا ركب مفازة وخاف على نفسه من طوارق الليل، عمد إلى واد ذي شجر، فأناخ راحلته في قرارته، وهي القاع المستديرة وعقلها، وخط عليها خطا، ثم قال: أعوذ بصاحب هذا الوادي5. وإلى ذلك أشار القرآن {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} 6. وذكر أنهم كانوا إذا نزلوا الوادي، قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه، فتقول الجن: ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرا ولا نفعا7.

ومن عادات بعض العرب أنهم إذا خافوا شر إنسان وأرادوا عدم عودته إليهم، أوقدوا خلفه نارًا، إذا تحول عنهم، ليتحول ضبعه معه، أي شره. وكانوا يقولون: أبعد الله دار فلان وأوقد نارًا أثره، والمعنى لا رجعه الله ولارده8.

1 المستطرف "2/ 80"، بلوغ الأرب "2/ 328".

2 نهاية الأرب "3/ 122"، صب الأعشى "1/ 405".

3 المستطرف "2/ 80"، بلوغ الأرب "2/ 316".

4 بلوغ الأرب "2/ 315 وما بعدها".

5 بلوغ الأرب "2/ 325".

6 الجن، الآية 6.

7 تفسير الطبري "29/ 68".

8 اللسان "3/ 466". "وقد".

ص: 383

وإذا غاب الإنسان، فلم يقفوا على أثره، ففي الوسع الاهتداء إليه، وذلك بأن يذهبوا إلى بئر قديمة أو حفر قديم، ثم ينادوا في البئر أو الحفر اسم الغائب ثلاث مرات، فإن سمعوا صوتا علموا أنه حي معافى، وإن لم يسمعوا شيئًا علموا أنه قد مات1.

وإذا أراوا ضمان عدم رجوع الثقلاء ومن لا يرغب في عودتهم، فإن الثقيل إذا غادر المحل، عمد صاحب البيت والمكان إلى كسر شيء من الأواني أو رمى حجرا خلفه، وفي ذلك ضمان بألا يعود2.

ومن خرافاتهم أن أحدهم كان إذا اشترى دارا أو استخرج ماء عين أو بنى بنيانا وما أشبهه، ذبح ذبيحة للطيرة. وقد عرفت عندهم بـ "ذبائح الجن". وكانوا يفعلون ذلك مخافة أن تصيبهم الجن وتؤذيهم. وقد نهي في الإسلام عن ذبائح الجن3.

وأوجدوا لدوام الحب علاجا، هو شق الرداء والبرقع. زعموا أن المرأة إذا أحبت رجلا أو أحبها ثم لم تشق عليه رداءه، ويشق عليها برقعها، فسد حبهما، فإذا فعل ذلك دام حبهما4.

وإذا صعب على المرأة العثور على خاطب لها، فإن في الإمكان تيسير ذلك بنشر جانب من شعرها، وتكحيل إحدى عينيها، وتحجيل إحدى رجليها، ويكون ذلك ليلا، ثم تقول:"يا لكاح، أبغي النكاح، قبل الصباح"، فيسهل أمرها، وتتزوج عن قريب5.

ومن آرائهم أن الرجل منهم إذا عشق ولم يسل وأفرط عليه العشق، حمله رجل على ظهره كما يحمل الصبي، وقام آخر فأحمى حديدة أو ميلا وكوى به بين إليتيه فيذهب عشقه6.

ولدوام الحب بين الرجل والمرأة، يشق الرجل برقع من يحبها وتشق المرأة رداءه، فيصلح حبهما ويدوم، فإن لم يفعلا ذلك فسد حبهما7.

1 بلوغ الأرب "3/ 3 وما بعدها".

2 بلوغ الأرب "2/ 330".

3 اللسان "2/ 437"، "ذبح"، ثمار القلوب "ص69".

4 نهاية الأرب "3/ 126".

5 بلوغ الأرب "2/ 330".

6 بلوغ الأرب "2/ 321".

7 بلوغ الأرب "2/ 322".

ص: 384

وإذا غاب عن النساء من يحببنه أخذن ترابا من موضع قدمه وموضع رجله، ليرجع سريعا1.

وإذا أرادت المقلاة أن يعيش ولدها، ففي إمكانها ذلك إذا تخطت القتيل الشريف سبع مرات، وعندئذ يعيش ولدها. وإنما كانوا يفعلون ذلك بالشريف يقتل غدرا. وقد ذكر ذلك في شعر لبشر بن أبي خازم2.

ومن عقائدهم أن صاحب الفرس المهقوع إذا ركبه فعرق حته اغتلمت امرأته، وطمحت إلى غيره. والهقعة: دائرة بالفرس، وربما كانت على الكتف في الأكثر3.

وكان الصبي إذا بترت شفته، حمل منخلا على رأسه ونادى بين بيوت الحي:"الحلاء الحلاء، الطعام الطعام" فتلقي له النساء كسر الخبز والتمر واللحم في المنخل، ثم يلقى ذلك للكلاب، فتأكله فيبرأ من المرض فإن أكل صبي من الصبيان من ذلك الذي ألقاه للكلاب تمرة أو لقمة، بتر شفته4.

وتعالج "الخطفة" و"النظرة" عند الصبيان بتعليق سن ثعلب، أو من هرة على الصبي، فإن تلك الأسنان تهرب الجن. ويهربها كذلك تنقيط شيء من صمغ "السمرة""حيض السمرة"، وهي شجرة من شجر الطلع، بين عيني النفساء، وخط شيء منه على وجه الصبي خطا، فلا تجرؤ الجنية على التقرب من الصبي، ويقال لذلك "النفرات"، فإذا قال لها صواحباتها في ذلك، قالت:

كانت عليه نفره

ثعالب وهرره

والحيض حيض السمره5

ومن عاداتهم في إبعاد الجن عن الصبيان، تنفير المولود، وذلك أن يسميه باسم غريب منفر، فينفر الجن منه، ولا يتقربون منه6.

1 بلوغ الأرب "2/ 239 وما بعدها".

2 بلوغ الأرب "2/ 317 وما بعدها".

3 بلوغ الأرب "2/ 323".

4 بلوغ الأرب "2/ 328".

5 نهاية الأرب "3/ 124"، بلوغ الأرب "2/ 325"، تاج العروس "3/ 578 وما بعدها".

6 بلوغ الأرب "2/ 325".

ص: 385

وعادة أخذ الغلام إذا ثغر، السن الساقط ووضعه إياه بين السبابة والإبهام، واستقبال الشمس، وقذف السن في عينها، لا تزال معروفة حتى الآن، وهم يقولون في ذلك:"ابدليني بسن أحسن منها، ولتجر في ظلمها إياتك"1، أو "أبدليني أحسن منها، أمن على أسنانه العوج، والفلج، والثعل". قال طرفة:

بدلته الشمس من منبته

بردا أبيض مصقول الأشر2

واعتقد قوم منهم أن من ولد في القمراء، تقلصت غرلته، فكان كالمختون3. واعتقدوا أن طول الغرلة من تمام الخلقة وأقرب ما يكون إلى السؤدد4.

ومن عقائدهم، أن المولود إذا ولد يتنا، كان ذلك علامة سوء، ودليلا على الفساد، واليتن خروج رجل المولود قبل رأسه5.

ومن عقائدهم أن الرجل كان إذا ظهرت فيه القوباء عالجها بالريق، وإذا أصيب أو أصيبت دابته بالنملة، وخط عليها ابن المجوسي إذا كان من اخته تبرأ وتنصلح وترأب6.

وزعموا أن من أصيب بـ "الهدب"، وهو "العشا" يكون في العين، عمد إلى سنام فقطع منه قطعة، ومن الكبد قطعة، وقلاهما، وقال عند كل لقمة يأكلها بعد أن يمسح جفنه الأعلى بسبابته:

فيا سناما وكبد

ألا اذهبا بالهدبد

ليس شفاء الهدبد

إلا السنام والكبد

ويزعمون أن ذلك بالعشا بذلك7.

وقد زعم الجاهليون أن الطاعون الذي كان يقع كثيرًا في الجاهلية فيحصد الناس

1 بلوغ الأرب "2/ 318".

2 نهاية الأرب "3/ 122".

3 بلوغ الأرب "2/ 331".

4 تاج العروس "8/ 41"، "غرل"، بلوغ الأرب "2/ 331"ز

5 الحيوان "1/ 286"، "هارون".

6 بلوغ الأرب "2/ 329"، وتعرف "القوباء بـ"كوباية" بلغة العمامة لهذا العهد.

7

إنه لا يبرئ داء الهدبد

مثل القلايا من سنام وكبد

تاج العروس "2/ 545"، "الهدبد"، بلوغ الأرب "2/ 340".

ص: 386

حصدا، هو من وخز الجن، وأنه من فعلهم في الإنسان ودعوه "رماح الجن"، وذكر ذلك في الشعر فقال أحد الشعراء:

لعمرك ما خشيت على عدي

رماح بني مقيدة الحمار

ولكني خشيت على عدي

رماح الجن أو إياك جار1

وكانوا يرون أن أكل لحوم السباع يزيد في الشجاعة والقوة2.

وفي حركات الإنسان دليل ومعان تنبئ عن أشياء. فإذا اختلجت العين دل، ذلك على توقع قدوم شخص غائب محبوب. ولا تزال هذه العادة باقية عند الناس اليوم3.

ومن عاداتهم أن أحدهم إذا خدرت رجله، ذكر أحب الناس إليه، فتنبسط4.

وكانوا يعقدون الرتم للحمى، ويرون أن من حلها انتقلت الحمى إليه. قال أحد الشعراء:

حللت رتيمة فمكثت شهرا

أكابد كل مكروه الدواء5

وقد زعموا أن في البطن حية، إذا جاع الإنسان، عضت على شرسوفه وكبده. وقيل: هو الجوع بعينه، ليس أنها تعض بعد حصول الجوع6.

وكان من عادة الجاهليين حمل ملوكهم على الأعناق إذا اشتد بهم المرض. وهم يعتقدون أنهم بذلك سيتغلبون على المرض، ويعللون ذلك بأنه أسهل على المريض، وأكثر راحة له من وضعه على الأرض7.

واعتقدت العرب أن دم الملوك والرؤساء يشفي من عضة الكلب8. وزعموا أن الكلب جنون الكلاب المعتري من أكل لحم الإنسان. وأجمعت العرب أن

1 ثمار القلوب "68".

2 بلوغ الأرب "2/ 323".

3 بلوغ الأرب "2/ 321 وما بعدها".

4 تاج العروس "3/ 170"، "خدر".

5 بلوغ الأرب "2/ 317".

6 بلوغ الأرب "2/ 313 وما بعدها".

7 بلوغ الأرب "3/ 20 وما بعدها".

8 بلوغ الأرب "2/ 319".

ص: 387

دواءه قطرة من دم ملك يخلط بماء فيسقاه، وقيل إن الرجل الكلب يعض إنسانا فيأتون رجلا شريفا، فيقطر لهم من دم إصبعه، فيسقون الكلب فيبرأ1.

ومن عقائدهم إنهم كانوا إذا قتلوا الثعبان خافوا من الجن أن يأخذوا بثأره، فيأخذون روثة، ويفتونها على رأسه، ويقولون: روثة راث ثائرك. وقد يذر على الحية المقتولة يسير رماد، ويقال لها: فتلك العين ثائر لك. وفي أمثالهم لمن ذهب العين دمه هدر: هو قتيل العين2.

واعتقد الجاهليون بـ "السفعة"، و"السفعة" العين تصيب الإنسان: عين إنسية وعين جنية، "والسفعة" النظرة من الجن3.

وإذا طالت علة الواحد منهم، وظنوا أن به مسا من الجن، لأنه قتل حية أو يربوعا أو قنفذا، عملوا جمالا من طين، وجعلوا عليها جوالق وملؤوها حنطة وشعيرا وتمرا، وجعلوا تلك الجمال في باب جحر إلى جهة المغرب وقت غروب الشمس، وباتوا ليلتهم تلك، فإذا أصبحوا، نظروا إلى تلك الجمال الطين، فإذا رأوا إنها بحالها، قالوا: لم تقبل الهدية، فزادوا فيهان وإن رأوها قد تساقطت وتبدد ما عليها من الميرة قالوا: قد قبلت الدية، واستدلوا على شفاء المريض، وفرحوا، وضربوا بالدف4.

ومن أوابدهم تعليق الحلي والجلاجل على اللديغ، يرون أن يفيق بذلك، ويقال إنه إنما يعلق عليه، لأنهم يرون أنه إن نام يسري السم فيه فيهلك، فشغلوه بالحلي والجلاجل وأصواتها عن النوم. وذهب بعضهم إلى إنه إذا علق عليه حلي الذهب برأ، وإن علق الرصاص أو حلي الرصاص مات5.

ومن آرائهم في إطفاء نار الحرب إنهم كانوا بما أخرجوا النساء فبلن بين الصفين، يرون أن ذلك يطفئ نار الحرب ويقودهم إلى السلم6.

1 تاج العروس "1/ 460"، "كلب".

2 بلوغ الأرب "2/ 358".

3 بلوغ الأرب "2/ 265".

4 بلوغ الأرب "2/ 359".

5 وإلى هذه العقيدة أشار النابغة الذبياني بقوله:

فبت كأني ساورتني ضئيلة

من الرقش في أنيابها السم ناقع

يسهد من ليل التمام سليمها

بحلي النساء في يديه قعاقع

بلوغ الأرب "2/ 304".

6 بلوغ الأرب "2/ 4".

ص: 388

ومن وسائل إبعاد الجن عن الناس، وإبعاد عيونهم عنهم، تعليق كعب الأرنب. يقولون إن من فعل ذلك لم تصبه عين ولا سحر، وذلك لأن الجن تهرب من الأرنب، لأنها ليست من مطايا الجن، لأنها تحيض. وذكر أيضًا أن من علق على نفسه كعب أرنب، لم يقربه "عمار الحي""جنان الحي" و"جنان الدار"، و"عمار الدار" ولا "شيطان الحماطة" وجان العشرة "جار العشيرة" وغول العقر "غول القفر"، كل الخوافي وأن الله يطفئ نار السعالي1. و"الحماطة" شجرة شبيهة بالتين تأوي إليها الحيات2.

وكانوا إذا خافوا على الرجل الجنون وتعرض الأرواح الخبيثة له، نجسوه بتعليق الأقذار عليه، كخرقة الحيض وعظام الموتى. وذكروا أن أنفع من ذلك أن تعلق طامث عظام موتى ثم لا يراها يومه ذلك. ويشفي التنجيس من كل شيء. إلا من العشق3.

ومن مذاهبهم قولهم في الدعاء: "لا عشت إلى عيش القراد". يضربونه مثلا في الشدة والصبر على المشقة يزعمون أن القراد يعيش ببطنه عامًا وبظهره عامًا4.

وكانوا يتبركون بأشياء منها المدمى من السهام، الذي ترمى به عدوك ثم يرميك به. وكان الرجل إذا رمى العدو بسهم فأصاب، ثم رماه به العدو وعليه دم، جعله في كنانته تبركًا به. ذكر أن "سعدًا" قال:"رميت يوم أحد رجلا بسهم فقتله، ثم رميت بذلك السهم أعرفه، حتى فعلت ذلك وفعلوه ثلاث مرات، فقلت: هذا سهم مبارك مدمى فجعلته في كنانتي، فكان عنده حتى مات"5.

كان أحدهم يلقي الرجل يخافه في الشهر الحرام، فيقول: حجرًا محجورًا، أي حرام محرم عليك هذا الشهر، فلا يبدؤه بشر6. وكانوا يقولون ذلك إذا نزلوا مكانا وخافوا فيه من الجن.

وكان من عاداتهم أنهم كانوا إذا أرادوا أن تورد البقر الماء، فعافته قدموا ثورا، فضربوه، فورد، فإذا فعلوا ذلك، وردت البقر. وفي ذلك قال الأعشى:

1 نهاية الأرب "3/ 123 وما بعدها".

2

عنجرد تحلف حين أحلف

كمثل شيطان الحماط أعرف

بلوغ الأرب "2/ 324"، اللسان "9/ 146".

3 بلوغ الأرب "2/ 319".

4 بلوغ الأرب "2/ 339".

5 اللسان "14/ 270"، "دمى".

6 تاج العروس "3/ 123"، "حجر".

ص: 389

وما ذنبه إن عافت الماء باقر

وما أن تعاف الماء إلا لتضربا1

ويقولون إن الجن تصد البقر عن الماء، وأن الشيطان يركب قرني الثور2.

ويظهر أن هذا الاعتقاد من الاعتقادات التي كانت شائعة بين الجاهليين، بدليل وروده في أشعار عدد من الشعراء. وكانوا يزعمون أن الجن هي التي تصد الثيران عن الماء حتى تمسك البقر عن الماء حتى تهلك3.

ومن عاداتهم أيضًا أنهم كانوا إذا وقع العر في إبلهم، اعترضوا بعيرا صحيحا لم يقع ذلك فيه، فكووا مشفره وعضده وفخذه. يرون أنهم إذا فعلوا ذلك ذهب العرب عن إبلهم4.

وذكر أن العر قروح مثل القوباء، تخرج بالإبل متفرقة في مشافرها وقوائمها يسيل منها مثل الماء الأصفر، فتكوى الصحاح لئلا تعديها المراض. تقول منه: عرت الإبل، فهي معرورة. قال النابغة الذبياني:

فحملتني ذنب امرئ وتركته

كذي العر يكون غيره وهو راتع5

وفي المعنى المذكور قول الشاعر:

فألزمتني ذنبا وغيري جره

حنانيك لا تك الصحيح بأجربا

وقول آخر:

كمن يكوي الصحيح يروم برءا

به من كل جرباء الإهاب6

وذكر أن الفصيل كان إذا أصابه العر، عمدوا إلى أمه فكووها، فيبرأ فصيلها7.

1 كتاب المعاني الكبير "2/ 928 وما بعدها".

2 بلوغ الأرب "2/ 303".

3 وفي ذلك قال أنس بن مدركة في قتله سليك بن سلكه:

إني وقتلي سليكا ثم أعقله

كالثور يضرب لما عافت البقر

الدميري، حياة الحيوان "1/ 182"، الحيوان "1/ 18 وما بعدها"، "هارون".

4 كتاب المعاني الكبير "2/ 928"، اللسان "6/ 230 وما بعدها"، صبح الأعشى "1/ 398 وما بعدها"، بلوغ الأرب "2/ 305 وما بعدها"، الحيوان "1/ 17"، "هارون".

5 تاج العروس "3/ 390"، "العر"، اللسان "4/ 555"، "عرر".

وكلفتني ذنب امرئ وتركته

كذي العر يكوي غيره وهو راقع

بلوغ الأرب "2/ 305".

6 بلوغ الأرب "2/ 305 وما بعدها".

7 بلوغ الأرب "2/ 306".

ص: 390

ومن ذلك إنهم كانوا يفقأون عين فحل الإبل، لئلا تصيبها العين. وكانوا إذا كثرت إبلهم فبلغت الألف، فقئوا عين الفحل، فإن زادت الإبل على الألف فقئوا العين الأخرى. وذلك المقفأ والمعمى1.

وكانت العرب إذا أجدبت، وأمسكت السماء عنهم، وتضايقوا من انحباس المطر، وأرادوا أن يستمطروا، عمدوا إلى السلع والعشر، فحزموهما، وعقدوهما في أذناب البقر، وأضرموا فيها النيران، وأصعدوها في موضع وعر، واتبعوها، يدعون الله ويستسقون، وإنما يضرمون النار في أذناب البقر تفاؤلا للبرق بالنار. وكانوا يسوقونها نحو المغرب من دون الجهات2. ويقال لهذا الفعل "التسليع".

وذكر أن التسليع في الجاهلية إنهم كانوا إذا أسنتوا، أي أجدبوا، علقوا السلع مع العشر بأذناب البقر وحدروها من الجبال وأشعلوا في ذلك السلع والعشر النار يستمطرون بذلك. ونجد من الرواة من يقول: حدروها من الجبال وأشعلوا في ذلك السلع والعشر النار، ومنهم من يقول: ثم يضرمون فيها النار، وهم يصعدونها في الجبل، فيمطرون3.

وقد أشير إلى هذا الفعل في الشعر، قال أمية بن أبي الصلت:

سلع ما ومثله عشر ما

عائل ما، وعالت البيقورا

وقال الورك الطائي "وداك الطائي":

لا در در رجال خاب سعيهم

يستمطرون لدى الأزمات بالعشر

أجاعل أنت بيقورا مسلعة

ذريعة لك بين الله والمطر4

ومن السلع "المسلعة"، كان العرب في جاهليتها تأخذ حطب السلع والعشر في المجاعات وقحوط القطر، فتوقر ظهر البقر منها، وقيل: يعلقون ذلك في أذنابها، ثم تلعج النار فيها يستمطرون بلهب النار المشبه بسنى البرق. وقيل:

1 بلوغ الأرب "2/ 306"، "وذلك المقفأ والمعمى"، الحيوان "1/ 17"، "هارون".

2 بلوغ الأرب "2/ 301 وما بعدها".

3 اللسان "8/ 161"، "سلع"، تاج العروس "5/ 1384"،"سلع".

4 اللسان "8/ 161"، "سلع"، تاج العروس "5/ 385"، بلوغ الأرب "2/ 302"، "الورك الطائي"، اللسان "8/ 161"، "وداك الطائي"، تاج العروس "5/ 385"، "سلع"، ابن فارس، رسالة النيروز "18"، "الورل الطائي"، "18"، "الورك الطائي"، "اللسان "4/ 73".

ص: 391