الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنها، فكانت تتراكم بعضها فوق بعض، فلما جاء الإسلام، استمروا على ذلك أمدًا، ثم رأى "شيبة بن عثمان" سادن البيت، تجريدها من أكسية الجاهلية، لأنها رجس من عمل الجاهليين فأزيلت. ثم رأى الخليفة المهدي، أن الأكسية قد اثقلت الكعبة، فأمر بتجريدها، تخفيفًا عنها، واكتفى بثلاث كسي من القباطي والخز والديباج1.
وذكر أهل الأخبار أن أول من حلل البيت "عبد المطلب"، جد النبي، لما حفر "بئر زمزم"، وأصاب فيه من دفن جرهم غزالين من ذهب، فضربهما في باب الكعبة2.
1 الأزرقي، أخبار مكة "1/ 173 وما بعدها"، الإصابة "2/ 157"، "شيبة بن عثمان".
2 البلدان "4/ 463 وما بعدها".
المال الحلال:
وقد تجنب أهل الجاهلية بناء معابدهم بمال حرام، فلما أرادت قريش بنيان الكعبة نادى مناديهم: لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبًا. لا تدخلوا فيه مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس1. هذا ما يذكره أهل الأخبار ويروونه عن بناء البيت الحرام.
1 الروض الأنف "1/ 130 وما بعدها".
بقية محجات العرب:
ومن محجات العرب وبيوتها المعظمة: بيت عرف بـ "بس" لغطفان، كانت تعبده. بناه "ظالم بن أسعد بن ربيعة بن مالك بن مرة بن عوف"، لما رأى قريشًا يطوفون بالكعبة ويسعون بين الصفا والمروة، فذرع البيت، وأخذ حجرًا من الصفا وحجرًا من المروة، فرجع إلى قومه، فبنى بيتًا على قدر البيت ووضع الحجرين، فقال: هذان الصفا والمروة فاجتزئوا به عن الحج، فأغار "زهير بن جناب الكلبي"، فقتل ظالمًا وهدم بناءه. وورد في رواية أخرى أن "العزى" سمرة عبدتها غطفان. أول من اتخذها "ظالم بن أسعد"، فوق ذات
عرق إلى البستان بتسعة أميال، بنى عليها بيتًا وسماه بسًا، وأقام لها سدنة، فبعث إليها رسول الله "خالد بن الوليد"، فهدم البيت وأحرق السمرة1.
وفي أخبار أهل الأخبار عن بيت "العزى"، أوهام وتناقض. فتراهم يجعلون "العزى" صنمًا مرة ويجعلونها "سمرة" أو "شجرة" أو ثلاث سمرات مرة أخرى، ثم تراهم يخلطون بين البيت وبين الحرام الذي كان حوله، كما بينت ذلك في أثناء حديثي عن "العزى"2. والذي أراه، أنه كان للعزى بيت هو "بس"، فيه صنم العزى، وكان حوله حرم، كحرم مكة، به "سمرة" أو ثلاث سمرات، كان الناس يقدسونها أيضًا ويتقربون إليها بالنذور. وهي جزء متمم لبيت العزى. فلما أمر الرسول خالد بن الوليد، بهدم العزى، هدم البيت وحطم الصنم، فرجع، فلما سأله الرسول عنه، واستفسر منه عن السمرة أو السمرات الثلاث، وعلم منه أنه لم يقطعها، أمره بالعودة إليها وقطعها اجتثاثًا لكل علامة من علائم عبادة هذا الصنم. فقطعها. فقطع عن عُبّادها كل صلة لهم كانت تربطهم بذلك الصنم.
ومن محجات الجاهليين، بيت الصنم "ذو الخلصة"، ذكر أنه كان بتبالة، وكان يسمى بـ "الكعبة اليمانية"، تمييزًا له عن الكعبة التي عرفت بـ "الكعبة الشامية". وذكر أنه نفسه عرف بـ "الكعبة الشامية"، كما دعي بـ "كعبة اليمامة"، وقد تحدثت عنه في أثناء كلامي على هذا الصنم. ولما هدم البيت والصنم بأمر الرسول، صار مكانه موضع عتبة باب مسجد تبالة. وذكر أن البيت هو "ذو الخلصة"، والصنم "الخلصة"، وقيل "ذو الخلصة: الصنم نفسه"3 وقد عرف البيت بـ "الكعبة" كذلك، لأنه كان بناءً مكعبًا. وكان بيتًا في خثعم باليمن، وكانت بجيلة تعظمه كذلك. به صنم، هو "ذو الخلصة" ونصب يذبحون عليه4. ويظهر أنه كان من البيوت المعظمة الكبيرة، بدليل ما ذكره العلماء من أن الرسول قال لجرير بن عبد الله البجلي: "ألا تريحني من ذي الخلصة"؟ فذهب إليه وأحرق البيت وهدم الصنم وكسر النصب. وذكر
1 تاج العروس "4/ 109"، "بس"، مراصد الإطلاع "937".
2 البلدان "1/ 412"، "بساء".
3 تاج العروس "4/ 389"، "خلص".
4 إرشاد الساري "6/ 424 وما بعدها".
أن موضع "ذي الخلصة"، صار مسجدًا جامعًا لبلدة يقال لها: العبلات من أرض خثعم1.
وقد ذكر "أبو العلاء المعري" أن فدك كانت في الجاهلية ذات أصنام. وكانوا يقصدونها للحج، وذكر تلبيتهم لها2.
وكان بيت "اللات" من البيوت المعظمة عند ثقيف. كانوا إذا عاد أحدهم من سفر، فأول ما يفعله أن يأتي "الربة"، وهي اللات ليتبرك بها. وهي الصخرة التي كانت تعبدها ثقيف.. ولما أسلم "عروة بن مسعود الثقفي"، وعاد إلى قومه دخل منزله، فأنكر قومه عليه دخوله قبل أن يأتي الربة، يعني اللات. وفي حديث وفد ثقيف: كان لهم بيت يسمونه الربة. يضاهون بيت الله3. وكانت ثقيف تضاهي أهل مكة، وتنافسهم على الزعامة. وكان لبيت اللات أستار وسدنة وحوله فناء معظم، يفتخرون به على من عداهم من أحياء العرب4.
ولأهل اليمن بيوت تعبدوا لها، وبقيت معظمة عندهم إلى الإسلام. من ذلك بيت عرف بـ "بيت رئام"ز ذكر "ابن اسحاق" أن أهل اليمن كانوا يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون. وكانوا يعتقدون أن رئامًا كان فيه شيطان، وكانوا يملأون له حياضًا من دماء القربان، فيخرج فيصيب منها، ويكلمهم، وكانوا يعبدونه5. وبيت غمدان، وقد ذكروا أن الضحاك بناه باليمن على اسم الزهرة6، فجعلوه بيتًا، أي موضع عمادة، بينما هو دار حكم وبيت الملوك بصنعاء، كما سبق أن تحدثت عنه.
وذكر بعض أهل الأخبار أن "ريام" بيت بصنعاء كان لحمير، وكان به كلب أسود، وأن الحبرين اللذين ذهبا مع تبع استخرجاه وقتلاه وهدما البيت7.
وكان "ذو الكعبات" لبكر ولتغلب ابني وائل وإياد بسنداد، وله يقول الأعشى:
1 إرشاد الساري "6/ 423 وما بعدها".
2 رسالة الغفران "535"، "بنت الشاطئ".
3 تاج العروس "1/ 262"، "دبب".
4 تفسير ابن كثير "4/ 253".
5 الروض الأنف "1/ 28".
6 نهاية الأرب "1/ 62".
7 تفسير ابن كثير "4/ 254".
بين الخورنق والسدير ويارق
…
والبيت ذو الكعبات من سنداد1
وذكر أنه بيت كان لربيعة، كانوا يطوفون به، وقد ذكره الأسود بن يعفر في شعره، فقال:
والبيت ذي الكعبات من سنداد2
فالبيت للأسود لا للأعشى على هذه الرواية.
وقد تعرض "ابن كثير" لموضوع بيوت الأصنام: اللات والعزى ومناة، فقال: "وقد كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر، تعظمها العرب كتعظيم الكعبة، غير هذه الثلاثة التي نصَّ عليها في كتابه العزيز
…
قال ابن إسحاق في السيرة: وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجاب وتهدي لها كما يهدى للكعبة، وتطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها"3. وما فات من أسماء المحجات في العربية الجنوبية والشرقية وفي نجد، قد يزيد عدده على ما ذكرنا. فات عنا، لأن أهل الأخبار لم يذكروا شيئًا عنها، لانصراف اهتمامهم إلى الحجاز وما كان له صلة بالإسلام، من أرضين، فحرمنا بذلك من الوقوف على أخبار المحجات في المواضع الأخرى من جزيرة العرب.
ويحج الناس إلى هذه البيوت في أشهر معينة من السنة، هي الأشهر الحرم، وهي أشهر مقدسة لا يحل فيها قتال ولا اعتداء على أحد، فهي أشهر هدنة وسلام، أشهر خصصت بالآلهة، فلا يجوز انتهاك حرمتها. وفي شهر الحج الذي حج فيه الناس إلى أصنامهم، يجتمع الناس في المعبد لأداء الفروض المكتوبة المعينة، فيكون الاجتماع اجتماعًا دينيًّا وسياسيًّا وتجاريًّا يتعامل فيه الناس. ويتبادلون به السلع، ويعود على أهل الموضع الذي فيه المعبد بأرباح كبيرة ولا شك. وقد ذكرت أن هذه الحرمة لم تكن عامة، فقد كان من العرب من لا يراعيها ولا يحترمها، ثم إننا لا ندري إذا كان أهل العربية الجنوبية أو العربية الشرقية كانوا يعرفونها أم لا!
1 تفسير ابن كثير "4/ 254".
2 تاج العروس "1/ 457"، "كعب"، اللسان "1/ 718"، "كعب".
3 تفسير ابن كثير "4/ 253 وما بعدها".