المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر الدروب والأزقة - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ٣

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌ذكر حارات القاهرة وظواهرها

- ‌ذكر واقعة العبيد

- ‌ذكر أبي عبد الله الشيعي

- ‌ذكر الأمراء البرقيّة ووزارة ضرغام

- ‌ذكر وزارة أبي الفتح ناصر الجيوش يأنس الأرمني

- ‌ذكر الأمير حسن بن الخليفة الحافظ

- ‌ذكر قدوم الأويراتية

- ‌ذكر اخطاط القاهرة وظواهرها

- ‌ذكر كافور الإخشيدي

- ‌ذكر مقتل الخليفة الظافر

- ‌ذكر الدروب والأزقة

- ‌ذكر الخوخ

- ‌ذكر الرحاب

- ‌ذكر الدور

- ‌ذكر الحمامات

- ‌ذكر القياسر

- ‌ذكر الخانات والفنادق

- ‌ذكر الأسواق

- ‌الشارع خارج باب زويلة

- ‌ذكر العوائد التي كانت بقصبة القاهرة

- ‌ذكر ظواهر القاهرة المعزية

- ‌ذكر ميدان القبق

- ‌ذكر برّ الخليج الغربي

- ‌ذكر الأحكار التي في غربيّ الخليج

- ‌ذكر المقس وفيه الكلام على المكس وكيف كان أصله في أوّل الإسلام

- ‌ذكر ميدان القمح

- ‌ذكر أرض الطبالة

- ‌ذكر حشيشة الفقراء

- ‌ذكر أرض البعل والتاج

- ‌ذكر ضواحي القاهرة

- ‌ذكر منية الأمراء

- ‌ذكر كوم الريش

- ‌ذكر بولاق

- ‌ذكر ما بين بولاق ومنشأة المهراني

- ‌ذكر خارج باب زويلة

- ‌ذكر خارج باب الفتوح

- ‌ذكر الخندق

- ‌ذكر خارج باب النصر

- ‌الريدانية

- ‌ذكر الخلجان التي بظاهر القاهرة

- ‌ذكر خليج مصر

- ‌ذكر خليج فم الخور وخليج الذكر

- ‌ذكر الخليج الناصريّ

- ‌ ذكر القناطر

- ‌ذكر خليج قنطرة الفخر

- ‌ذكر قناطر الخليج الكبير

- ‌ذكر البرك

- ‌ذكر الماردانيّ

- ‌ذكر بساتين الوزير

- ‌ذكر المعشوق

- ‌ذكر الجسور

- ‌وقد وجد بخط المصنف رحمه الله في أصله هنا ما صورته

- ‌ذكر الجزائر

- ‌ذكر الروضة

- ‌ذكر قلعة الروضة

- ‌ذكر السجون

- ‌ذكر المواضع المعروفة بالصناعة

- ‌ذكر الميادين

- ‌ذكر قلعة الجبل

- ‌ذكر بناء قلعة الجبل

- ‌ذكر صفة القلعة

- ‌ذكر النظر في المظالم

- ‌ذكر خدمة الإيوان المعروف بدار العدل

- ‌ذكر العلامة السلطانية

- ‌ذكر جيوش الدولة التركية وزيّها وعوايدها

- ‌ذكر الحجبة

- ‌ذكر أحكام السياسة

- ‌ذكر المياه التي بقلعة الجبل

- ‌ذكر ملوك مصر منذ بنيت قلعة الجبل

- ‌ذكر من ملك مصر من الأكراد

- ‌ذكر دولة المماليك البحرية

- ‌ذكر دولة المماليك الجراكسة

الفصل: ‌ذكر الدروب والأزقة

أحد، ثم يخرج فلا يقدر أحد على تقبيل يده سوى أناس بأعيانهم إلا أنهم يومئون إلى تقبيل الأرض، وشرف أكابر الناس بتقبيل ركابه، وأجلّ الناس من يقبل ركبته، وقرّب كتامة وأنفق فيهم الأموال، وأعطاهم الخيول، وباع ما كان بالاصطبلات من الخيل والبغال والنجب وغيرها، وكانت شيأ كثيرا، وقطع أكثر الرسوم التي كانت تطلق لأولياء الدولة من الأتراك، وقطع أكثر ما كان في المطابخ، وقطع أرزاق جماعة، وفرّق كثيرا من جواري القصر، وكان به من الجواري والخدم عشرة آلاف جارية وخادم، فباع من اختار البيع، وأعتق من سأل العتق طلبا للتوفير، واصطنع أحداث المغاربة، فكثر عتيهم وامتدّت أيديهم إلى الحرام في الطرقات، وشلّحوا الناس ثيابهم، فضج الناس منهم واستغاثوا إليه بشكايتهم، فلم يبد منه كبير نكير فأفرط الأمر حتى تعرّض جماعة منهم للغلمان الأتراك وأرادوا أخذ ثيابهم، فثار بسبب ذلك شرّ قتل فيه غلام من الترك، وحدث من المغاربة، فتجمع شيوخ الفريقين واقتتلوا يومين آخرهما يوم الأربعاء تاسع شعبان سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، فلما كان يوم الخميس ركب ابن عمار لابسا آلة الحرب وحوله المغاربة، فاجتمع الأتراك واشتدّت الحرب وقتل جماعة وجرح كثير فعاد إلى داره، وقام برجوان بنصرة الأتراك، فامتدّت الأيدي إلى دار ابن عمار واصطبلاته ودار رشا غلامه، فنهبوا منها ما لا يحصى كثرة، فصار إلى داره بمصر في ليلة الجمعة، لثلاث بقين من شعبان واعتزل عن الأمر، فكانت مدّة نظره أحد عشر شهرا إلّا خمسة أيام، فأقام بداره في مصر سبعة وعشرين يوما، ثم خرج إليه الأمر بعوده إلى القاهرة فعاد إلى قصره هذا ليلة الجمعة، الخامس والعشرين من رمضان، فأقام به لا يركب ولا يدخل إليه أحد إلّا أتباعه وخدمه، وأطلقت له رسومه وجراياته التي كانت في أيام العزيز بالله، ومبلغها عن اللحم والتوابل والفواكه خمسمائة دينار في كل شهر، وفي اليوم سلة فاكهة بدينار، وعشرة أرطال شمع، ونصف حمل ثلج، فلم يزل بداره إلى يوم السبت الخامس من شوّال سنة تسعين وثلثمائة، فأذن له الحاكم في الركوب إلى القصر، وأن ينزل موضع نزول الناس، فواصل الركوب إلى يوم الاثنين رابع عشرة، فحضر عشية إلى القصر وجلس مع من حضر، فخرج إليه الأمر بالانصراف، فلما انصرف ابتدره جماعة من الأتراك وقفوا له فقتلوه واحتزوا رأسه ودفنوه مكانه، وحمل الرأس إلى الحاكم، ثم نقل إلى تربته بالقرافة فدفن فيها، وكانت مدّة حياته بعد عزله إلى أن قتل ثلاث سنين وشهرا واحدا وثمانية وعشرين يوما، وهو من جملة وزراء الدولة المصرية، وولى بعده برجوان، وقد مرّ ذكره.

‌ذكر الدروب والأزقة

قد اشتملت القاهرة وظواهرها من الدروب والأزقة على شيء كثير، والغرض ذكر ما يتيسر لي من ذلك:

درب الأتراك: هذا الدرب أصله من خط حارة الديلم، وهو من الدروب القديمة وقد

ص: 69

تقدّم ذكره في الحارات، ويتوصل إليه من خطة الجامع الأزهر، وقد كان فيما أدركناه من أعمر الأماكن.

أخبرني خادمنا محمد بن السعودي قال: كنت أسكن في أعوام بضع وستين وسبعمائة بدرب الأتراك، وكنت أعاني صناعة الخياطة، فجاءني في موسم عيد الفطر من الجيران أطباق الكعك والخشكنانج على عادة أهل مصر في ذلك، فملأت زيرا كبيرا كان عندي مما جاءني من الخشكنانج خاصة، لكثرة ما جاءني من ذلك، إذ كان هذا الخط خاصا بكثرة الأكابر والأعيان، وقد خرب اليوم منه عدّة مواضع.

درب الأسواني: ينسب إلى القاضي أبي محمد الحسن بن هبة الله الأسواني، المعروف بابن عتاب.

درب شمس الدولة: هذا الدرب كان قديما يعرف بحارة الأمراء كما تقدّم، فلما كان مجىء الغز إلى مصر واستيلاء صلاح الدين يوسف على مملكة مصر، سكن في هذا المكان الملك المعظم شمس الدولة توران شاه ابن أيوب، فعرف به وسمي من حينئذ درب شمس الدولة، وبه يعرف إلى اليوم: توران شاه الملقب بالملك المعظم شمس الدولة بن نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان، قدم إلى القاهرة مع أهله من بلاد الشام في سنة أربع وستين وخمسمائة، عندما تقلد صلاح الدين يوسف بن أيوب وزارة الخليفة العاضد لدين الله، بعد موت عمه أسد الدين شير كوه، وكانت له أعمال في واقعة السودان تولّاها بنفسه، واقتحم الهول، فكان أعظم الأسباب في نصرة أخيه صلاح الدين وهزيمة السودان، ثم خرج إليهم بعد انهزامهم إلى الجيزة، فأفناهم بالسيف حتى أبادهم، وأعطاه صلاح الدين قوص وأسوان وعيداب، وجعلها له أقطاعا، فكانت عبرتها في تلك السنة مائتي ألف وستة وستين ألف دينار، ثم خرج إلى غزو بلاد النوبة في سنة ثمان وستين، وفتح قلعة أبريم وسبى وغنم ثم عاد بعد ما أقطع أبريم بعض أصحابه، وخرج إلى بلاد اليمن في سنة تسع وستين وكان بها عبد النبيّ أبو الحسن عليّ ابن مهدي قد ملك زبيد وخطب لنفسه، وكان الفقيه عمارة قد انقطع إلى شمس الدولة، وصار يصف له بلاد اليمن ويرغّبه في كثرة أموالها ويغربه بأهلها، وقال فيه قصيدته المشهورة التي أولها:

العلم مذ كان محتاج إلى القلم

وشفرة السيف تستغني عن القلم

فبعثه ذلك على المسير إلى بلاد اليمن فسار إليها في مستهل رجب، ودخل مكة معتمرا وسار منها فنزل على زبيد في سابع شوّال، وفي نهار الاثنين ثامن شوّال فتحها بالسيف وقبض على عليّ بن مهدي وأخوته وأقاربه، واستولى على ما كان في خزائنه من مال، وتسلّم الحصون التي كانت بيده، وفي مستهل ذي القعدة توجه قاصدا عدن، وبذل لياسر بن بلال في كل سنة ثلاثين ألف دينار وسلمها إليه، فما رغب في ذلك، وكان قصده

ص: 70

أن يقيم بها نائبا عن المجلس الفخريّ، فلما أبى ذلك نزل عليها في يوم الجمعة تاسع عشري ذي القعدة وملكها في ساعة بالسيف، وقبض على ياسر وإخوته وولدي الداعي، فاحتوى على ما فيها وقبض على عبد النبيّ، واستولى أيضا على تعز وتفكر وصنعا وظفار وغيرها من مدن اليمن وحصونها، وتلقب بالملك المعظم، وخطب لنفسه بعد الخليفة العباسيّ، وما زال بها إلى سنة إحدى وسبعين فسار منها إلى لقاء أخيه صلاح الدين، ووصل إليه وملّكه دمشق في شهر ربيع الأوّل سنة اثنين وسبعين، فأقام بها إلى أن خرج السلطان صلاح الدين مرة من القاهرة إلى بلاد الشام فجهزه في ذي القعدة سنة أربع وسبعين إلى مصر، وكان قد عمله نائبا ببعلبك، فاستناب عنه فيها ودخل إلى القاهرة، وأنعم عليه صلاح الدين بالإسكندرية، فسار إليها وأقام بها إلى أن توفى في مستهل صفر سنة ست وسبعين وخمسمائة بالإسكندرية، فدفن بها، وكان كريما واسع العطاء، كثير الإنفاق، مات وعليه مائتا ألف دينار مصرية دينا، فقضاها عنه أخوه صلاح الدين، وكان سبب خروجه من اليمن أنه التاث بدنه بزبيد، فارتجل له سيف الدولة مبارك بن منقذ:

وإذا أراد الله سوءا بامرئ

وأراد أن يحييه غير سعيد

أغراه بالترحال من مصر بلا

سبب وأسكنه بصقع زبيد

فخرج من اليمن كما تقدّم.

وحكى الأديب الفاضل مهذب الدين أبو طالب محمد بن علي الحلي المعروف بابن الخيمي قال: رأيت في النوم المعظم شمس الدولة وقد مدحته وهو في القبر ميت، فلفّ كفنه ورماه إليّ وأنشدني:

لا تستقلنّ معروفا سمحت به

ميتا وأمسيت عنه عاريا بدني

ولا تظننّ جودي شابه بخل

من بعد بذلي بملك الشام واليمن

إني خرجت عن الدنيا وليس معي

من كل ما ملكت كفي سوى كفني

وهذا الدرب من أعمر أخطاط القاهرة، به دار عباس الوزير وجماعة كما تراه إن شاء الله تعالى.

درب ملوخيا: هذا الدرب كان يعرف بحارة قائد القوّاد كما تقدم، وعرف الآن بدرب ملوخيا، وملوخيا كان صاحب ركاب الخليفة الحاكم بأمر الله، ويعرف بملوخيا الفرّاش، وقتله الحاكم وباشر قتله، وفي هذا الدرب مدرسة القاضي الفاضل، وقد اتصل به الآن الخراب.

درب السلسلة: هذا الدرب تجاه باب الزهومة، يعرف بالسلسلة التي كانت تمدّ كل ليلة بعد العشاء الآخرة كما تقدّم، وكان يعرف بدرب افتخار الدولة الأسعد، وعرف بسنان

ص: 71

الدولة بن الكركنديّ وهو الآن درب عامر.

درب الشمسي: هذا الدرب بسوق المهامزيين تجاه قيسارية العصفر، عرف بالأمير علاء الدين كشنقدي الشمسيّ، أحد الأمراء في أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ، وقتل على عكا في سنة تسعين وستمائة بيد الفرنج شهيدا، وكان هذا الدرب في القديم موضعه دار الضرب، ثم صار من حقوق درب ابن طلائع بسوق الفرّايين، وقد هدم بعض هذا الدرب الأمير جمال الدين يوسف الاستادار «1» ، لما اغتصب الحوانيت التي كانت على يمنة السالك من الخراطين إلى سوق الخيميين، وكانت في وقف المعظم تمرتاش الحافظي كما سيأتي ذكره، عند ذكر مدرسته إن شاء الله تعالى.

درب بن طلائع: هذا الدرب على يسرة من سلك من سوق الفرّايين الآن، الذي كان يعرف قديما بالخرقيين، طالبا إلى الجامع الأزهر، ويسلك في هذا الدرب إلى قيسارية السروج، وباب ممرّ حمّام الخرّاطين، ودار الأمير الدمر، وعرف هذا الدرب أوّلا بالأمير نور الدولة أبي الحسن عليّ بن نجا بن راجح بن طلائع، ثم عرف بدرب الجاولي الكبير، وهو الأمير عز الدين جاولي الأسدي، مملوك أسد الدين شير كوه بن شادي، ثم عرف بدرب العماد سنينات، ثم عرف بدرب الدمر، وبه يعرف إلى الآن.

(الدمر أمير جان دار «2» سيف الدين) أحد أمراء الملك الناصر محمد بن قلاون، خرج إلى الحج في سنة ثلاثين وسبعمائة، وكان أمير حاج الركب العراقي تلك السنة، يقال له محمد الحويج من أهل توريز، بعثه أبو سعيد ملك العراق إلى مصر، وخفّ على قلب الملك الناصر، ثم بلغه عنه ما يكرهه فأخرجه من مصر، ولما بلغه أنّ حويج في هذه السنة أمير الركب العراقيّ، كتب إلى الشريف عطيفة أمير مكة أن يعمل الحيلة في قتله بكل ما يمكن، فأطلع على ذلك ابنه مباركا وخواص قوّاده، فاستعدّوا لذلك، فلما وقف الناس بعرفة وعادوا يوم النحر إلى مكة، قصد العبيد إثارة فتنة وشرعوا في النهب لينالوا غرضهم من قتل أمير الركب العراقيّ، فوقع الصارخ وليس عند المصريين خبر مما كتبه السلطان، فنهض أمير الركب الأمير سيف الدين خاص ترك، والأمير أحمد قريب السلطان، والأمير الدمر أمير جان دار في مماليكهم، وأخذ الدمر يسب الشريف رميته، وأمسك بعض قوّاده وأحدق به، فقام إليه الشريف عطيفة ولا طفه فلم يرجع، وكان حديد النفس شجاعا فأقدم إليهم وقد اجتمع قوّاد مكة وأشرافها وهم ملبسون يريدون الركب العراقيّ، وضرب مبارك بن عطيفة بدبوس فأخطأه، وضربه مبارك بحربة نفذت من صدره، فسقط عن فرسه إلى

ص: 72

الأرض، فأرتج الناس ووقع القتال، فخرج أمير الركب العراقيّ واحترس على نفسه فسلم، وسقط في يد أمير مكة إذ فات مقصوده، وحصل ما لم يكن بإرادته، ثم سكنت الفتنة ودفن الدمر، وكان قتله يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة، فكأنما نادى منادي في القاهرة والقلعة والناس في صلاة العيد بقتل الدمر ووقوع الفتنة بمكة، ولم يبق أحد حتى تحدّث بذلك، وبلغ السلطان فلم يكترث بالخبر.

وقال أين مكة من مصر، ومن أتى بهذا الخبر، واستفيض هذا الخبر بقتل الدمر حتى انتشر في إقليم مصر كله، فما هو إلّا أن حضر مبشر الحاج في يوم الثلاثاء ثاني المحرّم سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة فاخبروا بالخبر مثل ما أشيع، فكان هذا من أغرب ما سمع به، ولما بلغ السلطان خبر قتل الدمر غضب غضبا شديدا، وصار يقوم ويقعد، وأبطل السماط وأمر فجرد من العسكر ألفا فارس كل منهم بخودة وجوشن ومائة فردة نشاب وفأس برأسين أحدهما للقطع والآخر للهدم، ومع كل منهم جملان وفرسان وهجين، ورسم لأمير هذا العسكر أنه إذا وصل إلى ينبع وعدّاه، لا يرفع رأسه إلى السماء بل ينظر إلى الأرض ويقتل كل من يلقاه من العربان إلّا من علم أنّه أمير عرب، فإنه يقيده ويسجنه معه، وجرّد من دمشق ستمائة فارس على هذا الحكم، وطلب الأمير أيتمش أمير هذا الجيش ومن معه من الأمراء والمقدّمين وقال له: بدار العدل يوم الخدمة: وإذا وصلت إلى مكة لا تدع أحدا من الأشراف ولا من القوّاد ولا من عبيدهم يسكن مكة، وناد فيها من أقام بمكة حلّ دمه، ولا تدع شيئا من النخل حتى تحرقه جميعه، ولا تترك بالحجاز دمنة عامرة، وأخرب المساكن كلها، وأقم في مكة بمن معك حتى أبعث إليك بعسكر ثاني، وكان القضاة حاضرين.

فقال قاضي القضاة جلال الدين القزوينيّ: يا مولانا السلطان، هذا حرم قد أخبر الله عنه أنّ من دخله كان آمنا، وشرّفه. فردّ عليه جوابا في غضب. فقال الأمير أيتمش يا خوند، فإن حضر دمنة للطاعة وسأل الأمان؟ فقال أمّنه.

ثم لما سكن عنه الغضب كتب باستقرار أهل مكة وتأمينهم، وكتب أمانا نسخته: هذا أمان الله سبحانه وتعالى، وأمان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأماننا للمجلس العالي الأسدي دمنة بن الشريف نجم الدين محمد بن أبي نمر، بأن يحضر إلى خدمة الصنجق الشريف صحبة الجناب العالي السيفي أيتمش الناصري، آمنا على نفسه وأهله وماله وولده وما يتعلق به، لا يخشى حلول سطوة قاصمة، ولا يخاف مؤاخذة حاسمة، ولا يتوقع خديعة ولا مكرا، ولا يحذر سوأ ولا ضررا، ولا يستشعر مخافة ولا ضرارا، ولا يتوقع وجلا، ولا يرهب بأسا.

وكيف يرهب من أحسن عملا، بل يحضر إلى خدمة الصنجق آمنا على نفسه وماله وآله مطمئنا واثقا بالله ورسوله. وبهذا الأمان الشريف المؤكد الأسباب المبيض الوجه الكريم الأحساب، وكلما يخطر بباله أنا نؤاخذ به فهو مغفور، ولله عاقبة الأمور، وله منّا الإقبال

ص: 73

والتقديم، وقد صفحنا الصفح الجميل، وأنّ ربك هو الخلّاق العليم، فليثق بهذا الأمان الشريف ولا يسيء به الظنون، ولا يصغي إلى قول الذين لا يعلمون، ولا يستشير في هذا الأمر إلّا نفسه، فيومه عندنا ناسخ لأمسه. وقد قال صلى الله عليه وسلم:«يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظنّ بي خيرا، فتمسك بعروة هذا الأمان فإنها وثقى، واعمل عمل من لا يضل ولا يشقى، ونحن قد أمّنّاك فلا تخف، ورعينا لك الطاعة والشرف، وعفا الله عما سلف، ومن أمّناه فقد فاز، فطب نفسا وقرّ عينا، فأنت أمير الحجاز والحمد لله وحده» .

وكان الدمر فيه شهامة وشجاعة وله سعادة طائلة ضخمة ومتاجر وزراعات اقتنى بها أموالا جزيلة، وزوّج ابنه بابنة قاضي القضاة جلال الدين القزويني.

درب قيطون: هذا الدرب بين قيسارية جهاركس وقيسارية أمير علي، وهو نافذ إلى خلف مستوقد حمّام القاضي، وكان من حقوق درب الأسواني.

درب السراج: هذا الدرب على يسرة من سلك من الجامع الأزهر طالبا درب الأسوانيّ، وخط الأكفانيين، وكان من جملة خط درب الأسواني ثم أفرد فصار من خط الجامع الأزهر، وكان يعرف أوّلا بدرب السراج، ثم عرف بدرب الشامي، وهو الآن يعرف بدرب ابن الصدر عمر.

درب القاضي: هذا الدرب يقابل مستوقد حمّام القاضي، على يمنة من سلك من درب الأسوانيّ إلى الجامع الأزهر، وهو من حقوق درب الأسواني، كان يعرف أوّلا بزقاق عزاز، غلام أمير الجيوش شاور السعدي وزير العاضد، ثم عرف بالقاضي السعيد أبي المعالي هبة الله بن فارس، ثم عرف بزقاق ابن الإمام، وعرف أخيرا بدرب ابن لؤلؤ، وهو شمس الدين محمد بن لؤلؤ التاجر، بقيسارية جهاركس.

درب البيضاء: هو من جملة خط الأكفانيين الآن، المسلوك إليه من الجامع الأزهر وسوق الفرّايين، عرف بذلك لأنه كان به دار تعرف بالدار البيضاء.

درب المنقدي: هذا الدرب بين سوق الخيميين وسوق الخرّاطين، على يمنة من سلك من الخرّاطين إلى الجامع الأزهر، كان يعرف قديما بزقاق غزال، وهو صنيعة الدولة أبو الظاهر إسماعيل بن مفضل بن غزال، ثم عرف بدرب المنقدي، وهو الآن يعرف بدرب الأمير بكتمر استادار العلاي.

درب خرابة صالح: هذا الدرب على يسرة من سلك من أوّل الخرّاطين إلى الجامع الأزهر، كان موضعه في القديم مارستانا، ثم صار مساكن، وعرف بخرابة صالح، وفيه الآن دار الأمير طينال التي صارت بيد ناصر الدين محمد البارزي كاتب السرّ، وفيه أيضا باب سوق الصنادقيين.

ص: 74

درب الحسام: هذا الدرب على يمنة من سلك من آخر سويقة الباطلية إلى الجامع الأزهر، عرف بحسام الدين لاجين الصفدي استادار الأمير منجك.

درب المنصوري: هذا الدرب بأوّل الحارة الصالحية تجاه درب أمير حسين، عرف أوّلا بدرب الجوهري، وهو شهاب الدين أحمد بن منصور الجوهري، كان حيا في سنة ثمانين وستمائة، وعرف أخيرا بدرب المنصوري، وهو الأمير قطلو بغا المنصوري حاجب الحجّاب في أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين.

درب أمير حسين: هذا الدرب في طريق من سلك من خط خان الدميري طالبا إلى حارة الصالحية وحارة البرقية، استجدّه الأمير حسين بن الملك الناصر محمد بن قلاون، ومات في ليلة السبت رابع شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين وسبعمائة، وكان آخر من بقي من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاون، وهو والد الملك الأشرف شعبان بن حسين.

درب القماحين: هذا الدرب كان يعرف بخط قصر ابن عمار، من جملة حارة كتامة، قريبا من الحارة الصالحية، وفيه اليوم دار خوند شقرا وحمام كراي وراء مدرسة ابن الغنام.

درب العسل: هذا الدرب على يمنة من خرج من خط السبع خوخ يريد المشهد الحسيني، كان يعرف أوّلا بخوخة الأمير عقيل ابن الخليفة المعز لدين الله أبي تميم معدّ، أوّل خلفاء الفاطميين بالقاهرة، ومات في سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، هو وأخوه الأمير تميم بن المعز بالقاهرة، ودفنا بتربة القصر.

درب الجباسة: هذا الدرب تجاه من يخرج من سوق الأبارين إلى المشهد الحسيني، وهو من جملة القصر الكبير، وبه دار خوخي التي تعرف اليوم بدار بهادر.

درب ابن عبد الظاهر: هذا الدرب بجوار فندق الذهب بخط الزراكشة العتيق، وفي صفه، وهو من حقوق دار العلم التي استجدّت في خلافة الآمر ووزارة المأمون الباطيجي، فلما زالت الدولة اختط مساكن وسكن هناك القاضي محي الدين ابن عبد الظاهر فعرف به.

درب الخازن: هذا الدرب ملاصق لسور المدرسة الصالحية التي للحنابلة، ومجاور لباب سرّ قاعة مدرسة الحنابلة، والسبيل الذي على باب فندق مسرور الصغير، استجدّه الأمير علم الدين سنجر الخازن الأشرفيّ والي القاهرة، المنسوب إليه حكر الخازن بخط الصليبة، وسنجر هذا كانت فيه حشمة وله ثروة زائدة، ويحب أهل العلم، تنقل في المباشرات إلى أن صار والي القاهرة، فاشتهر بدقة الفهم وصدق الحدس الذي لا يكاد يخطئ، مع عقل وسياسة وإحسان إلى الناس، وعزل بالأمير قديدار ومات عن تسعين سنة في ثامن جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وسبعمائة.

ص: 75

درب الحبيشي: هذا الدرب على يمنة من سلك من خط الزراكشة العتيق طالبا سوق الأبّارين، وهو بجوار دار خواجا المجاورة لخان منجك، أصله من جملة القصر النافعي، وكان يعرف بخط القصر النافعي، ثم عرف بخط سوق الوراقين، وهو الآن يعرف بدرب الحبيشي، وهو الأمير سيف الدين بلبان الحبيشي أحد الأمراء الظاهرية بيبرس.

درب بقولا الصفار: بحارة الروم، كان يعرف بدرب الرومي الجزار.

درب دغمش: هذا الدرب ينفذ إلى الخوخة التي تخرج قبالة حمّام الفاضل المرسوم لدخول النساء، كان يعرف قديما بدرب دغمش، ويقال طغمش، ثم عرف بدرب كوز الزير، ويقال كوز الزيت، ويعرف بدرب القضاة بني غثم من حقوق حارة الروم.

درب أرقطاي: هذا الدرب بحارة الروم، كان يعرف بدرب الشماع، ثم عرف بدرب شمخ، وهو تاج العرب شمخ الحلبي، ثم عرف بدرب المعظم، وهو الأمير عز الملك المعظم ابن قوام الدولة جبر، بجيم وباء موحدة، ثم عرف بدرب أرسل، وهو الأمير عز الدين أرسل بن قرأ رسلان الكاملي والد الأمير جاولي المعظمي، المعروف بجاولي الصغير، ثم عرف بدرب الباسعردي، وهو الأمير علم الدين سنجر الباسعردي أحد أكابر المماليك البحرية الصالحية النجمية، وولي نيابة حلب، ثم عرف إلى الآن بدرب ابن أرقطاي، والعامّة تقول رقطاي بغير همز، وهو أرقطاي الأمير سيف الدين الحاج أرقطاي أحد مماليك الملك الأشرف خليل ابن قلاون، وصار إلى أخيه الملك الناصر محمد فجعله جمدارا «1» وكان هو والأمير أيتمش نائب الكرك بينهما أخوة، ولهما معرفة بلسان الترك القيجاقي، ويرجع إليهما في الياسة التي هي شريعة جنكزخان التي تقول العامّة وأهل الجهل في زماننا هذا حكم السياسة، يريدون حكم الياسة، ثم إن الملك الناصر أخرجه مع الأمير تنكر إلى دمشق، ثم استقرّ في نيابة حمص لسبع مضين من رجب سنة عشر وسبعمائة، فباشرها مدّة ثم نقله إلى نيابة صفد في سنة ثمان عشرة، فأقام بها وعمر فيها أملاكا وتربة، فلما كان في سنة ست وثلاثين طلب إلى مصر وجهز الأمير أيتمش أخوه مكانه وعمل أمير مائة بمصر، فلما توجه العسكر إلى اياس خرج معهم وعاد، فكان يعمل نيابة الغيبة إذا خرج السلطان للصيد، ثم أخرج إلى نيابة طرابلس عوضا عن طينال، فأقام بها إلى أن توجه الطنبغا إلى طشطمر نائب حلب، وكان معه بعسكر طرابلس، فلما جرى من هروب الطنبغا ما جرى، كان أرقطاي معه، فأمسك واعتقل بسكندرية، ثم أفرج عن أرقطاي في أوّل سلطنة الملك الصالح إسماعيل بوساطة الأمير ملكتمر الحجازي وجعل أميرا إلى أن مات الصالح.

ص: 76

وقام من بعده الملك الكامل شعبان ورسم له بنيابة حلب عوضا عن الأمير يلبغا اليحياوي، فحضر إليها في جمادى الأولى سنة ست وأربعين، فأقام بها نحو خمسة أشهر، ثم طلب إلى مصر فحضر إليها فلم يكن غير قليل حتى خلع الكامل وتسلطن المظفر حاجي، وولاه نيابة السلطنة بمصر فباشرها إلى أن خلع المظفر وأقيم في السلطنة الملك الناصر، استعفى من النيابة وسأل نيابة حلب فأجيب وولي نيابة حلب وخرج إليها، وما زال فيها إلى أن نقل منها إلى نيابة دمشق، ففرح أهلها به وساروا إلى حلب، فرحل عنها فنزل به مرض، وسار وهو مريض فمات بعين مباركة ظاهر حلب يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى سنة خمس وسبعمائة وقد أناف عن السبعين. فعاد أهل دمشق خائبين. وكان زكيا فطنا محجاجا لسنا مع عجمة في لسانه، وله تبنيت مطبوع وميل إلى الصور الجميلة ما يكاد يملك نفسه إذا شاهدها مع كرم في المأكول.

درب البنادين: بحارة الروم، يعرف بالبنادين من جملة طوائف العساكر في الدولة الفاطمية، ثم عرف بدرب أمير جاندار، وهو ينفذ إلى حمام الفاضل المرسوم بدخول الرجال، وأمير جاندار هذا هو الأمير علم الدين سنجر الصالحي المعروف بأمير جندار.

درب المكرّم: بحارة الروم يعرف بالقاضي المكرّم جلال الدين حسين بن ياقوت البزاز نسيب ابن سنا الملك.

درب الضيف: بحارة الديلم، عرف بالقاضي ثقة الملك أبي منصور نصر بن القاضي الموفق أمير الملك أبي الظاهر إسماعيل بن القاضي أمين الدولة أبي محمد الحسن بن علي بن نصر بن الضيف. كان موجودا في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وبه أيضا رحبة تعرف برحبة الضيف منسوبة إليه.

درب الرصاصي: بحارة الديلم، هذا الدرب كان يعرف بحكر الأمير سيف الدين حسين بن أبي الهيجاء، صهر بني رزبك من وزراء الدولة الفاطمية، ثم عرف بحكر تاج الملك بدران بن الأمير سيف الدين المذكور، ثم عرف بالأمير عز الدين أيبك الرصاصي.

درب ابن المجاور: هذا الدرب على يسرة من دخل من أوّل حارة الديلم، كان فيه دار الوزير نجم الدين بن المجاور وزير الملك العزيز عثمان، عرف به وهو يوسف بن الحسين بن محمد بن الحسين أبو الفتح نجم الدين الفارسيّ الشيرازي، المعروف بابن المجاور، كان والده صوفيا من أهل فارس، ثم من شيراز، قدم دمشق وأقام في دويرة الصوفية بها. وكان من الزهد والدين بمكان، وأقام بمكة وبها مات في رجب سنة ست وثمانين وخمسمائة، وكان أخوه أبو عبد الله قد سمع الحديث وحدّث وقدم إلى القاهرة ومات بدمشق أوّل رمضان سنة خمس وعشرين وستمائة.

ص: 77

درب الكهارية: هذا الدرب فيه المدرسة الكهارية بجوار حارة الجودرية المسلوك إليه من القماحين، ويتوصل منه إلى المدرسة الشريفية.

درب الصفيرة: بتشديد الفاء هذا الدرب بجوار باب زويلة، وهو من حقوق حارة المحمودية وكان نافذا إلى المحمودية، وهو الآن غير نافذ وأصله درب الصفيراء تصغير صفراء، هكذا يوجد في الكتب القديمة، وقد دخل بجميع ما كان فيه من الدور الجليلة بالجامع المؤيدي.

درب الأنجب: هذا الدرب تجاه بئر زويلة التي من فوق فوهتها اليوم ربع يونس من خط البندقانيين، يعرف بالقاضي الأنجب أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن نصر بن عليّ، أحد الشهود في أيام قاضي القضاة سنان الملك أبي عبد الله محمد بن هبة الله بن ميسر، وكان حيا في سنة بضع وعشرين وخمسمائة، وينسب إلى الحسين بن الأنجب المقدسيّ، أحد الشهود المعدّلين، وكان موجودا في سنة ستمائة، ثم عرف هذا الدرب بأولاد العميد الدمشقيّ، فإنه كان مسكنهم، ثم عرف بالبساطيّ، وهو قاضي القضاة جمال الدين يوسف.

درب كنيسة جدة: بضم الجيم، هذا الدرب بالبندقانيين كان يعرف بدرب بنت جدّة، ثم عرف بدرب الشيخ السديد الموفق.

درب ابن قطز: هذا الدرب بجوار مستوقد حمّاد الصاحب ورباط الصاحب من خط سويقة الصاحب، عرف بناصر الدين بن بلغاق بن الأمير سيف الدين قطز المنصوريّ، ومات بعد سنة ثمان وتسعين وستمائة.

درب الحريري: هذا الدرب من جملة دار الديباج هو ودرب ابن قطز المذكور قبله، ويتوصل إليه اليوم من أوّل سويقة الصاحب وفيه المدرسة القطبية، عرف بالقاضي نجم الدين محمد بن القاضي فتح الدين عمر المعروف بابن الحريريّ، فإنه كان ساكنا فيه.

درب ابن عرب: هذا الدرب بخط سويقة الصاحب كان يعرف بدرب بني أسامة الكتاب، أهل الإنشاء في الدولة الفاطمية، ثم عرف بدرب بني الزبير الأكابر الرؤساء في الدولة الفاطمية، ثم سكنه القاضي علاء الدين عليّ بن عرب محتسب القاهرة في أيام الأمير بليغاق وكيل بيت المال، فعرف به إلى اليوم، وابن عرب هذا هو علاء الدين أبو الحسن عليّ بن عبد الوهاب بن عثمان بن عليّ بن محمد عرف بابن عرب، ولي الحسبة بالقاهرة في آخر صفر سنة خمس وستين وسبعمائة، وولي وكالة بيت المال أيضا وتوفي.

درب ابن مغش: هذا الدرب تجاه المدرسة الصاحبية، عرف أخيرا بتاج الدين موسى كاتب السعديّ وناظر الخاص في الأيام الظاهرية برقوق، وله به دار مليحة، وكان ماجنا متهتكا يرمي بالسوء، وأما الديانة فإنه قبطيّ، وعنه أخذ سعد الدين إبراهيم بن غراب وظيفة

ص: 78

ناظر الخاص، وعاقبه بين يديه، ثم صار يتردّد بعد ذلك إلى مجلسه، وهلك في واقعة تيمور لنك بدمشق في شعبان سنة ثلاث وثمانمائة بعد ما احترق بالنار لما احترقت دمشق وأكل الكلاب بعضه.

درب مشترك: هذا الدرب يقرب من درب العدّاس تجاه الخط الذي كان يعرف بالمساطح، وفيه الآن سوق الجواري، عرف أوّلا بدرب الأخناي قاضي القضاة برهان الدين المالكيّ، فإنه كان يسكن فيه، ثم هو الآن يقال له درب مشتكر وهذه كلمة تركية أصلها بلسانهم أج ترك بضم الهمزة وأشمامها، ثم جيم بين الجيم والشين ومعنى ذلك ثلاث وترك بتاء مثناة من فوق ثم راء مهملة وكاف. ومعناها النخل، ومعنى هذا الاسم ثلاث نخيل، وعرّبته العامّة فقالت مشترك وهو مشترك السلاح دار الظاهر برقوق، فإنه سكن بها ومات في سنة 801 «1» .

درب العداس: هذا الدرب فيما بين دار الديباج والوزيرية، عرف بعليّ بن عمر العدّاس صاحب سقيفة العدّاس.

درب كاتب سيدي: هذا الدرب من جملة خط الملحيين، كان يعرف بدرب تقيّ الدين الأطرباني أحد موقعي الحكم عند قاضي القضاة تقيّ الدين الأخناوي ثم عرف بالوزير لصاحب علم الدين عبد الوهاب القبطيّ الشهير بكاتب سيدي.

الوزير كاتب سيدي: تسمى لما أسلم بعبد الوهاب بن القسيس، وتلقّب علم الدين، وعرف بين الكتاب الأقباط بكاتب سيدي وترقى في الخدم الديوانية حتى ولي ديوان المرتجع، وتخصص بالوزير الصاحب شمس الدين إبراهيم كاتب أرلان، فلما أشرف من مرضه على الموت عين للوزارة من بعده علم الدين هذا فولاه الملك الظاهر وظيفة الوزارة بعد موت الوزير شمس الدين في سادس عشري شعبان سنة تسع وثمانين وسبعمائة. فباشر الوزارة إلى يوم السبت رابع عشري رمضان سنة تسعين وسبعمائة، ثم قبض عليه وأقيم في منصب الوزارة بدله الوزير الصاحب كريم الدين بن الغنام وسلمه إليه وكان قد أراد مصادرة كريم الدين فاتفق استقراره في الوزارة وتمكنه منه، فألزمه بحمل مال قرّره عليه. فيقال أنه حمل في هذا اليوم ثلثمائة ألف درهم عنها إذ ذاك نحو العشرة آلاف مثقال ذهبا، ومات بعد ذلك من هذه السنة. وكان كاتبا بليغا كتب بيده بضعا وأربعين رزمة من الورق، وكانت أيامه ساكنة والأحوال متمشية وفيه لين.

درب مخلص: هذا الدرب بحارة زويلة، عرف بمخلص الدولة أبي الحيا مطرف المستنصري، ثم عرف بدرب الرايض وهو الأمير طراز الدولة الرايض باصطبل الخلافة.

ص: 79

درب كوكب: هذا الدرب هو الآن زقاق شارع يسلك فيه من حارة زويلة إلى درب الصقالبة، عرف أوّلا بالقائد الأعز مسعود المستنصر، ثم عرف بكوكب الدولة ابن الحناكي.

درب الوشاقي: بحارة زويلة، عرف بالأمير حسام الدين سنقر الوشاقي المعروف بالأعسر، السلاح دار أحد أمراء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب.

درب الصقالبة: بحارة زويلة: عرف بطائفة الصقالبة أحد طوائف العساكر في أيام الخلفاء الفاطميين وهم جماعة.

درب الكنجي: بحارة زويلة، كان يعرف بدرب حليلة، ثم عرف بالأمير شمس الدين سنقر شاه الكنجي الحاجب الظاهريّ، قتله قلاون أوّل سلطنته.

درب رومية: هذا الدرب كان في القديم فيما بين زقاق القابلة ودرب الزراق، فزقاق القابلة فيه اليوم كنيسة اليهود بحارة زويلة، ويتوصل منه إلى السبع سقايات ودار بيبرس التي عرفت بدار كاتب السرّ ابن فضل الله تجاه حمام ابن عبود، ودرب الزراق هو اليوم من جملة خط سويقة الصاحب، وبينهما الآن دور لا يوصل إليه إلّا بعد قطع مسافة، ودرب رومية كان يعرف أوّلا بزقاق حسين بن إدريس العزيزي أحد اتباع الخليفة العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله، ثم عرف بدرب رومية، وهو بجوار زقاق القابلة الذي عرف بزقاق العسل، ثم عرف بزقاق المعصرة، وعرف اليوم بزقاق الكنيسة.

درب الخضيري: هذا الدرب يقابل باب الجامع الأقمر البحري وهو من جملة حقوق القصر الصغير الغربيّ، عرف بالأمير عز الدين ايدمر الخضيريّ أحد أمراء الملك المنصور قلاوون.

درب شعلة: هو الشارع المسلوك فيه من باب درب ملوخيا إلى خط الفهادين والعطوفية، وقد خرب.

درب نادر: هذا الدرب بجوار المدرسة الجمالية فيما بين درب راشد ودرب ملوخيا، عرف بسيف الدولة نادر الصقلبيّ، وتوفي لاثنتي عشرة خلت من صفر سنة اثنين وثمانين وثلثمائة، فبعث إليه الخليفة العزيز بالله لكفنه خمسين قطعة من ديباج مثقل، وخلّف ثلثمائة ألف دينار عينا وآنية من فضة وذهب وعبيدا وخيلا وغير ذلك مما بلغت قيمته نحو ثمانين ألف دينار، وكان أحد الخدام ذكره المسبحي في تاريخه، وقد ذكر ابن عبد الظاهر: أنّ بالسويقة التي دون باب القنطرة دربا يعرف بدرب نادر، فلعله نسب إليه درب كان هناك في القديم أيضا.

درب راشد: هذا الدرب تجاه خزانة البنود عرف بيمين الدولة راشد العزيزي.

ص: 80

درب النميريّ: عرف بالأمير سيف المجاهدين محمد بن النميريّ أحد أمراء الخليفة الحافظ لدين الله، ووليّ عسقلان في سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وكانت ولايتها أكبر من ولاية دمشق، وهذا الدرب كان ينفذ إلى درب راشد وهو الآن غير نافذ، وفي داخله درب يعرف بأولاد الداية طاهر وقاسم الأفضلين أحد أتباع الأفضل بن أمير الجيوش، وعرف الآن بدرب الطفل، وهو من جملة خطة قصر الشوك، فإنه قبالة باب قصر الشوك وبينهما سوقة رحبة الأيدمري.

درب قراصيا: هذا الدرب من جملة الدروب القديمة، وكان تجاه باب قصر الزمرّد الذي في مكانه اليوم المدرسة الحجازية، وهذا الدرب اليوم من جملة خطة رحبة باب العيد بجوار سجن الرحبة وقد هدمه الأمير جمال الدين يوسف الأستادار، وهدم كثيرا من دوره وعملها وكالة فمات ولم تكمل، وهي إلى الآن بغير تكملة، ثم كمله الملك المؤيد شيخ وجعله وقفا على جامعه وهو إلى الآن خان عامر.

درب السلامي: هذا الدرب من جملة خط رحبة باب العيد وفيه إلى اليوم أحد أبواب القصر المسمى بباب العيد، والعامّة تسميه القاهرة، وهذا الدرب يسلك منه إلى خط قصر الشوك وإلى المارستان العتيق الصلاحي وإلى دار الضرب وغير ذلك.

عرف بخواجا مجد الدين السلامي: إسماعيل بن محمد بن ياقوت الخواجا مجد الدين السلامي تاجر الخاص في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان يدخل إلى بلاد الططر ويتجر ويعود بالرقيق وغيره، واجتهد مع جويان إلى أن اتفق الصلح بين الملك الناصر وبين القان أبي سعيد، فانتظم ذلك بسفارته وحسن سعيه فازدادت وجاهته عند الملكين، وكان الملك الناصر يسفره ويقرّر معه أمورا فيتوجه ويقضيها على وفق مراده بزيادات، فأحبه وقرّبه ورتب له الرواتب الوافرة، في كل يوم من الدراهم واللحم والعليق والسكر والحلواء والكماج والرقاق مما يبلغ في اليوم مائة وخمسين درهما، عنها يومئذ ثمانية مثاقيل من الذهب، وأعطاه قرية أراك ببعلبك، وأعطى مماليكه إقطاعات في الحلقة، وكان يتوجه إلى الأردن ويقيم فيه الثلاث سنين والأربع والبريد لا ينقطع عنه، وتجهّز إليه التحف والأقمشة ليفرّقها على من يراه من خواص أبي سعيد وأعيان الأردن، ثقة بمعرفته ودرايته، وكان النشو «1» ناظر الخاص لا يفارقه ولا يصبر عنه، ومن أملاكه ببلاد المشرق السلامية والمأخوذة والمراوزة والمناصف، ولما مات الملك الناصر قلاوون تغير عليه الأمير قوصون وأخذ منه مبلغا يسيرا، وكان ذا عقل وافر وفكر مصيب وخبرة بأخلاق الملوك وما يليق بخواطرها ودراسة بما يتحفها به من الرقيق والجواهر، ونطق سعيد وخلق رضيّ وشكالة

ص: 81

حسنة وطلعة بهية، ومات في داره من درب السلاميّ هذا يوم الأربعاء سابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، ودفن بتربته خارج باب النصر، ومولده في سنة إحدى وسبعين وستمائة بالسلّاميّة، بلدة من أعمال الموصل على يوم منها بالجانب الشرقيّ، وهي بفتح السين المهملة وتشديد اللام وبعد الميم ياء مثناة من تحت مشدّدة ثم تاء التأنيث.

درب خاص ترك: هذا الدرب برحبة باب العيد عرف بالأمير الكبير ركن الدين بيبرس المعروف بخاص الترك الكبير، أحد الأمراء الصالحية النجمية، أو بالأمير عز الدين أيبك، المعروف بخاص الترك الصغير، سلاح دار الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري.

درب شاطي: هذا الدرب يتوصل منه إلى قصر الشوك، عرف بالأمير شرف الدين شاطي، السلاح دار في أيام الملك المنصور قلاوون، وكان أميرا كبيرا مقدّما بالديار المصرية، وأخرجه الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى الشام فأقام بدمشق، وكانت له حرمة وافرة وديانة وفيه خير، ومات بها في الحادي والعشرين من شعبان سنة اثنين وثلاثين وسبعمائة.

درب الرشيدي: هذا الدرب مقابل باب الجوانية عرف بالأمير عز الدين أيدمر الرشيدي، مملوك الأمير بلبان الرشيدي، خوش داش «1» الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري وولي الأمير ايدمر هذا، استدارا لأستاذه بلبان، ثم ولي استدارا للأمير سلار، ومات في تاسع عشر شوّال سنة ثمان وسبعمائة، وكان سكنه في هذا الدرب وكان عاقلا ذا ثروة وجاه، وكان في القديم موضع هذا الدرب براحا قدّام الحجر.

درب الفريحية: هذا الدرب على يمنة من خرج من الجملون الصغير طالبا درب الرشيدي المذكور، وهو من الدروب التي كانت في أيام الخلفاء.

درب الأصفر: هذا الدرب تجاه خانقاه الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وموضع هذا الدرب هو المنحر الذي تقدّم ذكره.

درب الطاوس: هذا الدرب في الحدرة التي عند باب سرّ المارستان المنصوري على يمنة من ابتدا الخروج منه، وكان موضعه بجوار باب الساباط أحد أبواب القصر الصغير، وقد تقدّم ذكره، ودرب الطاوس أيضا بالقرب من درب العدّاس فيما بين باب الخوخة والوزيرية.

درب ماينجار: هذا الدرب بجوار جامع أمير حسين من حكر جوهر النوبي خارج القاهرة، عرف بالأمير ما ينجار الروميّ الواقديّ أيام الملك الظاهر بيبرس، وقد خربت تلك

ص: 82

الديار في سلطنة الملك المؤيد شيخ.

درب كوسا: هو الآن يسلك فيه على شاطىء الخليج الكبير من قنطرة الأمير حسين إلى قنطرة الموسكي، عرف بحسام الدين كوسا أحد مقدّمي الخلفاء في أيام الملك المنصور قلاوون، مات بعد سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وهذا الموضع تجاه دار الذهب التي تعرف اليوم بدار الأمير حسين الططريّ السلاح دار الناصريّ، وقد خربت أيضا.

درب الجاكي: هذا الدرب بالحكر عرف بالأمير شرف الدين إبراهيم بن عليّ بن الجنيد الجاكي المهمندار «1» المنصوري، وقد دثر في أيام المؤيد على يد الأمير فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج الاستادار، لما خرب ما هناك.

درب الحرامي: بالحكر، عرف بسعد الدين حسين بن عمر بن محمد الحرامي وابنه محيي الدين يوسف، وكانا من أجناد الحلقة.

درب الزراق: بالحكر، عرف بالأمير عز الدين أيدمر الزراق، أحد الأمراء، ولّاه الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون نيابة غزة في سنة خمس وأربعين وسبعمائة، فأقام بها مدّة ثم استعفى بعد موت الملك الصالح وعاد إلى القاهرة، ثم توجه إلى دمشق للحوطة على موجود الخاصكية يلبغا اليحياوي في الأيام المظفرية وعاد فلما ركب العسكر على المظفر لم يكن معه سوى الزراق واق سنقر وأيدمر الشمسي فنقم الخاصكية عليهم ذلك وأخرجوهم إلى الشام، فوصلوا إليها في أوّل شوّال سنة ثمان وأربعين، فأقام الزراق بدمشق، ثم ورد مرسوم السلطان حسن بتوجيههم إلى حلب فتوجه إليها على إقطاع وبها مات، وكان ديّنا ليّنا فيه خير، وكان هذا الدرب عامرا وفيه دار الزراق الدار العظيمة، وقد خرب هذا الدرب وما حوله منذ كانت الحوادث في سنة ست وثمانمائة ثم نقضت الدار في أيام المؤيد شيخ، على يد ابن أبي الفرج.

زقاق طريف: بالطاء المهملة، هذا الزقاق من أزقة البرقية، عرف بالأمير فخر الدين طريف بن بكتوت، وكان يعرف بزقاق منار بن ميمون بن منار، توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.

زقاق منعم: بحارة الديلم، كان يعرف بمساطب الديلم والأتراك، ثم عرف بالأمير منعم الدولة باتكين بالبوسحاقي، ثم عرف بزقاق جمال الدولة، ثم بزقاق الجلاطي، ثم بزقاق الصهرجتي، وهو القاضي المنتخب ثقة الدولة أبو الفضل محمد بن الحسين بن هبة الله بن وهيب الصهرجتي، وكان حيّا في سنة ستين وخمسمائة.

ص: 83