المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر واقعة العبيد - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ٣

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌ذكر حارات القاهرة وظواهرها

- ‌ذكر واقعة العبيد

- ‌ذكر أبي عبد الله الشيعي

- ‌ذكر الأمراء البرقيّة ووزارة ضرغام

- ‌ذكر وزارة أبي الفتح ناصر الجيوش يأنس الأرمني

- ‌ذكر الأمير حسن بن الخليفة الحافظ

- ‌ذكر قدوم الأويراتية

- ‌ذكر اخطاط القاهرة وظواهرها

- ‌ذكر كافور الإخشيدي

- ‌ذكر مقتل الخليفة الظافر

- ‌ذكر الدروب والأزقة

- ‌ذكر الخوخ

- ‌ذكر الرحاب

- ‌ذكر الدور

- ‌ذكر الحمامات

- ‌ذكر القياسر

- ‌ذكر الخانات والفنادق

- ‌ذكر الأسواق

- ‌الشارع خارج باب زويلة

- ‌ذكر العوائد التي كانت بقصبة القاهرة

- ‌ذكر ظواهر القاهرة المعزية

- ‌ذكر ميدان القبق

- ‌ذكر برّ الخليج الغربي

- ‌ذكر الأحكار التي في غربيّ الخليج

- ‌ذكر المقس وفيه الكلام على المكس وكيف كان أصله في أوّل الإسلام

- ‌ذكر ميدان القمح

- ‌ذكر أرض الطبالة

- ‌ذكر حشيشة الفقراء

- ‌ذكر أرض البعل والتاج

- ‌ذكر ضواحي القاهرة

- ‌ذكر منية الأمراء

- ‌ذكر كوم الريش

- ‌ذكر بولاق

- ‌ذكر ما بين بولاق ومنشأة المهراني

- ‌ذكر خارج باب زويلة

- ‌ذكر خارج باب الفتوح

- ‌ذكر الخندق

- ‌ذكر خارج باب النصر

- ‌الريدانية

- ‌ذكر الخلجان التي بظاهر القاهرة

- ‌ذكر خليج مصر

- ‌ذكر خليج فم الخور وخليج الذكر

- ‌ذكر الخليج الناصريّ

- ‌ ذكر القناطر

- ‌ذكر خليج قنطرة الفخر

- ‌ذكر قناطر الخليج الكبير

- ‌ذكر البرك

- ‌ذكر الماردانيّ

- ‌ذكر بساتين الوزير

- ‌ذكر المعشوق

- ‌ذكر الجسور

- ‌وقد وجد بخط المصنف رحمه الله في أصله هنا ما صورته

- ‌ذكر الجزائر

- ‌ذكر الروضة

- ‌ذكر قلعة الروضة

- ‌ذكر السجون

- ‌ذكر المواضع المعروفة بالصناعة

- ‌ذكر الميادين

- ‌ذكر قلعة الجبل

- ‌ذكر بناء قلعة الجبل

- ‌ذكر صفة القلعة

- ‌ذكر النظر في المظالم

- ‌ذكر خدمة الإيوان المعروف بدار العدل

- ‌ذكر العلامة السلطانية

- ‌ذكر جيوش الدولة التركية وزيّها وعوايدها

- ‌ذكر الحجبة

- ‌ذكر أحكام السياسة

- ‌ذكر المياه التي بقلعة الجبل

- ‌ذكر ملوك مصر منذ بنيت قلعة الجبل

- ‌ذكر من ملك مصر من الأكراد

- ‌ذكر دولة المماليك البحرية

- ‌ذكر دولة المماليك الجراكسة

الفصل: ‌ذكر واقعة العبيد

‌ذكر واقعة العبيد

«1»

وسببها أنّ مؤتمن الخلافة جوهرا أحد الأستاذين المحنّكين بالقصر تحدّث في إزالة صلاح الدين يوسف بن أيوب من وزارة الخليفة العاضد لدين الله عندما ضايق أهل القصر وشدّد عليهم واستبدّ بأمور الدولة وأضعف جانب الخلافة وقبض على أكابر أهل الدولة، فصار مع جوهر عدّة من الأمراء المصريين والجند. واتفق رأيهم أن يبعثوا إلى الفرنج ببلاد الساحل يستدعونهم إلى القاهرة، حتّى إذا خرج صلاح الدين لقتالهم بعسكر ثاروا وهم بالقاهرة، واجتمعوا مع الفرنج على إخراجه من مصر.

فسيروا رجلا إلى الفرنج وجعلوا كتبهم التي معه في نعل، وحفظت بالجلد مخافة أن يفطن بها، فسار الرجل إلى البئر البيضاء قريبا من بلبيس «2» ، فإذا بعض أصحاب «3» صلاح الدين هناك، فأنكر أمر الرجل من أجل أنّه جعل النعلين في يده، ورآهما وليس فيهما أثر المشي، والرجل رثّ الهيئة؛ فارتاب وأخذ النعلين وشقّهما، فوجد الكتب ببطنهما، فحمل الرجل والكتب إلى صلاح الدين، فتتبّع خطوط الكتب حتّى عرفت، فإذا الذي كتبها من اليهود الكتّاب، فأمر بقتله، فاعتصم بالإسلام وأسلم، وحدّثه الخبر. فبلغ ذلك مؤتمن الخلافة، فاستشعر الشرّ وخاف على نفسه، ولزم القصر وامتنع من الخروج منه، فأعرض صلاح الدين عن ذلك جملة، وطال الأمد؛ فظنّ الخصيّ أنه قد أهمل أمره، وشرع يخرج من القصر. وكانت له منظرة بناها بناحية الخرقانية في بستان، فخرج إليها في جماعة. وبلغ ذلك صلاح الدين، فأنهض إليه عدّة هجموا عليه وقتلوه في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة سنة أربع وستّين وخمسمائة، واحتزوا رأسه وأتوا بها إلى صلاح الدين، فاشتهر ذلك بالقاهرة وأشيع، فغضب العسكر «4» المصريّ، وثاروا بأجمعهم في سادس عشريّة، وقد انضمّ إليهم عالم عظيم من الأمراء والعامّة حتّى صاروا ما ينيف على خمسين ألفا، وساروا إلى دار الوزارة- وفيها يومئذ ساكنا بها صلاح الدين- وقد استعدّوا بالأسلحة، فبادر شمس الدولة فخر الدين توران شاه أخو صلاح الدين، وصرخ في عساكر الغزّ، وركب صلاح الدين وقد اجتمع إليه طوائف من أهله وأقاربه وجميع الغزّ ورتبهم، ووقفت الطائفة الريحانية والطائفة الجيوشية والطائفة الفرحية وغيرهم من الطوائف السودانية ومن انضمّ إليهم بين القصرين، فثارت الحروب بينهم وبين صلاح الدين، واشتدّ الأمر وعظم الخطب حتّى لم يبق إلا هزيمة صلاح الدين وأصحابه. فعند ذلك أمر توران شاه بالحملة على

ص: 4

السودان، فقتل فيها أحد مقدّميهم، فانكفّ بأسهم قليلا، وعظمت حملة الغزّ عليهم، فانكسروا إلى باب الذهب، ثمّ إلى باب الزهومة «1» ، وقتل حينئذ عدّة من الأمراء المصريين وكثير ممّن عداهم.

وكان العاضد في هذه الوقعة يشرف من المنظرة، فلمّا رأى أهل القصر كسرة السودان وعساكر مصر رموا على الغزّ من أعلى القصر بالنشّاب والحجارة حتّى أنكوا فيهم، وكفّوهم عن القتال، وكادوا ينهزمون؛ فأمر حينئذ صلاح الدين النفّاطين بإحراق المنظرة، فأحضر شمس الدولة النفّاطين وأخذوا في تطييب قارورة النفط وصوّبوا بها على المنظرة التي فيها العاضد، فخاف العاضد على نفسه، وفتح باب المنظرة زعيم الخلافة أحد الأستاذين، وقال بصوت عال: أمير المؤمنين يسلّم على شمس الدولة ويقول: دونكم والعبيد الكلاب، أخرجوهم من بلادكم.

فلمّا سمع السودان ذلك ضعفت قلوبهم وتخاذلوا، فحمل عليهم الغزّ فانكسروا، وركب القوم أقفيتهم إلى أن وصلوا إلى السيوفيين «2» ، فقتل منهم كثير وأسر منهم كثير وامتنعوا هناك على الغزّ بمكان، فأحرق عليهم. وكان في دار الأرمن التي كانت قريبا من بين القصرين خلق عظيم من الأرمن كلّهم رماة لهم جار «3» في الدولة يجري عليهم، فعند ما قرب منهم الغزّ رموهم عن يد واحدة حتّى امتنعوا عن أن يسيروا إلى العبيد، فأحرق شمس الدولة دارهم حتّى هلكوا حرقا وقتلا، ومرّوا إلى العبيد، فصاروا كلّما دخلوا مكانا أحرق عليهم وقتلوا فيه إلى أن وصلوا إلى باب زويلة، فإذا هو مغلوق، فحصروا هناك واستمرّ فيهم القتل مدّة يومين. ثمّ بلغهم أنّ صلاح الدين أحرق المنصورة «4» التي كانت أعظم حاراتهم، وأخذت عليهم أفواه السكك «5» ، فأيقنوا أنّهم قد أخذوا لا محالة، فصاحوا الأمان، فأمنوا- وذلك يوم السبت لليلتين بقيتا من ذي القعدة- وفتح لهم باب زويلة، فخرجوا إلى الجيزة، فعدا عليهم شمس الدولة في العسكر وقد قووا بأموال المهزومين وأسلحتهم، وحكّموا فيهم السيف حتى لم يبق منهم إلا الشريد؛ وتلاشى من هذه الواقعة أمر العاضد.

وكان من غرائب الاتّفاقات أن الدولة الفاطمية كان الذي افتتح لها بلاد مصر وبنى القاهرة جوهر القائد؛ والذي كان سببا في إزالة الدولة وخراب القاهرة جوهر المنعوت بمؤتمن الخلافة هذا. ثمّ لما استبدّ صلاح الدين يوسف بسلطنة الديار المصريّة بعد موت

ص: 5

الخليفة العاضد «1» لدين الله سكن هذه الحارة الأمير الطواشيّ الخصيّ بهاء الدين قراقوش بن عبد الله الأسدي فعرفت به.

حارة برجوان: منسوبة إلى الأستاذ أبي الفتوح برجوان الخادم، وكان خصيّا أبيض تامّ الخلقة، ربّي في دار الخليفة العزيز «2» بالله، وولاه أمر القصور. فلمّا حضرته الوفاة وصّاه على ابنه الأمير أبي عليّ منصور، فلمّا مات العزيز بالله أقيم ابنه منصور «3» في الخلافة من بعده، وقام بتدبير الدولة أبو محمد الحسن بن عمّار الكتامي، فدبّر الأمور وبرجوان يناكده فيما يصدر عنه ويختصّ بطوائف من العسكر دونه إلى أن أفسد أمر ابن عمّار، فنظر برجوان في تدبير الأمور يوم الجمعة لثلاث بقين من رمضان سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وصار الواسطة بين الحاكم وبين الناس، فأمر بجمع الغلمان ونهاهم عن التعرّض لأحد من الكتاميين والمغاربة، ووجّه إلى دار ابن عمّار، فمنع الناس عنها بعد أن كانوا قد أحاطوا بها وانتهبوا منها، وأمر أن يجرى لأصحاب الرسوم الرواتب جميع ما كان ابن عمّار قطعه، وأجرى لابن عمّار ما كان يجرى له في أيام العزيز بالله من الجرايات لنفسه ولأهله وحرمه، ومبلغ ذلك من اللحم والتوابل خمسمائة دينار في كلّ شهر يزيد عن ذلك أو ينقص عنه على قدر الأسعار، مع ما كان له من الفاكهة؛ وهو في كلّ يوم سلّة بدينار، وعشرة أرطال شمع بدينار ونصف، وحمل بلح. وجعل كاتبه أبا العلاء فهد بن إبراهيم النصراني، يوقّع عنه وينظر في قصص الرافعين وظلاماتهم، فجلس لذلك في القصر وصار يطالعه بجميع ما يحتاج إليه، ورتّب الغلمان في القصر وأمرهم بملازمة الخدمة وتفقّد أحوالهم، وأزال علل أولياء الدولة، وتفقّد أمور الناس وأزال ضروراتهم، ومنع الناس كافة من الترجّل له؛ فكان الناس يلقونه في داره، فإذا تكامل لقاؤهم ركبوا بين يديه إلى القصر ما عدا الحسين بن جوهر والقاضي ابن النعمان فقط، فإنهما كانا يتقدّمانه من دورهما إلى القصر حتّى أنّه لقّب كاتبه فهدا بالرئيس، فصار يخاطب بذلك ويكاتب به.

وكان برجوان يجلس في دهاليز القصر، ويجلس الرئيس فهد بالدهليز الأول يوقّع وينظر ويطالع برجوان ما يحتاج إليه ممّا يطالع به الحاكم، فيخرج الأمر بما يكون العمل به.

وترقّت أحوال برجوان إلى أن بلغ النهاية، فقصر عن الخدمة، وتشاغل بلذّاته، وأقبل على سماع الغناء وأكثر من الطرب؛ وكان شديد المحبّة في الغناء، فكان المغنّون من الرجال والنساء يحضرون داره فيكون معهم كأحدهم، ثمّ يجلس في داره حتّى يمضي صدر النهار

ص: 6

ويتكامل جميع أهل الدولة وأرباب الأشغال على بابه، فيخرج راكبا ويمضي إلى القصر، فيمشي من الأمور ما يختار بغير مشاورة.

فلما تزايد الأمر وكثر استبداده تحرّد له الحاكم، ونقم عليه أشياء من تجرّئه عليه ومعاملته له بالإذلال وعدم الامتثال، منها أنّه استدعاه يوما وهو راكب معه، فصار إليه وقد ثنى رجله على عنق فرسه وصار باطن قدمه وفيه الخفّ قبالة وجه الحاكم، ونحو ذلك من سوء الأدب. فلما كان يوم الخميس سادس عشري شهر ربيع الآخر سنة تسعين وثلاثمائة، أنفذ إليه الحاكم عشيّة للركوب معه إلى المقياس «1» ، فجاء بعد ما تباطأ، وقد ضاق الوقت، فلم يكن بأسرع من خروج عقيق الخادم باكيا يصيح: قتل مولاي. وكان هذا الخادم عينا لبرجوان في القصر، فاضطرب الناس، وأشرف عليهم الحاكم، وقام زيدان صاحب «2» المظلّة فصاح بهم: من كان في الطاعة فلينصرف إلى منزله ويبكر إلى القصر المعمور.

فانصرف الجميع.

فكان من خبر قتل برجوان أنّه لما دخل إلى القصر كان الحاكم في بستان يعرف بدويرة التين والعنّاب ومعه زيدان، فوافاه برجوان بها وهو قائم، فسلّم ووقف، فسار الحاكم إلى أن خرج من باب الدويرة فوثب زيدان على برجوان وضربه بسكّين كانت معه في عنقه، وابتدره قوم كانوا قد أعدّوا للفتك به، فأثخنوه جراحة بالخناجر، واحتزّوا رأسه ودفنوه هناك. ثمّ إنّ الحاكم أحضر إليه الرئيس، فهدأ بعد العشاء الأخيرة وقال له: أنت كابني، وأمّنه وطمّنه، فكانت مدّة نظر برجوان في الوساطة سنتين وثمانية أشهر تنقص يوما واحدا، ووجد الحاكم في تركته مائة منديل يعني عمامة، كلّها شروب ملوّنة معمّمة على مائة شاشية، وألف سراويل دبيقية «3» بألف تكّة حرير أرمنيّ، ومن الثياب المخيطة والصحاح «4» والحليّ والمصاغ والطيب والفرش والصياغات الذهب والفضّة ما لا يحصى كثرة، ومن العين ثلاثة وثلاثين ألف دينار، ومن الخيل الركابيّة مائة وخمسين فرسا وخمسين بغلة، ومن بغال النقل ودواب الغلمان نحو ثلثمائة رأس، ومائة وخمسين سرجا، منها عشرون ذهبا؛ ومن الكتب شيء كثير. وحمل لجاريته من مصر إلى القاهرة رحل على ثمانين حمارا.

قال ابن خلكان: وبرجوان بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الجيم والواو وبعد

ص: 7

الألف نون هكذا وجدته مقيّدا بخطّ بعض الفضلاء. وقال ابن عبد الظاهر: ويسمى الوزغ، سماه به الحاكم.

حارة زويلة: قال ابن عبد «1» الظاهر: لما نزل القائد جوهر بالقاهرة اختطت كلّ قبيلة خطة عرفت بها، فزويلة بنت الحارة المعروفة بها والبئر التي تعرف ببئر زويلة في المكان الذي يعمل فيه الآن الروايا، والبابان «2» المعروفان ببابي زويلة. وقال ياقوت: زويلة بفتح الزاي وكسر الواو وياء ساكنة وفتح اللام: أربعة مواضع: الأوّل زويلة السودان وهي قصبة أعمال فزّان «3» في جنوب إفريقية مدينة كثيرة النخل والزرع. الثاني زويلة المهديّة، بلد كالربض للمهديّة اختطّه عبد الله الملقّب بالمهدي وأسكنه الرعيّة، وسكن هو بالمهديّة التي استجدّها، فكانت دكاكين الرعية وأمتعتهم بالمهديّة، ومنازلهم وحرمهم بزويلة، فكانوا يظلّون بالنهار في المهدية ويبيتون ليلا بزويلة. وزعم المهديّ أنه فعل بهم ذلك ليأمن غائلتهم، قال: أحول بينهم وبين أموالهم ليلا وبينهم وبين نسائهم نهارا. الثالث باب زويلة بالقاهرة من جهة الفسطاط الرابع حارة زويلة محلّة كبيرة بالقاهرة بينها وبين باب زويلة عدّة محال، سمّيت بذلك لأنّ جوهرا غلام المعزّ لما اختطّ محلّه بالقاهرة أنزل أهل زويلة «4» بهذا المكان فتسمّى بهم.

الحارة المحمودية «5» : الصواب في هذه الحارة أن يقال حارة المحمودية على الإضافة، فإنّها عرفت بطائفة من طوائف عسكر الدولة الفاطمية كان يقال لها الطائفة المحمودية، وقد ذكرها المسبّحي «6» في تاريخه مرارا قال: في سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وفيها اقتتلت الطائفة المحمودية واليانسية. واشتبه أمر هذه الحارة على ابن عبد الظاهر، فلم يعرف نسبتها لمن وقال: لا أعلم في الدولة المصريّة من اسمه محمود إلا ركن الإسلام محمود بن أخت الصالح بن رزّيك صاحب التربة بالقرافة، اللهم إلا أن يكون محمود بن مصال الملكيّ الوزير. فقد ذكر ابن القفطيّ أنّ اسمه محمود، ومحمود صاحب المسجد بالقرافة، وكان في زمان السّري ابن الحكم قبل ذلك. وهذا وهم آخر، فإنّ ابن

ص: 8

مصال الوزير اسمه سليمان، وينعت بنجم الدين.

ووقعت في هذه الحارة نكتة، قال القاضي الفاضل في متجدّدات سنة أربع وتسعين وخمسمائة، والسلطان يومئذ بمصر الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين، وكان في شعبان قد تتابع أهل مصر والقاهرة في إظهار المنكرات وترك الإنكار لها وإباحة أهل الأمر والنهي فعلها، وتفاحش الأمر فيها إلى أن غلا سعر العنب لكثرة من يعصره، وأقيمت طاحون بالمحموديّة لطحن حشيشة للبزر، وأفردت برسمه، وحميت بيوت المزر، وأقيمت عليها الضرائب الثقيلة؛ فمنها ما انتهى أمره في كلّ يوم إلى ستّة عشر دينارا، ومنع المزر «1» البيوتي ليتوفر الشراء من مواضع الحمي، وحملت أواني الخمر على رؤوس الأشهاد وفي الأسواق من غير منكر، وظهر من عاجل عقوبة الله تعالى وقوف زيادة «2» النيل عن معتادها وزيادة سعر الغلّة في وقت ميسورها.

حارة الجودرية: هذه الحارة عرفت أيضا بالطائفة الجودرية إحدى طوائف العسكر في أيام الحاكم بأمر الله على ما ذكره المسبّحي، وقال ابن عبد الظاهر: الجودريّة منسوبة إلى جماعة تعرف بالجودريّة اختطّوها وكانوا أربعمائة، منهم أبو عليّ منصور الجودريّ الذي كان في أيام العزيز بالله، وزادت مكانته في الأيام الحاكمية، فأضيفت إليه مع الأحباس «3» الحسبة «4» وسوق الرقيق والسواحل وغير ذلك، ولها حكاية سمعت جماعة يحكونها، وهي أنّها كانت سكن اليهود، والمعروفة بهم؛ فبلغ الخليفة الحاكم أنّهم يجتمعون بها في أوقات خلواتهم ويغنّون:

وأمّة قد ضلّوا ودينهم معتلّ

قال لهم نبيّهم: نعم الإدام الخلّ

ويسخرون من هذا القول ويتعرّضون إلى ما لا ينبغي سماعه، فأتى إلى أبوابها وسدّها عليهم ليلا وأحرقها، فإلى هذا الوقت لا يبيت بها يهوديّ ولا يسكنها أبدا. وقد كان في الأيام العزيزيّة جودر الصقلبيّ، أيضا ضرب عنقه ونهب ماله في سنة ستّ وثمانين وثلثمائة.

حارة الوزيرية: هي أيضا تنسب إلى طائفة يقال لها الوزيرية من جملة طوائف العسكر، وكانت أوّلا تعرف بحارة بستان المصمودي وعرفت أيضا بحارة الأكراد. قال ابن عبد الظاهر: الوزيرية منسوبة إلى الوزير يعقوب «5» بن يوسف بن كلّس؛ وقال ابن الصيرفيّ

ص: 9

والطائفة المنعوتة بالوزيرية إلى الآن منسوبة إليه، يعني الوزير يعقوب بن يوسف بن كلّس أبو الفرج. كان يهوديا من أهل بغداد، فخرج منها إلى بلاد الشام ونزل بمدينة الرملة، وأقام بها فصار فيها وكيلا للتجّار بها، واجتمع في قبله مال عجز عن أدائه، ففرّ إلى مصر في أيّام كافور الإخشيديّ، فتعلّق بخدمته. ووثب إليه بالمتجر، فباع إليه أمتعة أحيل بثمنها على ضياع مصر، فكثر لذلك تردّده على الريف، وعرف أخبار القرى؛ وكان صاحب حيل ودهاء ومكر ومعرفة مع ذكاء مفرط وفطنة، فمهر في معرفة الضياع حتّى كان إذا سئل عن أمر غلالها ومبلغ ارتفاعها وسائر أحوالها الظاهرة والباطنة أتى من ذلك بالغرض، فكثرت أمواله واتسعت أحواله، وأعجب به كافور لما خبر فيه من الفطنة وحسن السياسة فقال: لو كان هذا مسلما لصلح أن يكون وزيرا. فلمّا بلغه هذا عن كافور تاقت نفسه إلى الولاية وأحضر من علّمه شرائع الإسلام سرا، فلمّا كان في شعبان سنة ستّ وخمسين وثلثمائة دخل إلى الجامع بمصر وصلّى صلاة الصبح، وركب إلى كافور ومعه محمد بن عبد الله بن الخازن في خلق كثير، فخلع عليه كافور، ونزل إلى داره ومعه جمع كثير، وركب إليه أهل الدولة يهنئونه، ولم يتأخّر عن الحضور إليه أحد، فغصّ بمكانه الوزير أبو الفضل جعفر «1» بن الفرات، وقلق بسببه، وأخذ في التدبير عليه، ونصب الحبائل له حتّى خافه يعقوب، فخرج من مصر فارّا منه يريد بلاد المغرب في شوّال سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. وقد مات كافور، فلحق بالمعزّ لدين الله أبي تميم معدّ، فوقع منه موقعا حسنا، وشاهد منه معرفة وتدبيرا، فلم يزل في خدمته حتّى قدم من المغرب إلى القاهرة في شهر رمضان سنة اثنين وستّين وثلثمائة، فقلّده في رابع عشر المحرّم سنة ثلاث وستين وثلاثمائة الخراج وجميع وجوه الأموال والحسبة والسواحل والأعشار والجوالي «2» والأحباس والمواريث والشرطتين وجميع ما يضاف إلى ذلك وما يطرأ في مصر وسائر الأعمال. وأشرك معه في ذلك كله عسلوج بن الحسن، وكتب لهما سجلا بذلك قرىء في يوم الجمعة على منبر جامع أحمد بن طولون فقبضت أيدي سائر العمّال والمتضمّنين، وجلس يعقوب وعسلوج في دار الإمارة في جامع أحمد بن طولون للنداء على الضياع وسائر وجوه الأموال، وحضر الناس للقبالات، وطالبا بالبقايا من الأموال ممّا على الناس من المالكين والمتقبّلين والعمّال، واستقصيا في الطلب، ونظرا في المظالم، فتوفّرت الأموال وزيد في الضياع، وتزايد الناس وتكاشفوا، أو امتنعا أن يأخذا إلا دينارا معزيا «3» ، فاتضّع الدينار الراضي «4» وانحطّ ونقص من صرفه أكثر من ربع

ص: 10

دينار، فخسر الناس كثيرا من أموالهم في الدينار الأبيض والدينار الراضي، وكان صرف المعّزيّ خمسة عشر درهما ونصفا واشتدّ الاستخراج، فكان يستخرج في اليوم نيّف وخمسون ألف دينار معزّية، واستخرج في يوم واحد مائة وعشرون ألف دينار معزّية، وحصل في يوم واحد من مال تنّيس ودمياط الأشمونين أكثر من مائتي ألف دينار وعشرين ألف دينار، وهذا شيء لم يسمع قطّ بمثله في بلد.

فاستمرّ الأمر على ذلك إلى المحرّم سنة خمس وستّين وثلثمائة. فتشاغل يعقوب عن حضور ديوان الخراج، وانفرد بالنظر في أمور المعزّ لدين الله في قصره وفي الدور الموافق عليها، وبعد ذلك بقليل مات «1» المعزّ لدين الله في شهر ربيع الآخر منها وقام من بعده في الخلافة ابنه العزيز بالله أبو منصور نزار «2» ، ففوّض ليعقوب النظر في سائر أموره وجعله وزيرا له في أوّل المحرّم سنة سبع وستّين وثلثمائة. وفي شهر رمضان سنة ثمان وستّين لقبه بالوزير الأجلّ، وأمر أن لا يخاطبه أحد ولا يكاتبه إلّا به، وخلع عليه وحمل ورسم له في محرّم سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة أن يبدأ له في مكاتباته باسمه على عنوانات الكتب النافذة عنه، وخرج توقيع العزيز بذلك. وفي هذه السنة اعتقل في القصر، وردّ الأمر إلى خير بن القاسم، فأقام معتقلا عدّة شهور ثم أطلق في سنة أربع وسبعين وحمل على عدّة خيول، وقرىء سجلّ بردّه إلى تدبير الدولة. ووهبه خمسمائة غلام من الناشئة وألف غلام من المغاربة ملّكه العزيز رقابهم، فكان يعقوب أوّل وزراء الخلفاء الفاطميين بديار مصر. فدبّر أمور مصر والشام والحرمين وبلاد المغرب وأعمال هذه الأقاليم كلّها من الرجال والأموال والقضاء والتدبر، وعمل له إقطاعا في كلّ سنة بمصر والشام مبلغها ثلثمائة ألف دينار، واتسعت دائرته وعظمت مكانته حتّى كتب اسمه على الطرز «3» ، وفي الكتب، وكان يجلس كلّ يوم في داره يأمر وينهي ولا ترفع إليه رقعة إلا وقّع فيها، ولا يسأل في حاجة إلا قضاها، ورتب في داره الحجّاب نوبا، وأجلسهم على مراتب وألبسهم الديباج، وقلّدهم السيوف، وجعل لهم المناطق «4» ، ورتب فرسين في داره للنوبة لا تبرح واقفة بسروجها ولجمها، لهم برد «5» ، ونصب في داره الدواوين، فجعل ديوانا للعزيزية فيه عدّة كتّاب، وديوانا للجيش فيه عدّة كتاب، وديوانا للأموال فيه عدّة كتّاب، وعدّة جهابذة «6» ، وديوانا للخراج، وديوانا

ص: 11

للسجلات والإنشاء، وديوانا للمستغلّات «1» ، وأقام على هذه الدواوين زمانا، وجعل في داره خزانة للكسوة وخزانة للمال وخزانة للدفاتر وخزانة للأشربة، وعمل على كلّ خزانة ناظرا، وكان يجلس عنده في كلّ يوم الأطبّاء لينظروا في حال الغلمان ومن يحتاج منهم إلى علاج أو إعطاء دواء، ورتّب في داره الكتّاب والأطبّاء يقفون بين يديه، وجعل فيها العلماء والأدباء والشعراء والفقهاء والمتكلّمين وأرباب الصنائع، لكلّ طائفة مكان مفرد، وأجرى على كلّ واحد منهم الأرزاق، وألّف كتبا في الفقه والقراءات، ونصب له مجلسا في داره يحضره في كلّ يوم ثلاثاء، ويحضر إليه الفقهاء والمتكلّمون وأهل الجدل يتناظرون بين يديه. من تأليفه: كتاب في القراءات وكتاب في الأديان- وهو كتاب الفقه واختصره- وكتاب في آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتاب في علم الأبدان وصلاحها في ألف ورقة، وكتاب في الفقه ممّا سمعه من الإمام المعزّ لدين الله والإمام العزيز «2» بالله. وكان يجلس في يوم الجمعة أيضا ويقرأ مصنّفاته على الناس بنفسه، وفي حضرته القضاة والفقهاء والقرّاء وأصحاب الحديث والنّحاة والشهود، فإذا فرغ من قراءة ما يقرأ من مصنّفاته قام الشعراء ينشدون مدائحهم فيه. وكان في داره عدّة كتّاب ينسخون القرآن الكريم والفقه والطبّ وكتب الأدب وغيرها من العلوم، فإذا فرغوا من نسخها قوبلت وضبطت، وجعل في داره قرّاء وأئمة يصلّون في مسجد داره، وأقام بداره عدّة مطابخ لنفسه ولجلسائه ولغلمانه وحواشيه، وكان ينصب مائدة لخاصّته يأكل هو وخواصّه من أهل العلم ووجوه كتّابه وخواصّ غلمانه ومن يستدعيه عليها، وينصب عدّة موائد لبقيّة الحجّاب والكتّاب والحواشي. وكان إذا جلس يقرأ كتابه في الفقه الذي سمعه من المعزّ والعزيز لا يمنع أحد من مجلسه، فيجتمع عنده الخاص والعامّ، ورتّب عند العزيز بالله جماعة لا يخاطبون إلا بالقائد، وأنشأ عدّة مساجد ومساكن بمصر والقاهرة، وكان يقيم في شهر رمضان الأطعمة للفقهاء ووجوه الناس وأهل الستر والتعفّف ولجماعة كثيرة من الفقراء، وكان إذا فرغ الفقهاء والوجوه من الأكل معه يطاف عليهم بالطّيب. ومرض مرّة من علّة أصابت يده، فقال فيه عبد الله بن محمد بن أبي الجرع:

يد الوزير هي الدنيا فإن ألمت

رأيت في كلّ شيء ذلك الألما

تأمّل الملك وانظر فرط علّته

من أجله واسأل القرطاس والقلما

وشاهد البيض في الأغماد حائمة

إلى العدا وكثيرا ما روين دما

وأنفس الناس بالشكوى قد اتّصلت

كأنّما أشعرت من أجله سقما

هل ينهض المجد إلا أن يؤيّده

ساق يقدّم في إنهاضه قدما

لولا العزيز وآراء الوزير معا

تحيّفتنا خطوب تشعب الأمما

ص: 12

فقل لهذا وهذا أنتما شرف

لا أوهن الله ركنيه ولا انهدما

كلاكما لم يزل في الصالحات يدا

مبسوطة ولسانا ناطقا وفما

ولا أصابكما أحداث دهركما

ولا طوى لكما ما عشتما علما

ولا انمحت عنك يا مولاي عافية

فقد محوت بما أوليتني العدما

وكان الناس يفتون بكتابه في الفقه، ودرّس فيه الفقهاء بجامع مصر، وأجرى العزيز بالله لجماعة فقهاء يحضرون مجلس الوزير أرزاقا في كلّ شهر تكفيهم، وكان للوزير مجلس في داره للنظر في رقاع المرافعين والمتظلّمين، ويوقع بيده في الرقاع، ويخاطب الخصوم بنفسه. وأراد العزيز بالله أن يسافر إلى الشام في زمن ابتداء الفاكهة، فأمر الوزير أن يأخذ الأهبة لذلك فقال: يا مولاي؛ لكلّ سفر أهبة على مقداره، فما الغرض من السفر؟ فقال:

إنّي أريد التفرّج بدمشق لأكل القراصيا «1» . فقال: السمع والطاعة. وخرج فاستدعى جميع أرباب الحمام وسألهم عمّا بدمشق من طيور مصر، وأسماء من هي عنده، وكانت مائة ونيّفا وعشرين طائرا، ثمّ التمس من طيور دمشق التي هي في مصر عدّة، فأحضرها وكتب إلى نائبه بدمشق يقول: إنّ بدمشق كذا وكذا طائرا، وعرّفه أسماء من هي عنده، وأمره بإحضارها إليه جميعها، وأن يصيب من القراصيا في كلّ كاغدة «2» ، ويشدّها على كلّ طائر منها ويسرّحها في يوم واحد، فلم يمض إلا ثلاثة أيّام أو أربعة حتّى وصلت الحمائم كلّها ولم يتأخر منها إلا نحو عشر، وعلى جناحها القراصيا، فاستخرجها من الكواغد، وعملها في طبق من ذهب، وغطّاها وبعث بها إلى العزيز بالله مع خادم، وركب إليه وقدّم ذلك وقال: يا أمير المؤمنين قد حضّرنا قبالك القراصيا ههنا، فإن أغناك هذا القدر وإلا استدعينا شيئا آخر، فعجب العزيز بالوزير وقال: مثلك يخدم الملوك يا وزير؛ واتفق أنه سابق العزيز بين الطيور، فسبق طائر الوزير يعقوب طائر العزيز، فشقّ ذلك على العزيز، ووجد أعداء الوزير سبيلا إلى الطعن فيه، فكتبوا إلى العزيز أنه قد اختار من كلّ صنف أعلاه ولم يترك لأمير المؤمنين إلا أدناه حتّى الحمام، فبلغ ذلك الوزير فكتب إلى العزيز:

قل لأمير المؤمنين الذي

له العلى والمثل الثاقب

طائرك السابق لكنّه

لم يأت إلّا وله حاجب

فأعجب العزيز ذلك وأعرض عما وشي به، ولم يزل على حال رفيعة وكلمة نافذة إلى أن ابتدأت به علّته يوم الأحد الحادي والعشرين من شوّال سنة ثمانين وثلثمائة، ونزل إليه العزيز بالله يعوده، وقال له: وددت أنّك تباع فابتاعك بمالي أو تفدى فأفديك بولدي، فهل من حاجة توصي بها يا يعقوب؟ فبكى وقبّل يده وقال: أمّا فيما يخصّني فأنت

ص: 13

أرعى «1» بحقّي من أن أسترعيك إياه وأرأف على من أن أوصيك به، ولكنّي أنصح لك فيما يتعلّق بك وبدولتك سالم الروم «2» ما سالموك، واقنع من الحمدانية بالدعوة والشكر «3» ، ولا تبق على مفرج بن دعقل «4» إن عرضت لك فيه فرصة. وانصرف العزيز فأخذته السكتة، وكان في سياق الموت يقول: لا يغلب الله غالب، ثمّ قضى نحبه ليلة الأحد لخمس خلون من ذي الحجّة، فأرسل العزيز بالله إلى داره الكفن والحنوط، وتولّى غسله القاضي محمد بن النعمان وقال: كنت والله اغسل لحيته وأنا أرفق به خوفا أن يفتح عينه في وجهي.

وكفّن في خمسين ثوبا، ثلاثين مثقلا، يعني: منسوجا بالذهب، ووشي مذهبا، وشرب ديبقي مذهبا، وحقّة كافورا، وقارورتي مسك وخمسين منا ماء ورد؛ وبلغت قيمة الكفن والحنوط عشرة آلاف «5» دينار.

وخرج مختار الصقلبيّ وعليّ بن عمر العدّاس والرجال بين أيديهم ينادون لا يتكلّم أحد ولا ينطق، وقد اجتمع الناس فيما بين القصر ودار الوزير التي عرفت بدار الديباج، ثمّ خرج العزيز من القصر على بغلة والناس يمشون بين يديه وخلفه بغير مظلّة والحزن ظاهر عليه حتّى وصل إلى داره، فنزل وصلّى عليه، وقد طرح على تابوته ثوب مثقل، ووقف حتّى دفن بالقبّة التي كان بناها وهو يبكي، ثمّ انصرف. وسمع العزيز وهو يقول: واطول أسفي عليك يا وزير، والله لو قدرت أفديك بجميع ما أملك لفعلت. وأمر بإجراء غلمانه على عادتهم، وعتق جميع مماليكه، وأقام ثلاثا لا يأكل على مائدته ولا يحضرها من عادته الحضور، وعمل على قبره ثوبان مثقلان، وأقام الناس عند قبره شهرا، وغدا الشعراء إلى قبره، فرثاه مائة شاعر أجيزوا كلّهم، وبلغ العزيز أنّ عليه ستّة عشر ألف دينار دينا، فأرسل بها إلى قبره فوضعت عليه وفرّقت على أرباب الديون، وألزم القرّاء بالمقام على قبره، وأجرى عليهم الطعام، وكانت الموائد تحضر إلى قبره كلّ يوم مدّة شهر، يحضر نساء الخاصّة كلّ يوم ومعهنّ نساء العامّة، فتقوم الجواري بأقداح الفضّة والبلّور وملاعق الفضّة فيسقين النساء الأشربة والسويق «6» بالسكّر، ولم تتأخّر نائحة ولا لاعبة عن حضور القبر مدّة الشهر، وخلّف أملاكا وضياعا قياسير «7» ورباعا وعينا وورقا وأواني ذهبا وفضّة وجوهرا وعنبرا وطيبا وثيابا وفرشا ومصاحف وكتبا وجواري وعبيدا وخيلا وبغالا ونوقا وحمرا وإبلا

ص: 14

وغلالا وخزائن ما بين أشربة وأطعمة قوّمت بأربعة آلاف ألف دينار سوى ما جهّز به ابنته وهو ما قيمته مائتا ألف دينار، وخلّف ثمانمائة حظيّة سوى جواري الخدمة، فلم يتعرّض العزيز لشيء ممّا يملكه أهله وجواريه وغلمانه، وأمر بحفظ جهاز ابنته إلى أن زوّجها وأجرى لمن في داره كلّ شهر ستمائة دينار للنفقة سوى الكسوة والجرايات وما يحمل إليهم من الأطعمة من القصر، وأمر بنقل ما خلّفه إلى القصر، فلمّا تمّ له من يوم وفاته شهر قطع الأمير منصور بن العزيز جميع مستغلّاته، وأقرّ العزيز جميع ما فعله الوزير وما ولّاه من العمّال على حاله، وأجرى الرسوم التي كان يجريها، وأقرّ غلمانه على حالهم وقال: هؤلاء صنائعي. وكانت عدّة غلمان الوزير أربعة آلاف غلام عرفوا بالطائفة الوزيريّة، وزاد العزيز أرزاقهم عمّا كانت عليه، وأدناهم، وإليهم تنسب الوزيريّة، فإنّها كانت مساكنهم. واتّفق أنّ الوزير عمّر قبّة أنفق عليها خمسة عشر ألف دينار، وآخر ما قال: لقد طال أمر هذه القبّة، ما هذه قبّة، هذه تربة. فكانت كذلك، ودفن تحتها، وموضع قبره اليوم المدرسة الصاحبيّة، واتّفق أنّه وجد في داره رقعة مكتوب فيها:

احذروا من حوادث الأزمان

وتوقّوا طوارق الحدثان

قد أمنتم ريب الزمان ونمتم

ربّ خوف مكمن في الأمان

فلمّا قرأها قال: لا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، ولم يلبث بعدها إلا أياما يسيرة، ومرض فمات.

حارة الباطلية: عرفت بطائفة يقال لهم الباطلية، قال ابن عبد الظاهر: وكان المعزّ لما قسم العطاء في الناس جاءت طائفة فسألت عطاء فقيل لها: افرغ ما كان حاضرا، ولم يبق شيء؛ فقالوا: رحنا نحن في الباطل، فسمّوا الباطليّة، وعرفت هذه الحارة بهم. وفي سنة ثلاث وستّين وستّمائة احترقت حارة الباطليّة عند ما كثر الحريق في القاهرة ومصر، واتّهم النصارى بفعل ذلك، فجمعهم الملك الظاهر بيبرس، وحملت لهم الأحطاب الكثيرة والحلفاء، وقدّموا ليحرقوا بالنار، فتشفّع لهم الأمير فارس الدين أقطاي أتابك «1» العساكر على أن يلتزموا بالأموال التي احترقت وأن يحملوا إلى بيت المال خمسين ألف دينار فتركوا. وجرى في ذلك ما تستحسن حكايته، وهو أنّه قد جمع مع النصارى سائر اليهود، وركب السلطان ليحرقهم بظاهر القاهرة، وقد اجتمع الناس من كلّ مكان للتشفّي بحريقهم لما نالهم من البلاء فيما دهوا به من حريق الأماكن لا سيّما الباطليّة، فإنّها أتت النار عليها حتّى حرقت بأسرها. فلمّا حضر السلطان وقدم اليهود والنصارى ليحرقوا برز ابن الكازروني اليهوديّ- وكان صيرفيا- وقال للسلطان: سألتك بالله لا تحرقنا مع هؤلاء الكلاب الملاعين

ص: 15

أعدائنا وأعدائكم، احرقنا ناحية وحدنا؛ فضحك السلطان والأمراء، وحينئذ تقرّر الأمر على ما ذكر، فندب لاستخراج المال منهم الأمير سيف الدين بلبان المهراني، فاستخلص بعض ذلك في عدّة سنين، وتطاول الحال، فدخل كتّاب الأمراء مع مخادعيهم وتحيّلوا في إبطال ما بقي، فبطل في أيام السعيد «1» بن الظاهر. وكان سبب فعل النصارى لهذا الحريق حنقهم لمّا أخذ الظاهر من الفرنج أرسوف وقيسارية وطرابلس ويافا وأنطاكية. وما زالت الباطلية خرابا، والناس تضرب بحريقها المثل لمن يشرب الماء كثيرا فيقولون: كأنّ في باطنه حريق الباطليّة. ولما عمر الطواشي بهادر المقدّم داره بالباطليّة عمر فيها مواضع بعد سنة خمس وثمانين وسبعمائة.

حارة الروم: قال ابن عبد الظاهر: واختطّت الروم حارتين: حارة الروم الآن وحارة الروم الجوّانية، فلمّا ثقل ذلك عليهم قالوا: الجوّانية لا غير. والورّاقون إلى هذا الوقت يكتبون حارة الروم السفلى وحارة الروم العليا المعروفة اليوم بالجوّانية. وفي سابع عشر ذي الحجّة سنة تسع وتسعين وثلثمائة أمر الخليفة الحاكم بأمر الله بهدم حارة الروم فهدمت ونهبت.

حارة الديلم: عرفت بذلك لنزول الديلم الواصلين مع هفتكين «2» الشرابي حين قدم ومعه أولاد مولاه معزّ الدولة البويهي وجماعة من الدّيلم والأتراك في سنة ثمان وستّين وثلثمائة، فسكنوا بها فعرفت بهم. وهفتكين هذا يقال له الفتكين أبو منصور التركيّ الشرابيّ غلام معزّ الدولة أحمد بن بويه. ترقّى في الخدم حتّى غلب في بغداد على عزّ الدولة مختار بن معزّ الدولة، وكان فيه شجاعة وثبات في الحرب. فلمّا سارت الأتراك من بغداد لحرب الديلم جرى بينهم قتال عظيم اشتهر فيه هفتكين إلّا أنّ أصحابه انهزموا عنه وصار في طائفة قليلة، فولّى بمن معه من الأتراك وهم نحو الأربعمائة، فسار إلى الرحبة «3» وأخذ منها على البرّ إلى أن قرب من حوشبة إحدى قرى الشام، وقد وقع في قلوب العربان منه مهابة، فخرج إليه ظالم بن مرهوب «4» العقيلي من بعلبك، وبعث إلى أبي محمود إبراهيم بن جعفر أمير «5» دمشق من قبل الخليفة المعزّ لدين الله يعلمه بقدومه هفتكين من بغداد لإقامة الخطبة العباسيّة، وخوّفه منه، فأنفذ إليه عسكرا وسار إلى ناحية حوشبة يريد هفتكين، وسار بشارة الخادم من قبل أبي المعالي بن حمدان عونا لهفتكين فردّ ظالم إلى بعلبك من غير حرب، وسار بشارة بهفتكين إلى حمص، فحمل إليه أبو المعالي وتلقّاه وأكرمه. وكان قد ثار

ص: 16

بدمشق جماعة من أهل الدّعارة والفساد وحاربوا عمّال السلطان واشتدّ أمرهم، وكان كبيرهم يعرف بابن الماورد، فلمّا بلغهم خبر هفتكين بعثوا إليه من دمشق إلى حمص يستدعونه، ووعدوه بالقيام معه على عساكر المعزّ وإخراجهم من دمشق ليلي عليهم، فوقع ذلك منه بالموافقة، وسار حتّى نزل بثنية العقاب «1» لأيام بقيت من شعبان سنة أربع وستّين وثلثمائة فبلغ عسكر المعزّ خبر الفرنج وأنّهم قد قصدوا طرابلس، فساروا بأجمعهم إلى لقاء العدوّ، ونزل هفتكين على دمشق من غير حرب، فأقام أياما ثم سار يريد محاربة ظالم، ففرّ منه، ودخل هفتكين بعلبكّ، فطرقه العدوّ من الروم والفرنج وانتهبوا بعلبك وأحرقوا، وذلك في شهر رمضان، وانتشروا في أعمال بعلبك والبقاع يقتلون ويأسرون ويحرقون، وقصدوا دمشق وقد التحق بها هفتكين، فخرج إليهم أهل دمشق وسألوهم الكفّ عن البلد، والتزموا بمال، فخرج إليهم هفتكين وأهدى إليهم، وتكلّم معهم في أنه لا يستطيع جباية المال لقوّة ابن الماورد وأصحابه، وأمر ملك الروم به، فقبض عليه وقيّده، وعاد فجبى المال من دمشق بالعنف، وحمل إلى ملك الروم ثلاثين ألف دينار، ورحل إلى بيروت ثمّ إلى طرابلس، فتمكن هفتكين من دمشق، وأقام بها الدعوة لأبي بكر عبد الكريم الطائع بن المطيع العباسيّ، وسيّر إلى العرب السرايا، فظفرت وعادت إليه بعده بمن أسرته من رجال العرب فقتلهم صبرا.

وكان قد تخوّف من المعزّ، فكاتب «2» القرامطة يستدعيهم من الأحساء للقدوم عليه لمحاربة عساكر المعزّ، وما زال بهم حتّى وافوا دمشق في سنة خمس وستّين، ونزلوا على ظاهرها ومعهم كثير من أصحاب هفتكين الذين كانوا قد تشتتوا في البلاد، فقوي بهم، ولقي القرامطة «3» ، وحمل إليهم وسرّ بهم، فأقاموا على دمشق أياما، ثمّ رحلوا نحو الرّملة وبها أبو محمود فلحق بيافا، ونزل القرامطة الرملة ونصبوا القتال على يافا حتّى كلّ الفريقان وسئموا جميعا من طول الحرب، وسار هفتكين على الساحل ونزل صيدا، وبها ظالم بن مرهوب العقيليّ وابن الشيخ من قبل المعزّ، فقاتلهم قتالا شديدا انهزم منه ظالم إلى صور، وقتل بين الفريقين نحو أربعة آلاف رجل، فقطع أيدي القتلى من عسكر المعزّ وسيّرها إلى دمشق، فطيف بها، ثمّ سار عن صيدا يريد عكّا وبها عسكر المعزّ، وكان قد مات المعزّ في ربيع الآخر سنة 365 هـ، وقام من بعده ابنه العزيز بالله، وسيّر جوهرا القائد في عسكر عظيم إلى قتال هفتكين والقرامطة، فبلغ ذلك القرامطة وهم على الرملة ووصل الخبر بمسيره إلى هفتكين وهو على عكّا، فخاف القرامطة وفرّوا عنها، فنزلها جوهر، وسار من القرامطة إلى

ص: 17

الأحساء التي هي بلادهم جماعة وتأخّر عدّة، وسار هفتكين من عكّا إلى طبريّة وقد علم بمسير القرامطة وتأخّر بعضهم، فاجتمع بهم في طبرية واستعدّ للقاء جوهر، وجمع الأقوات من بلاد حوران والثنية، وأدخلها إلى دمشق وسار إليها، فتحصن بها، ونزل جوهر على ظاهر دمشق لثمان بقين من ذي القعدة فبنى على معسكره سورا، وحفر خندقا عظيما، وجعل له أبوابا، وجمع هفتكين الناس للقتال.

وكان قد بقي بعد ابن الماورد رجل يعرف بقسّام التراب، وصار في عدّة وافرة من الدعّار، فأعانه هفتكين وقوّاه وأمدّه بالسلاح وغيره، ووقعت بينهم وبين جوهر حروب عظيمة طويلة إلى يوم الحادي عشر من ربيع الأوّل سنة ستّ وستين وثلاثمائة، فاختلّ أمر هفتكين وهمّ بالفرار، ثمّ إنه استظهر ووردت الأخبار بقدوم الحسن بن أحمد القرمطيّ إلى دمشق، فطلب جوهر الصلح «1» على أن يرحل عن دمشق من غير أن يتبعه أحد، وذلك أنه رأى أمواله قد قلّت وهلك كثير ممّا كان في عسكره حتّى صار أكثر عسكره رجّالة وأعوزهم العلف، وخشي قدوم القرامطة، فأجابه هفتكين، وقد عظم فرحه واشتدّ سروره، فرحل في ثالث جمادى الأولى وجدّ في المسير وقد قرب القرامطة؛ فأناخ بطبريّة، فبلغ ذلك القرمطي فقصده، وقد سار عنها إلى الرملة فبعث إليه بسرية كانت لها مع جوهر وقعة قتل فيها جماعة من العرب، وأدركه القرمطي، وسار في أثره هفتكين فمات الحسن بن أحمد القرمطي بالرملة، وقام من بعده بأمر القرامطة ابن عمّه جعفر، ففسد ما بينه وبين هفتكين، ورجع عن الرملة إلى الأحساء، وناصب هفتكين القتال، وألح فيه على جوهر حتّى انهزم عنه وسار إلى عسقلان وقد غنم هفتكين ممّا كان معه شيئا يجلّ عن الوصف، ونزل على البلد محاصرا لها. وبلغ ذلك العزيز، فاستعدّ للمسير إلى بلاد الشام، فلما طال الأمر على جوهر راسل هفتكين حتّى يقرّر الصلح على مال يحمله إليه وأن يخرج من تحت سيف هفتكين، فعلق سيفه على باب عسقلان، وخرج جوهر ومن معه من تحته وساروا إلى القاهرة، فوجد العزيز قد برز يريد المسير، فسار معه، وكان مدّة قتال هفتكين لجوهر على ظاهر الرملة وفي عسقلان سبعة عشر شهرا. وسار العزيز بالله حتّى نزل الرملة، وكان هفتكين بطبريّة، فسار إلى لقاء العزيز ومعه أبو إسحاق وأبو طاهر أخو عز الدولة ابن بختيار بن أحمد بن بويه وأبو اللحاد مر زبان «2» عز الدولة ابن بختيار بن عز الدولة ابن بويه، فحاربوه، فلم يكن غير ساعة حتّى هزمت عساكر العزيز عساكر هفتكين وملكوه في يوم الخميس لسبع بقين من المحرّم سنة ثمان وستّين وثلثمائة، واستأمن أبو إسحاق ومرزبان بن بختيار وقتل أبو طاهر أخو عز الدولة ابن بختيار، وأخذ أكثر أصحابه أسرى، وطلب هفتكين في القتلى فلم يوجد.

ص: 18

وكان قد فرّ وقت الهزيمة على فرس بمفرده، فأخذه بعض العرب أسيرا، فقدم به على مفرّج «1» بن دعقل بن الجراح الطائيّ وعمامته في عنقه، فبعث به إلى العزيز، فأمر به فشهر في العسكر، وطيف به على جمل، فأخذ الناس يلطمونه ويهزّون لحيته حتى رأى في نفسه العبر، ثم سار العزيز بهفتكين والأسرى إلى القاهرة، فاصطنعه ومن معه، وأحسن إليه غاية الإحسان، وأنزله في دار وواصله بالعطاء والخلع حتّى قال: لقد احتشمت من ركوبي مع مولانا العزيز بالله وتطوّفي إليه بما غمرني من فضله وإحسانه. فلما بلغ ذلك العزيز قال لعمه حيدرة: يا عمّ؛ والله إني أحبّ أن أرى النعم عند الناس ظاهرة، وأرى عليهم الذهب والفضة والجوهر ولهم الخيل واللباس والضياع والعقار، وأن يكون ذلك كلّه من عندي.

وبلغ العزيز أنّ الناس من العامّة يقولون: ما هذا التركيّ؟ فأمر به فشهّر في أجمل حال، ولمّا رجع من تطوّفه وهب له مالا جزيلا، وخلع عليه وأمر سائر الأولياء بأن يدعوه إلى دورهم، فما منهم إلا من عمل له دعوة، وقدم إليه وقاد بين يديه الخيول، ثمّ إن العزيز قال له بعد ذلك: كيف رأيت دعوات أصحابنا؟ فقال: يا مولانا، حسنة في الغاية وما فيهم إلا من أنعم وأكرم. فصار يركب للصيد والتفرّج، وجمع إليه العزيز بالله أصحابه من الأتراك والديلم، واستحجبه واختصّ به، وما زال على ذلك إلى أن توفّي في سنة اثنين وسبعين وثلثمائة، فاتّهم العزيز وزيره يعقوب بن كلّس أنه سمّه لأنّ هفتكين كان يترفّع عليه، فاعتقله مدّة ثمّ أخرجه.

حارة الأتراك: هذه الحارة تجاه الجامع الأزهر، وتعرف اليوم بدرب الأتراك، وكان نافذا إلى حارة الديلم، والورّاقون القدماء تارة يفردونها من حارة الديلم، وتارة يضيفونها اليها ويجعلونها من حقوقها، فيقولون تارة: حارة الديلم والأتراك، وتارة يقولون: حارتي الديلم والأتراك، وقيل لها حارة الأتراك لأنّ هفتكين لما غلب ببغداد سار معه من جنسه أربعمائة من الأتراك، وتلاحق به عند ورود القرامطة عليه بدمشق عدّة من أصحابه، فلما جمع لحرب العزيز بالله كان أصحابه ما بين ترك وديلم، فلما قبض عليه العزيز ودخل به إلى القاهرة في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وستّين وثلثمائة كما تقدّم نزل الديلم مع أصحابهم في موضع حارة الديلم، ونزل هفتكين بأتراكه في هذا المكان، فصار يعرف بحارة الأتراك. وكانت مختلطة بحارة الديلم لأنهما أهل دعوة واحدة، إلا أنّ كلّ جنس على حدة لتخالفهما في الجنسيّة ثم قيل بعد ذلك درب الأتراك.

ص: 19