المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما بين بولاق ومنشأة المهراني - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ٣

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌ذكر حارات القاهرة وظواهرها

- ‌ذكر واقعة العبيد

- ‌ذكر أبي عبد الله الشيعي

- ‌ذكر الأمراء البرقيّة ووزارة ضرغام

- ‌ذكر وزارة أبي الفتح ناصر الجيوش يأنس الأرمني

- ‌ذكر الأمير حسن بن الخليفة الحافظ

- ‌ذكر قدوم الأويراتية

- ‌ذكر اخطاط القاهرة وظواهرها

- ‌ذكر كافور الإخشيدي

- ‌ذكر مقتل الخليفة الظافر

- ‌ذكر الدروب والأزقة

- ‌ذكر الخوخ

- ‌ذكر الرحاب

- ‌ذكر الدور

- ‌ذكر الحمامات

- ‌ذكر القياسر

- ‌ذكر الخانات والفنادق

- ‌ذكر الأسواق

- ‌الشارع خارج باب زويلة

- ‌ذكر العوائد التي كانت بقصبة القاهرة

- ‌ذكر ظواهر القاهرة المعزية

- ‌ذكر ميدان القبق

- ‌ذكر برّ الخليج الغربي

- ‌ذكر الأحكار التي في غربيّ الخليج

- ‌ذكر المقس وفيه الكلام على المكس وكيف كان أصله في أوّل الإسلام

- ‌ذكر ميدان القمح

- ‌ذكر أرض الطبالة

- ‌ذكر حشيشة الفقراء

- ‌ذكر أرض البعل والتاج

- ‌ذكر ضواحي القاهرة

- ‌ذكر منية الأمراء

- ‌ذكر كوم الريش

- ‌ذكر بولاق

- ‌ذكر ما بين بولاق ومنشأة المهراني

- ‌ذكر خارج باب زويلة

- ‌ذكر خارج باب الفتوح

- ‌ذكر الخندق

- ‌ذكر خارج باب النصر

- ‌الريدانية

- ‌ذكر الخلجان التي بظاهر القاهرة

- ‌ذكر خليج مصر

- ‌ذكر خليج فم الخور وخليج الذكر

- ‌ذكر الخليج الناصريّ

- ‌ ذكر القناطر

- ‌ذكر خليج قنطرة الفخر

- ‌ذكر قناطر الخليج الكبير

- ‌ذكر البرك

- ‌ذكر الماردانيّ

- ‌ذكر بساتين الوزير

- ‌ذكر المعشوق

- ‌ذكر الجسور

- ‌وقد وجد بخط المصنف رحمه الله في أصله هنا ما صورته

- ‌ذكر الجزائر

- ‌ذكر الروضة

- ‌ذكر قلعة الروضة

- ‌ذكر السجون

- ‌ذكر المواضع المعروفة بالصناعة

- ‌ذكر الميادين

- ‌ذكر قلعة الجبل

- ‌ذكر بناء قلعة الجبل

- ‌ذكر صفة القلعة

- ‌ذكر النظر في المظالم

- ‌ذكر خدمة الإيوان المعروف بدار العدل

- ‌ذكر العلامة السلطانية

- ‌ذكر جيوش الدولة التركية وزيّها وعوايدها

- ‌ذكر الحجبة

- ‌ذكر أحكام السياسة

- ‌ذكر المياه التي بقلعة الجبل

- ‌ذكر ملوك مصر منذ بنيت قلعة الجبل

- ‌ذكر من ملك مصر من الأكراد

- ‌ذكر دولة المماليك البحرية

- ‌ذكر دولة المماليك الجراكسة

الفصل: ‌ذكر ما بين بولاق ومنشأة المهراني

والجوامع وغيرها، وبلغت بساتين جزيرة الفيل خاصة ما ينيف على مائة وخمسين بستانا، بعد ما كانت في سنة إحدى عشرة وسبعمائة نحو العشرين بستانا.

وأنشأ القاضي الفاضل جلال الدين القزوينيّ، وولده عبد الله، دارا عظيمة على شاطيء النيل بجزيرة الفيل، عند بستان الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب. وأنشأ الأمير عز الدين الخطيريّ جامعة ببولاق على النيل، وأنشأ بجواره ربعين. وأنشأ القاضي شرف الدين بن زنبور بستانا، وأنشأ القاضي فخر الدين المعروف بالفخر ناظر الجيش بستانا، وحكر الناس حول هذه البساتين وسكنوا هناك، ثم حفر الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليج الناصريّ سنة خمس وعشرين وسبعمائة، فعمر الناس على جانبي هذا الخليج، وكان أوّل من عمر بعد حفر الخليج الناصريّ المهاميزي، أنشأ بستانا ومسجدا هما موجودان إلى اليوم، وتبعه الناس في العمارة حتى لم يبق في جميع هذه المواضع مكان بغير عمارة، وبقي من يمرّ بها يتعجب، إذ ما بالعهد من قدم، بينما هي تلال رمل وحلافي، إذ صارت بساتين ومناظر وقصورا ومساجد وأسواقا وحمامات وأزقة وشوارع، وفي ناحية بولاق هذه كان خص الكيالة الذي يؤخذ فيه مكس الغلة إلى أن أبطله الملك الناصر محمد بن قلاوون، كما ذكر في الروك الناصريّ من هذا الكتاب. ولما كانت سنة ست وثمانمائة انحسر ماء النيل عن ساحل بولاق، ولم يزل يبعد حتى صار على ما هو عليه الآن، وناحية بولاق الآن عامرة، وتزايدت العمائر بها، وتجدّد فيها عدّة جوامع وحمّامات ورباع وغيرها.

‌ذكر ما بين بولاق ومنشأة المهراني

وكان فيما بين بولاق ومنشأة المهراني خط فم الخور، وخط حكر ابن الأثير، وخط زريبة قوصون، وخط الميدان السلطانيّ بموردة الملح، وخط منشأة الكتبة.

فأمّا

فم الخور، فكان فيه من المناظر الجليلة الوصف عدّة تشرف على النيل، ومن ورائها البساتين، ويفصل بين البساتين والدور المطلة على النيل شارع مسلوك، وأنشئ هناك حمّام وجامع وسوق، وقد تقدّم ذكر الخور، وأنشأ هناك القاضي علاء الدين بن الأثير دارا على النيل، وكان إذ ذاك كاتب السرّ، وبنى الناس بجواره، فعرف ذلك الخط بحكر ابن الأثير، واتصلت العمارة من بولاق إلى فم الخور، ومن فم الخور إلى حكر ابن الأثير، وما برح فيه من مساكن الأكابر من الوزراء والأعيان، ومن الدور العظيمة ما يتجاوز الوصف.

وأما

الزريبة فإن الملك الناصر محمد بن قلاوون، لما وهب البستان الذي كان بالميدان الظاهريّ للأمير قوصون أنشأ قدّامه على النيل زريبة، ووقفها، فعمر الناس هناك حتى انتظمت العمارة من حكر ابن الأثير إلى الزريبة، وعمر هناك حمّام وسوق كبير، وطواحين وعدّة مساكن اتصلت باللوق.

وأما

زريبة السلطان، فإن الملك الناصر محمد بن قلاوون لما عمر ميدان المهاري

ص: 235

المجاور لقناطر السباع الآن، أنشأ زريبة في قبليّ الجامع الطيبرسيّ، وحفر لأجل بناء هذه الزريبة البركة المعروفة الآن بالبركة الناصرية، حتى استعمل طينها في البناء، وأنشأ فوق هذه الزريبة دار وكالة وربعين عظيمين، جعل أحدهما وقفا على الخانقاه التي أنشأها بناحية سرياقوس، وأنعم بالآخر على الأمير بكتمر الساقي، فأنشأ الأمير بكتمر بجواره حمّامين، إحداهما برسم الرجال والأخرى برسم النساء، فكثر بناء الناس فيما هنالك حتى اتصلت العمارة من بحريّ الجامع الطيبرسيّ بزريبة قوصون، وصار هناك أزقة وشوارع ودروب ومساكن، من وراء المناظر المطلة على النيل، تتصل بالخليج. وأكثر الناس من البناء في طريق الميدان السلطانيّ، فصارت العمائر منتظمة من قناطر السباع إلى الميدان، من جهاته كلها، وتنافس الناس في تلك الأماكن وتغالوا في أجرها.

وعمر المكين إبراهيم بن قزوينة ناظر الجيش في قبليّ زريبة السلطان، حيث كان بستان الخشاب، دارا جليلة. وعمر أيضا صلاح الدين الكحال، والصاحب أمين الدين عبد الله بن الغنام، وعدّة من الكتاب، فقيل لهذه الخطة منشأة الكتاب، وأنشأ فيها الصاحب أمين الدين خانقاه بجوار داره، وعمر أيضا كريم الدين الصغير، حتى اتصلت العمارة بمنشأة المهراني، فصار ساحل النيل من خط دير الطين قبليّ مدينة مصر إلى منية الشيرج بحريّ القاهرة، مسافة لا تقصر عن أزيد من نصف بريد بكثير، كلها منتظمة بالمناظر العظيمة، والمساكن الجليلة، والجوامع، والمساجد، والخوانك، والحمامات، وغيرها من البساتين، لا تجد فيما بين ذلك خرابا البتة، وانتظمت العمارة من وراء الدور المطلة على النيل حتى أشرفت على الخليج.

فبلغ هذا البرّ الغربيّ من وفور العمارة وكثرة الناس وتنافسهم في الإقبال على اللذات وتأنقهم في الانهماك في المسرّات ما لا يمكن وصفه، ولا يتأتى شرحه، حتى إذا بلغ الكتاب أجله وحدثت المحن من سنة ست وثمانمائة، وتقلص ماء النيل عن البرّ الشرقيّ، وكثرت حاجات الناس وضروراتهم، وتساهل قضاة المسلمين في الاستبدال في الأوقاف وبيع نقضها، اشترى شخص الربعين والحمامين ودار الوكالة التي ذكرت على زريبة السلطان بجوار الجامع الطيبرسيّ، في سنة سبع وثمانمائة، وهدم ذلك كله وباع أنقاضه، وحفر الأساسات واستخرج ما فيها من الحجر وعمله جيرا، فنال من ذلك ربحا كثيرا، وتتابع الهدم في شاطىء النيل وباع الناس أنقاض الدور، فرغب في شرائها الأمراء والأعيان وطلاب الفوائد من العامة، حتى زال جميع ما هنالك من الدور العظيمة والمناظر الجليلة، وصار الساحل من منشأة المهرانيّ إلى قريب من بولاق كيمانا موحشة، وخرائب مقفرة، كأن لم تكن مغنى صبابات، وموطن أفراح، وملعب أتراب، ومرتع غزلان تفتن النساك هناك، وتعيد الحليم سفيها سنة الله في الذين خلوا من قبل، وإني إذا تذكرت ما صارت إليه أنشد قول عبد الله بن المعتز:

ص: 236